وسائل تأثير رئيس الجمهورية على القضاء العادي في النظام الموريتاني - لخصارة سعدنا

 




وسائل تأثير رئيس الجمهورية على القضاء العادي في النظام الموريتاني

لخصارة سعدنا

أستاذة متعاونة مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة انواكشوط ـ موريتانيا 


Instruments of influence of president of republic on the ordinary jurisdiction in the Mauritanian system

Lkhsaarra SAIDDANA

المقدمة:

يعتبر استقلال السلطة القضائية أحد أهم المطالب التي ما فتئت كل الفئات الحقوقية والسياسية تنادي به، باعتباره الضمانة الفعلية والحقيقية لتدعيم أسس دولة الحق والقانون وترسيخ مبادئ حقوق الانسان . وقد أقر الدستور الموريتاني مبدأ استقلالية القضاء، فنص على أن القضاء مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية .

وقد أناط الدستور الموريتاني مهمة ضمان استقلال القضاء برئيس الجمهورية وبمساعدة المجلس الأعلى للقضاء، وأضاف وأضافت المادة (90) من الدستور أنه:" لا يخضع القاضي إلا للقانون. وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه". ومن شأن هذا الاستقلال الذي يحظى به القضاء أن يخلق نوعا من التوازن في تأثير كل من السلطة التشريعية والتنفيذية على الجهاز القضائي.

وبموجب هذا الاستقلال يجب ألا يخضع قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة في ممارستهم لمهامهم لسلطان أي جهة وأن يكون عملهم خالصا لإقرار الحق والعمل لما يمليه عليهم القانون والضمير من اجراءات وقرارات، وأحكام لذلك يستلزم استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية عدم تدخل هذه الأخيرة بأي حال من الأحوال في شؤون القضاء والقضاة، وفك الارتباط القانوني والاداري بين الوزارة الوصية وبين جهاز النيابة العامة، الذي يجب أن تشرف عليه جهة محايدة تنتمي إلى السلك القضائي .

ورغم استقلال القضاء المقرر دستوريا فإن رئيس الجمهورية يمارس بعض الاختصاصات في ميدان القضاء، تمكنه من التأثير على الجهاز القضائي، ومن أهم هذه الاختصاصات تعيين القضاة وعزلهم، ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء، وممارسة حق العفو، ولا شك أن هذه الصلاحيات تمنحه تأثيرا هاما في هذا المجال.

وفي إطار هذه المقدمة وقبل بيان ذلك سنتعرض لأهداف هذا الموضوع، وتحديد اشكاليته.

أهداف الموضوع:

ترجع أهمية هذا الموضوع إلى موضوعه أي وسائل تأثير رئيس الجمهورية على القضاء العادي، باعتبار أن الرئيس هو مجسد وحدة الدولة وحامي الدستور والحكم بين هذه المؤسسات، لذا فإن التطلع إلى معرفة العلاقة بين هذه السلطات ومدى شدة أو مرونة الفصل بينها، قد نظمته جميع الدساتير الموريتانية المتعاقبة.

وإذا كانت العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية قائمة على مبدأ الفصل بين السلطات، فإن معرفة نوع الفصل تبقى مطروحة، فهل هو فصل جامد لا يسمح بوجود أي نوع من التعاون والاتصال أم أنه فصل مرن يسمح بالتعاون والرقابة المتبادلة؟ وإذا كان هذا الفصل من النوع المرن فهل يؤدي ذلك إلى ارساء توازن حقيقي بي هاتين المؤسستين؟ أم أن هناك اختلالا في التوازن، وفي حالة وجود اختلال في التوازن فلصالح أي السلطات؟

الإشكالية:

ما مدى تأثير رئيس الجمهورية على القضاء العادي؟

ويتفرع عن ذلك الإشكالات التالية: 

ـــ كيف منح المشرع الدستوري لرئيس الجمهورية صلاحية تعيين القضاة، ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء؟

ـــ وما مدى صلاحياته في ممارسة حق العفو؟

التقسيم الرئيسي للموضوع:

المطلب الأول: صلاحية تعيين القضاة، ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء

المطلب الثاني: ممارسة حق العفو

المطلب الأول: صلاحية تعيين القضاة، ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء

سنتطرق لكيفية تعيين القضاة وعزلهم (الفرع الأول) , ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء (الفرع الثاني).

الفرع الأول: تعيين القضاة وعزلهم

لم يتضمن الدستور نصا يبين تعيين القضاة أو عزلهم، إلا أنه أحال إلى قانون نظامي يحدد النظام الأساسي للقضاء، وتكوين وسير وصلاحيات المجلس الأعلى للقضاء (المادة 89/03).

وقد صدر هذا القانون التنظيمي متضمنا تعديل بعض مقتضيات الأمر القانوني رقم 139 ـ 82, الصادر بتاريخ نوفمبر 1982, المتعلق بتكوين المجلس الأعلى للقضاء والنظام الأساسي للقضاء، ومعتمدا بعضها الآخر .

وتوجد فئتان متمايزتان داخل المؤسسة القضائية تتمثل في القضاة الجالسين وهم حسب النصوص غير قابلين للعزل، ويتم تقييمهم من طرف رئيس المحكمة العليا بعد أخذ رأي المدعي العام لدى نفس المحكمة. بينما يتم تقييم قضاة النيابة العامة من طرف المدعي العام لدى المحكمة العليا بعد أخذ رأي رئيس هذه المحكمة.

وبموجب القانون سالف الذكر فإن تعيين القضاة في جميع الوظائف القضائية يتم بمرسوم رئاســي، بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء، بالنسبة للقضاة الجالسين، ومن وزير العـدل بالنسبة للقضاة في النيابة العامة، وذلك اعتبارا لرتبهم، أما القضاة المتدربون فيحولون إلى وظــائفهم حسب ضرورة العـــــمل بقرار من وزير العــدل (المادة 4 من النظام الأســـاسي للقضاء) . 

أما عزل القضاة فلم يكن في بداية الأمر، من اختصاص رئيس الجمهورية، ذلك أن القضاة الجالسين في موريتانيا كانوا يتمتعون بحصانة عدم القابلية للعزل، إلا أن المشرع ألغى هذه الحصانة من بين مقتضيات دستور 19961, وذلك بعد التعديل الذي أدخل على هذا الدستور عام 1968 , وبذلك أصبح من حق رئيس الجمهورية حق عزل القضاة.

فقد نــــــــص الأمـــــــر القانونــــــــي (82 ـ 103) الصادر 01/07/1982, على أن رئيـــــــس الجمهورية يتمتع بسلطة عزل القضاة مباشرة، بناء على تقرير مقدم من طـــــــــرف وزير العدل، بعد استطلاع رأي المجلــــــــس الأعلى للقضاء .

فلو تأملنا في طريقة التعيين نلاحظ أن  القانون النظامي وقم 012/ 94 المتضمــــن النظام الأساسي للقضاء المعدل بالأمر القانونــــــــــي رقم 2006/ 016 الصادر بتاريخ 12 يوليو 2006 لم يخصص بابا لهذه المسألة التي تعتبر مدخل الولوج إلى ممارسة القضاء, لذلك تكشـــــــف طريقة وطبيعـــــة تنظيمـــــــها مدي هشاشة استقلالية السلطة القضائية عن غيرها وخاصة السلطة التنفيذية, حيث تعكس آلية التعيين مدى الدور الذي تلعبه السلطة التنفيذية في المجال القضائي, فبالنسبة لتعيين القضاة تنص المادة (22) من الأمر القانوني 2006/ 016 على ما يلي:

" يعين المترشحون المستكمــلون للشــروط الواردة في المادة 21  قضاة متربصين بمرسوم بناء على اقتراح من وزير العدل, وبعد اخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء، ويخضعون لفترة تدريبية مدتها ثلاث سنوات, يقدم القاضي المتربص قبل نهايتها بحثا قضائيا ستنظم ضوابطه بمرسوم, ويجب عليهم ممارسة الوظائف المكلفين بها أثناء هذه الفترة, ويمكن أن يتابعوا خلالها دورات تدريبية لتحسين الخبرة .

وبعد نهاية تلك الفترة، وأخذ عين الاعتبار للعلامات التي حصلوا عليها، سواء فيما ـيتعلق بالبحث أو النشاطات المهنية، حسب الترتيبات المحددة بمرسوم فإن القضاة المتربصين بعد مصادقة المجلس الأعلى للقضاء يؤكدون قضاة، أو يسمح لهم بتمديد فترة التدريب لمدة سنتين، أو يوضع حدا لوظائفهم"  

نستنتج من خلال هذه المادة أن ممارســــــــة مهنة القضــــاء على ما يبدو منوطــــا بإرادة وزيـــر العدل بحجية اشتراط اقتراحه، لكي يتم التعيين من طرف رئيس الجمهورية، وهو ما يعني أن هذا الأخير، رغم كونه الضامن لاستقلال القضاء، لا يمكن له تعيين القضاة ما لم يتوصل باقتراح من وزير العدل، كما أن رأي المجلس الأعلى للقضاء لا يكفي وحده دون اقتراح وزير العدل، مع العلم أن الأخير عضو بالمجلس.

وبالتالي فإن اشتراط اقتراح وزير العدل لإمكانية التعيين من طرف رئيس الجمهورية يتنافى مع  مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية المنصوص عليه في الدستور, كما أنه مادام وزير العدل عضوا في المجلس الأعلى للقضاء, فلا داعي لاشتراط ذلك, فهذه العضوية تتيح له الاشتراك في المداولات بشأن رأي المجلس في ملفات المترشحين للتعيين كقضاة, و من غير المنطقي أن تعرقل صلاحية رئيس الجمهورية ,في تعيين القضاة  بوصفها  آلية لضمان استمرار و اضطراد سير مرفق العدالة, من جهة, ونتيــــــــجة رأي مجلس يجد مصدره في الدستور( أي المجلس الأعلى للقضاء), بصدور اقتراح من وزير يستمد شرعيته من التعيين, وسند اشتراط اقتراح تعيينه من قانون يرى البعــــــــــــض أن عيب عدم الدستورية يشوب العديد من مقتضياته .

وبما أن النص الدستوري ترك للمشرع العادي تنظيم النظام الأساسي للقضاء، وكيفية تكوين وسير صلاحياته، فإنه تجدر الإشارة إلى أن هذا التنظيم يجب أن يكون في حدود ما يقتضيه النص الدستوري من استقلالية القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية المؤكد عليها في الدستور .

 وقد نصت المادة 04 من نفس الأمر القانوني السابق على أنه: " يتم تعيين القضاة في مختلف الوظائف القضائية اعتبارا لرتبهم وأقدميتهم داخل هذه الرتب بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية بناءا على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء بالنسبة لقضاة الحكم، وبمقرر من وزير العدل بالنسبة لقضاة النيابة العامة" .

و مادام تعيين القضاة يكون  بمرسوم صادر من رئيس الجمهورية, الذي هو الضامن لاستقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية, وهو حامي الدستور والضامن للسير المضطرد للسلطات العمومية التي من ضمنها السلطة القضائية, وهو من يعين في الوظائف المدنية والعسكرية, وإضافة إلى ذلك يختص بتعيين القضاة في الوظائف القضائية الأخرى, فإن هذه المادة  كسابقتها لا تبدو منسجمة مع احترام مبدأ استقلالية القضاء, إضافة إلى كونها تدر مبدأ الوحدة القضائية لأنها قيدت مرسوم تعيين قضاة الحكم باقتراح المجلس الأعلى للقضاء بينما , وبالمقابل تطلق يد وزير العدل بمقرر لتعيين قضاة النيابة العامة فقضاة النيابة كما هو الحال بالنسبة لقضاة الحكم يخضعون لنفس إجراءات الاكتتاب, والتكوين, و يؤدون نفس اليمين, إضافة إلى الوحدة القضائية التي مصدرها الدستور.

وفي الأخير فإن استقلالية القضاء لن يتحقق إلا بإصلاح المجلس الأعلى للقضاء، ومنح القضاة فيه دورا فاعلا، وتعزيز ذلك الدور من خلال الانتقال من مرحلة دور المساعد إلى دور الفاعل الحقيقي في مجال تسيير أمور القضاء. فبالنظر إلى مقتضيات الأمر القانوني سالف الذكر يتضح مدى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.

الفرع الثاني: رئاسة المجلس الأعلى للقضاء

تعتبر رئاسة المجلس الأعلى للقضاء من الاختصاصات العادية التي تسنده الدساتير لرئيس الجمهورية، حيث نصت المادة (89) جديدة من الدستور الموريتاني لسنة 1991 المعدل 2012 على أن: " رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء، ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه".

ونصت المادة (48) من القانون النظامي رقم 94/ 012 المعدل بالأمر القانوني رقم 2006 /016 الصادر بتاريخ 12 يوليو 2006 , المتضمن النظام الأساسي للقضاة، على أن تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء تتكون من:

1 ـــ رئيس الجمهورية رئيسا

2 ــ وزير العدل نائبا للرئيس 

3 ــ رئيس المحكمة العليا عضو

4 ــ المفتش العام للإدارة القضائية للسجون عضو

5 ــ نائب رئيس المحكمة العليا الأعلى رتبة عضو

6 ــ ثلاثة قضاة منتخبين من طرف زملائهم لمدة سنتين أعضاء

7 ــ ممثل عن الجمعية الوطنية من غير أعضاء السلطة التشريعية يعين من طرف رئيس البرلمان من أساتذة القانون أو المحامين . 

ولا شك أن اختصاص رئاسة المجلس الأعلى للقضاء يعطي رئيس الجمهورية سلطة مهمة في هذا الميدان، ذلك أن جميع القرارات المتخذة في هذا المجلس ستكون من إملاء رئيس الجمهورية، أو على الأقل متمشية مع أهداف سياسته في المجال القضائي.

وإذا ما نظرنا إلى هذا المجلس من حيث التشكيلة نلاحظ جليا هيمنة السلطة التنفيذية عليه، وإمكانية تأثير رئيس الجمهورية واردة حيث أن وزير العدل، ورئيس المحكمة العليا والمفتش العام للإدارة القضائية والسجون مدينون بسبب وجودهم في وظائفهم التي خولت لهم العضوية في المجلس لرئيس الجمهورية، الذي يعينهم، ويحق له إنهاء مهامهم في أي وقت باستثناء رئيس المحكمة العليا , كما أن العضو المعين من طرف رئيس الجمعية الوطنية هو الآخر غير بعيد من خط الرئيس نظرا لانتمائه للأغلبية الرئاسية. وبالتالي تبقى القرارات المتخذة في هذا المجلس من تعيين وترقية، أو تأديب للقضاة خاضعة لسلطة رئيس الجمهورية، كما هو وارد في المادة (89).

وإذا كانت رئاسة رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقضاء تمثل ضمانة فعلية من الناحية القانونية، لترشيد القرارات الصادرة عنه خاصة في مجال التأديب، استنادا إلى أن الدستور خوله صلاحية ضمان استقلال القضاء، يساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء، فإنها في الوقت نفسه قد تكون عامل لتبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية، إذ الأمر متوقف على طبيعة الدور الذي يلعبه رئيس الجمهورية في المجلس ومدى مصلحته في التأثير على القرارات الصادرة عن المجلس ما دام هو المتحكم في تشكيلة هذا المجلس.

ومن هذا المنطلق تكون رئاسته للمجلس يمكن القول إنها أقرب أن تكون عامل لتبعية السلطة التنفيذية للتشريعية، من مونها ضمانة فعلية لاستقلال السلطة القضائية.

المطلب الثاني: ممارسة حق العفو

يعتبر العفو أحد أهم الأسباب التي تنقضي بها العقوبات، وهو نوعان عفو عام (شامل)، وعفو خاص أو بسيط، لذلك سنخصص فرعا خاصا لكل نوع من أنواع العفو، وذلك على النحو التالي:

الفرع الأول: العفو الخاص

العفو الخاص هو الوسيلة التي يتخلص بها المحكوم عليه بحكم بات من العقوبة الموقعة عليه كلها أو بعضها، أو يوقع عليه بدلا منها عقوبة أخف دون أن يكون لذلك أثر على الجريمة ذاتها .

 غير أن العفو الخاص لا يمكن أن يمحو الجريمة مطلقا . أي أن أثره ينصب على العقوبة دون أن يترتب عنه محو صفة الجريمة عن النشاط الإجرامي المقترف .

وقد نظم المشرع الدستوري الموريتاني حق العفو الذي يمارسه رئيس الجمهورية بموجب المادة (37) من الدستور التي تنص على أنه:" يمارس رئيس الجمهورية حق العفو، وحق تخفيض العقوبة أو استبدالها".

إلا أن هذه المادة لم توضح نوع العفو الذي يمارسه رئيس الجمهورية هل هو عفو عام أم خاص, مما فتح المجال أمام تأويل بعض الفقهاء من أجل إيجاد تفسير لتحديد نوع العفو الذي قصد المشرع الدستوري في إسناده لرئيس الجمهورية, 

وفي هذا الصدد يرى أستاذنا الدكتور سيدي محمد بن سيدأب أن المادة(57) من دستور 1991 التي تمنح حق العفو العام للبرلمان تؤكد على أن العفو الذي قصده المشرع الدستوري في المادة(37) هو العفو الخاص, مبرهنا على ذلك بإسناد حق العفو الشامل للبرلمان, مما يفيد أن العفو الذي يختص به رئيس الجمهورية هو عفو خاص إذ ا يمكن أن يسند اختصاصا واحدا لجهتين مختلفتين في ذات الوقت .

وبالتالي فإن أهمية وقيمة العفو الخاص تتوقف على كيفيــــــــة استخدامه من طرف رئيس الجمهورية، ومدى سلامة تقدير الرئيس للمصلحة العامة عنــــــــــد استعماله لهذا الاختصاص، ذلك أنه إذا بالغ في استخدامـــــــــه لهذا الحق سيكون ذلك بالتأكيد وسيلـــــــــــة لهدم مبدأ الفصل بين السلطات، وسياسة لتجاوز أحكامه النهائية، وهو ما يقلل إلى حد كبير من هيبة القضاء، ويلغي أحكامه، أما إذا أحسن رئيس الجمهورية استخدامه لسلاح حق العفو الخاص عند تقديره للمصلحة العامة المرجوة من ذلك فحينئذ ستظهر قيمة وايجابية هذا الاختصاص. المتمثل في بعده الإنساني النبيل القائم على الصفح والمغفرة متى ثبت أن مصلحة المجتمع تقتضي ذلك.

الفرع الثاني: العفو العام

العفو العام هو ذلك العفو الذي يؤدي إلى محو الجريمة ذاتها، وإزالة كلما يترتب عليها من أثار، فهو بمثابة إسدال لستار النسيان على بعض الجرائم، وبالتالي محو الدعاوي التي رفعت أو يمكن أن ترفع عنها والأحكام التي صدرت بشأنها .

ولخطورة هذا الإجراء، فإن المسلم به في جميع الدساتير أن العفو الشامل لا يكون إلا بقانون، بينما يترك أمر العفو الخاص لرئيس الجمهورية الذي يمارسه بقرارات منه . وهذا النوع من العفو (العفو العام) قد جعله الدستور الموريتاني من اختصاص البرلمان بنص المادة 57, التي تحدد المواضيع التي تصدر فيها قوانين عادية. أما العفو الخاص فهو اختصاص يملكه رئيس الجمهورية بموجب المادة (37).

الخاتمة:

وفي الأخير يمكن القول إن علاقة رئيس الجمهورية مع السلطة القضائية على الرغم مما تتمتع به الأخيرة من استقلال دستوري ظاهر، فإنها ظلت تخضع لتدخلات السلطة التنفيذية صاحبة الامتيازات الواسعة في مجال تعيين القضاة، وعزلهم وإحالتهم إلى التقاعد فضلا عن امتياز الطعن لصالح القانون.

فكيف سيكون التوازن بين السلطات؟  وكيف نفصل بعضها عن بعض؟  

حين يأخذ رئيس الجمهورية بصرامة وحزم مسؤولياته الدستورية لحماية هذه السلطة من تغول السلطات الأخرى مع مراعات ما يتطلبه ذلك من مراجعة وتحيين للنصوص ذات الصلة، من أجل رسم آلية قانونية محددة وفق المعايير الدولية لاستقلال القضاء وقواعد المحاكمة العادلة، لعصرنة المنظومة القضائية، وجعلها منسجمة مع روح الدستور وكل المواثيق التي الدولية ذات الصلة التي صادقت عليها بلادنا.. حينئذ فقط يمكن الحديث عن فصل للسلطات وتوازن دستوري بينها. 




من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله

قانونك


 من أجل تحميل العدد 23  - إضغط هنا أو أسفله

مجلة قانونك - العدد الثالث