متطلبات السياسة الجبائية الناجعة - سهام العلوي




متطلبات السياسة الجبائية الناجعة

سهام العلوي

أستاذة زائرة بكلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية والقانونية أكدال جامعة محمد الخامس الرباط


Requirements for an effective tax policy

Siham ALALAOUI


بالإضافة لتدخل القضاء الإداري والسهر على تسوية المنازعة الضريبية بين طرفي الدعوى هناك عوامل أخرى لها علاقة مباشرة بعمل القضاء الضريبي والتأثير فيه.

حيث تعتبر السياسة الجبائية بمثابة الأرض الخصبة التي تحمل جل المتدخلين في العملية الضريبية بما فيها القضاء الضريبي، مما أضحت اليوم هذه الأرض هشة لا تساير التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي، على غرار جميع الدول النامية، مستحضرا بذلك المقولة الشهيرة للأستاذ N.A.GUNDER FRANK الذي أقر بأن السياسة الجبائية المتبعة في أغلب الدول لم تؤدي سوى إلى ''اللاتنمية'' أو إلى تنمية ''اللاتنمية'' ، وعليه أصبح مطلب خلق استراتيجية جبائية جديدة بالأمر الملح، لتساير التحولات التي يعرفها المغرب على جميع الأصعدة. وعليه يجب الوقوف عند نقائص النظام الجبائي وعقلنتها (الفرع الأول) وفق إرادة حقيقية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: نواقص النظام الضريبي 

رغم جل المحاولات المبذولة عامة في إطار تغيير المنهج المعتمد للنظام الجبائي، إلا أن اليوم لا يكاد الاجماع على أن السياسة الضريبية ككل تشريعا ومساطر وتطبيقات وعلاقات أصابها الفشل وأصبحت تهدد العدالة الضريبية والاقتصاد الوطني بالانهيار، الأمر الذي أصبح يتطلب ويفرض التوقف للتأمل والبحث عن مواقع الانزلاق.

فلتحقيق العدالة الضريبية والمتجسدة في حماية أموال الملزمين من جهة وضمان موارد الدولة من جهة أخرى، لابد من توافر قواعد مسطرية ملائمة (الفقرة الأولى)، وكذا بضرورة عقلنة نواقص المنظومة الجبائية ككل (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: على مستوى القواعد المسطرية  

تعمد الادارة إلى تأويل القاعدة الضريبية أثناء نظرها في تطبيق القاعدة الجبائية بإصدار دوريات ومذكرات وتوجيهات ، والقضاء يعمل على ممارسة هذه المهمة بمناسبة بته في المنازعات الضريبية التي تعرض عليه. لا يمكننا أن نغفل عن التعقيد الكبير الذي يشوب المسطرة الضريبية بدأ بتنوع الآجال وكثرتها على حسب نوع كل ضريبة وكل مسطرة، اتباعا بالغموض الكبير الذي يعتري النصوص الجبائية برمتها، مما يؤدي للاختلاف في تأويلها، زد على ذلك عدم التقائية الأحكام الجبائية مع القواعد العامة للقانون والقواعد المحاسبتية، الشيء الذي يؤثر سلبا في مجرى الدعاوى والقضايا المعروضة أمام المحاكم.

بالإضافة لمعاناة بعض الملزمين في عدم قدرتهم على اللجوء إلى القضاء بسبب ارتفاع تكلفة المسطرة الضريبية، بالإضافة للبعد الجغرافي الذي يحول أمام الملزم في التنقل للمحكمة الإدارية الداخلة ضمن دائرة اختصاصه والتي تصل إلى 1500كلم بالنسبة لمدن الجنوب مثلا. ناهيك عن إشكالية عدم تنفيد الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة في كثير من الأحيان، والتي تضرب في عمق دولة الحق والقانون ومبادئ حقوق الانسان وحقوق الملزم .

ولا ننسى تطبيق القواعد المدنية أمام القضاء الإداري الذي يجعنا أمام تضارب حقيقي نظرا للفرق الكبير بين النزاع الضريبي والمدني وخصوصية كل منهما، سواء من ناحية الأطراف أو حتى من ناحية الجهة المكلفة بالحسم فيها.

حيث إن تأويل القاعدة الضريبية يجب ألا يخرج عن الفلسفة العامة التي يتوخى الأن القانوني تحقيقها، لارتباطه بمتطلبات ومبادئ عامة تتعلق بالإدارة الحكيمة التي تسعى إلى التطبيق السليم للقانون وإبراز نجاعته وكفاءته، لذلك لا يتوانى القضاء في شرح المبادئ التي ينبغي أن توجه أي تأويل او تفسير للقانون الضريبي .

غير أـن تأويل القاعدة القانونية الضريبية من طرف محكمة النقض كمحكمة قانون، واستقرار العمل القضائي على هذا التأويل، فإنه يكتسب حجية لدى كافة محاكم الموضوع التي يجب أن تأخذ به وإلا عرضت أحكامها للنقض، خصوصا إذا تعلق الأمر باستقراره كاجتهاد لمحكمة النقض، ويعتبر من السوابق القضائية 

زد على ذلك أن الممارسة القضائية على مستوى المحاكم الإدارية لا تعتد بالتأويل الإداري الذي تظلع به الإدارة الضريبية، وبالتالي فإن هذا الأخير لا ينتج أثره في المنازعات الضريبية بين الملزمين والإدارة .

الفقرة الثانية: عقلنة النواقص الجبائية

تستمد أغلبية الدول خلاصاتها حول النقائص والعوائق التي تعترض سياستها ونظامها الجبائي من خلال تقاريرها الدورية للنفقات الجبائية، التي تعمل على مساعدتها على معالجة وعقلنة النواقص التي تعتريها، فمنها من ينص على ذلك صراحة بموجب القانون كألمانيا  وإسبانيا ، ومنها من لن تنص قانونا عن ذلك لكن حكومتها تنجز تقارير سنوية حول النفقات الجبائية ككندا مثلا .

وهناك من يعتمد إضفاء الطابع القانوني على إصلاح المنظومة الجبائية، عبر اعتماد قانون برمجة ضريبية، يضع أهدافا محددة ومدققة، ومرتبة حسب الأولويات، ومُخَططٍ لها على المدى القصير والمتوسط والطويل. مع تحديدٍ واضحٍ ومضبوطٍ للمسؤوليات. ومن شأن ذلك أن يمكن من التقليص من تداعيات عدم نجاعة النظام الجبائي التي تعزى بالأساس إلى تشتت المتدخلين وتعددهم، سواء بالنسبة للضرائب الوطنية أو المحلية.

أما على المستوى الوطني فقد بدأ المغرب في ذلك منذ سنة 2006، الأمر الذي عرى على مجموعة من التجاوزات التي لا تستند على مرجعية حقيقية، والمتمثلة أساسا في الامتيازات الجبائية الكثيرة والغير مفسرة، الوقت الذي أضحى يتطلب التخلي عنها من أجل المساعدة في الرفع من قيمة المداخيل الجبائية.

حيث أضحى اليوم ضرورة التحليل بناءا على مفهوم النفقات الجبائية والذي أكد عليه كل من الأستاذ L.MAKTOUF والأستاذ S.SURREY  منذ سنة 1982، قصد عقلنة النظام الجبائي الجبائية وجعله يتساير مع التحولات والتطورات التي يشهدها بلدنا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، خاصة وأن ما يقرب من 75 في المائة من الضرائب أصلها ضرائب من المنبع أي من مدخول وأجور الكادحين والعمال والموظفين، و 2 في المائة من الشركات تؤدي ما يقرب من 80 في المائة من الإيرادات .

الفرع الثاني: توفر الإرادة السياسة 

إن فشل السياسة الجبائية بالمغرب ليس بسبب غياب آليات التغيير العلمي أو التشريعي، بل يرجع في الحقيقة لغياب الإرادة السياسية، حيث أَصبح رهان القضاء على تحقيق نظام قائم على العدالة الضريبية حبيس الإرادة السياسية الجماعية.

وعليه، وبناءا على مجموعة من الدراسات التي خلصت إلى أن النسبة القليلة من دول العالم الثالث التي استطاعت إنجاح الإصلاحات الجبائية، بينت على أن تطور أو عدم تطور جباية دولة نامية يرجع بالأساس إلى قوة أو ضعف إرادتها السياسية  والأجهزة المتدخلة في بنائها (الفقرة الأولى)، ولتكتمل قوة هذه الإرادة فالأمر يتطلب لجهاز قادر على أن يضمن إجبارية وإلزامية القرارات الإصلاحية المتخذة عبر مفاتح جديدة للإصلاح (الفقرة الثانية) وفق ما تتطلبه الظرفية الحالية.

الفقرة الأولى: الأجهزة المتدخلة 

السياسة الجبائية الناجعة يجب أن تتوفر قبل كل شيء على دولة ذات سلطة قوية قادرة على نشر الوعي الجبائي للمكلفين كخطوة أولى، وتأسيس نظام زجري صارم لمواجهة كل المخالفين أو المتملصين، وبالتكييف مع الرهانات التي تواجهها على المحك، بالإضافة على قدرتها في التحكم لتوجيه الضريبة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وكذا القدرة على الحفاظ على الإصلاحات الجبائية المحققة ،

 وعليه يجب إرساء نظام جبائي جديد منسجم كل الانسجام مع السياسات العمومية الأخرى، وذلك من أجل خلق قيمة مضافة وطنية وتوفير فرص الشغل اللائق وضمان الإدماج الاجتماعي وإضفاء الوضوح على المنظومة ككل. وبذلك، سيشكل هذا النظام الجبائي المنشود رافعة أساسية لبناء نموذج تنموي الجديد قائم على توجيه منظومة فعالة نحو اقتصاد منتج.

بالإضافة إلى العمل على تجاوز الطابع المعقد للنظام الضريبي الذي يؤدي لضعف فعالية بعض الضرائب، وذلك بموازنة الترسانة الضريبية الوطنية مع نظام للجبايات المحلية الذي ينطوي بدوره على إشكاليات أكثر حدة، وذلك بسبب طابعه المعقد، وعدم انسجام مكوناته وقلة نجاعته وكذا ضعف حكامته.

وتشكل السياسة الجبائية حقلا واسعا لعدة فاعلين رسميين على مستوى بلورتها كل من موقعه، تحت رقابة الدولة التي تعد الصانع الأساسي لهذه السياسة لما لها من أجهزة إدارية وفنية قادرة على إعداد الميزانية .

أما بالنسبة لموضوع السياسة الجبائية على صعيد المغرب، فإن هذا الأخير لا يزال يتوفر على الاستقلال سواء اتجاه بغض الفئات الاجتماعية المؤثرة أو فيما يخص علاقتها مع المؤسسات المالية الأجنبية، والذي اتضح من خلال بعض القرارات وضعتها في مواجهة مع هذه الفئات الاجتماعية، كما عمدت إلى عدم تطبيق العديد من المقتضيات التي أوصت بها المؤسسات الدائنة ، مما يعتبر هذا الاستقلال بمثابة حجرة الأساس الذي سيعمل على تنفيذ سياسة جبائية معقلنة.

الفقرة الثانية: مفاتح الإصلاح 

وفق سلسلة الإصلاحات التي يعرفها المغرب اليوم وخاصة فيما يتعلق ببناء نموذج تنموي جديد، ناشد مجموعة من المختصين والباحثين في الميدان الضريبي من أجل المطالبة بخلق نظام جبائي مبسط وسلس يساهم في بناء أرضية متينة يقوم عليها النموذج التنموي المنشود، الذي سيساعد بدوره في الاستجابة لمتطلبات جل المتدخلين في الميدان الضريبي من ملزمين وممارسين سواء إداريا أو قضائيا.

لعل أول ما يعيق مسلسل الاصلاح الجبائي هو عدم استقرار النظام الجبائي، وذلك جراء إدراج العديد من المقتضيات الضريبية في قوانين المالية المتعاقبة، وهو ما يُفقد المنظومة الجبائية انسجامها. ومما يزيد من حدة هذه الظاهرة، اعتماد مقتضيات ضريبية نتيجة ضغوطات أو مفاوضات ناشئة عن رغبة في الدفاع عن مصالح فئوية و/أو قطاعية، وهي مصالح قد تكون مشروعة، غير أن مقاربتها أحيانا لا تكون وفق منطق يرمي إلى تحقيق الانسجام مع المصلحة العامة.

وكذلك، من أجل خلق سياسة جبائية جديدة لابد من إصلاح الأسس التي تقوم عليها، ونقصد هنا المعيار التنظيمي التي تقوم عليه السياسة الجبائية ككل، والمتمثل في الجوانب الإدارية والتقنية والتشريعية للنظام الجبائي، باعتبار الجانب الإداري المحور الأساسي لإصلاح السياسة الجبائية، فهي الأداة التي يمكن أن تنفذ من خلالها هذه السياسة وذلك عبر عدة معايير يمكن تلخيصها فيما يلي :

سهرها ومراقبتها للتطبيق السليم للنظام الضريبي.

سرعة إنهاء المنازعات التي تنشأ بين الإدارة الضريبية والملزمين  

التكوين والتكوين المستمر للموظفين التابعين للإدارة

عقلنة تدبيرها للمساطر المعروضة أمامها 

العمل على كسب ثقة الملزمين بإضفـاء الانسـجام والوضـوح والانصـاف

أما من ناحية أخرى فمطلب ازدواجية القضاء أًصبح بالأمر الضروري نظرا لاتسام القضاء المغربي بالوحدة على الصعيد الهيكلي بوجود وحدة القمة على بين جهتي القضاء الإداري والقضاء العادي أي محكمة النقض، الشيء الذي يستلزم التدرج في التقاضي على ثلاث درجات إدارية بخلق هيئة عليا للقضاء الإداري مستقلة عن القضاء العادي وإحداث مجلس دولة مغربي.


والتقليص من الإدارات المتدخلة في إنجاز الخدمة، إضافـــــــــة إلى تطوير منصة التشغيل البينــــــــي للمعطيات بما يمكن من الربط بين قواعد المعلــــــــومات لمختلف الإدارات العموميـــــــة ومن تبادل البيانات والوثائق. وبالمــــوازاة مع ذلك يتعين تحسين مؤشرات الشفافية والنضج والفعالية، وتوفير شروط الولوج المؤمن إلى الخدمات الرقمية.

مدخل الفعالية التدبيرية: تهيئة الشروط الكفيلة بتجسيد الإدارة الرقمية، وفي مقدمتها مراجعة الهندسة التنظيمية لتتماشى مع تحديات الرقمنة، ولإحداث تغيير عميق للهياكل الإدارية، وليس مجرد إضفاء حالة من التحديث السطحي على أجهزة عتيقة، وذلك من خلال خلق مصالح إدارية متخصصة في عمليات التحليل والمعالجة والبرمجة والصيانة، وقادرة على التكفل بمختلف الأمور التقنية المتعلقة بتعميم المعلومات والتطبيقات الرقمية ، إلى جانب ذلك يتعين جعل المهارات المعلوماتية معياراً أساسياً في توظيف الموارد البشرية، وتثمين المهن الرقمية التي تتطلب مؤهلات خاصة، كالأمن المعلوماتي والتصميم الذكي والحوسبة السحابية والهندسة المعلوماتية وتحليل البيانات الضخمة، بما يمكن من توافر كفاءات قادرة على تكييف التكنولوجيا الحديثة مع متطلبات العمل الإداري .

كما ينبغي تعزيز الإطار التشريعي للانتقال الرقمي للقطاع العام بإخراج مشروع القانون رقم 41.19 المتعلق بالإدارة الرقمية لإزالة العوائق التي تحد من المعاملات الإلكترونية وتعزيز مستوى الرقمنة الكاملة للخدمات، والمرسوم المتعلق بالتوقيع الإلكتروني لتأمين الوثائق الإدارية وللرفع من منسوب الثقة والمصداقية في التطبيقات الرقمية، إلى جانب إصدار نصوص جديدة لتأطير عمليات مشاركة وتبادل المعطيات بين الإدارات، بما يمكن من إعفاء المرتفق من الإدلاء بوثائق هي متوفرة أصلاً لدى الإدارات العمومية كالإدارة العامة للأمن الوطني وصناديق التغطية الصحية والضمان الاجتماعي، والمديرية العامة للضرائب ووزارات العدل والتربية الوطنية وغيرهـا ، مع احترام مضامين وأحكام القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي.

ولرفع هذه التحديات، يتوجب إقرار حزمة جديدة من الإصلاحات الإدارية لتوفير الشروط السياسية والتشريعية والمؤسساتية والمالية لعمليات التحـول الرقمي للإدارة، ونزع الصفة المادية عن المساطر الإدارية والخدمات العمومية.

وتتمثل أبرز المشاريع المستقبلية التي جرى إطلاقها في هذا المجال في :

- إعداد وبلورة مخطط توجيهي للتحول الرقمي للإدارة العمومية يروم توفير بنية تحتية رقمية متطورة وموارد بشرية مؤهلة وذات كفاءة، تتقن استعمال وسائل التواصل الرقمي، وتسهم في دعم التحول الرقمي للخدمات وتسريع وتيرة توفيرها؛ 

 


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله

قانونك


 من أجل تحميل العدد 23  - إضغط هنا أو أسفله

مجلة قانونك - العدد الثالث