ظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية - خالد خرشاش




ظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية

 قراءة متقاطعة في بعض النصوص القانونية

Fraud in school examinations

Cross-reading in some legal texts

خالد خرشاش / إطار تربوي بوزارة التربية والتعليم، حاصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس.

Khaled KHACHACH

 

 

ملخص البحث:

الامتحانات إحدى وسائل تقييم العملية التعليمية وتقييم مكتسبات التلاميذ في مرحلة معينة، من خلال إجراء هذه الامتحانات تظهر محاولات للغش من قبل بعض التلاميذ هدفهم الأساسي تحقيق النجاح بطرق تتنافى وقيم المجتمع شعارهم الغاية تبرر الوسيلة. مما حتم على الجهات المسؤولة التدخل، بسن نصوص قانونية زجرية لتخفيف من حدة هذه الظاهرة. ومن هنا جاءت هذه القراءة التي سنتطرق فيها إلى مفهوم الغش، لغة واصطلاحا وقانونا، كما سنتناول حالات الغش المقررة بموجب قانون 13 .02، وسنتطرق أيضا إلى المسطرة المتبعة في زجر الغش وأخيرا الجزاءات الإدارية والجنائية المقررة في هذا الجانب.

 

 

                                                  

Abstract:

Examinations are one of the means of evaluating the educational process and evaluating the achievements of pupils at a given stage. Through these examinations, attempts are made to cheat on students whose basic objective is to achieve success in ways that are contrary to the values of society. In order to alleviate this phenomenon, it is imperative for those responsible to intervene to enact restrictive legal provisions. Hence, this reading, in which we will address the concept of fraud, language, terminology and law, as well as the cases of fraud established under Act No. 13.02, will also address the law governing fraud and, finally, the administrative and criminal sanctions established in this regard.

 

 

مقدمة

تقوم المؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة بقياس مستوى التحصيل، من خلال أداء الأفراد في الاختبارات، كمؤشر على التغيير الحاصل فيما اكتسبوه من دروس، وذلك في نهاية كل موسم دراسي أو فصل أو مرحلة دراسية، وتعد هذه الاختبارات الأداة الوحيدة للتقويم في الأنظمة التعليمية، إذ إنها تحقق مجموعة من الأهداف التي تساعد المؤسسة التعليمية على تقويم مسارها، والوقوف على ما يمكن أن يعوق تحقيق أفضل نمو معرفي ممكن للمتعلم، ومن بين هذه الأهداف، تقويم المتعلم وتشخيص مشكلاته ومن تم إرشاده وتوجيهه[1].

وهناك مشكلات عديدة تقف أمام تطور العملية التعليمية وأدائها بشكل جيد، كالتأخر الدراسي، والرسوب، والتسرب… والغش في الامتحانات المدرسية وغيرها من المشكلات التعليمية.[2]

ويعد الغش في الامتحانات المدرسية من أخطر المشاكل التي يواجهها التعليم في بلادنا، وأكثرها تأثيرا على الحياة المدرسية والاجتماعية، فمن الناحية السوسيولوجيا وعلى سبيل الفهم لا التأويل يمكن نعت الظاهرة بالاجتماعية، ليس فقط لأنها من قبيل ما ظهر وبرز بشدة، فضلا على اتصالها الوثيق بكائن اجتماعي معين وهو التلميذ(المتعلم)[3].

وهو بذلك يعد إخلالا بتعاقد تربوي وأخلاقي، لذلك فإن القانون 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية[4]، الذي دخل حيز التطبيق منذ إصداره بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 شتنبر 2016، سن عقوبات في حق كل من ضُبط متلبسا بممارسة الغش في الامتحانات، تراوح بين منح نقطة 0 في اختبار المادة التي تم فيها الغش وإلغاء نقط جميع مواد الدورة المعنية، وبين الاقصاء من اجتياز الامتحان لمدة سنتين دراسيتين متواليتين.

لهذا سوف نحاول في (المحور الأول) من هذه القراءة، الوقوف على مفهوم الغش في الامتحانات، ثم سنتطرق إلى حالات الغش المقررة في المرسوم 02:13 (المحور الثاني)، مــرورا بالمسطرة المتبعة في الغش (المحور الثالث)، وأخيرا سنعرض الجزاءات الادارية والجنائية المقننة في هذا الباب (المحور الرابع) .

المحور الأول: الغش في الامتحانات: مفهومه اللغوي والفقهي والقانوني

-الغش في اللغة: هو الخيانة والخداع والتزوير والتدليس، كما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور : الغش هو نقيض النصح. ويقال غش صدره أي انطوى على الحقد والضغينة وغش صاحبه غَشا وغِشا، زين له غير المصلحة وأظهر له غير ما يضمر[5].

-الغش في الشرع: ما يخلط من الرديء بالجيد، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما روي عليه في الحديث النبوي الشريف أنه قال " من غشنا فليس منا".[6]

-الغش في الاصطلاح الفقهي: عرفته الدكتورة عرفات السبعاوي: استخدام وسائل غير مشروعة للحصول على إجابات حقيقية ينقلها الطالب أو الطالبة من دون وجه حق فهو ضرب من السرقة والادعاء، بل هو ضرب من الظلم والتزييف، وهو إهدار لقيمة تكافئ الفرص، وهو عدوان صارخ على الأمانة والصدق والمجتمع كله ...وتضيف: هو مرض تربوي يجب مقاومته بالقوانين المنظمة.[7]

-الغش حسب المرسوم 02:13 المتعلق بالغش في الامتحانات المدرسية: عرفته المادة الأولى بما يلي" ممارسة المرشح والمرشحة لأي شكل من أشكال التحايل والخداع في الامتحانات المدرسية والمتوجة بالحصول على إحدى الشهادات أو الدبلومات الوطنية.

تأسيسا على هذه التعاريف، سنحاول معرفة الحالات الذي اعتبرها المشرع حالات غش في المحور الثاني.

المحور الثاني: حالات الغش وفق المرسوم 02:13 المتعلق بالغش في الامتحانات المدرسية

تعد من بين حالات الغش حسب المرسوم أعلاه الأفعال التالية:

§       استعمال وثائق مزورة قصد المشاركة في الامتحان؛

§       تعويض المرشح المعني باجتياز الامتحان بغيره؛

§       تسريب مواضيع الامتحان للغير قبل إجراء الامتحان أو المساعدة في الإجابة عليها؛

§       حيازة أو استعمال المرشحة أو المرشح لآلات أو وثائق أو مخطوطات غير مرخص بها داخل فضاء الامتحان؛

§       تبادل المعلومات كتابيا أو شفويا أو بأي وسيلة أخرى بين المرشحات والمرشحين داخل فضاء الامتحان؛

§       حيازة أو استعمال الوسائل الإلكترونية، كيفما كان شكلها أو نوعها سواء كانت مشغلة أو غير مشغلة.

     وبهذا يكون المشرع المغربي حاول قدر الامكان الإحاطة بكل حالات الغش، وإن كان للزمن دور في ابتكار الوسائل والطرق الحديثة التي لم تخطر من ذي قبل على بال أحد من العالمين بخباياه، ولأن ما يتكرر يتقرر فقد صارت هذه الآفة جزءا من الممارسة البيداغوجية، بل تحولت إلى صاحبة الشأن الأول التي يتبتل الطالب في محرابها الساعات الطوال تفكيرا وتنظيرا وممارسة، حتى وصل إلى درجة الكمال والبلوغ في الاهتداء إلى أنجع السبل وأكثرها تطورا، مسجلا بذلك براءات اختراع مبهرة[8].

وتجدر الإشارة، أن آفة الغش في الامتحانات المدرسية، ليست وليدة اللحظة أو أنها محصورة في بقعة جغرافية دون غيرها، بل إن الدراسات كشفت انتشارها في بلدان عديدة منها النامية والمتقدمة على حد سواء، ووفق دراسة مسحية[9] في أمريكا فإن 50-30 % من طلبة الجامعات يعترفون بالغش، أما في روسيا فقد أشارت دراسة أجريت على أربع مؤسسات تعليمية، إلى أن ما يزيد على %80 من الطلبة عينة الدراسة، مارسوا الغش في امتحاناتهم الدراسية.      

المحور الثالث: المسطرة المتبعة في الغش

تطبق في حق المرشح والمرشحة، حاول ممارسة الغش أو ضبط في حالة غش أثناء اجتياز الامتحان الاجراءات الاتية:

§       الإنذار من طرف المكلفين بالحراسة في حالة محاولة الغش؛

§       في حالة تكرار محاولة الغش أو الضبط في حالة غش، تسحب ورقة الامتحان من المرشحة أو المرشح، وكذا الوسائل المستعملة في ذلك. يحرر محضرا بذلك، ويرفع التقرير إلى المشرف على مركز الامتحان الذي يحيله فورا على اللجنة التأديبية.

وتجدر الإشارة أن المشرع المغربي لم يكتف بمحاربة الغش أثناء اجتياز الامتحانات، وإنما مدد ذلك حتى أثناء تصحيح الأوراق. وهكذا جاء في المادة 5 من المرسوم أعلاه" في حالة اكتشاف الغش أثناء عملية تقييم الأجوبة، يحرر المكلفون بهذا التقييم محضرا ويحال فورا على اللجنة التأديبية من طرف المشرف على مركز التصحيح.

بعد الوقوف على المسطرة المتبعة في محاربة الغش، ماهي إذن الجزاءات المقررة في هذا الجانب؟

المحور الرابع: الجزاءات

عند استقرائنا للقانون 02.13 المتعلق بالغش في الامتحانات المدرسية، يتبين لنا أن المشرع اعتمد في محاربة ظاهرة الغش جزاءات ذات صبغة إدارية (1) وجزاءات ذات صبغة جنائية .(2)

1- الجزاءات ذات صبغة إدارية

بعد تسلم اللجنة التأديبية لتقارير الغش، تتخذ الاجراءات الإدارية التالية:

§       اعتماد نقطة (0) بالنسبة للمادة موضوع الامتحان.

§       الإقصاء النهائي من اجتياز الامتحان خلال السنة الجارية.

§       الإقصاء لمدة سنتين دراسيتين متتاليتين من اجتياز الامتحان.

ما يلاحظ على هذه المسطرة أنها متسمة بالتدرج، حسب جسامة الفعل والوسائل المستعملة في ذلك.

بعد الوقوف على مفهوم الغش وحالاته المقررة في المرسوم 02:13 وكذا المسطرة المتبعة في الغش و الجزاءات الإدارية. فما هي إذن الجزاءات الجنائية المقررة في هذا الجانب.

2 - الجزاءات ذات صبغة جنائية

دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، يعاقَب كل من ارتكب الغش في الامتحانات المدرسية، كما هو منصوص عليه في المادة الأولى:

§       -الحبس من شهر واحد إلى سنة وبغرامة تتراوح بين 500 و 10000

§       3 أشهر إلى سنتين والغرامة من 10.000 إلى 20000 أو بإحدى هاتين العقوبتين.

§       الغرامة من 2000 و5000 درهم.

مما لاشك فيه أن المقاربة العقابية التي اعتمدها المشرع في التصدي لهذه الآفة وإن كانت مهمة جدا بالنسبة لمن يشجع أو يساعد على الغش أو حتى للمرشحين الأحرار، فإنها بالنسبة للتلميذ لا تتلاءم مع عدالة الأحداث من جهة، لكون الكتاب الثالث من ق.م.ج[10] وضع شروطا محددة ودقيقة للحكم على القاصر بعقوبة سالبة للحرية، كما جعلها في نطاق ضيق جدا، ولا يمكن للقاضي اللجوء إلى العقوبة إلا في حالة استحالة إيجاد تخرجة قانونية للقاصر الذي ارتكب الجريمة، فما بالك جريمة الغش في الامتحان الذي أصبح للأسف العديد من الآباء هم من يتحملون المسؤولية عن سوء التنشئة الاجتماعية التي يكون التلميذ (المتعلم) ضحية لها.  



[1]بشير معمرية : الغش في الامتحانات المدرسية – دراسة تحليلية بعدية لمجموعة من الدراسات في المفاهيم والإجراءات المنهجية والنتائج، مقال منشور في مجلة السراج في التربية وقضايا المجتمع، العدد الثامن، دجنبر 2018، ص: 08

[2] -  نفسه، ص: 08

[3] -ربيع أوطال: الغش في الامتحانات المدرسية- مقاربة سوسيولوجية، مقال منشور في منصة المنهل الإلكترونية، تاريخ زيارة، 02.06.2023، الساعة،00:22، ص: 1

[4] - القانون 02.13 المتعلق بالغش في الامتحانات المدرسية، نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 شتنبر 2016. يمكن الاطلاع أيضا على مقرر لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة رقم017.23 الصادر في 10 ماي 2023 بشأن دفتر مساطر تنظيم امتحانات نيل شهادة السلك الإعدادي.

[6] - رواه مسلم في باب : قول النبي صلى الله عليه وسلم" من غشنا فليس منا"- تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت . والمقصود بليس مني: أي ليس هو على سنتي وطريقتي.

[8] -حفصة المقدم: الغش في الامتحانات… بين مطرقة القوانين وسندان ضبط المخالفين، مقال منشور بموقع بلادنا 24، 13 يونيو2022، ص: 2 (بتصرف) .

[9] - راجع: بشير معمرية: الغش في الامتحانات المدرسية – دراسة تحليلية بعدية لمجموعة من الدراسات في المفاهيم والإجراءات المنهجية والنتائج، م.س، ص: 09 وما بعدها.

[10]-للتوسع أكثر أنظر، ياسين الكعيوش:  قراءة  قانونية  وتربوية لآفة الغش في الامتحانات، مقال منشور في صحيفة بريس، تاريخ زيارة 08-06-2023، الساعة:00:22، ص:6

من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد السابع عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث