التنظيم القضائي الموريتاني " دراسة لدور الهيآت القضائية في تكريس مبادئ التقاضي" - محمد عبد الرحمن أحمدو ولد أبُّو





التنظيم القضائي الموريتاني " دراسة لدور الهيآت القضائية في تكريس مبادئ التقاضي"

محمد عبد الرحمن أحمدو  ولد أبُّو

طالب باحث في سلك الدكتوراه - كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية؛ جامعة ابن زهر أكادير - المملكة المغربية

 

The Mauritanian Judicial Organization "A Study on the Role of Judicial Bodies in Upholding the Principles of Litigation"

Mohamed ABDERRAHMANE AHMEDOU EBBOU

 

تمهيد:

يقوم التنظيم القضائي الموريتاني على غرار أغلب الأنظمة القضائية على مجموعة من المبادئ الأساسية التي تمكن السلطة القضائية من القيام بوظيفتها بكل حرية واستقلال. وقد نظم المشرع الموريتاني القواعد الخاصة بالمساطر المتبعة أمام المحاكم الموريتانية سواء تعلق الأمر بمحاكم الدرجة الأولى؛  أو محاكم الدرجة الثانية وسواء كانت محاكم عادية أو محاكم متخصصة .

كما بين المشرع الموريتاني دور المحكمة العليا واختصاصاتها فضلا عن بعض الهيئات القضائية الأخرى والتي تتمثل في محكمة الحسابات و محكمة العدل السامية والمجلس الدستوري؛ ومن بين تلك المبادئ التي يقوم عليها التنظيم  القضائي الموريتاني:

مجانية القضاء : يعني هذا المبدأ أن المتقاضين لا يدفعون للقاضي أجرا على حل نزاعاتهم ؛ نظرا لكون القاضي موظفا للدولة وبالتالي هي التي تدفع له راتبا مقابل خدماته التي يقوم بها.

تجدر الإشارة هنا إلى أن مجانية القضاء لا تعني من الناحية العملية أن الخصوم يتم إعفاؤهم من كل أداء أو رسوم المصاريف القضائية ؛[1] بل قد يكونوا مطالبين بتأدية رسوم  قضائية أو مصاريف الخبرة إذا تم اللجوء إليها وكذلك أتعاب أعوان القضاء في حالة اللجوء إلى خدمتهم[2]، غير أنه يحوز أن تمنح المساعدة القضائية للأطراف الذين يثبتون عجزهم وفقا للشروط المنصوص عليها في القانون[3]

مبدأ الشفوية حيث تناقش الأدلة والحجج أثناء الجلسة ومن أمثلتها شهادة الشهود.

 وفي هذا الصدد نص المشرع الموريتاني في المادة 302 من قانون المسطرة الجنائية على أنه:

(( بعد أداء كل شهادة يمكن للرئيس أن يطرح أسئلة على الشهود؛ وتتمتع النيابة العامة ومحامي المتهم والطرف المدني بهذا الحق طبقا للشروط المحددة في المادة 282))[4]

كما  نص المشرع الموريتاني في المادة 418من قانون المسطرة الجنائية على أنه: (( يقدم وكيل الجمهورية باسم القانون ما يراه لازما من طلبات مكتوبة أو شفهية لصالح العدالة؛ وفي حالة تقديم طلبات من وكيل الجمهورية فإن كاتب الضبط يذكرها في تقرير الجلسة وتلزم المحكمة بالإجابة عليها)).

مبدأ العلنية: يعتبر مبدأ العلنية من أهم الضمانات المخولة للمتهم أثناء المحاكمة وفي هذا الصدد نص المشرع الموريتاني في   المادة 359 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: ((تكون الجلسات علنية؛ غير أنه للرئيس أن يأمر بأن تكون خلف أبواب مغلقة إذا رأى في علنيتها خطرا على النظام العام أو الأخلاق....)).

استقلالية القضاء: نص المشرع الموريتاني في الدستور[5] على أن القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية؛ ومع مراعاة مبدأ استقلالية القضاء يحدد قانون نظامي النظام الأساسي للقضاة وقواعد تنظيم وسير المجلس الأعلى للقضاء[6]. هذا بالإضافة إلى مجموعة من المبادئ الأخرى كوحدة القضاء، حيث تخضع جميع المنازعات لجهة قضائية واحدة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن نظام القضاء الموريتاني يمنع على قضاة الحكم النظر في تلك القضايا التي تكون لهم فيها فوائد شخصية أو ممارسة أي نشاط مهني أو سياسي أو وظيفة عمومية أم خاصة تدر ربحا وتتنافى مع الوظائف القضائية[7]؛ ومما يحسن التنبيه إليه هنا إلى أن القاضي لا يخضع إلا للقانون وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه[8]؛ وسعيا من المشرع الموريتاني في مواكبة مستجدات العدالة تم إنشاء محاكم متخصصة فضلا عن تلك المحاكم العادية؛ حيث تم استحداث محاكم متخصصة في محاربة الفساد و بعض المحاكم المختصة في الجرائم المتعلقة بممارسة العبودية؛  وكذلك بعض المحاكم التي تتولى البت في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث ؛ هذا بالإضافة إلى بعض الهيئات القضائية المتمثلة في محكمة الحسابات ومحكمة العدل السامية؛ وكذا المجلس الدستوري.

أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على التنظيم القضائي الموريتاني وتحديد واقع دور الهيئات القضائية والرقابية في تكريس مبادئ التقاضي.

أهمية الدراسة

 يتميز موضوع التنظيم القضائي الموريتاني بأهمية بارزة لذلك تتمثل الأهمية العلمية لهذه الدراسة في عدة نقاط يمكن إجمالها فيما يلي:

  • حداثة الدراسة في البيئة الجامعية الموريتانية
  • ندرة الدراسات المتعلقة بالتنظيم القضائي الموريتاني خاصة الدراسات الأكاديمية
  • المساهمة في زيادة الإثراء المعرفي في الحقول الدراسية المتعلقة بالتنظيم القضائي الموريتاني ودور الهيئات القضائية والرقابية في تكريس مبادئ التقاضي.

§         في حين تتمثل الأهمية العملية في النقاط التالية:

  • مساعدة الباحثين والمهتمين بهذا المجال ببعض النتائج والتوصيات التي تشكل حصيلة معرفية في هذا المجال.
  • كما أن الإجابة على أسئلة هذه الدراسة سوف تساعد من الناحية العملية في تسليط الضوء على واقع التنظيم القضائي الموريتاني ودور الهيئات القضائية والرقابية في تكريس مبادئ التقاضي.

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل واقع التنظيم القضائي الموريتاني ودور الهيئات القضائية والرقابية في تكريس مبادئ التقاضي وتقريب العدالة من المواطن؛ ومن أجل معالجة هذا الموضوع سأحاول طرح الإشكالية التالية:

ما مدى الدور الذي تقوم به الهيآت القضائية في تكريس مبادئ التقاضي ؟

لتتفرع منها الأسئلة التالية:

ما هي أشكال المحاكم العادية في موريتانية ؟ وما هي  الأدوار المنوطة بالمحاكم المتخصصة ؟ وما هي اختصاصات هذه المحاكم بصفة عامة؟

المنهج المتبع:

فضل الباحث أن يعتمد في هذه الدراسة على المنهج التحليلي حيث سيتم تحليل واقع التنظيم القضائي الموريتاني ودور الهيآت القضائية في تكريس مبادئ التقاضي والاستناد إلى النصوص القانونية التي تتعلق بهذه الدراسة مع الإجابة على تساؤلات الدراسة والرجوع إلى الدراسات السابقة والكتب والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع

بناء على هذا المنهج الذي اعتمده الباحث في دراسة وتحليل موضوع التنظيم القضائي الموريتاني  فإن معالجة الإشكالية الرئيسية والتساؤلات الفرعية المرتبطة بها ستكون وفق التصميم التالي:

المبحث الأول :المحاكم العادية

 المبحث الثاني: المحكمة العليا والهيآت القضائية الرقابية

 

المبحث الأول: المحاكم العادية

ينص المشرع الموريتاني في المادة الأولى من الأمر القانوني رقم 012/2007 الصادر بتاريخ 8 فبراير 2007 المتضمن التنظيم القضائي على أنه:

(( تقام العدالة على تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية، بواسطة: المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف ومحاكم الولايات والمحاكم الجنائية والمحاكم التجارية ومحاكم الشغل ومحاكم المقاطعات وكل محكمة أخرى تنشأ بقانون)). وفي هذا الصدد سأتطرق في هذا المبحث لمحاكم الدرجة الأولى في (المطلب الأول), على أن أتناول في (المطلب الثاني) محاكم الدرجة الثانية

 المطلب الأول: محاكم الدرجة الأولى :

تشتمل محاكم الدرجة الأولى على محاكم عادية (غير متخصصة)؛ وسأتطرق لها في  الفقرة الأولى؛ كما تضم بعض المحاكم الأخرى المتخصصة مثل محكمة الشغل والمحكمة التجارية وكذا المحاكم الجنائية وسأتطرق لهذه المحاكم المتخصصة في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: محاكم الدرجة الأولى العادية (غير متخصصة)

 يقصد بمحاكم الدرجة الأولى تلك المحاكم التي يتم إنشاؤها في المقاطعات باستثناء المقطعات المركزية للولايات؛  وفي هذا الصدد سأتطرق لهذه المحاكم العادية (أولا) على أن أتطرق لاختصاصاتها  (ثانيا)

أولا: أشكال المحاكم العادية

يوجد في التنظيم القضائي الموريتاني نوعين من المحاكم العادية وتتمثل هذه المحاكم في محاكم القاطعات (1) ومحاكم الولايات (2)

1)- محاكم المقاطعات: تنشأ في عاصمة كل مقاطعة محكمة مقاطعة باستثناء المقاطعات المركزية للولايات، و مقاطعات نواكشوط، وتتكون محكمة المقاطعة من قاضي فرد يدعي رئيس محكمة المقاطعة، وتمثل النيابة العامة فيها من قبل وكيل الجمهورية أو أحد نوابه، أو أحد ضباط الشرطة القضائية مفوضا لهذا الغرض، ولها كتابة ضبط.

طبقا لما نص عليه المشرع الموريتاني في المادة 54 من الأمر القانوني المتضمن للتنظيم القضائي الموريتاني[9]

2)- محاكم الولايات: توجد في عاصمة كل ولاية محكمة ولاية، ويشغل منصب رئيس محكمة الولاية رئيس الغرفة الأقدم في الرتبة، وتضم محكمة الولاية عدة غرف منها غرفة مدنية علي الأقل، وغرفة تجارية، وغرفة إدارية، وعدة غرف جزائية من بينها غرفة للأحداث، ويقوم بمهام قاضي التحقيق قاضي أو أكثر، ويمكن أن يعين فيها قاضي مكلف بتهيئة الدعاوى وآخر مكلف بتنفيذ العقوبات، وتمثل النيابة العامة أمامها من قبل وكيل الجمهورية أو نوابه، ولها كتابة ضبط[10].

ثانيا: اختصاص المحاكم العادية

يقصد بالاختصاص تلك السلطة المخولة للمحكمة للنظر والفصل في الدعوى القضائية والدفوع المثارة ضدها؛ وغني عن الذكر أن هذا الاختصاص يقوم على نوع القضايا المعروضة على المحكمة؛ وقيمتها وكذلك موقع المحكمة وبناء على هذه المعايير المعتمدة في الاختصاص سأتطرق للاختصاص النوعي (1) وكذلك الاختصاص المحلي لهذه المحاكم (2).

1)- الاختصاص النوعي للمحاكم العادية

يقصد بالاختصاص النوعي توزيع العمل بين المحاكم بحيث يكون كل نوع من القضايا له محاكم هي المختصة به. يشتمل لاختصاص النوعي للمحاكم العادية وأخص بالذكر محاكم المقاطعات على اختصاص قضائي للمحكمة  (أ)  و اختصاص رئيس المحكمة ( ب)

(أ‌)   - الاختصاص القضائي

يقصد بهذا الاختصاص السلطة المخولة للمحكمة للبت في القضايا التي تنشأ بين الأفراد ليتم الحكم بين أطراف النزاع . تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الاختصاص محدد على أساس طبيعة النزاع (أولا)؛ و قيمة الطلب (ثانيا).

 أولا: طبيعة النزاع يمكن القول استنادا إلى المقتضيات الواردة في المادة 20 من قانون المسطرة المدنية والتجارية والإدارية. أن محاكم المقاطعات هي المختصة بالنظر والبت في أنواع القضايا التالية:

§         كل القضايا المدنية والتجارية ما عدا تلك التي يعود الاختصاص فيها إلى محاكم الولايات أو المحاكم التجارية المحددة بنصوص خاصة[11]

§         النزاعات المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية كالأسرة والطلاق والوفاة والنسب والميراث والوصية؛

§         النزاعات المتعلقة بقضايا لا يمكن تقدير قيمتها بالنقود.

ثانيا: قيمة الطلب تنظر محاكم القاطعات وتبت بأحكام ابتدائية ونهائية في الطلبات التي لا تجوز قيمتها الأصلية (500.000) أوقية أصلا؛ و (50.000 )؛ أوقية  فوائد[12].

( ب) - اختصاص رئيس المحكمة

يختص رئيس المحكمة في إصدار القرارات في القضايا الاستعجالية[13]؛  والأوامر على العرائض؛ طبقا لما هو وارد في المادة 240 وما بعدها من قانون المسطرة المدنية والتجارية والإدارية، وكذلك أوامر الأداء بناء على طلب من الدائن[14].

بعدما تم التطرق للاختصاص النوعي للمحاكم سيتم الحديث عن الاختصاص المحلي للمحاكم.

2)-  الاختصاص المحلي للمحاكم العادية

يقصد بالاختصاص المحلي توزيع العمل بين المحاكم على أساس توزيع جغرافي يتم على أساس التراب الإقليمي للدولة.

لتصبح كل محكمة مختصة بقضايا منطقة معينة يطلق على هذه المنطقة دائرة اختصاص المحكمة؛ وغني عن الذكر هنا أن الهدف من هذا التقسيم هو تقريب القضاء من المواطن و وإعفاؤه من مشقة التنقل إلى المحاكم بعيدا عن محل سكناه[15].

الفقرة الثانية:  المحاكم المتخصصة

نظم المشرع الموريتاني المحاكم المتخصصة على الشكل التالي:

أولا: محاكم الشغل

يمكن أن تنشأ محكمة شغل في عاصمة كل ولاية[16]، وتوجد الآن في موريتانيا محكمتي شغل في انواكشوط  وانواذيبو.

تجدر الإشارة إلى أن محاكم الشغل بما أنها محاكم متخصصة لا تنظر إلا في القضايا الاجتماعية؛ وطبقا لما هو وارد في المادة 306 من مدونة الشغل الموريتانية تكون محكمة الشغل مختصة بالنظر والبت في ما يلي:

§         النزاعات الفردية القائمة بين أصحاب العمل والعمال بمناسبة عقد العمل وعقد التلمذة الصناعية ونزاعات تشريع الضمان الاجتماعي.

§         النزاعات الفردية بين أصحاب العمل بمناسبة تطبيق تشريع العمل والضمان الاجتماعي؛

§         النزاعات الفردية الناشئة بين العمال بمناسبة تطبيق تشريع حوادث الشغل والأمراض المهنية....؛

 وتتشكل محاكم الشغل في موريتانيا  من قاضي رئيس ويساعده مستشارون يعينون طبقا لقانون الشغل؛  وكاتب ضبط رئيس، ونيابة عامة؛ وفقا للمقتضيات الواردة في المادة 49 من الأمر القانوني المتعلق بالتنظيم القضائي.

ومن الملاحظ أن المشرع الموريتاني جعل جهة الاختصاص في نزاعات الشغل الفردية تختص بها المحكمة التي في إقليمها العمل؛ إلا إذا كان النزاع ناشئ عن فسخ عقد عمل فإن الأجير في هذه الحالة له أن يختار ما بين محكمة مكان العمل والمحكمة التي يقيم في دائرة اختصاصها[17].

ثانيا: المحاكم التجارية

يمكن أن تنشأ محكمة تجارية في عاصمة كل ولاية، ويوجد الآن محكمتين تجاريتين في نواكشوط وانواذيبو، أما الولايات التي لا يوجد بها محاكم تجارية فإن الغرف التجارية في  محاكم الولايات هي التي تمارس صلاحيات المحاكم التجارية[18].

تتشكل المحكمة التجارية من قاضي رئيس ومستشاران، وتمثل النيابة العامة فيها من قبل وكيل الجمهورية أو نوابه، ولها كتابة ضبط.

إذا كانت الولاية ليست فيها محكمة تجارية فإن الغرفة التجارية في محكمة الولاية هي التي تختص بالقضايا التي من شأنها أن تختص بها المحكمة التجارية[19]؛

يتمثل اختصاص المحكمة التجارية في القضايا التالية:

§         الأوراق التجارية

§         الشركات التجارية

§         العمليات المصرفية

§         النزاعات بين التجار ؛

§         التأمينات البحرية[20]

ثالثا: المحاكم الجنائية

توجد في موريتانيا محاكم جنائية تبت في القضايا الجنائية ابتدائيا وفي القضايا التي يسندها لها القانون وهو ما أشار له المشرع الموريتاني في المادة 50 من القانون المتعلق بالتنظيم القضائي؛ وهذه المحاكم الجنائية منها بعض المحاكم التي تبت في المسائل الجنائية  بصفه عامه (1)، إضافة إلى  بعض المحاكم الجنائية المختصة  بالبت  في الجرائم المرتكبة من طرف الأحداث(2)؛  إلى جنب محاكم جنائية مختصة بمحاربة الرق(3)؛ وكذلك  بعض المحاكم  التي تتولى البت في جرائم اختلاس المال العام( 4)

1: محاكم  جنائية عامة

تنشأ المحاكم الجنائية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية في عاصمة كل ولاية. وتتشكل من رئيس ومستشارين، ومحلفين، ولها كتابة ضبط، وتمثل النيابة العامة فيها من قبل وكيل الجمهورية أو نوابه[21].

2: المحاكم الجنائية المختصة بالجرائم المرتكبة من طرف الأحداث

أشار المشرع الموريتاني في الفقرة 3  من المادة 50 من التنظيم القضائي للجهة المختصة بمحاكمة الأحداث حيث نص على أنه: (( .... وتشمل المحكمة الجنائية تشكلة  خاصة لمحاكمة الأحداث؛ وذلك طبقا للتشريع الخاص بالحماية الجزائية للطفل))

3-محاكم خاصة بمحاربة الرق

 أنشأ المشرع الموريتاني مؤخرا ثلاث  محاكم جنائية متخصصة[22] وذلك من أجل محاربة الرق وتتوزع هذه المحاكم[23] على النحو التالي:

محكمة جنائية جنوبية: يوجد مقر هذه المحكمة في ولاية نواكشوط الجنوبية ويشمل اختصاصها ولايات لبراكنة؛  وكوركل؛  واترارزة ؛ وتكانت؛  وانشيري ؛ وولايات نواكشوط  الثلاث (الغربية والشمالية والجنوبية).

محكمة جنائية شمالية: يوجد مقرها في انواذيبو وتتبع لها ولايات آدرار وداخلت انواذيبو وتيرس الزمور.

محكمة جنائية شرقية: مقرها في النعمة وينحصر اختصاصها في  الولايات التالية: ولاية الحوض الشرقي؛ ولاية الحوض الغربي؛ ولاية لعصابة؛ ولاية كيدي ماغة.

4)محاكم مختصة  بجرائم اختلاس المال العام.

نص المشرع الموريتاني في القانون رقم 04-2016  على أنه: (( تنشأ في الدائرة الترابية لمجال اختصاص محكمة استئناف انواكشوط  محكمة ابتدائية مختصة في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وتلك المرتبطة بها والتي لا يمكن فصلها عنها. يمتد اختصاص المحكمة على جميع التراب الوطني؛ وتتكون هذه المحكمة من رئيس ومستشارين طبقا لأحكام النظام الأساسي للقضاء))[24].

المطلب الثاني: محاكم الدرجة الثانية (محاكم الاستئناف)

سأتطرق في هذا المطلب لتشكلة محاكم الدرجة الثانية (الفقرة الأولى)، على أن أتطرق في (الفقرة الثانية) لاختصاصات محاكم الاستئناف.

الفقرة الأولى: تشكلة محاكم الدرجة الثانية

تعتبر محاكم الاستئناف محاكم من الدرجة الثانية؛  ولذا فهي الجهة التي تستأنف عندها الأحكام الصادرة ابتدائيا عن محاكم الدرجة الأولي[25]. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يوجد في موريتانيا الآن أربعة محاكم استئناف  في نواكشوط، كيفه، و نواذيبو، ولبراكنة.

 يشغل منصب رئيس محكمة الاستئناف رئيس الغرفة الأعلى في الرتبة، وتتكون من عدة غرف غرفة مدنية واجتماعية، وغرفة تجارية، وغرفة إدارية، وغرف جزائية تشمل غرفة اتهام وغرفة أحداث، وتمثل النيابة العامة فيها من طرف مدعي عام لدي محكمة الاستئناف أو نوابه، ولها كتابة ضبط.

الفقرة الثانية: اختصاصات محاكم الاستئناف

تنحصر اختصاصات محاكم الاستئناف في النظر والبت في الطعون التي ترفع إليها ضد الأحكام  التي تصدر ابتدائيا عن محاكم الدرجة الأولى بشرط أن تكون هذه الأحكام قابلة للاستئناف. هذا وتنظر محاكم الاستئناف و تبت في ما يلي:

-  الطعون المقدمة للاستئناف ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن محاكم المقاطعات والولايات؛ حيث تنص المادة 167 من مدونة الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية على أنه: ((   يهدف الاستئناف إلى إلغاء أو تعديل بواسطة محاكم الاستئناف كل الأحكام والقرارات التي تصدر ابتدائيا من محاكم الدرجة الأولى)).

-  الطعون  ضد الأوامر الصادرة عن رؤساء محاكم المقاطعات أو محاكم الولايات المادة [26]238 من مدونة الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية .

وجدير بالذكر هنا أنه يتعين لتكون محكمة الاستئناف مختصة في تلك الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم الابتدائية أن تكون هذه الأخيرة لا تتجاوز قيمتها خمس مائة ألف أوقية[27] أصلا وخمسين ألف أوقية  فوائد[28].

تقدم الحديث في المبحث الأول عن المحاكم العادية؛  وسيكون الكلام عن بعض المحكمة العليا وكذا الهيئات القضائية الرقابية في المبحث الثاني.

المبحث الثاني: المحكمة العليا والهيآت القضائية الرقابية

سأتطرق في هذا المبحث للمحكمة العليا في المطلب الأول؛ أما المطلب الثاني فسيكون الحديث فيه عن الهيئات القضائية الرقابية والتي تتمثل في محكمة الحسابات ومحكمة العدل السامية  والمجلس الدستوري.

المطلب الأول: المحكمة العليا

تجدر الإشارة هنا إلى أن المحكمة العليا لا تعد من محاكم الدرجة الثانية وإنما هي محكمة قانون وليست محكمة وقائع وأدلة,  كما أنها ليست متخصصة وإنما هي أعلى هيئة قضائية في موريتانيا ويمتد اختصاصها على جميع التراب الوطني[29].

الفقرة الأولى:  تشكلة المحكمة العليا

تتكون المحكمة العليا  في موريتانيا من رئيس للمحكمة  يعين بمرسوم من رئيس الجمهورية لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، وينوبه رئيس الغرفة الأقدم في الرتبة؛ ورؤساء الغرفتين غرف المشورة والغرف المجمعة إضافة إلي غرفتان مدنيتان واجتماعيان وغرفة إدارية وغرفة تجارية وغرفة جزائية، ومستشارين، ونيابة عامة، وأمانة عامة، وكتابة ضبط[30].

الفقرة الثانية: اختصاصات المحكمة العليا

يمكن تصنيف اختصاصات المحكمة العليا إلى نوعين أساسين يتعلق الأول منهما بطلبات النقض الموجهة ضد القرارات والأحكام الصادرة نهائيا عن مختلف المحاكم الوطنية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك،[31] أما فيما يتعلق بالاختصاص الثاني للمحكمة العليا فإنه يتمثل في طلبات الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة الموجهة ضد القرارات الإدارية كما أنها تختص كذلك بالنظر ابتدائيا وانتهائيا  في القضايا التالية:

§         تنازع الاختصاص بين المحاكم.

§         الطلبات المتعلقة بمخاصمة القضاة

§         تعارض القرارات أو الأحكام الصادرة عن محكمة واحدة أو محاكم مختلفة والمتعلقة بنفس النزاع المستند إلى نفس الأسباب.

§         طلبات الإحالة إلى محكمة أخرى

§         القضايا المتعلقة بنزع الملكية للنفع العام

§         النزاعات المتعلقة بالأملاك العامة

§         طلبات مراجعة الإدانة بالإعدام [32]

المطلب الثاني: الهيئات القضائية الرقابية

أولا: محكمة الحسابات:

تم إنشاء محكمة الحسابات كهيئة قضائية نظمها المشرع الموريتاني[33]  بموجب القانون رقم 19-93 الصادر بتاريخ 26 يناير 1993؛ وقد نص المشرع الموريتاني في المادة 3 من القانون أعلاه  على أن محكمة الحسابات مكلفة  بالرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية ؛ كما تبت محكمة الحسابات في حسابات المحاسبين العموميين؛ فضلا عن سهر محكمة الحسابات على حماية الأموال العمومية وكذا العمل على ترشيد وعقلنة العمل الإداري[34].

 ثانيا: محكمة العدل السامية

تعتبر محكمة العدل السامية مؤسسة قضائية مقررة بموجب  الدستور الموريتاني[35].

تتشكل محكمة العدل السامية من أعضاء منتخبين من بين أعضاء الجمعية الوطنية[36]

تتمثل صلاحيات محكمة العدل السامية في محاكمة كل من رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة في الحالات التي يمكن فيها ذلك.

حيث يمكن توجيه الاتهام إلى رئيس الجمهورية في حالة ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى[37].  وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن رئيس الجمهورية لا يمكن أن يتهمه إلا الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني وبالأغلبية المطلقة لأعضائها[38] .

أما فيما يتعلق بأعضاء الحكومة  وكذا الوزير الأول فإنهم مسئولون جنائيا عن تصرفاتهم التي وقعت أثناء تأديتهم لمهامهم والتي تكيف على أنها جرائم أو جنح وقت ارتكابها وتطبق عليهم نفس الإجراءات المطبقة على رئيس الجمهورية في حالة التآمر على أمن الدولة أو على شركائهم  وتتقيد محكمة العدل السامية  بتحديد الجرائم والجنح وكذا العقوبات المقررة لها طبقا للقوانين الجنائية النافذة وقت وقوع تلك الأفعال[39].

ثالثا: المجلس الدستوري

تطرق المشرع الموريتاني في الدستور من المواد 81 إلى 87 الاختصاصات المجلس الدستوري وتتمثل هذه الاختصاصات في السهر على انتخاب رئيس الجمهورية وكذا المسائل المتعلقة بنتائج الاقتراع على انتخابه فضلا عن السهر على صحة الاستفتاء وإعلان نتائجها.



[1]نص المشرع الموريتاني في المادة 6 من الأمر القانوني المتعلق بالتنظيم القضائي على أن: ((العدالة مجانية باستثناء حقوق الطوابع والتسجيل وأتعاب أعوان القضاء والمصاريف التي تنفق في بحث القضايا وتنفيذ القرارات القضائية ...))

[2]محمد يحي ولد عبد الودود؛( 2000)  دروس في القانون القضائي الخاص؛  مطبعة النجاح انواكشوط؛  ص: 13

[3]الفقرة الأخيرة من المادة6 من الأمر القانوني المتعلق بالتنظيم القضائي الموريتاني

[4]   تنص المادة 282 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: (( ....يجوز للمتهم أو لمحاميه توجيه أسئلة بواسطة الرئيس إلى شركائه في التهمة وإلى الشهود كما يجوز للطرف المدني أو لمحاميه أن يوجها في نفس الظروف أسئلة إلى المتهمين والشهود ))

[5]تنص المادة 89 من الدستور الموريتاني على أن  (( السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء، ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه....)).

[6]الفقرة الأخيرة من المادة 89 من الدستور الموريتاني.

[7]المادة 14من النظام الأساسي للقضاة في موريتانيا

[8] المادة 90 من الدستور الموريتاني

[9]الأمر القانوني رقم 012-2007  الصادر بتاريخ 8 فبراير 2007 والمتضمن للتنظيم القضائي

[10]المادة 38 من الأمر القانوني المتضمن التنظيم القضائي الموريتاني

[11]يمكن مراجعة المادتين 26 و 27 من قانون المسطرة المدنية والتجارية والإدارية.

[12]للإيضاح يمكن مراجعة محمد يحي ولد عبد الودود ؛ الوجيز في المسطرة المدنية والتجارية ؛ (بدون ذكر الطبعة ومكان النشر) ص: 67 وما بعدها .

[13]المادة 232  وما يليها من قانون المسطرة المدنية والتجارية والإدارية .

[14]يمكن مراجعة  المواد  (251 و 252 و 253 ) من قانون  المسطرة المدنية والتجارية والإدارية.

[15]محمد يحي ولد عبد الودود ؛ الوجيز في المسطرة المدنية والتجارية ؛مرجع سابق ؛ ص: 62

[16] المادة 49 من الأمر القانوني المتضمن التنظيم القضائي الموريتاني

[17]طبقا لما هو وارد في المادة 307 من مدونة الشغل الموريتانية

[18]المادة 46 من الأمر القانوني المتعلق بالتنظيم القضائي

[19] الفقرة الثانية من المادة 46 من الأمر القانوني المتضمن التنظيم القضائي الموريتاني

[20] يمكن مراجعة المادة 27 من قانون المسطرة المدنية والتجارية والإدارية للإيضاح في اختصاص الغرفة التجارية في محكمة الولاية .

[21] المادة 50 من الأمر القانوني المتضمن التنظيم القضائي الموريتاني

[22]تم إنشاء هذه المحاكم بموجب المرسوم المنشئ لثلاث محاكم جنائية مختصة وذلك تطبيقا للقانون 2015- 031 الصادر في أيلول سبتمبر 2015  ضمن خريطة طريق أقرتها الحكومة من قبل لتوسيع وتجذير السياسات المنفذة في مجال محاربة الرق

[23] يمكن مراجعة المادة 20 من القانون رقم 2015-031 المتعلق بتجريم العبودية

[24]المادة 33 من القانون رقم 04-2016  المتعلق بمكافحة الفساد

[25] المادة 31 من الأمر القانوني المتضمن التنظيم القضائي الموريتاني

[26] تنص المادة 238 من مدونة الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية على أنه: (( تنفذ الأوامر الاستعجالية بصفة مؤقتة دون تقديم أي كفالة ما عدا إذا أمر القاضي بخلاف ذلك؛ وهي قابلة للطعن بالمعارضة والاستئناف؛.....))

[27]نص المشرع الموريتاني في المادة 20 من مدونة الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية على أنه: (( تنظر محاكم المقاطعات في القضايا المدنية والتجارية التالية: تحكم ابتدائيا ونهائيا في الدعاوي  التي يمكن تقدير قيمتها بالنقود  والتي لا تتجاوز قيمتها   500.000  أوقية  أصلا و 50.000  أوقية محصولا؛

كما تنظر وتحكم ابتدائيا فقط في الدعاوي المدنية التي تتجاوز قيمتها 500.000 أوقية أصلا 

و50.000  أوقية محصولا؛ وكذلك كل النزاعات التي لا يمكن تقدير قيمتها بالنقود والمتعلقة بالأحوال  الشخصية كالأسرة والطلاق والوفاة والنسب والوصية والميراث....))

[28] للمزيد من الإيضاح يمكن مراجعة محمد  يحي عبد الودود ؛ الوجيز في المسطرة المدنية والتجارية ؛ مرجع سابق؛ ص: 73

[29] المادة 11 من الأمر القانوني المتضمن التنظيم القضائي الموريتاني

[30] المادة 13 من الأمر القانوني المتضمن التنظيم القضائي الموريتاني

[31]  محمد يحي عبد الودود دروس في القانون القضائي الخاص؛ مرجع سابق؛  ص: 94

[32] محمد يحي عبد الودود؛  دروس في القانون القضائي الخاص، مرجع سابق، ص: 96

[33] الفقرة قبل الأخيرة من المادة 68 من الدستور الموريتاني

[34]محمد يحي عبد الودود؛ دروس في القانون القضائي الخاص؛ مرجع سابق؛ ص: 32

[35]المادة 93 من الدستور الموريتاني.

[36]المادة 92 من الدستور الموريتاني

[37]الفقرة الأولى من المادة 93 من الدستور الموريتاني.

[38]يمكن مراجعة الفقرة الثانية من المادة 93 من الدستور الموريتاني.

[39]الفقرة الأخيرة من المادة 93 من  الدستور الموريتاني. 



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك



من أجل تحميل هذا العدد التاسع عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث