الإلتزام
بالإعلام في عقود الاستهلاك
بدر الحيمودي
باحث دكتوراه
في القانون الخاص
Commitment to information in consumer
contracts
Badr
ALHIMOUDI
مقدمة:
إن
التطور الذي شهده مجال التعامل في العقود، أفرز صورا جديدة غير مألوفة في التعاقد
تهدف غالبيتها إلى تسهيل عملية البيع والتعاقد للمستهلك، وإغراقه بكافة صور
الدعابة والإعلان وأساليب البيع والترويج، التي كثيرا ما يقع ضحية لها، فيندفع إلى
التعاقد متسرعا دون تدبر لما هو مقدم عليه، ومع وجود الرغبة في التعاقد من
المتعاقد فإن لجوء المتعاقد إلى الوسائل التقليدية الواردة في ظهير الالتزامات
والعقود لن يعينه ولا يوفر له الحماية المنشودة، صحيح أن هذه المقتضيات حاولت
مواجهة هذه الأشكال بالنصوص التي تسمح بتفسير الشرط التعاقدي الغامض لمصلحة الطرف
المدين أو لمصلحة المذعن في عقود الإذعان، وتعطي للقاضي السلطة في تعديل بعض أنواع
الشروط التعسفية كما هو الحال بالنسبة لسلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي ومنحت
للطرف الذي عيبت إرادته بعيب من عيوب الرضا الواردة في القانون، طلب إبطال العقد،
مما أدى إلى إختفاء النموذج المبسط المعهود للمنتوج، وبروز سلع وخدمات ذات تقنية
عالية وتركيب صناعي معقد، وإذا كان التطور الاقتصادي يؤذي في غالب الأحيان إلى
رفاهية المجتمعات، كونه يسهل الحياة بفضل الوسائل الحديثة المستخدمة، ويوفر
منتوجات بأصناف وأنواع، مختلفة كالمنتوجات الالكترونية أو الغدائية أو المنزلية...
إلى
أنه -وفي الوقت ذاته- أدى إلى حصول اختلال في التوازن المعرفي بين أطراف العلاقة
الاستهلاكية يشكل فيها المستهلك والمتدخل أحد عناصرها الرئيسية، وقد حاول القضاء
الفرنسي معالجة مسألة عدم تكافؤ المراكز العقدية، فدأب يبحث عن وسيلة يعيد بها
التوازن المفقود في العلم بين الطرفين المتعاقدين ، من خلال تطويع نظرية عيوب
الرضا القائمة على مبدأ سلطان الإرادة وإقرار واجب ضمني بالإعلام أطلق عليه القضاء
الالتزام بالإعلام، واضعا في ذلك نصب عينه سابقة اهتمام المشرع بالعمل على تحقيق
التوازن في المراكز العقدية في عقد الإذعان، حينما سعى إلى معالجة الاختلال بين
طرفي العقد من الناحية الاقتصادية،
ويعتبر
عقد الاستهلاك من أهم العقود التي يرد عليها مثل هذا الإلتزام، وهو عقد ينشأ بين
طرفين أحدهما يسمى مستهلكا والثاني متدخلا، يتم بموجبه نقل المنتوج بين الأول إلى
الثاني، ولعل ما يميز هذا
العقد طرفاه، فيختلف المستهلك عن المتدخل في كون الأول يفتقد إلى المعرفة الكافية
حول تركيب وخصائص المنتوج الفنية،
في
حيـــــــــــن أن المتدخل يتمتع بالاحتراف والتخصص والخبـــرة التي تراكمت لديه
عبر السنــــين، ما أتاح له الإحاطة بكل التقنية المتعلقة بالمنتوج ويأتي دور
الإلتــــــــــــزام بالإعلام في ســد فجوة التفاوت المعرفي بسن المستهلك والمتدخل حيث يتعيــــــــــن على
هذا الأخير إعلام المستهلك بكافـــــــة المعلومات المتوفرة لديه عن السلعة أو
الخدمة، سواء تلك المتعلقة بالحالة المادية للمنتوج أو بالطــــــريقة الصحيحة
للاستعمال أو كيفية حفظه وكذلك بيان المخاطر الكامنة في السلعة والاحتياطات الواجب
اتباعها للوقاية من المخاطر،
الإطار المفاهيمي:
أولا: تعريف الإلتزام بالإعلام.
إن
الإعلام يعني لغة، الإفضاء ويشتق من عبارة علم، علما، أي حصلت له حقيقة العلم
ويقال أعلمه الأمر أي أطلعه عليه.
أما
اصطلاحا فالإعلام عبارة عن بيان أو إشارة أو تعليمات يمكن أن تقدم توضيحا بشأن
واقعة أو قضية ما.
وأول
من نادى بضرورة فرض الالتزام بالإعلام على عاتق المتعاقد الفقيه ربيرRippert.
ويستشف مما سبق أن الالتزام بالإعلام يستلزم من أحد المتعاقدين إعلام المتعاقد
الآخر بكافة الوقائع والمعلومات لضمان تنفيذ العقد. وهذا ما يسميه البعض
"الالتزام الإيجابي" لأنه يفرض الالتزام بالصدق والأمانة نحو المتعاقد
الآخر.
وفي
هذا الإطار يقول الأستاذ عباسي بوعبيد "يبدو أن هذا الالتزام حديث نسبيا في
القانون حيث يتعلق الأمر بدرجة متممة للصدق والصراحة لاعتبار أن المتعاقد ملزم
بالتصرف بشكل إيجابي، وهكذا فعندما يكون المدين على علم ببيان معين ويعتقد بأهميته
بالنسبة للطرف الآخر يجب عليه أن يبلغه إليه.
يجب
إذن أن يكون هذا الالتزام بالإعلام تلقائيا، فلا يجب استغلال ضعف الطرف الآخر الذي
قد لا ينتبه إلى البيانات التي تهمه".
ثانيا: تعريف عقد الاستهلاك .
إن
المشرع المغربي لم يعرف عقد الاستهلاك واكتفى بتحديد أطرافه كل من المهني و
المستهلك في المادة الثانية من قانون حماية المستهلك ، غير أنه في المقابل أعطى
وصف الإذعان بصورة صريحة، مما سيبقيها مرتبطة بتنظيم عقد الإذعان في القانون
المدني، في حين نجد المشرع الفرنسي عرف هذه العقود في المادة 1.114.1 من تقنين
الاستهلاك الفرنسي بأنها " تلك التي تبرم بشأن بيع مال منقول أو تقديم خدمة
من جانب المهني لصالح المستهلك"
إذن
فهو عقد قانوني يربط بين المهني و الحرفي أو المحتكر من جهة و الشخص العادي من جهة
أخرى، وهناك من الفقه من يضيف إلى صفة أطراف العقد ، أن يرد محل العقد على سلع أو
أشياء مادية منقولة أو خدمات، وفي نفس السياق يرى الأستاذ معوش رضا أن عقود
الاستهلاك هي تلك العقود التي يكون موضوعها توريد أو تقديم أشياء منقولة أو خدمات
لفرد هو المستهلك، وذلك من أجل غرضه الشخصي و العائلي ، و الذي لا صلة له بنشاطه
التجاري أو المهني.
أهمية الموضوع:
إن
القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، جاء لاستكمال المنظومة
القانونية الحالية، الخاصة بحماية المستهلك، ويضع إطارا ملائما لتعزيز دور جمعيات
حماية المستهلك، ويهدف هذا القانون إلى الحق في الاعلام، أي تزويد المستهلك بكافة
المعلومات الضرورية، قبل إبرام أي بيع، والحق في الاختيار، أي ضمان حرية الشراء
وفق الاحتياجات والامكانيات المتوفرة لدى المستهلك، والحق في التراجع، أي منح
المستهلك مهلة التفكير أو التراجع في بعص الحالات.
إشكال البحث:
على
الرغم من أهمية الالتزام بالإعلام إلا أن المستهلك لازال يواجه مشاكل عديدة، مما
يقودنا إلى طرح الاشكالية الآتية: إلى أي مدى ساهم الالتزام بالإعلام في حماية
المستهلك من خلال القانون رقم 31.08 وماهي أهم المظاهر الحمائية التي وفرها المشرع
في ظل هذا القانون ؟
لمعالجة
هذه الإشكالية، اعتمدنا في تقسيمنا للموضوع على مبحثين، يخصص الأول للإطار النظري
للإلتزام بالإعلام في عقد الاستهلاك، حيث سنوضح فيه ماهيته، من خلال تعريفه، وبيان
شروطه وفي المبحث الثاني، سنعالج فيه، تطبيقات الالتزام بالإعلام من خلال قانون
حماية المستهلك 31.08
المنهج المتبع:
للإجابات
على التساؤلات السبق ذكره يستم إعتماد المنهج التحليلي الوصفي لمقاربة هذا الموضوع
من مختلف الزوايا.
خطة
البحث:
المبحث
الأول: حماية المستهلك من خلال الالتزام بالإعلام.
المبحث
الثاني: تطبيقات الإلتزام بالإعلام وآثاره.
المبحث الأول: حماية المستهلك من خلال
الالتزام بالإعلام.
يعتبر
منح المستهلك رضاء متبصرا ومتنورا أحد الأهداف الاساسية لقوانين الاستهلاك، لأن
المتعاقد لا يلتزم اتجاه الآخر إلا بما اتفق عليه من التزامات ولا يجوز التوسع في
تفسيرها. هذا ما أدى إلى تعسف المهني في استعمال الحق وذلك بإلزام المستهلك بشروط
تصفية وبالتالي عدم تعادل أطراف العقد مما أدى إلى ظهور التزام بالإعلام لحماية
المستهلك أو المتعاقد الآخر والحد من سلطة قاعدة العقد شريعة المتعاقدين وهذا ما
سيتم التطرق إليه في هذا المبحث وذلك من خلال مطلبين أساسيين. يتمحور المطلب الأول
حول الالتزام العام بالإعلام أما المطلب الثاني فسنتحدث حول الالتزام الخاص
بالإعلام.
المطلب الأول:
الإطار النظري للالتزام بالإعلام.
إن دراسة الالتزام بالإعلام كوسيلة وقائية حمائية تسعى
إلى الوقوف بجانب الطرف الضعيف وخاصة المستهلك، وتقوية مركزه التفاوضي بإنارة
رضائه وجعله يتعاقد وهو على بينة من أمره، وهذا ما سيجعلنا نتوقف عند ماهية
الالتزام بالإعلام (فقرة أولى) وشروطه (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى:
ماهية الالتزام بالإعلام.
يعرف الاعلام لغة بالإفضاء، وحصول الحقيقة بمعرفة الشيء
و تيقنه وإدراكه ، أما اصطلاحا فالإعلام هو عبارة عن بيان أو إشارة أو تعليمات
يمكن أن تقدم توضيحا بشأن واقعة ما[1]، عرف بعض
الفقه الالتزام بالإعلام بأنه: «التزام سابق على التعاقد يتعلق بالتزام أحد
المتعاقدين بأنه يقدم للمتعاقد الآخر عند تكوين العقد البيانات اللازمة لإيجاد رضا
سليم كامل متنور على علم بكافة تفصيلات هذا العقد، وذلك بسبب ظروف واعتبارات معينة
قد ترجع إلى طبيعة هذا العقد أو صفة احد طرفيه أو طبيعة محله، أو أي اعتبار آخر
يجعل من المستحيل على احدهما أن يلم ببيانات معينة أو يحتم عليه منح ثقة مشروعة
للطرف الآخر الذي يلتزم بناء على جميع هذه الاعتبارات بالالتزام بالإدلاء
بالبيانات[2].
يتضح أن الأمر يقتصر في الالتزام بالإعلام، على قيام
المدين بالإدلاء بالمعلومات التي تهم الدائن عن الشيء محل التعاقد بما يعرف به
وينير رضائه ويسهل تنفيذ العقد دون التدخل في شؤونه أو حتى على الإقدام على أمر
معين أو الإحجام عنه، فالتزام البائع المهني مثلا، سيكون عاما يقتصر على تنبيه
المشتري إلى تعهداته وكافة البيانات المتعلقة بالعقد المراد إبرامه، سواء تعلقت
هذه البيانات بالشروط التي يتم التعاقد عليها أو بأوصاف الشيء محل التعاقد، وذلك
حتى يكون على بينة من أمره وعلى علم بكافة تفصيلات العقد، ويعزى سبب هذه الوضعية
إلى عدة ظروف اعتبارية قد ترجع إلى طبيعة العقد المراد إبرامه، أو إلى صفة احد
المتعاقدين، أو بالنظر محل العقد ذاته، أو علاقات الثقة المتبادلة بين المتعاقدين.
الفقرة الثانية:
شروط قيام الإلتزام بالإعلام.
يسعى كل شخص الى السهر على مصالحه و حقوقه، ومع ذلك فان
الامانة التي يجب أن تحكم وتسود مجال انشا العلاقات التعاقدية تفرض على الشخص الذي
يتوفر على معلومات من شأنها أن تؤثر في رضا الطرف الاخر ان يزوده بها تلقائيا خاصة
مع تفاقم ظاهرة عدم التساوي بين أطراف العقد، حيث ظهر جليا محدودية العديد من
المتعاقدين في الحصول على المعلومات الكافية لتكون فكرة جيدة على محل العقد، بل قد
يستحيل عليهم احيانا الوصول الى هذه المعلومات، فكان من الطبيعي أن يؤدي عدم
المساواة في الوصول الى المعلومة، الى ظهور التزام بالإعلام يقع على عاتق الطرف
الذي يعرف المعلومة او من شأنه أن يعرفها.
ومع ذلك فان القيام بهذا الالتزام يتطلب اجتماع بعض
الشروط يمكن إجمالها فيما يلي:
1- معرفة المعلومة:
يجد الالتزام بالإعلام مصدره، كما هو معلوم في عدم
المساواة في المعرفة التي غالبا ما تتطلق بدورها من عدم المساواة في القدرة
والإمكانيات هذه الأخيرة التي تجد مجالها أو مرتعها في العلاقات بين المحترفين
والمستهلكين، وفي هذا الإطار غالبا ما تشكل صفة الاحتراف التي تكون للمدين أهمية
كبيرة للقول بوجود هذه المعرفة، ذلك أنه ونظرا للإمكانيات الفنية والاقتصادية
المتوفرة لهؤلاء المحترفين فإنه يكون من المفروض فيهم أن يكونوا على علم في مجال
اختصاصاتهم بمجموعة من المعلومات التي يكون من شأنها أن تؤثر في رضى المستهلكين.
وهذا ما يفرض على المحترفين تحيين معلوماتهم من أجل أن
يكونوا باستمرار على علم بالتطورات الحاصلة في مجال اختصاصهم حتى يكونوا في مستوى
إعلان المتعاقدين معهم بكل من شأنه ما أن ينير رضاءهم وكذلك غالبا ما يلزم صاحب
المهنة بأن يكون على معرفة بما يجري في مجال اختصاصه، وأن يكون على علم بالتطورات
القانونية والتقنية. فالعلاقة بين المحترف والزبون هي علاقة من يعلم بمن لا يعلم
علاقة المتخصص والخبير بمن لا دراية له. وهذه هي المعرفة " المفترضة هي التي
تبرر تطويقه بالتزام خاص بالإعلام وصل إلى حد أن القضاء الفرنسي أصبح لا يقبل منه
أي ادعاء بجهله للمعلومة التي تدخل في اختصاصه وفي هذا الإطار جاء قرار للغرفة
المدنية الأولى لمحكمة النقض صادر بتاريخ 19 يناير 1977 أنه لا يمكن لصاحب المرآب
نظرا لصفته الاحترافية- أن يجهل عدد الكيلومترات يشير إلى رقم يقل بكثير عما قطعته
السيارة حقيقة حيث أصبحت قرينة العلم قرينة قاطعة في حق المحترفين عندما يتعلق الأمر
بمسائل تدخل في مجال اختصاصهم، وهو ما يفسر نقض محكمة النقض الفرنسية للعديد من القرارات
التي تعترف بإمكانية الصانع أو البائع المحترف بأن يتمسك بجهله للمعلومة التي تدخل
في مجال مهنته أو اختصاصه ونفس السبب أيضا هو الذي جعل هذا القضاء يصرح في العديد من
قراراته بأنه كان يجب على الطرف الذي يحتج بجهله للمعلومة أن يبحث عنها من أجل إعلان
الطرف الآخر ولذلك فإنه غالبا ما يجد المحترف نفسه ملزما بواجب البحث والتحقق من المعلومات
المرتبطة باختصاصه من أجل نقلها إلى زبنائه.
2- معرفة أهمية المعلومة بالنسبة للطرف الآخر:
لا يمكن متابعة متعاقد بخرقه للالتزام بالإعلام إلا إذا
كان يعرف أو يجب عليه أن يعرف أهمية المعلومة التي قام بإخفائها بالنسبة للطرف
الآخر. ومبدئيا يعود لكل طرف أن يبرز للطرف الآخر الأهداف التي يتوخاها من العقد،
ومن ثمة يكون على كل متعاقد، خلال مرحلة التفاوض، أن يفصح عما ينتظره من العقد وما
سيقدمه مقابل ذلك، ومن الطبيعي فإن يتنظر من العقد نتيجة خاصة لا تنتج مباشرة عن
العقد وعن طبيعته، يكون عليه أن يظهرها ويفصح عنها للمتعاقد الآخر وهكذا إذا كان
المتعاقد ينتظر من الخدمة أو الشيء محل العقد مزية أو فائدة خاصة ، فإنه لا يمكن
مؤاخذة الطرف الآخر على عدم تنفيذ التزامه بالإعلام، إذا كان الأول لم يحط الثاني
علما بما ينتظره، حيث يكون على من ينتظر من العقد منفعة خاصة أن يعلم الآخر بما
ينتظره. فمثلا يكون على المشتري لآلة أن يحدد مرحلة التفاوض - الخصائص والمميزات
والنتائج التي ينتظرها من هذه الآلة إذا كان مختصرا في الإفصاح عن ذلك فإنه يعفي
شريكه من المسؤولية، ولذلك يجب أن ينشأ بين الأطراف حوار، فهم ملزمون بواجب
التعاون الذي يدفع المدين إلى أن يعمل كل شيء ليسهل على الدائن الاستفادة من
الخدمة التي يقدمها، كما يجعل الدائن يسعى إلى تسهيل تنفيذ الالتزام على المدين
به.
ومع ذلك، فإن المتعاقد لا يكون ملزما بتقديم لائحة دقيقة
عن كل ما ينتظره من العقد، ذلك أن النتائج التي تترتب مباشرة عن العقد من المفروض
أن تنجز إليه، وهكذا إذا كان المتعاقد يسعى إلى تحقيق آثار عادية من العقد، فإنه
يكون من المفروض على المتعاقد الآخر أن يحيطه علما بكل المعلومات المتعلقة بها ولا
يمكنه أن يتمسك بجهله لها، وعلى هذا الأساس كلما ظهرت أهمية معلومة بالنسبة لأحد
المتعاقدين وتأثيرها في إرضائه للدخول في العقد، فإنه يكون على الطرف الآخر أن
يعلمه بها، وتكون المعلومة مهمة بالنسبة للطرف الآخر كلما كان من شأنها أن تؤدي
إلى اتخاذ قرار قبول المتعاقد وهو على بينة من أمره.
وفي هذا الإطار وفي حالة النزاع، فإنه يكون على الدائن
بالإعلام أن يقيم الدليل على أهمية المعلومة بالنسبة إليه، والتقدير هنا يكون بصفة
ذاتية أو شخصية، حيث يكون على الدائن مثلا أن يثبت أنه أبرز أو أظهر للمتعاقد
الآخر الأهمية المؤثرة لبعض المعلومات عند إبرام العقد، غير أنه يجب أن يؤخذ بعين
الاعتبار أيضا الدليل القائم على مجراه قرائن ،واقعية، ذلك أن الظروف قد تكشف على
أن المتعاقد كان على علم بأهمية المعلومة بالنسبة للمتعاقد الآخر.
ولهذا فالمعلومة الحاسمة هي تلك المعلومة التي لو كان
الطرف الآخر على علم بها، لدفعه ذلك إلى تعديل موقفه، وذلك إما بالتراجع عن إبرام
العقد أو الاستمرار فيه مع إعادة النظر في شروطه، وذلك فالمعرفة التي يتوفر عليها
المحترفون، تجعلهم في كثير من الأحيان قادرين على تحديد حجم ونوع المعلومات التي
تهم المستهلكين، أي تلك التي يكون لها دور مؤثر في قرار التعاقد، وبالتالي فهم
يكونون ملزمون بتقديمها لهم دون طلب منهم، وهكذا أضحى التزام بالإعلام، بحيث لا
يكفي أن يكون المدين على علم بالمعلومة فقط، بل يجب أن يعرف أهميتها بالنسبة
للمتعاقد الآخر ، أي أن تكون تلك المعلومة حاسمة بالنسبة إليه، بحيث لو كان على
علم بها لدفعه ذلك إلى تعديل موقفه الإمتناع عن إبرام العقد أو لإبرامه بشروط أخرى
. ومع ذلك فإنه يمكن الاحتجاج بعدم احترام المتعاقد لالتزامه بالإعلام إلا إذا
استطاع الدائن أن يتمسك بمعرفة المدين لتلك المعلومة من جهة.
المطلب الثاني:
مبررات الالتزام بالإعلام.
ان هاجس تكريس علاقات تعاقدية تطبعها الثقة ويسودها التــــــعاون
والأمانة قد شغل بال الفلاسفة والمفكرين منذ زمن بعيد وقد كان Ciceron[3] من الأوائـــــــل
الذين اثاروا النقاش حول مشكل وجود واجب بالإعلام ومداه، وذلك عند بحثه فيما اذا
كان البائع ملزما بالإفصاح للطرف الآخر (المشـــتري) عن كل المعلومات التي يتوفر
عليها و التي تهم بضاعته[4]، من خلال
واقعة اثارت فضول العديد من الباحثين و الفقهاء[5]
وتتعلق احداثها بما يحمل التاجر شحنة من القمح Cargaison
de Blé)) من الاسكندرية إلى رودس [6](RHODES) في وقت كانت تعرف فيه هذه الاخيرة حالة من القحط والحاجة
(المجاعة) نتج عنها ارتفاع كبير في ثمن المواد الغذائية.
فاذا كان هذا التاجر يعلم أن عددا من التجار غادروا
بدورهم الاسكندرية Alexandrie)).
باتجاه الى رودس (Rhodes) وإذا شاهد
في طريقه سفنا محملة بالقمح تقصد نفس وجهته،
فهل يكون عليه
عند وصوله قبل هذه السفن ان يخبـــر السكان بما يعلم أي أن هناك سفنا محملة بالقمح
متصل إليهم في الأيام القليلة القادمة ام يستغل جهلهم بهذه المعلومة الواقعة ويبيع
قمحه بأكبر سعر ممكن؟
يحاول Cicéron أن يوضح
موقفه حول هذه الواقعة من خلال حوار بين Diogène
de Babylone وتلميذه Antipater ، فبالنسبة
ل Diogene فهو يرى أنه يمكن لهذا التاجر
أن يخفي بصفة مشروعة معرفته بشأن وصول سفن محملة هي أيضا بالقمح في وقت لاحق
وبالتالي أن يبيع بضاعته بثمن مرتفع.
فالحل في نظره يمر من خلال احترام صارم لنصوص القانون
المدني التي لا تلزم البائع الا بالتصريح بعيوب الشيء او البضاعة، وخارج ذلك فهو
لا يكون ملزما بشيء آخر، أما بالنسبة ل Antipater فهو يرى عكس
ذلك، أي أنه يجب على البائع الافصاح عن كل ما يعرفه، حتى لا يجهل المشتري أي شيء
يتعلق بالبضاعة يكون البائع على علم به لان من المفروض في الشخص ان يسعى للتحقيق
الخير والسعادة للأفراد وبالتالي خدمة المجتمع وان المصلحة العامة التي تحكم
المصالح الخاصة تفرض عدم الكتمان.
وهو نفس الموقف الذي اتخذه Cicéron فهو يخلص الى ضرورة التصريح بالمعلومة ويعتبر أن الاستفادة من جهل
الغير يكون مخالفا للطبيعة، ويقول في هذا الإطار إن كل ما تسكت عنه لا يعني أنك
تكتمه، ولكن تكتمه عندما ترغب في ذلك من اجل ان تحقق مصلحتك الخاصة، بأن تجعل من
يكون في حاجة الى المعرفة يجهل ما تعلمه، وهكذا من هذا الذي تغيب عنه طبيعة هذا
الكتمان وعلى من يصدر؟ بالتأكيد فهو لا يصدر عن شخص مستقیم صريح نبيل عادل
بل من شخص مخادع متلاعب... الخ، بل ويذهب Cicéron الى أبعد من
ذلك، ويجعل من التصريح بالمعلومة التزاما يعاقب عليه القانون وذلك بالاعتماد على
حسن النية الذي يسمح بمعاقبة عدم الافصاح عن المعلومة، وهكذا فإنه يكون على الشخص
الذي يتوفر على معلومة تهم المتعاقد الآخر أن يفصح له بها.
وتطرق ايضا Saint
Thomas d Aquin لواقعة السفينة المتوجهة الى رودس في كتابه Somme Théologique وذلك بمناسبة تساؤله عما إذا
كان البائع ملزما بإعلام المشتري بإمكانية انخفاض الثمن لاحقا، هذا الانخفاض الذي
لا يرتبط بعيب في البضاعة بل بسبب آخر كما هو الشأن مثلا بالنسبة للتاجر الذي حمل
قمحه إلى بلاد تعرف نقصا كبيرا في هذه المادة وهو يعلم ان تجارا آخرين.
يحملون كميات مهمة من القمح سيصلون بعده فحسب Saint Thomas إذا كان المشترون على علم بهذا الوصول فهم سيعطون البائع الذي سبق
ثمنا اقل ولذلك فان هذا الأخير لا يكون ملزما بإخبارهم بهذا الوصول مادام ان قيمة
البضاعة لن تنخفض الا لاحقا بعد وصول التجار الآخرين، وهذه الواقعة مجهولة من طرف
المشترين وبالنتيجة فانه يكون باكمان البائع وبدون المساس بالعدالة، بيع بضاعته
بسعر السوق الحالي بدون ان يكون ملزما بالإفصاح بواقعة الوصول الاحق للسفن.
ويضيف St.
Thomas ومع ذلك إذا أفصح عن هذه الواقعة أو خفض الثمن من تلقاء نفسه، فهو
بذلك يتخذ موقفا اخلاقيا نبيلا، ولكن لا يكون ملزما بذلك من ناحية العدل..
المبحث الثاني: تطبيقات
الالتزام بالإعلام من خلال قانون حماية المستهلك 31.08.
يعتبر الإلتزام بإعلام المتعاقد من الإلتزمات التي كثر
الحديث عنها في الآونة الأخيرة وكأنها جزء لا يتجزأ من الواجبات الملقاة على عاتق
أحد أطراف العقد، أو هما معا[7] وبإعتبار
المراحل التي يمر منها العقد، فإنه يثار الإشكال حول الفترة التي يتعين إعلام
المتعاقد الآخر فيها هل مرحلة ما قبل التعاقد وأثناءه فيكون من تم إلتزام قبل
تعاقدي أم في مرحلة تنفيذ العقد فيكون التزام تعاقدي، لذلك إنقسم الفقه إلى عدة
آراء فمنهم[8] من إهتم
بصنف واحد من الالتزام بالإعلام هو الإلتزام التعاقدي، على اعتبار أن هذه
الالتزامات ناشئة عن العقد ومرتبطة به، حتى ولو أن الوفاء بها في بعض الأحيان يتم
في المرحلة السابقة على إبرام العقد أو أثناء إبرامه.
وعلى العكس من هذا الاتجاه إقتصر جانب آخر من الشراح على
دراسة الالتزام بالإعلام قبل التعاقدي لأنه في نظرهم هو وحده الذي يمثل فائدة
بالنسبة للمتعاقد، ومن تم قالوا بالطبيعة قبل العقدية للإلتزام بالإعلام، فهو
مستقل عن العقد ويتعين الوفاء به في المرحلة السابقة على إبرامه.
ونظرا للانتقادات التي قويل الاتجاهان ظهر اتجاه ثالث
يميز بين ما يسمى الالتزام بالإعلام قبل التعاقدي والالتزام بالإعلام التعاقدي،
ولكون هذا التصنيف هو الشائع في الفقه فإننا سنعتمده، وبذلك سنقسم هذا المبحث إلى
مطلبين الإلتزام بالإعلام قبل التعاقد في مطلب أول، على أن تخصص المطلب الثاني
للإلتزام التعاقدي بالإعلام.
المطلب الأول: الإلتزام
بالإعلام قبل التعاقد.
استنتج الفقه المقارن أن مبدأ حسن النية غير كاف بمفرده
لضمان سلامة العقود بحكم عدم وضوح هذا المبدأ ونسبيته وعدم فعالية نظرية عيوب
الرضا في جل المعاملات المدنية، لذا حاول إقامة نظرية عامة للإلتزام بالإعلام قبل
التعاقدي " كإلتزام قائم الذات مستقل بنفسه، إلى جانب نظرية عيوب الرضى التي
تتطلب شروط من غير اليسير تحققها للقول بأبطال الإلتزامات، فالإلتزام بالإعلام
الذي يقع على عاتق أحد المتعاقدين في المرحلة السابقة على إبرام العقد يكمن دوره
بالأساس في جعل رضا الطرف الآخر حرا ومستنيرا وخاليا من الغلط، إذ أنه يساعد على
التعبير عن الرضاء السليم، فهذا الأخير يكون مستنيرا بما فيه الكفاية عندما يتوفر
المتعاقد على عناصر تفاوضية تمكنه من الإقدام على التعاقد لهذا الإلتزام بمعنى
تأثير على إبرام العقد، وبعبارة أدق على ملاءمة العقد كحاجيات الأطراف، وإذا تم
الإخلال به فإن العقد المبرم لن يكون مطابقا للعقد المتوقع ولرغبات الدائن
بالإلتزام بالإعلام.
كما تهدف المعلومات محل الإلتزام قبل التعاقدي[9] بالإعلام
إلى تمكين الدائن من معرفة مضمون الأداء القانوني الخاص بالطرف الآخر، والإحاطة
بجوانبه القانونية والمادية، كما تمكنه من تقدير مضمون الأداء الخاص به، وكذا
الإلتزامات التي يتحملها، ومثال ذلك التزامات المؤمن له بإعلام المؤمن حيث يجب
عليه أن يقدم له تلقائيا عددا من المعلومات متعلقة بشخصه أو بالشيء المؤمن عليه،
وكذلك الحال في عقد الشركة، حيث يتعين على الشريك الأول إعلام الشريك الجديد
بمديونية الشركة وما إذا كانت توجد في حالة تصفية قضائية وكيف تسير في الواقع[10]،
[1] بوعبيد عباسي، الالتزام في العقود، دراسة في حماية المتعاقد
والمستهلك ماي 2008، المطلعة والوراقة الوطنية ، ص 34.
[2] عمر محمد عبد الباقي الحماية
العقدية للمستهلك، ط2، منشأة المعارف، مصر، 2008، ص 189.
[3] - Cicéron (Marcus Tulluis – AV. J.C) avocat, homme politique, philosophe,
esthète. la vie de cicéron. Comme son époque, ont été dramatiques. Issu de
l'aristocratie locale. Il est né à Arpinium (Arpino). Petit bourg rural du
latium.
[4] في هذا
الاطار انظر كتابه:
Cicéron,
de officis, livre 3.12 n50 et s, in les devoirs, livre2 et 3, texte établi et
tradult par maurice testard,deuxième tirage revu corrigé, société d'édition les
belles lettres, collection Guillaume Bude 1984 p.96 et s, l'exposé du problème
s'intègre dans un raisonnement sur le rapport de < l'honnête (honestum) et
de l'« utile» (utile).
[5] حول هذه الواقعة و النقاشات التي
اثارتها انظر:
M.Fabre-Magnan.
De l'obligation d'Information dans les contrats, essal d'une théorie,
préf.J.Ghestin. LGDJ, n33 et s. page26 et s. p.26 et s; D.Berthiau. le principe
d'égalité et le droit civil des contrats préf J.L.Sourioux, LGDJ 1999 n, 226 et
s.p.127 et s, S.Darmaisin, le contrat moral, préf B. teyssié, LGDJ 2000. N527
et s, p.337 et s; B.Rudden, le juste et l'Inefficace pour un non-devoir de
renseignement, RTD civ 1985, p.91 spéc p.79 et s.
[6] Rhodes
(rhodos), la plus orientales des lles de mer Egée. Proche des cotes de la corie
en Asie mineure. 5 Dictionnaire de l'antiquité (mythologie, littérature,
civilisation) sous la direction de M.C.Howatson.éd Robert laffton 1996.p.860.
[7] عبد القادر العرعاري: الكتاب الأول
نظرية العقد مصادر الإعلام، دراسة على ضوء التعديلات الجديدة التي عرفها في بلع
المغربي، الطبعة الثانية 2005، مكتبة دار الأمان ص: 143.
[8] بوعبيد عباسي، الإلتزام بالإعلام في
التطور أطروحة لليل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، السنة الجامعية 2002-2003،
جامعة القاضي عياض، مراكش، ص: 210 وما بعدها.
[9] العربي مياد عقود الإذعان دراسة
مقاولة، الطبعة الأولى 2004 ص: 259.
[10] بوعبيد عباسي، مرجع سابق، ص
216-217.