عنصر التمييز في الخطأ التقصيري - خليل الباجا

 





عنصر التمييز في الخطأ التقصيري

The element of discrimination in tort error

خليل الباجا / طالب باحث في سلك الدكتوراه، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية الرباط، أكدال.

Khalili ALBAHA

           

                    

مقدمة

تشكل المسؤولية المدنية أحد أركان النظام القانوني والاجتماعي، فكل إنسان عاقل كائن مسؤول عن أعماله، أي ملتزم بحقوق والتزامات معينة تجاه الغير أهمها عدم الإضرار به، فإذا خرق هذه الالتزامات وجب عليه إصلاح الضرر والتعويض للمتضرر، وكلما تقدمت الحياة المعاصرة في ميادين النشاط المهني والتقني والصناعي والبيئي والجيني، كلما أصبح باستطاعة الإنسان استعمال الآلة والسيارة ووسائل الإنتاج الصناعي والزراعي، وبالتالي أصبح أكثر قابلية لإحداث الضرر للغير لما تحمله هذه الوسائل من مخاطر[1].

وتعتبر المسؤولية المدنية على قمــة المسائل و الموضوعات القانونية الجديرة بالبحــث و الدراسة ولا غرابة في ذلك ،فمــوضوعاتها ترجمة لواقع الحياة من منازعات و خصومات يومية و أحكامها تمــثل الحلول القانونيــة لتلك المنازعات و الخصومات ، لذلك فقد فرضــت نفسها و أرست وجودها الذي سيضل حيا دائما دوام الحياة في المجتمع، فالحياة متطورة متجددة و منازعاتها مستمرة متنوعة تتطــور بتطور وتقدم الحياة و كان نتيجة ذلك عدم الثبات النسبي لأحكام و قواعــد المسؤولية المدنية ،فــما كان مقبولا بالأمس لم يعد كذلك اليــوم ، وما هو سائد في مكان ما لا يكــون كذلك بالضــرورة في مكان آخر، وإذا كان من نعم الله تعالى على الإنــسان أن كرمه و فضله على خلقــه، وعلى سائــر الكائنات بأن جعل له عقلا يفكر به ، ويقدر الأمور فيتعلم العلوم التي تتصل بأمور دينه لكي يعبد الله على بصيرة، ويتعلم العلوم التي تتصل بأمور دنياه لكي يخترع ،يصنع ، يبني ،يشيد ويقوم بواجب الخلافة فــي الأرض، مصداقا لقوله  تعالى:

" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) " [2]، إذن فإن أهليته ترتبط ارتباطا وثيقا مع قدرته على التمييز، وهذه القدرة تختلف من شخص لآخر

ان المسؤولية المدنية بصفة عامة والمسؤولية التقصيرية بصفة خاصة تعتمد على ثلاث أركان: الخطأ والضرر والعلاقة السببية، ولقد ركزنا في هذا البحث على عنصر الخطأ، وذلك بدراسة مكانة عنصر التمييز في الخطأ التقصيري تمييزا له عن الخطأ العقدي، حيث سنحاول أن نبرز عنصر التمييز كأحد العناصر المكونة للخطأ إلى جانب العنصر المادي، ومدى أهمية هذا العنصر في المسؤولية المدنية.

ودراسة عنصر التمييز في الخطأ التقصيري يقتضي منا تأصيل الفصل 96 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي، والمعتبر الإطار العام لعنصر التمييز كمحاولة منا لكشف مدى تأثر هذا الفصل بالفقه الإسلامي، أم ظل حبيس الاقتياس من القانون المدني الفرنسي؟

ان الغرض من تأصيل الفصل 96 من (ظ ل ع) كان الهدف منه معرفة موقف المشرع المغربي من المسؤولية عن الفعل الشخصي وذلك بالإجابة عن السؤال التالي: هل كرس المشرع المغربي الاتجاه الشخصي الذي يعتبر أن التمييز عنصر مكون في الخطأ؟، أو انتصر إلى الاتجاه الموضوعي الذي لا يعطي أهمية لعنصر التمييز في الخطأ ويعتمد على العنصر المادي فقط؟

ومعرفة موقف المشرع المغربي من عنصر التمييز سيكون له الأثر الإيجابي في تحديد الأساس القانوني للمسؤولية المدنية للقاصر عن فعله الشخصي.

إن معرفة الوضع الراهن لمسؤولية القاصر المدنية سواء على المستوى المسؤولية عن الفعل الشخصي أو المسؤولية عن فعل الغير، لن نقتصر فيه على الفقه والقضاء المغربيين لأن ذلك لن يسعفنا في بلوغ الأهداف التي نتوخاها، الشيء الذي دفعنا إلى الانفتاح على التشريعات المقارنة وذلك على سبيل الاستئناس، وركزنا على النموذج الفرنسي باعتبار أن التشريع والقضاء الفرنسيين عرفا تطورا عميقا بالنسبة لعنصر التمييز حتى وصل الأمر به إلى اعتبار أن القاصر بمجرد ارتكابه لفعل غير مشروع يعتبر أبواه مسؤولين عنه بقوة القانون بغض النظر حول اتصاف فعل القاصر بالخطأ أم لا.

إذ دراسة موضوع عنصر لتمييز أو ما يعرف بالإدراك والإرادة على مستوى الخطأ التقصيري سيكون عن طريق تحديده على مستوى عنصر السن كأحد الأسباب التي تعدم أو تنقص عنصر الإدراك والإرادة، ولن نتناول بالدراسة في هذه المقالة العاهات الأخرى كالصم والبكم والجنون ...الخ والتي بدورها تؤثر على عنصر التمييز.

وفي ضوء ما تقدم نرى أن بحث ومعالجة عنصر التمييز في الخطأ التقصيري سيكون من خلال مبحثين رئيسيين، سنتحدث في المبحث الأول عن علاقة الضمان بالمسؤولية التقصيرية ومكانة عنصر التمييز بينهما، على أن نتطرق في المبحث الثاني حول مركز عنصر التمييز بين النظرية الموضوعية والشخصية.

المبحث الأول: علاقة الضمان بالمسؤولية التقصيرية ومكانة عنصر التمييز بينهما.

 إن موضوع الخطأ التقصيري كمعطى لدراسة مدى تأثيره على عنصــر التمييز[3]، لا يمكننا دراسته إلا بمحاولة لتأصيل عنصر التمييــز في الخطأ التقصيري وستكون الانطلاقة من الفــصل 96 من (ظ ل ع)، والذي يعتبر الفصل الوحيد الذي تحدث فيــه المشرع المدني المغربي عن عنصر التمييز بشكل مباشر، الشيء الذي يحتم علينا أن نقـــوم باستجلاء كنه هذا لعنصر ومـــدى تأثيره على المســؤولية بصفة خاصة.

لقد شغل موضوع الضمان[4] أو المسؤولية الفكر البشري منذ ظهور الإنسان على وجه البسيطة، ومن المعلوم أن المسؤولية المدنية في أغلب الفقه الإسلامي تقوم على قاعدة الإتلاف بسب الضمان، وإن كان مفهوم الضمان أو التضمين يقابله في القانون الوضعي مفهوم المسؤولية المدنية بصفة عامة، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو مدى تأثير عنصر التمييز في أساس المسؤولية أو الضمان؟ وكيف عالجه الفقه الإسلامي؟ وعلى ضوء النتائج التي سنصل إليها سنحاول إسقاط هذه النتائج على ظهير الالتزامات والعقود المغربي في الشق المتعلق بالمسؤولية التقصيرية للقاصر سواء المميز أو غير المميز.

وعليه سنخصص لهذا المبحث مطلبين رئيسيين:

سنعالج في المطلب الأول: موقف الفقه الإسلامي من عنصر التمييز، وفي المطلب الثاني سندرس الحمولة القانونية للفصل 96 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي ومدى استيعابه لأحكام الفقه الإسلامي.

المطلب الأول: موقف الفقه الإسلامي من عنصر التمييز.

كما قلنا إن عنصر التمييز المقصود منه المقدرة على الفهم ولإدراك بمعنى إمكانية الفرد في أن يدرك أو لا يدرك العمل الغير المشروع الذي يقوم به ويعتبر التمييز عنصر معنوي إلى جانب العنصر المادي في الخطأ.

ويلاحظ على مستوى الفقه التركيز على المسؤولية التقصيرية أو الضمان على عديم التمييز[5]، باعتبار هذه الفئة هي التي تعرف مجموعة من الإشكالات والاختلاف في وجهات النظر بالنسبة للفقه الإسلامي حيث عالجوا المسؤولية من ناحيتين، فالأولى هي المسؤولية المترتبة على الجناية على النفس ويطلقون عليها اسم الجناية وهو ما سيكون محور الفقرة الأولى، والثانية فهي المسؤولية المترتبة على الاعتداء الواقع على الأموال ويبحثونها تحت عنوان الغصب والإتلاف ويطلقون عليها اسم الضمان، وذلك ما سيكون عنوان الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: بالنسبة للجناية على النفس.

لقد اختلف الفقهاء المسلمون حول التقسيم الملائم لهذه النوعية من الجناية، فالحنفية اعتمدوا التقسيم الرباعي العمد وشبه العمد والخطأ وما جرى مجرى الخطأ، أما الشافعية فلقد أخذوا بالتقسيم الثلاثي، عمـــد وشبه العمد والخــطأ، أما المالكية فتبنوا التقسيــم الثنائي العمد والخطأ وهــو الأقرب إلى الصواب بحيث أن القصد الذي يرتبط مع عنصر التمييز يكون متوفرا إذا اقتـــرن الفعل بالقصد وبالتالي يتوفر العمد وإذا تخلف اعتبر الفعل خطأ[6]، والملاحظ أنه بالنسبة للجناية على النفــس تقوم المسؤولية التقصيرية بمجرد ارتكاب الفعل المادي ولا تأثير لصور الجناية على النفــس التي رأيناها على المسؤولية إلا من زاوية التشديــد والتخفيف فقـــط، هذا ولقد ذهب الفقهاء إلى عدة اتـــجاهات بخصوص هذه النقطة:

- مذهب الشافعية: الذين ذهبوا إلى مساءلة عديمي التمييز رغم أنهم لا يمكنهم أن يقصدوا قصدا صحيحا نظرا لانعدام إدراكهم وإرادتهم، واعتبروا أن عمد عديم التمييز عمد[7].

- جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة كان لهم موقف وسط حيث أكدوا أن عديمي التمييز مسؤولين مسؤولية تقصيرية لما يحدثونه من ضرر للآخرين بحيث يكونوا ضامنين لكن ليس على أساس القصد الذي لا يمكن أن يتصور فيهم، وبالتالي تم تكييف جنايتهم على النفس على أنها خطأ، واستندوا بذلك إلى الحديث المروي عن النبي صلى الله علبيه وسلم:

«رفع القلم عن ثلاث عـــن الصبي حتى يحتلم وعــن المجنون حتى يفيق وعلــى النائم حتى ينتبه».

وإذا كان هذا هو الأمر عليه بالنسبة للجنابة على النفس فيا ترى ما هو موقف الفقه الإسلامي من عنصر التمييز على مستوى الجناية عن المال؟ وهو ما يكون عنوان الفقرة الثانية. 

الفقرة الثانية: بالنسبة للجناية على المال.

سنركز في هذه الفقرة على مسؤولية عديم التمييز في المباشرة والتي قلنا سلفا أن المقصود بها ألا يكون بين الفعل والنتيجة أية واسطة بمعنى أن يكون الفعل أدى بصفة مباشرة إلى النتيجة دون تدخل عوامل خارجية أخرى، ولقد قرر الفقهاء من أن المباشر ضامن وإن لم يتعمد أو يتعد أي سواء قصد النتيجة أو لم يقصد سواء كان صغيرا أو راشدا باعتبار أن الجناية على الأموال تدخل في باب الضمانات وهذه الأخيرة من خطاب الوضع الذي لا يشترط فيه الإدراك أي التمييز[8].

ما يمكن أن نستشفه بالنسبة لموقف الفقه الإسلامي من عنصر التمييز سواء بالنسبة للجناية عن النفس أو الجنابة عن المال أن الإجماع حاصل حول مساءلة الصغير الغير المميز وعدم الأخذ بعين الاعتبار لعنصر التمييز كركن في الخطأ، كل ما هنالك بعض الاختلافات في بعض الأمور الجزئية بين المذاهب الفقهية، مما يمكننا من خلاله أن نقول أن موقف الفقه الإسلامي من عنصر التمييز يعد متطورا باعتبار أن الفقه الحديث ويسير بجانبه القضاء المقارن وصلا إلى نفس النتائج التي وصل إليها الفقه الإسلامي من حيث الابتعاد عن عنصر التمييز كركن في الخطأ والاكتفاء بتكريس الاتجاه الموضوعي للمسؤولية عن الفعل الشخصي والمسؤولية عن فعل الغير وهو ما سنتطرق إليه فيما تبقى من صفحات هذه الدراسة، لكن يبقى السؤال المطروح حول علاقة الفصل 96 من (ظ ل ع) بالفقه الإسلامي هل هي علاقة ارتباط أم تباعد؟، وهذا ما سيكون عنوان المطلب الثاني على الشكل الآتي: الحمولة القانونية للفصل 96 من ظهير الالتزامات والعقود ومدى استيعابه لأحكام الفقه الإسلامي.

المطلب الثاني: مسؤولية القاصر بين ظهير الالتزامات والعقود والفقه الإسلامي

لقد مر معنا في المطلب الأول أن جمهور الفقهاء المسلمون بما في ذلك المالكية أقروا مسؤولية الصغير الغير المميز الذي أحدث ضررا للغير وأنزلوا به مرتبة الراشد بخصوص التعويض، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو حدود هذا الرأي الفقهي عندما نقارنه بالفصل 96[9] من (ظ ل ع) المغربي؟ حتى يمكن أن نحدد موقف القانون المغربي من مسألة عنصر التمييز في الخطأ التقصيري، وعليه سنعالج في الفقرة الأولى مدي تأثر قانون الالتزامات والعقود المغربي بالفقه الإسلامي بخصوص مسؤولية القاصر، على أن نعالج في الفقرة الثانية حول الحمولة القانونية للفصل 96 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي ومدى تأثيره على مسؤولية المدنية للقاصر.

الفقرة الأولى مدي تأثر قانون الالتزامات والعقود المغربي بالفقه الإسلامي بخصوص مسؤولية القاصر

من المعلوم أن  قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي استقى معظم بنوده من المجلة التونسية للالتزامات والعقود التي وضعتها الحماية الفرنسية بتونس سنة 1906[10]، وبالتالي طرحت إشكالية مدى تأثر ظهير الالتزامات والعقود المغربي بالفقه الإسلامي وحدود هذا التأثر، فأغلب الفقهاء اعتبر وأن واضعي مجلة الالتزامات والعقود وفي مقدمتهم المستشرق الإيطالي داوود سانتيلا قد تأثروا بالتقنينات الفقهية[11]، وهناك أطروحة أخرى تعتبر أن مدونة نابليون كأصل عام منقولة من كتاب شرح الدرديري على متن شيخ خليل[12]، ولقد استند صاحب هذا المقال إلى مجموعة من الدلائل والبراهين من بينها أن الحكومة الفرنسية أمرت بترجمة فقه الإمام مالك وقد قام بهذه العلمية الدكتور بيرون، ويؤكد في المقال أن الفقه المالكي انتقل إلى الجهات الرسمية في فرنسا وأدرج لاحقا في قانون نابليون.

هذا التأثر تجلى في موقف الفقهاء بخصوص مسؤولية القاصر، فجمهور الفقهاء – على اختلاف مذاهبهم يذهبون الى القول بتضمين عديم التمييز، أي تقرير مسؤوليته متى كان مباشرا، لأن مسؤوليته تترتب بمجرد تحقق الضرر، ولا يلزم أن يكون الفاعل متعمداً، على ذلك يسأل الصبي غير المميز وكذلك المجنون ومن في حكمهما متى ارتكب جناية على النفس أو على المال. فلو اتلف الصبي غير المميز أو المجنون مالا مملوكا لغيره ضمنه في. ماله كذلك لو أتلف من في حكمهما كالنائم إذا انقلب على متاع وكسره يكون ضامنا لما أتلفه ماله لأن عديم التمييز وإن كان محجورا عليه في الأصل في تصرفاته القولية، إلا أن أفعاله الضارة لا يعفى منها. فيضمن ما يترتب عليها من ضرر للغير، وإن لم يكن له مال يستطيع دفعه حالا، فنظرة إلى ميسرة ولا يضمن وليه.

فالخلاصة إذن أنه متى ارتكب الشخص فعلا الحق ضررا بغيره، لزمه التعويض دون تمييز في ذلك فيستوي أن يكون مميزا أو عديم التمييز.[13]

الفقرة الثانية: الحمولة القانونية للفصل 96 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي ومدى تأثيره على مسؤولية المدنية للقاصر.

بالرجوع إلى الفصل 96 من (ظ ل ع)[14] نجد أن المشرع المغربي تأثر بالنظرية الشخصية والتي سندرسها في المبحث الثاني، إذ أن القاصر عديم التمييز لا يسأل مدنيا عن الضرر الحاصل بفعله، لكن يسأل هذا القاصر إذا كان له من التمييز الدرجة اللازمة لتقدير نتائج أعماله، هذا ما يدفعنا إلى إبداء ملاحظات حول الفصل 96 من (ظ ل ع). وهي على الشكل الآتي:

- إن المشرع المغربي استعمل لفض القاصر سواء بالنسبة لعديم التمييز أو المميز وكلمة القاصر تفيد في معناها أن الشخص له أهلية ناقصة، بما أنه لم يصل بعد إلى سن الرشد، أما بالنسبة للشخص الغير المميز، فتكون تصرفاته ذات طابع صبياني وغير مدرك لما يقدم عليه وهو ليس أهلا للمساءلة، إذن فكلمة الطفل أو الصغير كما عالجتها مدونة الأسرة[15] في الفصول المتعلقة بالأهلية المواد 214 إلى 217 وكذلك اتفاقية حقوق الطفل[16] والتي صادق عليها المغرب والتي أقرت في المادة الأولى« أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر»، تكون هي الأقرب إلى الصواب في نظرنا، وعليه فالشخص الغير المميز إلى حدود سن التميز يعتبر طفلا ومن التمييز إلى الرشد يعتبر قاصرا.

إن المشرع المغربي في الفصل 96 من (ظ ل ع) اعتبر أن تصـــرفات الصغير الغير المميز باطلة نظرا لعدم قدرته على إدراك تصرفاته وبالتالي فعنصر الخطأ لا يمكن تصوره من هذه الفئــة[17]، إذن فالقاصر الغير المميز يتوفر على أهلية الوجوب حسب منطـــوق المادية 207 من مدونة الأســــرة[18]، ولا يتوفر على أهلية الأداء إلا إذا كان مميزا ومع ذلك تبقى الأهليــــة ناقصة إلى أن يبلغ سن الرشد القانوني، وهذا ما أشارت إليه المادة 208 من مدونة الأسرة[19]، إذن فظهيــــر الالتزامات والعقود لم يشر إلى سن التمييز.

وفي المقابل أشارت مدونة الأسرة إلى سن التمييز في المادة 214 وحددته في 12 سنة، من هنا نتساءل هل يمكن اعتبار التمييز بمثابة أهلية؟ وهل نصوص مدونة الأسرة المتعلقة بالأهلية حاولت تغطية النقص الذي يعتري الفصل 96 من (ظ.ل.ع) بسبب عدم تحديده لسن التمييز؟ أم أننا نقول بأن الأهلية تساوي التمييز وبالتالي نخضعها إلى الأحوال الشخصية أي إلى مدونة لأسرة استنادا إلى الفصل 3 من (ظ.ل.ع) المغربي؟

بالنسبة للتساؤل المتعلق بهل يمكن اعتبار الأهلية بمثابة تمييز نقول بأن التمييز لا يقصد به الأهلية لعدة اعتبارات:

-إن وجود الأهلية لا تكون إلا في التصرفات القانونية (ممارسة الحقوق الشخصية والمالية أي نفاذ تلك التصرفات وتحدد النصوص القانونية السن التي يصبح فيها الشخص أهلا لمباشرة تصرفاته)، بينما التمييز هو الإدراك والإرادة وهو عنصر مكمل للخطإ[20].

بالنسبة للتساؤل الثاني فإنه حسب منطوق الفصل 3 من (ظ ل ع) تعتبر المسائل المتعلقة بالأهلية خاضعة للأحوال الشخصية، هذا يدل على أنه من المفروض أن نصوص مدونة الأسرة المتعلقة بالأهلية يجب أن تغطي النقص الموجود في ظهير الالتزامات والعقود، وهذا ما حصل فعلا عندما حددت المادة 214 سن التمييز في 12 سنة، لكن رغم ذلك لاحظنا عدم الانسجام بين الفصل 96 من (ظ ل ع) ونصوص مدونة الأسرة المتعلقة بالأهلية، ونود أن نشيد في هذا الصدد بما هو عليه بالنسبة للقانون الجزائري، حيث نجد أن نصوص قانون الأسرة الجزائري المتعلقة بالأهلية تحيل على نصوص القانون المدني المتعلقة بمسؤولية القاصر[21]، بخلاف المشرع المغربي الذي لم يحدو حدو  نظيره الجزائري.

- عبارة يسأل القاصر عن الضرر الحاصل بفعله التي أشار إليها الفصل 96 من (ظ ل ع) تثير إشكالية مدى اعتبار القاصر المميز له مسؤولية كاملة أم ناقصة؟، وما هو مصير القاصر المرشد؟، حيث نجد عدم إعطاء هذا الفصل الحلول لهذه الإشكاليات.

وبالرجوع إلى الفصل 96 من ظهير الالتزامات والعقود نجد أن الصغير المميز يسأل إذا كان له من التمييز الدرجة اللازمة لتقدير نتائج أعماله، من هنا يتضح أن عبارة الدرجة اللازمة... لا يمكننا من خلال أن نعرف هل بتوفر القاصر على سن التمييز يصبح كامل المسؤولية مثله مثل الراشد أم لا؟

لكن نعتبر أن العبارات التي أدرجها المشرع في الشق الثاني من الفصل 96 من (ظ ل ع) تفيد أن القضاء تبقى له الإمكانية حسب سلطته التقديرية لتقدير الفعل المرتكب من القاصر المميز حسب ظروف وقوع الفعل الضار، لكن رغم ذلك نعتبر أن القاصر المميز حتى وإن كان مسؤولا فمسؤوليته ليست بمنعدمة لأنه وصل إلى سن التمييز، كما أنها ليست مسؤولية كاملة لأنه لم يصل بعد إلى سن الرشد القانوني، مما تكون معه مسؤوليته مخففة.

بالنسبة للتساؤل الثاني والمتعلق بوضعية القاصر المرشد كنا نأمل أن يخصص ظهير الالتزامات والعقود فصلا خاصا متعلقا بمآل القاصر المرشد، لكنه لم يفعل وإنما تحدث في الفصل 7 من (ظ ل ع) حول الإذن وحصره في التجارة والصناعة.

وبالرجوع إلى المادة 218 من مدونــــة الأسرة والفــــصل 7 من ظهير الالتزامات والعقود نتساءل حول وضعية القاصر المميز الذي تم ترشيده من طرف النائب الشرعي، أو قام بطلب ترشيد نفسه من طرف المحكمة؟  

أو بعبارة أخرى في حالة ما إذا تـــم ترشيد القاصر مــــن طرف من يتــــولى الرقابة عليــــه، فهــــل تنعقد مسؤولية الأبوين عن الأضرار التي يمكن أن يحدثها لقاصــــر للغير بفعلــــه الغيــــر المشروع؟

إن موضوع الترشيد عرف جدالا صاخبا على مستوى الفقه الفرنسي[22]، بخصوص بقاء أو عدم بقاء مسؤولية الأبوين بالنسبة للقاصر المرشد، لكن بعد لتعديل الأخير المرتبط بالأفعال المتعلقة بالترشيد في القانون المدني الفرنسي بقانون 5 مارس 2007 والذي أشار بشكل واضح إلى أنه يمكن للقاصر الذي بلغ 16 سنة[23]، أن يرشد ويصبح بعد ترشيده أهلا للقيام بجميع التصرفات المرتبطة بالحياة المدنية مثل الراشد[24]، كما أن المرشد لا يبقى خاضعا بقوة القانون لسلطة أبويه، وأنهما لا يسألا بقوة القانون بوصف الأبوة والأمومة وحده عن الضرر الذي يمكن أن يلحقه القاصر بالغير بعد ترشيده[25].

لكن بالرجوع إلى القانون المغربي وبالضبط إلى ال مادة218 (م أ) والتي تتحدث عن إمكانية مطالبة القاصر بنفسه أو من طرف نائبه الشرعي من المحكمة حصوله على الترشيد بموافقة القاضي المكلف بشؤون القاصرين، اعتبرت المادة أن القاصر المرشد كامل الأهلية فيما رشد فيه، ويجب ألا ننسى أيضا المادة 226من (مدونة الاسرة) والتي تطرقت إلى أفضلية إدارة الأموال بالنسبة للقاصرين المميزين؛ مما يجعلنا نبدي ملاحظات حول النقطة المتعلقة بالترشيد:

-عدم تطرق (ظ ل ع) للترشيد وإنما ذكر الإذن في الفصل 7 من (ظ ل ع) وحصره في التجارة والصناعة، هل يمكننا القول بأن الترشيد هو الإذن؟ فإذا كان كذلك لماذا لم يعتبر المشرع المغربي في الفصل 7 من (ظ ل ع) بشكل صريح بأن الإذن الممنوح للقاصرين في التجارة والصناعة يكون صاحبه كامل الأهلية؟، ولماذا تم حصر الإذن في التجارة والصناعة فقط؟

-في حالة قلنا بأنه ليس المقصود بالإذن هو الترشيد، فهل نعتبر أن غياب النص العام المتعلق بظهير الالتزامات والعقود المغربي، وتواجد نص خاص متمثل في الفصل 218 من (م أ) والتي تحدث عن الترشيد وحددته في 16 سنة أن نطبق النص الخاص مع العلم ان الفصل 3 من (ظ ل ع) يعتبر أن الأهلية المدنية للفرد تخضع لقانون أحواله الشخصية.

-عدم تطرق كل من (ظ ل ع) المغربي ومدونة الأسرة إلى مسألة مدى بقاء لقاصر المرشد خاضع لمسؤولية أبوية أم لا، ونحن نرى بأن الرأي الغالب وكما رأينا بالنسبة للمشرع الفرنسي يعتبر أن القاصر المرشد لا يبقى تحت سلطة أبوية في الأمور التي رشد فيها بالنسبة للأضرار التي يمكن أن يلحقها القاصر للغير أثناء ترشيده، ونتمنى من المشرع المغربي أن يحدو حذو المشرع الفرنسي ويشير إلى هذه النقطة بشكل صريح.

- إذا اعتبرنا أن سن التمييز هو 12 سنة استنادا إلى المادة 214 من مدونة الأسرة المغربية والفصل 3 من (ظ ل ع)[26] فإنه يخالف الفقه الإسلامي الذي هناك من حدد سن التمييز في سبع سنوات وهناك من لم يحدده[27].

- أما بخصوص النقطة الجوهرية والمرتبطة بالسؤال الذي طرحناه في مستهـــل المطلب الأول يلاحظ أنه على مستوى مسؤوليــــة عديم التميـــز من عدمه يوجد اختلاف بين ( ظ ل ع) المغربي والفقـــه الإسلامي خصوصا الفقه المالكي والمعتبر المذهب الرسمي لبلدنا، بحيث نجــد أن الفصل 96 من (ظ ل ع) أبعد مسؤولية القاصر الغير المميز بشكل نهائي نظرا لانعــــدام إدراكه وعدم تقديره لتبعات أفعاله ولا يمكنه أن يرتكب فعل يوصف بالخــــطأ، وبالتالي فتصرفاته تعتبر باطلة، عكس الفقه الإسلامي حيث مر معنا أن جمهور الفقهاء يساءلون الصغير الغير المميز إذا ارتكب خطأ ومنهــــم من تشدد في ذلك واعتبر أن مجرد ارتكاب أي فعل ولو لم يكن يوصــــف بالخطأ يسأل من خلاله الصغير الغير المميز.

هذا الاختلاف الذي أوردناه بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي المرتبط بعنصر التمييز، رغم أن مدونة نابليون كمرجع أصلي للقوانين المدينة كالمغرب مثلا تأثرت بشكل كبير بأحكام الفقه الإسلامي إلا أن ظهور النظريتين الشخصية والموضوعية كان له الأثر الكبير على أساس المسؤولية التقصيرية بشكل عام، وعنصر الخطأ بشكل خاص مما يوحي أن الفصل 96 من ( ظ ل ع) لم يتأثر بالفقه الإسلامي وهو ما سنحاول دراسته في المبحث الثاني.

المبحث الثاني: مركز عنصر التمييز بين النظرية الموضوعية والشخصية.

عندما نتحدث عن التمييز بين النظرية الموضوعية الشخصية نكون قد وصلنا إلى مرحلة وضع الإطار العام لمسؤولية القاصر التقصيرية[28]، فمن المعلوم أن أركان المسؤولية المدنية بصفة عامة هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية فإذا توافرت هذه العناصر في مرتكب الفعل يكون الشخص مسؤولا ويجب عليه التعويض، وما يهمنا في هذه الدراسة هو عنصر الخطأ حيث نجد أن التعاريف التي أوردها الفقهاء (سليمان مرقس–ريبير–سافاتيه– كولان وكابتان –بلاينول.. الخ)لم يستطع أحد من هؤلاء أن يعطي تعريفا جامعا ومانعا للخطأ، والسبب في ذلك يرجع إلى أن المعيار الذي يقاس به الخطأ لم يحدد من طرف الفقه بشكل دقيق، فإما أنه إخلال بواجب قانوني أو انحراف عن السلوك الواجب القيام به، وهذه التعاريف المتباينة كانت نتيجة اتساع فكرة الخطأ والتي تجاوزت المعنى الأخلاقي إلى الولوج في مختلف جوانب السلوك الإنساني، وحتى بالنسبة للتشريعات التي حاولت أن تعرف الخطأ كالمشرع المغربي في الفصل 78 من (ظ ل ع) «أن الخطأ هو ترك ما كان يجب فعل أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر»،

 وهذا التعريف يجعل معنى الخطأ غارفا في بحر من الغموض نظرا لعدم إبراز المشرع مقدار ترك ما كان يجب فعله وفعل ما كان يجب الإمساك عنه، خصوصا أن هناك بعض الأفعال والتي تصيب ضررا للغير ولكن القانون لم ينص على أنها تعتبر أخطاء، إذن فوظيفة المشرع تكمن في أن يضع لتلك الأفعال ضوابط تعينها وهو غير متوفر في التعريف الذي صاغه المشرع المغربي للخطأ[29]، وخصوصا أننا نحاول أن نعالج المسؤولية المدنية التقصيرية للقاصرين والتي تثير عدة إشكالات.

 هذا ما سنحاول التطرق إليه وذلك بدراسة مدى تأثر المشرع المغربي بالنظريتين الموضوعية والشخصية ذلك على مستوى المطلب الأول، على أن نقوم بتقدير وتقييم الاتجاه الذي سلكه المشرع المغربي وهل ساهم في الحد من المشاكل التي تثيرها مسؤولية القاصرين التقصيرية سواء المميز أو الغير المميز وهو ما سيكون محور المطلب الثاني.

المطلب الأول: موقف المشرع المغربي من النظريتين الموضوعية والشخصية.

لقد قلنا سابقا بأن عنصر الخطأ يتكون من عنصرين مادي أي التعدي ومعنوي أي الإدراك والإرادة، والملاحظ أن هناك بعض التشريعات التي أخذت بالعنصر المادي فقط متأثرة بالفقه الفرنسي دون إعطاء أهمية لركن التمييز[30]، وهناك تشريعات أخرى أتاحت إمكانية مساءلة عديمي التمييز استثناءا من القاعدة العامة أي عدم مساءلة من كان لا إدراك له[31]، إضافة إلى التشريعات التي مازالت تعتبر عنصر التمييز مكون لعنصر الخطأ وبالتالي تستثني عديمي التمييز من المسؤولية وهو حال المشرع المغربي[32].

فتقدير مدى إنصاف الفعل المرتكب من طرف المسؤولية بأنه خطأ أو مجرد فعل مادي ليس بالضرورة أن يكون خطأ، تتجاذبه نظريتان جوهريتان وهما الموضوعية والشخصية، وعليه سنحاول أن ندرس في فقرتين معيار تقدير الخطأ، الشيء الذي يجعلنا نطرح بعض الأسئلة من قبيل هل تقدير درجة الانحراف في السلوك الذي أتاه مرتكب الفعل بالضرورة أن يكون خطأ ، أم مجرد صدور فعل وكان هو السبب المباشر في وقوع الضرر كاف لاعتبار أن هناك انحراف في السلوك؟ وإذا أخذنا الشق الثاني من التساؤل فهل كل فعل ارتكبه إنسان وتسبب بضرر للغير كاف لاعتبار هذا الأخير مسؤول وبالتالي وجب عليه التعويض؟ أم يجب إثبات أن هناك انحراف في السلوك حتى يمكن القول أن هناك مسؤول؟

سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة وذلك بتخصيص الفقرة الأولى لأهمية عنصر التمييز وفق النظرية الشخصية، وفي الفقرة الثانية لأهمية عنصر التمييز وفق النظرية الموضوعية.

الفقرة الأولى: أهمية عنصر التمييز وفق النظرية لشخصية.

إن النظرية الشخصية والتي تقيم المسؤولية على الخطأ الشخصي بحيث يتم البحث في درجة الانحراف في السلوك من عدمه بفحص ضمير هذا الشخص (أي مرتكب الفعل) والغوص في نفسيته لتقييم درجة هذا الانحراف، وهكذا لا نبحث وفق هذه النظرية بما كان يجب أن يفعله شخص آخر وجد في مكان وفي نفس ظروف المدعى عليه كما سنتطرق إلى ذلك بالنسبة للنظرية الموضوعية، بل نأخذ في تقدير درجة الانحراف مراعاة مجموعة من الاعتبارات مقترنة بمرتكب الفعل كحالته الشخصية، والسن...الخ.

فطالما أن المسؤولية التقصيرية[33] تقوم على الخطأ الشخصي فلابد إذن من الوقوف على المقدرات الذاتية لكل شخص وكيفية إدراكه للموجب ولنتائجه حتى تصح محاسبته على ذلك الفعل الذي سبب ضررا للغير، فبقدر ما يكون مدركا لهذا الموجب أو قادرا على القيام به بقدر ما يكون أهلا للمساءلة[34] وإذا تبث العكس فلا يصح مؤاخذة إنسان على موجب يتعذر عليه شخصيا إدراكه أو القيام به.

والمشرع إسوة بالتشريعات التي تأثرت بمدونة نابليون بصفة عامة اعتنق النظرية الشخصية التي تعطي الاعتبار لعنصر الخطأ كأساس للمسؤولية المدنية بصفة عامة والتقصيرية بصفة خاصة، ويظهر ذلك جليا من خلال الفصول 77[35] و 78[36]، من ظهير الالتزامات والعقود وهكذا نقول أن النظرية الشخصية تقوم على التمييز والإنسان الذي لا يدرك ما يصدر عنه من أعمال لا يسأل لا مدنيا ولا جنائيا مادامت المسؤولية التقصيرية تقوم على الخطأ هي تربط المسؤولية بالخطأ وتربط الخطأ بالتمييز[37]، وهذا ما أكده المشرع المغربي صراحة في الفصل 96 من (ظ ل ع)[38]، وفي معرض حديثنا عن عنصر التمييز وفق النظرية الشخصية نتساءل بخصوص تقدير درجة الانحراف في السلوك هل نعتد بالظروف الداخلية والخارجية المحيطة بمرتكب الفعل أم نكتفي بأحدهما؟

في الحقيقة نجد أن المشرع المغربي مازال يكرس إلى حد ما الخطأ بعنصريه المادي (التعدي) والمعنوي (الإدراك والإرادة أو التمييز) كأساس للمسؤولية المدنية، وما دمنا نتحدث عن أهمية عنصر التمييز وفق النظرية الشخصية يتضح لنا أن التمييز مكون للخطأ وفقدان هذا العنصر يهدم قرينة الخطأ ويؤدي بالفاعل إلى عدم مساءلته[39] والظروف الخارجية والداخلية لها تأثير في تقديم درجة الانحراف في السلوك لمرتكب الفعل الضار.

وجدير بالذكر أن الظروف الخارجية هي التي يشترك فيها جميع الأشخاص كظرف الزمان والمكان، أما الظروف الداخلية فهي التي ترتبط بكل فرد على حدة (كالسن – الجنس – الحالة الاجتماعية...الخ)، ولقد اختلف الفقه[40] حول مدى الأخذ بالظرفين معا أو الاكتفاء بظرف على آخر، وخلاصة آراء الفقه تعتبر أنه إذا كانت  النظرية الشخصية تنظر إلى شخـــص مرتكب الفعل دون النظر إلى الفعل المرتكب، فإذا كان الشخص مستقيما يؤخذ عليه أقل انحراف صادر عنه، أما إذا كان دون المستوى من الفطنة والذكاء فـــلا يعتبر تعديا إلا إذا كان الانحــــراف  في سلوكه كبيرا وبارزا[41]، لهذا يجب الاعتداد بالظروف الداخلية والخارجيـــة في تقدير السلوك المنحرف الذي أتاه الفاعـــل وفقا للنظرية الشخصية.

ونخلص في آخر هذه الفقرة أن النظرية الشخصية تستعمل مقياس ذاتي وشخصي لقياس درجة الانحراف حسب كل شخص مستنيرة بالظروف الخارجية والداخلية والتي أحاطت بمرتكب الفعل الضار وتقوم بتقييم هذا السلوك وهل يشكل انحرافا يمكن المؤاخذة عليه أم فقط فعل اعتيادي مشروع لم يصل إلى درجة عدم المشروعية وبالتالي فلا تصح المساءلة، ترى ما هي النظرية الموضوعية وأهمية عنصر التمييز فيها، وهذا ما سنحاول تبيانه في الفقرة الثانية.

الفقرة الثانية: أهمية عنصر التمييز وفقا للنظرية الموضوعية.

إن التطور الاقتصادي والتكنولوجي الذي عرفه العالم منذ الثورة الصناعية قلب موازين القوى على مستوى أساس المسؤولية بصفة عامة والمسؤولية التقصيرية بصفة خاصة، بحيث بدأ الخطأ في التراجع لحساب الضرر، بمعنى أن حصول الضرر كاف لتحمل الفاعل للمسؤولية، وعليه نجد أن الاتجاه العام لا على مستوى الفقه أو القضاء تحول إلى الاهتمام أكثر بالمضرورين وذلك لتسهيل حصولهم على التعويض خصوصا أنه في كثير من الحالات يصعب على المضرورين إثبات الخطأ.

والنظرية الموضوعية واكبت هذا التطور واعتمدته في قياس درجة الانحراف في السلوك من منظور شخصي إلى منظور موضوعي مجرد ينظر فيه إلى الفعل الضار المرتكب وليس إلى مرتكب الفعل، والمقياس الذي تعتمده النظرية الموضوعية لقياس هذا الانحراف وهو المقارنة مع السلوك الذي يسلكه شخص يمثل جمهور الناس وهو الرجل المعتاد، وكما عرفه الأستاذ السنهوري بأنه ليس خارق الذكاء شديد اليقظة فيرتفع إلى الذروة ولا هو محدود اليقظة خامل الهمة ينزل إلى الحضيض.[42]

 وهكذا يمكننا أن نقول بأن الشخص المعتاد هو الذي يكون سلوكه معتدلا فهو ليس بالرجل الممتاز وليس بالرجل التافه، وعليه ننظر إلى السلوك المألوف لهذا الشخص العادي ونقيس عليه سلوك الشخص الذي ينسب إليه التعدي، فإن كان هذا الأخير أتى سلوكا يأتيه في الغالب شخص عادي وجد في نفس الظروف التي أحاطت الفعل الضار فهذا لا يعتبر انحرافا في السلوك وينتفي عنه الخطأ وترفع المسؤولية عن كاهله، أما إذا انحرف عن سلوك الشخص العادي فمهما تكن درجة يقظته وفطنته فيعتبر سلوكه مخطئا وتترتب المسؤولية في ذمته[43].

هذا التجريد الذي تتصف به النظرية الموضوعية في المقارنة بالرجل العادي في تحديد درجة الانحراف في السلوك ومتى نعتبر أن هذا السلوك يستحق اللوم؟، يقتضي منا معرفة تأثير الظروف الخارجية والداخلية في تقدير مسك الرجل المعتاد؟

لقد اختلف الفقه في العوامل والظروف المحيطة أو المؤثرة في أنشطة السلوك الإنساني[44]، إلا أن الرأي السائد اعتبر أن الظروف التي أحاطت بالسلوك المتسبب في الضرر هي وحدها التي يجب مراعاتها عند قياس مسلك الرجل المعتاد، بحيث تكون العبرة بما كان سيسلكه الرجل المعتاد في تلك الظروف الخارجية أي تلك الظروف التي لا تتصل بمرتكب التعدي لذاته من صفات ومقومات، مثلا ارتكاب فعل ضار في الليل يعتبر ظرفا عاما يسري على الجميع ولا يستثني أحدا أو طائفة معينة، أما بالنسبة للظروف الداخلية فلا ينظر إليها لقياس مسلك الرجل العادي بالنسبة للنظرية الموضوعية[45].

ويمكننا أن نقول بأن المشرع المغربي في الفصل 96 من (ظ  ل ع) لم يستعمل مصطلح الخطأ في معرض حديثه عن مسؤولية القاصر بصفة عامة بل أشار إلى مصطلح الضرر، وهذا ربما يعطينا تفسيرا بأن المشرع بالنسبة لمسؤولية القاصر سواء كان مميزا أو غير مميز أخذ بالمعيار الموضوعي والذي يتوافق مع التوجه الحديث في أساس المسؤولية المدنية بصفة عامة والذي يوسع من دائرة الخطأ أو ما يعرف بالخطأ الموضوعي أي الاكتفاء بالعنصر المادي دون الالتفات للعنصر المعنوي، وعليه سنحاول أن نناقش مدى صحة هذا الرأي عندما نتحدث عن تقدير الاتجاه الذي سلكه المشرع المغربي بالنسبة للنظريتين ومدى نجاعته على مستوى عنصر التمييز كأحد مكونات الخطأ، وذلك في المطلب الثاني

المطلب الثاني: تقدير الاتجاه الذي سلكه الشرع المغربي ومدى نجاعته على مستوى عصر التمييز.

إن عنصر التمييز كما قلنا سلفا يعتبر من أحد المكــونات الأساسية لعنصر الخطأ بالنـــسبة للتشريعات التي تبنت أنصار النظرية الشخصية، ويظهر أن النظريتين معا ألقـــت بضلالهما حول مدى نجاعة عنصر التمييز كمكون لعنصر الخطأ، وذلك من حيث الطروحات التي قدموها،  فالنظرية الشخصية ظلت وفية لعنصــــر الخطأ كمكون للمسؤولية المدنية بصـــــفة عامــــة والمسؤولية التقصيرية بصفة خاصة، والنظرية الموضوعية تجاهلت إلى حد ما عنصــــر الخطأ ونظرت إلى الضرر كأساس للتعويض، وسنــــحاول تسليط الضــــوء حول مدى نجاعة الاتجــــاه الذي سلكه المشرع المغربي ســـواء على مستوى النظرية الشخصية وذلك في الفقرة الأولى، أو على مستوى النظرية الموضوعية وذلك في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: على مستوى النظرية الشخصية.

إن المدافعين عن النظرية الشخصية أمثال الفقيه ستارك Starck وآخرون يعتبرون أنه أكثر عدالة من التقدير الموضوعي لأنه ينظر إلى كل فرد وفقا لظروفه ويعامله وفقا لإدراكه ويقظته وحرصه الغريزي، وفي إطار دفاع أنصار النظرية الشخصية قاموا بإعطاء مثال توضيحي بين إيجابيات هذه النظرية[46] ويؤكدون أن ترك النظرية الشخصية قد يترتب عليه أن نطلب من الشخص المسؤول ما ليس في إمكانه، والمفروض أن لا نطلب من الفاعل إلا ما يمكنه القيام به ويتناسب مع قدراته، لذلك يجب  أن يشعر الإنسان الذي تترتب عليه المسؤولية أنه ارتكب خطأ، وأن موجب التعويض على المتضرر هو نتيجة لهذا الخطأ. وفي خضم هذه الإيجابيات هناك سلبيات من قبيل أنه كيف يعقل أنه على القاضي التحري في كل حالة عن إمكانيات الفاعل الشخصية لاستيعاب الموجب والقيام به لطلبنا منه عمل شاق ودقيق للغاية إذ يصعب الوصول إلى أعماق الشخصية الإنسانية للوقوف على استعداداته على إدراك موجب[47] معين وما سيتتبعه من حيطة وحذر.

والنتيجة أنه إذا كان الإنسان مهملا بطبيعته وجاء فعله الضار نتيجة لما اعتاد عليه من إهمال تعذر القول بأنه خرج عن السلوك الذي اعتاده، وبالتالي يصعب القول بأنه قام بعمل شاذ عما اتصف له سلوكه عادة ولا مجال لنسبة الخطأ إليه، فيصبح الإنسان ذوي الحذر الشديد أكثر تعرضا للمسؤولية لأنه سيؤاخذ على أقل إهمال لما اعتاد عليه من حذر أو لما اتصف به من مميزات غير متوفرة لدى الرجل العادي وهذا غير منطقي وغير عادل ويستوجب الرد لمجافاته العدالة والمساواة بين المواطنين[48].

من جهة أخرى نجد أن أنصار النظرية الموضوعة أمثال الأستاذ السنهوري وآخرون، يذهبون إلى أن الأخذ بالعناصر الداخلية (كالسن، الجنس...الخ) في تقدير الانحراف تؤدي إلى نتائج غير سليمة بمعنى أنها تنفي الخطأ مثلا عن الأشخاص الذين لا يتوفرون على عنصر التمييز، ويجب الاكتفاء بالعناصر الخارجية والتي يشترك فيها جميع الناس (الزمان – المكان... الخ)، ولكنه فينفس الوقت يأخذ بيده اليسرى ما أعطاه بيده اليمنى فيقول أن هناك عوامل داخلية يجب الأخذ بها كالسن مثلا في بعض الأمور الشخصية والتي لا يسعف التقدير الموضوعي تحقيق العدالة مثال الأفعال التي يرتكبها الأطفال، بحيث يجب قياس تقدير سلوك هذه الفئة بفئة تمثلهم أي بصبي مثلهم[49].



[1]- مصطفى لعوجي : " القانون المدني الجزء الثاني المسؤولية المدنية"، منشورات الحلبي للنشر والتوزيع، ط الثانية 2004، ص 7.

[2] سورة الإسراء (الآية 70)

[3] يقصد بعنصر التمييز الإدراك والإرادة:

- والتمييز اصطلاحا: «التمييز بين الخير والضر وبين الصالح وغير الصالح، وقد أكد أحد الفقه Loget أن التمييز ليس قاصرا فقط على قوة الحكم على الأشياء أو تقدير ما هو خير وما هو شر بصفة عامة ومطلقة وإنما هو أن نبين تماما الفارق الأساسية بين الشيء الواحد والآخر من الناحية المادية، والأدبية، ويخلص الفقيه أن التمييز يتطلب إذن قوة في العقل وإعمالا في الذهن، لا يتوفران إلا بالدرس والتعليم وتجارب الحياة، راجع علي الفيلالي: "المسؤولية المدنية للطفل بالمجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية" الجزء 38 ع 1 – 2 السنة 2000، ص 97.

 [4]الضمان لغة عند ابن منظور يراد بها في لغة العرب عدة معاني، منها الكفالة، الالتزام، أما على مستوى الاصطلاح فالضمان له معنيان عند الفقه:

- أما الكفالة وقد تبناها مجموعة من الفقهاء كالمالكية.

- أو الضمان المالي كما عرفته مجلة الأحكام العدلية في المادة 416، أي إعطاء مثل الشيء إن كان من المثليات وقيمته إن كان من القيميات (انظر حسن علي الشامي ركن الخطأ في المسؤولية المدنية دراسة مقارنة بين القانون المدني المصري والفقه الإسلامي جامعة عين شمس كلية الحقوق دار النهضة والفضيلة السنة 1990 ص 75-87، وأيضا الفقيه التطواني نظرية المسؤولية التقصيرية عن فعل الأشياء الغير الحية في ضوء الفقه الإسلامي القانون الروماني القانون الفرنسي القانون المغربي مكتبة دار السلام الطبعة الأولى السنة 2004.

[5] أي حالة انعدام الإدراك والإرادة على مستوى السن، ويلاحظ أن الفقه قسم حياة الإنسان منذ ولادته إلى وفاته إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: وتبدأ منذ ولادته إلى سن التمييز.

المرحلة الثانية: من سن التمييز إلى سن البلوغ.

المرحلة الثالثة: من البلوغ إلى آخر حياته.

للمزيد من التوسع راجع فخري رشيد مهنا: "المسؤولية التقصيرية ومسؤولية عديم التمييز دراسة مقارنة في الشريعة الإسلامية والقوانين الأنكلوساكسونية والعربية، مطبعة الشمس بغداد كانون الثاني 1974، ص 8.

[6] فخري رشيد مهنا (م . س).

[7]حيث قال الشافعي: «عمد الصبي فتحت الدية في ماله لأن العمد هو القصد وهو ضد الخطأ، فمتى تحقق منه الخطأ تحقق منه العمد».

[8] ويستند الفقهاء إلى الحديث المروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية، صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعثت به فأخذني أفلل أي أرجف فكسرت الإناء: فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ قال: إناء مثل إناء وطعام مثل طعام» انظر فخري رشيد مهنا:( م .س)، ص 70.

[9] لابد أن نوضح أننا اقتصرنا في هذه الدراسة على الفصل 96  من ( ظ ل ع) كإطار عام يحدد مسؤولية القاصر سواء المميز أو الغير المميز، ولهذا فدراستنا ستكون مركزة على عنصر التمييز في الخطأ التقصيري فيما يخص السن أو الأهلية، أما مختلف الحالات الأخرى التي تعدم أو تنقص الأهلية كالجنون، والعاهات العقلية، السفه ...الخ فنتمنى أن ندرها بشكل مستفيض في الدكتوراه إنشاء الله.

[10] انظر عبد القادر العرعاري: "مصادر الالتزام"، الكتاب الأول نظرية العقد الطبعة الثانية السنة 2005، ص 3.

[11] كالفقه المالكي وكذلك مجلة الأحكام العدلية لسنة 1876 والحنفية، للمزيد من التوسع أنظر محمد بوزغيبة: "الأصول الفقهية لمجلة الالتزامات والعقود"، مقال منشور في ذكرى مائوية مجلة الالتزامات والعقود بتونس 1906-2006،  ص 39 إلى 58، وانظر أيضا أحمد ادريوش: "أصول قانون الالتزامات والعقود"، بحث في الأصول الفقهية والتاريخية منشورات سلسلة المعرفة القانونية الطبعة الأولى، مطبعة الأمنية الرباط، 1996.

[12]انظر فوزي أدهم: "أثر فقه الإمام مالك في القانون المدني الفرنسي"، مقال مدرج في أعمال الندوة التي عقدتها كلية الحقوق، جامعة بيروت العربية بمناسبة صدور مائتي عام على إصدار التقنين المدني الفرنسي 1804، 2004، منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة الأولى السنة 2005، ص 75-77.

[13]  فضل ماهر محمد عسقلان المسؤولية التقصيرية لعديم التمييز "دراسة مقارنة" أطروحة الدكتوراه من جامعة النجاح الوطنية كلية الدراسات العليا فلسطين ص 100 وما بعدها موجودة على الرابط الالكتروني: تاريخ الولوج 17/07/2023 على الساعة 23:00.

 https://repository.najah.edu/server/api/core/bitstreams/442adb71-6c5f-4d18-9f95-baf210864a93/content

[14] الفصل 96 من (ظ ل ع) القاصر عديم التمييز لا يسأل مدنيا عن الضرر الحاصل بفعله، ويطبق نفس الحكم على فاقد العقل، بالنسبة للأفعال الحاصلة في حالة جنونه وبالعكس من ذلك يسأل القاصر عن الضرر الحاصل بفعله إذا كان له من التمييز الدرجة اللازمة لتقدير نتائج أعماله.

[15]انظر وزارة العدل دليل عملي لمدونة الأسرة منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل العدد 1، السنة 2004، ص 128-130.

[16] والمنشورة بالجريدة الرسمية، عدد 4440، بتاريخ 14 دجنبر 1996.

[17]- نجد مثلا ما ذهب إليه الأستاذ محمد اللعبي في مقالته تحت عنوان:

 " النظرية الشخصية ولنظرية المادية في المسؤولية التقصيرية"، مجلة المحاماة، السنة الثانية، العدد الخامس مارس 1970، ص 11، من أن المادة 96 من (ط ل ع) فقرة أولى لا تشترط ركن الخطأ لقيام مسؤولية القاصر إذ يقول في فقرته الأخيرة " على العكس يسأل الصغير عن الضرر الحاصل نتيجة فعله إذا كان يتمتع بدرجة من التمييز كافية لتقدير نتيجة أفعاله".

[18]-المادة 207 من مدونة الأسرة المغربية تقول " أهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون، وهي ملازمة له طول حياته ولا يمكن حرمانه منها".                        

[19]- المادة 208 من مدونة الأسرة المغربية تقول :

" أهلية الأداء هي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها".

[20]- انظر محمد اللعبي ( م.س)، ص 12، وأيمن إبراهيم العشماوي: " تطور مفهوم الخطإ كأساس للمسؤولية المدنية" ، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة السنة 1998، هامش ص 313.

ونطرح في نفس السياق تساؤل مرتبط بإمكانية اعتبار التميز بأنه أهلية أداء؟ لأننا كان نعلم فالأهلية تنقسم إلى قسمان، أهلية أداء وأهلية وجوب هي صلاحية الخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها للقانون وهي ملزمة للشخص وطوال حياته ولا يمكن حرمانه منها، مادة 207 من (م.أ)، وأهلية الأداء والتي تتبدأ حسب منطوق المادة 208 من (م.أ) من تمام الصغير سن التميز رغم أنها تكون ناقصة ...إلخ فإذا كن التمييز ركن في الخطأ ويشكل عنصره المعنوي بمعنى أن ما لا إدراك له تعتبر تصرفاته باطلة، ولكن عنصر الإدراك يبدأ في الظهور من سن التمييز إلى سن الرشد، فالقاصر المميز يمكن أن يقوم بتصرفات وتكون بعضها غير مشروعة أي يتصف فيها وصف الخطأ وبالتالي يساءل عن فعله الشخصي طبقا للفصل 77 من (ظ ل ع) فأهلية الأداء وعنصر التمييز هناك نقط مشترطة بينهما.

[21]- قانون رقم 11-84 مؤرخ في 9 رمضان عام 1404 الموافق لـ 9 يونيو 1984 يتضمن قانون لأسرة الجزائري المعدل والمتمم بأمر رقم 02.05 المؤرخ في 27 فبراير 2005.

[22]- لقد كان الفقه الفرنسي منقسما إلى فريقين قبل التعديل الذي أدخله المشرع في 14 ديسمبر  1964:

إذ يرى الفريق الأول أن الترشيد لا يحرر الآباء من المسؤولية، ولقد ذهبت محكمة الاستئناف ببواتييهPoutier في 1 فبراير 1950" بأن المادة 1384 من (ق م ف) والتي قررت بأن الأب مسؤول عن الأضرار التي تسبب فيها الأطفال القاصرين الساكنون معه، ولم تشر إلى أي تمييز بين القاصرين المرشدين والقاصرين لغير المرشدين".

بينما ذهب اتجاه آخر وهو الذي كرسه المشرع الفرنســــي في التعديل الأول في 16 ديـــسمبر 1964، والثاني بمقتضى قانون رقــــم 308-2007 في 5 مارس 2007 حيث اعتبر أن القاصر المرشد لا يبقى خاضعا لرقابة أبويه فيما رشد إليه، انظر في هذا الصدد:

Marie Christine Lebreton : « l’enfant et la responsabilité civil »,thése soutenue à Rouen le 18 Octobre 1996, P 48-54, et voir aussi philipeMaluré- Laurent aynes : les personnes, la protection des mineurs et des majeurs, défrénois 4éme édition année 2009, p 228 .

[23] -Article 413-2 du code civil francais Créé par Loi n°2007-308 du 5 mars 2007 - art. 1 JORF 7 mars 2007 en vigueur le 1er janvier 2009 «  le mineurs même non marié, pourra être émancipé l’orsqu’il aura l’âge de seize ans révolue…

[24] -Article 413-6 du code civil francais Créé par Loi n°2007-308 du 5 mars 2007 - art. 1 JORF 7 mars 2007 en vigueur le 1er janvier 2009  «  le mineurs émancipé est capable, comme un majeur, de tous les actes de la vie civile…

[25] -Article 413-7 du code civil francais   «  le   mineur émancipé cesse d’être sous l’autorité de ses pères et mères.

Ceux-ci ne sont pas responsable de plein droit, en leur seul qualité de père ou de mère, du  dommage qu’il aurra causer à autrui postérieurement à son émanicipation.

[26]-الفصل 3 من (ظ ل ع)، الأهلية المدنية للفرد تخضع لقانون أحواله الشخصية وكل شخص أهل للإلزام وللالتزام ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك.

[27]- انظر أطرطور أحمد: "الضمان والمسؤولية" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص من جامعة محمد الخامس أكدال السنة الجامعية 1988 – 1989، ص 113.

[28]- لابد من أن نشير في هذا الصدد، أنه قبل ظهور مفهوم النظريتين الموضوعية والشخصية بخصوص تكييف مفهوم الخطأ كأساس للمسؤولية المدنية بصفة عامة، فإن هذا الأخير عرف بعدم الاستقرار بحيث نجده في مرحلة أولى لم يكن هناك محل لفكرة الخطأ كأساس لمسؤولية الفرد عن الأضرار التي يحدثها للغير، فلقد كان الفرد منصهرا في الجماعة يشكل معها وحدة متكاملة، وبالتالي لم يكن على المتضرر أن يبحث عن محدث الضرر بل يذهب إلى الجماعة ويأخذ التعويض من رئيسها، فالصنع الشخصي في الخطأ لم يكن له وجود، ومع بروز التيارات الدينية (الإسلام، المسيحية...الخ) استطاعت أن توقظ صوت الضمير الذي يحاسب الإنسان على أفعاله مما عزز الشعور بالمسؤولية من خلال مفاهيم الثواب والعقاب، وقد جاء في القرآن الكريم بعدة آيات ترسخ أركان المسؤولية الشخصية عن الأعمال التي يأتيها الإنسان، وعلى هذا الأساس قامت فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية ولكن دون تمييز بين المسؤولية المدنية والجنائية ولم يتم وضع إطار فاصل بينهما إلا مع الفقيه دوما، وقد تبنى واضعو مدونة نابليون لسنة 1807 ما توصل إليه دوما صاغوا المادتين 1382 و 1384 اللتين تقرران المبدأ العام للمسؤولية المدنية في القانون الفرنسي أي كالخطأ، ويقابلها في المغرب الفصلان 77 و 78 من ( ظ ل ع)، للمزيد من التوسع أنظر: مصطفى العوجي "القانون المدني" الجزء الثاني المسؤولية المدنية منشورات الحلبي الطبعة الثانية، سنة2004، وأيضا إبراهيم الدسوقي أو الليل "المسؤولية المدنية بين التقييد والإطلاق" درا النهضة العربية السنة 1980، ص 21 وما يليها.

[29] انظر: حمادي العراقي "المسؤولية المدنية في التشريع المغربي"، مجلة رابطة القضاء، السنة الثاني غشت 1966 العددان الثاني والثالث، ص 16.

[30] كالمشرع العراقي مثلا في المادة 191/1 من القانون المدني العراقي تنص على أنه:« إذاأتلف صبي مميز أو غير مميز أو من في حكمهما مال غيره لزمه الضمان من ماله، وإذا تعذر الحصول على التعويض من أموال من وقع منه الضرر إن كان صبيا غير مميز أو مجنونا جاز للمحكمة أن تلزم الولي أو الوصي بمبلغ التعويض على أن يكون لهذا الرجوع بما دفعه على من وقع منه الضرر".

[31] - المشرع الجزائري في المادة 125 من القانون المدني الجزائري والتي تنص على أنه :

« يكون فاقد الأهلية مسؤولا عن أعماله الضارة متى صدرت منه وهو مميز غير أنه إذا وضع الضرر من شخص غير مميز ولم يكن هناك من هو مسؤول عنه، أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول جاز للقاضي أن يحكم على من وقع منه الضرر بتعويض عادل مراعيا في ذلك مركز الخصوم.

-المشرع الأردني في المادة 256 من القانون المدني الأردني والذي ينص على أنه :« كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر». انظر أنور سلطان، مصادر الالتزام، القانون المدني الأردني مقارنة بالفقه الإسلامي،دار الثقافة للنشر والتوزيع، بدون ذكر الطبعة، السنة 2005 ص: 311

-[32] الفصل 96 ( ظ ل ع) وكذلكالمشرع التونسي في الفصل 105 من مجلة الالتزامات والعقود التونسية والتي تنص على أنه : « لا ضمان على الصغير الغير المميز وكذلك المجنون حال جنونه، فإذا كان للصغير درجة من التمييز تمكنه من معرفة العواقب وجبت عليه العدة».

[33] إبراهيم الدسوقي أبو الليل، م . س، ص 69 -70.

[34] مصطفى العوجي: "القانون المدني الجزء الثاني المسؤولية المدنية"، م.س ص: 254-255.

[35] ينص الفصل 77 من (ظ ل ع): «كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح به القانون  ، فأحدث ضررا ماديا ومعنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا أثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر»، وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.

[36] ينص الفصل 78 من ظ ل ع: «كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطأه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر».

والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.

[37] محمد بلهاشمي: "خطأ القاصر في نطاق المسؤولية التقصيرية"، منشور في مجلة القضاء والقانون، السنة 13 العدد 123 نونبر 1973، ص 69.

[38] ينص الفصل 96 من (ظ ل ع) القاصر عديم التمييز لا يسأل مدنيا عن الضرر الحاصل بفعله، ويطبق نفس الحكم على فاقد العقل، بالنسبة للأفعال الحاصلة في حالة جنونه، وبالعكس من ذلك يسأل القاصر عن الضرر الحاصل بفعله إذا كان له من التمييز للدرجة اللازمة لتقدير نتائج أعماله.

[39] انظر الفصل96 من (ظ ل ع).

[40] انظر اختلاف الفقه في إبراهيم الدسوقي أبو الليل: "المسؤولية المدنية بين التقييد والإطلاق"، م.س، ص 68- 75.

[41] انظر إبراهيم زهير: "الخطأ في المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص من جامعة الحسن الثاني عين الشق الدار البيضاء، السنة الجامعية 1998-1999، ص 43.

[42] عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الأول، نظرية الالتزام منشأة المعارف، السنة 2003

[43] عبد الرزاق السنهوري: م.س

[44] انظر اختلاف الفقه حول هذه النقطة في كتاب: إبراهيم الدسوقي أبو الليل: " المسؤولية المدنية بين التقييد والإطلاق"، م , س، ص 68- 75.

[45] انظرا: الكبير الخدري: "مركز الخطأ في بناء المسؤولية التقصيرية"، دكتوراه الدولة في القانون الخاص من جامعة القاضي عياض الموسم الجامعي 2001-2002،ص 90 وما بعدها.

[46] مثال: تقرر المسؤولية قائد السيارة الذي لم يتمكن بسبب حالته الشخصية من إيقاظها أو التحكم فيها الأمر الذي ترتب عليه اصطدامه بآخر، كيف نسب إليه الخطأ في هذه الحالة وهو قد قام بكل ما في وسعه ولكن تلك هي إمكاناته وقدراته التي لا يملك بشأنها حيلة أشار إلى هذا المثال إبراهيم الدسوقي أبو الليل، م . س، ص 61.

[47]-  نقصد بالموجب الالتزامات

[48] انظر في هذا السياق مصطفى العوجي، م . س، ص 255- 256.

[49] عبد الرزاق السنهوري: "الوسيط في شرح القانون المدني"، الجزء الأول، نظرية الالتزام، منشأة المعارف السنة 2003، ص 646-667.




من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك



من أجل تحميل هذا العدد الثامن عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث