التطليق لسجن الزوج بين الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة - دنيا النعيمي

 




التطليق لسجن الزوج بين الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة

The divorce of the husband ' s imprisonment between Islamic jurisprudence and the family code

دنيا النعيمي / حاصلة على الماستر في قانون الأسرة ( جامعة محمد الخامس -  كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بالسويسي- الرباط).

Dounia AL NAIMI

 

ملخص البحث:

عرفت مدونة الأسرة الجديدة لسنة 2004 مجموعة من الإصلاحات التشريعية التي تم من خلالها معالجة النواقص التي كانت تعرفها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لسنتي 1957 و 1993، ومن بينها مسطرة التطليق لسجن الزوج التي كانت غائبة في هذه الأخيرة، الا أن بعض الأحكام القضائية كانت تعمل على قبولها، في حين البعض الآخر يرفضها لانعدام السند القانوني.

 وأمام هذا التضارب القضائي، عمل المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) على الحسم في الموضوع و ذلك بالاستجابة لطلب التطليق لسجن الزوج بالاستناد على المادة 56 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة.

الكلمات المفتاحية: التطليق لسجن الزوج- إصلاحات تشريعية- مدونة الأحوال الشخصية الملغاة- مدونة الأسرة- الفقه الإسلامي- العمل القضائي.

 

                                                  

Abstract:

The new family code of 2004 introduced a set of legislative reforms through which the gaps of the abolished personal status code of 1957 and 1993. Including the divorce procedure for imprisoning the husband, which was absent in the latter, but some judicial decisions were working on accept it while others reject it for lack of legal basis.

As for this judicial conflict, the Supreme Council (currently the Court of Cassation) worked to resolve the issue by responding to the divorce request for imprisoning the husband based on Article 56 of the abolished Personal Status Code.

Key words : Divorce for the imprisonment of the husband – legislative reforms - the abolished personal status code - the family code - Islamic jurisprudence – judicial work..

 

 


 

مقدمة

يعتبر الزواج ميثاق ترابط وتراض بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف و و إنشاء أسرة، هذا العقد المقدس يكتسي أهمية أساسية وذلك لكونه يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية كحفظ الدين  وحفظ  النسل لقوله تعالى :" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "[1]

 إلا أن هذه العلاقة الزوجية قد تتعرض للانحلال في حالة الإخلال بالواجبات والالتزامات الزوجية، فكما شرع الاسلام الزواج، أحل كذلك الطلاق عند استحالة استمرار العلاقة الزوجية و غياب المودة و الرحمة و التفاهم بينهما و قد جعله الله تعالى أبغض الحلال لقوله عليه السلام و الصلاة : ''ان أبغض الحلال عند الله الطلاق''،كما قد عمل القانون الأسري على تحديد عدة أنواع من الطلاق والتطليق كالتطليق للشقاق و الطلاق المملك و الطلاق الإتفاقي و الطلاق للخلع و التطليق لعدم الانفاق و التطليق للهجر و الايلاء و التطليق للغيبة و التطليق للضرر و التطليق لسجن الزوج، و هذا الأخير يعتبر محور دراستنا اذ يعتبر من المستجدات القانونية التي جاءت بها مدونة الأسرة الجديدة لسنة 2004 و يحمل في طياته مجموعة من الإشكالات القانونية و القضائية.

من خلال ما سبق، يمكن طرح الإشكالية التالية:ما هي مسطرة التطليق لسجن الزوج وما هي اشكالاتها القانونية  ؟

المطلب الأول: التطليق لسجن الزوج وفق الفقه الإسلامي

ونجد أن بعض الفقه قد قاس التطليق لسجن الزوج على التفريق للغيبة وذلك لاشتراكهما في علة واحدة ألا وهي الحاق الضرر للزوجة بسبب بعد الزوج عنها.

اختلف الفقهاء[2] في جواز التفريق للحبس على قولين، حيث منهم من أجاز ذلك ومنهم من لم يجيزونه من جهة نجد أصحاب القول الأول وهم المالكية والفقيه الحنبلي ابن تيمية:

ففي المذهب الحنبلي :تم تحديد المدة في ستة أشهر فأكثر و ذلك بالاستناد الى الحديث الذي رواه عبد الرزاق عن ابن جريح حيثسمع عمر بن الخطاب و هو يطوف امرأة تشتكي من فراق زوجها حيث قالت : "أغربت زوجي منذ أربعة أشهر و قد اشتقت اليه فقال أردت سوءا فقالت معاذ الله، قال فأملكي على نفسك فإنما هو البريد اليه فبعث اليه، ثم دخل على حفصة فقال اني سائلك عن أمر قد أهمني فأخرجيه عني كم تشتاق الزوجة الى زوجها فخفضت رأسها فاستحيت فقال فان الله لا يستحي من الحق، فأشارت خمسة أشهر و الا فستة فكتب عمر أن لا تحبش الجيوش فوق ستة أشهر."

أما الامام ابن تيمية فقد حدد المدة في أربع سنوات حيث قال: " فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما من تعذر انتفاع امرأته به اذا طالت فرقته كالقول في امرأة المفقود."[3]

ويقول في فتاويه في باب " عشرة نساء"'' القول في امرأة الأسير المحبوس ونحوهما مما يتعذر انتفاع امرأته به اذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود.''[4]

وفي المذهب المالكي، لامرأة الأسير والمحبوس أن ترفع أمرها إلى القاضي طالبة التفريـق، وذلـك بعـد مرور سنة على حبسه، وهو قول المالكية، كما أن المذهب المالكي قد سوى في الحكم بين الغيبة اختيارا أو قسرا، و بين الغيبة لعذر أو لغير عذر.[5]

ومن ناحية أخرى، أصحاب القول الثاني وهم الشافعية والحنفية:

لم يرد عن الحنفية والشافعية نص خاص بحكم زوجة المحبوس والأسير، إلا أنه يفهم مما ذهبوا إليه عند حديثهم عن زوجة المفقود، أنهم لا يجيزون التفريـق لزوجـة المحبـوس والأسير مهما طالت مدة الحبس، فقد جاء في تعريف الحنفية للمفقود بأنه:

" من غـاب عن أهله أو بلده، أو أَسره العدو، ولا يدري أحي هو أو ميت.''

وجاء عن الشافعي في عرض حديثه عن امرأة المفقود:

"فكذلك عندي امرأة الغائب، أي غيبة كانت مما وصفت أو لم أصف، بإسار عدو أو بخروج الزوج.''

أما فيما يخص المدة التي يحق لزوجة المسجونان تطلب بعدها التطليق، فهي من مسائل الاجتهاد، فقد روي عن مالك رحمه الله أنه يتعين مرور سنة يتحقق فيها الضرر وتشعر المرأة فيها بالوحشة حتى يحق لها المطالبة بالتفريق، و يقول الدسوقي :

"لا يطلق من ترك الوطء لغيبته الا اذا طالت مدة الغيبة و ذلك كسنة فأكثر و هو المعتمد "و يقول الدردير لكن الغائب لابد من طول سنة فأكثر و قال ابن عرفة " السنتان و الثلاث ليس بطول بل و لابد من زيادة عليها، الا أن الراجح في المذهب هو السنة."[6]

 وروي عن غيره ثلاث سنوات، وروي عن أحمد أن لها طلب التفريق بعد ستة أشهر، وهو المختار لنا لأنها أقصى مدة تستطيع المرأة الصبر فيها على غياب زوجها، وهو اجتهاد عمري سنه الفاروق رضي الله عنه، وينبغي أن تطلب ذلك من الزوج أولا لأنه صاحب العصمة، فإن أجابها إلى ذلك فقد قضي الأمر، وإن أبى وأصر على إمساكها رفعت أمرها إلى القضاء إن كانت في بلد من بلاد المسلمين، أو إلى المركز الإسلامي إذا كانت خارج ديار الإسلام، ولمن نصبته الجالية المسلمة للنظر في هذه القضايا ولاية التطليق على من يمسك زوجته ضرارا بعد التثبت وتحقيق الوقائع والإعذار بضرب الآجال المناسبة عند الاقتضاء.[7]

في حين، لم يجز جمهور الفقهاء غير المالكية التفريق لحبس الزوج أو أسره أو اعتقاله، لعدم وجود دليل شرعي بذلك. ولا تعد غيبة المسجون ونحوه عند الحنابلة غيبة بعذر.[8] أما المالكية فأجازوا طلب التفريق للغيبة سنة فأكثر، سواء أكانت بعذر أم بدون عذر، كما تقدم. فإذا كانت مدة الحبس سنة فأكثر جاز لزوجته طلب التفريق، ويفرق القاضي بينهما، بدون كتابة إلى الزوج أو إنظار وتكون الفرقة طلاقا بائنا.[9]

المطلب الثاني: مسطرة التطليق لسجن الزوج على ضوء مدونة مدونة الأسرة

تعد مسطرة التطليق لسجن الزوج من مستجدات مدونة الأسرة الجديدة لسنة 2004 حيث لم يتم التنصيص عليها في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لسنتي 1957 و 1993، لكن تم قياس التطليق لسجن الزوج على نهج التطليق للغيبة لكونهما يشتركان معا في الحاق الضرر الى الزوجة طبقا للمادة 56 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة،  الا أنه جاءت مسطرة التطليق لسجن الزوج كمقترح في مشروع قانون 1994 و ذلك ضمن الفقرة الثالثة من المادة 57 لكن لم يؤخذ به حيث يرى ذ. أحمد الخمليشي أن سبب ذلك الحذف يرجع لكون السجن لا يرد كسبب مستقل للتطليق و أنه يعتبر عذرا قاهرا لا يجعل الزوج مهملا لواجباته بإرادته الاختيارية، في حين عاب ذ. محمد الكشبور حذف هذا المقتضى لكونه يشكل احتياجا مهما على مستوى العمل القضائي.[10]

فرغم هذا الفراغ التشريعي الذي كان سائدا، الا أنه على مستوى الممارسة القضائية، فقد صدرت مجموعة من الأحكام والقرارات التي سمحت بسلوك مسطرة تطليق الزوجة لسجن الزوج ومنهاحكم المحكمة الابتدائية بالصويرة[11]  :'' ادانة الزوج بالسجن من أجل جريمة الاتجار في المخدرات و لمدة أربع سنوات يلحق بالزوجة ضرارا لا يمكن معه دوام العشرة، و خاصة أن الأفعال التي ادين من أجلها تمس بالأخلاق مما يتعين معه الحكم بالتطليق.'' وحكم المحكمة الابتدائية بمراكش[12] التي اعتبرت أن:

'' الحكم على الزوج بثلاث سنوات حبسا من أجل قضية أخلاقية يعتبر ضررا للزوجة يخولها طلب التطليق'' وحكم المحكمة الابتدائية بأكادير[13] :''كون الزوج محكوم عليه بعقوبة المؤبد يجعلها تعاني من أضرار مختلفة نتيجة بعده عنها و استحالة معاشرته و مساكنته و بالتالي عدم استمتاعها بحقوق الزوجية مما يجعل عناصر الفصل 56 متوفرة و يتعين معه الاستجابة لطلبها.''

في المقابل صدرت أحكام أخرى، لا تجيز التطليق لسجن الزوج ومنها حكم المحكمة الابتدائية بمراكش[14] الذي ذهبت الى:'' رفض التطليق لسجن الزوج الذي تمت ادانته مرتين من أجل جريمة الاتجار في المخدرات و الحكم عليه في الأولى بشهرين نافذين و الثانية بسنة و نصف حبسا نافذا و ذلك راجع الى خلو التشريع المغربي من أي نص قانوني ينظم التطليق لهذا السبب و الحال نفسه بالنسبة للفقه و أنه يعتبر عذرا قاهرا لا يجعل الزوج مهملا لواجباته كما في الغيبة خصوصا.''

وأمام هذا التضارب القضائي، حسم المجلس الأعلى بإصدار قرار[15]ذهب من خلاله: الى اعتبار أن سجن الزوج يعتبر غيبة تبرر التطليق طبقا للفصل 57 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة." وفي قرار آخر[16] تأييد القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بمراكش التي اعتبرت أن سجن الزوج لمدة سنتين يشكل ضررا للزوجة مما يبيح تطليقها قضائيا طبقا لمقتضيات المادة 56 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة.''وفي قرار آخر[17] استند على نفس الركائز للاستجابة لطلب التطليق لسجن الزوج.

الا أن بعد صدور مدونة الاسرة الجديدة، أصبحت لمسطرة التطليق لسجن الزوج سندا قانونيا وعليه فقد مكنت الزوجة سلوك هذه المسطرة طبقا للمادة 106 والتي تنص على ما يلي:

" إذا حكم على الزوج المسجون بأكثر من ثلاث سنوات سجنا أو حبسا، جاز للزوجة أن تطلب التطليق بعد مرور سنة من اعتقاله، وفي جميع الأحوال يمكنها أن تطلب التطليق بعد سنتين من اعتقاله.'' فمن خلال هذه المادة، يمكن استنتاج أن من شروط سلوك الزوجة لمسطرة التطليق لسجن الزوج: من جهة، أن يكون الزوج محكوما بأكثر من ثلاث سنوات سجنا أو حبسا، وبهذا المعنى يجب صدور حكم يقضي بإدانة الزوج من أجل جريمة معاقب عليها بأكثر من ثلاث سنوات سجنا أو حبسا، وبخصوص التشريعات المقارنة فقد حددت مدة الحبس في 3 سنوات على الأقل كالمشرع الأسري الفلسطيني من خلال المادة 96 والمشرع الأسري العراقي من المادة 43.

أما المادة 44 من قانون الأحوال الشخصية لطائفة الموحدين الدروز فقد  حددت مدة سجن الزوج في 10 سنوات و قضاء منها 5 سنوات، في حين نجد أن المشرع الأسري الجزائري قد حذف مدة عقوبة الحبس أو السجن الموجبة للتطليق والتي كانت محددة في سنة أو أكثر من خلال مادته 53 المعدلة بموجب الأمر05/09،كما أنه حدد طبيعة الجريمة المرتكبة و المتعلقة بالجرائم التي تمس شرف الأسرة و التي تستحيل معها مواصلة العشرة و الحياة الزوجية، فالمشرع هنا حدد شرط اقتراف جريمة من طرف الزوج دون الالتفات الى مدة العقوبة أو طبيعتها التي قد تكون بدنية أو غرامة مالية أو هما معا مما جعل ذلك تيسيرا تستفيد منه الزوجة.[18]

 الا ما يمكن طرحه هنا[19]ما طبيعة الحكم الصادر؟ هل يستوجب أن يكون نهائيا؟ وهل يجب أن يكون عن جهة مغربية فقط أو يعتد أيضا بالحكم الأجنبي؟ فرغم أن المشرع الأسري المغربي لم ينص بشكل مباشر على وجوب نهائية الأحكام القاضية بإدانة الزوج، الا بالرجوع الى الدليل العملي لمدونة الأسرة نجد أنه أشار الى ذلك من خلال شرحه للمادة 106.[20]

فالجواب على الإشكالية الأولى، نستحضر ما ذهبت إليها المحكمة الابتدائية بمراكش[21]:''... أن الزوجة أدلت بما يثبت أن الأحكام الصادرة بحق الزوج أصبحت نهائية وغير قابلة للطعن ولتأكيد ذلك فقد تم التنصيص في مشروع قانون 1994 على هذا الشرط أي يجب أن يكون الحكم القاضي بإدانة الزوج بعقوبة مقيدة للحرية نهائيا.''

في حين نجد أن القانون الأسري الفلسطيني قد أشار الى ذلك بشكل صريح في مادته 96 اذ تنص على أنه:لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائيا بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاثة سنين فأكثر أن تطلب إلي القاضي بعد مضي سنة من حبسه للتطليق عليه للضرر ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه. وللقاضي تطليقها عليه طلقة بائنة.'' وكذا قانون الأحوال الشخصية السوداني لسنة 1991 من خلال المادة 190 والتي تنص:«يجوز لزوجة المحبوس بحكم نهائي لمدة سنتين فأكثر طلب التطليـق من زوجها ولا يحكم لها بذلك إلا بعد مضي سنة من تاريخ الحبس."

ومن جهة ثانية، شرط قضاء على الأقل مدة سنة حبسا وفي كل الأحوال فقد نص المشرع الأسري على إمكانية الزوجة طلب التطليق بعد سنتين من اعتقال الزوج

ما يمكن انتقاده أيضا هو كون أن المشرع جعل هذا المستجد المتعلق بالتطليق لسبب السجن من حق الزوجة فقط طبقا للمادة 98 الا أنه يمكن للزوجة أن تكون أيضا في وضعية اعتقال وعليه جاز أيضا للزوج أن يسلك هذا التطليق، طالما أن من آثار هذا الاعتقال، الإخلال بالواجبات الزوجية وعليه سيحدث هذا الإخلال سواء تعلق الأمر باعتقال الزوج أو اعتقال الزوجة فلماذا هذا التمييز تجاه الرجل خاصة أن المادة 51 تنص على مجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين.

و من جهة ثانية، بخصوص الإشكالية الثانية فقد نجد أن الفقرة الثانية من الفصل 418 من ق.ل.ع نص على أنه:'' الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها'' وهذا ما أكده العمل القضائي من خلال قرار المجلس الأعلى[22]:

" الذي ذهب إلى اعتماد الحكم الجنحي الصادر عن القضاء الفرنسي و الذي قضى بإدانة الزوج بسنتين حبسا نافذا من أجل جريمة الاتجار في المخدرات كأساس لقبول دعوى التطليق للضرر مؤكدا أن حيث أن مضمون هذا الحكم يشكل وقائع مادية يعتمد عليه في إثبات الضرر للتطليق.''

في حين نجد أن المشرع الأسري اليمني نص من خلال مقتضيات المادة 52 على إمكانية فسخ الزواج بسبب سجن الزوج المحكوم عليه بعقوبة نهائية بمدة لا تقل عن ثلاث سنوات و ذلك اذا مضى على حبس الزوج مدة لا تقل عن سنة.

وللحفاظ على كيان الأسرة من الانحلال و التفكك فقد ذهب النظام السعودي بخلاف باقي التشريعات الأخرى من خلال قرار صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم (1745) وتاريخ 17/6/1411 هـ أن يتاح للمحكوم عليهم والموقوفين الذين مضى عليهم في السجن ثلاثة أشهر فأكثر فرصة الاختلاء الشرعي بزوجاتهم مرة كل شهر لمدة ثلاث ساعات، مع تخصيص أماكن مناسبة للخلوة الشرعية منفصلة عن أنظار الزوار والمراجعين داخل السجن وتأثيثها بالأثاث المناسب.

كما يجوز منح السجين حسن السيرة والسلوك بعد مضي نصف محكوميته التي لا تقل عن سنة واحدة إجازة مدتها أربع وعشرون ساعة خارج السجن لغرض الخلوة الشرعية.

فبعد تحقق جميع الشروط المنصوص عليها في المادة 106، يتعين الاستجابة لطلب الزوجةو البث في الدعوى في أجل أقصاه ستة أشهر[23]وبعد صدور الحكم القاضي بانحلال العلاقة الزوجية يكون هذا التطليق بائنا طبقا للمادة 122 من مدونة الأسرة وهذا ما سار عليه القانون المصري من خلال المادة 14 من مدونة الأحوال الشخصية المصرية و قانون الأحوال الشخصية العراقي من خلال المادة 45 والقانون الكويتي من خلال المادة 107 من مدونة الأحوال الشخصية الكويتية و المشرع السوداني من خلال مقتضيات المادة 191، خلافا لذلك نجد أن المشرع السوري قد اعتبر التطليق لسجن الزوج طلاقا رجعيا وعليه يمكن للزوج المسجون أن يراجع زوجته اذا تم الافراج عنه قبلانتهاءمدةالعدة.

وما يمكن طرحه أيضا عن مدى أحقية مطالبة زوجة السجين بالنفقة خلال العلاقة الزوجية أثناء تحديد القاضي مستحقات طلاقها؟

فبالرجوع إلى مدونة الأسرة،فإننا لا نجد أي مقتضى ينص على ذلك بشكل مباشر، لكن جاء في كتاب النفقات في الفقه الإسلامي:'' تستحق الزوجة النفقة بالإنفاق اذا حبس زوجها بجريمة اقترفها أو بدين لزوجته أو ظلما.''[24]

الا هناك اختلاف في المذاهب الفقهية[25]وذلك كالتالي:

يرى الحنفية أن نفقة الزوجة لا تسقط بسجن زوجها ولها أن تستدين لتنفقو هذا ما تبعه أيضا المذهب المالكي في عدم اسقاط نفقة زوجة السجين، في حين نجد ان المذهب الحنفي ذهب الى اسقاط نفقة زوجة السجين اذا كانت هي من حبسته و له بحق.

 وفي اتجاه آخر فقد حددت الشافعية موقفين حول استحقاق زوجة السجين للنفقة فمن جهة، اعتبرت نفقتها مستحقة اذا حبس الزوج على حق من حقوقها و كان قادرا على أداء ما حبس عليه و من جهة ثانية، تسقط نفقتها اذا كان حبس على حق من حقوقها و كان معسرا فإنها تعتبر ظالمة و عليه فإنها تسقط نفقتها لأن المنع من جهتها.

فمن أسباب طلب الزوجة التطليق لسجن الزوج هو الضرر الذي لحق بالزوج الآخر جراء هذا الاعتقال والمتمثل من جهة، في الاخلال بالواجبات الزوجية والمنصوص عليها في المادة 51 من مدونة الأسرة كالمساكنة الشرعية والمعاشرة الزوجية التي تعد انسجاما ونتيجة حتمية لما قضت به إرادة الله تعالى،حيث إنه خلق الإنسان وجعله من جنسين مختلفين،و جعل كل جنس يميل إلى صاحبه بميل غريزي تلقائي فتحصل بذلك الهدف المنشود من الحياة الدنيا المتمثل في قيام واستمرار الإنسانية ودوامها.[26]



[1] سورة الروم الآية 21.

[2] عدنان علي النجار، التفريق القضائي بين الزوجين – دراسة فقهية مقارنة بقانون مدونة الأحوال الشخصية الفلسطيني، رسالة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في القضاء الشرعي، كلية الشريعة، قسم القضاء الشرعي في الجامعة الإسلامية بغزة، 2004، ص 125-126.

[3] رزيقي مراد حسني و بوناب المسعود، م.س، ص 17-18.

[4] ليلى بن سدرين الشريف الكتاني، حقوق المرأة بين الفقه والقانون في المغرب مدونة الأسرة والمواثيق الدولية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2015، ص 293.

 [7]سعيد لقلش، سجن الزوج و حق الزوجة منشور على الموقع الالكتروني :https://fiqh.islamonline.net/، يوم 14 أكتوبر 2011،تمت زيارته يوم 28/02/2022 على الساعة 12h01.

[9] وهبة الزحيلي، م.س، ص 69.

[10] يوسف كرواوي، يوسف كرواوي، نفقة زوجة السجين بين الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مجلة المعيار، العدد 44، ص 106-107.

[11] حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالصويرة عدد 47 في الملف عدد 321/91 صار بتاريخ 3 فبراير 1992، ذكره ذ. يوسف كرواوي، ص 107.

[13] حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بأكادير عدد 17/89 في الملف عدد 265/88 بتاريخ 17/01/1989، ذكره د. عبد المجيد غميجة، م.س، ص 240.

[14] حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش تحت عدد 1348 في الملف عدد 2302/92 بتاريخ 24/05/1993، ذكره ذ. هشام ملاوي، التطليق لسجن الزوج، مجلة القصر، العدد 14، ماي 2006، ص 77.

[15] قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 881 بتاريخ 21/07/1992، ذكره د. عبد المجيد غميجة، م.س، ص 240.

[16] قرار صادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 594 في الملف الشرعي عدد 5608 بتاريخ 27/7/1993، ذكره ذ. يوسف كرواوي، نفقة زوجة السجين بين الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مجلة المعيار، العدد 44، ص 108.

[17] قرار صادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 56 في الملف الشرعي عدد 475/2/1/2001، ذكره، ذ. هشام البلاوي، التطليق لسجن الزوج، مجلة القصر، العدد 14، ماي 2006، ص 79.

 [19]هشام ملاطي، التطليق بسبب سجن الزوج، مجلة الواحة القانونية.

[20] وزارة العدل، دليل عملي لمدونة الاسرة، الطبعة الثالثة، فبراير 2007، ص 78.

[21] حكم صادر عنالمحكمة الابتدائية بمراكش رقم 1410 الصادر في الملف عدد 1869/88 بتاريخ 26/06/1989، ذكره هشام ملاطي، م.س.

[22] قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 988 في الملف الشرعي عدد 98/1/2/482 والصادر بتاريخ 2000/10/18، ذكره ذ. هشام ملاطي، م.س.

[23] طبقا لمقتضيات المادة 113 من مدونة الأسرة.

[25] يوسف كرواوي، م.س، 103-104.



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك



من أجل تحميل هذا العدد الثامن عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث