الإشكالات العملية والقانونية لإجراءات دعوى القسمة العقارية - عادل القاسمي


مجلة قانونك
الإشكالات العملية والقانونية  لإجراءات دعوى القسمة العقارية


الإشكالات العملية والقانونية لإجراءات دعوى القسمة العقارية

من إعداد: عادل القاسمي
طالب باحث بماستر القانون العقاري والحقوق العينية بفاس


 

مقدمة
لقد حظيت الملكية العقارية بالمغرب على غرار باقي الدول الأخرى بتنظيم تشريعي مهم، بحيث عمل المشرع المغربي على إصدار زمرة من القوانين الهادفة إلى تنظيم مجال الملكية العقارية وضمان فعاليتها في الدورة الاقتصادية.
هذا وتتعدد هذه القوانين وتتنوع بتنوع صور الملكية العقارية ،بحيث نجد الملكية الفردية وإن كانت هي صورة الأكثر شيوعا بالنظر لما تتمتع به من مزايا ، فإنه يوجد بالمقابل صور أخرى ويتعلق الأمر بالملكية المشتركة والملكية العقارية الشائعة ، هذه الأخيرة تثير مجموعة من المشاكل والمتاعب بسبب تضارب في مصالح الشركاء مما يحول دون تـنميتها بالشكل المطلوب ، وبذلك تفقد فعاليتها في مسلسل التنمية.
ومن هذا المنطلق أقر المشرع على إمكانية الخروج منها وتحويلها إلى ملكية فردية سواء في قانون الالتزامات والعقود الذي يعتبر الشريعة العامة أو في مدونة الحقوق العينية وذلك عن طريق اللجوء إلى القسمة والتي قد تكون إما رضائية إذا اتــفـق الشركاء عليها وتوفرت شروطها، أو قضائية في حالة عدم توفر بعض الشروط المقررة قانونا في القسمة الرضائية.
وتـتم القسمة القضائية في شكل دعوى ترفع إلى القضاء و تنتهي بصدور حكم قضائي في الموضوع إما بالقسمة العينية أو بقسمة التصفية.

وتبرز أهمية دراسة هذا الموضوع من الجانبين :
الجانب النظري: والمتمثل في تعدد وتشتت النصوص القانونية المنظمة للقسمة الـعـقارية بين قانون الالتزامات والعقود المغربي و مدونة الحقوق العينية وقانون المسطرة المدنية، بالإضافة إلى مدونة الأسرة فيما يخص التركة والوصية.
الجانب العملي: و يتمظهر في كثرة القضايا العقارية المعروضة على القضاء تأخذ منها دعوى القسمة العقارية حيزا مهما ، الأمر الذي يقتضي معه الإحاطة الدقيقة بحيثيات وإجراءات هذه الدعوى ، وذلك تفاديا للبطء والتأخير وما يترتب عنه من تراكم الملفات على مستوى المحاكم دون الفصل فيها .
وعــلى هذا الأساس نتساءل عن مــمادى نجاعة إجراءات دعوى القسمة العقارية في الحد من حالة الشياع ؟ وما هي الصعوبات العملية والقانونية التي قد تعترض سير هذه الإجراءات؟
هـــذا مـا سنحاول الإجابة عنه  وفــق المنهج الوصفي والتحليلي من خلال  التصميم التالي :
المبحث الأول : ضوابط  ممارسة دعوى القـسمة العـقارية
المطلب الأول : شروط سـلوك دعوى مسطرة القسمة العــقارية
المطلب الثاني :  قواعد فـتح مسطرة الـقسمة القضائية العقارية
 المبحث الثاني: مراحل دعوى القسمة العقارية وبعض الموانع التي قد تحول دون إجرائها
المطلب الأول : مـراحـل دعـوى الـقـسمة العـقارية
المطلب الثاني : بعض الموانع التي قد تحول دون إجراء القسمة العقارية



المبحث الأول : ضوابط  مـمارسة دعوى القــــسمة العــــقارية
وسنحول الحديث في هذا المبحث عن شروط الواجب توافرها لسلوك دعوى القسمة العقارية في المطلب الأول، على أن نتحدث عن قواعد فتح مسطرة دعوى القسمة العقارية في المطلب الثاني.
المطلب الأول : شروط سلوك دعوى مسطرة القسمة العقارية
وهذا المطلـــب قسمته إلى فقرتــين : خصصت الفقرة الأولى للحديث عن حالات تحقــق دعوى القسمة العقارية، بينما ركزت في الفقرة الثانية لمناقشة إثبات التملك على الشياع في هذه الدعوى.
الفقرة الأولى : حالات تحقق دعوى القسمة العقارية
نص المشرع المغربي في الفصل 1084 من قانون الالتزامات العقود المغربي على أنه "إذا اختلف الشركاء في إجراء القسمة أو إذا كان أحدهم غير متمتع بأهلية التصرف في حقوقه أو كان غائبا. كان  لمن يريد منهم الخروج من الشياع أن يلجأ إلى المحكمة التي تجري القسمة طبقا للقانون" و هو ما نصت عليه كذلك المادة 26 من مدونة الحقوق العينية بقولها : إذا اختلف الشركاء في إجراء القسمة كان لمن يريد منهم الخروج من الشياع أن يلجأ إلى المحكمة التي تجري القسمة فيما بينهم طبق القانون.
انطلاقا من هذين النصين إذن يتضح أن القسمة القضائية العقارية لا يلجأ إليها إلا بعد تحقق إحدى الحالات التالية :
ـ الحالة الأولى : في حالة اختلاف الشركاء حول إجراء القسمة و حالات الاختلاف هاته يمكن أن تتخذ صور متعددة من قبيل مثلا إذا كان أحد الشركاء يرغب في قسمة العقار المشاع قسمة عينية و الآخر يرغب في قسمة هذا العقار قسمة تصفية. أو إذا كان الشريك معارض لفكرة القسمة من أصلها.[1]
هذه الصورة و غيرها من الخلاف حول إجراء القسمة الرضائية، يمكن لكل شريك على الشياع، أن يرفع دعوى القسمة ما دام أنه لا يجبر أحد على البقاء في الشياع كما نص على ذلك الفصل 978 من ق.ل.ع.م بقوله لا يجبر أحد على البقاء في الشياع. و يسوغ دائما لأي واحد من المالكين أن يطلب القسمة، و كل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر.
الحالة الثانية : في حالة وجود شريك غير متمتع بأهلية التصرف و مفاد هذا ، في حالة وجود أحد الشركاء لا يتوفر على أهلية التصرف في حقوقه،[2] كأن يكون قاصرا أو مجنونا أو سفيها ففي هذه الحالة لا يمكن الخروج من الشياع عن طريق القسمة الرضائية، بل لابد من اللجوء إلى القسمة القضائية بهدف حماية غير المتمتع بأهلية التصرف.
إلا أن الإشكال الذي يطرح بهذا الخصوص هو في حالة إجراء قسمة عقارات التركة في وجود زوجة حامل و وفاة الزوج، فهل يعتبر الحمل في هذه الحالة في حكم القاصر تتوقف القسمة على حكم قضائي بسببه ؟
المشـرع المغربي لم ينص صراحة على هـــذه الحالة لا في قانون الالتزامات و العقــود المغربي ولا في مدونة الحقوق العينية ، إلا أن الفقه الإسلامي أجاب على هذا الإشكال و انقســم إلى اتجاهين :
الاتجاه الأول: أجاز صحة قسمة التركة قبل انصرام مدة الحمل، شرط أن يحتجز له نصيب أكبر من المحتمل أن يحصل عليه.
الاتجاه الثاني: ذهب إلى القول بعدم جواز إجراء القسمة إلى حين انصرام مدة الحمل بانفصال الحمل على أمه و تحقيق مركزه القانوني بين الورثة.
و نحن بدورنا نعتقد أنه لا يمكن إجراء القسمة إلا إلى حين انفصال الحمل عن أمه و ثبوت حياته بالاستهلال أو رضاع و هذا ما أكدته المادة 331 من مدونة الأسرة بقولها "لا يستحق الإرث إلا إذا ثبتت حياة المولد بصراخ أو رضاع أو نحوهما. لأنه قد يحدث أن يكون الحمل توأمين أو أكثر و هذا من شأنه أن يؤثر على إجراءات القسمة.[3] 
الحالة الثالثة : و هي الحالة التي يكون فيها أحد الشركاء غائبا : بحيث إذا كان أحد الشركاء في العقار على الشياع غائبا يمكن سلوك مسطرة القسمة القضائية العقارية لإنهاء حالة الشياع بصريح منطوق الفصل 1084من .ق.ل.ع.م .
إلا أنه ما يؤخذ على هذا الفصل هو إغفال ذكر حالة المفقود للجوء إلى القسمة لأن مصلحته في اعتقادنا أجدر بالحماية القانونية و القضائية، بالإضافة إلى تحقق أحد هذه الحالات لسلوك مسطرة القسمة القضائية العقارية يجب أن تتــوفر شروط أخرى ونخص بذكر هنا إثبات التملك على الشـياع.
الفقرة الثانية : إثبات التملك على الشياع في دعوى القسمة العــقـارية
كما هو معلوم يعتبر الإثبات من أهم الوسائل المعمول بها في أي دعوى كانت، بل هي الركيزة الأساسية في وجود الحق أو عدم وجوده و المحكمة باعتبارها طرفا محايدا في أي دعوى، فإنه لا يمكنها أن تقضي في موضوع ما، إلا إذا استعانت بوسائل الإثبات التي من خلالها يمكن أن تصرح بوجود الحق أو بعدم وجوده.[4]
لذلك يعتبر هذا الشرط من أهم الشروط الواجب توفرها لسماع دعوى قسمة عقار محفظا كان أم غير محفظ ، فطالب القسمة لا يكفيه أن يدعي أنه شريك على الشياع و أنه يطلب الحكم له بالقسمة لكي يستقل بنصيبه. بل لابد من أن يدلي بما يثبت ملكية العقار المطلوب قسمته تحت طائلة عدم قبول دعواه.[5]
و هنا يجب أن نميز بين إثبات التملك على الشياع في العقار المحفظ و إثبات التملك على الشياع في العقار غير المحفظ :
أولا : إثبات تملك على الشياع في العقار المحفظ
إن إثبات ملكية العقار المحفظ لا يثير أي إشكال إذ يكفي الشريك الذي يطلب الخروج من حالة الشياع أن يرفق مقالة بشهادة الملكية العقارية صادرة عن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية  تثبت صفته كشريك في العقار المشاع و تحدد حصته فيه.
و هو نفس التوجه الذي سارت عليه محكمة الاستئناف بالرباط في قرار لها بتاريخ 2 ماي 2000 و الذي جاء في أحد حيثياته "و حيث إن الشهادة العقارية تشهد بأن ملكية هذا الدار تعود لغير أطراف النزاع مما يكون طلب قسمتها من غير ماليكها مفتقرا لأحد شروطه و هو ثبوت الملك للمتنازعين في القسمة[6].
و تتضمن بالإضافة إلى ذلك (أي شهادة إدارية) عدد الشركاء المقيدين بالرسم العقاري و أسماء جميع الشركاء المرفوعة ضدهم الدعوى و تحديد حصة كل واحد منهم.
ثانيا : إثبات التملك على الشياع في العقار غير المحفظ
يختلف إثبات ملكية العقار غير المحفظ باختلاف طرق اكتساب ملكيته و التي تكون إما عن طريق الإرث أو الحيازة أو العقد، ففي حالة اكتساب الملك المطلوب قسمته عن طريق الإرث يتعين على طالب القسمة أن يدلي برسم إراثة يثبت صلته بالهالك المنسوب له الملك المطلوب قسمته و بما يثبت ملكية الهالك لهذا الأخير[7].
أما إذا كان العقار المطلوب قسمته قد اكتسبت ملكيته عن طريق العقد كما لو اشترى شخصان عقار معينا فأصبح تبعا لذلك شائعا بينهما  أو وهب شخص عقار للشخصين أو أكثر. ففي هذه الحالة يتعين على المدعي أن يدلي بنسخة من العقد مصدر الشيوع أو برسم الهبة و يجب أن يحتوي العقد على نصيب كل شريك، إذ في حالة الشك، تعتبر أنصبة المتقاسمين متساوية (الفصل 961 من قانون ل.ع.م)
كما يمكن أن يكون مصدرها الحيازة باعتبارها سببا من أسباب كسب الملكية و إذا تعدد المالكون يجب على طالب القسمة إثبات الحيازة بشروطها وفقا لمقتضيات مدونة الحقوق العينية[8].

المطلب الثاني : قواعد فتح مسطرة القسمة القضائية العــقارية
سأتحدث في هذا المطلب عن القواعد الموضوعية لدعوى القسمة القضائية العقارية في (الفقرة الأولى) و القواعد الشكلية لدعوى القسمة القضائية العقارية في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : القواعد الموضوعية لدعوى القسمة  العقارية
مما لاشك فيه أن أمر تحريك دعوى القسمة العقارية يتوقف على احترام مجموعة من القواعد الموضوعية منها ما هو خاص بدعوى القسمة القضـائية العقارية و منها ما تشترك فيه مع باقي الدعوى.
و من بين هذه القواعد الموضوعية نجد أطراف دعوى القسمة القضائية و تتجسد في :
 المدعي و المدعى عليه ، إذ لا يمكن تصور دعوى من دون وجود محرك لها في مواجهة الشخص الذي رفعت ضده لأجل إقرار هذا الحق الذي من أجله تم رفعها[9] .
فالمدعي في دعوى القسمة العقارية هو كل شريك في ملكية العقار الشائع يرغب في الخروج من حالة الشياع كما يمكن أن يكون نائبه الشرعي إذا كان شريك عديم أو ناقص الأهلية أو محجورا عليه.
وهنا نتساءل في حالة إذا قدم عدة شركاء في العقار المشاع، كل على حدى مقالا افتتاحيا قصد قسمة العقار الشائع، ففي هذه الحالة من هو الشريك الذي يعتبر مدعيا ؟
نعتقد بأن المشرع المغربي لم يجب على هذا الإشكال بخلاف المشرع الفرنسي الذي اعتبر المدعي في هذه الحالة هو أول من وضع مقاله بكتابة الضبط بالمحكمة بصفة قانونية، ولكي تكون هذه الدعوى أيضا مقبولة قانونا، يجب أن يكون المدعي ذو صفة و ذو مصلحة و ذو أهلية في التقاضي عملا بالفصل الأول من قانون م.م.
فالشرط الصفة حسب أستاذنا عبد الحميد أخريف هي علاقة الشخص المدعي بالشيء المدعى به، و التي تعطيه الصلاحية في الإدعاء به أمام القضاء، أي أن يكون المدعي شريكا على الشياع، سواء كان شريكا أصليا أو خلفا عاما كالوارث أو الموصى له أو خلفا خاصا كالمشتري لحصة أحد الشركاء.
إلا أن التساؤل الذي يطرح بهذا الخصوص متى كان العقار المشاع محفظا فإن صفة المدعي لا تثبت إلا للذين قيدوا حقوقهم بالرسم العقاري، غير أنه قد يكون العقار الموروث قد سبق الترافع بشأنه و صدر حكم ابتدائي أو استئنافي في غير مصلحة المورث، فهل يحق للورثة في هذه الحالة الطعن في الحكم رغم عدم تقييد إراثتهم ؟
 في هذا الصدد أجاب قرار صادر عن محكمة النقض عن هذا الإشكال حيث جاء فيه:
"...مجرد إثبات الورثة لصفتهم الإراثية في الهالك، يخولهم حق الطعن بالاستئناف في الحكم و لو لم تقيد إراثتهم بالرسم العقاري و القرار المطعون فيه القاضي بعدم قبول استئناف الورثة يكون عديم الأساس القانوني و معرضا للنقض"[10]
و في قرار آخر صادر عن محكمة النقض جاء فيه:
"... الصفة من النظام و يمكن للحكمة أن تثيرها تلقائيا إذا كان رسم للإراثة يشير إلى أسماء كل الورثة "
فموقف محكمة النقض إذن قد صادفت الصواب لأنه لا يمكن القول بانعدام الصفة بناء على نصوص قانون التحفيظ العقاري (الفصل 66 و 67 من قانون 14.07) التي تتعلق بالحق موضوع الدعوى لا بإجراءاتها، أما الصفة فإنها تخضع لقواعد مسطرية.[11]
و الملاحظ أن هذا الموقف على رغم من واقعيته فإنه مـع ذلك لم يسلم من بعض الجدل الفقهي، إذ منهم من يرى أن موقف محكمة النقـــض جاء في غير محله، بعلة كون الشخص المقيد يعتبر وحده صاحب الملكية ، لكن هذه الحقيقة القانونية تقابلها في كثير من الأحيان حقيقة واقعية تشهد بأن المالك المقيد بالرسم العقاري قد توفي و بالتالي انتقلت عنه أهلية الوجوب و أهلية الآداء.[12]
هذا فيما يخص شرط الصفة أما شرط المصلحة في الدعوى القسمة القضائية العقارية فبما أن المشرع المغربي قد أعطى الحق لكل شريك في طلب القسمة و جعل هذا الحق من النظام العام، فإنه افترض وجود هذه المصلحة لدى الشريك الذي يطلب القسمة عن طريق القضاء.
أما الشرط الأهلية في التشريع المغربي في دعوى القسمة هو ذلك شريك على الشياع الذي يعتبر كامل الأهلية ببلوغه سن الثامنة عشرة 18 شمسية كاملة عملا بمقتضيات المادة 209 مدونة الأسرة.
و الجدير بالذكر أن هذه الشروط يجب أن تتوفر في الشخص الدائن في حالة تدخله في مسطرة القسمة ما دام المشرع منحه هذه الإمكانية حماية لحقوقه عملا بالفصل 1085 من قانون ل.ع.م.
أما المدعى عليه في دعوى القسمة العقارية هو الشريك أو باقي الشركاء في العقار المشاع الذين توجه ضدهم دعوى قسمة العقار.[13]
و إذا كان العقار محفظ فإنه يشترط لمنازعة باقي الشركاء أن يكونوا قد قيدوا حقوقهم بالسجل العقاري لاكتساب صفة شريك و بالتالي صفة التقاضي في دعوى القسمة وفقا لمقتضيات الفصلين 66 و 67 من قانون 14.07 و هنا يطرح إشكالا آخر أيضا مفاده، إذا توفي أحد الشركاء و لم يقم ورثته بتقييد حقوقهم في السجل العقاري ففي هذه الحالة هل يتعين على المدعي رفع الدعوى ضد الشريك المتوفى الذي ما زال اسمه مقيدا بالسجل العقاري؟ أم يتعين عليه منازعة الورثة باعتبارهم الشركاء الفعليين؟
ففي هذه الحالة إذا كانت دعوى القسمة قائمة و توفي أحد المتقاسمين بعد أن قطعت الإجراءات شوطا كبيرا و كون القاضي فكرة عن كل العناصر التي تمكنه من الفصل في الدعوى فإن الموت لن يكون له تأثير عليها عملا بالفصل 114 من قانون المسطرة المدنية بقوله لا تؤخر وفاة الأطراف أو تغيير وضعيتهم بالنسبة إلى الأهلية الحكم في الدعوى إذا كانت جاهزة.
أما إذا كانت الدعوى في بدايتها و لم يبادر الورثة إلى تقييد إراثتهم بالسجل العقاري ففي هذه الحالة كان العمل القضائي يعتد بالشريك المسجل بالرسم العقاري حتى و لو كان متوفيا أخذا بمندرجات هذه الرسوم غير أنه بعد ذلك تراجعت محكمة النقض عن هذا التوجه و اعتبرت "...كون الرسم العقاري ما زال مسجلا باسم شخص توفي لا يعطي لهذا المتوفى أهلية التقاضي، كما لا ينفي عن ورثته الصفة في الدفاع عن حقوقهم في التركة."[14]
الفقرة الثانية : القواعد الشكلية لدعوى القسمة العقارية
من بين القواعد الشكلية التي أوجب المشرع المغربي على المدعي احترامها أثناء رفع دعوى القسمة القضائية العقارية هو تقييد هذه الدعوى تقييدا احتياطيا و توجيه هذه الدعوى إلى جميع الشركاء في العقار المشاع :
 و هو ما نصت عليه المادة 316 من مدونة الحقوق العينية على أنه "لا تقبل دعوى القسمة إلا إذا وجهت ضد جميع الشركاء و تم تقييدها تقييدا احتياطيا إذا تعلقت بعقار محفظ"، و هو مقتضى جاءت به مدونة الحقوق العينية و رتبت على عدم احترامه عدم قبول دعوى القسمة .
بالإضافة إلى ذلك يتعين على الشريك الذي يرغب بأن يستقل بنصيبه في العقار المشاع أن يرفع دعوى القسمة أمام الجهة القضائية المختصة نوعيا و مكانيا للبث فيها.
فالاختصاص النوعي لا يثير أي إشكال بحيث ينعقد للمحكمة الابتدائية باعتبارها صاحبة الولاية العامة للنظر في جميع القضايا المدنية (المادة 18من ق.م.م )
أما الاختصاص المحلي، فينعقد للمحكمة التي يوجد بدائرتها العقار موضوع طلب القسمة.
إلا أن الإشكال الذي يطرح هو في الحالة التي توجد فيها عدة عقارات مشتركة و لا تقع في دائرة نفوذ محكمة واحدة ؟ فأي من المحاكم الابتدائية يعود لها الاختصاص بالبث في دعوى القسمة . في هذا الصدد يرى جانبا من الفقه[15] أن دعوى القسمة يجب أن ترفع أما المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرتها العقارات أكبر قيمة.

المبحث الثاني: مراحل دعوى القسمة العقارية وبعض الموانع التي قد تحول  دون إجرائها
وسنتطرق في هذا المبحث لمراحل دعوى القسمة العقارية في المطلب الأول على أن نتطرق في المطلب الثاني لبعض الموانع التي قد تحول دون إجرائها .
المطلب الأول : مراحل دعـوى الـقسمة العقارية
بعد تقييد المقال الافتتاحي لدعوى القسمة العقارية، يقوم رئيس المحكمة بتعيين القاضي المقرر الذي يتتبع مراحل الدعوى ابتداء من الاستدعاء لأول جلسة إلى حين صيرورة القضية جاهزة للبث فيها.
و بعد أن تتأكد المحكمة من توفر موجبات القسمة فإنها تنتقل إلى المرحلة الموالية و ذلك بانتداب خبير لإعداد مشروع القسمة العينية إذا كان العقار قابلا لها و إلا فتحديد الثمن الأساسي للبيع بالمزاد العلني.
و على هذا الأساس سنحاول الحديث في هذا المطلب عن الجهة التي تقوم بإعداد مشروع القسمة العقارية في الفقرة الأولى ثم إعداد مشــروع القسمة العينية و قسمة التصــفية في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى :الجهة المخول لها قانونا إعـداد مـشـروع القـسمة العــقارية.
إن إعداد مشروع القسمة العقارية غالبا ما يمهد له بإصدار حكم تمهيدي و ذلك بإسناد و إنجاز و إعداد هذا المشروع إلى الخبير العقاري الذي عليه أن يدرس بكل دقة مشروع القسمة من حيث جميع المعطيات و قيمة العقار، و التعرف على نوع التربة و إعداد مشاريع لفرز نصيب كل شريك وفق تصاميم و رسوم بيانية تبين شكل الأجزاء المفرزة و حدودها و مساحاتها، و هل العقار موضوع طلب القسمة قابل للقسمة العينية أم لا .[16]
أما إذا كانت القسمة غير ممكنة يتم تحديد الثمن الذي تنطلق على أساسه المزايدة، و أن كل ما يقوم به الخبير في إعداد مشروع القسمة عن طريق تقرير ينجز في حدود المهام المنوطة بالخبير الذي يمكنه أن يعينه القاضي تلقائيا أو بناء على اتفاق و اقتراح الأطراف و هو ما نص عليه الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية.
هذا و يقوم الخبير بمهمته تحت مراقبة القاضي الذي يمكن له حضور عملية الخبرة إذا اعتبر ذلك مفيدا.
و يتم إيداع تقرير الخبير و الوثائق المرفقة به من رسوم بيانية و تصاميم طبوغرافية إلى غير ذلك من الوثائق بالمحكمة المختصة التي تصدر حكمها إما بالمصادقة على تقرير الخبير إذا كانت القسمة العينية ممكنة أما إذا كانت غير ممكنة فإن المحكمة تحكم بيعه بالمزاد العلني.
الفقرة الثانية : إعداد مشروع القسمة العينية و قسمة التصفية
يحدد الخبير شكلا للقسمة، إذا كانت قابلة للقسمة العينية، أما إذا كانت غير ممكنة فيتم اللجوء إلى قسمة التصفية بتحديد الثمن الافتتاحي للبيع في المزاد العلني.
فالقسمة العينية : هي تقسيم الشيء المشاع إلى عدة حصص مفرزة بعضها عن بعض الآخر و متناسبة مع حصص الشركاء المشتاعين فيستقل كل شريك عن غيره بالجزء المناسب لحصته. و هذا ما أكدته المادة 317 من مــدونة الحقوق العينية التي نصـــت "تحكم المحكمة بقسمة العقار المشاع قسمة عينية كلما كانت هذه القسمة ممكنة و يقرر الحصص و تكوين الأنصبة على أساس أصغر حصة، وعن طريق التقويم و التعديل، و تتوزع الأنصبة المقررة بين الشركاء بالقرعة، و تصـــدر حكمها بناء على تصميم ينجزه خبير في المسح الطبوغرافي يعين موقع و حدود و مساحة كل نصيب مفرز .
أما القسمة التصفية فهي القسمة التي تقتضي بيع العقار المشاع إما باتفاق الشركاء المشتاعين أو عن طريق القضاء، و توزيع الثمن المحصل عليه على هؤلاء الشركاء بحسب حصة أو نصيب كل واحد منهم[17] و هو ما نص عليه الفصل 259 من قانون المسطرة المدنية بقوله "يمكن للمحكمة أن تأمر بالقسمة البتية إذا كان المطلوب قسمته قابلا لها و ينتفع كل بحصته بمدرك أو بدونه و لو كان هناك قاصرون." و تأمر المحكمة إذا كان موضوع القسمة غير قابل لها و لا الانتفاع بها كل بحصته ببيعه جملة أو تفصيلا بالمزاد العلني مع تحديد الثمن الأساسي للبيع "و هو ما أكدته كذلك المادة 318 من مدونة الحقوق العينية :
و الجدير بالإشارة إلى أنه لا يتم البيع بالمزاد العلني إلا بعد استنفاذ الحكم القضائي بالقسمة طرق الطعن العادية و النقض عند الاقتضاء و هو نصت عليه المادة 319 من مدونة الحقوق العينية.
المطلب الثاني : بعض الموانع التي قد تحول دون إجراء القسمة العقارية
إن رفع دعوى قسمة العقار المشاع لا يعني أن القضاء يستجيب بإصدار حكم يقضي بالقسمة العينية أو قسمة التصفية ، فقد يتم رفض الدعوى لوجود موانع واقعية و إرادية الفقرة الأول أو موانع قانونية الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى : الموانع الواقعية والإرادية
فمن بين هذه الموانع مثلا وجود دعوى الشفعة في العقار الذي يكون محل دعوى القسمة ، ففي هذه الحالة هل يتم إيقاف البت في دعوى القسمة إلى أن يتم الفصل في دعوى الشفعة  أم أن الأمر عكس ذلك ؟
انقسم القضاء المغربي بخصوص هذه النقطة إلى اتجاهين :
الاتجاه الأول: يرى على أنه يجيب إيقاف النظر في دعوى القسمة إلى غاية الفصل في دعوى الشفعة وهو ما أكده قرار صادر عن محكمة النقض الذي جاء فيه " إذا كانت حصة طالب القسمة في العقار موضوع طلب الشفعة من طرف شركائه ،وطلب هؤلاء من المحكمة أن توقف البت في دعوى القسمة إلى أن يبت في دعوى الشفعة وجب عليها أن تستجيب لهذا الطلب لما بين الدعويين من ارتباط قانوني"[18]
أما الاتجاه الثاني: فذهب إلى القول أنه مادام أن دعوى الشفعة لم يتم النظر فيها فإنه لايمكن قبول دعوى القسمة لكونها سابقة لأوانها ، ومن شروط البت فيها أن يكون العقار خاليا من كل نزاع ،وهو اتجاه أقره قضاء الموضوع حيث ورد في حكم صادر عنه والذي جاء فيه مايلي: "....وحيث  أن طلب القسمة يعتبر سابقا لأوانه نضرا لكون ملكية أحد شركاء المال المشاع محل طلب شفعة مما يتعين التصريح بعدم قبوله..."[19]
وقد تكون هذه الموانع أيضا مصدرها إرادة الأطراف وذلك من خلال الإتفاق بين الشركاء برضاهم  للبقاء على الشياع لمدة محددة بحيث يجبر الشركاء في هذه الحالة البقاء في الشياع طيلة المدة التي التزموا بها الفصل 979 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.[20] إلا أنه مــع ذلك يمكن للمحكمة أن تأمر بحل الشياع وبإجراء القسمة حتى قبل انصرام المدة المتفق عليها إن كان هناك مبرر مشروع كأن يحتاج أحدهم إلى مال ولا يمكنه أن يحصل عليه إلا إذا قسم الملك المشاع وبيعت حصته [21].
   الفقرة الثانية : الموانع القـانونية
     نص المشرع المغربي  على هذه الموانع في نصوص متفرقة ونخص بالذكر هنا ظهير15 يوليوز1969 المتعلق بالحد من تقسيم الأراضي الفلاحية داخل دوائر الري ودوائر الاستثمار بالأراضي الفلاحية غير المسقية بحيث يمنع على القاضي والمحافظ العقاري في إطار هذا القانون إجراء أية قسمة يترتب عنها استخراج قطع تقل عن 5 هكتارات .
كما يمنع إجراء القسمة العقارية في حالة إذا مانتج عنها مخالفة قانون 90.25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجوعات السكنية وتقسيم العقارات ،أو مخالفة ظهير 1962 المتعلق بضم الأراضي الفلاحية، أو إذا كان طلب القسمة من شأنه أن يحول دون أداء الغرض الذي خصصت له (الفصل980 من.ق.ل.ع.م) .
    وبـناءا على كل ماسبق يمكن القول على أن النصوص القانونية المنظمة لإجراءات دعوى القسمة العـقارية تعرف نوع من الازدواجية والخلط والتضارب أحيانا في القواعد بين القوانين العامة والقونين الخاصة ، وهذا أمر غير محمود نضرا لأهمية المجال الذي تنظمه من جهة ، وكثرة المشاكل التي تنجم أثناء التنزيل ،سواء بالنسبة للمتقاضين أو بالنسبة للمؤسسات المعهود لها بتطبيق هذه القواعد والأحكام من جهة ثانية . وبالتالي كان من الأجدر والأفيد أن يتجاوز المشرع المغربي كل هذه النواقص وتفاديها قبل أن تدخل مدونة الحقوق العينية حيز التنفيذ .


1 عادل المعروفي، الاشكالات العملية للقسمة القضائية العقارية ، منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية العدد السادس. سنة 2015 ص: 13.
[2]  يقول الناظم :
ويقسم القاضي على المحجور مع          وصيه عند اقفاء من منع .
كـذا له القــسم على الصـغــار            وغائب منقطع الأخـــبار .
[3]  يقول ابن عاصم : و يوقف القسم مع الحمل إلى أن يستهل صارخا فيعملا
[4]  محمد الهائمي : دعوى القسمة من خلال العمل القضائي – المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء نموذجا – بحث نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء الفوج 36 سنة 2011 ص: 28 و 29
[5]  أحمد ملجاوي : دعوى القسمة القضائية، مقال منشور في مجلة الندوة الوطنية في موضوع : الأمن العقاري سنة 2015 ص: 259
[6]  قرار عدد 13104 صدر بتاريخ 02/05/2000 ملف عدد 621/200 أشار إليه المصذفى مازي "رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة وحدة التكوين و البحث من قانون العقود و العقار كلية الحقوق وجدة 2006-2007 ص: 20
[7]  عبد القادر بوعصيبة حماية المشتاعين في قسمة العقار ،قراءة في ضوء الفقه المالكي ومدونة الحقوق العينية والقوانين ذات الصلة ،مقال منشور بمجلة القبس المغربية العدد الثالث سنة 2012 ص: 110
[8]  أحمد ملجاوي : دعوى القسمة القضائية، مرجع سابق سنة 2015 ص: 252
[9]  عادل المعروفي، الاشكالات العملية للقسمة القضائية العقارية ، منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية ا.م,س سنة 2015 ص: 31.
[10]  قرار محكمة النقض عدد 734 بتاريخ 05/03/1995 ملف مدني عدد 87/3905 منشور بمجلة القضاء الأعلى العدد 47 لسنة 1995 ص 35
[11]  قرار محكمة النقض بتاريخ 22/11/2006 تحت عدد 660 في الملف الشرعي عدد 03/378 منشور (*********) القصر عدد 23 ص 198 و ما بعدها
[12]  عز الدين الماحي : التركة بين واقعة الوفاة و التسجيل "ندرة الأنظمة العقارية في المغرب نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية و العقارية بكلية الحقوق القاضي عياض مراكش، يومي 5 و 6 أبريل 2006 الطبعة الأولى ص: 271 و ما بعدها
[13]  أحمد ملجاوي : دعوى القسمة القضائية م.س ص: 247.
[14]  قرار مجلس الأعلى عدد 672 صادر بتاريخ 1/04/1987 ملف مدني عدد 84/2393 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 40 لسنة 1988 ص: 52 و ما بعدها.
[15]  محمد الكشبور : القسمة القضائية، الطبعة الثانية ص 244 و ادريس الفاخوري : مدونة الحقوق العينية على ضوء قانون 39.08 الأولى 2012 ص: 216.
[16]  أحمد الشحيتي : دعوى القسمة على ضوء قانون الالتزامات و العقود المغربي و مدونة الحقوق العينية. مقال منشور بمجلة الأمن العقاري بسنة 2015 ص: 291 و 292.
[17]  مأمون الكزبري : التحفيظ العقاري و الحقوق العينية الأصلية و التبعية في ضوء التشريع المغربي الطبعة الثانية 1987 ص: 133.
[18]  قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 11 أبريل 2001 منشور بقرير السنوي للمجلس الأعلى لسنة 2001 ص: 106 .
[19]  حكم المحكمة الابتدائية بالرباط عدد 1236 صادر بتاريخ 15 يوليوز 2004 في الملف عدد 2003/458/9 حكم غير منشور أورده مصطفى مازي في "الإشكالات العملية للقسمة القضائية العقارية "ص: 18 .
[20]  أحمد الشحيتي ،دعوى القسمة على ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي ومدونة الحقوق العينية ، مرجع سابق . ص: 295 .
[21] عبد القادر بوعصيبة حماية المشتاعين في قسمة العقار، م ، س .سنة 2012 ص: 106 .

من أجل تحميل هذا المقال -  إضغط هناك - أو أسفله

قانونك

من أجل تحميل هذا العدد الثالث - إضغط هنا أو أسفله على الصورة
مجلة قانونك - العدد الثالث