الهجرة غير المشروعة


الهجرة غير المشروعة

المركز المغربي للدراسات والأبحاث حول المهن القضائية والقانونية

9anonak
L'immigration clandestine


الهجرة غير المشروعة
المركز المغربي للدراسات والأبحاث حول المهن القضائية والقانونية
مقدمة:
شكلت الهجرة إحدى الظواهر البارزة التي عرفتها الإنسانية منذ القدم، فبدافع الحصول على الرزق والبحث عن سبل العيش أحيانا، وتحت إكراه الحروب والصراعات القبلية أحيانا أخرى قام أفراد الجماعة بتغيير مستقرهم.
ولقد أصبحت الهجرة اليوم تتخذ  أبعادا أخرى يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي والاجتماعي والأمني...، الأمر الذي تطلب وجود إجراءات قانونية تواكب هذا التطور.
وقد عمل المنتظم الدولي على تقنين هذه الظاهرة، ومن بين الاتفاقيات الصادرة في هذا الشأن، الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين التي صدرت في 18 دجنبر 1990.
وعلى صعيد التشريعات المقارنة فقد عملت دول حوض البحر الأبيض المتوسط وخصوصا بلجيكا وفرنسا وإسبانيا على وضع تشريعات حديثة تهدف في جوهرها إلى التعامل مع مسألة الهجرة غير المشروعة بنوع من الصرامة والحزم.
والمغرب وبدوره لم يكن بمعزل عن هذه الحركية التشريعية، فأصدر أول تشريع في هذا الصدد بظهير 8/11/1949 الذي يعود لمرحلة الحماية، إلا أن هذا الأخير لم يعد يساير التطورات المرحلية التي عرفها ميدان الهجرة غير المشروعة، لهذا تم إصدار قانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة، والذي هدف[1] إلى توحيد النصوص التشريعية وتحيينها مع المستجدات الطارئة في هذا الميدان، ثم ملائمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالهجرة، دون أن ننسى هاجس الوفاء بالالتزامات تجاه الشركاء الأساسيين للمغرب.
ولا شك أن تناول هذا القانون بالدرس والتحليل أمر مهم للغاية، ذلك أن الأمر يتعلق بظاهرة الهجرة غير المشروعة التي اختلفت الآراء حولها، وتجاوزت المقاربة القانونية للموضوع.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد يتعلق بالكيفية التي تعامل بها المشرع المغربي مع ظاهرة الهجرة غير المشروعة؟
وبذلك ارتأينا أن يكون التصميم على النحو التالي:
المبحث الأول: ماهية الهجرة غير المشروعة وموقف التشريع الدولي منها.
المبحث الثاني: الهجرة غير المشروعة في التشريع المغربي.

المبحث الأول: ماهية الهجرة غير المشروعة وموقف التشريع
                 الدولي منها

       سيتم التطرق في هذا المبحث لتعريف الهجرة غير المشروعة وتمييزها عن باقي المفاهيم المشابهة، (مطلب أول). ثم للهجرة غير المشروعة على المستوى الدولي (مطلب ثاني).
المطلب الأول: تعريف الهجرة غير المشروعة وتمييزها
                    على باقي المفاهيم المشابهة
   الفقرة الأولى: تعريف الهجرة الغير مشروعة
إن أهم ما يلفت النظر في السنين الأخيرة، هو أن عالمنا المعاصر الذي يعيش تحولات عميقة ومتسارعة تتغير في مجراها كل التصورات والمفاهيم والأنساق المألوفة، وتنهار تحت إكراهاتها كل القيم المأثورة، يعرف تناميا من الجنوب إلى الشمال بحيث أضحت تشبه انفجارات محدثة تفاعلات اقتصادية وسياسية وثقافية لا تتوقف[2].
وقد ساهمت الظروف الاقتصادية الصعبة في تحريك المهاجرين نحو البحث عن ظروف ملائمة.
أما بالنسبة للمغرب وخصوصا بعد الاستقلال فقد أخذت هجرة المغاربة منحى جديدا إلى فرنسا وباقي أقطار أوربا للعمل بالإضافة إلى هجرة الطلاب سعيا في سبيل تحصيل المؤهلات العلمية، ثم ازدادت العوامل الباعثة عليها البطالة والتطلع إلى تحسين الأوضاع المادية، ومن الطبيعي أن تصاحب هذه الموجات القوية إلى غصت بها الدول الأوربية المستقبلة تدابير سياسية وقانونية تحد من تدفق المهاجرين، لذلك أصبحت مشاكل الهجرة والمهاجرين، في طليعة الانشغالات الأمنية لدى الحكومات الأوربية، ولم تعد الهجرة تثير فقط العنصرية والكراهية ضد المهاجرين وإنما أصبحت تثير المخاوف من تفاقم مشاكلها خاصة بعد أحاث الحادي عشر من شتنبر 2001.
ولتطويق تدفق المهاجرين قامت دول أوربا بسن ترسانة قانونية وجندت الطاقات لإغلاق الحدود بعد توقيع اتفاقية شنغن ومعاهدة ماسترخيت حيث تم تطبيق نظام التأشيرة ومراقبة صارمة للحدود الجنوبية، فظهرت الهجرة السرية كوسيلة للوصول إلى أوربا.
وتجد ظاهرة الهجرة السرية التي يتسبب فيها عدة عوامل اجتماعية واقتصادية التشجيع والسند في وجود شبكات التهريب والتزوير المنظمة والتي تتحكم فيها العصابات الإجرامية.
فالهجرة السرية أو كما ألفها المقاربة بتسمية "الحريك" هي عملية عبور سرية من بلد لآخر تفتقد الشرعية القانونية، تمليها الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في الغالب، ويهدف من خلالها المهاجر تحقيق الرخاء المادي بالأساس.
وأبرز ما يميز الهجرة الغير المشروعة هجرة الراشدين والقاصرين المغاربة إلى إسبانيا لتطفي بعدا مأساويا جديدا على هذه الظاهرة التي هي بكل تأكيد تجسيد للتطور اللامتكافئ بين الشمال والجنوب.
فالهجرة في اللغة تعني: الخروج من أرض إلى أخرى وكل مخلٍّ بمسكنه منتقل إلى قوم آخرين بسكناه فقد هاجر قومه، ويسمى المهاجرون مهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشئوا بها.
ويعبر عن الشخص الذي يقوم بالهجرة "مهاجر" وكلمة مهاجر في اللغة الفصحى تطلق على الوافد على البلاد والنازح منها على حد سواء.
والهجرة الغير مشروعة تعني هروب المواطن من وطنه وذلك بطريقة لا يسمح بها البلد الموجه إليه حسب قانونه الموضوع لدخوله بهذا المعنى نقول الهجرة السرية، والهجرة الغير قانونية والهجرة الغير شرعية، والهجرة النظامية ويقبل الهجرة غير مشروعة حاليا الهجرة القانونية أو الهجرة الشرعية أو بالهجرة النظامية وهي هجرة بصفة قانونية طبقا لقوانين الهجرة في البلدين المهاجر منه، والمهاجر إليه عن طريق قنوات العبور، ميناء أو مطارا أو بواسطة أوراق قانونية من جواز سفر أو تأشيرة.
فقد عرف المشرع المغربي الهجرة الغير مشروعة في المادة 50 من ظهير 11 نونبر 2003 بأنها مغادرة التراب الوطني من طرف أي شخص بصفة سرية وذلك باستعماله أثناء اجتياز الحدود البرية أو البحرية أو الجوية، وسيلة احتيالية للتملص من تقديم الوثائق الرسمية اللازمة أو من القيام بالإجراءات التي توجهها القوانين والأنظمة المعمول بها أو باستعماله وسائل مزورة أو بانتحاله أسماء، وكذا كل شخص تسلل إلى التراب الوطني أو غادره من منافذ أو غير أماكن غير مراكز الحدود المعدة خصيصا لذلك.
ومن هنا يتضح أن الهجرة الغير مشروعة تتميز بما يلي:
1-مغادرة التراب الوطني من طرف المواطن أو الأجنبي أو عديم الجنسية بصفة سرية.
2-استعمال الشخص أثناء اجتياز الحدود الجوية أو البحرية أو البرية لوسيلة احتيالية بقصد التملص من تقديم المستندات الرسمية.
3-استعمال وسائل احتيالية للتملص من القيام بالإجراءات التي توجهها القوانين والأنظمة المعمول بها.
4-استعمال وسائل مزورة وانتحال أسماء.
5-التسلل إلى التراب الوطني، أو مغادرته من منافذ أو عبر أماكن غير مراكز الحدود المعدة خصيصا لذلك.
×العوامل المساعدة على الهجرة الغير المشروعة:
العوامل الاقتصادية: يتخبط الاقتصاد لوطني المغربي في العديد من الأزمات والتي ترجح إما للإرث الاستعماري الذي أخل بنمط الإنتاج والتوازنات التجارية أو للنهج السياسي الذي اتبعته الحكومات المتوالية منذ الاستقلال وكلها سياسات أبانت عن فشلها ولم ترق بالمغرب إلى ما كان يطمح إليه.
العوامل الاجتماعية: انعكست الأوضاع الاقتصادية المتدهورة على الوضعية الاجتماعية وأثرت فيها فضعف إيرادات الاقتصاد كانت له آثار وخيمة على تغطيه الحاجات المتزايدة للمواطنين، غلاء المعيشة، وهزالة الأجور.. إضافة إلى ما وصل إليه سوق العمل الداخلي من اكتضاض في اليد العاملة نتيجة الانفجار الديموغرافي فأصبح المجتمع المغربي يتميز بالفقر والأمية إضافة إلى البطالة التي تشكل أزمة حقيقية ومعضلة اجتماعية كبرى طالت كل فئات المجتمع.
العامل الجغرافي: أصبح المغرب نظرا لموقعه الجغرافي الاستراتيجي، باعتبار حلقة الوصل بين القارتين الإفريقية والأوروبية ونظرا للعوامل التاريخية السياسية والاقتصادية الوطيدة والمتميزة مع الدول الأوروبية والإفريقية نقطة عبور لمواطني دول جنوب الصحراء، وهو ما جعل المغرب في وضعية صعبة لكونه أصبح بلد استقبال للمهاجرين السريين الوافدين من إفريقيا وما ينجم عن دخولهم التراب الوطني من مشاكل إنسانية وأمنية واقتصادية.
هذا دون إغفال العوامل المساعدة على الهجرة غير مشروعة:
-انتشار شبكات التهجير.
-عودة العمال المغاربة في الصيف.
-وجود طلب متزايد على اليد العاملة.
وكذا وجود عوامل ظرفية.
-الفشل الدراسي.
-التفكك العائلي.
-انتشار أطفال الشوارع.
الفقرة الثانية: تمييز الهجرة غير مشروعة عن بعض المفاهيم المشابهة
أ-تمييز الهجرة غير المشروعة عن اللجوء السياسي:
لم يعرف المشرع المغربي اللجوء السياسي، وإنما اكتفى في الفصل الثاني من المرسوم رقم 1256-57-2، بالإحالة على الفصل الأول من اتفاقية جنيف الصادرة سنة 1951، فقد جاء في الفقرة الأولى من الفصل الثاني من المرسوم المذكور ما يلي:
"يعترف بصفة لاجئ لكل شخص يرجع أمره إلى اختصاص المندوب السامي لهيئة الأمم المتحدة، فيما يخص اللاجئين، أو لكل شخص تجري على مقتضيات الفصل الأول من اتفاقية جنيف المؤرخة في 28 يوليوز 1951...".
وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من المقطع (أ) من الفصل الأول من الاتفاقية المذكورة نجده ينص على ما يلي:
"تطلق كلمة لاجئ في سياق هذه الاتفاقية على كل ما يأتي ذكره:
كل شخص موجود خارج البلاد المنتمي إلى جنسيتها إثر الحوادث التي وقعت قبل فاتح يناير 1951 وكان من حقه أن يخاف من الاضطهاد إما بسبب جنسيته، أو بسبب الهيئة الاجتماعية المنخرط فيها، أو بسبب أفكاره السياسية، فلم يقدر حينئذ على الإعلان بأنه تحت حماية تلك البلاد نظرا لما يخالجه من الخوف المذكور.
وكذلك كل شخص ليست له جنسيته، ووجه الحال إثر الحوادث المذكورة خارج البلاد الكائن فيها مقامه العادي، فلم يتمكن من العودة إلى هذه البلاد، أو لم يرد الرجوع إليها بسبب الخوف المستحوذ عليه".
غير أن البروتوكول المتعلق بالنظام الأساسي للاجئين، المبرم بنيويورك يوم 21 يناير 1967، مدد أحكام اتفاقية جنيف على جميع اللاجئين الذي لم يشملهم التعريف المبين في الاتفاقية دون اعتبار للتاريخ الأقصى المحدد في فاتح يناير 1951 [3].
وبمقارنة هذا التعريف بالتعريف الذي أورده المشرع المغربي لجريمة الهجرة الغير مشروعة، يتضح أن الفرق بينهما هو كون اللجوء السياسي هو وضعية الشخص الذي يلجأ إلى دولة أجنبية بقصد الإقامة بها، طالما حمايتها نتيجة خوفه من التعرض إلى الأذى بسبب أفكاره أو انتمائه السياسي، فاللجوء السياسي إذن هو نوع من الهجرة المشروعة التي أملتها أسباب سياسية.
ب-تمييز الهجرة غير مشروعة عن جريمة الاتجار بالأشخاص:
في نونبر 2000 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة معاهدة دولية جديدة تتعلق بالاتجار في الأشخاص، والواقع أن هذه المعاهدة تأتي ضمن مجموعة من الصكوك القانونية التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة في إطار التصدي لتفاقم مشكلة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية. أما الوثيقة الأم التي انبثقت عنها هذه المعاهدة "فهي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية" التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نونبر 2000.
وقد عرفت المادة 3 من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وخاصة النساء والأطفال الاتجار بالأشخاص بأنه "... تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال ويشمل الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستبعاد أو نزع الأعضاء.
من خلال هذا التعريف يتضح أن الفرق بين "الاتجار" في الأشخاص و"تهريبهم" أن هذا الأخير يكون دائما طلبا للربح، وإذا سارت الأمور على ما يرام، تنتهي علاقة المهاجرين بمهربيهم في البلد المقصود، أما الاتجار بالبشر فهو على النقيض من التهريب، يعتمد على الخداع أو الإكراه، ويجري بدافع استغلال، إذ لا يتحقق الربح هنا من عملية نقل الأشخاص في حد ذاتها، وإنما من بيع ما يقدمونه من خدمات جنسية أو أعمال في البلد المقصود، والملاحظ أن معظم الأشخاص الذي يتم تهريبهم من الرجال في حين أن معظم ضحايا الاتجار بالبشر هم من الأطفال والنساء[4].
المطلب الثاني: الهجرة غير المشروعة على المستوى الدولي
   الفقرة الأولى: مدى ملائمة قانون 03-02 للاتفاقيات الدولية
إن دراسة موقف الاتفاقيات الدولية في هذا الموضوع أمرا لا يخلو من أهمية تذكر، خصوصا وأن المادة الأولى من قانون 03-02 أشارت إلى الموضوع، حيث نصت على أنه: "يخضع دخول الأجانب إلى المملكة المغربية وإقامتهم بها لأحكام هذا القانون مع مراعاة مفعول الاتفاقيات الدولية المنشورة بصفة رسمية".
فواضح إذن من خلال هذه المادة أنها أشارت للاتفاقيات الدولية إلا أن ما يلاحظ في هذا الصدد، أن هذه الإحالة جاءت مطلقة ولم تحدد بشكل واضح هذه الاتفاقيات.
وعموما يمكن القول أن لفظ المادة الأولى أتى شاملا لمجموع المواثيق الدولية العامة سواء كانت متعلقة بحقوق الإنسان بوجه عام (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين)، أو تلك المتعلقة بالموضوع بشكل خاص بما فيها الاتفاقيات الثنائية.
ومن جانب آخر فالموضوع، يحتفظ براهنيته[5]، على اعتبار أن مسألة سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة في الجريدة الرسمية، أمر لم يتم الحسم فيه في التشريع المغربي، إذ لا زال هناك تأرجح في الموضوع، مما يتطلب إما تعديلا دستوريا ينص على سمو الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي في حالة التعارض، أو تواتر الاجتهاد القضائي في إعطاء الأولية لتلك الاتفاقيات.
وقد انكبت جهود المنتظم الدولي، على التفكير في محاولة إيجاد تدابير قانونية لحماية حقوق المهاجرين، وهو ما تم التنصيص عليه في العديد من المواثيق الدولية والإعلانات الدولية، بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948، حيث ضمنت مادته 13 لكل فرد الحق في حرية التنقل، والحق في مغادرة بلد والعودة إليه، ومرورا بالعهدين الدوليين لسنة 1966 وتصريح ستراسبورغ الصادر بتاريخ 26 نونبر 1986، انتهاءا بالاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
ويعتبر القاسم المشترك بين هذه الاتفاقيات هو هاجس تحقيق مجموعة من الأهداف، تتمثل بالأساس في الحق في حرية التنقل والتجول، والحق في اللجوء إلى القضاء، بالنسبة للأشخاص الموجودين في وضعية سليمة أو نظامية، والحماية...
وقد صادق المغرب على الاتفاقية الدولية لحماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم بتاريخ 14 فبراير 1993، وقد أكدت هذه الأخيرة في مادتها الخامسة أن العمال المهاجرين وأفراد أسرهم إما أن يكونوا في وضع نظامي أو غير نظامي، واعتبرت أن المشاكل الإنسانية التي تنطوي عليها الهجرة تكون أجسم في حالة الهجرة غير المشروعة أو غير النظامية، ولهذا شجعت التعاون بين الدول المصدرة والدول المستقبلة للمهاجرين على تكثيف الجهود من أجل القضاء على ظاهرة الهجرة السرية، من خلال إبراز خطورة ومعاناة المهاجرين، ومتابعة شبكات الهجرة وتشديد العقوبات.
وخلال ما سبق يتضح أن المشرع المغربي استلهم هذه المبادئ الكونية في معالجته لظاهرة الهجرة غير المشروعة بتنصيصه في المادة الأولى على مراعاة المواثيق الصادرة في هذا الشأن وكذلك بتأثره بالمبادئ الأساسية لمعاملة الأجانب في تلك المواثيق، شأنه في ذلك شأن باقي التشريعات المقارنة الأخرى والتي نهل كذلك منها ولاسيما التشريع الفرنسي.
الفقرة الثانية: مقاربة التشريع المقارن للهجرة غير المشروعة
رسمت دول الاتحاد الأوروبي سياسة مشتركة تهدف إلى التحكم في ظاهرة الهجرة غير المشروعة، ومحاربتها، وسنقصر في هذا الصدد على كل من القانونين الإسباني والفرنسي.
أولا: القانون الإسباني:
تحكمت في إصدار قانون رقم 14/03 الصادر بتاريخ 20/11/2003 المتعلق بحقوق وحريات الأجانب بإسبانيا وإدماجهم في المجتمع عدة اعتبارات يمكن إجمالها في الآتي:
-اعتبار إسبانيا بلدا مستقبلا للهجرة.
-توجيهات اجتماع "كامب بيري" المتعلقة بخلق فضاء الحرية والأمن والعدالة واحترام حرية الأجانب وحقوقهم وإدماجهم في المجتمع.
-الاستجابة للاتفاقيات المصادق عليها من طرف دول مجلس أوروبا واتفاقية (شنكن) حول مسطرة الدخول وطلبات التأشيرة وتسوية إقامة الأجانب ومسؤولية الناقلين والعقوبات المفروضة.
-الاستجابة للأسئلة المتعلقة بظاهرة الهجرة وتناميها.
ومن بين الأهداف[6] المتوخاة من القانون الإسباني للهجرة يمكن ذكر:
1-تسهيل الإجراءات القانونية والإدارية لوضعية الأجانب وتحديد أنواع التأشيرات.
2-تقوية أجهزة العقاب لمحاربة الظاهرة وتقوية التعامل مع شركات النقل لتكون عالمة بالأشخاص المنقولين للتراب الإسباني بهدف تأمين النقل الدولي والجوي...
وعموما فإن القانون الإسباني يتألف من سبعين فصلا يحتويها باب تمهيدي، وأربعة أبواب أخرى، ويتضمن الباب الأول النص على مجموعة من الحقوق التي يجعلها التشريع الإسباني لمجموع المهاجرين فوق التراب الإسباني، أما الباب الثاني فقد تضمنت الفقرة الأولى منه تنظيم قواعد دخول ومغادرة الترب الإسباني.
أما الباب الثالث فجاء متضمنا لكافة الجرائم والمخالفات في مادة الهجرة، وكذا العقوبات المقررة لها، واعتمد المشرع الإسباني منهجية متميزة في تعداده لهذه الجرائم، إذ ميز بين ثلاث طبقات هي: المخالفات البسيطة والمخالفات الجسيمة والمخالفات الجسيمة جدا[7].
بالنسبة للمخالفات البسيطة: فقد نص عليها المشرع الإسباني في الفصل 52 من القانون المذكور، مثل؛ التأخير أو عدم إشعار السلطات الإسبانية بالمتغيرات الطارئة على الجنسية والحالة المدنية ومحل إقامة الأجنبي، وكذا كل المعطيات الأخرى المرتبطة بظروف الشغل عندما يكون مطالبا بذلك.
+القيام بعمل في إسبانيا بدون طلب رخصة إدارية للعمل في الحالة التي تكون رخصة الإقامة مؤقتة.
بالنسبة للمخالفات الجسيمة وهي: تلك المشار إليها في المادة 53 من نفس القانون، ومثالها: التواجد بصفة قانونية فوق التراب الإسباني لعدم التوفر على رخص الإقامة الضرورية أو باستمرار الإقامة رغم انتهاء مدة الرخصة.
+الاشتغال بإسبانيا بعد انتهاء رخص الإقامة.
+الخروج من إسبانيا من غير الأماكن المحددة لهذا الغرض دون الإدلاء بالوثائق اللازمة.
أما بالنسبة للمخالفات الجسيمة جدا، فقد إشارة لها المادة 54 من نفس القانون، وتتمثل في فعل المشاركة في نشاطات تمس الأمن الخارجي للدولة.
+التورط في أعمال ماسة بالأمن العام.
+التعاقد مع عمال أجانب للعمل بإسبانيا دون التوفر على رخص بذلك... والملاحظ في هذا الشأن أن المشرع الإسباني اكتفى بالمعاقبة على هذه الجرائم بعقوبات مالية[8].
ويعتبر قانون الهجرة الإسباني الجديد حسب جمعيات المهاجرين أكثر قسوة وأقل إنسانية، فالتطورات التي عرفتها أوروبا، وتوسيع الاتحاد الأوروبي، والمصادقة على معاهدة " تشينغن" جعلت من إسبانيا "كلب حراسة" للاتحاد الأوربي، حسب تعبير ضابط إسباني في مدينة مليلية المحتلة[9].
بذلك يمكن القول أن إسبانيا لجأت إلى اختيار سياسة عنصرية وإقصائية في حق المهاجرين على أرضها، والتضييق على حقوقهم لتتحول إسبانيا حسب الكاتب الإسباني خوان خوتيسولو إلى أشد المناطق الأوروبية قسوة على الأجنبي.
ثانيا: القانون الفرنسي
تعتبر فرنسا من بين الدول السابقة إلى إصدار قانون يتعلق بالهجرة، فكان أول قانون صادر في الموضوع هو قرار 2 نوفمبر 1945 والذي ظل إلى حدود الآن الإطار العام، على الرغم من التعديلات التي طرأت عليه والتي شكلت 25 تعديلا آخرها قانون "باسكوا" الصادر في 24 غشت 1994، والذي سجل تراجعات خطيرة عن المكتسبات التي تحققت[10] بموجب النصوص القديمة.
لقد جاء هذا القانون متضمنا لـ45 فصلا، و9 أبواب تتعلق بشروط دخول وإقامة الأجانب بفرنسا، وأضاف الأجانب المخول لهم الإقامة، والعقوبات الخاصة بالمقيمين غير الشرعيين، ومساعديهم ثم بعض المقتضيات الأخرى الخاصة بقواعد التجمع العائلي ومساطر البت في طلبات اللجوء السياسي.
وينص الفصل الأول من القرار السابق ذكره، على أنه يعتبر أجنبيا في تطبيق مقتضيات قرار 1945 كل شخص غير حامل للجنسية الفرنسية أيا كانت جنسيته أو لم يكن حاملا لأي جنسية، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضعيات الخاصة في هذا الموضوع، وتعاقب المادة 19 كل مهاجر سري تسلل إلى التراب الفرنسي أو أقام فيه دون الخضوع للإجراءات والضوابط المقررة في هذا الباب، بالحبس مدة سنة وغرامة قدرها 25 فرنك فرنسي، كما يمكن للمحكمة أن تقرر في حق المهاجر السري منعه من دخول التراب الفرنسي، لمدة أقصاها ثلاث سنوات، وبعد انقضاء مدة العقوبة الحبسية يتم وجوبا اقتياد المهاجر السري إلى الحدود علما بأن هذه العقوبة لا تطال بعض فئات المهاجرين المنصوص عليهم في الفصل 25.
ويمكن أن تضاف إلى عقوبتي الحبس والغرامة أيضا بعض التدابير الإضافية كـ:الاقتياد إلى الحدود والطرد، والمنع القضائي من التراب...
أما بالنسبة لأعمال التسهيل والمساعدة والتشجيع على الدخول والإقامة غير القانونية للأجانب، فإن المشرع الفرنسي قد مال إلى التشديد في عقابها، وجعل العقوبات تصل بشأنها إلى خمس سنوات سجنا وغرامة 200.000 فرانك، فضلا عن بعض التدابير الوقائية الأخرى كـ:المنع من الإقامة، وسحب رخص السياقة، والنقل بالنسبة للناقلين...[11].
وبإجراء مقارنة بسيطة بين القانون الفرنسي والمغربي نلاحظ أن هذا الأخير تأثر بالأول بشكل كبير.
بحيث أن بعض المواد جاءت مطابقة لما ورد في القانون الفرنسي مثل المادة 4 التي تنص على أنه يتعين رفض دخول الأجنبي إذا كان وجوده قد يشكل تهديد للنظام العام، وهي نفس الصيغة التي استعملها المشرع الفرنسي.
إلا أنه بالرجوع إلى القانون المقارن فلا نجد هناك نص شبيه بالنص المادة 50 من قانون الهجرة غير المشروعة المغربي والذي يتعلق بمغادرة مواطنيه دون التقيد بالإجراءات الإدارية، فالمشرع المغربي على غرار نظيره التونسي في المادة 38 من قانون 2004 يجرم حتى الإنسان الذي يغادر خلسة، وهذا يعتبر تعسفا في استعمال سلطة العقاب، لأن هذا الأمر له علاقة بالحرية في التنقل المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[12].
المبحث الثاني: الهجرة غير المشروعة في التشريع المغربي
من خلال قراءتنا للقانون رقم 03-02 المتعلق بالهجرة غير المشروعة[13]، نلاحظ أن المشرع المغربي من خلال هذا القانون، قد أحاط هذه الجريمة بمجموعة من الخصوصيات سنحاول إبرازها في هذا المبحث من خلال التطرق لأركان هذه الجريمة في المطلب الأول ثم الانتقال إلى العقاب عليها في مطلب ثان.
المطلب الأول: أركان جريمة الهجرة غير المشروعة
يعتبر القانون رقم 03-02 الأساس القانوني الذي بموجبه تم تجريم الهجرة السرية والعقاب عليها، لهذا فمن الأجدر القيام بتصنيف الأفعال التي تشكل كل من الركن المادي والمعنوي لهذه الجريمة مع إبراز عناصر كل ركن على حدة.
الفقرة الأولى: الركن المادي لجريمة الهجرة غير المشروعة
إن القانون الجنائي المغربي لا يعاقب على مجرد النوايا والأفكار، وإنما يجب بلورتها في صورة أفعال تحدث تأثيرا على المجتمع وتوقع به اضطرابا اجتماعيا.
وإبراز الركن المادي لهذه الجريمة يستدعي الوقوف عن الأفعال التي جعلها المشرع مجرمة في إطار جريمة الهجرة غير المشروعة على الشكل التالي:
أولا: المغادرة غير القانونية للتراب المغربي
باستقرائنا للمادة 50 من القانون رقم 02.03 في شقه المتعلق بالهجرة غير المشروعة، نجد هذه المادة تنص على أن كل شخص غادر التراب المغربي بصفة سرية، وذلك باستعماله أثناء اجتياز أحد مراكز الحدود البرية أو البحرية أو الجوية وسيلة احتيالية للتملص من تقديم الوثائق الرسمية اللازمة أو من القيام بالإجراءات التي توجبها القوانين لتملص من تقديم الوثائق الرسمية اللازمة أو من القيام بالإجراءات التي توجبها القوانين، والأنظمة المعمول بها أو باستعماله وثائق مزورة أو بانتحاله إسما، وكذا كل شخص تسلل إلى التراب المغربي أو غادره من منافذ أو غير أماكن الحدود المعدة خصيصا لذلك.
ومن هنا فإن تحقق الركن المادي لجريمة الهجرة غير المشروعة يقوم بمجرد ثبوت أن مغادرة التراب الوطني تمت بصفة سرية وغير قانونية من غير المراكز المحددة لذلك بصفة قانونية.
وبالتالي فالنتيجة القانونية في جريمة الهجرة غير المشروعة تتحقق بتجاوز الشخص للبينات القانونية والإدارية والتواجد خارج المجال الذي تمارس عليه الدولة المغربية سيادتها القانونية، إذن فهو الإخلال بنظام الهجرة الموضوعة قواعدها من طرف المشرع المغربي.
وجدير بالذكر على أن مجرد المحاولة أو البدء في التنفيذ في المغادرة لا يشكل الحق في المتابعة والعقاب على هذه الجريمة، بل لابد من اكتمال فعل المغادرة وتجاوز التراب الوطني والتواجد خارجه، إذن فالتواجد بالمياه الإقليمية المغربية التي تمتد 12 ميلا (من الخطوط الأساس) لا تتحقق فيها النتيجة الإجرامية، لكن خارج هذه المنطقة يكون المهاجرون قد غادروا منطقة السيادة المغربية وتتحقق بالتالي الجريمة.
ثانيا: تنظيم وتسهيل الهجرة غير المشروعة
فيما يخص تنظيم وتسهيل الهجرة غير المشروعة وبالرجوع إلى المواد 50، 51 و52 من القانون رقم 03-02 المتعلق بالهجرة غير المشروعة يتبين لنا أن المشرع المغربي عاقب الأشخاص الذين يقومون بمساعدة المهاجرين السريين الذين يغادرون المغرب بطريقة غير قانونية، عبر مختلف الوسائل عن طريق تقديم عون أو مساعدة لارتكاب هاته الأفعال المشار إليها في المادة 50، من طرف من يضطلع بمهمة المراقبة أو العاملين في النقل أو تنظيم أو تسهيل دخول أو خروج أشخاص بصفة سرية من أو إلى المغرب بالوسائل المشار إليها في المادتين 50 و51 ولاسيما نقلهم.
ولقد استقر العمل القضائي بمحكمة الاستئناف بطنجة على اعتبار جميع أشكال مد العون للمرشحين للهجرة غير المشروعة كتزويدهم بالمؤونة وقيادتهم إلى مكان انطلاق رحلات الهجرة السرية، وشحن القارب المطاطي بالهواء والعمل لفائدة منظمي الهجرة غير المشروعة[14].
من أشكال المساعدة وأيضا التوسط بين المرشحين للهجرة غير المشروعة والأشخاص الذين يقومون إما بتزوير الوثائق وإعداد الأختام والأوراق المستعملة في الهجرة غير القانونية[15]، وكذلك الاتفاق على استعمال قوارب في ملك شخص آخر لتنفيذ عمليات الهجرة غير القانونية والقيام بجلب المرشحين، وجمعهم في محلات مخصصة لذلك وشراء لوازم الرحلات مقابل مبالغ مالية[16].
ونستنتج من كل هذه الأحكام على أن الأفعال التي تدخل في إطار المساعدة على جريمة الهجرة غير المشروعة تتمثل في المساعدة والإعانة والتسهيل وتقديم مختلف الوسائل لمغادرة التراب الوطني بطريقة غير مشروعة طبعا.
والمصطلح الذي تم اعتماده بكثرة في هذا المجال هو التنظيم وهو ذلك الفعل الذي يفترض الاعتياد والتكرار عن طريق إعداد مخطط للوسائل والأشخاص من أجل تنفيذ مهمة محددة وبذل كل ما هو ضروري لإنجاحها.
الفقرة الثانية: الركن المعنوي لجريمة الهجرة غير المشروعة
كما قلنا سابقا فإن النتيجة الإجرامية لا تتحقق إلا بتحقق فعل المغادرة الفعلية للتراب المغربي عن إرادة وطواعية واختيار، وهذا ما يفترض في كافة الأحوال لأن الشخص عندما يقوم بتجاوز العوائق والحواجز الأمنية والحدودية بطريقة غير قانونية ويقوم كذلك بإعطاء الأموال لشبكات التهريب والهجرة وما إلى ذلك -فإنه من باب الاستحالة عدم علمه بذلك- فإنه في كل هذه الحالات لا تتم إلا عن علم وإدراك، إذن فالركن المعنوي والقصد الجنائي في جريمة الهجرة غير المشروعة شرط مشترط لأن العلم والإدراك شرطان أساسيان فيها.
لكن الإشكالية القانونية الأساسية التي تطرح بشدة في نطاق الركن المعنوي للعقاب على الهجرة السرية هي المسألة المتعلقة بالهجرة التي يقوم بها القاصرون لأنهم يعتبرون ضحية لواقع المجتمع الذي يعيشون فيه، ويعانون في ظله من مشاكل مختلفة ومن الحلم بأمل الوصول إلى فردوس الضفة الأخرى. كل هذا يجعلهم ضحية شبكات الهجرة السرية ورحلاتهم التي ينتهي بها الأمر غرقا في أعالي البحار.
لا يفوتنا التذكير بالركن المعنوي في جريمة المساعدة، فإنه بالرجوع إلى المادة 51 من القانون رقم 03-02 نجدها تنص على افتراض العمد في كل شخص قدم مساعدة أو عونا لارتكاب الأفعال المذكورة.
في المادة 50 إذا كان يضطلع بمهمة قيادة قوة عمومية أو إذا كان ينتمي إليها أو إذا كان مكلفا بمهمة المراقبة أو كان عاملا في النقل البري أو البحري أو الجوي أو في أي وسيلة أخرى، ونفس الأمر لكل من نظم أو سهل دخول أو خروج أشخاص مغاربة كانوا أو أجانب بصفة سرية إلى التراب المغربي.
ونفس الأمر بالنسبة للشخص المعنوي انطلاقا من المادة 54 فلا بد من تقصي عنصر العمد في ما يخص جريمة المساعدة لأن القصد الجنائي منها ينصرف إلى مخالفة القوانين وسلوك طرق غير قانونية في ذلك.
المطلب الثاني: عقاب الفاعل الأصلي والشريك في جريمة الهجرة
                      غير المشروعة ع
لقد خص القانون رقم 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة لعقوبة الهجرة غير المشروعة بابا مستقلا تحت عنوان أحكام زجرية تتعلق بالهجرة غير المشروعة، وذلك لما تكتسيه هذه الأخيرة من خطورة سواء  على المستوى  الاقتصادي أو الاجتماعي.
وتقترن الهجرة غير المشروعة حينما تكون موضوع متابعات جنائية أمام القضاء بجريمة المساعدة عليها والمشاركة في ذلك، والأصل أن المشارك يعاقب بنفس عقوبة الفاعل الأصلي، غير أن الأمر عكس ذلك في القانون الذي يتعلق بالهجرة غير المشروعة.
الفقرة الأولى: المشاركة في جريمة الهجرة غير المشروعة.
يعاقب المشرع في المادة 51 من قانون 03-02 كل شخص قدم مساعدة أو عونا لارتكاب الأفعال المذكورة في المادة 50 إذا كان يضطلع بمهمة قيادة قوة عمومية أو كان هذا الشخص من المسؤولين أو الأعوان أو المستخدمين العاملين في النقل البري أو البحري أو الجوي أو في أية وسيلة أخرى من وسائل النقل أيا كان الغرض من استعمال هذه الوسائل.
من خلال قراءة هذه المادة يتضح أن المشاركة تتحقق بمجرد حصول الفعل واكتماله وبروز آثاره دون الحاجة إلى تحقق جريمة الهجرة غير المشروعة نفسه أي مغادرة المهاجرين للتراب الوطني المغربي ودخولهم فعلا إلى المجال الإقليمي لدولة أخرى.
وبالرجوع إلى المادة 130 من القانون الجنائي نجدها تنص على أن المشارك يعاقب بنفس عقوبة الفاعل الأصلي، لكن الملاحظ في القانون 03-02 أنه يشدد العقوبة بالنسبة للمشارك، حيث تصل العقوبة من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة قدرها 50000 درهم و500000 درهم، في حين أن عقوبة الفاعل الأصلي هي الحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 3000 إلى 10000 درهم وهذا ما يمكن اعتباره خروج عن القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 130 من القانون الجنائي.
الفقرة الثانية: العقوبات الزجرية والمحكمة المختصة.
من المعلوم أن قيام الجريمة بجميع عناصرها يؤدي إلى توقيع العقاب بمرتكبها متى تثبت مسؤوليته عنها ما لم يتوفر على سبب يعفيه منها بحكم القانون. وهكذا فقد أفرد المشرع وذلك في المادة 50 عقوبة محددة ما بين 3000 و 10000 درهم والحبس من شهر إلى ستة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص غادر التراب المغربي وتسلل إليه من منفذ أو مركز حدودي بري أو بحري أو جوي أو مركز غير حدودي وذلك بوسائل احتيالية للتملص من الوثائق الرسمية اللازمة أو الإجراءات الإدارية التي يوليها القانون أو عبر انتحال إسم غير إسمه.
ويتضح جليا أن هذا الفصل يعمل على محاربة الهجرة غير المشروعة عن طريق معاقبة المرشحين بصفة مباشرة سواء منهم الداخلون إلى المغرب عبر الحدود أو الذين يغادرونه في اتجاه أوربا عن طريق البحر أو الجو.
ثم ينتقل المشرع في المادة 51 إلى طائفة أخرى من المخالفين لأحكام القانون رقم 03-02 ويتعلق الأمر بالأشخاص الذين يقدمون المساعدة والعون لارتكاب الأفعال المنصوص عليها في المادة 50، حيث رفع العقوبة إلى الحبس من سنين إلى خمس سنوات وغرامة ما بين 50000 و500000 درهم، والملاحظ أن هذه المادة  لم تجعل للقاضي الخيار في إصدار العقوبة المالية أو الحبسية بل ألزمته بالحكم بالعقوبتين معا[17].
أما بالنسبة للعود والذي يعد ظرفا عاما وجوبيا مشددا للعقوبة فمعلوم أنه يتحقق في حالة ارتكاب الفاعل جريمة بعد صدور حكم نهائي عليه في جريمة أخرى، ففي حالة توفر هذا الظرف شدد المشرع من العقوبة وجعلها تتراوح ما بين السجن من سنة إلى خمسة عشر سنة وغرامة من 500000 إلى 1000000 درهم وذلك حسب الفقرة الثانية من المادة 52، ونفس العقوبة تطبق على أعضاء كل عصابة منظمة معدة لهذا الغرض.
كما تطبق العقوبات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 294 من القانون الجنائي[18] على المسيرين من أعضاء العصابة أو الاتفاق وعلى الأشخاص الذين مارسوا أو يمارسون فيها مهمة قيادية كيفما كانت حيث يعاقبون بالسجن من 10 إلى 20 سنة وإذا نتج عن نقل الأشخاص بصفة سرية عجز لهؤلاء تكون العقوبة هي السجن من 15 إلى 20 سنة وفي حالة الوفاة تكون هي السجن المؤبد.
وفي حالة الحكم بالإدانة فإنه حسب المادة 53، المحكمة تأمر بمصادرة وسائل النقل المستعملة في ارتكاب الجريمة سواء كانت هذه الوسائل تستعمل للنقل الخاص أو العام أو للكراء شريطة أن تكون في ملكية في ملكية مرتكبي الجريمة وشركائهم أو في ملكية أعضاء العصابة الإجرامية ولو لم يشاركوا فيها، أو تكون في ملكية أحد الأغيار مع توفر عنصر العام بالجريمة لديه. ويمكن للمحكمة أن تأمر بنشر مقتطف من قرار الإدانة بثلاث جرائد وطنية تحددها، كما يمكن أن تأمر بتعليق هذا القرار على نفقة المحكوم عليه.أما بالنسبة للاختصاص فالمادة 56 جاءت صريحة حيث أسندت الاختصاص للقضاء المغربي للنظر في هذه الجرائم ولو ارتكب بالخارج كليا أو جزئيا. كما يختص أيضا بمحاكمة أفعال المشاركة أو الإخفاء ولو ارتكب بالخارج من طرف أشخاص غير مغاربة[19].
خاتمة
سنحاول أن تكون عبارة عن قراءة في قانون الهجرة غير المشروعة، ومع مدى ملائمته مع الأهداف التي جاء من أجلها، وذلك كالآتي: المادة 50 = سوف نرصد أربع ملاحظات على هذه المادة كالآتي:
الملاحظة الأولى: فيما يتعلق بالعقوبة المشار إليها في هذه المادة فقد تراوحت بين الغرامة والحبس دون إغفال المقتضيات المنصوص عليها في القانون الجنائي، والسؤال المثار يرتبط بالحالة الأخيرة فالمشرع استعمل العبارة الآتية في المادة السالفة الذكر، "دون الإخلال بأحكام القانون الجنائي" بشكل فضفاض وغامض، فما هي الأحكام المقصودة هنا؟ من جملة المواد المحال عليها المادة 360 و361 من القانون الجنائي، ومن شأن ذلك أن يضعف من الضمانات الأساسية لحماية الأفراد ويشكل مصادرة لحقوقهم، فالوصف هنا غير دقيق "الإحالة" الأمر الذي يفتح الباب أمام كل تأويل، وهذا ما يتعارض حتى مع طبيعة القواعد الجنائية التي يجب أن تتميز بالدقة والوضوح.
الملاحظة الثانية: "كل شخص تسلل إلى التراب المغرب"... الملاحظ أن هناك تعسف في العقاب في هذه الصورة، وعدم الوضوح، فقد استعملت عبارة التسلل دون تحديد طبيعة هذا الفعل وظروفه...
الملاحظة الثالثة: وترتبط بفعل "مغادرة التراب المغربي هذا منافذ أو عبر أماكن عبر مراكز الحدود المعدة خصيصا لذلك"، فالأمر هنا لا يتعلق إلا بمجرد مخالفة للإجراءات الإدارية ولا يتعدى إلى مسألة وصفه بجريمة الهجرة غير المشروعة.
الملاحظة الرابعة: لم يحدد المشرع المقصود بعبارة "الوثائق الرسمية...":
المادة 51 = فيما يتعلق بالمشاركة في هذه الجريمة:
الملاحظة الأساسية التي يمكن تسجيلها في هذا الصدد تعلق بكون أن المشرع تشدد في المعاقبة على فعل المشاركة وأفرد له عقابا أكثر من العقاب المقرر للفاعل الأصلي، وهذا أمر يخالف مبدأ تجريم المشاركة (م 129 ق.ج). المادة 52 = عبارة الفاعل التي استعملها المشرع في هذه المادة غير واضحة، فتشديد العقوبة في حالة الاعتياد أمر لا يشمل فقط الفاعل بل الشريك والمساهم كذلك.
والملاحظ كذلك أن هناك ترجمة حرفية للصياغة الفرنسية، فإذا كان المقصود بالاعتياد هو ذلك الاعتياد المنصوص عليه في القانون الجنائي، ففي هذه الحالة يجب توفر الشرطين المنصوص عليهم في هذا القانون ليتحقق الاعتياد، كما أنه مجرد النقل يدخل ضمن التنظيم المشار إليه في المادة 51 و52 أعلاه.
المادة 56 = أعطت هذه المادة اختصاصا حصريا للمحاكم المغربية على الجرائم المشار إليها في هذا القسم حتى ولو ارتكبت الجريمة بالخارج أو بعض عناصرها، والملاحظ أن هذا الأمر يتجه في منحى مخالف للمقتضيات العامة التي تحكم القانون الجنائي ومبدأ إقليمية القانون الجنائي وإقليمية الاختصاص.
هكذا يمكننا أن نطلق على هذا القانون بأنه القانون الجنائي الرمزي حيث يلاحظ في الحياة العملية أنه غالبا ما لا يتم تفعيل مقتضياته والتساهل في التعامل مع المهاجرين.
وأخيرا وبعد استعراضنا لما ورد في مواد قانون الهجرة غير المشروعة يتضح لنا أن المشرع قد خرج في أهدافه المتوخاة من وراء هذا القانون وخاصة الهدف المتمثل في الانسجام مع القانون الجنائي[20].    ن،



[1] - أنظر تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول مشروع قان رقم 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة –مذكرة تقديم- الولاية التشريعية السابعة: 2002-2007 السنة التشريعية الأولى 2002-2003 دورة أبريل 2003، طبع مصلحة الطباعة والتوزيع بمجلس النواب .
[2] -محمد (الكتاني):" مشكلات الهجرة وانعكاساتها في المجتمع المغربي." ندوة المغاربة إلى الخارج عقدتها لجنة القيم الروحية والفكرية التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، بالناظور 12-13 ماي 1999 مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية سلسلة الندوات.
[3] - صادق المغرب على البروتوكول المذكور بالظهير رقم 166-72-1 بتاريخ 22 محرم 1391 (20 أبريل 1971) ونشر بالجريدة الرسمية عدد 3145 بتاريخ 07 فبراير 1973.
[4] - آن غلاغر: الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين وحقوق الإنسان، الحيل والمعاهدات، "مقال منشور بمجلة" نشرة الهجرة السرية، العدد 12 مارس 2002، ص 28.
[5] - راجع في هذا الشأن: ادريوس (أحمد): تأملات حول مكانة الاتفاقيات الدولية في القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب والهجرة غير المشروعة. ندوة: قراءة في قانون الهجرة، مطبعة دار السلام، ص 15،  2006.
[6] - بنمسعود (مليكة): "وضعية المهاجرين بين قانون الهجرة المغربي وقانون الهجرة لإسباني" الندوة السالفة الذكر، ص 58 إلى ص 62.
[7] - الخرشاف (هشام): "المقاربة التشريعية لظاهرة الهجرة في بلدان الاستقبال، دراسة مقارنة لتشريعات كل من: إسبانيا، فرنسا، بلجيكا، الندوة السابقة، ص 95 وما بعدها.
[8] -أنظر في ذلك: الخرشاف (هشام) المرجع السابق، ص:96 إلى 100.
[9] -راجع في ذلك خطة الطوارئ لمواجهة الهجرة غير الشرعية، على الموقع الآتي:WWW.islomonline.net
[10] -الخرشاف (هشام) م.س.ص: 100 وما بعدها.
[11] - الأعرج (أنس): الهجرة غير المشروعة، عرض أنجز ضمن سلسلة عروض مادة القضاء الجنائي، السنة الأولى، وحدة المهن القضائية والقانونية الفوج الأول، ص 12 وما بعدها.
[12] - بالنسبة لإيطاليا: طوارئ لمواجهة الهجرة غير الشرعية، كما أن هناك خطة أوروبية خماسية (فرنسا+ بريطانيا+ ألمانيا+ إسبانيا) من أجل تبني استراتيجية مشتركة وفعالة لمواجهة الدول التي يتدفق منها اللاجئين غير الشرعيين. راجع هذه الخطة على الموقع الآتي:
www.islamouline.net.26-03-2006.
[13] - الصادر الأمر بتنفيذه ظهير شريف رقم 196-03-1 بتاريخ 16 رمضان 1424 موافق 11 نوفمبر 2003، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5160 بتاريخ 18 رمضان 1424 موافق 13 نوفمبر 2003.
[14] -قرار محكمة الاستئناف بطنجة عدد 1518/01 بتاريخ 25/07/2001.
[15] - حكم المحكمة الابتدائية بطنجة عدد 1270 / 02. بتاريخ 31/05/2002 والمؤيد استئنافيا.
[16] -حكم المحكمة الابتدائية بطنجة بتاريخ 14/06/2001، تحت عدد 1360 / المؤيد استئنافيا.
[17] -قراءة في القانون المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمغرب والهجرة غير مشروعة –عبد الحليم نسيم- سلسلة ندوات محكمة الرماني، العدد4، ص:166، مطبعة دار السلام.
[18] - فصل 294 ث ج: يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات كل من يدخل في عصابة أو الاتفاق مما نص عليه الفصل السابق ويكون السكن من عشر إلى عشرين سنة لمسير العصابة أو الاتفاق ولمن بالترفيه قيادة ما.
[19] - دور القضاء في محاربة ظاهرة الهجرة على المشروعة على ضوء القانون 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة، محمد عبد النباوي، سلسلة ندوات محكمة الرماني، العدد 4، ص 84، مطبعة دار السلام.
[20] - تتمثل الأهداف المتوخاة من قانون الهجرة غير المشروعة في:
            + توحيد مقتضيات النصوص التشريعية المتعلقة بدخول وإقامة الأجانب إلى المملكة المغربي والعمل على تحسينها.
+ سن المقتضيات القانونية المتعلقة بالجنح والمخالفات المتصلة بمحاولة الهجرة السرية وتهريب المهاجرين السريين
  وسن العقوبات المتعلقة بها، من خلال التكييف الدقيق لها على المستوى الجنائي.
            + عقلنة إجراءات ومعايير الإقامة بالمملكة المغربية.
            + إقرار الانسجام اللازم بين العقوبات المقررة مع أحكام مدونة القانون الجنائي.
تقديم مشروع قانون رقم 03-02 يتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة، الواردة في تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، الولاية التشريعية السابعة 2002- 2007 السنة التشريعية الأولى 2002 – 2003 دورة أبريل 2003، طبع مصلحة الطباعة والتوزيع بمجلس النواب.