مقاربة علمية لظاهرة سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على المجتمعات النامية وعلى التنمية والديمقراطية - الجيلالي شبيه

 




مقاربة علمية لظاهرة سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على المجتمعات النامية وعلى التنمية والديمقراطية

Scientific approach to the phenomenon of poor governance, waste, financial and administrative corruption, and its social, economic and political implications for developing societies and on development and democracy

الجيلالي شبيه/ أستاذ التعليم العالي في القانون والمالية والمنهجية - كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - جامعة القاضي عياض - مراكش.

El jilali CHABIHE

 

ملخص البحث:

إن سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، ظاهرة اجتماعية خطيرة، تتخذ عدة أشكال داخل العلاقات الاجتماعية وخارج  سيادة الحق والقانون، وتجتاح كل القطاعات الاقتصادية والمؤسساتية وأصبحت، بسبب إصرارها وانتشارها وضعف سياسات مكافحتها، تكتسي طابعا سلوكيا شبه عادي داخل المجتمع وتترتب عنها عواقب وخيمة بالنسبة لمكونات المجتمع كافة، سياسيا واقتصاديا وماليا واجتماعيا وإداريا وبيئيا ومعالجتها تقتضي، من كل الفاعلين وصناع القرار، بالرغم من المجهودات المبذولة في مكافحتها منذ عقود، الاستمرار في المثابرة واتخاذ، على المدى القريب والمتوسط، إجراءات صارمة بفرض سلطة القانون وإنفاذ العقاب على كل جاني في حق المال العام والذمة المالية والنظام العام، مرفقا بحملات توعية شاملة بهدف اقتلاع هذه الظاهرة الوبائية وهكذا تدريجيا، بكل عزم ونفس طويل، سيتم، على المدى البعيد، لا محال، من خلال هذا التوجه الصارم (العقاب والتوعية)، تغيير جدري في عقليات المواطنين، حاكمين ومحكومين، إدارة ومرتفقين، ملزمين أو زبناء، من ناحية الأخلاق والمسؤولية والنزاهة والعمل الجاد والضمير المهني والسلوك السليم، في سبيل الصالح العام، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والممارسة الديمقراطية 

الكلمات المفتاحية: فساد مالي- ظاهرة اجتماعية خطيرة - عواقب وخيمة - صرامة وعقاب - نزاهة ومسؤولية - حماية المال العام.

 

                                                  

 

Résumé:

La mauvaise gestion, le gaspillage et la corruption financière et administrative constituent un phénomène social dangereux, qui prend de nombreuses formes au sein des relations sociales et en dehors de l'État de droit, et qui touche tous les secteurs économiques et institutionnels. En raison de sa persistance, de sa propagation et de la faiblesse des politiques publiques pour le combattre, il est devenu un comportement presque normal au sein de la société. Aussi a-t-il de graves conséquences pour toutes les composantes de la société, politiquement, économiquement, financièrement, socialement, administrativement et environnementalement. Y remédier nécessite, de la part de tous les acteurs et décideurs, malgré les efforts déployés pour le combattre depuis des décennies, de continuer à persévérer et à prendre, à court et moyen termes, des mesures strictes, en imposant l'autorité de la loi et en sanctionnant tout acte perpétré contre les fonds publics, les avoirs financiers et l'ordre public, accompagné de campagnes de sensibilisation globale visant à éradiquer ce phénomène pathologique. Ainsi, progressivement, à force de détermination et de persévérance, il y aura inévitablement, à terme, par cette approche stricte (punition et sensibilisation), un changement radical des mentalités des citoyens, des gouvernants et des gouvernés, de l'administration et des administrés, des débiteurs ou des clients, en termes de moralité, de responsabilité, d'intégrité et de travail acharné, de conscience professionnelle et de transparence, dans l'intérêt du bien public, du développement et de la démocratie

 

Mots clés : mauvaise gestion, détournement de fonds publics - phénomène social grave - lourdes conséquences, rigueur et sanction, intégrité et responsabilité.

 

 

Abstract:

Mismanagement, waste and financial and administrative corruption constitute a dangerous social phenomenon, which takes many forms within social relations and outside the rule of law, and which affects all economic and institutional sectors. Due to its persistence, its spread and the weakness of public policies to combat it, it has become almost normal behaviour within society It also has serious consequences for all components of society, politically, economically, financially, socially, administratively and environmentally. Resolving it requires, on the part of all actors and decision-makers, despite the efforts made to combat it for decades, to continue to persevere and take action, in the short and medium term, strict measures, imposing the authority of the law and punishing any act perpetrated against public funds, financial assets and public order, accompanied by global awareness campaigns aimed at eradicating this pathological phenomenon. Thus, gradually, through determination and perseverance, there will inevitably, in the long term, through this strict approach (punishment and awareness), a radical change in the mentalities of citizens, those who govern and those who are governed, the administration and the administered, debtors or clients, in terms of morality, responsibility, integrity and hard work, professionalism and transparency, in the interest of the public good, development and democracy.

 

Keywords: poor management, embezzlement, serious social phenomenon, terrible consequences, rigor and sanction, integrity and responsability.

 


 

مقدمة: مفهوم التدبير المالي والإداري السيئ، نشأته، تطوره، إشكاله وخطورته

التدبير المالي والإداري السيئ، المخالف للقانون، والإجرامي، هو تنظيم وتسيير و إدارة الشؤون والعمليات المالية: موارد، نفقات، ذمة مالية، عقارات، منقولات، وطرق البحث عنها وأوجه صرفها،  تمارسها هيئة، منظمة أو مؤسسة معينة: حكومة، إدارة، شركة، جمعية، حزب، نقابة، أسرة أو أفراد، علاقة دولية، بكيفية رديئة، وإستراتيجية سيئة، مرفقة بهفوات كثيرة، واختلالات متنوعة، واختلاسات متعددة، ونتائج وحصائل مؤسفة للغاية[1]

يتخذ سوء التدبير المالي والإداري ورداءته، بما فيه التبذير والفساد، أشكالا وأنواعا مختلفة : كغياب الكفاءات والمهارات لتسيير المرافق وتقديم الخدمات، كالسذاجة في التدبير أو سوء النية، كالتدبير بدون عقلنة ولا إستراتيجية ملائمة تنتج عن هذه السلوكات الشاذة ممارسات مالية وإدارية إجرامية عديدة نلاحظ خاصة كثرة الرشاوى، الاختلاس، التهرب أو التملص الضريبي، تبييض وتهريب الأموال، خوصصة الأراضي وتملكها، الزبونية والمحسوبية والمحاباة، تعدد أنظمة الأراضي وتعقيدها، بهدف تملكها واستغلالها في مكاسب شخصية، احتكار الأموال والأسواق والاقتصاد، تمويل الإرهاب، وتهريب وبيع الأسلحة عبر قنوات غير شرعية[2]

كما أن سوء التدبير الإداري والتبذير المالي، بمفهومهما الشمولي السيئ-الرديء، نشاط مالي وإداري، خارج عن القانون بتاتا، يطبعه تضخم الأنانية، أو الارتجالية والعفوية في التدبير لضعف أو غياب الكفاءات، وجشع المكاسب وتفضيل المصالح الشخصية وتظل بعض الحالات، كتمركز السلطة، واستغلال السلطة والنفوذ، وغياب الضمير المهني، واللامبالاة، واللامعيارية، المطية الأكثر ملاءمة للرشوة، والاحتكار، والابتزاز، والاختلاس، والريع والإثراء غير المشروع، وارتكاب أخطاء فادحة ومتكررة، وعدم المراقبة والملاحقة والعقاب من قبل المسؤولين، إداريين، ماليين أم قضاة

نشأت هذه الظاهرة وترعرعت في ظل المجتمعات الإنسانية المنظمة، خلال حقب زمنية، وفي جغرافيات متباعدة، ولكن بنسب متغايرة وأشكال مختلفة، فتقوت وتضخمت، مع مرور الزمن، في مجتمعات، وضعفت وتقلصت في أخرى وترجع أسباب هذه التفاوتات والتباينات إلى الثقافات والمعتقدات والعادات والقيم وتضخم أو غياب العجرفة وأشكال أنظمة الحكم وسلوكيات الحكام السائدة في هذه المجتمعات وفي قوله تعالى: " إِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ  وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ " سورة البقرة، الآية 205 ويقول ابن خلدون في المقدمة بشأن الفساد:

 "يقع تخريب العمران، فتبقى تلك الأمم كأنها فوضى، مستطيلة أيدي بعضها على بعض، فلا يستقيم لها عمران، وتخرب سريعا⸱⸱⸱"

تعتبر هذه الظاهرة المالية والإدارية الوبائية (سوء ورداءة التدبير المالي، بمفهومه الواسع، أي احتواء التبذير والفساد المالي والإداري)، المنتشرة بنسب مرتفعة خاصة في الدول المتخلفة أو النامية أو ضعيفة الديمقراطية، ذات أهمية بالغة ففي رأي الباحثين والمختصين والمهتمين في مختلف المجالات بهذا الموضوع، لما له من خطورة على المجتمعات والثقافات والحضارات، لا بد من الإلمام به من حيث دراسته وتحليله وتفسيره وتشخيص أسبابه وأبعاده وآثاره وانتشاره وإظهار خطورته للالتفات بكل صرامة لهذا الوبأ ومحاولة التخلص من مخالبه، أو على الأقل التقليص بقوة من حدته، كما هو الشأن في الدول الديمقراطية الحقيقية

ولقد اعتمدنا في دراستنا لهذا المشروع الضخم - الذي يقتضي تعبئة قوية من طرف كل الفاعلين وصناع القرار، ومن كل القطاعات المجتمعية، سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وعلمية - منهجية بسيطة، لكن فعالة، تنطلق من العقل ومحاولة تركيزه وقيادته وتوجيهه، في نهج منظم، وبكيفية دقيقة، من بداية المشروع إلى نهايته، بهدف البحث والتفكير، خلال الوقت الكافي، عن الحقيقة في المجال العلمي لهاته الظاهرة المرضية[3]

وإشكالية البحث والتفكير في هذا المجال تقتضي من الباحث الموضوعي الذي يتوخى اكتشاف الحقيقة تشخيص هذه الظاهرة المالية والإدارية الوبائية وذلك من خلال دراسة أسباب ظهورها وتفشيها، مظاهرها وتجلياتها، آثارها وعواقبها، طرق معالجتها، وتقييم المجهودات المبذولة التي تحققها كافة  المنظمات، في جميع القطاعات وعلى كل المستويات وتختلف هذه المنظمات، باختلاف أشكالها وأنواعها، ومواضيع نشاطها: سياسيا أو اقتصاديا، اجتماعيا أو ثقافيا، بيئيا أو علميا، جهويا، وطنيا أو دوليا، سنة بعد أخرى، لمعالجة هذا الوبأ المالي والإداري "المؤذن بخراب العمران" و"مما يزهدني" في هذه الأوضاع السياسية الراهنة، إذا ما اقتصرنا على حضارتنا، أن "العرب"، كما قال ابن خلدون منذ أواخر القرن الرابع عشر، "أبعد الأمم عن سياسة الملك"، أي عن سياسة الحكم[4]

المحور الأول: تشخيص ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته

يمكن تحديد هذه الظاهرة المالية والإدارية الشاذة المتمثلة في سوء التدبير والتبذير والفساد من خلال أشكالها وحجمها وأعراضها

أ- أشكال ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته

إن ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته تأخذ أشكالا كثيرة ومختلفة فرداءة وخطورة سوء التدبير تؤدي إلى ممارسات مالية وإدارية فاسدة صارخة، تأخذ أشكالا متنوعة، مثل تزوير الوثائق والتهرب الضريبي والصفقات التجارية المغشوشة والنفاق في المعاملات وخيانة الأمانة، وإضعاف الضمير المهني نلاحظ كذلك تكييف القانون للمصالح الشخصية، وعدم الالتزام بالقانون والخروج عنه، وتفضيل المصلحة الخاصة داخل المرافق العمومية، واحتكار القطاع العام والموارد الطبيعية لمكاسب شخصية، وانتهاك القواعد الأخلاقية والسلوكات الاجتماعية بهدف تحقيق مكاسب ذاتية، فئوية أو نخبوية مادية أو معنوية وينتشر تبذير المال العام  وإساءة استخدامه بكل الطرق اللا شرعية، كالرشاوى والاختلاس والمتاجرة بالنقود والإساءة داخل المرافق العمومية، والثراء السريع، والمتاجرة بالأسلحة وتمويل الجماعات الإرهابية لأن سوء التدبير والتبذير والفساد مرتبطون أشد الارتباط بالأموال ورؤوس الأموال والأعمال والاقتصاد، وإهدارالمال العام في الترف والبذخ والفخامة والرفاهية يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته: "الترف مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الشر"

ب- حجم ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته

إن سوء التدبير ورداءته، في مفهومه الواسع، يشمل جميع أنواع الانحرافات والخروقات المالية، سواء على مستوى التدبير أو التبذير أو الفساد، بحيث نلاحظ تكاليفه المالية جد مرتفعة وتأثيراته على الاقتصاد والتنمية والديمقراطية ذات خطورة بالغة

فإذا تصفحنا مثلا الإحصائيات الدولية أو الوطنية المنشورة في هذا الشأن نجد أن المغرب يحتل للأسف، منذ عقود، مرتبة غير مشرفة تماما، رغم القدرات والإمكانيات التي يتمتع بها، ورغم الموارد البشرية وكفاءاتها، والخيرات الطبيعية التي تزخر بها البلاد: أراضي فلاحية، غابات ومياه، مناجم وبحار

تعتمد منظمة الشفافية الدولية على أربعة معايير أساسية لتصنيف الدول حسب درجة خطورة الفساد: نسبة الديمقراطية، معدل الدخل السنوي، تكلفة المعيشة، ومدركات الفساد وتأسيسا على هذه المعايير، حصل المغرب، خلال سنة 2022، على الدرجة 38، بمعدل دخل سنوي قيمته 3061 يورو، وصنف في المرتبة 94، من مجموع 180 دولة، تم تصنيفها في سلم مؤشر مدركات الفساد لسنة 2022 وهي مرتبة غير لائقة به

كلما ارتفعت الدرجة (مجموع النقط المحصل عليها) انخفضت نسبة الفساد، وكلما انخفضت الدرجة ارتفعت نسبة الفساد وهكذا نجد الدنمارك تحصل على الدرجة 90، وتأتي في المرتبة الأولى، بمعدل دخل سنوي قيمته 57749 يورو، وتحصل الصومال على الدرجة 12، وتأتي في الرتبة الأخيرة (180)، ومعدل الدخل السنوي للأفراد 364 يورو وتحصل تونس على الدرجة 40، وتأتي في المرتبة 85، بمعدل دخل سنوي (مدس) قيمته 2993 يورو، وتشغل تركيا الدرجة 36، وتأتي في المرتبة 101، ب مدس قيمته 8371 يورو، وتشغل الجزائر الدرجة 33، وتأتي في الرتبة 116، ب مدس قيمته 3095 يورو، وتحصل مصر على الدرجة 30، وتأتي في المرتبة 130، بمعدل دخل سنوي قيمته 2833 يورو

يحصل أرخبيل السيشيل على الدرجة 70، ويأتي في المرتبة 23، ب مدس قيمته 14475 يورو، ويحتل المرتبة الأولى في الدول الإفريقية، وتحصل الإمارات العربية المتحدة على الدرجة 67، وتأتي في المرتبة 27، ب مدس قيمته 39558 يورو، وتحتل المرتبة الأولى في الدول العربية الإسلامية[5]  

نلاحظ أن هناك مجموعة من  الدراسات والمقتضيات والنصوص والأبحاث والتحريات التي قامت بها المؤسسات الوطنية والدولية في هذا الشأن والتي حاولت من خلالها التصدي إلى هذه الخروقات والإختلالات المالية ومحاربتها، مثل النصوص الجنائية والقواعد الإسلامية، والشرطة القضائية، والمحاكم المالية والإدارية والعادية والجنائية، والبنك الدولي ومنظمة الشفافية الدولية، والمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية.

وقد لاحظنا من خلال دراستنا لهذه المعطيات أن هذه الخروقات والإختلالات المالية والإدارية (سوء التدبير والتبذير والفساد)، كثيرة لا تحصى، وأفرزت قضايا خطيرة عديدة، وأصابت العديد من المؤسسات العمومية والخاصة والمختلطة، في النــــقل وفي النقل الجوي، في المرافـــق العمومية، مركزية أو غير مركزية، في الجماعات الترابية، في مرافق توزيع المياه والكهرباء، في الأبناك وصــناديق التقاعد، في الصحة، في الصفقات العمومية، في القضاء، في الشرطة، في العقار وداخل المؤسسات العسكرية

استنزفت هذه الظاهرة المالية والإدارية الوبائية، حسب الإحصائيات التي قمنا بـــــها، وذلك منذ 1972 إلى اليوم (2023)، أكثر من 5100 مليار درهم، أي بنسبة ما يفوق ثلاثـــة مرات ونصف الناتج الداخلي الإجمالي الحالي (1410 مليار درهم)، وما يعادل 100 مليار درهم سنـــويا تقتطع من الاقتصاد الوطني ولا تخدم الصالح العام في شـــــيء، أي أكثر من 7 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي الحالي لا تنفق لصالح المواطن وفي خدمة الوطن، بل يتم إهدارها في مكاسب شخصية وبطـــــرق غير شرعـــــية تماما

صرح رئيس الدولة العراقية أنه منذ سقوط النظام السابق سنة 2003 إلى 2000 تكبدت العراق خسارة من صفقات الفساد قدرها 1000 مليار دولار (9820 مليار درهم)، هربت منها 150 مليار دولار (1473 مليار درهم) إلى الخارج[6]

ج- أعراض ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته

تتجلى مظاهر وأعراض ظاهرة انتشار سوء التدبير المالي والإداري في غياب المسؤولية أو انعدامها، في تقهقر الواجب الوظيفي، وسوء التخطيط، والتعسف في استعمال السلطة، واختلال الجهاز الرقابي، وإفشاء أسرار عقود الصفقات العمومية تظهر كذلك هذه الأعراض في عدم تكافؤ الفرص في التشغيل والإشراف والقيادة والمسؤولية، في انتشار اللامبالاة، في التراخي والتباطؤ والتعقيد في تأدية العمل المطلوب وعدم احترام أوقات العمل، في الخروج عن القواعد الضبطية، وفي الشعور بالظلم لدى الطبقات الدنيا والوسطى

تتجسد كذلك ظاهرة التدبير السيئ والتبذير واللامبالاة و"اللا معيارية" واستفحال الفساد في عدم الاهتمام بالعمل والمجهود والمثابرة والعلم والمعرفة، وفي نشوء وتطور وتضخم طفيليات اجتماعية تعيش وتتقوى على نهب المال العام بمختلف الطرق غير الشرعية من خلال السلطة والنفوذ اللذان تتمتع بهما، وفي تداول العمليات والمفاوضات اللا شرعية على شبكة الأنتيرنيت (الأوراق البنكية والشيكات والكمبيالات وبطاقات الائتمان)، وفي الاضطرابات الصارخة التي يعاني منها المجتمع كالتفكك الاجتماعي وانهيار الضوابط والقيم والمبادئ والأخلاق[7]

المحور الثاني: أسباب ظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته

نلاحظ من خلال الكثير من الوثائق والمراجع التي اطلعنا عليها أن أسباب ظهور وتطور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته والتبذير والفساد ترجع إلى عوامل عديدة، مختلفة ومعقدة: سياسية وإدارية، اقتصادية ومالية، اجتماعية وثقافية، قانونية وقضائية

أ-الأسباب السياسية والإدارية لظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته

وتوصلنا من خلال أبحاثنا إلى وجود تمركز للسلطة واحتكارها واستغلال النفوذ على مستوى المركز، وخلق نخبة قوية لها امتيازات عديدة وتستفيد من كل الخيرات الوطنية وتنفرد باتخاذ القرارات الإستراتيجية على حساب الأغلبية الساحقة (الطبقات الكادحة والفقيرة والبسيطة والوسطى).

 تتمركز السلطة في أيدي الأقلية ويتم توجيه النظام العام إيديولوجيا واحتكار الاقتصاد والكسب والامتيازات، وعدم استقلالية السلطات الثلاث، وانتشار البيروقراطية الحكومية والإدارية نلاحظ كذلك كثرة الضرائب وقلة المرافق وغياب المراقبة، والافتقار إلى إرادة سياسية جدية لمكافحة الفساد وأدى التنافس على السلطة والإستأثار بها في كل مراكز النفوذ إلى استياء المرتفقين من تصرفات الحكومات المتعاقبة ونهجوا للأسف مثل هؤلاء المسؤولين نهجا مختلا أخلاقيا واقتصاديا وماليا

وكما يقول الشاعر الأندلسي ابن خفاجة (1058-1138) في هذا الشأن: "فما يستقيم الأمر والملك جائر، وهل يستقيم الظل والعود معوج" وفي نفس المعنى يقول ابن خلدون: "تنهار الدولة بسبب السلطة التي تعتمد على الترف والبذخ والإسراف" ويذكر العالم الجغرافي المغربي الشريف الإدريسي (1100-1166) أن جل المواد الصناعية داخل مدينة مراكش كانت تفرض عليها القبالات أي الضرائب "مثل سوق الدخان والصابون والصفر والمغازل، وكانت القبالات على كل شيء يباع دق أو جل" وفرض حكام الأندلس هذه الضرائب نفسها على السكان "فشملت المحاصيل الزراعية والمصنوعات وغيرها من الصادرات والواردات، ولم يستثنى منها شيء" سامية جباري، مظاهر الأزمة الأخلاقية عند حكام الأندلس، مرجع سابق[8]

ب-الأسباب الاقتصادية والمالية لظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته

يجب التأكيد هنا على أن سوء التدبير والتبذير والفساد، من المنظور الاقتصادي والمالي، لا يقتصر على قطاع مجتمعي معين، بل يشمل كل القطاعات الاقتصادية، لكن بدرجات جد متباينة (عام وخاص ومختلط، أو إدارات وشركات ومنظمات غير حكومية، وعلاقات دولية وأسر) وتتميز هذه القطاعات كافة وعموما بسيطرة الرغبات والمصالح الخاصة والذاتية والشهوات على المصلحة الوطنية، وتهيج الطموحات والقدرة على تحقيقها لتوفر الامتيازات والإمكانيات من جهة، وعدم القدرة على تحقيقها، لبعض الشرائح من هؤلاء، لعدم توفر تلك الامتيازات والإمكانيات من جهة أخرى

 ونعتبر، علميا وإحصائيا، من خلال الدراسات الاقتصادية والمالية، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، أن مجموع هذه القطاعات، من منظور آخر، أي القطاع الأولي (فلاحة وزراعة، مياه وبحار، غابات ومناجم)، والقطاع الثاني (الصناعات التقليدية والحديثة والتحويلية)، والقطاع الثالث (الخدمات والمرافق والأبناك والإدارات والجمعيات والتعاونيات)، والقطاع الرابع (التكنولوجيا والمعلوميات والرقمنة والعلم والإعلاميات)، قد تدر خيرات لا تحصى إن هي دبرت بطرق عقلانية، جيدة ومسؤولة

لكن مع الأسف الخروقات والإختلالات والجرائم، والتدبير السيئ والتبذير والفساد والمصالح واللا مبالاة وعدم المسؤولية وغياب المراقبة والزجر، أدوا إلى التنافس والصراع بين مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية والنخبة، مما نتج عنه الفقر والعوز والاحتياج والأجور المتدنية بالنسبة للأغلبية الساحقة (أكثر من 70 بالمئة) والبذخ المالي والاحتكار الاقتصادي والتباهي والمباني والأصفار والضيعات بمئات بل بآلاف الهكتارات

تأسيسا على معطيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نعرض هنا مقارنة بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط ودول أخرى إفريقية، جنوب إفريقيا، أو أسيوية، تركيا، دراسة قائمة على الناتج الداخلي الإجمالي، بمليار دولار لسنة 2022 : تونس 47، المغرب 134، الجزائر 194، البرتغال 252، جنوب إفريقيا 406، مصر 477، السعودية 1108، إسبانيا 1398، إيطاليا 2010، فرنسا 2950 ونلاحظ أن اختلاف أو تباين هذه الثروات من دولة لأخرى مرده أساسا إلى خمسة عوامل: كفاءات المدبرين السياسيين والإداريين، ومهارات الخبراء والمدبرين والحرفيين على مستوى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وجودة وعقلنة التدبير المسؤول على المستوى الجهوي والوطني والدولي، والمساحة الجغرافية وخيراتها وتطوير وتثمين الثروة الوطنية، والحجم الديمغرافي لكل دولة

فإذا أحصينا مثلا هذه الدول حسب حجمها الديمغرافي (مليون نسمة)، يكون الترتيب بالتصاعد كالتالي: البرتغال 10، تونس 12، السعودية 37، المغرب 38، الجزائر 46، إسبانيا 48، إيــــطاليا 59، جنوب إفريقيا 60، فرنسا 65، تركيا 86، ومصر 113 وإذا أضفنا حجم المساحة الجغرافية الإجمالية (الأرض والمياه، بمليون كم2) لهذه الدول (بدون التبعيات) فيكون ترتيبها بالتصاعد كالتالي: البرتغال 0,09- تونس 0,16 - إيطاليا 0,3 - إسبانيا 0,5 - فرنسا 0,6 - المغرب 0,7 - تركيا 0,8 - مصر 1- جنوب إفريقيا 1,2 - السعودية 2,2 - والجزائر 2,4 .[9]

تكمن أسباب التخلف أساسا، بالنسبة لجميع الدول التي تعاني من هـــذه المصيبة، في ســـوء التدبير والتبذير والفــــساد والذين يتولد عنهم حــــتما اختلال صارخ في نسبة وطبـــيعة الاستثمار، في جودة المرافق بصفة عامة، وفي الإنفاق على التربية والعلم والتعليم والصحة والسكن والتعمير بصفة خاصة نلاحظ كذلك أن هذه التصرفات والسلوكات المالية والإدارية الشائنة والمرضية تفرز حالات اقتصادية شاذة:

 سوء تدبير المخاطر الاجتماعية، إنتاج فلاحي متدني، صناعة ضعيفة أو شبه منعدمة، بطالة مرتفعة، أجور لا توازي بتاتا الجهود المبذولة، عدم تكافؤ الفرص وتفاقم اللا مساواة، ضعف القوة الشرائية للأغلبية وارتفاع أثمنة الاحتياجات اليومية[10]

ج-الأسباب الاجتماعية والثقافية لظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته

إن تمركز السلطة في المركز الجغرافي، العاصمة، واحتكار الاقتصاد الوطني والاستثمار على مستوى كافة القطاعات، تتولد عنهم لامساواة اجتماعية صارخة وردود أفعال شائنة، بسبب هذا التهميش، شاذة أو إجرامية مصلحية ضاربة عرض الحائط المعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية فيصير سوء التدبير المالي والإداري ورداءته وفساده، بسبب أهداف مصلحية، أمرا عاديا للغاية ونصبح أمام أوضاع مزرية تغيب فيها، على حساب الذات أو الأسرة أو الفئة أو النخبة، قواعد التمييز بين الشرعي واللاشرعي، بين العادل والظالم، بين الأخلاقي واللا أخلاقي، بين الصالح والطالح، بين السوي والمنحرف، بين التماسك والتضامن والتفكك والانحلال

وهكذا نجد أغلبية الدول المتخلفة بنت نخبها ثرواتها وقوت مراكزها الاجتماعية على السحت ونهب ثروات وخيرات أبنائها واحتكار الذمة المالية الوطنية بسبب عدم انضباط الحاكمين ومراكز السلطة شرعيا وأخلاقيا وقيميا يجب أن لا نصدم إذا رأينا مجتمعا ما، أفرز وبنا وقوى، مع مرور الزمن، بسبب نشاط أرباب السلطة وتشجيعهم على هذه الأوضاع، قواعد وأدوات تنظيمية ضبطية تحدد مجالات نخبوية، مادية ومعنوية وثقافية، ومجالات أخرى مهمشة لكافة باقي الشعب، وهي أمور تولد، لا محالة، استراتيجيات وحيل في الحياة للعيش فقط والبحث عن القوت اليومي، أو الانحراف والإجرام والتسكع، ثم، على نطاق أوسع، الانحلال الأخلاقي والتفكك الاجتماعي، أكثر مما تنتج التوافق والتماسك والتضامن، فتجتاح ظاهرة سوء التدبير ومصائب التبذير والفساد وانعكاساتها جميع مكونات الدولة والمجتمع، من أسر ومدارس ومقاولات وإدارات وسجون وهجرة داخلية وخارجية وجمعيات وتعاونيات ونقابات وأحزاب وبرلمان وحكومة

هكذا صارت الآن هاته السلوكات المرضية في تدبير أموال الوطن وخيراته وثرواته وفي المرافق العمومية عادية داخل المجتمع وعلى مستوى الهيئات والمنظمات والمؤسسات الرسمية تتوارث جيلا عن جيل إلى درجة أن بعضها تاريخيا وبعضها حاليا صارا أو أصبحا يتخذان مفاهيم متداولة في الأوساط الاجتماعية والمؤسساتية بشكل طبيعي للغاية ولو أن هاته الانحرافات والممارسات المخالفة للقواعد القانونية لم تكن، في الواقع التاريخي أو الحالي، إلا ابتزازا أو رشوة أو تملصا من الضريبة أو شططا في استعمال مواقع النفوذ أو المنصب والامتياز، مثل: حلاوة، قهوة، عمولة، هدية، هبة، كلفة، ظهيرة، نايبة، ترتيب، مكس، حركة[11]

د-الأسباب القانونية والقضائية لظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته   

إن سوء التدبير والتبذير والفساد يجتاحون كذلك مجال القانون والقضاء، ويضربون في العمق مبدأ سيادة القانون والعدالة القضائية والاجتماعية، وكل مبادرة تغيير أو إصلاح صادرة عن نيات حسنة  سرعان ما يتم تجميدها أو إجهاضها وتبوء بالفشل، هكذا كان مصير العديد من المشاريع القانونية والقضائية ونفس الشيء بالنسبة لقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة التي لم يتم تفعيلها وإن كانت مقتضى دستوريا

كما أن أغلبية المحاكمات القضائية لا تشمل سوى بعض الأطر، معينة أو منتخبة، في مراتب ودرجات سفلى، بينما تظل متابعة كبار المسؤولين والموظفين السامين جد نادرة، لا على المستوى الوطني ولا على المستوى الجهوي أو الإقليمي إذ ليس هناك فقط حيف من حيث التجريم، بين مراكز السلطة وموظفون عاديون، بل نلاحظ كذلك حتى الأحكام نفسها تكون في مجملها غير متناسبة بتاتا مع خطورة الجريمة المالية والإدارية المرتكبة وأكثر من هذا، قد تستغرق مرحلة التقاضي وقتا طويلا و تنتهي المتابعة بحالة سراح في آخر المطاف

وهكذا، للأسف، صار التطبيق القضائي داخل المحاكم، منذ زمن طويل، مطابقا تماما لما ندرسه في المحاضرات القانونية عندما نقول إن الفرق يظل شاسعا بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن بالفعل، بين القاعدة القانونية كما شرعت والواقع الاجتماعي اليومي، إداريا أو ماليا، قضائيا أو اقتصاديا، أو سياسيا، وخاصة على مستوى الدول ضعيفة أو منعدمة الديمقراطية

ونفس الشيء نلاحظه بالنسبة لجهاز المراقبة المالية والإدارية الذي لا يزال يفتقر لتغذية قوية  بالمعلومات المتقاطعة الضرورية، ولمتابعة سير العمليات ومراجعتها بعد التنفيذ، ولملاحقة قانونية زجرية وقضائية صارمة ومستمرة لكل عمل إجرامي في هذا الشأن إذ ما زلنا نعاين يوميا التراخي في كشف ومعالجة الانحرافات، وفي الملاحقات الإجرائية والعقابية لمرتكبي جرائم الفساد، لا على المستوى الداخلي ولا الخارجي[12]  

المحور الثالث: الآثار والعواقب المترتبة على ظاهرة تفشي سوء التدبير المالي والإداري ورداءته

إن سوء التدبير المالي والإداري ورداءته وتبذير المال العام قد يؤديا إلى الفساد المالي، والفساد المالي قد يؤدي بدوره إلى انحرافات سلوكية وخروقات إجرامية وعندما تنتشر هذه الآفة الاجتماعية المرضية (سوء التدبير والتبذير والفساد) ويتسع نطاق نشاطها يصاب المجتمع عموما باختلال وتدهور في بنائه وبنيته وتنظيمه ونظامه، وتصاب خلاياه ووحداته وشرائحه بانحلال قيمي وأخلاقي وثقافي داخلي،  سواء على مستوى الأسرة أو المقاولة أو الإدارة أو المنظمة غير الحكومية، أوالعلاقة مع الخارج

 وهكذا تتفاعل كل هاته السلوكيات الذاتية والمؤسساتية المرضية داخل المجتمع وتصبح العلاقات الاجتماعية المتعارف عليها وسارية المفعول خاضعة لقواعد ومعايير جانحة وانحرافية ضاربة عرض الحائط كل الضوابط والمثل السوية والسليمة المبنية على أسس ومبادئ الأخلاق والعدالة والمساواة والجدارة والكفاءة والاستحقاق والتماسك والتآزر والتنمية الديمقراطية كل هذه الممارسات المالية الفاسدة، تأخذ مظاهر مختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقانونيا

أ-الآثار والعواقب السياسية والإدارية لسوء التدبير المالي والإداري ورداءته

إن سوء التدبير المالي والإداري والتبذير والفساد تنعـــــكس عواقبهم، سياسيا وإداريا، على المواطن وتجعله يفقد الثقة في الهياكل الســـــياسية والإدارية، وتضعف في نظـــره شرعية السلطة ومصداقيتها،  وتنحط في أعين الناخب المشاركة السياسية بما لها وما عليها: حكـــومة وبرلمانا ومعارضة وأحزابا وتصويتا

لأن كل ما يشعر به المواطن، في حالات شتى، ويعيشه في حياته اليومية مرارا من خلال علاقته بالمصالح والمرافق العمومية هو الإخلال بالواجب ساعات العمل، هو الانحراف الإجرامي بمقاصد القرار نحو مصالح شخصية، أو فئوية، عوض تحقيق المصلحة الوطنية، هو كذلك نوع من التهاون وغياب الإبداع والدقة في العمل، وعدم الحرص على متابعة ورقابة وتنفيذ المشاريع المحلية أو الجهوية أو الوطنية ذات الطبيعة المجتمعية[13] 

وخروقات أخرى وممارسات شاذة  كثيرة نستشفها من خلال أبحاثنا وتجاربنا وما قرأناه ونقرؤه في الصحف والإعلاميات ومواقع التواصل الاجتماعي الموثوق بها من قضايا ونوازل كصفقات الأشغال العمومية والصفقات التجارية المغشوشة والتسريبات المخلة بالتنافس النزيه، والنفاق في المعاملات وخيانة الأمانة، وإضعاف الضمير المهني، وتفشي اللامبالاة والسلبية في العمل، وعدم احترام الوقت والمواعيد والمصلحة الوطنية

وتنتشر هذه العاهة على نطاق أوسع وطنيا لتشمل معظم الفئات الاجتماعية متجسدة في الشعور بالظلم والحرمان لدى كافة الطبقات مهضومة الحقوق ويصير انتشار الحقد والكراهية جليا علنيا اتجاه مراكز السلطة والهياكل الإدارية وكل مصادر تكديس الأموال والأعمال والبذخ والثروات، وعدم الاهتمام لدى الأحداث والشباب بالدراسة والتعليم والمثابرة، والاجتهاد والعلم والعمل، والكد والجد

وفي رأي ابن خلدون إن الأقلية أو النخبة الحاكمة التي صارت تنهج في سلوكها السياسي والأخلاقي، بعد فترة من الحكم، طرقا في العيش والمعاش مبنية على الطمع والترف، ينتقل الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية الذي تقلّدته منذ زمن تأسيسها إلى شعور البذخ المالي والرفاه المادي والغطرسة، تدوس به الجميع من أجل مصالحها الخاصة⸱⸱⸱لكن سرعان ما يبدأ الأفول ثم الانهيار إلى الأبد لا محالة

ب-الآثار والعواقب الاقتصادية والمالية لسوء التدبير المالي والإداري ورداءته

إن سوء التدبير المالي والإداري والتبذير والفساد لهم عواقب وخيمة على الاقتصاد ويرتبطون به عكسيا أشد الارتباط فكلما ارتفع حجم هذه الظاهرة الوبائية انخفض حجم الاقتصاد جملة، وكلما زادت خطورة هذه الظاهرة المرضية تدهورت الوضعية الاقتصادية في البلد المعني بالأمر: لا من حيث الإنتاج ولا التوزيع ولا الاستهلاك ولا حركية السلع والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال والأشخاص لأن تتبع التطور الاقتصادي استشفافا لمراحل التاريخ، وفهما للعمران البشري، وفهما في نفس الوقت لطبيعة العمل والإنتاج والدخل والقيمة والمجال والاحتكار والتخصص والملكية، وبالتالي فهما للقبائل والمدن والإمبراطوريات والدول[14]



[1] مقتضيات الدستور المغربي الحالي 2011، المتعلقة بسيادة القانون وحرية المواطنين والمساواة بينهم وأمام القانون، وتسيير وإدارة المرافق العمومية على أساس معايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، الفصول 6 و154 إلى 160 والفصل 167 ترانسبرانسي المغرب: مرصد محاربة الفساد وتتبع تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، 2015، شبكة الأنتيرنيت حماية المال: تقدر كلفة الفساد في المغرب ب 50 مليار درهم سنويا، هسبريس، الرباط في 22 يناير 2020 نوفل الشرقاوي، الفساد في المغرب يتوسع على الرغم من تشديد القوانين، العربية 2 ديسمبر 2021 لم يعد الفساد ظاهرة دخيلة: أسباب الفشل في محاربة الفساد المالي في المغرب، الحرة / خاص - واشنطن، في 16 فبراير 2023 مصطفى يخلف، فساد المال العمومي بالمغرب، أنفاس بريس، في 11 مايو 2023، مقالات موجودة على الأنتيرنيت

[2] الشمري هشام، كاظم الفتلي، الفساد الإداري والمالي وأثاره الاقتصادية والاجتماعية، دار اليازوري العلمية، عمان، 2011، عدد الصفحات 261، ص 29-37 محمد علي سلامي، أد/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي في المجتمع الجزائري، مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجد 12 (04)/ 2020، الجزائر: جامعة قاصدي مرباح ورقلة، ص 27-42) سارة زقيبة، طرق مكافحة الفساد، 28 أبريل 2022، جريدة موضوع لم يعد الفساد ظاهرة دخيلة: أسباب الفشل في محاربة الفساد المالي في المغرب، الحرة / خاص - واشنطن، في 16 فبراير 2023 أية القواسمي، طرق مكافحة الفساد المالي والإداري، 13 غشت 2023، جريدة موضوع
[3] (روني ديكارت، خطاب في المنهجية، 1637 - الجيلالي شبيه، المنهجية عند ديكارت، 2015)
René Descartes, Discours de la Méthode, pour bien conduire sa raison, et chercher la vérité dans les sciences, 1637 ; Jilali Chabih, La méthode chez Descartes, 2015, article  disponible sur le net.
[4] Emile Durkheim, Les règles de la méthode sociologique, 1894 ; Jilali Chabih, Les règles de la méthode de recherche scientifique, 2020, disponible sur le web.  
[5]Transparency international, classement des Etats du monde par indice de perception de la corruption, année 2022 ; L’Atlas Sociologique Mondial, Classement des Etats du monde par indice de perception de la corruption, 2023 ; source : Transparency international, Journal du Net (JDN), Classement des salaires par pays, 2019, documents accessibles sur le Web. 

 [6]أد حسين عليوي ناصر الزيادي، الفساد المالي والإداري في العراق: رؤية جغرافية - سياسية، مركز الرافدين للحوار، الطبعة الأولى - بيروت، النجف الأشرف، جامعة ذي قار، 2023، ص 38

L’étude de la Banque mondiale qui évalue le coût de la corruption à 5% du PIB, et à 39 milliards de dh par an, ne tient pas compte de la mauvaise gestion, de l’absence de contrôle, de la dilapidation du patrimoine et des fonds publics, de la fraude fiscale, de la fuite des capitaux, du blanchiment d’argent, des dysfonctionnements, des défaillances, des comportements malveillants, etc. ; Rapports annuels de l’Organisation Transparency international, de la Banque mondiale, de Bank Al Maghreb, de la Cour des comptes et des Cours régionales des comptes ; Telquel, du 30 nov. 2014, sur la corruption ; La chambre criminelle chargée des crimes financiers près la Cour d’appel de Salé ; L’instance nationale de probité, de la prévention et de la lutte contre la corruption ; Aujourd’hui le Maroc, avril 2022, sur la corruption ; documents accessibles sur le Web ; Code pénal marocain, art. 248-256 bis. 
حوار مع رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، المصدر:  أصوات مغاربية، أبريل 2023، محمد علي سلامي، أد/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي في المجتمع الجزائري، مقال سبق ذكره، الشمري هشام، كاظم الفتلي، الفساد الإداري والمالي وأثاره الاقتصادية والاجتماعية، مقال سابق، ص 40-82، عرشوش سفيان، أمال بن عشي، الفساد المالي في المجال الاقتصادي، مجلة الحقوق والعلوم السياسية، العدد 11، يناير 2019 ص 59-80
[7] محمد علي سلامي، أد/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي في المجتمع الجزائري، مقال سابق، ص 27-42 حمدي عبد العظيم، عولمة الفساد وفساد العولمة، الدار الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2011، عدد الصفحات 318 أد حسين عليوي وناصر الزيادي، الفساد المالي والإداري في العراق: رؤية جغرافية - سياسية، 2023، مرجع سابق، عدد الصفحات 165 سامية جباري، مظاهر الأزمة الأخلاقية عند حكام الأندلس، دراسات أندلسية، يوليو 2018، موجود على الأنتيرنيت شمري هشام، الفساد الإداري والمالي وأثاره الاقتصادية والاجتماعية، مرجع سابق، ص 19 وما بعدها
[8] ياسمين مجلي عبود الركابي، الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة العباسية في العراق (334-656 هجرية) رسالة ماجستير، جامعة الكوفة، كلية الآداب، 2019، ص 11، عن أد حسين عليوي وناصر الزيادي، الفساد المالي والإداري في العراق: رؤية جغرافية - سياسية، 2023، مرجع سابق، ص 73 محمد علي سلامي، أد/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي في المجتمع الجزائري، مقال سابق، ص 27-42
 [9]راجع في هذه الحالة معطيات البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، الشعبة الإحصائية بالأمم المتحدة، ويكيبديا، قائمة الدول والتبعيات حسب المساحة - المعرفة، معطيات موجودة على شبكة الأنتيرنيت
Transparency international ; Word population by country 2023 (live) ; Atlas Sociologique Mondial (ATLASOCIO.COM) ; Word Population Prospect, Population Division, Department of Economic and Social Affairs, United Nations, documents accessibles sur le Web. 
[10] Eric Berr, La dette des pays en développement : bilan et perspectives, Université Montesquieu Bordeaux IV, p. 12, sans précision de date ; François Bétard et Monique Fort, Les risques liés à la nature et leur gestion dans les Suds (Natural risks and their management in developing countries, Bulletin de l’Association de Géographes Français, mars 2014, p. 231-240 ; Jilali Chabih, La responsabilité des Etats dans la gestion des crises, décembre 2020, accessibles sur le Web.
[11] محمد علي سلامي، أد/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي في المجتمع الجزائري، مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، مرجع سابق، ص 27-42 الشمري هشام، كاظم الفتلي، الفساد الإداري والمالي وآثاره الاقتصادية والاجتماعية، مرجع سابق، ص 38-44
Définition de la sociologie, Université de Montréal, Faculté des arts et des sciences, Département de Sociologie ; Jilali Chabih, Migration et phénomène migratoire : réflexions sur une thématique galvaudée, compromise idéologiquement, sept. 2020 ; v. aussi : A travers la grille, le chemin de ronde, et par-delà …le ciel, Libération, déc. 2020.    
 [12]الجيلالي شبيه، مفهوم الفانون، 2020، مقال موجود على الأنتيرنيت محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، حوار مع "أصوات مغاربية"، مرجع سابق، متوفر على الأنتيرنيت، الجيلالي شبيه، الرقابة المالية بالمغرب، 2020، مقال متوفر على الأنتيرنيت نوال طارق إبراهيم، المظاهر القانونية للفساد وإستراتيجية مكافحته في تعزيز النزاهة، 2019، جامعة بغداد، العراق، ص 117-118 عصام عبد الفتاح، جرائم الفساد الإداري⸱⸱⸱ في الدول العربية والأجنبية، الإسكندرية، مصر، دار الجامعة الجديدة، 2011، ص 293 و294 و 304 و334  
[13] ط د/ عاتي يمينة، الفساد الإداري والمالي مفاهيمه، أسبابه، وأشكاله، وأثاره على التنمية الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2018، 12 ص 
[14] بالي حمزة، محاضرات في مقياس تاريخ الفكر الاقتصادي، السنة الجامعية 2020-2021، جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي، عطاءات ابن خلدون والمقريزي وابن تيمية في الفكر الاقتصادي، ص 31-47 مدحت القريشي، تطور الفكر الاقتصادي جامعة البلقاء التطبيقية، الأردن، دار أوائل للنشر، 2008، ص 66 -74



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك



من أجل تحميل هذا العدد الثامن عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث