جريمة التفالس والجرائم الملحقة


جريمة التفالس والجرائم الملحقة


9anonak
crimes auxiliaires


تمهيد
دخل المغرب عالم التشريع الحديث بعد التوقيع على معاهدة الحماية، وكانت أول مجموعة تشريعية ظهرت للوجود في هذا المضمار هي ظهائر 12 غشت 1913م،[1] ولكن ما فتئ المغرب يعمل على تحيين هذه القوانين وخاصة بعدما حصل على استقلاله، وكان من بين أهم ما حظي باهتمام المشرع، قانون التجارة الذي حلت محله مدونة التجارة سنة 1996.
واعتبر أهم ما جاءت به هو نظام صعوبات المقاولة وخصص له القسم الخامس منها، حيث تم تحديد الأشخاص الذين يخضعون إليه، والعقوبات الممكن إلحاقها بهم، إذا ما تبينت مسؤوليتهم في الحالة التي آلت إليها المقاولة.
وتتمثل هذه العقوبات بالأساس في سقوط الأهلية التجارية، وفي الغرامات المالية، بالإضافة على الخضوع للجزاءات المنصوص عليها في الباب الثالث من القسم الخامس، إذا ثبت في حقهم أحد الأفعال الواردة ذكرها في الفصول 721 إلى 724 من مدونة التجارية، وهي المكونة بشكل بسيط لجريمة التفالس والجرائم الملحقة بها.
وستكون جريمة التفالس والجرائم الملحقة بها موضوع عرضنا، فما المقصود بها، شروطها، إشكالياتها؟
مقدمة
يقصد بجريمة التفالس تلك الجريمة الجنحية التي يخضع لها التجار المتوقفين عن دفع ديونهم وثبت في حقهم ركنها المادي والمعنوي، فهي آثر من أثار الحكم القاضي بالإفلاس في ظل القانون الملغى، -آثر من آثار الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة في القانون الجديد-. وسميت الجرائم الأخرى ملحقة بها لأنها تلتقي معها نقط معينة بالذات، وإن كانت تختلف عنها في أخرى.
ويعود أصل جريمة التفالس إلى النظام الإيطالي ومنه إلى فرنسا حيث كان يتم التعامل مع المدين بشدة وقساوة، فقد كان ينص القانون، التجاري الفرنسي الصادر سنة 1807 على حبس المفلس أيا كان سبب إفلاسه وعلى حرمانه من كثير من الحقوق المدنية والسياسية.[2] وتلى هذا القانون مجموعة من التشريعات الأخرى قاسمها المشترك هو التخفيف من حدة العقوبة، وذلك إنطلاقا من قانون 4 مارس سنة 1889 الذي ميز بين التجار سيئي النية وحسني النية، مرورا بقانون 20 ماي 1955 بشأن الإفلاس والتسوية القضائية ورد الإعتبار وكذلك قانون 1958 وصولا عند قانون 1985 الذي ألغى مجموعة من الجرائم واكتفى بالنص على التقالس مميزا في ذلك بين التدليسي والبسيط.
أما بخصوص الوضع في المغرب فالمعمول به قبل عهد هو قواعد الفقه الإسلامي، وما جاء به الفقه المالكي، وما جرى به العمل والعادة، وبموجب هذه القواعد كان بالإمكان الحجز على المفلس، واقتضاء الدين مما تبقى من أمواله، أو حبسه حتى يدفع إلى الدائنين أموالهم[3]...، أما في عهد الحماية وخاصة بعد سنة 1912 وبالضبط في سنة 1913 صدر القانون التجاري وأضحى هو المعمول به، إلى جانب ما هو وراد في القانون الجنائي، حيث كان يتم التمييز بين التفالس البسيط والتدليسي[4].
وبقي الأمر على هذا الحال إلى حيث صدور قانون 15-95، المتعلق بمدونة التجارة، الذي نظم أحكام التفالس، وتفادى الشتات الذي كانت تعرفه قواعده، ولم يعد يمييز بين التفالس البسيط والتدليسي.
ورغم هذه الخطوة الإيجابية لمدونة التجارة، فإن عدم إيرادها لنص صريح يقضي بإلغاء مقتضيات القانون الجنائي خلق نقاش بخصوص مدى تجاوز قواعد القانون الجنائي، أم أنه لا زال العمل بها جاريا إلى جانب ما هو متضمن في مدونة التجارة.
نعم ما كان ليطرح هذا الإشكال أو أن المشرع المغربي أفصح صراحة بنص صريح على إلغاء مقتضيات القانون الجنائي، أو قضى بالعمل بها إلى جانب مدونة التجارة. وفي غياب هذه الإشارة الفصيحة فإن هناك جانب من الفقه المغربي يسير في اتجاه إلغاء القانون الجديد للقانون القديم بناءا على نص المادة 733 من مدونة التجارة[5].
أما عن المجلس الأعلى فقد وجدنا قرارا[6] صادرا بعد صدور مدونة التجارة، يستفاد منه أن أعلى هيئة قضائية في المغرب لا زالت تمييز بين التفالس البسيط والتدليسي، وما التمسنا لهذا القرار من عذر سوى كون وقائعه نشأت قبل صدور القانون التجاري الجديد لسنة 1996.
وقصدنا بعد هذا المشرع ثانية، لعلنا نحصل منه على جواب عن الإشكال المطروح، فأجابنا فعلا، برد زاد الطعن بلة، ذلك أنه لا زال يتحدث عن التفالس البسيط والتدليسي في مدونة التأمينات لسنة 2002، وذلك في المواد 281 و282، 283.[7]
وقد عبر أستاذنا عبد الحفيظ بلقاضي عن هذا الخلط بكون تناقض صارخ لا يمكن للفقه ولا للقضاء حله، وحده المشرع قادر على رفعه بتدخل تشريعي، ويضع بموجبه الأمور في نصابها.
وعلى أي فالمنطق السليم يقضي إلغاء مقتضيات مدونة التجارة لما هو وارد في القانون الجنائي بناءا على التناقض الواضح بين القانونين وهذا يفيد إلغاء ضمنيا، للنص القديم بموجب النص اللاحق، خاصة وأن هذا الفهم لا يتنافى مع المادة 474 من قانون الالتزامات والعقود، علما بأن من شروط إلغاء القانون الجديد للقديم التعارض في مبنى النصوص[8] وإستحالة تطبيق القاعدة الجديدة مع القاعدة القديمة في وقت واحد.
هذا، ونظيف أن هناك مجموعة من المبادئ القانونية تسعفنا في الأخذ بالإلغاء الضمني، ومن ذلك مبدأ القانون الأصلح للمتهم، وما جاءت به مدونة التجارة أفيد وأحسن، فمن جهة ربطت العقاب على جريمة التفالس بضرورة صدور حكم من المحكمة المختصة يقضي بفتح مسطرة المعالجة، ومن جهة أخرى ألغت التمييز بين التفالس التدليسي والبسيط، ومن ناحية أخرى هي أكثر رأفة ورحمة بالمعاقب إذ خولت للقاضي سلطة تقديرية في النطق بالعقوبة الحبسية أو استبدلها بالعقوبة المالية فقط، بعدما كانت العقوبة حبسية فقط.
وتكتسي جريمة التفالس أهمية يمكن استخلاصها من خلال الجواب على التساؤل التالي، لماذا المشرع المغربي يعاقب على الأفعال المكونة لها، ولماذا أساس يعطيها وصف الجريمة؟ فإن توفرت لمنشئ المقاولة إمكانية إنشاء هذه الأخيرة فهو حر، وإن أراد حلها فهو كذلك حر ليفعل ما شاء بأصوله.
فلما نعاقبه على التصرف في أمواله؟
إن الجواب على هذا التساؤل هو الذي يبرز لنا أهمية هذه الجريمة، حيث من خلالها يحاول المشرع الحفاظ على المقاولة ذاتها، وعلى أموال منشئيها، من تعسف مسييرها، وحماية حقوق المتعاملين معها، وفي الحفاظ على عليها –المقاولة- حفاظا على الاقتصاد الوطني، وحفاظا على حقوق العاملين بها، وبشكل بسيط أهميتها هي الحفاظ على استمرارية المقاولة فردية كانت أو جماعية، لما في صيانتها من توقي مجموعة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تنتج عنها، وعليه قال البعض بضرورة إدراجها ضمن القانون الجنائي للأعمال، وهي مناسبة ننادي فيها المشرع لإخراج قانون جنائي للأعمال يعمل على جمع شتات جرائم الأعمال بين هذه المدونة وتلك.
فهل إستطاع المشرع المغربي أن يسيطر على إشكالات جريمة التفالس بدءا بشروطها، وعناصرها وإجراءات المتابعة فيها والعقاب عليها وصولا إلى رد الاعتبار.
وسنسعى قدر المستطاع من خلال هذا العرض أن نعطي صورة واضحة لهذه الجريمة من خلال تقسيمه إلى فصلين يخصص الأول:
شروط وعناصر قيام جريمة التفالس.
الفصل الثاني: الجرائم الملحقة وإجراءات المتابعة.
الفصل الأول: شروط وعناصر قيام جريمة التفالس
بداية سنتناول في المبحث الأول لشروط جريمة التفالس لنخصص الحديث عن العناصر في المبحث الثاني.
المبحث الأول: شروط قيام جريمة التفالس
 ورد في المادة 721 من مدونة التجارة ما يلي: "يدان بالتفالس في حال افتتاح إجراء المعالجة الأشخاص المشار إليهم في المادة 702..."
ويؤخذ من متن المادة أعلاه ضرورة توفر شرطين لا غنى عنهما لقيام جريمة التفالس:
شرط فتح مسطرة المعالجة (مطلب أول)
وشرط الصفة:(مطلب ثاني)
المطلب الأول:
 شروط فتح مسطرة المعالجة
جاء في المادة 560 من مدونة التجارة "تطبيق مساطر معالجة المقاولة" على كل تاجر وحرفي، وكل شركة تجارية ليس بمقدورهم سداد الديون المستحقة عليهم عند الحلول.
نرى قبل الخوض في هذا الجواب عن سؤال ما هي شروط فتح المسطرة، أن نشير إلى أن هذا الشرط هو شرط مفترض، ومعيار أساسي، بالنسبة لجريمة التفالس، إنه مفتاحها حيث غيابه يعني غياب جريمة إسمها التفالس، فهو بذلك المميز لها عن باقي الجرائم الأخرى المشابهة لها من قبيل جريمة إساءة استعمال أموال الشركة. وعليه فهو ليس عنصر من عناصرها بل خارج عنها، ولكنه لازم لها. وبعد هذه التوطئة نعود ونقول بأن شروط فتح مسطرة المعالجة تتمثل في ما يلي:
الفقرة الأول: شروط صفة تاجر
الفقرة الثانية: التوقف عن الدفع
الفقرة الثالثة: ضرورة صدور حكم يقضي بفتح المسطرة.
   الفقرة الأول: صفة تاجر
          تعتبر مساطر صعوبات المقاولة، نظام خاص بالتجار وحدهم، فهو لا ينطبق على غيرهم، ولذلك يشترط فمن يصدر حكما في حقه بفتح مسطرة المعالجة أن يكون تاجر وهذا الأخير -وفقا لمدونة التجارة لسنة 1996- هو كل من يصدق فيه مضمون المواد 6 و7 و11 بالنسبة للشخص الطبيعي، أما الشركات التجارية فهي تاجر بحسب شكلها وتكتسب الشخصية المعنوية بتسجيلها في السجل التجاري.
أما شركة المحاصة فهي تجارية إذا مارست التجارة. وعلى هذا ينطبق نظام صعوبات المقاولة على التجار الأفراد وعلى الشركات التجارية.
أولا: التجار الأفراد:
ليس هناك نقاش أن الفرد الذي إعتاد أو إحترف القيام بالأعمال التجارية يعتبر تاجرا، لكن هل هذه القاعدة تسري حتى على القاصر، على الولي، على الموظف، على المحامي وعلى كل من يزاول مهنة أخرى أصلية إلى جانب مهنة تاجر؟
 إن أهمية الجواب عن هذا السؤال لا تكمن في تحديد هل يكتسبون صفة تاجر أم لا؟ لكن أيضا في مدى إمكانية إخضاع هؤلاء لأحكام جريمة التفالس.
أ‌-      القاصر والولي:
جاء في المادة 209 من مدونة الأسرة الجدية ما يلي "سن الرشد القانوني هو ثمانية عشرة سنة شمسية كاملة. وفي المادة 218 من نفس المدونة ورد ما يلي" إذا بلغ القاصر السادسة عشرة من عمره جاز له أن يطلب من المحكمة ترشيده."
وجاء فيها أيضا: يترتب من الترشيد تسلم المرشد لأمواله وإكتسابه الأهلية الكاملة في إدارتها والتصرف فيها..."
وجاء في المادة 12 من مدونة التجارة لسنة 1996: تخضع الأهلية لقواعد الأحوال الشخصية مع مراعاة الأحكام التالية أي المواد 13، 14، 15، 17 من نفس القانون.
يتضح من خلال المدونتين الأسرية والتجارية أن الثانية تحيل على الأولى، بخصوص قواعد الأهلية، ويظهر أن القاصر هو من لم يصل سن 18، ومن لم يتم ترشيده، وبالمفهوم المخالف فإن الذي بلغ سن الثمانية عشر، ومن تم ترشيده، ومارس التجارة بشكل اعتيادي واحترافي يكتسب صفة تاجر ويمكن تبعا لذلك فتح مسطرة المعالجة في حقه. لكن إذا مارس القاصر التجارة دون ترشيده أو رشده، وإذا مارس الولي شؤون تجارة القاصر هل يعتبرون تجارا؟
يرى الفقه والقضاء المصري أنه يجوز شهر إفلاس القاصر الذي بلغ سن 18 من عمره وأذن له الاتجار، إذ أنه كامل الأهلية فيها إذن له فيه، بيد أنه يمتنع شهر إفلاس القاصر غير المأذون له في الإتجار ولو كان يقوم بأعمال تجارية.[9]
وإذا آلى إلى القاصر مال في تجارة قائمة، فإنه يجوز للولي أو الوصي أن يستثمر في هذه التجارة لحساب القاصر بإذن من المحكمة، وفي هذه الحالة لا يكتسب الولي أو الوصي صفة تاجر ويمتنع شهر إفلاسه.[10]
ويبدو أن هذا الأمر منطقي من حيث إن الولي لا يمارس التجارة لحسابه الخاص، كما أن القاصر لا يمكن ان يكتسب صفة تاجر لنقض أهليته من تم لا يجوز شهر الإفلاس في وجههما.
وأمام هذا الإتجاه، هناك جانب أخر من الفقه ذهب إلى إعتبار القاصر نفسه تاجرا ويجوز شهر إفلاسه، لكن حصر أثار هذا الأخير على أمواله دون شخصه.[11]
أما بخصوص الفقه المغربي فيما يتعلق بهذا الإشكال أعلاه، أي في حق من تفتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، في حق القاصر أم الولي أم المقدم؟
يرى الأستاذ لفروجي بأن الوصي أو المقدم الذي يدير أموال القاصر يكتسب صفة تاجر، مؤيدا رأيه بتأكيد المشرع المغربي على أن يسجل الوصي أو المقدم إسمه في السجل التجاري، وإنطلاق من أن التسجيل في هذا الأخير يضفي على المسجل به صفة تاجر، فإن الوصي أو المقدم يحمل صفة تاجر، ومع ذلك فإن مسطرة المعالجة تشهر في أموال القاصر.[12]
هذا عن القاصر فماذا بشأن الأجنبي والمرأة.
أ-المرآة وصفة تاجر.
ب-الأجنبي وصفة تاجر.
أ‌-     المرأة وصفة تاجر
دأب القانون التجاري المغربي القديم على ربط حق المرأة في ممارسة التجارة بإذن زوجها، فهي وإن بلغت سن الرشد القانوني، فهي قاصر لولوج الميدان التجاري إلى حين حصولها على إذن بعلها، وبقي الحال على هذا النحو إلى حين صدور مدونة التجارة لسنة 1996، التي أزالت الشرط، ومنحت للمرأة حق امتهان التجارة في استقلالية عن رخصة من زوجها، وذلك صراحة في المادة 17، التي جاء فيها: "للمرأة الحق في أن تمارس التجارة دون أن يتوقف ذلك على إذن من زوجها". وعليه إذا بلغت 18 سنة ومارست التجارة تفتح في حقها مساطر المعالجة، لأنها تكتسب صفة تاجر.
ب-الأجنبي وصفة تاجر
تجيبنا المادة 15 من مدونة التجارة لسنة 1996 عن وضعية الأجنبي لممارسة التجارة في المغرب، فقد جاء فيها "يعتبر الأجنبي كامل الأهلية لمزاولة التجارة في المغرب ببلوغه عشرين سنة كاملة ولو كان قانون جنسيته يفرض سنا أعلى مما هو منصوص عليه في القانون المغربي"، ونضيف عبارة أخرى إلى هذا النص، هي وكذلك حتى ولو كان قانون جنسية يفرض سنا أقل مما هو منصوص عليه في القانون المغربي.
نشير بداية إلى مراعاة تعديل مدونة الأسرة الجديدة لسنة 2004 التي أصبحت تجدد سن الرشد في 18 سنة بدلا من 20 سنة، والترشيد في 16 بدلا من 18 سنة. وهذا يفرض تدخلا المشرع لتعديل هذه المادة.
أما لأجنبي الذي لم يبلغ سن الرشد المغربي، فإن المشرع ألزمه بموجب المادة 16 من مدونة التجارة بضرورة حصوله على إذن من رئيس المحكمة التي ينوي ممارسة التجارة بدائرتها. حتى ولو كان قانون جنسية يقضي بأنه راشد، وبعد تقييد هذا الإذن في السجل التجاري، يحق له ممارسة التجارة داخل المغرب، وتفتح في وجه مساطر صعوبات المقاولة، حالة توفر شروطها.
ثالثا: التاجر الذي أعتزل التجارة:
يجوز شهر إفلاس التاجر الذي اعتزل التجارة وهو الرأي المتبنى من قبل محكمة النقض الفرنسية، التي صرحت في عدة قرارات لها، بأن التاجر المنقطع عن ممارسة الأنشطة التجارية يضل خاضعا لنظام المساطر الجماعية طالما لم يتم قبل توقفه عن الدفع بمبادرة التشطيب على إسمه في سجل التجارة والشركات.[13]
ولكنه في الحالة التي لا يكون فيها مسجلا في السجل التجاري، فإنه لا يحق له أن يحتج على الغير أمام المحكمة التجارية المرفوعة إليها دعوى فتح مسطرة المعالجة بفوات أجل السنة، إلا إذا أتبت بوسائل دامغة أنه إنقطع فعلا عن تعاطي التجارة قبل توقفه عن دفع ديونه[14]، وفي غياب دلك، فلا مفر له من فتح مسطرة المعالجة في حقه، ومتابعته بجريمة التفالس إذا ثبت ركنها المادي والمعنوي، وتحقق شرطها المفترض.
ونشير في نهاية هذه النقطة أن الشخص الذي يزاول نشاطا أساسيا مثل الوظيفة العمومية، أو مهنة حرة يكمن فتح مسطرة المعالجة في حقه بناءا على ما جاء في المادة 11 من مدونة التجارة التي تنص "يعتبر تاجرا كل شخص اعتاد ممارسة نشاط تجاري رغم وقوعه في حالة الحظر أو السقوط أو التنافي".     
رابعا: الشركات التجارية:
يقض التشريع الفرنسي بإخضاع جميع الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون الخاص إلى مساطر معالجة صعوبات المقاولة، ولم يؤخذ المشرع المغربي بهذه القاعدة حيث حصر فتحها في حق الشركات التجارية، والتجارية بحسب الغرض مثل شركة المحاصة لكن الإشكال هو كيف سنطبق على هذه الأشخاص المعنوية العقاب؟
حقيقة إذا أفلست الشركة فلا يتصور توقيع العقاب البدني عليها بسبب طبيعتها وشخصيتها المعنوية، ولذلك نص المشرع على عقاب الأشخاص المسؤولين عن إدارتها سواء كانوا مسييرين فعليين أم قانونين يتقاضون أجرا أم لا، إذا ثبتت مسؤوليتهم في إيصال الشركة إلى الوضع الميؤوس من علاجه، ويبقى أهم عقاب تتعرض له الشركة هو تصفيتها وحلها.
   الفقرة الثانية: التوقف عن الدفع:
لفتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة تتطلب المادة 560 من مدونة التجارة أن يكون التاجر قد وقف عن دفع ديونه المستحقة عليه عند الحلول، بما في ذلك الديون الناجمة عن الإلتزامات المبرمة في إطار الإتفاق الودي المنصوص عليه في -المادة 556 من مدونة التجارة-، وتوقف المشرع عند هذا الحد دون أن يعمل على صياغة تعريف للتوقف عن الدفع، تاركا بذلك المجال للفقه والقضاء تلك المهمة، اللذين عملا على سد هذا الفراغ، ونسوق فيما يلي النظرية التقليدية والحديثة في تعريف التوقف عن الدفع.
أ-النظرة التقليدية.
ب-النظرة الحديثة.
          أ- النظرة التقليدية:
اعتمدت النظرة التقليدية التفسير الحرفي لعبارة الوقوف عن الدفع، وقررت أن هذا الأخير يتحقق عند عدم دفع الديون في مواعيد استحقاقها، بغض النظر عما إذا كان المدين موسرا أم معسرا تقل خصومه عن أصوله أم تزيد عنها، وتفريغا على ذلك لا يجوز شهر إفلاس التاجر ولو كان معسرا ما دام يوفي بديونه في مواعيد استحقاقها، ولم يبرأ هذا الطرح من الإنتقاذ فجاءت النظرية الحديثة.
ب‌-               النظرية الحديثة:
هجر القضاء الحديث التفسير الضيق للوقوف عن الدفع، وإستقر أن الإمنتاع المادي عن دفع دين أو عدة ديون مستحقة لا يكفي لتكوين حالة الوقوف عن الدفع، بل لا بد من فحص مركز المدين في مجموعه وأسباب امتناعه عن الدفع، وتقدير أثر ذلك وضعه المالي.
وتأسيسا على ذلك يجب مراعاة ما إذا كان الإمتناع عن الدفع راجعا على إضطراب مؤقت وصعوبات عارضة وطارئة في مقدور المدين إجتيازها والتغلب عليها، حينها فلا محل لاعتباره في حالة توقف عن الدفع[15].
ج- موقف الفقه المغربي:
وحسب بعض الفقه المغربي[16] فإن التاجر يكون متوقفا عن دفع ديونه كلما كان هناك عدم أداء دين معين المقدار، ومستحقا وغير منازع فيه، كما صرحت بذلك محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها الحديثة الصادرة في 9 يناير 1996، فالدائن بالدين غير المؤدي لا يملك في أغلب الحالات أية وسيلة لمعرفة السبب الذي يقف وراء عدم قيام المدين بالأداء بالرغم من كون الدين المعني بالأمر معين المقدار وتابتا ومستحقا.[17]
  الفقرة الثالثة: الحكم القاضي بفتح المسطرة
بعد ما يوجد على جانب شرط التوقف عن الدفع شرط التاجر، فإنه لا يبقى سوى حكم قضائي يقضي بفتح المسطرة، ومن تم يمكن المتابعة بجريمة التفالس، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة كما يبدو فقد أثير النقاش حول ضرورة صدور هذا الحكم ومدى إلزامية وجوده، وهل تتوقف الدعوى العمومية ويظل المجرم هاربا من قضية العدالة على حين صدور هذا الحكم الذي قد لا يصدر.
وقبل الإجابة عن هذه الإشكالات بسجل في البداية أن التشريع المغربي حصر حق النظر في القضايا المتعلقة بصعوبات المقاولة في المحاكم التجارية دون غيرها[18]، وذلك خلافا لما يعمل به في فرنسا حيث يكون الإختصاص في هذا الشأن لكل من المحاكم التجارية والمحاكم المدنية هذا يرجع بالأساس إلى أن القانون الفرنسي يطبق نظام صعوبات المقاولة على كل شخص طبيعي له صفة حر في أو صفة مزارع وعلى كل شخص معنوي خاضع للقانون الخاص.
          أما بخصوص ضرورة صدور حكم عدم ضرورته وإكتفاء بالإفلاس الفعلي فقط دون حاجة على حكم يقضي بشهر الإفلاس.
          فيبدو ممكن طرح هذا الطرح في ظل القوانين التي تأخذ بنظام الإفلاس، والتي لا تنص بشكل صريح على ضرورة صدور حكم من المحكمة، المختصة يقضي بشهر الإفلاس، فقد ذهب القضاء الفرنسي القديم إلى الإكتفاء بحالة الإفلاس الفعلي، ولم يوافقه الفقه الفرنسي في نهجه حيث دعى إلى إلزامية صدور حكم يعلن الإفلاس، ليتم بعدها المتابعة بجريمة التفالس.
وعليه فالإجابة عن هذا الإشكال تطرحنا أمام قاعدة "من يعقل من هل الجنائي يعقل التجاري أم العكس هو الصحيح".
أما عن التشريع المغربي، إذا إنطلقنا من المادة 721 التي تقول: يدان بالتفالس في حالة إفتتاح إجراء المعالجة ... فإنه لا مجال للحديث عن مبدأ الجنائي يعقل التجاري، ذلك أنه أن كان يمكن قبول الأخذ بقاعدة الجنائي يعقل التجاري في القانون الملغى لسنة 1913، فإن منطوق المادة 721 واضحة في أن التجاري يعقل الجنائي وذلك معناه عدم فتح مسطرة التفالس في حق الشخص إلا إذا صدر حكم يقضي بفتح إجراءات المعالجة، وأن القول بخلاف هذا يعني معاكسة إرادة المشرع، التي لا يشوبها أي عيب في الدلالة والتعبير، وعليه فإنه لا يمكن يقبل الطرح الذي يقول ما هو موقف النيابة العامة، هل تبقى مكتوفة الأيادي والجريمة قائمة أمامها، ونقول له إن في المواد الجنائية ما يغنيها عن المتابعة على أساس هذه الجريمة، من قبيل جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، خيانة الأمانة ... وذلك حتى نحترم إدارة المشرع التي لها علتها في تقييد المتابعة بجريمة التفالس بصدور حكم بإفتتاح إجراء المعالجة، الذي تبقى المحكمة التجارية وحدها ذات الإختصاص في هذا الشأن، وإلا فما جدوى هذه المحاكم وإنشاؤها، إن أمكن لمحكمة أخرى النظر في بعض قضاياها.
المطلب الثاني:
شـــرط الصفـــة
لقد أثبتت التجارب العملية على أن مجموعة من المقاولات التي تعرضت للإفلاس أو لنظام صعوبات المقاولة، كان سببه سوء تسيير المسيرين أو تلاعبهم بمصالح وأموال هذه المقاولة.
ووعيا من المشرع بذلك وللحد من شطط المديرين للمقاولة نص على جزاءات صارمة تطال كل مسير تبت في حقه أفعال تتنافى مع مصلحة المقاولة.
والمسير إما أن يكون قانونيا أو فعليا:
أ- المسير القانوني:
المسيرون القانونيون هم الذين يتولون بصفة نظامية مهام الإدارة والتدبير أو التسيير في الشركة أي كل الأعضاء القانونيين للشخص المعنوي المعنيين بصفة نظامية، والذين تناطبهم مهام تدبير شؤون الشركة.
وهكذا فلا يدخل ضمن مفهوم المسير القانوني، للشخص الطبيعي الذي لا يستجيب للمعاير أعلاه، سواء لأنه تابع أو لأن مهامه تخرج عن وظيفة الإدارة.
فأجراء الشركة يستبعدون من هذا المفهوم لأنهم تابعون رئاسيا لمسؤولي الشركة، أو خاضعون بالتبعية.
ويستبعد بدورهم الشركاء، وكذا الأشخاص الذين تناط بهم مهمة المراقبة وليس الإدارة والتدبير سواء داخل الشركة أو خارجها.
ب- المسير الفعلي:
لم يعرف المشرع المسير الفعلي وعرفه بغض الفقه بوضح ثلاثة شروط له:
أولا أن يباشر نشاطا إيجابيا، أي أن يشارك بصفة فعلية في التسيير، ثانيا أن يكون التصرف أو النشاط الإيجابي متعلقا بالتدبير أو الإدارة، كإتخاذ قرارات حول الوضعية المالية للشركة، والقيام بمهام الإدارة والتسيير سواء على المستوى التجاري أو المالي.
وثالثا يشترط أن يكون النشاط الإيجابي المرتبط بالتدبير والإدارة صادرا عن المعني بالأمر بكل حرية وإدارة وبكامل الاستقلالية.

المبحث الثاني: عناصر قيام جريمة التفالس
v   الركن المادي:
يعمل الفقه الفرنسي في معالجته للركن المادي على دراسة الحالات النصوص عليها في مدونة الجديدة لسنة 2000.
وبرجوعنا إلى المادة 721 من مدونة التجارة نجدها قد تصمنت الأفعال المكونة لجريمة التقالس: حيث نصت على أنه:
"يدان التقاعس في حالة افتتاح إجراء مسطرة المعالجة الأشخاص المشار إليهم في المادة 702 الذين ارتكبوا أحد الأفعال التالية:
1-قاموا بعمليات شراء فصل البيع بثمن أقل من السعر الجاري، أو لجاؤا إلى وسائل مجحفة قصد الحصول على أموال بغية تجنب أو تأخير فتح المسطرة المعالجة:
2-اختلسوا أو أخفوا كلا أو أجزاء من أصول المدين:
3-قاموا تدليسا بالزيادة في خضوع المدين:
4-قاموا بمسك حسابات وهمية أو أخفوا وثائق حسبية للمقاولة أو الشراكة أو امتنعوا عن مسك أية حسابات رغم أن القانون يفرض ذلك".
5-وبالرجوع إلى النص الأصلي باللغة الفرنسية يمكن حصر الأفعال المادية المعاقب على ارتكابها فيما يلي:
أولا: القيام بعملية الشراء بهدف البيع بثمن أقل من السعر الجاري أو استعمال الوسائل المجحفة.
ثانيا: إخفاء أو إختلاس كلا أو جزءا من أصول الشركة المدنية.
ثالثا: استعمال التدليس للزيادة في خصوم الشركة المدنية.
رابعا: مسك محاسبة وهمية أو إخفاء وثائق محاسبية للمقاولة المدنية أو الامتناع عن مسك محاسبة يفرضها القانون.
   الفقرة الأولى: القيام بعملية الشراء بهدف البيع بثمن أقل من السعر الجاري، أو استعمال الوسائل المجحفة
يلاحظ أن هذه الحالة تتقسم بدورها إلى حالتين: الأولى تتعلق بالشراء قصد البيع بثمن أقل من السعر الجاري "أولا" والثانية: تتمثل في استعمال وسائل مجحفة بغية تجنب أو تأخير فتح مسطرة المعالجة.
أولا: حصول عملية الشراء بقصد البيع بثمن دون السعر الجاري:
يقصد عمليات الشراء بفصل البيع بثمن أقل من السعر الجاري، تلك العمليات التي تنصب على شراء كمية كبيرة أو صغيرة من السلع والبضائع التي تستخدم بهدف تسيير المقاولة: لكن المدين هنا يشتريها وفي نيته إعادة بيعها حالا وبسعر أقل من السعر العادي المتعارف عليه في السوق قصد حصوله على الأموال الكافية ليواجه بها الديون الملقاة على عاتق مقاولته ظنا منه أن ذلك سيحقق استمراريتها، وإفلالتها من الدخول في مستنقع الديون.
ويمكن إرجاع العلة في تجريح هذا النشاط في منع مسير المقاولة أو الشركة من التحايل لتوفير قدر من السيولة لديه عن طريق اللجوء إلى وسائل من شأنها أن تسيء إلى الوضع المالي للمقاولة أكثر مما وصلت إليه.
وهنا يظهر أن صياغة الفقرة الأولى من المادة 721 من قانون التجارة أنها تشرط لقيام جنحة التفالس في هذه الحالة توفر عنصرين:
1-أن تحصل عملية الشراء.
2-أن تكون هناك نية البيع بأقل من السعر الجاري أي البيع بخسارة، وإذا أخذنا بالمعنى الضيق للنص نستطيع أن نقول أن الخسارة تتحقق بمجرد النزول عن قيمة المبيع الفعلية، غير أنه لا يعتبر مرتكبا لجنحة التفالس مسير الشخص المعنوي المدين الذي قام بيع بضاعة معروضة للتلف بسعر أقل من السعر الجاري لأن الدافع الأساسي للبيع في هذه الحالة تبرره أسباب واقعية واقتصادية ، ولأن عدم البيع سيؤدي إلى خسارة.
3-يبقى أن نشير أن معرفة ما إذا وقع البيع بخسارة أم لا يعتبر مسألة موضوعية يتكفل بتقديرها قاضي الموضوع، ويستعمل في مسألة ذلك كل أدلة الإثبات المقدمة إليه منها الرجوع إلى الفاتورة التي تتضمن الثمن الحقيقي للشراء.
4-كما يجب على القاضي أن يحدد بدقة جميع البيانات الأساسية المتعلقة بالبضاعة المبيعة وطبيعتها التعرف على مدى جودتها.
ثانيا: استعمال وسائل مجحفة قصد الحصول على الأموال:
استعمل المشرع هنا عبارة دقيقة جدا حينما قال: وسائل مجحفة ونظرا لدقتها فقد تطرح صعوبات جمة أمام قاضي الموضوع عند تكيفه للواقعة التي قد تشكل وسائل مجحفة لأموال المقاولة، فما هو المقصود بالوسائل المجحفة؟ وما هي معايير التميز بينها وبين الوسائل التدليسية المستعملة بغرض الحصول على أموال المقاولة؟ يقصد بالوسائل  المجحفة في اللغة: الوسائل المؤدية للإفلاس والخراب، أما في لغة القانون: فلم يعطي الفقه تعريفا محددا للوسائل المجحفة، لكنه اعتبر وسيلة مجحفة كل وسيلة تنطوي وتشمل كافة الأساليب والخطط والعمليات التي ترمي إلى الحصول على أموال تحقق استمرارية  مصطنعة للمقاولة التي تعتريها من صعوبات هذا من جهة، من جهة أخرى ميز الفقه والقضاء الفرنسيان بين وسائل المجحفة بالضرورة من ناحية والتي من شأنها بالنظر إلى طبيعتها الإضرار بالمقاولة من قبيل اللجوء إلى قروض بفوائد باهضة ومن ناحية ثانية، الوسائل التي لا تكون مجحفة إلا نسبيا، أي بالنظر إلى الوضعية الخاصة للمقاولة، كما يعتبر المسير مستعملا لوسيلة إجحاف إذا إقترض من البنوك مجموع من الأموال مقابل فوائد جد مرتفعة، وتداول أوراق المجاملة التجارية كحالة خصم كمبيالات المجاملات بسعر باهض أوالقيام بعمليات اقتراض لا تتناسب مع الوضع المالي للمقاولة.
غير أن التعاقد على قرض أو الحصول على دفع مالي من مؤسسة بنكية لا يشكل في حد ذاته وسيلة مجحفة للحصول على أموال لفائدة المقاولة، لذلك يجب على القاضي الموضع أن يحصر بدقة العناصر التي تشكل استعمالا مجحفا من أجل تفادي أو تأخير فتح مسطرة تسوية القضائية ضد المقاولة المتوقفة من الدفع وذلك قبل أن يصدر حكما بإدانة المسير من أجل جريمة التفالس، ولتقدير الطابع التدليسي أو المجحفة يجوز للقاضي أن يعتمد على العلاقة ما بين التمويل من جهة، وتكلفتها من جهة ثانية، أخذا في الإعتبار وضعية المقاولة المالية.
   الفقرة الثانية: إخفاء أو اختلاس كل أو جزء من أصول المقاولة أو الشركة:
هذه الأفعال نصت عليها الفقرة الثانية من المادة 721 من المدونة بقولها "اختلسوا أو أخفوا كلا أو جزءا من أصول المدين".
وهذه الفقرة هي الأساس في متابعة كل مسير من أجل جريمة التفالس إذا إختلس أو أخفى كلا أو جزءا من أصول الشركة.
ونلاحظ أن المشرع في الفقرة الثالثة أعلاه عاقب على فعلين إذا ترتب عنهما مساس بأصول الشركة المفتوحة في مواجهتها مسطرة التسوية القضائية وهاذين الفعلين هما الإخفاء » أولا «  والإختلاس » ثانيا « .
أولا: إخفاء أصول الشركة
يفترض لقيام فعل الإخفاء أن يمتنع المدين بإرادته عن إظهار كل أو جزء من أصول المقاولة حتى لا يعلم بها الدائنين أو الغير ويتميز الإخفاء عن الإختلاس في أن الأول يتمثل في قيام المدين بعمل سلبي كامتناعه عن إعطاء الدائنين لفكرة واضحة عن قيمة الأصول، إما الإختلاس فيتمثل كما سنرى في قيام المدين بفعل إرادي إيجابي كما في حالة سحبه لمبلغ كبير من حساب الشركة بعد توقفها عن دفع ديونها.
وغالبا ما يصعب إثبات الإخفاء من الناحية العملية كما أن حالاته قليلة ونادرة جدا ومن بين حالات الإخفاء التي يمكن اعتبارها تفالس امتناع المسير عن التصريح بوجوده في حالة عجز عن سداد ديون المقاولة كلا أو جزءا.
ثانيا: إختلاس أصول الشركة
 يقصد بالإختلاس في ميدان التجارة والأعمال، التصرف في أموال الشركة عن طريق الاستعمال أو الاستغلال، وهو المفهوم الذي استقرت عليه محكمة النقض الفرنسية، ونجد حالات الإختلاس أكثر رواجا أو أكثر سهولة في الإثبات بالمقارنة مع حالات الإخفاء ولأنها تؤسس على وجود فعل إيجابي غير أنه يجب أن يقع لاختلاس من المتهم شخصيا، وبالتالي لا يجوز إدانة المسير من أجل جريمة التفالس إذا تم بيع عنصر أساسي من أصول  من صرف ...
المتواجد بالشركة بناء على إذن من القاضي المنتدب لأن الفعل في هذه الحالة ليس منسوبا إلى المسير باعتبار الفعل غير صادر عنه بصفة شخصية إنه إذا كان العقاب على جريمة التفالس في حالتنا هذه تتطلب صدور فعل إيجابي من المتهم، فإننا نرى أن مجرد صدور فعل سلبي كامتناع المدين عن القيام بإجراءات لفائدة المقاولة في حالة الإختلاس يتطلب وقوع وصدور فعل مادي يتمثل في القيام بعمل إيجابي.                                            
*     الفقرة الثالثة: استعمال التدليس للزيادة في خصوم الشركة
 إن علة تجريم هذا الفعل يتجلى في تفادي الإقرار بدين وهمي قد يؤدي إلى تضخيم الديون، مما قد يترتب عنه تقليص خظوظ بقاء المقاولة في الوجود فضلا من الإضرار بالدائنين، ولم تحدد الفقرة الثالثة من مادة 721( م.ت) الأفعال التي من شأنها أن تؤدي عن طريق التدليس لزيادة في خضوع المقاولة خلافا لما كان عليه الأمر في ضل المادة 561 في القانون الجنائي التي جاء فيها أنه يعد مرتكبي لتفالس بالتدليس التاجر المتوقف عن الدفع الذي بقي بمديونية ديون لا حقيقة لها إما في أوراق أو عقود رسمية أو عرفية. ويعتبر متقالس بالتدليس في محور فقرة الثالثة من مادة 721 (م.ت) كل مسير أخفى دفاتره أو حول أو كتم جزءا من أصوله أو اعترف بكيفية تدليس بديون صورية أو متى لم يكن مدينا بها حقيقيا سواء وقع هذا الإتفاق عن طريق اتفاق تدليسي مع الغير لإخراج جزء من أمواله أو اعترف بذلك في كتاباته أو في محررات أو تصرفات عمومية أو في تعهدات عرفية أو بواسطة موازنته.
*   الفقرة الرابعة: مسك محاسبة وهمية أو إخفاء وثائق حسابية أو الإمتناع عن مسك محاسبة يفرضها القانون
يعتبر مسد المحاسبة من بين الإلتزامات المترتبة من اكتساب صفة تاجر، ورتب المشرع على مخالفتها جزاءات، من بينها اعتبار الإختلالات التي تشوب مسكها حالة من حالات التفالس والحكمة من اعتبار حالة مسك محاسبة وهمية من حالات التفالس تكمن في خطورة مسك هذا النوع من المحاسبة التي توضح المتعاملين مع الشركة ... .. مما يكون له أثر سلبي على هؤلاء الزبناء وعلى الشركة نفسها وكما هوالشأن بالنسبة لمسك محاسبة ومهمة فإن إخفاء وثائق حسابية تستوجب عقوبة التفالس ويتم الإخفاء هنا عادة  بإبعاد هذه الوثائق عن أنضار وعيون الغير وخاصة الدائنين بمبادرة شخصية من المسير ويشترط في الإخفاء هنا أن يكون فعليا للوثائق المحاسبية أما مجرد محاولة الإخفاء يعاقب عليها.
يفترض أنه في حالة إختلاف الوثائق المحاسبية ثم ظهرت فإننا هنا نكون أمام محاولة جنحة تفالس غير معاقب عليها على اعتبار أن الجنح من حيث المبدأ غير معاقب عليها إلا بنص خاص.
كما أن المشرع هنا في ضل مدونة اعتبر أن جنحة التفالس تقوم كذلك في حالة الامتناع عن مسك محاسبة: لكن سؤال الذي يطرح هنا متى يتحقق الإمتناع عن مسد محاسبة؟
يمكن القول أن الإمتناع عن مسك محاسبة يتحقق بمجرد الغياب التام لها، غير أن هناك رأي تبنته استثنافية باريس[19] يعطى تفسيرا واسعا للإمتناع عن مسك كل محاسبة ويرى هذا الرأي قيام وجنحة التفالس كلما تبت في حق المسير عدم مسكه لأية محاسبة أو أن هذه الأخيرة ممسوكة بشكل مخالف للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في مدونة التجارة، وتطبيقا لهذا الرأي يعاقب بالتفالس المسير الذي يمسك محاسبة لا يبين فيها وضعية المقاولة الحقيقية من حيث أوصولها وخصومها، من دون أن يكون في الأمر احتيال والحقيقة أن للمحكمة هنا أن التاجر بعد توقفه عن الدفع لم يمسك الدفتر اليومي والجرد وادعى بأن محاسبته ممسوكة من طرف محاسب دون إتباث ذلك، فهنا للمحكمة أن تفسر وجود حالة تفالس لغياب مسك أية محاسبة.
ونشير في الأخير إلى أنه إذا كان القانون المغربي يتضمن 4 حالات للتفالس هي التي تطرقنا إليها فيما تقدم، فإن قانون الفرنسي، يضف إليها حالة 5 تتعلق بمسك محاسبة ناقصة أو غير منتظمة بالنظر إلى المقتضيات القانونية.

المطلب الثاني:
الركن المعنوي في التفالس
إن إرتكاب الفعل الذي يجرمه النص الجنائي أو النص خاص وتحقق نتيجته الإجرامية غير كافيين إكتمال عناصر الجريمة حيث لابد من عنصر معنوي وذلك وفقا للقاعدة العامة التي تقول أن الأصل في الجرائم أنها عمدية ما لم ينص القانون على عكس ذلك ورغم أن المواد المتضمنة لجريمة التفالس وخاصة 722 إلى 727 لا نجد فيها ما يفيد اشتراط المشرع توفر القصد الجنائي أو سوء النية لقيام جنحة التفالس عكس ما كان عليه الحال في القانون التجاري الملغى حيث كانت نصوص القانون الجنائي هي المطبقة في حالة التفالس فإننا نرى أن المشرع لم يتخلى رغم ذلك عن توفر العنصر المعنوي لتحقق جريمة التقالس ما دام أن الأصل في الجرائم أنها عمدية إلا إذا نص المشرع على عكس ذلك كذلك قيام المسير للشخص المعنوي المدين بأحد الأفعال المنصوص عليها في مادة 721 كالإختلاس والتدليس في وقت تكون فيه المقاولة في وضعية مالية متردية بسبب التوفيق عن الدفع ينبني عن سوء نية المسير الأمر الذي جعل المشرع يتدخل لتجريم أفعاله الناتجة عن سوء نيته مكانته ويتعين على المحكمة التأكد من وجود قصد أو نية تجنيب أو تأخير فتح مسطرة المعالجة خاصة وأن المشرع في المادة 721 م ت نص  بقوله "قاموا بعمليات شراء قصد الحصول على أموال بغية تجنب أو تأخير فتح مسطرة المعالجة".
الفصل الثاني: الجرائم الملحقة بجريمة التفالس وإجراءات المتابعة
لم يكتف المشرع المغربي بمعاقبة المدين المحكوم عليه بمسطرة من مساطر المعالجة المدان بارتكابه واحد أو أكثر من الأفعال أو الوقائع المحددة في المادة 721: وحدة، بل استغرق العقاب أشخاص آخرين قد يحدثون لأصول المسطرة ذات الأضرار الفادحة التي تقويض الضمان العام والائتمان وحقوق الدائنين والمتعاملين مع المقاولة.
وقد يكون المشاركون في ارتكاب الجريمة من بين هؤلاء إلى جانب الفاعل الأصلي المحكوم عليه بفتح المسطرة أو السنديك أو واحد أو أكثر من الدائنين، وقد عبر المشرع عن أفعالهم الإجرامية "بالجرائم الأخرى" في المادة 724 من المدونة وتتطلب دراسة الجرائم الملحقة بالتفالس تحديد حالات الوقائع التي يمكن أن ترتكبها كل طائفة من طوائف الأشخاص السابق ذكرهم، والإجراءات القانونية المتبعة في دعوى التفالس.
المبحث الأول: الجرائم الملحقة بجريمة التفالس
تتنوع هذه الجرائم بتنوع الأشخاص الدين يرتكبون الأفعال الحصرية المنصوص عليها في المادة 724 من مدونة التجارة، وقد يكون من بين هؤلاء الأشخاص أحد الأغيار الذين شاركوا في الجريمة أو السنديك أو أحد أو أكثر من الدائنين.
المطلب الأول:
الأشخاص المعنيون وحالات التجريم
الأفعال الإجرامية التي قد يرتكبها الأغيار المشاركون في جرائم التفالس
*   الفقرة الأولى: الجرائم المرتكبة من طرف الأغيار
يخضع هؤلاء الأشخاص لجرائم التفالس وللعقوبة المنصوص عليها في المادة 722 من المدونة، ويعاقب هؤلاء الأغيار إما لإشتراكهم في جريمة التفالس، وإما إرتكابهم لبعض الأفعال على جرمتها المادة 724 من الفقرتين الأولى والثانية[20].
وقد يكون من الأغيار أفراد ينتمون إلى أسرة المتفالس، كزوج المفلس أو أصوله أو فروعه أو أصهاره أو غيرهم، الذين ذكروا صراحة في المدونة القديمة الملغاة وفي المادة الجنائية.
وإذا كان التعداد في المدونة الجدية يستغرق هذه الحلات لعمومية الصياغة، فإن العقوبات القديمة على العكس تعطلت وحلت محلها العقوبة الجدية في المدونة[21].
أما الحلات المحددة في المادة 724 فهي التالية:
1- الأشخاص الذين أخفوا أو ستروا أو كتموا كلا أو جزءا من الأموال المنقولة أو العقارية لفائدة الأشخاص المشار إليهم في المادة 702، أي مسيرو المقاولة الفردية أو الجماعية المملوكة على الشياع، أو ذات شكل شركة، والتي كانت موضوع فتح مسطرة، سواء كانوا مسيرين قانونيين أو فعليين يتقاضون أجرا أم لا.
2- الأشخاص الذين صرحوا تدليسا بديون وهمية أثناء المسطرة سواء باسمهم أو بواسطة الغير.
*   الفقرة الثانية: الجرائم المرتكبة من طرف السنديك
ويعاقب على الجرائم المقترفة من طرف السنديك بعقوبة التفالس سواء كان هذا الأخير معينا من بين كتاب الضبط أو من الغير، وهذه الجرائم هي التالية:
1-الإضرار عمدا وبسوء نية بمصالح الدائنين، إما باستعماله لأغراض شخصية أمولا تلقاها بمناسبة قيامه بمهمته، وإما بإعطائه منافع للغير يعلم أنها غير مستحقة.
2- الاستعمال اللامشروع للسلطة المخولة له قانونا في غيرها أعدت له، وبشكل معاكس لمصالح  المدين أو الدائنين.
3- استغلال السلط المخولة له من أجل استعمال أو إقتناء بعض أموال المدين نفسه سواء قام بذلك شخصيا أو بواسطة الغير وذلك حسب المادة 724 من مدونة التجارة.
الفقرة الثالثة: الجرائم المرتكبة من طرف الدائنين
وقد تنبه المشرع إلى أن واحد أو أكثر من الدائنين قد ينتهز الظروف التي يمر بها رئيس المقاولة أو علاقة الود التي تربط بينهما فيقتنص عقدا أو عقودا تخول له منافع وامتيازات خاصة إضرارا بباقي الدائنين وبأصول المقاولة. فجرم هذا الفعل في الفقرة الأخيرة من المادة 724 التي جاء فيها » يعاقب أيضا بنفس العقوبات الدائن الذي يقوم بعد صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، بإبرام عقد أو عدة عقود وتخوله امتيازات خاصة على حساب الدائنين الآخرين«  .
ويقوم إلى جانب الجزاء الجنائي جزاءا مدنيا يرتبط ببطلان العقد، باعتباره عقدا غير مشروع أبرم مع مدين قد يكون في حالة غل اليد، ويقع باطلا ولو لم يكن المدين تحت طائلة غل اليد لأنه العفل يشكل جريمة جنائية.
ولا يقع الدائن الذي أبرم هذا العقد أو العقود قبل صدور الحكم القاضي، بالتسوية القضائية أو التصفية القضائية تحت طائلة العقاب الجنائي لأن المادة 724 تتكلم عن العقد المبرم بعد صدور الحكم القاضي بفتح التسوية أو التصفية القضائية لا قبلهما إلا أن هذا التصرف قد يتعرض للبطلان إن وقع في فترة الريبة.
وقد كانت المادة 376 من مدونة التجارة الملغاة، تصرح صراحة ببطلان هذه القعود اتجاه كل شخص ومتى اتجاه المفلس نفسه، وتلزم الدائن برد المبالغ والقيم وباقي الإمتيازات التي حصل عليها وهذا البطلان من النظام العام.
وإذا كان القضاء الزجري يختص بنظر الدعوى العمومية وتوقيع العقوبة وتقرير البطلان والحكم برد ما يلزم رده، فإنه يسوغ من جهة ثانية أن ترفع دعوى مستقلة ببطلان الإتفاقات والإسترداد أمام المحكمة التجارية[22].
تطبق على المشاركين والأغيار والسنديك والدائنين المقترفين للأفعال أو الوقائع المحددة والمعددة في الحالات السابقة عقوبة التفالس طبقا للمادة 724 التي جاء فيها »  يعاقب بنفي عقوبات التفالس «  والفقرة الثانية من المادة 722 التي جاء فيها: » يتعرض المشاركون في التفالس لنفس العقوبات وإن لم تكن لهم صفة مسيري المقاولة « .
وهذه العقوبات هي التالية:
1- الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 10,000 إلى 100,000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط (المادة 722 من المدونة).
2- التعرض لسقوط الأهلية التجارية كعقوبة إضافية المنصوص عليها في المواد 711 إلى 720 من المدونة الجديدة.
3- سقوط أهلية شغل ووظيفة انتخابية عمومية (المادة 718 من المدونة). هذه هي الجرائم الملحقة بجريمة التفالس وعقوباتها في حين نجد أن المشرع المصري حدد صور التفالس في: التفالس بالتدليس وهو ارتكاب التاجر الذي توقف عن الدفع عمدا عملا من الأعمال التي حددتها المادة 328 عقوبات، الصورة الثانية التفالس بالتقصير وقد إقتفى المشرع المصري والكويتي أثر المشرع الفرنسي الذي قرر هذه الحالات للتفالس بالتدليس من حيث تعديلها بشكل ملموس بمقتضى القانون الفرنسي الصادر في 25 يناير 1985 أما الصورة الثانية بشكل للتفالس في التشريع المصري هي التفالس بالتقصير وهو الذي ينسب إلى التاجر فعل من الأفعال التي حددتها المادتان 330 و331  عقوبات.
والتفالس بالتفصير قد يكون وجوبيا وقد يكون جوازيا، أما الجوازي فإنه يسمح للقاضي باعتبار المتهم متفالسا أو عدم اعتباره كذلك رغم تحقق حالة من الحالات المنصوص عليها قانونا، أما التفالس الوجوبي بالتقصير، فهو لا يترك للقاضي خيارا إذا تحقق الغرض الذي يعاقب القانون عليه وهذه التفرقة لا يعرفها القانون الكويتي[23].
المطلب الثاني:
إجراءــات الدعــوى
*   الفقرة الأولى: المحكمة المختصة وتحريك الدعاوى
تختص بنظر دعاوي التفالس والجرائم الأخرى المحكمة العادية وليس المحكمة التجارية، وقد نصت على هذا المبدأ المادة 726 من المدونة التي جاء فيها: » تعرض الدعوى على أنظار القضاء الزجري إما بمتابعة من النيابة العامة، أو من طرف السنديك بصفته طرفا مدينا ... «   
ويخضع للعقوبات رئيس المقاولة المحكوم عليه، بفتح المسطرة عن ارتكب واحدا من الأفعال المبينة، وباقي الأشخاص من مشاركين وأغيار وسناديك ودائنين، أما المحاولة فلا يعاقب عليها، لأن المشرع اشترط في سائر الحالات صدور أفعال إيجابية من الشخص المعني بالجريمة.
وتعد كل جريمة مستقلة عن الجريمة الأخرى، بمعنى أخر متابعة الشخص بأكثر من جريمة واحدة حتى وإن كانت العقوبة واحدة، وإذا حكم بالبراءة لعدم ثبوت فعل إجرامي معين يمكن فتح المتابعة ضده من جديد لظهور فعل إجرامي آخر ما لم يدرك الدعوى التقادم.
وتعرض دعوى التفالس والجرائم الأخرى على أنظار القضاء الزجري إما بمتابعة النيابة العامة أو من طرف السنديك بصفته طرفا مدنيا(المادة 726 من المدونة).
ويمكن للنيابة العامة أن تطلب من السنديك أن يسلمها جميع العقد والوثائق التي في حوزته (المادة 727 من المدونة).
وقد أدخلت المادة 727 من المدونة تعديلات جذرية تتجلى في أكثر من إجراء:
أ- إقصاء الدائنين من تحريك الدعوى الزجرية أو العمومية وحصرها في النيابة العامة والسنديك وحدهما خلافا لما كانت تقرره المدونة الملغاة: وعلى عكس ما يقرره المشرع المصري الذي يعطي للدائنين الحق في الإداعاء المباشر بشرط ألا يخل بقاعدة المساواة بين الدائنين[24] ولا يوجد في نظر القضاء الفرنسي ما يمنع الدائن من أن ينتصب مطالبا بالحق المدني لإصلاح أضرار لحقت به شخصيا استقلالا عن مبلغ دينه، إن نشأ مباشرة عن الجريمة أو الجرائم المرتكبة (في 11 أكتوبر 1994).
ب- تحرير السنديك من التقيدات التي كانت تشل حركته في المدونة القديمة الملغاة حيث كانت هذه المدونة تمنع السناديك من إجراء المتابعة والإنتصاب مفاعلين بالحق المدني بإسم كتلة الدائنين إلا بعد أن يؤذن لهم بذلك بمقتض قرار يتخذه الدائنون بأكثرية الحاضرين عددا.
وتعين المحكمة الزجرية كذلك وكيلا لممارسة حق المسيرين المحرومين من الأهلية التجارية داخل جمعيات الشركات التجارية الخاضعة لمسطرة المعالجة بناء على طلب السنديك.
ويخضع الحكم الصادر في مادة التفالس والجرائم الأخرى لإجراءات الشهر والنشر المنصوص عليها في المادة 710 من المدونة طبقا للمادة 726 من المدونة وهي:
1- يبلغ كاتب الضبط المقررات الصادرة إلى الأطراف.
2- يشار إلى المقرارات في السجل التجاري.
3- ينشر مستخرج منها في صحيفة مخولة لها نشر الإعلانات القانونية.
4- ينشر مستخرج لها في الجريدة الرسمية.
5- تعلق المقررات أو مستخرج منها على اللوحة المخصصة لهذا الغرض في المحكمة وتخضع الطعون ضد المقررات الصادرة في مادة التفالس والجرائم الأخرى لأحكام قانون المسطرة الجنائية.
ويقع التعرض ضد الأحكام الجنائية الغيابية الصادرة في هذه المادة في ظرف 10 أيام التي تلي التبليغ (المادة 423 و373 من مدونة المسطرة الجنائية).
والاستئناف داخل العشرة أيام الموالية لصدور الحكم وإذا كان الحكم غيابيا أو بمثابة حضوري داخل عشرة أيام الموالية ليوم تبليغه للشخص نفسه أو لمحل سكناه (المادة 426 من قانون المسطرة الجنائية).
أما أجل النقض فيحدد في ثمانية أيام من يوم صدور الحكم المطعون فيه ما لم تنص مقتضيات خاصة على خلاف ذلك، بيد أن هذا الأجل لا يبتدئ الأمن بتبليغ الحكم بحبال الفريق الذي لم يكن حاضرا أو ممثلا في الجلسة التي صدر الحكم فيها، والذي يعلم بتاريخ الحكم، إما بتحديده لتاريخ معين بعد تأخير الدعوى وإما بإنذار للحضور في جلسة الحكم.
ولا يبدئ طلب النقض بطريق الطعن في الأحكام الغيابية إلا من اليوم الذي يصير فيه التعرض غير مقبول (المادة 578 من قانون المسطرة الجنائية).
*   الفقرة الثانية: مدة التقادم وتحمل المصاريف القضائية
تخضع دعاوى التفالس والجرائم الأخرى للتقادم الخاص بالجنح التأديبية والذي يجعل الدعوى تتقادم بمرور خمس سنوات ميلادية كاملة، أما العقوبة تتقادم بدورها بمضي خمس سنوات أيضا تبدأن يوم صدور الحكم.
أما القانون المصري فتقادم الدعوى في مواد التفالس هي 10 سنوات بالنسبة للجناية التفالس وثلاث سنوات لجنحة التفالس لم يتضمن القانون التجاري المصري ولا غيره من القوانين قواعد خاصة لأسباب التقادم فلم يكن هناك من الأحكام إلى القوعد العامة التي تقتضي ببدء احتساب التقادم من وقت اكتمال الجريمة[25] وإذا كانت مدونة التجارة لم تغير شيئا من مدة تقادم الدعوى العمومية الخاصة بجنحه التفالس والجرائم الأخرى المرتبطة بها فإنها على العكس من ذلك غيرت الكيفية التي يتم بها حساب مدة الخمس سنوات، حيث لا يسري التقادم إلا من يوم النطق بحكم فتح مسطرة إجراء المعالجة حينما تكون الأفعال المجرمة قد ظهرت قبل هذا التاريخ، أي ظهرت قبل النطق بالحكم.
أما إذا ظهرت أو ارتكبت جرائم التفالس والجرائم الأخرى بعد تاريخ النطق بحكم فتح مسطرة المعالجة فيبقى حساب المدة خاضعا للقاعدة العامة أي من مرور خمس سنوات ميلادية كاملة تجري من يوم ارتكاب الجنحة وليس من تاريخ العلم بها.
ولقد بين القانون القديم الملغى طريقة وكيفية تصفية المصاريف القضائية خلافا للمدونة الجديدة  لسنة 1996 التي سكتت عن الموضوع، ولا يمكن للمحكمة الجنائية أمام سكوت المدونة الجديدة سوى تصفية المصاريف مع تحديد مدة الإجبار طبقا للقواعد العامة التي تضبط مصاريف المتابعات الجنائية.
في حين نجد أن المشرع المصري حدد من يتحمل مصروفات الدعوى عن التفالس وميز بين ما إذا كان رفع الدعوى من جانب النيابة العامة فتكون مصروفاتها من صندوق المحكمة، وإذا كانت قد رفعت الدعوى من جانب وكيل الدائنين فميز هنا بين الحكم بالبراءة أو الإدانة فإذا حكم ببراءة المفلس فإن التفلسة تتحمل مصروفات الدعوى، وإذا قضى بإدانته فإن صندوق المحكمة يتحمل المصروفات، أما من حالة رفعت الدعوى من أحد الدائنين فقد تم التمييز أيضا بين الحكم بالإدانة وحالة الحكم بالبراءة.
فعند الحكم بإدانة المفلس يتحمل صندوق المحكمة مصاريف الدعوى، أما عند الحكم بالبراءة، فإن الدائن الذي رفع الدعوى يتحمل مصروفاتها.
ويلاحظ أن المشرع الفرنسي بمقتضى قانون رقم 85-1407 لسنة 1985 فقد اعتبر أن الخزينة العامة هي التي تتحمل مصروفات الدعوى[26].
ولا يمكن للمحكوم عليه جنائيا بسقوط الأهلية التجارية كعقوبة إضافية (المادة 723 من المدونة) والحرمان من ممارسة وظيفة عمومية إنتخابية (المادة 718 من المدونة) أن يسترد إعتباره، إلا بواحدة من الطرق المنصوص عليها في المادتين 719 و720 من المدونة وفقا لمقتضيات المادة 723 التي تشير إلى سقوط الأهلية المنصوص عليه في الباب الثاني (المواد 711 على 720 من القسم الخاص المتعلق بالعقوبات المتخذة ضد مسيري المقاولة).
ويسترد المحكوم عليه بسقوط الأهلية التجارية الحق في الإدارة أو التدبير أو التسير أو المراقبة، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، لكل مقاولة تجارية أو حرفية ولكل شركة تجارية (المادة 711) وفي ممارسة وظيفة عمومية انتخابية في الحالات الآتية:
ينتهي سقوط الأهلية التجارية وعدم أهلية الإنتخابات لممارسة وظيفة عمومية انتخابية بقوة القانون بانتهاء الأجل المجدد دون الحاجة إلى صدور حكم (المادة 719 ف.2).
يعيد حكم قفل المسطرة بسبب إنقضاء الخصوم إلى رئيس المقاولة أو على مسيري الشركة كل حقوقهم، ويعفيهم أو يلغي عنهم سقوط الأهلية التجارية وعدم أهلية ممارسة وظيفة عمومية انتخابية (المادة 719 ف.4).
يمكن للمعني بالأمر في جميع الأحوال، أن يطلب من المحكمة الزجرية أو الجنائية إن قضت ضده سقوط الأهلية التجارية أن ترفع عنه كليا أو جزئيا سقوط الأهلية التجارية أو عدم أو عدم أهلية ممارسة وظيفة عمومية إنتخابية، إذا ما قدم مساهمة كافية لأداء النقص الحاصل في الأصول (المادة 720 ق.1 من المدونة) ويترتب عن رد الإعتبار بمجرد صدور مقرر المحكمة بالرفع الكامل لسقوط الأهلية التجارية أو عدم الأهلية الاتنخابية (المادة 720 ف.2).
وتجدر الإشارة أن مدة إجراء سقوط الأهلية التجارية لا يمكن أن تقل عن خمس سنوات (المادة 719 من المدونة) ولكن يمكن أن ترفع هذه المدة على الحد الذي تراه يتناسب مع خطورة الأفعال المرتكبة، أما مدة الحرمان من ممارسة وظيفة عمومية إنتخابية فحددت في خمس سنوات دون زيادة ولا نقصان (المادة 719 من المدونة).[27]  



[1] - عبد العزيز توفيق: مدونة التجارة، سلسلة النصوص التشريعية المغربية.
[2] - GEANDIDIER (WILIFRID) Droit pénal des affaires, pricis Dalloz.1991.
[3] - لمزيد من الشرح بخصوص تعامل الفقه الإسلامي مع المفلس أنظر. عزيز عبد الأمير لعكلي، أحكام الإفلاس في قانون التجارة الكويتي، الطبعة الأولى 1987.
[4] - أنظر شكري أحمد السباعي: الوسيط في القانون التجاري المغربي، الطبعة 1983، الجزء الرابع، بنشر وتوزيع دار الكتب العربية، الرباط.
[5] - تنص المادة 733 على ما يلي: "ان أحكام هذا القانون تنسخ وتعوض الأحكام المتعلقة بالموضوعات نفسها حسبما وقع تغييرها أو تتميمها مراعاة مقتضيات..."
[6] - قرار صادر عن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى عدد 1166/3 المؤرخ في 12/04/2000، ملف جنائي عدد 27353/99 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 57-58 السنة 23، يوليوز 2001 ص357.
[7] - بل حتى في مدونة الأسرة لازال يتحدث عن الإفلاس المادة 247.
[8] - أنظر بخصوص شروط إلغاء القانون، علي الصقلي، المدخل لدراسة القانون، الطبعة الثانية 1998-1999.
[9] - القاهرة الابتدائية 18 فبراير 1948.
[10] - حكم الإسكندرية الابتدائية 5 دجنبر 1949.
[11] - انظر مصطفى كمال طه، الأوراق التجارية والإفلاس، 1997، مطبعة درا الجامعة الجديدة للنشر.
[12] - أمحمد الفروجي، صعوبات المقولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها، الطبعة الأولى فبراير 2000، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء. 
[13]  Cour de cassation Française- Arrêt commercial – Février 1971, DALLOZ. 1972 ? P.600 Note jau FFEert.
[14] - أمحمد لفروجي: صعوبات المقاولة والمساطر الكفيلة بمعالجتها، مرجع سابق.
[15] - نقص مدني 24 مارس 1956، مشار إليه في كتاب مصطفى كمال طه، الأوراق التجارية والإفلاس، مرجع سابق.
لمزيد من الشرح انظر عبد الحميد الشوارب، مؤلفه الإفلاس.
[16] -  امحمد لفروجي: مساطر معالجة صعوبات المقاولة والمساطر الكفيلة بمعالجتها، مرجع سابق.
[17] - Cour de cassation française . Arrêt commercial, 9 Janvier 1996. J.C.P. Edition entreprise, p 306.مشار إليه في المرجع أعلاه

[18] - أنظر المادة 566 مدونة التجارة لسنة 1996.
[19] - Cass crm 25 juillet 1989 G.A.Z pl 1991-1-4 mole
[20] - وقد نصت ذلك أيضا المادة 527 من القانون الجنائي التي جاء فيها: » يعاقب المشاركون في التفالس البسيط أو بالتدليس بالعقوبة المقررة للفاعل الأصلي حتى ولو لم يكونوا تجارا « .            
[21] -  أحمد شكري السباعي: » الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تقرض المقاولة أو مساطر معالجتها «  الجزء الثالث، ص 463.
[22] - أحمد شكري السباعي:  "الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعرض المقاولة، ومساطر معالجتها"، مرجع سابق، ص 465.  
[23] - غنام محمد غنام: » المسؤولية الجنائية للتاجر ومدين الشركة عن جرائم الإفلاس « ، طبعة 1993، تنفيذ وإخراج وطبع السلاسل: ص 91-131.
[24] - عنام محمد غنام: "المسؤولية الجنائية للتاجر ومدير الشركة عن جرائم االإفلاس"، مرجع سابف، ص 258.
[25] -  د. غنام محمد غنام: "المسؤولية الجنائية للتاجر ومدير الشركة عن جرائم الإفلاس"، المرجع السابق، ص 275.
[26]  - د. غنام محمد غنام: "المسؤولية الجنائية للتاجر ومدير الشركة عن جرائم الإفلاس"، المرجع السابق، ص 265-270-271.
[27] -  أحمد شكري السباعي: "الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعرض المقاولة ومساطر معالجتها"، المرجع السابق، ص 466-467-468-469-470-471.