محاضر الشرطة القضائية و إشكالية التوقيع على ضوء قانون المسطرة الجنائية - مراد علوي

  

محاضر الشرطة القضائية و إشكالية التوقيع على ضوء قانون المسطرة الجنائية

Judicial police records and the problem of signing in the light of the Code of Criminal Procedure

 مراد علوي / حاصل على شهادة الإجازة في القانون العام برحاب كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية أكدال - جامعة محمد الخامس الرباط و أيضا فاعل جمعوي وحقوقي.

MOURAD Alaoui

 



 تقديـــم :

  لاشك أن أول ما يستحضره كل متعامل مع القضاء تلك الوثيقة التي تتمخض عن مرحلة ما قبل المحاكمة والتي يحررها ضباط الشرطة القضائية بمناسبة قيامهم بعملهم المتجلي في التثبت من وقوع الجريمة وجمع الأدلة حولها، وإلقاء القبض أو إيقاف كل شخص له علاقة بالفعل الجرمي. حيث تتجلى الأهمية الحيوية التي تحظى بها تلك الوثيقة ليس فقط كوسيلة إثبات وإنما كآلية سخر لإنجازها سلطات واسعة بيد ضباط الشرطة القضائية. وللتأكيد فقط، يمكن القول أن ضباط الشرطة القضائية كما عرفتهم المسطرة الجنائية في المادة 19 يدخلون إما كضباط سامين للشرطة القضائية أو ضباط الشرطة القضائية بما فيهم جنود الدرك أو كأعوان في هذه الشرطة وكموظفين وأعوان مكلفين ببعض مهام الشرطة القضائية بمقتضى نصوص خاصة .

 إذن في هذه المرحلة يظهر الدور الخطير الذي يلعبه ضباط الشرطة القضائية، فبناء على تلك المحاضر التي توضح ظروف وملابسات الجريمة قد تحجم النيابة العامة عن المتابعة وتأمر بحفظ الملف ، أو تقدم على المتابعة وتحيل الملف على المحكمة المختصة أو على قاضي التحقيق. كما أن هذا الأخير كثيرا ما يستند في قراراته إلى ما تحتويه هذه المحاضر من معلومات نظرا لما لها من حجية في الإثبات. وهنا يطرح التساؤل حول القيمة القانونية لهذه المحاضر وحجيتها أمام المحاكم . ثم ما هي الدفوع الشكلية التي يمكن إثارتها عند قراءة محضر الضابطة القضائية ؟ وما هو الجزاء الذي رتبه المشرع عن الإخلال بالشكليات المتطلبة قانونا؟

  لكن قبل كل هذا وذاك لابد من التعريف بماهية المحضر وأنواع المحاضر وشروط وشكليات إنجازها . وبالتالي ارتأينا أن يكون الموضوع مقسما على    الشكل الآتي :    

ü    التقديم .

v  المبحث الأول: ماهية المحضر وشكليات إنجازه.      

Ø   المطلب الأول: تعريف المحضر وأنواعه.  

                                           ·             الفقرة الأولى: تعريف المحضر.

                                           ·             الفقرة الثانية: أنواع المحضر. 

Ø   المطلب الثاني: شروط وشكليات إنجاز المحاضر       

                                           ·             الفقرة الأولى: التقيد بالاختصاص القانوني من طرف محرر المحضر.

                                           ·             الفقرة الثانية: احترام شكل المحضر القانوني.

                                           ·             الفقرة الثالثة: الالتزام بالوصف الموضوعي وفورية الإنجاز.

v  المبحث الثاني: الدفوع المثارة عند خرق شروط وشكليات المحضر. 

Ø   المطلب الأول: الدفع ببطلان المحضر. 

                                           ·             الفقرة الأولى: الدفع بانعدام حالة التلبس.  

                                           ·             الفقرة الثانية: الدفع بعدم صحة إجراءات التفتيش.

                                           ·             الفقرة الثالثة: الدفع بعدم صحة إجراءات الوضع تحت الحراسة النظرية.

                                           ·             الفقرة الرابعة:الدفع بإنجاز المحاضر لانتزاع اعتراف تحت الإكراه والتعذيب.

Ø   المطلب الثانـي: الدفع بعدم توقيع المحضر.

                                      ·            الفقرة الأولى: الدفع بعدم توقيع المحضر من طرف محرره.

                                      ·            الفقرة الثانية: الدفع بعدم توقيع المحضر من طرف المشبوه فيه.

Ø   المطلب الثالـث: الدفع بعدم صحة ما ورد بالمحضر وإثبات ما يخالفه.

                                           ·             الفقرة الأولى: أنواع المحاضر من حيث قوتها الثبوتية.

                                           ·             الفقرة الثانيـة : إثبات عكس ما ورد بالمحضر والطعن فيه.

ü    خاتمة .

المبحث الاول : ماهية المحضر وشكليات انجازه :

لا أحد ينكر الاهتمام الواسع والكبير الذي حظيت وتحظى به محاضر الضابطة القضائية من جميع الفعاليات التي تعمل سواء في الحقل القانوني أو القضائي، وذلك لمساس هذه المحاضر بحقوق الأفراد وحرياتهم. وهذا ما حدا بالمشرع في قانون المسطرة الجنائية الجديد إلى تحديد ماهية المحضر                   ( المطلب الأول) وتنظيم شكله القانوني وشروط صحته (المطلب الثاني)، كل ذلك لتتوفر له الحجية القانونية المفترضة فيه .

المطلب الاول : تعريف المحضر وأنواعه :

 سنتناول في هذا المطلب تعريف المحضر( الفقرة الأولى ) وأنواع المحاضر   ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الاولى : تعريف المحضر:

   تعد محاضر الشرطة القضائية من بين أهم وسائل الإثبات في المادة الجنائية لما تحتويه من إعترافات و معاينات ووقائع و شهادات و تصريحات من شأنها أن تكشف للقاضي الجنائي اللبس عن القضية المعروضة عليه لتكوين قناعته الشخصية بناءا على السلطة التقديرية التي يتمتع بها لإصدار الأحكام المناسبة إما بالبراءة أو الإدانة .

 و تظهر أهميته ـ أكثر في كونه يشكل نقطة الإنطلاق و بداية سلسلة من الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية حيث تضاربت اراء الفقه و القضاء لوضع تعريف دقيق له .

و في تعريف لبعض الفقه لمحضر الضابطة القضائية أنه ذلك الصك الكتابي الذي ينظمه الموظف المختص لإثبات شكوى أو إشكالية أدليت إليه ، أو إنتهت إليه بمشاهدته المباشرة بالنسبة للجريمة التي وقعت . و عرفه جانب اخر من الفقه بأنه ورقة رسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بحسب ما يقرره القانون ، ينجز من قبل موظف مختص هو ضابط أو عون الشرطة ، يضمنه ما عاينه من وقائع و أحداث  ( أي الجريمة موضوع البحث و أطرافها و الأدلة التي تم التوصل إليها ) محترما في ذلك مجموعة من الشكليات .

و قد تدخل المشرع المغربي بموجب قانون المسطرة الجنائية الحالي متفاديا النقص الذي إعترى القانون الملغى ، حيث عرف المحضر في الفقرة الأولى من المادة 24 على أنه : " المحضر في مفهوم المادة السابقة هو الوثيقة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه و يضمنها ما عاينه أو ماتلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لإختصتصه " . و بهذا يكون المشرع المغربي قد فصل في الخلاف الذي كان مثارا بين الفقه حول وضع تعريف محدد لمحضر الضابطة القضائية .

الفقرة الثانية : أنواع المحاضر:

 يمكن تقسيم المحاضر إلى تصنيفات ثلاثة :

من حيث صفة محرريها أو نوع الجرائم التي تتضمنها أو من حيث قوتها الثبوتية .

1 )  من حيث صفة محرريها تنقسم إلى :     

-  محاضر ينجزها ضباط الشرطة القضائية في الحالة العادية المرتبطة بالبحث التمهيدي المنصوص عليها في المادة 23 من قانون المسطرة الجنائية  وفي حالة التلبس وفق الشكليات المنصوص عليها في المواد من 59 إلى 79.

-  محاضر يحررها أعوان الشرطة القضائية أو الموظفون والأعوان المنصوص عليهم في قوانين خاصة . مثال:

مخالفات لقانون الصيد والقنص. مخالفات لقانون السير والجولان. مخالفات متعلقة بالغش في البضائع و غيرها .

- محاضر ينجزها موظفون وأعوان مكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية مثال: مهندسو أو مأمورو المياه والغابات. ف 26 م ج.

2 )  من حيث الجرائم التي تتضمنها نجد:

- محاضر جنايات .

- محاضر الجنح الضبطية والتأديبية .

- ومحاضر المخالفات .

3 )  من حيث قوتها الثبوتية تنقسم إلى :

       - محاضر يوثق بمضمنها إلى أن يثبت ما يخالفها ( ف 290 م ج).

       - محاضر لا يطعن فيها إلا بادعاء الزور(فصل 292 م ج).

       - محاضر لا تعتبر إلا مجرد بيان ( فصل 291 م ج)

المطلب الثاني : شروط وشكليات انجاز المحاضر :

     باستقراء لمختلف نصوص المسطرة الجنائية يتضح جليا أن المشرع حدد شروطا وشكليات يجب على محرر المحضر الالتزام بها حتى يكون المحضر صحيحا.

ويمكن إجمال هذه الشروط في ثلاث نقط :

- التقيد بالاختصاص القانوني من طرف محرره ( الفقرة الأولى ) .

- احترام شكله القانوني ( الفقرة الثانية ) .

الالتزام بالوصف الموضوعي وفورية الإنجاز( الفقرة الثالثة ) .

الفقرة الاولى : التقيد بالاختصاص القانوني لمحرر المحضر:

 التقيد بالاختصاص القانوني يستلزم بالضرورة أن يكون محرر المحضر ضابطا للشرطة القضائية فهذا الأخير هو وحده المؤهل لتحرير المحاضر. وقد أكد المشرع في المادة 23 من الم.الج. على ضرورة الإشارة في المحضر إلى اتسام محرره بصفة ضابط الشرطة القضائية وإلا انتفت عنه الصفة التي تخول له القيام بذلك. ويتعين إنجاز المحضر أثناء مزاولته لمهام الشرطة القضائية. كما أنه يقتضي أيضا مراعاة الاختصاص النوعي والمكاني لضابط الشرطة القضائية.

فالاختصاص النوعي قد يكون عاما كما هو الحال بالنسبة لضابط الشرطة الق. ولموظف الدرك الملكي أو وكيل الملك. فصلاحيتهم عامة ويمكنهم ضبط كل مخالفة للقانون وتحرير محضر بشأنها حتى في النوازل المقصورة على الموظفين أو الأعوان المكلفين ببعض مهام الضابطة القضائية ، وذلك في حالة غيبة هؤلاء الأخرين . أو إذا تعذر عليهم القيام بالمهام المنوطة بهم ( الفصل 34 و 45 من قانون المسطرة الجنائية ) ، العدل العسكري الذي يخول لضابط الشرطة القضائية المدني القيام بمهام ضابط الشرطة القضائية العسكري في حالة غياب هذا الأخير). وقد يكون الاختصاص النوعي خاصا أي محصورا في نطاق معين لا ينبغي تجاوزه كما هو  الأمر بالنسبة لموظفي الجمارك والغابات، وأعوان المكتب الوطني للسكك الحديدية الذين منحت لهم هذه الصفة بمقتضى نصوص خاصة .

  أما الاختصاص المكاني لضباط الشرطة القضائية  فقد حدده الفصل 22 من قانون المسطرة الجنائية . في الحالة العادية بدوائر الاختصاص الإقليمي المحدد لهم حسب وظائفهم ، وإذا عاق أحدهم عائق فإن مندوب المقاطعة المجاورة يقوم مقامه ، إلا أن هذا الاختصاص يمتد استثنائيا خارج دائرة عمل ضباط الشرطة الأصلي في حالة الاستعجال أو بطلب من السلطة العمومية الفصل 22 من قانون المسطرة الجنائية على أن هناك نصوص أخرى تلزم ضباط الشرطة القضائية . بالتدخل في الحالات الاستعجالية ولو دون أمر من السلطة العمومية مثل المادة 40 من المرسوم المكون للنظام الأساسي الخاص بموظفي إدارة الأمن الوطني 23/12/75  والمادة 12 من قانون الدرك الملكي . 

وعلاوة على الاختصاص المكاني الموسع في حالة الاستعجال، فالمشرع مدد اختصاصات مندوبي الشرطة العاملون بدائرة واحدة مقسمة إلى عدة مقاطعات إلى مجموع الدائرة التي يعملون بها مادة 22 م . ج .

 ويمكن القول أيضا بأن قاعدة الاختصاص الترابي الثلاثي في الميدان الزجري تخول هذا الاختصاص لكل من ضابط الشرطة القضائية. الذي وقع في دائرة نفوذه الجرم وتلك التي يقيم فيها المجرم أو أحد شركائه وتلك التي تم فيها إلقاء القبض عليه أو على أحد هؤلاء. ولو كان ذلك من أجل ارتكاب جريمة أخرى.

   فهذه إذن كلها احتياطات لسد الثغرات التي يمكن أن تلابس الاختصاص المكاني ليكتسي عمل ضابط الشرطة القضائية أقصى ما يمكن من الفعالية .

الفقرة الثانية : احترام شكل المحضر القانوني :

   أول شيء يمكن الحديث عنه هو أن المحضر وثيقة مكتوبة – لذلك لا مجال للحديث عن المحاضر الشفوية أو المسجلة بوسيلة مرئية أو صوتية. بل أكثر من ذلك نجد بعض النصوص الخاصة تلزم تحرير المحضر وكتابته بخط اليد (المادة 60 من ظهير10/10/1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها ) .

   والأصل أن يتم تحرير المحضر باللغة العربية لأنها لغة المرافعات أمام المحاكم وهي اللغة الرسمية للبلاد. كما يجب تضمين المحضر البيانات التالية كما حددتها المادة 24 م.ج :

- اسم محرر المحضر إذ لا قيمة لمحضر يجهل محرره لما ينتج عن ذلك من غياب المراقبة القضائية في حالة جهل اسم محرر المحضر.

- صفة محرر المحضر، فالصفة هي التي تمكن من التأكيد من توفره على صفة ضابط الشرطة القضائية  ويشار إلى ذلك مثال :

– نحن الرقيب الأول فلان ضابطا للشرطة القضائية .                          

- مكان عمل محرر المحضر أي الإشارة إلى الوحدة الإدارية الملحق بها كدائرة شرطة القضائية ، أو مركز الدرك الملكي .

- توقيع محرر المحضر أي توقيع ضابط الشرطة القضائية وليس مساعده كاتب المحضر وتتجلى أهمية التوقيع في تسهيل تحديد المسؤوليات فيما يتعلق باختصاص محرر المحضر.

- تاريخ وساعة إنجاز الإجراء ، ذلك أن الكثير من الإجراءات المسطرية محددة بالساعة كالحراسة النظرية وتفتيش المنازل، وللتاريخ أهمية في احتساب أجل التقادم.

   وإذا تعلق الأمر بمحضر الاستماع إلى شخص سواء كان متهما أو مشتبها فيه أو شاهدا أو ضحية أو مجرد مصرح فيجب إدراج البيانات التالية :

 - ضرورة إدراج هوية الشخص المستمع إليه بالمحضر ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء ، وتدون بمحضر الاستماع التصريحات التي يدلي بها المصرح والأجوبة التي يرد بها على أسئلة ضابط الشرطة القضائية ، وليس ضروريا تدوين الأسئلة نفسها. وينبغي إشعار المشتبه فيه بالأفعال المنسوبة إليه .

  ويقرأ المصرح تصريحاته بنفسه أو تتم قراءتها عليه ويشار إلى ذلك بالمحضر. وإذا تم إدخال تغييرات أو إضافات أو ملاحظات على أقواله تدون أيضا بالمحضر أو يشار إلى عدم وجودها. كقوله مثلا: " بعد أن تلا تصريحاته بنفسه أو تليت عليه تمسك بها ولم يبد أي ملاحظة بشأنها ".

  وفي الأخير يوقع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة القضائية على المحضر وعلى الإضافات ويدون اسمه بخط يده إلى جانب التوقيع وإذا كان لا يحسن الكتابة التوقيع يضع بصمته ويشار في المحضر إلى ذلك.

وفي حالة رفضه التوقيع أو الإبصام أو عجز عن ذلك فيشار إلى ذلك .

وفي حالة تحرير محضر الاستماع إلى شخص وضع تحت الحراسة النظرية فيجب تضمينه يوم وساعة ضبطه ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص ، كما تقضي بذلك المادة  67 م . ج .

    إضافة إلى كل ما سبق يجب أن يتضمن المحضر البيانات التالية :

- تحديد طبيعة المحضر هل محضر تفتيش أو استجواب أو معاينة.

- تحديد الإجراء القانوني المنجز خلاله المحضر، هل بحث تمهيدي أم  إنابة قضائية أم تلبس.

- في حالة الإنابة يذكر اسم القاضي المكلف بالتحقيق .

      وإذا لم يحترم المحضر هاته الشروط أو بعضها فإنه يفقد قوته الثبوتية ويصبح مجرد معلومات غير ملزمة للقاضي المادة 291 من قانون المسطرة الجنائية .

وقد صرح في المادة 289 م.ج بأنه : " لا يعتد بالمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط وأعوان ش.ق إلا إذا كانت صحيحة في الشكل وضمن فيها محررها وهو يمارس مهام وظيفته، ما عاينه وتلقاه شخصيا في مجال اختصاصه"، وقد أكد ذلك قرار لمحكمة الاستيناف بالرباط بقوله:" إذا افتقرت المحاضر للشكليات الأساسية فإن مبدأ الاستيناف ينهار وتنعدم صلاحياته وتصبح غير قابلة للاطمئنان إليها واستخلاص قناعة على ضوئها. وإن القضاء بوصفه ضامنا للحقوق والحريات يثير ولو من تلقاء نفسه عدم صحة سلامة الإجراءات سيما عند الحرمان من الحرية " .

الفقرة الثالثة : الالتزام بالوصف الموضوعي وفورية الانجاز:

 يتجلى الالتزام بالوصف الموضوعي في ضرورة تضمين المحضر ما عاينه الضابط بنفسه أو ما تلقاه من تصريحات وكذلك العمليات التي قام بها أثناء مزاولته لمهامه دون إبداء وجهة نظره، بحيث يكتفي باستعراض الوقائع دون تكييفها قانونيا لأن هذا ليس من اختصاصه. بل من اختصاص القضاء،  غير أنه إذا تضمن المحضر إضافة من هذا النوع فهي تعتبر والعدم سواء. ولا تؤثر على صحة المحضر  ولا تلزم أبدا الجهات القضائية.

ويجب أن يكون المحضر دقيقا وواضحا طبقا للفصل 73 من قانون الدرك الملكي الذي ينص: " يجب أن يكون إنشاء المحاضر واضحا دقيقا و أن يكون عبارة عن بيان للوقائع مجردا من كل حادث أو تأويل خارج عن الموضوع ، وينبغي أن تشتمل المحاضر على جميع الإرشادات التي من شأنها أن ترشد السلطة المخصصة إليها المحاضر عن هوية الأشخاص الذين سجلت تصريحاتهــــم وعن مستوى ثقافتهم وتضمن في آخر المحضر أوصاف الأشخاص المعتقلين وعند الاقتضاء حالتهم العسكرية " ، كما يتعـــين على ضابط الشرطة القضائية أن يكتب المحضر بأقصى ما يمكـــــن من السرعة في حالة التلبس تنفيذا للمواد من57 إلى67 من قانون المسطرة الجنائية وأن يوقع على كل ورقة من أوراقه  ( مادة 69 م.ج ).

المبحث الثاني : الدفوع المثارة عند خرق شروط وشكليات المحضر :

تعتبر محاضر الضابطة القضائية من أهم وسائل الإثبات المعتمدة من طرف القضاء الزجري في التكييف وإصدار العقوبة .

لذلك أحاط المشرع تحرير المحاضر بمجموعة من الشروط والشكليات التي يتعين احترامها من طرف محرريها والتي سبقت الإشارة إليها أعلاه، والتي تشكل ضمانات لحقوق وحريات المشتبه بهم ، وذلك بالموازاة مع الآليات المسخرة بيد ضابط الشرطة القضائية  خلال ممارستهم لمهامهم.

   لكن ما القول في حال الإخلال بتلك الشكليات ؟ أي هل هناك جزاء قانوني يترتب عن خرق هذه الضمانات المسطرية ؟

 هذا ما سنوضحه من خلال مناقشتنا لأهم الدفوع بخرق شروط وشكليات المحاضر قصد القول ببطلانها وبالتالي استبعادها ( المطلب الأول ) ، إلا أنه ليست كل الشروط إلزامية ويترتب عن إغفالها بطلان المحضر كالدفع بعدم توقيع المحضر(المطلب الثاني) ، أو الطعن في قوة المحاضر الثبوتية من خلال الدفع بعدم صحة ماورد في المحاضر وإثبات مايخالفها ( المطلب الثالث).

المطلب الأول: الدفع ببطلان المحضر :

يعتبر المحضر دليلا محصلا عليه نتيجة للإجراءات التي يقوم بها ضباط الش. الق. هذه الإجراءات من ضبط في حالة تلبس ووضع تحت الحراسة وتفتيش المنازل كما سبقت الإشارة محكومة بشروط يتعين احترامها من طرف القائمين بها. فإذا تم الإخلال بهذه الشكليات فهل يترتب على ذلك البطلان؟ سنحاول معرفة ذلك من خلال الفقرات التالية .

الفقرة الاولى : الدفع بانعدام حالة التلبس :

 يثار الاحتجاج أو الدفع بانعدام حالة التلبس المنصوص عليه في المادة 56 م.ج، إما على أساس توسع ضابط ش.ق. في تفسير التلبس الذي يخوله الصلاحيات الاستثنائية المنصوص عليها في الفصول 59 إلى 72 م.ج. بدل الصلاحيات المنصوص عليها في المواد 78 إلى 82 م.ج. أو أن الشخص لم يضبط في أي حالة من حالات التلبس أو أن الشخص الذي قام بضبطه ليست له صفة ضابط شرطة قضائية ، كما إذا كان مجرد عون شرطة أو شخص عادي  أو أن ضابط الشرطة عاين حالة التلبس بطريقة غير مشروعة .

 فالمحضر المنجز في حالة التلبس دون الإشارة فيه إلى صفة الضابط و لا إلى توقيعه يعتبر باطلا و يترتب عنه انعدام حالة التلبس القانوني.

ونفس الشيء بالنسبة للمحضر المنجز من طرف ضابط الشرطة القضائية  الذي يقوم بأي إجراء من الإجراءات الناتجة عن حالة التلبس من ضبط وحجز وتفتيش ووضع تحت الحراسة النظرية دون إذن من السلطة المختصة ودون سبق وجود معالم الجريمة ، فإذا عثر على مواد ممنوعة وأنجز على إثرها محضرا فإن هذا المحضر يكون باطلا ذلك أن حالة التلبس التي تسمح بالتفتيش دون إذن يجب أن تتحقق قبل اكتشاف المواد الممنوعة لا بعد اكتشافها.

ويطبق نفس الحكم في حالة التجاوز أو التعسف في الصلاحيات المخولة لضباط الشرطة القضائية أو في حال اكتشاف التلبس بطريقة تنافي الأخلاق والآداب العامة .

كما إذا قام ضابط الشرطة بتفتيش منزل بحثا عن بقرة مسروقة ولما دخل أخذ يبحث في الدواليب والحقائب المتعلقة بصاحب المنزل فوجد بها مخدرات فاكتشافه لهذه الجريمة لا يضفي عليها صفة التلبس ، لأن تفتيشه غير مشروع .

   إذن عدم الالتزام بالمشروعية في ضبط التلبس يترتب عنه انعدام حالة التلبس الذي ينتج عنه بالتبعية بطلان المحضر لإخلاله بشرط شكلي جوهري فيه يتمثل في التزام المشروعية في إنجازه ، كما يترتب البطلان على جميع الإجراءات الموالية من محضر التفتيش مع الحجز وعدم قانونية الوضع تحت الحراسة النظرية إضافة إلى المساءلة الجنائية لمحرر المحضر.


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك

من أجل تحميل هذا العدد الحادي عشر - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث