إجراءات التحقيق في الدعوى المدنية - مروان وهبي

 إجراءات التحقيق في الدعوى المدنية

Procédures d'enquête sur une affaire civile

مروان وهبي

Marwan Wehbei

باحث في العلوم القانونية





مقدمة:

يعتبر القضاء من وظائف الدولة الأساسية باعتبارها وحدها مكلفة بإقامة العدل وضمان حقوق المواطنين، والفصل في النزاعات القائمة بينهم، ولأجل ذلك أنشئت المحاكم ووضعت القوانين التي تحدد اختصاصاتها وتبين للمتقاضين الإجراءات والمساطر الواجب سلوكها عند الالتجاء إلى القضاء.

وبذلك يعتبر حق التقاضي من الحقوق الدستورية، حيث جاء في دستور فاتح يوليوز 2011[1]في الباب السابع المعنون بالسلطة القضائية الفصل 118 ما يلي "حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون".

وتعتبر الدعوى[2] من بين الوسائل القانونية التي أقرها المشرع باعتبارها طريق أصلي للجوء إلى القضاء، حيث يعرض الأشخاص منازعاتهم بشأن الحقوق أو المراكز القانونية لحمايتها[3].. وتمر هذه الدعوى من عدة مراحل لعل أهمها مرحلة التحقيق، فخلال هذه المرحلة، يقوم الخصوم بطرح ادعاءاتهم ومزاعمهم للمناقشة مع السعي لإثبات صحتها ووجاهتها، كما تقوم المحكمة بجمع كافة العناصر والأدلة التي ستمكنها من الفصل في النزاع.

ويتم ذلك بواسطة إجراءات تسمى "إجراءات التحقيق". ولا نعني بإجراءات التحقيق هنا تلك الإجراءات التي يتخذها قاضي التحقيق الجنائي لأن لها قواعدها الخاصة في إطار قانون المسطرة الجنائية، بل هي إجراءات تتعلق بالإثبات المدني، فالمقاربة اللفظية قصد بها تشريعنا أن للقاضي المدني نفس الدور التنقيبي والتدخلي الذي يتمتع به القاضي الجنائي في بحثه عن الأدلة وسير الدعوى وإثبات الوقائع والكشف عن الحقيقة[4].

والعبرة من إجراءات البحث والتحقيق هي إثبات الحقوق أو الدفاع عن المراكز القانونية، فإقامة الدليل هو الذي يثبت الحقوق. فالإثبات يتعلق بكل الطرق والوسائل التي يستعملها صاحب الحق لإقامة الدليل على وجود حقه، وكذا تلك التي يستعملها الخصم لنفي وجود الحق المدعى فيه، ولإقناع كل طرف القضاء بصحة ما يدعيه[5]. فالحق والعدم سواء، إذا لم يتم إثباته عند قيام المنازعة فيه.

وهكذا تواتر الرأي لدى الفقه القانوني بأن "الدليل هو فدية الحق، وأنه يستوي حق لا وجود له وحق لا دليل عليه" وأن "مالا دليل عليه هو والعدم سواء"[6].

ولعل تشعب ارتباط الإثبات بتعدد مصادره يوضح علاقة الإثبات من جهة أولى بقواعد الموضوع المتمثلة في الوسائل المعتمدة في الإثبات وتقييمها والجهة التي يقع عليها عبء الإثبات، ومن جهة ثانية بقواعد الشكل والمنصبة على المساطر المتبعة في الإثبات[7].

فقواعد الإثبات إذن تنقسم إلى قسمين: قواعد موضوعية وقواعد إجرائية، فالقواعد الموضوعية تعنى ببيان وسائل الاثبات (الإقرار، الكتابة، شهادة الشهود، القرينة، اليمين) وقوتها في الإثبات، وتحديد محل الإثبات والشخص الذي يقع عليه عبء الإثبات.

أما القواعد الإجرائية فتبين الأوضاع والأشكال والإجراءات التي تتبع في إقامة وتقييم وهدم الأدلة أمام القضاء، كالأبحاث واليمين وتحقيق الخطوط والزور الفرعي.

ولقد ارتأى المشرع أن ينظم قواعد الإثبات الموضوعية في قانون الالتزامات والعقود[8]، بينما نظم قواعد الإثبات الإجرائية في قانون المسطرة المدنية تحت عنوان إجراءات التحقيق[9].

اعتبارا لكون إجراءات البحث والتحقيق هي موضوع هذا المقال، فتجدر الإشارة إلى أن المشرع استعمل مصطلح إجراءات التحقيق mesures d’instructions . كعنوان لإجراءات نص عليها في الفصول من 55 إلى 102 من ق.م.م. كما استعمل نفس المصطلح مع إضافة كلمة "المسطرية" للدلالة على إجراءات التحقيق المنصوص عليها في الفصول من 328 إلى 336 من ق.م.م، وهي إجراءات يتبعها القاضي المقرر عند تسيير مسطرة التحقيق، من الأمر بتبليغ المقال وتعيين أول جلسة علنية والأمر بتبليغ المذكرات الدفاعية والمستنتجات وإطلاع الخصوم على المستندات والأوراق المدلى بها في ملف القضية والأمر بالتخلي ثم إدراج القضية في الجلسة العلنية.



[1] - ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور – الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011)، ص 3600 – 3628.

[2] - لم يعرف المشرع في إطار قانون المسطرة المدنية "الدعوى"، عكس ما فعل المشرع الفرنسي في إطار الفصل 30 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي حيث جاء فيه " هي حث صاحب ادعاء ليستمع له في موضوع هذا الادعاء وذلك من أجل تأييده أو رفضه من طرف القاضي".

[3] - المعزوز البكاي، المختصر في قانون المسطرة المدنية، ص10

[4] -محمد المجدوبي الإدريسي، إجراءات التحقيق في الدعوى في قانون المسطرة المدنية المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، مطبعة الكاتب العربي _دمشق، الطبعة الأولى 1996، ص 1.

[5] - فكلمة إثبات بالمعنى القانوني تفيد ثلاث معاني مختلفة:

 1- ففي المعنى الأول يقصد بها تقديم عناصر الاقتناع للقاضي، وهذا هو المعنى الذي يؤخد به عند تناول موضوع عبء الإثبات؛

 2- وفي المعنى الثاني يقصد بها عنصر الإقناع ذاته، أي الطريقة أو الوسيلة المستعملة لإقناع القاضي بصحة الادعاء (طرق الإثبات)؛

 " 3- وفي المعنى الثالث يقصد بها أثر تلك العناصر في إقناع القاضي، أي إقامة لإثبات بأن يكون كاملا أو ناقصا.

 أورده بنسالم أوديجا، سلطة القاضة في الإثبات في المادة المدنية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/ أكدال، الرباط، السنة الجامعية 2014/2015، ص 3.

[6] - بنسالم أوديجا، مرجع سابق، ص 5.

[7] -بنسالم أوديجا، مرجع سابق، ص 8.

[8] - قانون الالتزامات والعقود، ظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913)، الباب الأول من القسم السابع في الفصول من 399 إلى 460.

[9] - ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.47.744 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، الفصول من 55إلى 102.

من أجل تحميل هذا المقال كاملا إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك

من أجل تحميل هذا العدد السادس - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث