الإدارة الرقمية بالمغرب: الرهانات والآفاق - محمد المعروفي - صبابي عبد الحفيظ

 




الإدارة الرقمية بالمغرب: الرهانات والآفاق

محمد المعروفي

دكتور في العلوم القانونية والسياسية، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، جامعة محمد الخامس الرباط

صبابي عبد الحفيظ 

طالب باحث في سلك الدكتوراه، بمختبر العلوم القانونية والسياسية بالكلية المتعددة التخصصات الرشيدية، جامعة مولاي إسماعيل مكناس


Digital management in Morocco: stakes and prospects

Mohamed EL MAAROUFI

Abd Elhafid SEBBABI

مقدمة

إن تجويد العمل الإداري يعد الغاية الأساسية لأي إصلاح اداري، فالإدارة الرقمية شكلت أداة قوية لتحسين الأداء الوظيفي للمرافق العامة، وذلك بغية تعزيز كفاءة الموظفين وانعكاساتها الإيجابية في الأداء والإنتاجية. وكغيره من الدول فقد سارع المغرب إلى الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالإدارة العمومية، وجاء ذلك تماشيا لما أصبح يشهده العالم من تحديات كبرى في ظل القرن الواحد والعشرين وبغية تحسين العلاقة بين المرتفقين والإدارة. فعمل صناع القرار في المغرب على وضع مجموعة من البرامج والمخططات والاستراتيجيات الوطنية من أجل رقمنة العمل الإداري، في أفق خلق إدارة رقمية قائمة الذات مواكبة للتطورات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم حاليا .

وفي خضم هذه التطورات التكنولوجية والعلمية التي يشهدها العالم، كان لابد للحكومات المغربية المتعاقبة أن تبادر بوضع الخطط والبرامج وترسم السياسات العمومية اللازمة لتطوير أنظمة المعلومات والاتصالات وترتبط بشبكات المعلومات الوطنية والعالمية، لتأمين الحصول على مواطئ قدم لها في هذه الثورة التكونولوجية وتوفير خدمات معلوماتية سريعة ومتطورة للمرتفقين، ومن هنا كان لابد من العزوف عن فكرة الإدارة التقليدية والاتجاه إلى ما يعرف بالإدارة الإلكترونية .

عرف مسار التحول الرقمي للإدارة المغربية تطوراً تدريجياً على مختلف الأصعدة البنيوية والوظيفية. وقد أسفرت مختلف الجهود المبذولة عن مكاسب نوعية لصالح التدبير العمومي، من خلال تحسين مؤشرات الحكامة وتجويد الخدمات العمومية المقدمة للمرتفقين وللمهنيين مقارنة بالتدبير الإداري الكلاسيكي.

برزت إرهاصات الإدارة الإلكترونية في المغرب منذ منتصف التسعينيات، بوضع أول برنامج لاستعمال تكنولوجيا الإعلام في الإدارات العمومية، وما واكبه من نزع تدريجي للطابع المادي للمساطر الإدارية، عبر مخططات رسمت خارطة الطريق نحو رقمنة الخدمات الأساسية، منذ سـنة 1996 عبر استراتيجية المغـرب التنافسي التي دعت إلى تجريب تطبيقات الإدارة الإلكترونية، مع تكييف النسق المؤسساتي ليستوعب تحديات الرقمنة بإحداث كتابة دولة مكلفة بالبريد والتكنولوجيا والاتصالات والإعلام سنة .1998 كما دعا المخطط الخماسي لحكومة التناوب التوافقي 2004-1999 لإدماج التقنيات الحديثة في تسريع التحول التنظيمي للإدارة العمومية وجعلها محركا للتنمية .

وفـي 2005 شـرعت الحكومـة فـي تنفيـذ مخطـط المغـرب الإلكتروني في أفـق 2010، عبر العديد من العمليات، كإرساء النظام الوطني للإدارة الإلكترونية "إدارتي" الذي شمل إحداث بوابة الخدمات العمومية، وموقع المعلومات المكانية، لتحديد أماكن تواجد وجهات الاتصال في المرافق العمومية، بما يمكّن من تيسير الإجراءات الإدارية، والبوابة الوطنية للشكايات التي خصصت لتتبع ومعالجة تظلمات المرتفقين، وتلقي الاقتراحات الكفيلة بتحسين جودة الخدمات الإدارية. إضافة إلى إنشاء وزارة الاقتصاد والمالية لعدة مواقع متخصصة في رقمنة بعـض المعاملات منذ 2007، كإيداع التصاريح والأداءات الضريبية والتدبير الإلكتروني للصفقات العمومية.

ثم استراتيجية المغرب الرقمي، والتي همت الفترة الممتدة ما بين 2009 و2013، المعدة من طرف وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيا الحديثة من أجل تقريـب الإدارة من حاجيات المتعاملين، عبر برنامج طموح للحكومة الإلكترونية تضمن 89 مشـروعا ، كُلفـت بالإشراف عليه اللجنة بين-الوزارية للحكومة الإلكترونية ليسفر تنفيذه إلى حدود شتنبر 2012 عـن إطلاق 377 موقعا إلكترونيا، ووضع 547 خدمة عمومية على شبكة الإنترنت، في إطار تفعيل الإصدار الثاني لمنظومة "إدارتي"، وقد تضمنت هذه الاستراتجية أربع أولويات شملت: التحول الاجتماعي، الخدمات العمومية الموجهة للمرتفقين، تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة على الانتقال الرقمي لتحسين تنافسيتها، وأخيرا تطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصال. والتي أعقبها الإعلان عن استراتيجية أخرى للرقمنة بدءا من سنة 2014 إلى سنة 2020، والهادفة إلى تعزيز تموقع المغرب كمركز إقليمي للتكنولوجيا .

وفي المحصلة فقد ارتفعت الخدمات المتعلقة بالحصول على الإجراءات الإدارية عن بعد بنسبة 18 في المائة ، هذه الحصيلة ستحفز على وضع مخطط جديد للمغرب الرقمي استهدف إتاحة %50 من الخدمات العمومية عبر الإنترنت بحلول عام 2020 . ولأجل ذلك انخـرط المغرب منذ سنة 2013 في عدة شـراكات دولية لتدعيم البنية المعلوماتية، كالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتقوية بنيات الاستقبال الإلكتروني في 31 إدارة عمومية بنهاية 2021 على رأسها المركز الاستشفائي محمد الخامس، ومركز تسجيل السـيارات في الرباط . ومع بداية 2017 أطلقت المنصة الحكومية للتكامل لتمكين المرتفقين من الوثائق اللازمة لإنجاز بعض الخدمات كالبيانات المتعلقة بسجل بطاقة التعريف الوطنية، والسجل التجاري، والسجل العدلي.

وتأسيسا على ما سبق فإن الانتقال الرقمي في الإدارة العمومية بالمغـرب عرف تطوراً ملموسا، من خلال إتاحة العديد من التطبيقات والبوابات الإلكترونية لتيسير الحصول على الوثائق المطلوبة لإنجاز المساطر الإدارية، وللاستفادة من الخدمات العمومية الأساسية في المجالات الاجتماعية؛ كالتعليم والتكوين المهني والصحة والرعاية والتصدي للإقصاء الاجتماعي، والاقتصادية كإنعاش الشغل والاستثمار وتحصيل الضرائب وحوكمة التدبير المالي. وأسفرت مختلف الاستراتيجيات المتخذة عن تسريع التحول التنظيمي للمرافق العمومية وتزايد وتيرة رقمنة المساطر الإدارية ونزع الصفة المادية عنها. 

وتبعا لذلك، فإن إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال من طرف الإدارة المعاصرة يشكل مرحلة أساسية في مسلسل التنمية والتحديث لهذه الإدارة، إذ يشكل بكل تأكيد قيمة مضافة للإدارة والمواطنين، فاعتماد التكنولوجيا الرقمية في التدبير، لها دور فعال في تحقيق مبادئ الحكامة الجيدة، بما في ذلك تحسين التواصل والاقتصاد في التكاليف وتحسين الخدمات واستمراريتها للوصول إلى أعلى معايير الجودة، لأنها آلية تسمح ببلورة إدارة حديثة ومواطنة، فتحديث الإدارة ليس بالشيء الهين، إذ لن يعطي النتائج المرجوة منه ما لم يكن قائما على مبادئ الحكامة الجيدة .

ونظرا لأهمية الموضــــــوع بالنسبــــــة للدولــــــة، اهتمت الأبحاث والدراسات بالإدارة الرقميــــــة، وما يمكــــن أن تسفر عنها من نتائج سيكون لها وقع ايجابي يستفيد منها المسؤوليـــن في الإدارة وفي تحسين مستوى الخدمة، أيضا الرفع من كفاءة العاملين وزيادة وعيهم وتقديم خدمات أفضل للمرتفقين في أسرع وقت وبأقل جهد وتكلفة.

اليوم ها نحن نتجاوز عقدين من الزمن على تجربة الإدارة الالكترونية، شهد خلالها النموذج المغربي عدة منجزات جعلته في مصاف الدول النامية في هذا المجال، لكن هذا لا ينفي وجود مجموعة من التحديات التي افرزها واقع الإدارة نفسها وما تعانيه من اختلالات.

ومن هذا المنطلق، يمكن لنا أن نصوغ إشكالية جوهرية تتمحور أساسا حول رهان تكريس ورش الإدارة الرقمية كآلية لتحديث الإدارة بالمغرب، خاصة في ظل ظهور تحديات تحول دون تحقيق هذا الرهان.

وبناء عليه نتساءل عن واقع الإدارة الرقمية ورهاناتها المستقبلية؟ وللإجابة عن هذا التساؤل فإننا سنتطرق الى مبحثين أساسيين، حيث في (المبحث الأول) سنتحدث عن الإطار المفاهيمي للإدارة الالكترونية، في حين سنناقش واقع وآفاق الإدارة الرقمية بالمغرب في (المبحث الثاني).

المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للإدارة الالكترونية

أمام التحولات المتواصلــــة والاكراهات المختلفـــــــة التي يعيشها النظام الإداري، وجـــــدت الإدارة نفسها بكل مكوناتها مدعوة إلى التلاؤم والانسجام مــــع سياقات التغيير، واعتماد أساليــــب جديدة تمكنها من إعادة الثقــــة بينها وبين المرتفقين، إن فكــــــرة الإدارة الرقمية تقوم على أساس تحويــــل العمل الإداري العادي مــــــن إدارة يدويـــــة إلى إدارة معلوماتيــــــة، وذلك بالاعتماد على النظـــــم المعلوماتيــــة التي تساعد على اتخاد القـــــرار الإداري في أسرع وقت وبأقل تكلفة، بغية إحلال الشفافية والمساءلة، مــــما يبرر ضرورة اعتماد الإدارة الالكترونية وتعميمها على جميع القــــــطاعات، لأن توظيف التكنولوجـــــيا الحديثة العالية الدقـــــــة يساعد على حصـــــول المواطن على الخدمات في أقرب الأجال دون الحاجة إلى كثرة الوسائط التي تعد سببا رئيسيا في انتشار ظاهرة الرشوة واستغلال النفود.

وهكذا سوف يتم التطرق لمفهوم الإدارة الإلكترونية في (المطلب الأول)، على أن يتم معالجة مقومات الإدارة الإلكترونية في (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم الإدارة الإلكترونية وخصائصها

مما لاشك فيه أن تكنولوجيا المعلوميات والاتصال، ساهمت في بلورة أساليب وقيم ومفاهيم جديدة مرتبطة بالمجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري، على اعتبار أن الإدارة الإلكترونية تعد حلقة جديدة في بناء تصور حديث لمفاهيم الخدمة العمومية من خلال التطور السريع لتقنية المعلومات، فتطبيق الإدارة الإلكترونية قد كان بصورة مصغرة وبأساليب بسيطة ولم تصل إلى الصورة الرسمية إلا مؤخرا، الشيء الذي يدفعنا للوقوف على معالم الإدارة الإلكترونية. ولذلك سوف يتم التطرق إلى مفهوم الإدارة الإلكترونية في (الفقرة الأولى) ثم الخصائص التي تتميز بها وهذا في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم الإدارة الإلكترونية

لقد تعددت تعريفات الإدارة الإلكترونية على مستوى المنظمات والهيئات الدولية، فقد عرف البنك الدولي الإدارة الإلكترونية بأنها "مصطلح حديث يشير إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال من أجل زيادة كفاءة وفعالية وشفافية ومساءلة الحكومة، فيما تقدمه من خدمات إلى المواطن ومجتمع الأعمال، وتمكينهم من المعلومات، بما يدعم كافة النظم الإجرائية الحكومية، ويقضي على الفساد، وإعطاء الفرصة للمواطنين للمشاركة في كافة مراحل العملية السياسية والقرارات المتعلقة بها، والتي تؤثر على مختلف نواحي الحياة مما يساهم في زيادة الشفافية وتعزيز المجتمع المدني ".

أما التعريف الذي تبناه الاتحاد الأوربي للإدارة الإلكترونية فهو "استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال لتقديم للمواطنين وقطاع الأعمال الفرصة للتعامل والتواصل مع الحكومة، باستخدام الطرق المختلفة للاتصال: الهاتف، الفاكس، البطاقات الذكية والبريد الإلكتروني، الأنترنت ووضع إطار لتحسين طرق إيصال الخدمات وتحقيق التكامل بين الإجراءات ".

وفي نفس السياق عرفت منظمة التعاون والتنمية الإدارة الإلكترونية على أنها: "استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ولاسيما الأنترنيت من أجل تحسين إدارة المرافق العامة"، وفي سبيل التوافق بين مفهوم الحكومة الإلكترونية والخدمات التي تقدمها إدارات الدولة، فإن تعبير الإدارة الإلكترونية هو المصطلح الأقرب لتحقيق ذلك التوافق على أساس أن المراد ليس ممارسة سلطة الحكم بطريقة إلكترونية، وإنما المقصود إدارة الأمور بطريقة إلكترونية سواء الحكومي أو الأهلي" .

كما أعطيت لها مجموعة من التعريفات تنطلق من الزاوية التي ينظر منها لهذا المفهوم الجديد، وقد عرفها أحد الفقهاء بكونها "تحول المصالح الحكومية وجهات القطاع الخاص نحو قضاء وظائفها ومهامها فيما يتعلق بخدمة الجمهور أو فيما بينها وبعضها البعض بطريقة إلكترونية عن طريق تسخير تقنية المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة في أداء هذه المهام" .

وفي هذا الإطار، فهي تعتبر الوسيلة التي تستخدم لرفع مستوى الأداء والكفاءة، وهي إدارة بدون أوراق لأنها تستخدم الأرشيف الإلكتروني ، وعلى هذا الأساس فإن الإدارة الإلكترونية هي أداء المعاملات الإدارية من تخطيط وتوجيه ورقابة، وتقديم الخدمات بطريقة فعالة معتمدين في ذلك على تقنيات المعلومات والاتصالات من حواسيب، برمجيات وشبكات اتصالات، وبالتالي ربح للوقت والمال والجهد من جهة وسهولة أداء المهام واستغلال جيد للمعلومات من خلال سرعة تبادلها مما يسهل اتخاذ القرار المناسب من جهة أخرى.

وعلى الرغم من حداثة مصطلح "الإدارة الإلكترونية" في الدول العربية، فالملاحظ وجود عدة محاولات لتحديد مفهومه من زوايا وأبعاد مختلفة، فالإدارة الإلكترونية هي مصطلح إداري يقصد به عملية مكننة جميع مهام المؤسسة الإدارية ونشاطها، بالاعتماد على كافة التقنيات المعلوماتية الضرورية للوصول إلى تحقيق أهداف الإدارة الجديدة ، وبالمقابل هناك من يرى أن الإدارة الإلكترونية، هي التعامل مع موارد معلوماتية تعتمد على الأنترنيت وشبكات الأعمال، بحيث يصبح رأس المال المعلوماتي المعرفي الفكري هو التعامل الأكثر فعالية في تحقيق الأهداف والأكثر كفاية في استخدام الموارد .

فالإدارة ة الالكترونية هي تقديم خدمات عن بعد وعن طريق الانترنيت وأنشطة أخرى مرتبطة بالأنترنيت كالاستشارة الإلكترونية، كما قد تعني قدرة الوحدات الحكومية على تقديم الخدمات الإدارية وإتاحة المعلومة الحكومية للمواطنين والجهات الأخرى التي تتعامل معها، بأسلوب سهل ويسير وسريع وأكثر مرونة من أي وقت .

فالإدارة الإلكترونية يمكن أن تشكل آلية لتجاوز بعض المشاكل، وخاصة المتعلقة بإعادة توزيع الاختصاصات والمسؤوليات وتنظيم العلاقات التسلسلية داخل الإدارة، فالتكنولوجيا يمكن أن ترسم علاقات أفقية بدل العمودية بين مختلف أجزاء المنظمة، بشكل تداخلي دون حواجز أو عوائق، كما أنها ترفع من درجة التنسيق بين الوحدات الإدارية، وذلك من خلال وضع أبناك للمعلومات المشتركة يتم تبادلها بشكل سلس دون اتباع الإجراءات الورقية المعتمدة، وهذا ما يضفي الطابع المرن والفعال للإدارة الإلكترونية .

وبالإضافة إلى ذلك فالإدارة الإلكترونية تساعد على تبني سياسة علمية حديثة، تتجاوز من خلالها أساليب العمل التقليدية التي تعتمد على أعداد كبيرة من الموظفين، كما أنها تساعد على الكشف عن الفائض في الوحدات الإدارية، كما أنها تيسر عملية إحصاء الموظفين، وتحديد أماكن عملهم ومؤهلاتهم، مما يسهل عملية توزيعهم والكشف عن الفائض الممكن، كما أن الفعالية والمرونة والسرعة التي تطبع المعاملات الإدارية الإلكترونية سهلت إمكانية تجاوز مركزية القرار الإداري، حيث مكنت الوحدات الإدارية من حرية أكبر في التعامل، مع الإبقاء على روابط الإخبار والتفاعل مع المركز وفقا للوحة قيادة تتضمن توجيهات وتوصيات ممارسة ذلك النشاط الإداري.

ويمكن تعريف الإدارة الإلكترونية كذلك، بأنها استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال خاصة والبرامج المعلوماتية من طرف الإدارات والمؤسسات العمومية وحتى الجماعات الترابية، بهدف تطوير أدائها الداخلي وتقديم خدمات ذات جودة عالية للمستفيدين، سواء كانوا أشخاصا عامة أو ذاتية .

وبالرغم من اختلاف وتنوع مصدر هذه التعاريف إلا أنها تصب في مضمون واحد، بحيث يمكن اعتبارها منظومة متكاملة وبنية وظيفية وتقنية مفتوحة، وعليه فإن استخدام التقنيات الحديثة للقيام بمختلف الأنشطة الإدارية، يساهم في تحسين الأداء وتحقيق الأهداف بأقل وقت وجهد وتكلفة وبكفاءة عالية.

وتجدر الإشارة إلى أننا لا نعني بالإدارة الإلكترونية كيانا إداريا جديدا يتم بموجبه الاستغناء عن الإدارة التقليدية، وإنما هو ملازم لها ويشكل طفرة نوعية نحو تطوير آليات وأساليب الإدارة العمومية من أجل تقديم خدمات في متناول المرتفقين وبسرعة وبأقل تكلفة، ولن يتأتى هذا إلا بالاعتماد على التكونولوجيا الحديثة الخاصة بالإعلام والتواصل.

الفقرة الثانية: خصائص الإدارة الإلكترونية

لئن كانت الإدارة الإلكترونية تمثل حلقة جديدة في بناء تصور حديث لمفاهيم الخدمة العمومية، فإن العمل بها كآلية لتقديم الخدمة العمومية أصبح يقدم تحسينات هامة على شكل تلك الخدمات بما ينتج عنه تطوير المهام والأنشطة المقدمة من طرف المنظمات الحكومية، وبذلك عمدت العديد من التجارب الحكومية إلى تطبيق الخدمات العامة الإلكترونية، بهدف تحقيق مفاهيم تمثل في مضامينها مرتكزات للحكم الراشد هي الشفافية، الرقابة، ربط المسؤولية بالمحاسبة، دولة الحق والقانون، سرعة الاستجابة للخدمات العامة... وغيرها بما يصل إلى غاية ترشيد الخدمة العمومية.

وفي هذا السياق، يمكن القول أن استخدام التكنولوجيا في المجال الإداري شيء لا غنى عنه، للرفع من الجودة الإدارية، نظرا لما توفره من إمكانية تخزين المعطيات وتصنيفها حسب معايير عدة وجمع الإحصائيات والقيام بالاستقراءات والبرمجة بشكل سريع، وهو ما يساعد على اتخاذ القرار الصحيح الأقرب للموضوعية في أقصر مدة زمنية ممكنة، وتوزيع القرار على الهياكل التنفيذية العمودية بسرعة، مما يمكن من التحكم في عوامل القوة التي هي السرعة والدقة، كما تعتبر أبناك المعلومات بمثابة لوحة القيادة المثلى لإصدار وتنفيذ القرار الإداري في أحسن الأحوال، فهي شبكة تمكن من تواصل الإدارات أفقيا وعموديا .

وهكذا أضحى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالإدارات العمومية أمرا ضروريا ومؤكدا، كشكل من أشكال التجديد الذي يمس أساليب عمل الإدارة ونشاطاتها وخدماتها، بهدف خلق نوع من الانسجام بينها وبين التغيرات في مناخ البيئة الرقمية، إذ تعتبر من بين الآليات المهمة التي تساهم في إصلاح الإدارة والرفع من أدائها وتنميتها من خلال الاعتماد على قاعدة بيانات ومعلومات رقمية، قصد تطوير العمل الإداري، لتلبية الحاجيات المتزايدة لمرتفقيها، وتحقيق سهولة وصول المرتفقين لمختلف الخدمات الإدارية، فالإدارة الإلكترونية تتجاوز النطاق الزمكاني الذي تخضع إليه الإدارات .

ولعله من المفيد أن نؤكد أن اعتماد تكنولوجيا المعلومات والرقمنة أضحى محددا رئيسيا لقياس التطور الإداري، نظرا لانعكاسها المباشر على تبسيط المساطر الإدارية والتقليص من آجال تلبية الخدمات الإدارية من الاستقبال وحتى التنفيذ، ومن تكلفتها وأيضا جودتها ، والمغرب وعلى غرار باقي الدول، توجه منذ مطلع القرن الواحد والعشرين لدخول في عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصال، حيث برز رهان المغرب نحو دمج المرفق العمومي ركب التكنولوجيا.

وانطلاقا من التعريفات التي تم تقديمها للإدارة الإلكترونية يتبين أنها تتسم بمجموعة من الخصائص الأساسية وهي أنها إدارة بلا ورق: حيث أنه من المعلوم أن الإدارة التقليدية تقوم بتدبير وتسيير شؤونها على الوثائق الورقية، فكل مراحل الحصول على الخدمة في نظام الإدارة التقليدية يتم عن طريق وسيلة أساسية وهي الورق، أما في نظام الإدارة الإلكترونية فالحال عكس ذلك، حيث تعتمد الإدارة في تقديم خدماتها للجمهور على استخدام الوسائل والتقنيات الحديثة وخاصة شبكة الإنترنيت، وبالتالي الاعتماد على وسائل أخرى كالأرشيف الإلكتروني، وهذا من شأنه أن يساعد على حفظ وتخزين أكثر للمعطيات دون الحاجة إلى أماكن التخزين التقليدية، أما بالنسبة للعامل الزمني، فالإدارة الإلكترونية تتيح إمكانية القيام بالعمليات الإدارية في أي وقت دون انتظار مواعيد العمل الرسمية للإدارة، وبإمكان الموظف كذلك متابعة أعماله خارج نطاق توقيت العمل الإداري . 

ومن بين مميزات وخصائص الإدارة الإلكترونية كونها إدارة بلا مكان: بحيث أنها تعتمد على وسائل الاتصال الحديثة كالأنترنيت، فالمسؤول الإداري يتخذ القرار وهو في أي مكان في العالم، ولا يرتبط اتخاذ القرار بالضرورة من خلال وجوده المادي بالمرفق العام مما يضفي مرونة عالية في تقديم الخدمة الإدارية .

وعلاوة على ما سبــــــــق، فـــــإن الإدارة الإلكترونية إدارة مـــــرنة يمكنها بفعــــل التقنية الحديثة وبفعـــــل إمكاناتها الاستجابة السريعة للأحداث والتجاوب معها، متجاوزة بذلك حــــــــدود الزمان والمكان وصعوبــــــة الاتصال، مما يعين الإدارة على تقديم كثير من الخدمات التي لم تكن متاحة أبدا بفعل تلك العوائق في ظل الإدارات التقليدية .

وحيث أن الثابت من خلال العمل بالإدارة الإلكترونية يساهم بشكل جدي في زيادة الإتقان: 

إذ أن الإدارة الإلكترونية كآلية عصرية في عمليات التطوير والتغيير التنظيمي، تمثل منعرجا حاسما في شكل المهام والأنشطة الإدارية التقليدية وتنطوي على مزايا، أهمها المعالجة الفورية للطلبات، الدقة والوضوح التام في إنجاز المعاملات.

 كما أنها تؤدي إلى تخفيف التكاليف المالية: 

حيث إذا كانت الإدارة الإلكترونية في البداية تحتاج لمشاريع مالية معتبرة بهدف دفع عملية التحول، فإن انتهاج نموذج الإدارات الإلكترونية بعد ذلك سيوفر مالية ضخمة. إلا أن ذلك لا يمكن أن ينسينا أن الإدارة الإلكترونية من المشاريع التي تحتاج إلى أموال طائلة، لكي نضمن له الاستمرار والنجاح وبلوغ الأهداف المنشودة، من تحسين مستوى البنية التحية، وتوفير الأجهزة والأدوات اللازمة والبرامج الالكترونية، وتحديثها من وقت لآخر وتدريب العناصر البشرية باستمرار .

ومن بين المسائل الإيجابية المميزة في العمل بالإدارة الإلكترونية هو تبسيط الإجراءات: عملت جل الإدارات على إدخال المعلومات إلى مصالحها، وذلك أمام الحاجة للتحديث والعصرنة الإدارية، وحرصت على استخدامها الاستخدام الأمثل لما لها من إمكانيات وقدرات في تلبية حاجات المواطنين بشكل مبسط وسريع، ودون التقيد بمكان وزمان محدد .

كما أن تحقيق الشفافية، يعتبر من بين الخصائص الأساسية لاعتماد الإدارة الإلكترونية، حيث أن الشفافية الكاملة داخل الإدارات الإلكترونية هي محصلة لوجود الرقابة الإلكترونية، التي تضمن المحاسبة الدورية على كل ما يقدم من خدمات، وضمان علاقة تعاون إيجابي بين الجانبين، مبني على حسن الإنصات وعلى إشراك المواطنين ومكونات المجتمع المدني لا ّتخاذ القرارات الإدارية وذلك في إطار مقاربة تشاركية ،

 إذ تعرف الشفافية بأنها "الجسر الذي يربط بين المواطن ومؤسسات المجتمع المدني من جهة، والسلطات المسؤولة عن مهام الخدمة المقدمــــــة من جهة أخرى، فهي تتيح مشاركة المجتمع بأكمله في الرؤية .

المطلب الثاني: مقومات الإدارة الإلكترونية

إن التحول من نظام الإدارة التقليدية إلى نظام الإدارة الإلكترونية يستلزم وجود مجموعة من المتطلبات والمقومات التي من الضروري توافرها، لكي ترى نظام الإدارة الإلكترونية النور على أرض الواقع ويحقق الأهداف والغايات المبتغاة من وجودها ويحقق الدوام والاستمرار.

وفي هذا السياق فالإدارة التقليدية لها مقومات مادية وأخرى غير مادية، حتى يمكن لها النجاح والاستمرارية والقدرة على أداء عملها الذي هو خدمة المواطن، أيضا الإدارة الالكترونية تحتاج إلى مجموعة من المقومات لمزاولة المهام المنوطة بها، وهذا ما سوف يتم التطرق له من خلال توفير البيئة التشريعية الملائمة (الفقرة الأولى)، فضلا عن توفير الموارد البشرية والتقنية والمعلوماتية الكافية والقادرة على المواكبة والتطور (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: توفير البيئة التشريعية الملائمة

يتحقق توفير البيئة التشريعية الملائمة لعمل الإدارة الإلكترونية من خلال إصدار التشريعات القانونية قصد العمل بها قبل تطبيقها على أرض الواقع، وذلك من عبر تحديد الإطار القانوني الذي يقر بالتحول الالكتروني، وتحديد قواعد قانونية ضامنة لأمن المعاملات الالكترونية، وتحديد الإجراءات العقابية، أيضا لابد على الدولة من إصدار قوانين تضمن السرية والخصوصية للبيانات.

 إن الأخذ بنظام الإدارة الإلكترونية يحتاج تهيئة البيئة التشريعية لعمل مختلف الجهات الإدارية، على اعتبار أن أعمال الإدارة يجب أن تتم في إطار تشريعي وقانوني يسمح بذلك، كما يتطلب ذلك هيئة مستقلة تكون مهمتها مراجعة التشريعات القائمة للوقوف على مدى ملاءمتها لتطبيق الإدارة الإلكترونية واقتراح نصوص جديدة تلائم الخدمات الإلكترونية .

وفي هذا الإطار، يعني أن الانتقال من الإدارة الكلاسيكية إلى الإدارة الالكترونية ترتب عليه بناء نظام قانوني جديد ونظام رقابي جديد، لان المعاملات الالكترونية بحاجة وبلا شك إلى قوالب قانونية حديثة توضح فيها المسؤوليات وتسند الواجبات.

لقد شهدت بداية الألفية الثالثة تطورا على مستوى تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المغرب وذلك من خلال إدماجه في مختلف البرامج والإستراتيجيات، لهذا الغرض عمل المشرع المغربي على وضع ترسانة قانونية مهمة همت مختلف النصوص التشريعية والمراسيم التنظيمية والقرارات والمناشير الوزارية وغيرها. 

وتبعا لذلك فقد أكد جلالة الملك محمد السادس على ضرورة تبني إصلاح يواكب التطورات العصرية من خلال الرسالة الملكية التي أشار فيها إلى "...وسيظل إصلاح الإدارة العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بلادنا، إذ يتعين أن نوفر لأجهزتنا الإدارية ما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها الأنترنيت لتمكينها من الانخراط في الشبكة العالمية، وتوفير خدمات أكثر جودة لمتطلبات الأفراد والمقاولات" .

وبناء عليه فقد تبنى المشرع المغربي مقاربة اعتمدت نصوص خاصة لتجريم صور هذه الجرائم، ومن بينها القانون رقم 07.03 المتعلق بجرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات ، والذي يمكن اعتباره القانون الأساس لمكافحة الجرائم المعلوماتية بالمغرب، معتمدا في ذلك مقاربة تقوم على وضع إطار عام لأهم صور الأفعال الإجرامية المكونة للركن المادي لهذه الجرائم.علاوة على ارتباط بعض النصوص التشريعية بتنظيم المستجدات التي رافقت استخدام وسائل التكنولوجيا ومن بين أهم هذه النصوص القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية .

كما عمل التشريع المغربي على التصدي لمختلف الجرائم والاختلالات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصال وتنظيمها، في هذا الإطار نشير للقانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ، فضلا عن المرسوم رقم 2.08.444 المتعلق بإحداث المجلس الوطني لتكنولوجيا الإعلام والاقتصاد الرقمي ، الذي ساهم في بلورة عمل الإدارة الإلكترونية بالمغرب، وهناك أيضا القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك .

ولا يمكن أن نغفل المرسوم رقم 2.16.533 المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي ، بالإضافة للمرسوم رقم 2.17.764  المتعلق بتطبيق القانون رقم 61.16 المحدثة بوجبه وكالة التنمية الرقمية ، اللذان لعبا دورا محوريا في عمل الإدارة الإلكترونية وتسهيل الاستفادة من المعطيات الإدارية من طرف المرتفقين.

هذا ويمكن التنبيه إلى أن الإطار القانون لا يقتصر على النصوص أعلاه، بل يتعداها لعدة قوانين متنوعة وتهم مختلف جوانب مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال مما يظهر مواكبة دقيقة للمشرع لهذا المجال وذلك نظرا لما يتميز به القطاع من سرعة وتطور مستمر.

كما أن وجود إرادة حكومية حقيقية بضرورة التحول الرقمي، ساهم في تكريس وتجسيد الإدارة الإلكترونية بالمغرب، والذي تجلى من خلال البرنامج الحكومي المسطر للولاية الممتدة بين 2016 و2021، حيث أنه من بين التدابير التي أعلنت الحكومة على اتخاذها في مجال إصلاح الإدارة والخدمات العمومية وتقريبها من المواطن، مباشرة إصلاح شامل وعميق للإدارة يعتمد أساسا على الإدارة الرقمية والتدبير المبني على النتائج، وأيضا وضع إطار تنظيمي لتبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية ورقمنتها، ومواصلة الرفع التدريجي للطابع المادي للمساطر ودعم استعمال التكنولوجيا الرقمية لتحسين وتسهيل ولوج المواطن للخدمات العمومية .

وتجدر الإشارة إلى أن هذه البيئة التشريعية تساهم بشكل كبير في تحقيق التواصل بين مختلف أقسام الإدارة الواحدة، وبين هذه الإدارة وباقي الإدارات الأخرى، ويحصل هذا الأمر بفضل الاندماج الحاصل بين تكنولوجيا الحواسب وتكنولوجيا الاتصالات، ثم تكنولوجيا البرمجيات، الشيء الذي يترتب عنه فتح إمكانيات هائلة وآفاق واسعة، فيما يتعلق بالتنسيق بين مكونات الإدارة والقدرة على الرقابة والتوجيه ، حيث أن سن القوانين المرتبطة بتطوير الإدارة الإلكترونية في المغرب، أدى إلى تسهيل تطبيقات الإدارة الإلكترونية وتحسين مستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.

وهكذا أصبح الطموح بالمغرب يتجسد في بناء إدارة عصرية دائمة الإصغاء لمحيط الوطني والدولي، ومتوفرة على الآليات اللازمة للاستجابة لحاجيات جميع مكونات المجتمع أفرادا وجماعات، ومهتمة بتقديم أفضل خدمة عمومية، ذلك أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت اليوم هي اللبنة الأساسية لصناعة المستقبل الإداري لما توفره من الآليات اللازمة للاستجابة لحاجيات جميع مكونات المجتمع أفرادا وجماعات، ومهتمة بتقديم أفضل خدمة عمومية، ذات جودة عالية، وقريبة من المواطنين، وبأقل تكلفة ممكنة.

الفقرة الثانية: توفير الموارد البشرية والتقنية والمعلوماتية الكافية 

لا تكفي التجهيزات المادية وحدها لنجاح نظام الإدارة الإلكترونية، بل يلزم توفير الموارد البشرية المتخصصة، التي تعد من أهم العناصر في الإدارات والمؤسسات، إذ بدون هذا العنصر لن تتمكن هذه الأخيرة من تحقيق أهدافها حتى وإن امتلكت أضخم المعدات والآلات والأجهزة، لذا لابد من تأهيل العناصر البشرية تأهيلا جيدا وعلى مستوى عالي من الكفاءة . 

وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي تدريب وتأهيل العاملين بالإدارة على التقنيات الحديثة وإدارة الشبكات وقواعد البيانات والمعلومات، ويتم ذلك بعقد الدورات التدريبية المستمرة في مراكز تدريب متخصصة، ويرتبط بمسألة تدريب وتأهيل العاملين بالجهاز الإداري وجود قيادة إدارية رشيدة تؤمن بالتغيير والتطوير ومصاحبة عقلية متفتحة ومستنيرة، فبقدر ما تكون القيادة الإدارية مرنة ومتطورة وقادرة على استيعاب المتغيرات الجديدة بقدر ما تنجح الدولة في التحول السريع نحو الأخذ بنظام الإدارة الإلكترونية .

ومن هذا المنطلق، فإن التغيرات التكنولوجية السريعة حتمت على الدول تدريب أفرادها وتأهيلهم للتعامل الفعال مع معطيات العصر التقني، حيث أن التطور التقني السريع يعتبر من أهم العوامل التي وضعت الكثير من التحديات أمام العديد من الإداريين لاستيعاب هذا التطور .

وفي هذه الحالة فإن الموظف هو العنصر الأساسي للتحول إلى الإدارة الإلكترونية، الشيء الذي يفرض القيام بتدريب وتأهيل الموظفين كي ينجزوا الأعمال عبر الوسائل الإلكترونية المتوفرة، علما أن إعداد الكوادر المؤهلة والقادرة على مواكبة التطور التقني، خاصة وأن استخدام تقنيات الاتصال والمعلوماتية لم تعد ترفا، بل هي ضرورة لا يمكن لمجتمع من المجتمعات المتحضرة أن يتجاهلها.

كما أن توفر الكفاءات والموارد البشرية سواء من حيث الكم أو الكيف يعد شرطا لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لقطاع تكنولوجيات المعلومات ، وذلك بإحداث تكوينات متخصصة للموظفين بشكل مستمر قصد تسهيل انخراطهم في هذا الورش الوطني.

علاوة على ذلك، فإن إستراتيجية الإدارة الالكترونية والاستفادة من مزاياها تفرض ضرورة تهيئة العنصر البشري للانتقال بالمجتمع إلى استخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة في المعاملات اليومية من خلال دمج التكونولوجيا في المناهج التعليمية بكافة المراحل لإعداد أجيال قادرة على التعامل مع التكونولوجيا والتفاعل معها ، خصوصا إذا علمنا أن مسالة التحول نحو الإدارة الالكترونية غدت مسألة إجبارية وليست اختيارية، ولا سبيل للارتقاء بالعمل الإداري دون الانخراط بجدية في هذا التحول.

زد على ذلك، أن تأهيل الموار البشرية لوحدها غير كاف وإنما ينبغي الرفع من عدد الموظفين المؤهلين في الإدارات العمومية ليتمكنوا من قضاء الأغراض الإدارية للمرتفقين عن بعد، لأنه لا يعقل أن يقوم نفس الموظفين بالعمل بشكل مزدوج، حضوريا وعن بعد أيضا .

وهكذا يمكن القول إنه في إطار تجويد خدمات الإدارة الالكترونية فإن الأمر يتطلب مقومات معينة في الموظف لتمكينه من الخدمة بها، من أهمها الاعتماد بشكل أساسي على مؤهلاته ومهاراته العلمية فيما يخص تعاطيه مع التقنيات الحديثة، فالانتشار السريع لهذه الوسائل واعتمادها في العديد من المجالات فرض على الإدارة وبالدرجة الأولى الموظف العام أن يكون ملما، 

فهذا الموظف يجب أن تكون له دراية بمزايا تطبيق الوسائل التقنية في الأجهزة الإدارية، مع حرص الإدارة نفسها على برمجة حصص تدريبية لموظفيها على استعمال الآلات التقنية، مما يعني ضرورة إكساب الموظف الثقافة التكنولوجية، فهذا يسهل من مهمة القيادات العليا عند إعداد استراتيجيات تطبيق الإدارة الالكترونية والرفع من مستوى الثقافة لدى العناصر البشرية سواء حديثي التعيين أو الموجودين سابقا مما يجعلهم يتقبلون فكرة العمل في نسق هذه الإدارة، فبدون هذا العنصر البشري لن تتمكن الإدارات من تحقيق أهدافها حتى وان امتلكت أضخم المعدات والآلات الالكترونية.

وارتباطا بما سبق، فإن تكنولوجيا المعلوميات والاتصال تعتبر من أهم العوامل المؤثرة على نمو وتطور المجتمعات في شتى مجالات الحياة، فهي تشكل إحدى العوامل التي يتم بها تقييم مدى تقدم الإدارة العمومية، الأمر الذي فرض تطوير الأنظمة المعلوماتية بشكل تدريجي لتوفير المعلومات اللازمة لتسهيل مسار اتخاذ القرارات الإدارية، في إطار مبادئ الحكامة الإلكترونية.

 فالدفع بعجلة التنمية الإدارية باعتباره الهاجس الرئيسي لمختلف الفاعلين الإداريين، لما لها من دور في تحسين أداء الإدارة العمومية وتقريب الإدارة من المواطنين، لذلك فالاستثمار في قطاع التكنولوجيا الحديثة داخل الإدارة العمومية أضحى يعتبر هدفا أساسيا للعديد من الدول.

ولذلك فإن السرعة والفعالية والجودة والشفافية كلها أهداف يسعى إليها الانتقال الرقمي من أجل الرفع من جودة الخدمات الإدارية المقدمة للإدارة نفسها وللمواطن أو المقاولة، وكذا تقليص المدة الزمنية والسهولة في البحث عن الخدمة أو المعلومة الإدارية وتقريب الخدمة من المتعاملين مع الإدارة .

المبحث الثاني: واقع وآفاق الإدارة الرقمية بالمغرب

عرفت الإدارة المغربية في السنين الأخيرة تحولات مهمة تطورت معها مهامها ووظائفها، على اعتبار أن الغاية من تجويد الإدارة هو خدمة المواطنين في أحسن الظروف، ولأن استمرارية المرفق العام في أداء وظيفته بانتظام واضطراد تستلزم على الإدارة اعتماد الرقمنة وأسلوب الإدارة عن بعد.

يعد تطبيق الإدارة الإلكترونية وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، ذلك أن التحول لنظام الإدارة الالكترونية من قبل الجهات الحكومية سيؤدي إلى تحقيق أهداف تتفق مع ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، الأمر الذي سينعكس على شكل الأداء العام ومدى تقدم الخدمات للمرتفقين بسهولة وتكلفة أقل .

وتبعا لذلك سيتم مناقشة ورش الإدارة الرقمية بالمغرب من خلال واقع اعتمادها (المطلب الأول)، ثم تحديد رهانات وآفاق تطوير الإدارة الرقمية بالمغرب (المطلب الثاني).

المطلب الأول: واقع اعتماد الإدارة الرقمية بالمغرب

عندما نتحدث عن الإدارة الرقمية فإننا نتحدث عن دورها المهم في مسار تحديث وإصلاح الإدارة المغربية من خلال تعزيز الشفافية الإدارية وتجاوز سلبيات النظم الإدارية التقليدية والعمل على تطوير مختلف القطاعات الإدارية لتحقيق النجاعة والجودة في الخدمات. لكن على أرض الواقع نجد عدة إشكاليات تحول دون تحقيق تنزيل للإدارة الرقمية.

ومنه يتبين وجود عدة معيقات تعيق مسار تطور الإدارة الرقمية بالمغرب من بينها ما يرتبط بالتحديات التي تواجه الإدارة (الفقرة الأولى)، وكذلك الفجوة الرقمية التي يعاني منها المجتمع (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التحديات التي تواجه الإدارة الرقمية 

من المعلوم أن الإدارة المغربية تعاني من عدة اشكاليات لعل أهمها تعقد المساطر الإدارية وكذا ضعف عملية التواصل بين الإدارة والمرتفقين، حيث لم تستطع الإدارة المغربية مسايرة نسق التطور السريع الذي يعرفه العالم في مختلف المجالات بعد تحرير التجارة العالمية وانتشار التكتلات الاقتصادية، وكان لعدم قدرة اعتماد المرافق العمومية على تكنولوجيا التواصل والمعلومات، وكذا إعادة النظر في أشكال التسيير الإداري التقليدي وتنظيم الهياكل وتحسين اجراءاتها ومساطرها وفق لمتطلبات الجديدة لتطور محيطها الاقتصادي والاجتماعي انعكاس سلبي على واقع الإدارة المغربية .

كما أن علاقة المواطن بالإدارة تتسم بمجموعة من التعقيدات فالإدارة المغربية تنزع نحو الانغلاق وذلك بسبب ضعف الانفتاح على المحيط الاجتماع والاقتصادي، وكذا البطء في اشباع حاجيات المواطنين وتطبيق المساطر بشكل صارم، فالإدارة باعتبارها فاعلا أساسيا في الحياة الاجتماعية، تقود المتعامل معها إلى وضعية التبعية والخضوع، حيث تفرض عليه منطقها وقواعدها واختياراتها، إذ تحدد من جانب واحد أشكال الحوار والاتصال .

إن هذه الوضعية تجعل إشكالية العلاقة بين الإدارة والمواطن من أهم الانشغالات الراهنة على الصعيد الحكومي أو المجتمعي نظرا للمرحلة الراهنة التي تعرف استكمال بناء دولة الحق والقانون، وللتطور السريع للمحيط الدولي الذي يؤكد على تكريس ثقافة حقوق الانسان، ولعل التوجه نحو الإدارة الإلكترونية يعد من بين أهم الوسائل المتاحة لتحسين العلاقة بين الإدارة المغربية والمواطن، وكذا تقديم الخدمات العمومية بجودة أفضل وبسرعة وفعالية.

وتأسيسا على ذلك، يسجل المغرب بطئا في مسلسل التحول الرقمي، وذلك على مستويات متعددة، خصوصا على مستوى الإدارة، حيث يلاحظ ثمة رقمنة جزئية فقط، سيما حين يتعلق الأمر بالخدمات التي ينبغي تقديمها للمرتفقين، وحسب بحث ميداني أنجزه القطاع الحكومي المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، فإن أقل من ربع الخدمات المقدمة (23 في المائة) فحسب، قد نزع عنها الطابع المادي. ويتسبب هذا البطء الذي تعرفه وتيرة التحول الرقمي المغربي في ضياع 50 ساعة فـي المتوسط سنويا لكل مواطن (ة)، و200 ساعة سنويا لكل مقاولة . 

كما يلاحظ أن معظم الفاعلين الثقافيين الوطنيين لم ينخرطوا في مسلسل التحول الرقمي بعـد. كما أن هناك عروضا قليلة للمحتـوى الثقافي عبر الإنترنت، مثل بث الأفلام والمكتبة الإلكترونية، وغير ذلك، خلافا لبلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي ما يتعلق بالمحتوى المؤسساتي، فإن حضور الإدارات في المشهد الرقمي هو حضور غير كاف. والواقع أن معظم هذه الإدارات لا تتوفر على استراتيجية للاتصال الرقمي، وغالبا ما يقدم موقع المعلومات الخاص بها معلومات أولية وغير محينة، فـي ظل عـدم وجود مسـؤولين خاصين مكلفين بنشر المحتوى. بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما تعتمد المحتويات وتحيينهـا على مبادرات خاصة أو فردية داخل هـذه الإدارات.

وفي هذا الإطار قد انصبت هذه التوجهات الاستراتيجية للحكومة أساسا حول التخفيف من الإجراءات المتعلقة بالحصول على القرارات الإدارية والنهوض بجودة الخدمات العمومية ورقمنتها، بهدف الرفع من نجاعة الإدارة وتحسين مؤشرات أدائها، كما هو الشأن بالنسبة لمؤشرات الأمم المتحدة المتعلقة بالحكومة الإلكترونية، والتي عرفت خلال العقد الأخير تأخرا، حيث انتقل تصنيف المغرب من الرتبة 82 سنة 2014 إلى الرتبة 101 سنة 2022 من أصل 193 دولة شملها هذا التصنيف.

ويعزى هذا التراجع بالأساس إلى التأخر المسجل في مؤشر الخدمات الرقمية الذي عرف تراجعا ملحوظا خلال الفترة 2014-2022 فبالرغم من تطور عدد الخدمات العموميـــــة الإلكترونية المتاحة للمرتفقين والتي بلغت عند متم 2023، 605 خدمة إلكترونية، لم يكـــــن لهذا التطور تأثير إيجابي على تبسيط المساطر الإدارية للمرتفق، حيث أبانت دراسة قياس نضج هذه الخدمات العمومية التي قامت بها مصالح وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة سنة 2019، أن نسبة الخدمات الإلكترونية المرقمنة كليا لم يتجاوز 23% من مجوع الخدمات المقدمة للمرتفقين .

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة المغربية أطلقت مجموعة من المواقع الإلكترونية المهمة، خصوصا المتعلقة بالبرنامج الحكومي وكذا بوابة الخدمات العمومية، فضلا عن إحداث البوابة الوطنية للشكايات تطبيقا للفصل 156 من دستور 2011، وبناء على التوجيهات الملكية بضرورة الإجابة على شكايات المواطنين وحل مشاكلهم، وذلك بناء على صعوبة الولوج إلى الخدمات العمومية، وطول أجال الرد على حاجيات المواطنين، إلى جانب إشكالية تعقد المساطر الإدارية، والتي تؤثر على مصالح المرتفقين، إلا أن الإدارة الرقمية لا يجب أن ينصرف معناها إلى إنشاء مواقع أو صفحات للإدارات العمومية على شبكة الانترنيت فقط، ولكن بشكل دقيق ممارسة العمل الإداري بشكل تدريجي عبر الانترنيت بالشكل الذي يجعل كل المتعاملين مع الإدارة من مواطنين ومقاولات ومؤسسات وأيضا حتى الإدارات العمومية فيما بينها تنجز أعمالها الإدارية وتتبادل معطياتها وبياناتها مباشرة على شبكة الأنترنيت.

الفقرة الثانية: الفجوة الرقمية التي يعاني منها المجتمع

يعمد الإتحاد الدولي للاتصالات، على دراسة عدة مؤشرات لقياس مؤشر الفجوة الرقمية بين الدول، أما في المغرب فإن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات ، التي تعتبر مؤسسة عمومية، تمارس عدة مهام لها علاقة بالفجوة الرقمية، أهمها تعميم الولوج إلى خدمات الاتصالات، بالإضافة للإشراف ومراقبة هذا القطاع. حيث تصدر عن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات تقارير سنوية، تستعرض لتطور أسواق الاتصالات.

وفي هذا السياق فقد قامت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بإعداد تقرير سنة 2017، الذي يعتبر أخر تقرير قامت به الوكالة، حيث تميز بإجراء بحث ميداني حول قياس الفجوة الرقمية، من خلال استعمال تكنولوجيا الإعلام والإتصال، إذ استهدفت الدراسة الأسر المقيمة بالوسطين الحضري والقروي.

وسجل التقرير أن خدمة الأنترنيت لا زالت تحفز قطاع الاتصالات خلال سنة 2017، حيث عرفت نموا يفوق %30 برسم سنة واحدة، أي بزيادة صافية قدرها خمسة ملايين مشترك. وهكذا، تجاوزت حظيرة المشتركين مليون مشترك (في خدمة الأنترنيت الثابت والمتنقل)، أي ما يناهز ثلثي عدد المغاربة. ويعزى هذا التزايد الهائل إلى الأنترنيت المتنقل، وبالخصوص الخدمات التي تزاوج ما بين الصوت والمعطيات، حيث تعززت هذه الحظيرة بأزيد من %34 ما بين سنتي2016  و2017. أما فيما يخص خدمة الأنترنيت الثابت من نوع ADSL، فقد سجلت زيادة سنوية قدرها %8. علاوة على ما تقدم، تميزت سنة 2017 بارتفاع الشريط الدولي للأنترنيت بنسبة %73، إذ بلغ 1125 S/GB، وهو ما يواكب تزايد التبادلات بين مشتركي الأنترنيت، فضلا عن انتعاش في قطاع الهاتف المتنقل. فبعد الانخفاض الذي عرفه خلال السنتين المنصرمتين، ارتفعت حظيرة المشتركين فيه بنسبة قاربت %6، حيث ناهزت أربعة وأربعين مليون مشترك بنسبة نفاذ بلغت %126. غير أن حجم الحركة الصوتية الصادرة انخفض بنسبة %4 لتبلغ 55,2 مليار دقيقة في متم سنة 2017 .

إن ما يمكن ملاحظته من الأرقام أعلاه، أن المجتمع المغربي لا يعاني خصاصا على مستوى تجهيز واستعمال الهاتف المتنقل، فهناك تعميم لدى غالبية الأسر والأفراد، لكن الإشكالية أن نسبة أقل هي من تملك هاتف ذكي (SMARTPHONE)، وبالتالي محدودية الأفراد في النفاذ إلى الأنترنيت والتي تعتبر ضرورية لتطبيق الإدارة الرقمية.

وبالانتقال إلى مستوى تجهيز الأسر بالحواسيب واللوحات الإلكترونية، واستعمال الأنترنيت، فإن الأرقام تعكس الواقع الذي يتميز بقلة نسب الأسر المتوفرة على أجهزة إلكترونية، والمتوفرة على شبكة الأنترنيت، كما يلاحظ اكتساح الوسط الحضري في مقابل نقص شديد في الوسط الحضري، وهذا ناتج عن عدة أسباب منها، ضعف ربط الأنترنيت بالعالم القروي، وكذلك غياب استراتيجيات متعلقة بتعميم الأجهزة الإلكترونية والأنترنيت، وهذا ما يجعل من نجاح الإدارة الرقيمةة أمرا صعبا في ظل الفجوة الرقمية.

وتماشيا مع ذلك، فإن تباين سـرعات الرقمنة يكرس التفاوت بين المواطنين في الولوج إلى المرافق العمومية، ويأخذ هذا التفاوت عدة أشكال، كالتفاوت المجالي في ظل استمرار "البقع البيضاء" (White areas) التي ينعدم أو يقل فيها صبيـب الإنترنت، مع استئثار الإدارات المركزية بجل المعدات والحلول المعلوماتية مقابل ضعف رقمنة الإدارات المحلية بسبب محدودية الموارد وضعف المواكبة  .

أما على الصعيد السوسـيوثقافي، تحتمل الخدمات المرقمنة بعض المخاطر خصوصا المتعلقة بعدم المساواة بين المواطنين في الاستفادة مـن المرافق العمومية، إذ بالرغم من التطور الذي يعرفه سوق تكنولوجيا المعلومات - نتاج الجهود الحكومية والخاصة - فإن فئات اجتماعية عريضة تجد نفسها عاجزة عـن تملّـك أو امتلاك الوسائل والتقنيات الضرورية للوصول إلى الخدمات الرقمية نتاج الدخل المحدود أو تدني الثقافة المعلوماتية .

الملاحظ أن هناك حوالي 6 ملايين من المواطنات والمواطنين غير منخرطين في مسلسل الرقمنة الذي تشهده بلادنا اليوم، وذلك لعدة اعتبارات منها النقص في التجهيزات: هاتف ذكي، لوحة إلكترونية أو حاسوب؛ وكذا النقص على مستوى الولُوج: استعمال ضعيف للإنترنت الثابت، خاصة في العالَم القروي. والجدير بالذكر أن إنترنت الجيل الرابع عبر الهاتف المحمول هي أفضل على صعيد التغطية (93 في المائة من السكان يلجون إلى هذه التكنولوجيا)؛ فضلا عن النقص على مستوى إتقان التعامل مع الأدوات الرقمية: ضعف في التمكن من قراءة وفهم واستخدام التكنولوجيات والتقنيات الرقمية.  

ومع وجود نوع من التمييز في طبيعة الخدمات الموجهة إلى كل من المرتفقين والمهنيين، فحوالي % 60 مـن الخدمات الرقمية المقدمة للمواطن ذات طابع إخباري يقتصر على إتاحة المعلومات، وفي المقابل، فالخدمات المرقمنة بشكل كامل الموضوعة رهن إشارة المقاولات تقارب %42 مقارنة ب %32 بالنسبة للمرتفقين .

وتبعا لما سبق فإن الفجوة الرقمية الكبرى تتجلى في الكلفة المرتفعة للإنترنت الثابت، والصبيب العالي الثابت الذي لا تزال نسبته منخفضة مقارنة ببلدان المنطقة، والتي تبلغ 3.9 في المائة في 2018؛ وحسب المؤشرات الدولية، يحتل المغرب المرتبة 93 من أصل 413 بلداً في مؤشر "جاهزية الشبكات" 2020، مع نقاط قـوة من حيث الولوج (71) والتنظيم (المرتبة 67). أما على مستوى الإدماج، فقد حل في المرتبة .121 وفي تصنيف آخر أنجزه الاتحاد الدولي لاتصالات، احتل المغرب المرتبة 100 من أصل 176 دولة سنة 2017، حيث إن نقطة قوته تكمن في اشتراكات الهاتف المحمول، في حين أن نقطة ضعفه تكمن في الإنترنت الثابت ذي الصبيب العالي .

كما أن غياب تحديد واضح للخدمة الرقمية يجعلها تشمل حتى مجرد الحصول على وثائق أو معلومات بسيطة لا تلبي بأي وجه مطالب المرتفقين، إذ أن العديد من البوابات الافتراضية للإدارات العمومية تفتقد إلى التحيين اللازم وإلى تطوير حلول رقمية تفاعلية ومندمجة، ما يجعلها عائقا أمام استقطاب المواطنين للاعتماد على الإنترنت في الخدمات الإدارية .

وعموما فإن هذه المؤشرات تعكس، أن الفجوة الرقمية لازالت تشكل عائقا أمام تطور الإدارة الإلكترونية على المستوى الوطني، رغم وجود بعض التطور الملحوظ، وبالتالي لازالت هناك تحديات من أجل الرفع من مستوى تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المجتمع وتقليص الفجوة الرقمية.

المطلب الثاني: رهانات وآفاق تطوير الإدارة الرقمية بالمغرب

تسعى بلادنا جاهدة إلى بناء إدارة عصرية دائمة الإصغاء لمحيطها الوطني والدولي، إدارة متوفرة على كل الآليات اللازمة للاستجابة لجميع حاجيات المجتمع أفراد وجامعات، ومهتمة بتقديم أفضل خدمة عمومية ذات جودة عالية، وقريبة من المواطنين، وبأقل تكلفة ممكنة، وفي هذا الصدد؛ انخرط المغرب في ورش رقمنة المرافق العامة وجعله أحد المداخل الرئيسة للنهوض بالمرافق العامة وبلوغ التنمية الشاملة والمستدامة. 

وفي هذا السياق سوف يتم التطرق لمعالجة رهانات الإدارة الرقمية بالمغرب (الفقرة الأولى)، وكذا آفاق تطوير الإدارة الرقمية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: رهانات الإدارة الرقمية بالمغرب

إن تطور الإدارة الرقمية لا يتأتى إلا من خلال الاستمرار في تصحيح الأخطاء السابقة وبلورة مخططات واستراتيجيات وطنية تراعي هذا الجانب، حيث أن رهان الدولة اليوم هو الاستثمار الأمثل فيما توفره التكنولوجيا الحديثة وتقنيات الاتصال والتواصل في تجويد وتطوير العمل الإداري، وجعلها قاطرة حقيقية لتعزيز الدور التشاركي لجميع مكونات الإدارة العمومية.

وقد تناولت المهمة الرقابية التي أنجزها المجلس الأعلى للحسابات خلال سنتي 2023 و2024، تقييم الجوانب المتعلقة بالمراحل التحضيرية لتنفيذ ورش تبسيط المساطر، والإجراءات الإدارية وآليات الحكامة والقيادة وإدارة التغيير داخل الإدارة العمومية خصوصا في الجانب المتعلق كل ما هو إلكتروني، بالإضافة إلى حصيلة التنزيل العملي للقواعد الجديدة المنظمة للإجراءات الإدارية. وقد تم الاعتماد على عينة مكونة من 22 قطاعا وزاريا وتسع مؤسسات عمومية، بلغت نسبة القرارات الإدارية الصادرة عنها 52% من إجمالي القرارات المنشورة على مستوى بوابة "إدارتي" (1325 قرارا من أصل 2540) ، هذا يدل نسبيا بأن الإدارة الإلكترونية بالمغرب سائرة في طور التقدم والانفتاح على التجارب الدولية والاستفادة منها.

إن تحسين وتجويد الخدمات الإدارية المقدمة للمرتفقين من خلال الرفع من الكفاءة في العمل الإداري خصوصا تلك المرتبطة بالمردودية والمساهمة الفعالة في تطوير المنتوج الإداري، تظل هي المعيار الأساسي في رهان أي إدارة أو مؤسسة عمومية.

ومن هذا المنطلق تعتبر تبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية وسهولة معرفة المساطر المتبعة من قبل جميع المواطنين، من الرهانات الكبرى التي تشتغل عليها الدولة، وهذا الأمر بطبيعة الحال يحسن من جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين، من مختلف المناحي، من سرعة وفعالية في إنجاز الخدمات وقلة في التكلفة، وأيضا من خلال إمكانية استقبال عدد كبير من المرتفقين في نفس الوقت، وتفادي ضرورة التنقل للإدارة، والازدحام وطول الانتظار داخل المرافق العمومية المختلفة، والحد من سلبيات تناثر المصالح والإدارات العمومية، بحيث أن المرتفق يحصل على الغرض الإداري المنشود بدون اهتمام بالجهة التي تقدمها لأن الأهم بالنسبة له هو الوصول للنتيجة المرجوة .

وتماشيا مع ذلك فقد حرص المشرع المغربي على إصدار القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية ، الذي يعتبر الوسيلة الكفيلة بتحسين علاقة الإدارة بالمواطن، حيث أن الإدارة العمومية وفعاليتها مرتبط بالأساس بمدى نجاحها في الاستجابة لتطلعات وانتظارات المواطن، علاوة على أن هذا القانون يشكل رافعة لتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن والمقاولة ولتعزيز الثقة بين الإدارة والمرتفق من خلال احترام مجموعة من المبادئ المنصوص عليها في هذا القانون، وقد انطلقت الأجرأة الفعلية لمقتضيات القانون 55.19، منذ 28 شتنبر 2020، تاريخ صدور القرار المشترك بين وزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، رقم 2332.20، المتعلق بتحديد نموذج مصنفات القرارات الإدارية ونموذج وصل إيداع الطلبات الحصول عليها.

وتأسيسا على ما سبق فإنه من شأن التحديث الإداري عن طريق الإدارة الرقمية أن يجعل الإدارة بصفة عامة أكثرا قربا من المرتفقين وإرضاء المتعاملين معها، وفئة المستثمرين سواء المغاربة أو ألأجانب الذين يصطدمون بعراقيل عدة، فتحديث الإدارة عن طريق إدخال مجموعة من الوسائل التقنية والمعلوماتية، أدى إلى الاستجابة الفعلية لرغبات المرتفقين، من خلال اختصار الإجراءات وربح الوقت .

إن تعميم الإدارة الرقمية وتحقيق مختلف الأهداف المرجوة من تطبيقها، يرتبط بمدى قدرة المشرع من خلال مختلف القوانين على تنظيمها ومواكبة مستجداتها. إذ أن المجال الرقمي من العوامل المهمة في تطوير الإدارة العمومية، لما له من أثار اقتصادية واجتماعية كبرى، وفي هذا السياق ثم إحداث وكالة التنمية الرقمية بموجب القانوني 61.16 ، حيث أن الهدف الرئيسي من هذا القانون هو إعداد إستراتيجية جديدة في المجال الرقمي (المغرب الرقمي 2020)، لتشريع التحول الرقمي للاقتصاد الوطني، وتقوية مكانة المغرب كقطب رقمي، وتبويبه مكانة متميزة في مصاف الدول الصاعدة .

وفي إطار تطوير رهان المغرب المتعلق بتنفيذ استراتيجية الدولة في مجال التنمية الرقمية، وكذا تشجيع نشر الوسائل الرقمية وتطوير استخدامها بين المواطنين، فقد سعى المشرع إلى إصدار القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة ، وذلك تأكيدا للتوجه الدستوري من خلال تطبيق الفصل 27 من دستور 2011. وبناء عليه سوف يمكن هذا القانون من توفير المعلومة والشفافية في الحصول عليها بالشكل الذي يجعل من بسط الرقابة على سير الخدمات الإدارية، من طرف مختلف أجهزة المراقبة الداخلية والخارجية بل وحتى من طرف المرتفقين.

وعموما فالمشرع انتصر للتوجه الوطني المنصب على تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصال، خاصة فيما يتعلق بالإدارة الإلكترونية، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال القانون الجديد المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات.

ومن ناحية أخرى، فإن التشريعات الوطنية المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية يجب أن تتلاءم مع القوانين العامة الجديدة للاتحاد الأوروبي المتعلقة بحماية المعطيات، والتي دخلت حيز التنفيذ في شهر ماي 2018، ويتعين تفعيل التوقيع الإلكتروني بهدف المســاهمة في بناء الثقة الرقمية، وبالتالي تمكين الإدارة من تحقيق النجاعة المطلوبة .

الفقرة الثانية: آفاق تطوير الإدارة الرقمية

لقد أضحت تكونولوجيا المعلومات والاتصال، وسيلة هامة من وسائل تعزيز ودعم التنمية بأبعادها المختلفة، حيث يمكن الاستفادة من تسخير إمكانياتها وتطبيقاتها في جميع مجالات الحياة، وبناء عليه ما فتئ المغرب يبدي اهتماما متزايدا بالتكنولوجيا الحديثة عامة، وتكنولوجية المعلومات والاتصال بصفة خاصة، ويسعى جاهدا لاستغلالها والاستفادة من ايجابياتها، فأنشئ لذلك هياكل مؤسساتية بهدف تنميتها وضمان انتشارها.

وفي خضم هذه التحولات، فإن مسايرة التطور التكنولوجي ودمقرطة الإدارة تجعل هذه الأخيرة مضطرة للانفتاح على محيطها بالنظر لضرورة وحتمية عنصر المشاركة، فإذا كانت شرعية التسيير الداخلي للإدارة إحدى أسس المفهوم التقليدي للمسطرة الإدارية، فإن الفعالية وجودة التسيير وتحسين نوعية العلاقة مع المرتفق هي ضمن أولويات المفهوم الحالي للمسطرة الإدارية، سيما وأن الشرعية لم تعد لوحدها كافية بأن تكون أساس المسطرة الإدارية بالرغم من أهميتها، وإنما يجب أن تأخذ بالمبادئ الجديدة في مجال التسيير والعلاقات مع المرتفق .

وفي هذا الإطار، عملت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة خلال سنة 2021، على مواصلة تنزيل البرامج والمشاريع المهيكلة على المستويات التدبيرية والتنظيمية والرقمية والتخليقية، لتقوية أواصر الثقة بين الإدارة والمرتفق، والرفع من جودة الخدمات العمومية التي أضحت اليوم تفرض التسريع من وتيرة التحول الرقمي للخدمات الإدارية قصد تسهيل الوصول إليها وتيسير الحصول عليها، والعمل على دعم الأخلاقيات بالإدارة العمومية والتنزيل السريع لميثاق اللاتمركز الإداري لتعزيز النجاعة في اتخاذ القرار على المستوى الترابي، بالإضافة إلى مواصلة المجهودات المبذولة على مستوى تثمين الرأسمال البشري بالإدارة العمومية في إطار نظام للتدبير ينبني على الكفاءات ووفق ضوابط الحكامة الجيدة و قواعد الشفافية المطلوبة في ظل احترام مبادئ أخلاقيات المرفق العام. 

ومن بين الآفاق المستقبلية لتجويد العمل الإداري في علاقته بالمرتفق نجد موضوع حسن الاستقبال الذي أصبح يحتل مكانة مهمة في الفكر الإداري الحديث باعتباره إحدى المقومات العصرية الحديثة التي يجب أن تستند عليها المرافق العمومية في عملها والتفاعل الإيجابي مع محيطها . وبالفعل وضعت وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة رهن إشارة المرتفقين سواء كانوا مقيمين بالمغرب أو بالخارج، خواصا أو مهنيين منظومة متكاملة للاستقبال الإلكتروني تتكون من مركز للاتصال والتوجيه الإداري وبوابة للخدمات العمومية أو التطبيق الجوال "إدارتي"، فضلا عن إنجاز البوابة الوطنية الموحدة للشكايات، بالإضافة إلى تطبيق ذكي قصد توجيههم وإخبارهم بالمساطر والإجراءات والخدمات الأكثر تداولا والمقدمة من مختلف الإدارات والمرافق العمومية .

ومن هذا المنظور، عملت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة برؤية وطنية متجددة، ووفق مقاربة تشاركية مندمجة ومنسجمة، تضمن انخراط كل الفاعلين في القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والمواطنين، على إعداد استراتيجية وطنية للتحول الرقمي "المغرب الرقمي2030"، تضع على رأس أولوياتها حاجيات المستعملين والمشاريع الرقمية الموجهة للمواطنين، وقد حرصت الوزارة على أن تكون هذه الاستراتيجية موضوع استشارات واسعة مع الفاعلين والمعنيين في القطاعين العام والخاص من ذوي الاختصاص والإنصات المتواصل لحاجيات المواطنين والمواطنات عبر تنظيم لقاءات جهوية مثمرة.

وتروم هذه الاستراتيجية بالأساس ، تحديد الاحتياجات ذات الأولوية وضمان ملاءمة التوجهات الاستراتيجية لرهانات الرقمنة ومتطلباتها، من خلال التركيز على المشاريع الرامية إلى:

- تسريع رقمنة الخدمات العمومية مع الحرص على جودتها، من خلال اعتماد منهجية محورها المرتفق، سواء كان مواطنا أو مقاولة.

- بث دينامية جديدة في الاقتصاد الرقمي، بهدف إنتاج حلول رقمية مغربية وخلق قيمة مضافة وإحداث مناصب الشغل وذلك عبر تطوير قطاع ترحيل الخدمات، وبناء منظومة خاصة بالشركات الناشئة ومواكبة رقمنة المقاولات الصغرى والمتوسطة.

إن التكنولوجيا الرقمية تفتح آفاقا واسعة لعقلة العمل الإداري إذا ما تم الوعي بالمخاطر والتحديات التي تكتنفها، مع السعي الحثيث لتحويلها إلى فرص اعتماداً على مداخل متعددة.

مدخل العدالة الرقمية: بالرغم من الجهود المبذولة، فإن الفجوة الرقمية ما فتـت تتسع في ظل التفاوتات على صعيد التزود بالمعدات المعلوماتية ذات الجودة والتغطية بشبكات الإنترنت السريع، الأمر الذي يستوجب تعزيز قدرة الفئات الهشة على الوصول إلى خدمات الإدارة الرقمية كالأفراد ذوي الإعاقات، والأكبر سناً، والنساء، والشباب، والفقراء ، من خلال اتخاذ تدابير جديدة لِتجسير الهوة الرقمية كتعميم الولوج إلى الإنترنت ذي الصبيب العالي والعالي جداً، مع ضمان خدمة جيدة فـي هـذا المجال ، كما أن جعل الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية الإدارية يتطلب وضع تطبيقات محمولة جذابة وميسرة ونظم رقمية مبتكرة أكثر تأثراً على حياة المرتفقين، إضافة إلى تقوية البعد التفاعلي للمنصات العمومية بتوفير تقنيين ومستشارين متخصصين في المواكبة الإلكترونية لزوار البوابات الوطنية مكلفين بمرافقة المتعاملين في مختلف المراحل المتعلقة بالحصول على الخدمة العمومية الرقمية.

مدخل الحكامة الإلكترونية: تيسير ولوج المتعاملين إلى الخدمات الإدارية المتاحة على الإنترنت من خلال تبسيط مسار المرتفقين، باختصار المراحل الواجب المرور منها، وحصر الوثائق المطلوبة للحصول على الخدمة، والتقليص من الإدارات المتدخلة في إنجاز الخدمة، إضافة إلى تطوير منصة التشغيل البيني للمعطيات بما يمكن من الربط بين قواعد المعلومات لمختلف الإدارات العمومية ومن تبادل البيانات والوثائق. وبالموازاة مع ذلك يتعين تحسين مؤشرات الشفافية والنضج والفعالية، وتوفير شروط الولوج المؤمن إلى الخدمات الرقمية.

مدخل الفعالية التدبيرية: تهيئة الشروط الكفيلة بتجسيد الإدارة الرقمية، وفي مقدمتها مراجعة الهندسة التنظيمية لتتماشى مع تحديات الرقمنة، ولإحداث تغيير عميق للهياكل الإدارية، وليس مجرد إضفاء حالة من التحديث السطحي على أجهزة عتيقة، وذلك من خلال خلق مصالح إدارية متخصصة في عمليات التحليل والمعالجة والبرمجة والصيانة، وقادرة على التكفل بمختلف الأمور التقنية المتعلقة بتعميم المعلومات والتطبيقات الرقمية ، إلى جانب ذلك يتعين جعل المهارات المعلوماتية معياراً أساسياً في توظيف الموارد البشرية، وتثمين المهن الرقمية التي تتطلب مؤهلات خاصة، كالأمن المعلوماتي والتصميم الذكي والحوسبة السحابية والهندسة المعلوماتية وتحليل البيانات الضخمة، بما يمكن من توافر كفاءات قادرة على تكييف التكنولوجيا الحديثة مع متطلبات العمل الإداري .

كما ينبغي تعزيز الإطار التشريعي للانتقال الرقمي للقطاع العام بإخراج مشروع القانون رقم 41.19 المتعلق بالإدارة الرقمية لإزالة العوائق التي تحد من المعاملات الإلكترونية وتعزيز مستوى الرقمنة الكاملة للخدمات، والمرسوم المتعلق بالتوقيع الإلكتروني لتأمين الوثائق الإدارية وللرفع من منسوب الثقة والمصداقية في التطبيقات الرقمية، إلى جانب إصدار نصوص جديدة لتأطير عمليات مشاركة وتبادل المعطيات بين الإدارات، بما يمكن من إعفاء المرتفق من الإدلاء بوثائق هي متوفرة أصلاً لدى الإدارات العمومية كالإدارة العامة للأمن الوطني وصناديق التغطية الصحية والضمان الاجتماعي، والمديرية العامة للضرائب ووزارات العدل والتربية الوطنية وغيرهـا ، مع احترام مضامين وأحكام القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي.

ولرفع هذه التحديات، يتوجب إقرار حزمة جديدة من الإصلاحات الإدارية لتوفير الشروط السياسية والتشريعية والمؤسساتية والمالية لعمليات التحـول الرقمي للإدارة، ونزع الصفة المادية عن المساطر الإدارية والخدمات العمومية.

وتتمثل أبرز المشاريع المستقبلية التي جرى إطلاقها في هذا المجال في :

- إعداد وبلورة مخطط توجيهي للتحول الرقمي للإدارة العمومية يروم توفير بنية تحتية رقمية متطورة وموارد بشرية مؤهلة وذات كفاءة، تتقن استعمال وسائل التواصل الرقمي، وتسهم في دعم التحول الرقمي للخدمات وتسريع وتيرة توفيرها؛ 

- إرساء القواعد والضوابط الأساسية للتحول الرقمي للخدمات الإدارية وسد الفراغ القانوني الذي تعانيه التعاملات الرقمية بين الإدارة والمرتفقين من جهة، وبين الإدارات فيما بينها من جهة أخرى؛ 

- تكريس قنوات التواصل والتفاعل بين الإدارات العمومية والمرتفقين بشكل عام ومنظومة تلقي ودراسة ومعالجة شكايات وملاحظات ومقترحات المواطنين، والتفاعل مع تظلماتهم بشكل خاص؛ 

- إنجاز النظام المعلوماتي المشترك لتدبير الموارد البشرية بالإدارات العمومية امتثالا لمبادئ التعاضد، وترشيد النفقات بين مختلف المرافق الإدارية قصد تسهيل اتخاذ القرار فيما يرتبط بسياسات الموارد البشرية.

خاتمة

واجهت مجمل تجارب الإدارة الرقمية في العالم إكراهات وصعوبات أثناء تنفيذ برامجها، وقد أبدى المغرب كغيره من البلدان رغبة في التغيير وتبني برنامجا وطنيا للإدارة الرقمية كجزء لا يتجزأ من استراتيجية المغرب الرقمي.

لقد أسهم توظيف تكنولوجيا المعلومات في تيسير المساطر الإدارية والحصول على الخدمات العمومية بأقل تكلفة ممكنة، لكن عند التأمل في التأثيرات الفعلية، يتبين أن الرقميات أصبحت تشكل بؤرة لتعميق الممارسات البيروقراطية في ظل تباطؤ سيرورة اتخاذ القرار وتضخم الإطار المؤسساتي وتعقد منظومة التواصل، الأمر الذي يفرض تهيئة الشروط الضرورية للرفع من جودة الخدمات العمومية الرقمية.

ونافلة القول، إن عملية الانتقال إلى الإدارة الرقمية ليست بتلك العملية البسيطة أو قليلة التكاليف، ذلك أن تطبيقها يتطلب إرادة سياسية صارمة، وجهد تنظيمي أكبر، وإنفاق أموال مهمة، إذ يجب أن يتناسق الهدف من مشروع الإدارة الرقمية مع الرؤية العامة لها، مع توفير مستلزماتها من بنية تحتية معلوماتية عصرية، وموارد مالية وبشرية كافية لتغطية الاستثمار العمومي في هذا المجال ووضع أنظمة الأمن والحماية والتشريعات اللازمة لضبطها وتأطيرها وما يصاحبها من إجراءات.


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله

قانونك


 من أجل تحميل العدد 23  - إضغط هنا أو أسفله

مجلة قانونك - العدد الثالث