دور سلطات التنفيذ في التشريع الموريتاني - باهي ولد معط مولان


دور سلطات التنفيذ في التشريع الموريتاني

The role of the enforcement authorities in Mauritanian legislation

باهي ولد معط مولان / طالب باحث في السنة الثالثة في  سلك الدكتوراه في كلية العلوم القانونية والاقتصادية جامعة نواكشوط.

BAHI Wald Wueti Mulan



التنفيذ[1] بصفة عامة هو إعمال القواعد القانونية في الواقع العملي، فهو حلقة الاتصال بين القاعدة و الواقع ، وهو الوسيلة التي يتم بها تسيير الواقع على النحو الذي يتطلب القانون .

والأصل أن يتم تحقيق القواعد القانونية في الواقع العملي بصورة تلقائية من خلال سلوك الأفراد اليومي المعتاد  ، إذ تخاطب القواعد القانونية إرادة الأفراد وهم ملزمـــون باحترامها و تنفيذها ، فالحياة اليومية لكل فرد تتضمن تنفيذا تلقائيا للقواعــــد القانونية المختلفة . فمـــثلا في امتناع الفـــرد عن ارتكاب الجرائم تنفيذا لقواعد القانون الجنائي ، وقيامه بشراء أو بيع بعض السلع تنفيذا لقواعد القانون المدني ..الخ،

ولكن قد لا يحدث التطبيق التلقائي للقواعد القانونية ، وفي هذه الحالة يتم إجبار الأفراد على احترام القانون و تطبيقه وذلك بتنفيذ التزاماتهم وذلك ،ما تقوم به الدولة بواسطة إحدى سلطاتها العامة وهي السلطة القضائية.[2]

ويتمثل ذلك في السلطات التي اسند لها المشرع مهمة التنفيذ ، حيث تلعب هذه السلطات دورا مهما في إجراءات التنفيذ و متابعته والإشراف عليه حتى تصل الإجراءات إلى نهايتها و تحقيق النتيجة المرجوة منها من طرف طالب التنفيذ و التي هي استخلاص حقه من مدينه بعد بيع ممتلكاته و أخذ حقه من ثمنها .

ويأتي هذا الدور الذي تقوم به سلطات التنفيذ بعد أن منع المشرع على الأشخاص  اقتضاء حقوقهم بأنفسهم من مدينهم و إلزام الدولة بالتدخل ممثلة في السلطات القضائية للفصل في جميع الحقوق التي تكون محل نزاع بين الأفراد ،وهذا هو الوجه الأول لقاعدة عدم اقتضاء الشخص حقه بنفسه لنفسه ،ولتي غدت سمات المجتمعات المتحضرة ولا يقتصر مجال اعمال القاعدة المتقدمة على مرحلة التقاضي كما أسلفنا ، بل يمتد ليشمل مرحلة التنفيذ .

ولذا فان الوجه الثاني للقاعدة أعلاه هو منع الدائن من إجراء التنفيذ بنفسه ضد مدينه اقتضاء لما يتقرر له من حقوق ، وإنما عليه أن يستعين بالسلطة العامة في استفاء حقه قهرا وعلى هذه السلطات أن تعينه بما لديها من قوة وفق القانون .

وتعد مرحلة التنفيذ امتداد طبيعي لمرحلة التقاضي ، فالأمر قد لا يحسم على نحو واضح إلا بعد تنفيذ ما تقرره الأحكام من حقوق فبدون هذا التنفيذ لا يعدو الحكم سوى تقرير نظري للحق لا يمثل لصاحبه شيئا.[3]

وتتركز مهام سلطات التنفيذ أساسا في متابعة إجراءات التنفيذ و مدى سلامتها ،والبت في النزاعات التي قد تعترض سير تلك الإجراءات ،وتختلف سلطات التنفيذ من نظام إلى آخر ، و التقاليد القضائية لكل بلد ، فهناك من أسند مهمة التنفيذ إلى قاض مختص بالرقابة و الإشراف على إجراءات التنفيذ و البت في النزاعات التي قد تحدث أثناء سيرالإجراءات . [4]

و هناك من الأنظمة من تركه من اختصاص القضاة بصفة عامة و يجري تحت رقابتهم و إشرافهم  وحسب المحكمة التي تصدر السند التنفيذي أو المحكمة  محل التنفيذ ، و يساعدهم في ذلك موظفون عموميون يطلق عليهم  أعوان القضاء و في التشريع الموريتاني العدول المنفذين .

    و قد أخذ المشرع الموريتاني بهذا النظام الأخير ،و تبعا لهذا النظام فإن القضاة لا يباشرون إجراءات التنفيذ إلا في بعض الحالات الخاصة – كالبيع بالمزاد العلني –و إنما يراقبون تلك الإجراءات و يفصلون في النزاعات التي قد تنشأ أثناءها  ،و الذين يباشرون تلك الإجراءات هم موظفون أو مأمورون عموميون يقومون بتلك المهمة بطلب من ذي المصلحة الذي يقدم إليهم سند تنفيذي يحمل الأمر بالتنفيذي ،و هو ما يسمى بالصيغة التنفيذية و التي هي صيغة تدل على أن الدولة تأمر بتنفيذ هذا السند أيا كان نوعه ، وقد تضمنت هذه الصيغة المادة 298 من ق ا م ت ا .[5]

ولذا فإن سلطات التنفيذ التي تباشره وفق التشريع الموريتاني ،هم العدول المنفذين الذي نظم المشرع مهامهم و صلاحياتهم بالقانون رقم :97/018 المتضمن النظام الأساسي للعدول المنفذين و، ق ،ا ،م ، ت ، ا ، و القضاة رؤساء المحاكم الذين يراقبون سير الإجراءات ، و كتاب الضبط و الذي أسند إليهم المشرع مهمة القيام بأعمال التنفيذ في الحالات التي لا يوجد لدى المحكمة محل التنفيذ عدل منفذ ، وذلك بتكليف من رئيس المحكمة المختصة محل التنفيذ [6]، كما أن للنيابة العامة ممثلة في المدعي العام لدى محكمة الاستئناف  ووكيل الجمهورية دور مهم ورقابي على الإجراءات التي يقوم بها أعوان التنفيذ ، حيث يخضعون لوصايتهم و الرقابة على الاعمال التي يقومون بها .كما أن النيابة العامة هي من تقدم لهم يد المساعدة عند الحاجة من خلال القوة العمومية [7].

    وقد نظم المشرع دور القضاة و اختصاصاتهم في مجال التنفيذ في قانون الإجراءات المدنية و التجارية و الإدارية ، و كذلك دور النيابة العامة ، كما تضمنه القانون المتضمن النظام الأساسي للعدول المنفذين .و من أجل دراسة سلطات التنفيذ في التشريع الموريتاني ، سنتناول ، دور القضاة و العدول المنفذين ( فرع أول ) و دور النيابة العامة و كتاب الضبط ( فرع ثاني ) .

الفرع الأول _ دور القضاة و العدول المنفذين في التنفيذ

إن  جوهرية دور القضاة في تحقيق العدالة بصفة عامة ، و التنفيذ بصفة خاصة لا مراء فيه ، وذلك لما منحهم المشرع من مهام و اختصاصات ، كالرقابة و الإشراف على إجراءات التنفيذ ، و الفصل في النزاعات التي قد تعترض سير إجراءات التنفيذ .و هو الدور الذي كلف به من هو في هذه المرتبة والمقام عبر التاريخ من خلال الشرائع و الأديان ، و الذي كان أخرها الشريعة الإسلامية و السنة النبوية ومنهجها، و الخلفاء من بعد ذلك  إلى يومنا هذا . فالهدف الأسمى و الحقيقي الذي نصب القضاة من أجله هو إيصال الحقوق إلى أهلها ، قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ....)[8] ووسيلة ذلك هي تنفيذ الحكم القضائي الصحيح الذي إستكمل كافة شروطه و أركانه  القانونية .[9]

و قد كرست هذا الدور معظم التشريعات الحديثة ، وذلك لما منحت للقضاة من ضمانات تكرس استقلالية القضاء و حرية الرأي و الإرادة من أجل تحقيق العدالة ، والتي من أهمها أن القاضي لا يخضع إلا لسلطة القانون [10].

 أما دور العدول المنفذون فهم من يباشر عمليا  إجراءات التنفيذ ، من تبليغات ، و إنذارات و استدعاءات و تنفيذ السندات ، لكنهم يعودون إلى القضاة في كل  الحالات التي تعترضهم بعض الإشكالات و الصعوبات أثناء سير إجراءات التنفيذ من اجل الفصل فيها و تذليلها  .

و قد نظم المشرع مهام العدول المنفذين في القانون   رقم : 97/018 المتضمن النظام الأساسي للعدول المنفذين  ، و القانون رقم 99/035 المتضمن قانون الإجراءات المدنية و  التجارية و الإدارية  ، حيث عرفته المادة الأولى من القانون المنظم لمهنة العدول المنفذين بأن العدل المنفذ هو مأمور عمومي وعون للقضاء [11].

و يمنع على العدل المنفذ  أن يمتنع بدون عذر مقبـــول تقديم المساعدة التي تجب للقضاة و المتقاضين [12]، وقد  حددت المادة 6 من القانون أعلاه مهام و اختصاص العدل المنفذ .إن دور العدل المنفذ في مجال القضاء ، و التنفيذ بصفة خاصة  أساسي و جوهري  ، حيث يعتبر هو المحرك لعملية التنفيذ ، فهو أول من يظهر من سلطات التنفيذ و ذلك بعد تقديم إليه سند تنفيذي من طرف طالب التنفيذ .ولذا سنتناول ، دور القضاة في التنفيذ ( فقرة أولى ) و دور العدول المنفذين ( فقرة ثانية ).

الفقرة الأولى _ دور القضاة في التنفيذ

تتباين التشريعات بصدد السلطة التي تباشر التنفيذ بين نظامين مختلفين ، فهناك من التشريعات من يأخذ بنظام مؤسسة قاض التنفيذ ، الذي يهيمن على إجراءاته ،  والذي يتمتع بسلطات واسعة بشأنه ، بحيث لا يجري إلا بإذنه و تحت رقابته ، فهو من يشرف عليه إشرافا فعليا و مباشرا ، كما يشرف على القائمين بإجراءاته في كل خطوة أو تصرف يقومون بها . فوفقا لهذا النظام ، ينحصر دور أعوان التنفيذ _العدول المنفذين _ في أعمال الإعلان و إجراءات التنفيذ . وهناك بعض التشريعات يأخذ بنظام يشرف فيه  القضاة رؤساء  المحاكم على إجراءات التنفيذ من ناحية الرقابة على سير الإجراءات ، بينما من يتولى أعمال التنفيذ هم أعوان التنفيذ _ العدول المنفذين وأعوانهم  _ حيث يقتصر دور القضاة على البت في النزاعات التي تنشأ أثناء سير الإجراءات و إصدار الأحكام  و القرارات القضائية الفاصلة في تلك الإشكالات و إزالة العقبات التي تعترض التنفيذ و تذليلها   ، بينما يقوم أعوان التنفيذ بباقي الإجراءات من تبليغ وإعلان للبيع بالمزاد ..الخ[13].

و قد أخذ المشرع الموريتاني بهذا النظام الأخير ، حيث يلعب القضاة  دورا جوهريا و أساسيا في إجراءات التنفيذ وفقا لما تضمنه قانون ، ق ، ا ، م ، ت ، ا ، من اختصاصات منحها لهم المشرع ، ولذا سنتناول ، أنواع الأنظمة المتبعة في التنفيذ ( أولا ) و مهام القضاة و اختصاصاتهم في التشريع الموريتاني ( ثانيا ) .

أولا – أنواع الأنظمة المتبعة في التنفيذ

    ثمة سلطة معينة تباشر إجراءات التنفيذ ، وهذه السلطة لا تتمثل في الدائن لأنه لا يقوم بالتنفيذ بنفسه و إنما ينحصر دوره في تحريك النشاط القضائي بهدف البدأ في التنفيذ ، كما أن هذه السلطة لا تتمثل في المدين لأنه لا يقوم بالتنفيذ أيضا بل يخضع له ، فالسلطة التي تباشر التنفيذ إذا هي سلطة خارجة عن كل من  الدائن و المدين .[14] و يوجد في هذا الاطار نظامين متمايزين أخذت بهما التشريعات الحديثة ، و لكل منهما إيجابياته و سلبياته ، فهناك من التشريعات من أخذ بنظام قاض التنفيذ ، وهناك من أخذ بنظام آخر ترك الإشراف العام للقضاة و أعوان التنفيذ .ولذا سنتناول النظامين تباعا .

أ_ نظام مؤسسة قاض التنفيذ

    إن البحث المستمر عن تحقيق العدالة و تحديث قطاعها ، جعل الاتجاه التشريعي المعاصر يدعو إلى جعل القضاء متخصصا حسب الميادين ، مما يستوجب تخصيص قاض ينفرد بالإشراف و الرقابة على إجراءات التنفيذ ،وهو ما يسمى بمؤسسة قاض التنفيذ ،يكون   أكثر قدرة و ملاءة للتغلب على الإشكالات التي يثيرها أطراف التنفيذ ، و حسب هذا النظام ، فإن قاض  التنفيذ يتمتع بسلطات واسعة ، فهو صاحب الاختصاص في النظر في الإشكالات المتعلقة بسندات التنفيذ و النزاعات التي تظهر بمناسبة سير الإجراءات حتى ولو كانت منصبة على موضوع الحق.[15] و تمنح التشريعات التي أخذت بهذا النظام سلطة واسعة و فعالة للقاضي المختص بالتنفيذ من حيث الهيمنة و الصلاحيات ، حيث يكون لهذا القاضي سلطة استدعاء المدين بما يتلاءم مع إدعاءاته التي قد يراها ظاهرة الجدية ، كما يمكن له أن يؤجل التنفيذ إذا قام المدين بالوفاء الجزئي ، أو قدم كفالة أو كفيلا مقتدرا ، وله حسب هذا النظام أن يحدد طريقة الحجز التي تتلاءم مع مصلحة كل من الدائن و المدين ، بل ومصلحة الغير إن كان.

 وإذا أمر بإجراءات التنفيذ كانت له عليها هيمنة كاملة من الناحية الإدارية كرئيس لمحكمة التنفيذ، ومن الناحية القضائية كقاض .إذا تلك هي أهم الاختصاصات التي يمنحها هذا النظام لقاض التنفيذ . و تعود جذور هذا النظام   إلى الدولة العثمانية ، حيث أخذته عنها بعض الدول التي كانت تخضع لها مثل لبنان وسوريا و العراق والأردن .. الخ ،

كما أخذت به بعض التشريعات مثل ايطاليا سنة 1942  و فرنسا سنة 1972 .[16] و مما تقدم يتضح أن قاضي التنفيذ في  مثل هذه التشريعات المتقدمة ، يحقق وظيفتين متميزتين ، و تستقل كل واحدة منهما عن الأخرى ، بحيث يمكن أن يختص بواحدة منهما دون الأخرى،  فتكون له فقط سلطة الفصل في جميع المنازعات القضائية المتعلقة بالتنفيذ ، أو تكون له فقط السلطة الإدارية و الولائية في الهيمنة على سير إجراءات التنفيذ  و الإشراف عليها ،بحيث لا تتم إلا به ، و إذا تمت فإنها تخضع لمراقبته و إشرافه ، وهناك من يجمع بينهما .[17]

إضافة إلى ما سبق من ضرورة التخصص حسب ميادين العدالة ، فإن هناك سبب آخر ربما لا يقل أهمية عن الأسباب أعلاه ، وهو ضرورة تسريع إجراءات التنفيذ و التقليل من تكاليفها و لا يمكن ذلك إلا بتخصيص محكمة مختصة بمجال التنفيذ ، حيث إذا تعلق البت في الإشكالات التي قد تعترض الإجراءات برؤساء المحاكم العادية ، ربما يكون ذلك سببا في التأخر في الفصل في تلك النزاعات بسبب اكتظاظ جداول تلك المحاكم و يؤدي في النهاية إلى  التأخر في إتمام إجراءات التنفيذ ، وهو ما يسعى هذا الاتجاه تفاديه بتخصيص قاض مستقل لإتمام إجراءات التنفيذ ، وهو ما يراه هذا الاتجاه أقرب الحلول .

ب – نظام إشراف القضاة رؤساء المحاكم على التنفيذ

    إن النظام الثاني الذي أخذت به بعض التشريعات ومنها موريتانيا ، هو النظام الذي أسند إلى القضاة رؤساء المحاكم ، الإشراف على سير إجراءات التنفيذ ، و خاصة الفصل في الإشكالات و الصعوبات التي تعترض إجراءات التنفيذ، و تلقي الطعون المقدمة من الإطراف ، و الفصل فيها ،كما أنهم يشرفون على البيع بالمزاد العلني ، و بصفة عامة هم من يجري التنفيذ بإشرافهم و تحت رقابتهم ، و ذلك بتقديم عريضة كتابيا أو شفهيا إلى رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم ،مع مراعاة الحالات التي يتم فيها استئناف الأحكام.[18]

أما من يقوم بباقي إجراءات التنفيذ مثل التبليغات و الإنذارات و الحجز والبيع بالمزاد العلني ، فهم أعوان التنفيذ[19]– العدول المنفذين في التشريع الموريتاني -.و تتم تلك الإجراءات بعد تكليف  العدل المنفذ من طرف  طالب التنفيذ وتزويده بسند تنفيذي مستوفيا للشروط القانونية ، لكن ذلك يتم بإشراف المحكمة المختصة محل التنفيذ باستصدار أمر بالتنفيذ  ، وتبت المحاكم في الإشكالات التي تتلقاها من الأطراف وأعوان التنفيذ حسب نوعية الإشكال ، فإذا كان الإشكال وقتي يتعلق بالإجراءات الشكلية ، فإن المحكمة محل التنفيذ تبت فيه مباشرة ، أما إذا كان الإشكال  يتعلق بموضوع النزاع فإن الاختصاص يعود للمحكمة التي أصدرت السند التنفيذي ، إذ كانت  المحكمة محل التنفيذ ليست هي  من أصدر الحكم  .[20] و رقابة القضاء على أعمال التنفيذ التي يقوم بها أعوان التنفيذ تضمنتها عدة نصوص و التي من ضمنها ، المادة 312 من ق ا م ت ا ،و التي نصت على أنه   " يجوز للعون المنفذ إبان قيامه بتبليغ الأمر القاضي بالتنفيذ الجبري أن يستأذن بأمر من رئيس المحكمة بمكان التنفيذ في أن يحجز بصفة تحفظية أموال المدين المنقولة ، إذا ظهر له أن الإجراء ضروري للحفاظ على حقوق المستفيد من التنفيذ " إن كان هذا في مجال المنقولات .و نفس الموقف تضمنته المادة 303 من القانون أعلاه المتعلقة بتنفيذ الأحكام الأجنبية ، مما يفيد سيطرة القضاة على إجراءات التنفيذ في هذا النظام.

ثانيا – صلاحيات القضاة و اختصاصاتهم في التنفيذ في التشريع الموريتاني

منح المشرع الموريتاني للقضاة رؤساء المحاكم ، صلاحيات واسعة واختصاصات متعددة في مجال التنفيذ ، دون تخصيص محكمة معينة بالبت و الإشراف على أعمال التنفيذ ، إنما ترك الأمر، إما للمحكمة التي أصدرت السند التنفيذي ، أو المحكمة التي سيجري التنفيذ في دائرة اختصاصها . وقد تنوعت هذه  المهام والاختصاصات ، و التي  من أهمها ، البت في الصعوبات التي تعترض سير إجراءات التنفيذ ، و الإشراف على المهام التي يقوم بها أعوان التنفيذ  المتعلقة بسير الإجراءات ، وحيث أن أعوان التنفيذ ملزمون بالرجوع  إلى القضاة في كل إجراء يقومون به .و لذا سنتناول ، اختصاص القضاة في البت في النزاعات التي تعترض إجراءات التنفيذ ( أ ) و الإشراف على باق إجراءات التنفيذ ( ب ) .

أ _ اختصاص القضاة بالبت في نزاعات التنفيذ

إن منازعات التنفيذ هي العوارض القانونية التي تعترض سير التنفيذ ، و تتضمن إدعاءات أمام السلطات القضائية المختصة ، بحيث لو صحت لأثرت في التنفيذ سلبا أو إيجابا ، فقد يترتب عليها أن يكون التنفيذ جائزا أو غير جائز ، صحيحا أو  باطلا ، يجب وقفه أو الحد منه أو الاستمرار فيه [21] .

وهي المنازعات المتعلقة بتنفيذ السندات التنفيذية ، سواء كانت هذه السندات ، أحكاما أو محررات موثقة أو أحكاما لمحكمين أو غير ذلك من أنواع   السندات التنفيذية . وقد عرفها البعض بأنها ، كل المنازعات الواقعية أو القانونية المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات القابلة للتنفيذ ، والتي يثيرها الأطراف أو الأغيار ، وتعرض على قاض المستعجلات بقصد اتخاذ إجراء استعجالي ، هو وقف التنفيذ أو الاستمرار فيه .[22] وقد تناول المشرع الموريتاني منازعات التنفيذ في عدة نصوص من أهمها ،  المادة 307من فانون ، ق ، ا  ، م ، ت ، ا ،و التي نصت على أنه:

 " إذا كانت الصعوبات المثارة بشأن تنفيذ حكم أو عقد تتطلب حلا سريعا تبت المحكمة محل التنفيذ مؤقتا في تذليل تلك الصعوبات ، و تحيل النظر في الموضوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التي أبرم العقد بدائرتها ".و نفس الموقف تضمنته المادة 232 في حالات الاستعجال و ذلك بنصها على أنه "في جميع حالات الاستعجال ،أو إذا ما أريد البت مؤقتا في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ سند تنفيذي أو حكم ، فإن القضية ترفع إلى رئيس المحكمة المختص بوصفه قاض الأمور المستعجلة ". و نفس الموقف نصت عليه المادة 17 من نفس القانون ، و التي نصت على أنه " تنظر كل محكمة في صعوبات تنفيذ أحكامها ، و خاصة تلك المتعلقة بالمصاريف القضائية المعروضة عليها ..... ".

 يفيد مقتضى النصوص أعلاه ، أن المشرع جعل من اختصاص القضاة رؤساء المحاكم الفصل  في الصعوبات التي تعترض التنفيذ ، سواء كانت وقتية أم موضوعية ، فالصعوبة باعتبارها خصومة قضائية متعلقة بالتنفيذ لها وجهان ، بحسب المطلوب فيها ، فإما أن يطلب فيها إجراء وقتي غير ماس بالأصل و مؤسس على عنصر الخطر ، ويكون هذا الطلب بوقف التنفيذ أو الاستمرار فيه مؤقتا لحين البت في موضوع الطلب ،ويتضح ذلك من خلال مقدمي الطلب ،  وفي هذه الحالة نكون أمام صعوبة مؤقتة ، و إما أن يطلب فيها الفصل في موضوع  النزاع الذي بنيت عليه الصعوبة بحكم حاسم في الموضوع ، فحينئذ نكون أمام صعوبة موضوعية ، ويمكن رفع المنازعة من كل ذي شان ، سواء كان أحد أشخاص خصومة التنفيذ ، أو كان من غيرهم ن  و أول ما يتبادر إلى الذهن هو إثارة الصعوبة من المنفذ ضده سواء كان المدين أو الحائز أو الكفيل  .[23]

ب – إشراف القضاة على باقي إجراءات التنفيذ

إضافة إلى الاختصاصات السابقة ، و المتعلقة بالفصل في صعوبات التنفيذ و تذليلها ، فإن من اختصاصات القضاة في مجال التنفيذ في التشريع الموريتاني  ، الاختصاص بعدم إمكانية تنفيذ الإحكام  الأجنبية ولا العقود المحررة في بلد اجنبي  في موريتانيا إلا بعد التصريح بذلك من قبل محكمة موريتانية [24] .كما أن القضاة رؤساء المحاكم ، هم من تقدم إليهم العريضة التي تبدأ بها إجراءات التنفيذ ، وذلك بتقديمها لرئيس المحكمة التي أصدرت الحكم مع مراعاة مقتضيات المادة 186 و التي تتعلق الحالات التي ييتم فيها استئناف الاحكام . [25]

     كما أن لهم دور رقابي على أعوان التنفيذ أثناء ممارستهم لمهامهم ، بحيث لايمكن أيا منهم أن يقوم بإجراء أي حجز تحفظي  إذا كان ضروريا وتتطلبه مصلحة الأطراف وخاصة الدائن ،  إلا بعد أخذ إذن رئيس المحكمة محل التنفيذ في ذلك .[26] كما أن   لرئيس المحكمة الذي قام بتعيين العون المنفذ ،  الاختصاص في تقدير المصاريف التي يمكن أن تترتب على حراسة الأموال المحجوزة و بيعها ، وبصفة عامة هو المختص بتقدير جميع المصاريف المتعلقة بالتنفيذ الجبري.[27] وله أيضا الاختصاص في الاشراف على توزيع حصيلة البيع وذلك  حسب مرتبة الدائنين  ،و قبل البدء في التوزيع على رئيس المحكمة محل التنفيذ أن يتحقق من الديون ثم يشرع في التوزيع ، إذا لم يكن هناك نزاع بين الأطراف أو الدائنين يتعلق بمرتبتهم أو صحة الوثائق التي قدمت لتثبت ذلك .[28]

      إن مقتضى النصوص أعلاه يتضح من خلاله أن المشرع منح للقضاة رؤساء المحاكم صلاحيات واسعة في مجال التنفيذ ، و هي من مميزات هذا النظام والذي قد تترتب عليه بعض الاثار،و خاصة ربما التأخر في الفصل في تلك الصعوبات ، مما سينعكس سلبا على المر دودية و الفعالية التي يتوخاها الدائن من التنفيذ و القضاء بصفة عامة والتي تتمثل في التسريع من الاجراءات  ، و ذلك ربما يصعب تحقيقه بسبب إكتظاظ جداول تلك المحاكم مادام هم من يفصلون في جميع النزاعات بدون استثناء، وهو ما ينتقده البعض الذي يدعو إلى التخصص و إفراد التنفيذ بمحاكم خاصة به من أجل التسريع في اجراءاته .

الفقرة الثانية – دور العدول المنفذين في التنفيذ

منح المشرع دورا مهما لأعوان القضاء في مجال التنفيذ ، و خاصة العدول المنفذين،   فهم يقومون بجملة من الإجراءات لا يمكن أن يتم التنفيذ أو تسير إجراءاته إلا باتخاذ ها و المرور عن طريقها ، وذلك لما يترتب عليها من آثار ، رغم أنها إجراءات شكلية في أغلبها ، إلا أن المشرع ألزم بإتباعها .



[1] معنى كلمة التنفيذ في  اللغة تحقيق الشيئ واخراجه من حيز الفكر و التصور الى مجال الواقع الملموس .فيقال نفذ المامور الامر أي اجراه وقضاه ولهذ الكلمة معان اخرى في اللغة .فمثلا يقال نفذ و انفذ الكتاب الى فلان أي ارسله اليه وأنفذ الرجل عهده أي أمضاه وغير ذلك

[2]   احمد ملحي ، الموسوعة الشاملة في التنفيذ وفقا لنصوص قانون المرافعات معلق عليه بآراء الفقه و الصيغ القانونية و احكام النقض مصر، جامعة اسيوط الطبعة الرابعة 2008 ص 13

 700د. علي عبد الحميد تركي .شرح اجراءات التنفيذ الجبري وفقا لقانون الاجراءات المدنية الاتحادي رقم 11 لسنة 1992متضمنا اخر التعديلات بالقانون رقم 30لسنة 2005. ص65

[4] د. مفلح عواد القضاة .أصول التنفيذ التنفيذ الجبري .وفق قانون الاجراء .دراسة مقارنة .الطبعة الثالثة 1997.مكتبة الثقافة للنشر و التوزيع . ص 27

[5] د محمد يجيى ولد عبد الودود – ولد الصيام –الوجيز في المسطرة المدنية . على ضوء المس\رة المدنية الموريتانية.ص 328

[6] انظر الفقرة الاخيرة من المادة 310من قانون الاجراءات المدنية و التجارية و الادارية

[7] انظر المادة 3 من القانون رقم :97/018 المتضمن النظام الاساسي للعدول المنفذين

705  سورة النساء الاية 58

[9]   بشير الريح حمد محمد ، رسالة دكتوراه في الفقه المقارن ، حول موضوع ، أحكام التنفيذ الجبري فقها و قضاء ، جامعة أم درمان الاسلامية ، السنة الجامعية ، 2012/1433ه ص 4

[10]   انظر المادة 7 من القانون النظامي رقم : 94 /012 المتضمن النظام الأساسي للقضاة ، والمعدل بالامر القانوني رقم :2006 /016 الصادر بتاريخ 12 يوليو 2006

[11]  انظر المادة الاولى من القانون رقم :97/018 المتضمن النظام الاساسي للعدول المنفذين 

[12]  انظر الفقرة الاخيرة من المادة 24 من النظام الاساسي للعدول المنفذين

[13]   عبد الحميد تركي ،شرح اجراءات التنفيذ الجبري ، م ، س ،ص 66

[14]   احمد مليجي ، الموسوعة الشاملة في التنفيذ ، وفقا لنصوص قانون المرافعات ، معلقا عليها بأراء الفقه  و أحكام النقض و الصيغ القانونية و التعليمات الادارية و الكتب الدورية ،ص73

   712- محمد يحيى ولد عبد الودود { ول الصيام } ، طرق التنفيذ ، م ، س ، ص 34

 [16] د- مفلح عواد القضاة ، أصل التنفيذ الجبري وفق قانون الاجراء دراسة مقارنة ، الطبعة الثالثة 1997، مكتبة الثقافة للنشر و التوزيع ، ص 27

714 د- احمد ابو الوفاء ، اجراءات التنفيذ الجبري ، م ، س ، ص 30

[18]  أنظر الفقرة الاخيرة من المادة309 من قانون الاجراءات المدنية و التجارية و الادارية 

[19]   -يتولى العدل المنفذ المهام التي يخولها له قانون المرافعات المدنية و التجارية و الادارية و غيره من القوانين ، ويقوم على وجه الخصوص ب : [19]أ –تحرير و ابلاغ الاحتجاجات و الانذارات و الاعلامات و التنابيه و الاستدعاءات . ب –القيام بالمعاينات . ج –تنفيذ السندات التنفيذية القضائية و الادارية .د –اجراء البيوعات القضائية  (م 6) من القانون رقم:97/018

[20]   انظر المادة 307 من ق ، ا ، م ، ت ، ا

[21]  د عثمان التكروري ، الوجيز في شرخ قانون التنفيذ رقم 23 لسنة 2005 ، م ، س ، فلسطين 2020، ط الاولى ، ص 290

[22]  القاضي أحمد ولد هارون ، مقال بعنوان : صعوبات التنفيذ ، مجلة المحاكم الموريتانية ، سنة 1435ه ، يوليو2014 ، العدد الثالث، ص59

[23]   القاضي أحمد  ولد هارون ، مقال بعنوان : صعوبات التنفيذ ، مجلة المحاكم الموريتانية ، العدد الثالث ، سنة 1435ه يوليو 2014 ص 62

721  " لا تكون الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية و كذا العقود المحررة من طرف مأمورين عموميين أجانب قابلة للتنفيذ بموريتانيا إلا إذا وقع التصريح بذلك من طرف محكمة موريتانية باستثناء ما تنص عليه مقتضيات مخالفة في اتفاقات دبلوماسية ...." المادة 303 من ق ا م ت ا

[25]   انظر المادة 309 من ق ا م ت ا

[26]   انظر المادة312 من ق ا م ت ا

[27]  انظر المادة 324 من ق ا م ت ا

[28]  انظر المادة 408  و ما بعدها من ق ا م ت ا



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد الرابع عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث