الإتحاد العام للعمال
الجزائريين - مسيرة انجازات و تحدي -
The General Union of Algerian Workers A march of achievements and a challenge
لوصيف نوال / أستاذة محاضرة أ- كلية الحقوق، جامعة
الإخوة منتوري قسنطينة(الجزائر)
Wasif Nawal
عطية
بوجمعة / إطار نقابي سابق- إ ع ع ج
Attia Boudjemaa
مقدمة :
عرفت الجزائر فكرة التنظيم
النقابي إبان الفترة الاستعمارية أين تشكلت عدة تنظيمات نقابية اتحدت سنة 1956 في
شكل الإتحاد العام للعمال الجزائريين أين أشرف الشهيد عيسات إيدير على تنظيمه و ضبط نشاطاته بالتنسيق مع جبهة التحرير الوطني
، فكان بذلك قوة فاعلة و مساندة لمبادئ ثورة نوفمبر و الهدف الأساسي منها ، حتى أن
كيفية اعتقال الشهيد عيسات إيدير و ظروف وفاته كانت محط استياء الرأي العام الدولي
، و هو ما أعطى دفعا أكثر للقضية الوطنية
.
عمل الإتحاد العام للعمال الجزائريين بعد الاستقلال على
تنظيم صفوفه أين تنوعت تشكيلته بين هياكل
و هيئات عمودية و أفقية ، و هو إن دل على شيء فإنما يدل على مدى احتوائه
لمختلف التنظيمات النقابية في مختلف القطاعات ، لكن بالمقابل و عند تصفح التاريخ
السياسي أو النقابي في الجزائر سيدرك بأن موقع
و مكانة الإتحاد العام للعمال الجزائريين قد عرف نوعا من التذبذب ، فكان في
تبعية مفروضة عليه لحزب جبهة التحرير الوطني ، ليكون بذلك مجرد قناة لتطبيق سياسات
و توجهات الحزب ، ليتغير الأمر بصدور دستور 1989 و دخوله عهدا جديدا عهد التعددية
السياسية التي جرت معها الإقرار بالتعددية النقابية ، و هو ما خلق تخوفا من كثرة
التنظيمات النقابية في الساحة ، لكنه سريعا ما استرجع قوته و هيمنته على كل
القطاعات ، ما جعله المفاوض الأول و المشارك شبه وحيد في اللقاءات الثلاثية ، و
بالتالي قوة اقتراح في المجال الاجتماعي و
الاقتصادي .
وهو يدعونا للحديث عنه من خلال طرح التساؤل التالي :
ما هو مصدر قوة و
شرعية و استمرارية الإتحاد العام للعمال الجزائريين ؟
سنوضح ذلك من خلال جزئيتين ، نفتتح الحديث بعرض موجز
للتاريخ النضالي للإتحاد العام للعمال الجزائريين و التنظيم المحكم من خلال مختلف هيئاته و هياكله
، لننتقل إلى معرفة تطور العمل النقابي في الجزائر بعد الاستقلال من خلال عرض
تجربة الإتحاد العام للعمال الجزائريين كعينة دراسة.
أولا : الإتحاد العام للعمال الجزائريين تاريخ و تنظيم :
يعتبر المؤرخون أن أول نقابة ظهرت على الساحة العمالية
الجزائرية تمثلت في نقابة عمال المطابع سنة 1880 في مدينة قسنطينة[1]
، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على عراقة النضال النقابي في هذه المدينة
التاريخية[2]
.
الجدير
بالذكر هنا ثراء الساحة النقابية في الجزائر بالمبادرات العديدة لتشكيل مجموعات
مجموعات للدفاع عن مصالح الطبقة العمالية ، فبعد نقابة عمال المطابع توسعت دائرة
النشاط النقابي إلى نقابة الطباخين ،
الحلاقين ، النجارين و الخبازين و هكذا ، و هو ما أثار تخوف الاستعمار ما دفعه إلى احتواء هذه النقابات و إعطائها
طابعا فرنسيا لمراقبة تحركاتها ، و للتمويه من جانب المستعمر الفرنسي جعل العامل
الجزائري ابتدءا من سنة 1900 تابعا للكنفدارالية الفرنسية العامة للعمل[3] .
و ما يمكن قوله هنا أنه خلال انتخابات البلدية لسنة 1919
ظهرت أول مواجهة من قبل الأمير خالد ( حفيد الأمير عبد القادر ) تضمن قائمة
المترشحين ( الأهالي ) ، إلغاء قانون الأهالي و حق تأسيس الجمعيات .
و قد كتب الأمير خالد سنة 1922 إلى رئيس المجلس ( تجمع
اليسار ) السيد هيربوث بطلب منه مجموعة من النقاط منها حق التجمع ، لتجتمع
المعارضة الجزائرية المناهضة للاستعمار سنة 1924 حول نجم شمال إفريقيا الذي تأسس
من قبل العمال المهاجرين ، كذلك حول جمعية العلماء ، النخبة الجزائرية ... ، و من
بين ما تضمنه تقرير نجم شمال إفريقيا المودع سنة 1927 على مستوى الرابطة الدولية
المناهضة للاستعمار و الامبريالية في مؤتمرها المنعقد ببروكسل ، التأكيد على
الحقوق السياسية و النقابية المتساوية مع تلك التي يتمتع بها الفرنسيون ، و هو ما
لم يروق للمستعمر الفرنسي فكانت ردة فعله واضحة ، لكن و بالرغم من كل أساليب القمع
التي مارسها ، إلا أنه تم فتح ثلاث قطاعات بدءا الطلبة المغاربة عامة و الطلبة
الجزائريين بشكل خاص ، تنظيم التجار و كذا العمال المكلفون بمهمة رئيسية ألا و هي
تسيير الإطارات النقابية[4]
.
لقد توضحت معالم أول نقابة في الجزائر ملمة شمل كل الأطراف
سنة 1956 ، أين اجتمع أكثر من 236 نقابي و بمبادرة من جبهة التحرير الوطني لتشكيل
الإتحاد العام للعمال الجزائريين بتاريخ 24 فيفري 1956 ، حيث تم تعيين الشهيد
عيسات ايدير أمينا عاما له ، فكان الرجل المخلص الوفي المثابر المكافح أين عمل على
ضم أكثر من 11 ألف منخرط في بضع سنوات من إنشاء الإتحاد العام للعمال الجزائريين[5]
.
و ما ميز ظروف نشأة الإتحاد هو انتقاله للكفاح المسلح ، حيث
أعرب العضو النقابي مولود أمزيان على أن الإتحاد العام للعمال الجزائريين أصبح
نقابة ثورية[6]
.
حيث تم حصر المظاهرة التي كان يعتزم إ ع ع ج القيام بها في
أول ماي 1956 ، و تعاظمت بذلك قوة الحركة النقابية لتمتد لتأسيس 75 نقابة ، فكانت
بذلك نقاط توتر بالنسبة لفرنسا ناهيك عن قسنطينة التي اعتبر فيها حامل بطاقة مناضل
سببا كافيا لقتله ، و ما يدل يوضح مدى معاناة النقابيين آنذاك خاصة و أن فرنسا
رفضت الاعتراف بتمثيله ، لتمتد شراسة الاستعمار إلى توقيف السكرتارية الوطنية
الأولى مع الشهيد عيسات إيدير و 150 نقابيا في ليلة 23 و 24 ماي 1956 ، ليأتي
مباشرة محمد فليسي منسقا خلفا للشهيد عيسات إيدير[7] ،
ليغتال البطل رحمه الله في ظروف غامضة أثارت الرأي النقابي العالمي ( الاتحاد
الدولي للنقابات الحرة ، اللجنة الدولية للقضاء ... ) .
لم يتوقف الأمر هنا فقد تم تفجير مقر إ ع ع ج يوم 30 جوان 1956 حيث قامت الشرطة الفرنسية
بمحاصرة المكان لمدة 20 يوما ، قامت بتوقيف ما يقارب 100 نقابي خلالها ، و لكن هذا
لم يوقف من النشاط النقابي أين تم تنظيم إضراب على مستوى المركزية يوم 5 جويلية من
نفس السنة ، شارك فيه الكثير من العمال
ليقمع هو الآخر بالقوة من طرف الإدارة الاستعمارية[8] .
كما ساهم إ ع ع ج في إنجاح إضراب ثمانية أيام ( 26 جانفي 1957 إلى 2 فيفري )[9]
، و عليه يمكن تقسيم هذه المرحلة من حياة إ ع ع ج إلى ثلاثة مراحل رئيسية :
1/ من 28 جانفي إلى 4 أفريل 1957/جوان 1957 : تميزت المرحلة
بتنظيم إضراب الثمانية أيام التاريخي. 2
/ جويلية 1957 – أكتوبر 1958 : مرحلة تميزت بالتقاء مسؤولي لإ ع ع ج و الودادية
الأمانة للعمال الجزائريين بتونس، للمشاركة في مؤتمر الاتحادية الدولية للنقابات
الحرة.
3/ أكتوبر 1958 – جويلية 1959 : تنظيم الوفد الخارجي لإ ع ع ج و تحقيق
الأهداف المسطرة[10]
.
إن المسيرة النضالية الحافلة للإتحاد العام للعمال
الجزائريين هي من ساعدته في ضبط هياكله
و هيئاته ، حيث تنوعت هذه الأخيرة بين هيئات و هياكل وطنية من جهة تمثلت في
الأمين العام ، الأمانة الوطنية و اللجنة التنفيذية الوطنية[11]
، و هيئات و هياكل أفقية و عمودية .
[1] - عصام طوالبي الثعالبي ،
مدخل إلى تاريخ القانون النقابي – الحقوق
النقابية بين المعارضة السياسية و الحماية القانونية - ،
دار هومه ، الجزائر ، 2014 ، ص . 58 .
[2] حديث أجراه رابح زغداوي مع المناضل النقابي أحمد بن منقودة ، " الحركة النقابية في الشرق
الجزائري ... و نضالاتها خلال الثورة التحريرية " ، سلسلة دراسات و بحوث و
شهادات تاريخية (من تاريخ الحركة النقابية الجزائرية )، منشورات اللسان المركزي للإتحاد العام للعمال
الجزائريين – الثورة و العمل - ، الجزائر ، المركزية النقابية ، 1989 ، ص. 89 .
[3] عصام طوالبي الثعالبي ، مرجع سابق
، ص . 58 .
[4]
محمد فارس ، الإتحاد العام للعمال الجزائريين 1956 – 1962 ، سلسلة دراسات و بحوث و
شهادات تاريخية ( من تاريخ الحركة النقابية الجزائرية ) ، منشورات اللسان المركزي
للإتحاد العام للعمال الجزائريين – الثورة و العمل - ، الجزائر ، المركزية
النقابية ، 1989 ، ص ص . 129 .130 .
- حيث ذكر العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله في مجلة الشهاب : ( لقد
علمنا التاريخ أن شعب الجزائر المسلم قد نشأ مثل كل الآخرين ، إن له تاريخه
المشهود و وحدته الدينية ، لعته و له ثقافته ، و عاداته و أخلاقه ، أنه ليس فرنسا ... ) ، منقول عن نفس المرجع المذكور
أعلاه .
[5]
عصام طوالبي الثعالبي ، مرجع سابق ، ص . 59 .
[6]
سمير بوعيسى ، الإتحاد العام للعمال الجزائريين شريك للسلطة أم ممثل للعمال "
، مجلة فكر و مجتمع ، الجزائر ، العدد 12 ( 2012 ) ، ص . 13 .
[7] محمد فارس ، القمع الاستعماري يسلط
على الإتحاد العام للعمال الجزائريين ،
سلسلة دراسات و بحوث و شهادات تاريخية ( من تاريخ الحركة النقابية الجزائرية ) ،
منشورات اللسان المركزي للإتحاد العام للعمال الجزائريين – الثورة و العمل - ، الجزائر ، المركزية النقابية ، 1989 ، ص .
148 .
[8]
حديث أجراه محمد سعودي مع المناضل النقابي مصطفى زيتوني، " صور عن كفاح عمال ميناء الجزائر .. و دور النقابة في الثورة التحريرية
" ، سلسلة دراسات
و بحوث و شهادات تاريخية ( من تاريخ الحركة النقابية الجزائرية ) ، منشورات اللسان المركزي للإتحاد العام للعمال
الجزائريين – الثورة و العمل - ، الجزائر ، المركزية النقابية ، 1989 ، ص ص . 69 .
70 .
[9] سمير بوعيسى ، مرجع سابق ، ص . 13 .
[10] جيلاني مبارك ، " الإتحاد العام للعمال
الجزائريين في الفترة من 1957 إلى 1962
" ، سلسلة دراسات و بحوث
و شهادات تاريخية ( من تاريخ الحركة النقابية الجزائرية ) ، منشورات اللسان
المركزي للإتحاد العام للعمال الجزائريين – الثورة و العمل - ، الجزائر ، المركزية
النقابية ، 1989 ، ص . 51 .
[11] المواد من 33 إلى 50 من القانون الأساسي للإتحاد
العام للعمال الجزائريين .
0 تعليقات