تدبير نظام الاعتقال الاحتياطي
عبد الحق أعنوز
باحث بسلك
الدكتوراه الكلية متعددة التخصصات الناظور. جامعة محمد الاول وجدة.
اطويف امبارك
باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة
ابن زهر اكادير
Management of
the Reserve detention system
Abdul Haq Aaanouz
Itouif IAMBAREK
إذا كانت العدالة الجنائية تقتضي معاقبة مرتكب الجريمة، فإنها تقتضي كذلك
المحافظة على الحقوق الأساسية للإنسان، ولذلك يواجه قانون المسطرة الجنائية في كل
بلد حر متحضر صعوبة التوفيق بين مصلحتين متعارضتين مصلحة المجتمع في توقيع العقاب
على المجرم الذي أخل بأمنه وسلامته، ومصلحة الفرد "المتهم" في تأمين
حريته وكرامته في حقه في الدفاع عن نفسه، هذه المصلحة التي أحاطها الدستور المغربي
الجديد بسياج من الحماية حينما نص في فصله الثالث والعشرون على أنه لا يجوز إلقاء
القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات
التي ينص عليها القانون ...ويجب إخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور وبكيفية
يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه.... قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة
مضمونان).
وعموما فإن الاعتقال الاحتياطي أو
الحبس الاحتياطي كما تسميه بعض تشريعات الدول العربية، تدبير سالب للحرية بإيداع
المتهم في السجن مدة من الزمن تحددها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط قررها
القانون، وبذلك فهو إجراء من إجراءات التحقيق الإعدادي، ويذهب البعض الآخر إلى كون
أن الاعتقال الاحتياطي تدبير يحرم المتهم من حريته عن طريق الأمر بإيداعه في السجن
خلال المدة المحددة في القانون، والتي تمتد بين فترة افتتاح التحقيق الإعدادي في
القضية المتهم بسببها لحين صدور حكم نهائي فيها.
فالاعتقال الاحتياطي إجراء ذي طبيعة استثنائية، وهو من المواضيع الهامة
والشائكة لما تتسم به من دقة وعناية إذ يفترض في المتهم البراءة حتى يحكم عليه
نهائيا، والحبس قد يكون ضروريا ولكن يجب النظر إليه على أنه استثناء، يصدر عن سلطة
قضائية مختصة أثناء التحقيق خلال مدة قانونية تمتد من افتتاح التحقيق أو اتخاذ
التدبير إذا كان لاحقا وينتهي بإصدار قاضي التحقيق إحدى أوامره بشأن انتهاء
التحقيق، وهو ما يميزه عن بعض المفاهيم المشابهة له كالحراسة النظرية وإحالة
المتهم في حالة اعتقال قصد المحاكمة.
ويمثل نظام الاعتقال الاحتياطي أخطر وأهم الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق،
ومن الأوامر الاستثنائية التي يلجأ إليها للضرورة في إطار المصلحة العامة في
الدعوى الجنائية التي تؤطر مبرره، والتي قد تتطلب المساس بالحرية الفردية للشخص
ضمانا لسلامة التحقيق الإعدادي، ليكون المتهم تحت تصرف جهات التحقيق وحتى لا يؤثر
على مجرياته أو يعبث بالأدلة، ونظرا لخطورة الاعتقال فقد حرصت كافة المواثيق
الدولية لحقوق الإنسان والدساتير والتشريعات الجنائية على وضع الضمانات الكفيلة
بحماية المتهم من إساءة استخدام هذا الإجراء ووضع الضوابط التي تكفل حصر نطاقه في
أضيق الحدود.
هذا ويعتبر الاعتقال الاحتياطي من أهم وأخطر الإجراءات الجنائية المهددة
لحرية وكرامة المتهم، بل أنه حسب البعض أخطر ما في المسطرة الجنائية على الإطلاق.
ورغم هذا فإن المشرع قد رأى فيه أنه إجراء تقتضيه مصلحة التحقيق فقرره ولكن بقيود
تحد من نطاقه إلى الدرجة التي لا يتجاوز بها تحقيق المصلحة العامة، واعتبره
بالتالي إجراء استثنائيا لا يمكن أن يلجا إليه قاضي التحقيق إلا عندما تفرضه
الضرورة وفي الحدود التي رسمها القانون.
ولا شك أن المشرع المغربي قد انتبه إلى حساسية وخطورة الاعتقال الاحتياطي
وما يوجه إليه من مؤاخذات لتعارضه مع المبادئ الكونية لحقوق الإنسان،
ومن أهمها مبدأ قرينة البراءة التي ارتقى بها المغرب إلى مبدأ دستوري، حينما
نص في الفصل 119 من دستور 2011 على أنه يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة
بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به " لذلك
وصفه بأنه تدبير استثنائي.
واستحداث بدائل للاعتقال مما عزز قانون المسطرة الجنائية بتدبير استثنائي
أخر يجنب إلى حد ما اللجوء إلى الاعتقال، وهو نظام الوضع تحت المراقبة القضائية
باعتباره تدبير مؤقت الغاية منه ضمان حضور المتهم كلما استدعاه قاضي التحقيق
ووظيفته الأساسية هي تلافي كل الأخطار و المساوئ الناتجة عن الاعتقال الاحتياطي،
وبالتالي منح المشرع لقاضي التحقيق خيارات واسعة في اتخاذ التدبير الملائم لكل
قضية معروضة عليه بشكل يعكس طابعه الاستثنائي ويكرس جدية التحقيق ودواعيه كما يجوز
له أن يباشر التحقيق مع المتهم في حالة سراح سواء مقابل كفالة مالية أو شخصية،
إضافة إلى خيار الإفراج المؤقت المخول له تلقائيا أو بناء على طلب المتهم أو النيابة العامة في إطار السلطة التقديرية المخولة له .
ولا شك أن الاعتقال الاحتياطي الذي بمقتضاه يودع المتهم في السجن خلال فترة
التحقيق كلها أو بعضها إلى أن تنتهي محاكمته، تحدث لدى المتهم أذى بليغا وصدمة
عنيفة، ويلقى عليه ظلالا من الشك ويقربه من المحكوم عليه مما يؤذيه في شخصه وفي
مصالحه، وفي شرفه وسمعته وفي أسرته، ولهذا فان الضرر الذي يعود على المحبوس
احتياطيا لا يمكن تعويضه على الإطلاق.
بيد انه إذا كانت معظم التشريعات المقارنة قد سارت في اتجاه إقرار أنظمة
قانونية متميزة للتعويض عن الاعتقال الاحتياطي، فان الحقيقة التي لا غبار عليها أن
المشرع المغربي لم يكن وفيا لتقليد النسج على منوال المشرع الفرنسي، في مسالة
التعويض لا لشيء إلا لثقل الالتزامات التي يمكن أن تترتب عن الاعتراف القانوني
بهذا التعويض على خزينة الدولة، خصوصا في ظل تصاعد وتيرة الأخطاء القضائية في هذا
المجال.
وعليه فالاعتقال الاحتياطي هو إجراء ذو طابع استثنائي وسالب للحرية مما
يستوجب الحذر والإلمام الشامل بملابسات القضية وأبعادها والضوابط والمبررات
القانونية المرتبطة بموضوع التدبير قبل اللجوء إليه من خلال دراسة النصوص المنظمة
لإجراء الاعتقال الاحتياطي، وذلك قصد العمل على الترجيح واقعا بين متطلبات حماية
المجتمع وبين تكريس الحرية الشخصية للأفراد، وعدم المساس بها أو بمعنى أدق ترشيد
الاعتقال الاحتياطي بشكل يلائم طبيعته الاستثنائية، لأن أي اعتقال دون مبرر معقول
يعتبر عقوبة بدون محاكمة، وهي أعلى المراتب مساسا بالحرية التي تعمل جل دساتير دول
العالم على حمايتها.
وتتمثل أهمية الموضوع، في كون الاعتقال الاحتياطي أصبح محط انتقاد كبير من
طرف مختلف الفعاليات، وذلك لنا له مساس كبير بقرينة البراءة، والمس الخطير بحرية
الفرد، كما أن هذا التدبير يساهم بشكل كبير تنامي ظاهرة اكتظاظ السجون المغربية
ويعد من أهم الأسباب المباشرة لذلك، الأمر الذي يصبح معه هذا التدبير وصمة سوداء
في جل الأنظمة الجنائية.
ويطرح هدا الموضوع العديد من الإشكالات:
تتمثل إشكاليات هذا الموضوع في:
§
إشكالية الاعتقال
الاحتياطي، خلل تشريعي أم نتاج الممارسة العملية؟
§
إلى أي حد استطاع قاضي
التحقيق أن يلامس الضوابط القانونية التي تترجم الأساس الاستثنائي للاعتقال
الاحتياطي؟
§
وما مدى نجاعة التدابير
التي توفرها النصوص القانونية؟ ومدى إسهامها في التخفيف من آفة الاكتظاظ التي
تعاني منها السجون المغربية؟
وارتباطا
لما سلف دكره سنعالج هدا الموضوع وفق التصميم التالي:
المطلب
الأول: إجراءات تنفيذ الاعتقال الاحتياطي
المطلب
الثاني: التوجهات الحديثة للاعتقال الاحتياطي
المطلب الأول:
إجراءات تنفيذ الاعتقال الاحتياطي
إن الحقائق الصادمة لمؤشر الاعتقال الاحتياطي الذي عرف تصاعدا كبيرا في
السنوات الأخيرة، يعكس صورة أن الإفراط في اللجوء إلى تدبير الاعتقال الاحتياطي
اصبح قاعدة وليس استثناء، ولذا لا يجب أن يتحول إلى عقوبة أو إلى تدبير اعوج
وأعمى، التزاما بقواعد الشرعية الدستورية التي لا تجيز توقيع عقوبة إلا بمقتضى حكم
قضائي وبعد محاكمة عادلة تتوافر فيها للمتهم ضمانات الدفاع عن نفسه، كما يجب إلا
تحيد الممارسة القضائية عن طبيعته الاستثنائية أو عن أهدافه التي من أجلها تمت
صياغته.
ولا يكفي لتحقيق شرعية نظام الاعتقال الاحتياطي في ضوء قرينة البراءة التي
يتمتع بها المتهم طوال إجراءات تحقيق الدعوى الجنائية وحتى صدور حكم نهائي فيها،
أن ينص القانون على الضوابط التي تكفل إسناد سلطة الاعتقال الاحتياطي إلى جهة
تتمتع بقدر من الضمانات يتحقق بها حيادها واستقلالها، وإنما يجب أن يحرص القانون
فضلا عن ذلك على النص على بعض الضوابط القانونية التي تتعلق بتنفيذ الاعتقال
الاحتياطي بالكيفية التي تضمن للمعتقل الاحتياطي معاملة خاصة أخف من وضعية المحكوم
عليهم نهائيا من خلال (الفقرة الأولى)، فإذا ما انتهت مرحلة تنفيذ الاعتقال
الاحتياطي، سواء بالحكم على المتهم بالإدانة أو البراءة، فان القانون يجب أن يضع
من الضوابط القانونية ما يوجب خصم مدة الاعتقال الاحتياطي من العقوبة التي أدين
بها المتهم من خلال (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: وضعية المعتقل بصفة احتياطية
إن قواعد معاملة السجناء بدأت عندما عقدت هيئة الأمم المتحدة مؤتمرا لها
بجنيف سنة 1955 بشأن مكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين، وتبع ذلك مصادقة المجلس
الاقتصادي والاجتماعي لهيئة الأمم المتحدة عليها سنة 1957.
وقد اهتمت هذه الاتفاقية بالمعتقلين الاحتياطيين وأشارت إلى عدة حقوق
للمعتقل من بينها:[1]
ü وجوب فصل المعتقلين الاحتياطيين عن
المدنيين في الإقامة والبالغين عن الأحداث ووضع هؤلاء في مؤسسات عقابية خاصة.
ü
ضرورة إقامة المحبوس
احتياطيا في حجرة بمفرده جيدة التهوية.
ü
للمحبوس احتياطيا ارتداء
ملابسه الخاصة شريطة كونها نظيفة ومناسبة وإن تكون ملابس السجن الخاصة بالمعتقلين
الاحتياطيين مختلفة لما يرتديه المحكوم عليهم
ü عدم إرغام المحبوس احتياطيا على العمل.
ü
وللمحبوس احتياطيا الحق في
الحصول على الكتب والجرائد والأدوات الكتابية على نفقته الخاصة ما لم يكن ذلك ضررا
بحفظ الأمن والنظام بالمؤسسة.
ü يجوز للمحبوس احتياطيا إخطار أسرته بموضوع حبسه يصل بهم وبأصدقائه اللذين
لهم الحق في زيارته، اللهم إذا كانت هناك مبررات تتعلق با من و نظام المؤسسة[2].
ü
ضرورة أن يتاح للمحبوس
احتياطيا إمكانية الاستعانة بالمحامي وان تعد له مقابلته تحت مراقبة العاملين
بالمؤسسة السجنية، إلا أنه لا يجوز لهم التنصت إليهما وقد واكبت هذه الاتفاقية
اتفاقيات ومواثيق دولية أخرى تصب في نفس الاتجاه [3]
.
والمشرع المغربي كجل التشريعات الدولية عالج هذه الضمانة من خلال القرة
الثانية من المادة 608 من ق.م.ج فانه لا يمكن الاعتقال إلا بالمؤسسات السجنية
تابعة لوزارة العدل، ويودع المعتقلون الاحتياطيين طبقا للمادة 2 من في 23/88
المتعلق بتسيير المؤسسات السجنية والمادة 615 من ق.م.ج بسجن مطلى بأمكان الموجود
فيه المحكمة المحال عليها القضية كلما سمحت بذلك ضرورة الأمن والقدرة الإيوانية
للمؤسسة، وذلك لتقريب المعتقلين من مكان المحكمة التي تنظر في قضاياهم تيسيرا
لحقهم في الدفاع ولتبسيط عملية إحضارهم وتخفيف عناء التنقل عن دويهم عند زيارتهم
وتتلخص أهم حقوق المعتقلين الاحتياطيين في [4]
حقهم في الاتصال بالعالم الخارجي المادة 615 من ق.م.ج وذلك في نطاق الحدود
المقررة في القانون رقم 23/98 ما لم يكن هذا الحق محل منع من طرف قاضی التحقيق طبقا للمادة 136 من ق.م.ج باستثناء الاتصال بالمحامي . احتساب مدة العقوبة من يوم
إيداع الشخص رهن الاعتقال (الفصل 30 من ق.ج الذي حدد كيفية الاحتساب ( ما لم يكن
موضوعا رهن الحراسة النظرية وإلا احتسبت أيضا في مدة العقوبة المادة 613 من ق.م.ج
..[5] تكوين لجنة الإقليمية
للمراقبة تسهر على توفير وسائل الصحة والوقاية من الأمراض توفير الوسائل الأمنية،
السهر على نظام تغذية المعتقلين وظروف حياتهم العادية.
الفصل بين المعتقلين الاحتياطيين والمدانين والمكرهين بدنيا المادة 6 من ق
23/98 أما بالنسبة المعتقلين الأحداث فيحتفظ بهم في جناح خاص وفي حالة عدم وجوده
في مكان خاص معزول عن أماكن وضع الرشداء على أن يبقى الحدث على انفراد اثناء الليل
المادة 473 من ق.م.ج .[6]
وللوقوف على واقع الفصل بين المعتقلين والمحكومين فالمعطيات تفيد أن قواعد
الفصل غير مطبقة على أرض الواقع لا بالنسبة للرشداء ولا الأحداث، ويعزى هذا إلى
ظاهرة الاكتظاظ التي تعاني منها المؤسسات السجنية. لينعكس ذلك سلبا على وظيفة
المؤسسة السجنية، ويعيق عمل المشرفين عليها, ويحول دون تطبيق مبادئ التصنيف
والتوزيع المنصوص عليها قانونا بشكل دقيق و سليم[7] .
ثانيا: خصم مدة الاعتقال الاحتياطي من المدة المحكوم
بها
اختلفت الآراء الفقهية في شان خصم مدة الاعتقال الاحتياطي من المدة
المحكوم بها، فرأى البعض إلى عدم خصم مدة الاعتقال الاحتياطي من العقوبة على أساس
إنهما ليسا من طبيعة واحدة، فالاعتقال الاحتياطي لا يعدو أن يكون مجرد إجراء من
إجراءات التحقيق، في حين أن العقوبة المحكوم بها هي جزاءات وردع، قصد المشرع
إنزالها بمرتكبي الجريمة، ويتميز بعنصر الإيلام الذي تحقق لها صفة الردع والتأديب
والتهذيب، وهو ما يفتقده الاعتقال الاحتياطي .[8] كما أن الأخذ بخصم المدة
من العقوبة سيؤدي إلى أن يضحى المتهمون الدين يحبسون احتياطيا ويصدر الحكم
بإدانتهم أحسن ،حالا من أولئك الذين تبرا ساحتهم على اعتبار أن هذا الجانب الأخير
لا يحق له المطالبة بثمن التعويض عن مدة الاعتقال الاحتياطي .[9]
والرأي الأخر يرى عكس ذلك أي أنه يجوز خصم مدة الاعتقال الاحتياطي من مدة
العقوبة لكون قواعد العدالة والمنطق القانوني يقتضيان خصم مدة الاعتقال الاحتياطي
والقبض من مدة العقوبة لانطوائهما على سلب الحرية، وبالتالي تتحد العلة التشريعية
بينهما وبين العقوبة المقيدة للحرية بالرغم من اختلاف الأهداف.
وهناك رأي ثالث يعطي إمكانية خصم مدة الاعتقال الاحتياطي من العقوبة المحكوم
بها للقاضي الذي بإمكانه أعمال هذه الإمكانية كلما ثبت تعاون المتهم وعدم مماطلته
وتسويفه ومحاولة إطالة إجراءات الدعوى.[10]
وأخذ المشرع المغربي بالاتجاه القابل لفكرة خصم مدة الاعتقال الاحتياطي من
العقوبة المحكوم بها، فقد نص على ذلك الفصل 30 من ق.م.ج، واعتبر أن بداية العقوبة
تبتدئ من يوم وضع المحكوم به تحت الحراسة النظرية أو من يوم إيداعه رهن الاعتقال
الاحتياطي وذلك من اجل الجريمة التي ادت إلى الحكم عليه، أي أن الخصم يخص الجريمة
التي أدين بها.
وأجاز المشرع المغربي للمحكمة في الفصل 34 من ق.ج في حالة الحكم بالغرامة
وكان المحكوم عليه قد قضى مدة ما رهن الاعتقال الاحتياطي أن يأمر بايقاف هذه
الغرامة على أن يعلل قراره بذلك تعليلا خاصا [11]. وسابقا كان المشرع المغربي
يقر مبدأ خصم الاعتقال الاحتياطي من العقوبة المحكوم بها ما لم ينص القاضي على
خلاف ذلك.
وفي نفس الاتجاه سار المشرع المصري إذ نص في المادة 1482.ج مصري بإن تبتدئ
مدة العقوبة المقيدة للحرية من يوم القبض على المحكوم عليه بناء على الحكم الواجب
التنفيذ مع مراعاة إنقاصها بمقدار مدة الحبس الاحتياطي ومدة القبض، وهو نفس المعنى
الوارد في الفصل 21 من قانون الإجراءات المصرية.[12]
والتشريع الفرنسي لم يتناول هذه القاعدة بالنص، لكن القضاء الفرنسي قد جرى
على اشتراط كون الحبس الاحتياطي متعلقا بالواقعة التي أنبنى عليها الحكم بالعقوبة.
حتى يتسنى خصمه من مدة تلك العقوبة، وإذا كان التحقيق قد شمل واقعتين حكم براءة
المتهم من أحداها وقضى بالعقاب في الأخرى، وجب خصم مدة الحبس الاحتياطي من مدة العقوبة المحكوم بها
عن الواقعة الثانية بالرغم من صدور حكم بالبراءة في الواقعة الأولى.
الفقرة الثانية: راهنية الاعتقال الاحتياطي
لاشك أن محاسن أي تشريع أو نواقصه لا تظهر إلا من خلال التطبيق العملي، لذلك
فان تنفيذ تدبير الأمر بالاعتقال الاحتياطي على أرض الواقع، تعتريه العديد من
الصعوبات منها ما يتعلق بالممارسة الوقائية ومنها ما يتعلق بالنصوص القانونية التي
تحصر من مداخله وباستعمال مصطلحات فضفاضة يتسع بها مفهومها، ومنها ما هو اجتماعي.
وهذه العوامل كانت أسباب رئيسية في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي في
السنوات الأخيرة واكتظاظ المؤسسات السجنية بأعداد مهولة للمعتقلين الاحتياطيين
الذي تجاوز عددهم 46 في المائة، مما يؤثر اقتصاديا على ميزانية الدولة، وبهذا يمكن
وصف الاعتقال الاحتياطي بأنه عقوبة وليس إجراء من إجراءات التحقيق.
وسوف نتطرق إلى الحديث عن ارتفاع مؤشر الاعتقال الاحتياطي في أولا وبالحديث
عن الأسباب الكامنة وراء ارتفاع نسبته في ثانيا.
أولا: ارتفاع مؤشر الاعتقال الاحتياطي
إذا كان الاعتقال الاحتياطي من إجراءات التحقيق الخطيرة باعتباره إجراء
ساليا للحرية، فان الأخطر هو ارتفاع مؤشر هذا الإجراء في السنوات الأخيرة، الأمر
الذي دفع مختلف الفعاليات إلى المناداة بترشيده عن طريق تقييد سلطات قاضي التحقيق
بشأنه بالإضافة إلى تفعيل نظام المراقبة القضائية باعتباره إجراء مقيدا للحرية لا
سالبا لها [13] فبمجرد الاطلاع على مجموع
الإحصاءات الممتدة على طول السنوات الأخيرة والمتعلقة بتطور نسبة المعتقلين
الاحتياطيين ومقارنتها بنسبة المفرج عنهم، يظهر جليا التطور الملفت لهذا التدبير
مقارنة مع باقي التدابير الأخرى. فخلال سنة 2011
بلغ عدد المعتقلين الاحتياطيين 26841 معتقلا احتياطيا مقابل 2429 مستفيد من
المراقبة القضائية:[14]
ثانيا: أسباب ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي
إن الأسباب الكامنة وراء تنامي ظاهرة الاعتقال الاحتياطي عديدة منها ما هو
قانوني ومنها ما هو اجتماعي.
الأسباب القانونية: أن المشرع رغم حصره لمدخل الاعتقال الاحتياطي إلا أنه
استعمل مصطلحات فضفاضة بحيث يتسع مفهومها لدرجة لا تجد معها النيابة العامة قضاة
التحقيق أي عناء في تبرير لجوئها إليه، وفق ما تقتضيه العبارات التي تمت بها صياغة
النص مما يؤدي إلى تضخيم نسبة الاعتقال الاحتياطي[15].
إن التدقيق في الجنح يؤدي إلى إطالة مدة الاعتقال الاحتياطي قبل المحاكمة، و
إن التجربة أثبتت عدم جدواه في العديد من القضايا حيث يقتصر دوره فقط على إعادة
صياغة ما سبق عرضه عند البحث التمهيدي.[16] كما أن الأخذ بالزامية
التحقيق في بعض الجنايات واعتماده اختياريا في باقي الجنايات رغم وجود غرفتين للبث
فيها واحدة ابتدائية وأخرى إستئنافية يطيل أمد البث في القضايا.
أن الإحالة المباشرة من طرف الوكيل العام للملك على غرفة الجنايات قيدتها
المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية بضرورة وضع المتهم رهن الاعتقال ضعف التجاعة
القضائية المتجسدة في البطء في تصريف ملفات المعتقلين وتأخر البث فيها وإنهائها في
أجال معقولة يؤدي حتما إلى ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي .
إن عدم تطوير خيارات السياسة الجنائية نحو بدائل الدعوى العمومية وبدائل
الاعتقال الاحتياطي وبدائل العقوبات السالبة للحرية ساهم بشكل كبير في ارتفاع نسبة
الاعتقال الاحتياطي[17]
. وكذلك أن عدم ترشيد وعقلنة
الطعون المقدمة من طرف النيابة العامة يؤدي إلى إطالة مسطرة المحاكمة ويساهم في
ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين .
كما أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 179 من قانون المسطرة الجنائية نجد أن
المشرع المغربي الزم قاضي التحقيق وهو يبث في طلب الإفراج المؤقت أن يصدر أمرا
قضائيا معللا [18]. الأمر الذي لم يسوجبه في
حالة اتخاذ قاضي التحقيق قرار الاعتقال الاحتياطي حيث لم يستوجب صراحة تعليله
الأمر الذي يتنافى والطابع الاستثنائي لتدبير الاعتقال الاحتياطي. لأن الأصل هو
تمتيع المتهم بالإفراج واستثناء هو اعتقاله أو اتخاذ في حقه أحد تدابير المراقبة القضائية.[19]
وبالتالي كان على المشرع أن يلزم صراحة قاضي التحقيق بتعليل قرار الاعتقال
الاحتياطي. كما انه من غير المستساغ إلزامه بتعليل قبول طلب الإفراج المؤقت
باعتباره الأصل. بالإضافة إلى
ذلك يلاحظ أن التشريع المغربي يجيز اعتقال المتهم احتياطيا عن جرائم ذات درجة دنيا
من الجسامة، حيث وسع نطاق الاعتقال الاحتياطي ليشمل الجنح بنوعيها التأديبية و
الضبطية.[20]
حيث يكفي أن تكون الجريمة جنحة معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية لاتخاذ قرار
الاعتقال و ذلك بصريح المادة 159 من ق.م.ج. بينما في التشريع الفرنسي لا يجوز الاعتقال الاحتياطي
إلا بشأن الجرائم التي لا تقل العقوبة المقررة لها عن الحبس ثلاث سنوات. الفقرة
الأولى المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي المعدلة بالقانون رقم 15
يونيو لسنة 2000 [21].
ويلاحظ أن بعض التشريعات العربية تشترط في الجرائم التي يجوز فيها الاعتقال
الاحتياطي حدا أدنى من الجسامة يزيد عما هو مقرر في التشريع المغربي. حيث نجد أن
التشريع المصري ينص أنه لا يجوز صدور أمر بالحبس الاحتياطي إلا في الجنايات عموما
أيا كان نوعها، والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة 134م/1 إجراءات جنائية المعدلة بالقانون 145 لسنة 2006.[22]
وفي التشريع اللبناني يشترط في الجرائم التي يجوز فيها الاعتقال الاحتياطي
أن يكون معاقبا عليها بالحبس لأكثر من عام. وفي التشريع الأردني أن يكون معاقبا
عليها لأكثر من عامين. وبالتالي يبدو محبذا اشتراط حدا أعلى من الجسامة نسبيا
شأن الجرائم التي تبرر الأمر بالاعتقال الاحتياطي وذلك عن طريق رفع الحد الأدنى
المطلوب في عقوبة الحبس المنصوص عليها لهذه الجرائم.[23]
الأسباب الاجتماعية إن الأسباب الاجتماعية تساهم في ارتفاع نسبة الاعتقال
الاحتياطي بشكل مهم، حيث نجد المجتمع المغربي يرى أن لا عدالة بدون اعتقال فوري.
الشيء الذي يشكل ضغطا معنويا على النيابة العامة و قضاة التحقيق يلجؤون إلى
الاعتقال الاحتياطي أيانا كوسيلة لإبعاد الشبهات وذلك بسبب انتشار قناعات شعبية
بعدم فعالية العدالة دون اعتقال المتهمين.
الأمر الذي يترجم إلى ردود فعل متعددة و المتمثلة فيما يلي[24]
§
الضغط الاجتماعي على العدالة من طرف الضحية، المحامي، المجتمع المدني،
الإعلام.
§
اتهام القضاة بانحراف السلوك والميل إلى أحد الأطراف.
§
اتهام العدالة بالقصور وعدم الفعالية.
الأمر الذي بعض قضاة التحقيق إلى اتخاذ قرار الاعتقال الاحتياطي في بعض
الاحيان لمجرد لجم الأفواه أو إبعاد الشبهات و تفادي الشكايات .
وهذا ما أضفى على المشرع المغربي وصف الاعتقال الاحتياطي بالتدبير
الاستثنائي بسبب الجوانب السلبية المميزة له، خاصة انعكاساته الخطيرة على المتهم
وأفراد عائلته لا سيما إذا كان المتهم هو من يعول الأسرة، دون نسيان أن
المتهم بعد بريئا.[25] ويزداد الضرر فداحة إذا
استمر الاعتقال لمدة طويلة، طبعا مع استحضار إشكالية الوصمة الاجتماعية، لان أفراد
المجتمع لا يقيمون أي تمييز بين الاعتقال الاحتياطي وبين الإدانة خاصة إذا انتهى
قاضي التحقيق إلى عدم متابعة المتهم، أو إذا قضت المحكمة راءته ففي مثل هذه الأحوال
ينظر إلى مدة الاعتقال كظلم طال المتهم و عائلته .[26]
ومما لا شك فيه أن هاجس الجريمة بوجه عام لازال مسيطرا على عقلية القاضي
الذي لا يرى أمامه إلا الاعتقال، كجزاء للفعل المرتكب والحال أن هذا الإجراء
البسيط في لا إقراره، له تداعيات خطيرة على مستوى الأسرة أولا وعلى مستوى المجتمع
ثانيا ومن شانه اثقال كاهل الدولة التي تحتضن المخالف استنادا للامر القاضي بوضعه
تحت الاعتقال و هي لا تملك الوسائل الكافية لمواجهة هدا الوضع .[27]
المطلب الثاني: التوجهات الحديثة في مقاربة الاعتقال
الاحتياطي
إن الطبيعة الاستثنائية للاعتقال الاحتياطي باعتباره إجراء من إجراءات
التحقيق، يتطلب التقليل من استخدامه حماية للحرية الشخصية وضمانا لازما للتخفيف من
قسوة هذا الإجراء. ومن بين المستجدات التي نص عليها مشروع قانون المسطرة الجنائية
المراقبة الالكترونية التي من شأنها أن تخفف من حدة الاعتقال الاحتياطي كبديل
معمول به في العديد من الدول كفرنسا، وإذا كانت معظم التشريعات المقارنة قد سارت
في اتجاه إقرار أنظمة قانونية متميزة كبديل المراقبة الالكترونية فإننا ندعو
المشرع إلى ضرورة التنصيص على التعويض عن الاعتقال الاحتياطي في ظل تصاعد وثيرة
الأخطاء القضائية خصوصا عندما تصدر الأحكام بعدم المتابعة أو البراءة.
وهذا ما سنتطرق إليه بالحديث عن تدبير المراقبة الالكترونية في (الفقرة
الأولى) وسنتطرق إلى (الفقرة الثانية) بالحديث عن التعويض عن الاعتقال الاحتياطي.
الفقرة الأولى: الوضع تحت المراقبة الإلكترونية
لم يعد استفادة القانون الجنائي بمفهومه الواسع في المرحلة العلمية مقتصرا
على الأدلة الجنائية، وإنما تعداها مرحلة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، من خلال
جمع مرحلة خضوع المحكوم عليه لنظام المراقبة الإلكترونية الذي يقيد الحرية خارج
أسوار السجن عن طريق وضع سوار إلكتروني شبيه بالساعة في معصم المحكوم عليه. يرسل
إشارات للمصالح المكلفة بالمراقبة. [28]
فالخضوع لنظام المراقبة الإلكترونية يعد من أهم الأساليب الحديثة للمعاملة
العقابية خارج المؤسسات السجنية، والتي تحول دون دخول المحكوم عليه للسجن، بحيث
يظل هذا الأخير في وسطه الطبيعي يمارس عمله العادي لكن مع فرض نوع من المراقبة عن
بعد عليه، من الأجل تتبع تحركاته. والأماكن التي يتردد عليها.
ويأتي إحداث هذا البديل في إطار الاتجاهات التشريعية الحديثة الرامية إلى
تجاوز إشكالية العقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد والجهود الهادفة للحد من
اكتظاظ المؤسسات السجنية .[29] ومن هذا المنطلق عملت
العديد من التشريعات على تبني نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية كعقوبة سالبة
للحرية من نوع خاص تنسجم مع الغرض المعاصر للعقوبة وهو الإصلاح والتأهيل بعيدا عن
جو السجون.
وتميزت قوانين المراقبة الإلكترونية بكونها وليدة التجربة. فالتشريعات
العقابية لم تأخذ بها إلا بعد نجاحها من ناحية التطبيق العلمي. ويقوم هذا الأسلوب على
السماح للمحكوم عليه بالبقاء في منزله، لكن تحركاته محدودة ومراقبة بواسطة أسوار
مثبت في معصمه أو في أسفل قدمه. ومن هنا جاءت تسمية هذا الأسلوب بالسوار
الإلكتروني كما يدعوه عدد قليل من العاملين في الوسط العقابي بالسجن في البيت.[30]
أدخل الوضع تحت المراقبة الإلكترونية - تاريخا - إلى التشريعات العقابية أول
مرة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أدمج السوار الإلكتروني غالبا مع تدبير،
ويستخدم كبديل عن الحرية المحروسة، وكأحد الالتزامات المفروضة ضمن الإفراج المقيد
بشروط بالبقاء في البيت، وكبديل عن الاعتقال الاحتياطي .[31]
وقد تطور هذا النظام بشكل كبير في السنوات العشرين الأخيرة, وفي عام 1987
طبقت كندا هذا النظام كبديل عن الاعتقال الاحتياطي عن الحرية المحروسة وتبنت
إنكلترا هذا النظام عام 1989 ، كما تبنته السويد في عام 1994، وطبقته هولندا أيضا
كبديل عن العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة، وفي الإفراج المقيد بشروط، وطبقته
بلجيكا وأستراليا عام 1997 .[32]
على الرغم من أهمية الوضع تحت المراقبة الإلكترونية وقيمته العقابية لم يتبن
في التشريع العقابي المغربي ولا العربي حتى اليوم. ويعود ذلك إلى كون الأنظمة
العقابية العربية في مجملها أنظمة تقليدية تقوم على تنفيذ العقوبة السالبة للحرية
في الوسط المغلق.[33]
يعد الوضع تحت المراقبة الإلكترونية أو ما يسمى بالسوار المغناطيسي من أحدث
البدائل التي نالت حظا كبيرا من التطبيق في بعض الدول. فقد عرفه بعض الفقه بأنه
"إلزام المحكوم عليه بالإقامة في منزله أو محل إقامته خلال ساعات محددة، ويتم
متابعة ذلك عن طريق المراقبة عن بعد بواسطة أداة إرسال توضع في يد أو كاحل المحكوم
عليه". [34]
في حين عرفه البعض الآخر بكونه التزام المحكوم عليه بوضع سوار الكتروني في
معصم يديه يتم بفضله مراقبة تحركاته والأماكن التي يتردد عليها، حيث أن هذا الجهاز
يرتبط بصفة مباشرة بأجهزة الاستقبال لدى الجهة المشرفة على التنفيذ. وفي حالة
ابتعاد المحكوم عليه عن الأماكن المحددة لمسافة تقدر بـ 40 أو 50 مترا يرسل جهاز
المراقبة إشارات إلى السلطة المعنية .[35]
من خلال هذه التعاريف يتضح أن تطبيق هذا البديل يتطلب توفر ثلاث عناصر
أساسية تسمح بمراقبة المحكوم عليه بطريقة أكثر فعالية وتتمثل في :
أولا: جهاز إرسال
يوضع في يد أو رجل الخاضع للمراقبة لا يمكن إزالته إلا بطريقة خاصة لارتباطه بجرس
الإنذار.
ثانيا جهاز استقبال
يتم تثبيته في مكان إقامة المعني بالأمر ويرتبط بمركز المتابعة الموجود بالمؤسسة
العقابية عن طريق خط الهاتف.
ثالثا جهاز كمبيوتر
مركزي يسمح بمراقبة المحكوم عليه من خلال تلقيه إشارة معينة .[36]
ويبدو جليا أن المشرع الفرنسي قد بذل مجهودات جبارة بهدف ضمان حسن تطبيق هذا
البديل وتأهيل الأرضية الملائمة لتنفيذه. وذلك عن طريق النهل من التجارب المقارنة.
طبقا لمقتضيات المادة 12-26-1 من ق.م.ج الفرنسي يمكن للقاضي النطق بعقوبة الوضع
تحت المراقبة الإلكترونية في حالة ما إذا كانت العقوبة المضمنة في الحكم عقوبة
حبسية لا تتجاوز مدة سنة كحد أقصى أو أن تكون المدة المتبقية للمحكوم عليه بقضاء
عقوبة حبسية لا تتجاوز سنة واحدة على الأكثر،
بغض النظر عن طبيعة الفعل المرتكب سواء كانت جناية أو جنحة .[37]
بحيث يمكن لقاضي تطبيق العقوبات في هذه الحالة اعتماد هذه العقوبة كشرط قبلي
لاستفادة السجين من الإفراج الشرطي. إذ يمكن الإفراج عنه مع وضعه تحت المراقبة
لمدة لا يمكن أن تتجاوز السنة.
وفي هذه الحالة تصبح هذه العقوبة وسيلة لاختبار المحكوم عليه والتأكد من حسن
سلوكه ومدى قدرته على الاندماج داخل المجتمع قبل أن يتم تمتيعه بالإفراج الشرطي.[38]
وبهذه الطريقة يساهم نظام المراقبة الإلكترونية في تدعيم وتعزيز أهداف مؤسسة
الإفراج الشرطي ذلك أن المحكوم عليه يتدرج من سلب كامل الحرية داخل السجن إلى سلب
متقطع لها تحت المراقبة إضافة إلى ذلك ألزم المشرع الفرنسي المحكوم عليه للاستفادة
من هذا البديل توافر مجموعة من الشروط[39]
§
أنه يزاول نشاطا مهنيا دائم أو مؤقت أو أنه يخضع لتكوين أو تدريب مهني.
§
أنه يساهم بشكل أساسي في تحمل أعباء تسيير شؤون أسرته.
§
أن لا يكون في حاجة لتلقي العلاج الطبي.
§
أن تكون لديه رغبة واضحة في تقويم سلوكه والاندماج من جديد في المجتمع
وتفادي حالة العودة.
§
خضوع المحكوم عليه لنظام المراقبة الإلكترونية تتطلب موافقته على هذا
التدبير بحضور محاميه أو بموافقة نائبه الشرعي إذا تعلق الأمر بحدث.
§
يحدد لقاضي تطبيق العقوبة المحل أو المكان الذي يلزم المحكوم عليه عدم
مغادرته خلال الفترة الزمنية التي يحددها .[40]
§
يلزم المحكوم عليه المستفيد من نظام المراقبة الإلكترونية بالاستجابة
لاستدعاءات السلطات العمومية التي يعينها قاضي تطبيق العقوبة.
§
يمكن قاضي تطبيق العقوبة إما تلقائيا أو بطلب من المحكوم عليه تعيين طبيب
للتحقق من عدم مساس الرقابة الكترونية بصحة المحكوم عليه.
§
تسهر إدارة السجون على مراقبة مدى احترام المحكوم عليه للرقابة الكترونية و
ترفع تقرير في الموضوع لقاضي تطبيق العقوبة .[41]
§
إذا أخل المحكوم عليه بقيود نظام المراقبة الإلكترونية. أمكن للمحكمة أن
تلغي هذا النظام وتلزم المحكوم عليه على تنفيذ باقي مدة العقوبة الحبسية بعد خصم
المدة التي قضاها خاضعا للمراقبة الإلكترونية.
§
يمكن أن يتم إلغاء هذا النظام بطلب من المحكوم عليه.
ولكن رغم محاولة المشرع الفرنسي تقييد المراقبة الإلكترونية بقيود وضمانات
إلا ذلك لم تكن بمنأى من النقد، حيث تعرض الوضع تحت المراقبة الإلكترونية إلى
انتقادات عديدة.
فعمد البعض إلى التقليل من أهميتها بالنظر إلى العيوب التي ينطوي عليها،
والتي تثير مشاكل تمس المحكوم عليه:
§
المراقبة الإلكترونية
اعتداء على الحق في الحياة الخاصة ذلك أن المراقبة الإلكترونية تنتهك حرمة المسكن
إذا كان الأخير مشترك. أي يضم تحت سقفه المحكوم عليه وأفراد أسرته وآخرين.
§
نظام المراقبة الإلكترونية
يعصف باعتبارات العدالة والردع العام .[42]
ولقد أبانت الحصيلة الميدانية عن نجاح العقوبة في تحقيق نتائج جد إيجابية.
ساهمت بشكل فعال في التقليص من عدد نزلاء المؤسسات السجنية ومن تم فسح المجال أمام
هذا الأخير للقيام بدورها الإصلاحي والتربوي على أتم وجه بالنسبة للجرائم التي
تكتسي صبغة خطيرة بالإضافة إلى التقليص من النفقات الباهظة المخصصة كميزانية
للتغذية والرعاية . [43]
كما أنها برهنت عن فعاليتها وعن جدواها في معالجة ظاهرة الجنوح البسيط والحد
من إشكالية حالات العود، لاسيما أنها ذات طبيعة وقائية وزجرية تروم إصلاح الجاني
وتوفير سبل إعادة إدماجه داخل المجتمع. عن طريف الحفاظ على متانة روابطه الأسرية
والاجتماعية والمهنية ... وهي بذلك تشكل إحدى مظاهر أنسنة العقاب. [44]
ويبدو أن المشرع المغربي في ظل المشروع الحالي لقانون المسطرة الجنائية قد
أدرك أهمية عقوبة الوضع تحت المراقبة الإلكترونية حيث نص عليها كبديل للاعتقال
الاحتياطي لتجاوز إشكالية الاعتقال الاحتياطي حيث تم إدراجها ضمن تدابير المراقبة
القضائية.
وإن تبنى نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية في التشريع العقابي المغربي
يمكن أن يلبي الحد الضروري للاتجاهات الحديثة للسياسة العقابية المتعلقة بترشيد
الاعتقال الاحتياطي، وفي هذا المجال أو الإطار يمكن الاستفادة من التجارب العلمية
للدول الأخرى في مجال العقوبات البديلة عامة والوضع تحت المراقبة الإلكترونية بشكل
خاص. مع مراعاة الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي
ولابد قبل تبنى نظام الوضع تحت المراقبة الإلكترونية من تهيئة المجتمع
المغربي لتقبل هذا النظام ببيان محاسنه والفوائد التي يمكن جنيها من خلاله. ومن
المستحسن للمشرع المغربي أن يضع عددا من الاعتبارات المهمة التي ستساعد على قبوله
اجتماعيا. وقيامه بدوره على الوجه المطلوب.
الفقرة الثانية: التعويض عن الاعتقال الاحتياطي
شهدت الساحة الفقهية نقاشا طويلا ومثيرا بخصوص ضرورة وأهمية إقرار مسؤولية
الدولة عن الأخطاء القضائية، وبسبب بعض أوجه وجاهة المبررات الداعية إلى إقرار هذه
المسؤولية والاعتراف للمتضرر من الخطأ القضائي بالحق في جبر الضرر، فإن الملاحظ
حقيقة هو اقتناع مشرعي معظم الدول بالحق في تعويض لضحايا الاعتقال الاحتياطي
والعدول بالتالي عن مبدأ عدم مسؤولية الدول عن الاعتقال الاحتياطي الخاطئ أو
التعسفي أو غير المشروع.[45]
وسيرا على نفس الخطى قرر المشرع الفرنسي بمقتضى قانون 5 يوليوز 1972 المادة
11 من مسؤولية الدولة عن الأخطاء القضائية خاصة بعض صور الخطأ القضائي مثل الخطأ
الجسيم أو جنحة إنكار العدالة كما نصت على مسؤولية رجال القضاء على اخطائهم
الشخصية، على أن تضمن الدولة حصول المتضرر على تعويض لجبر كل الأضرار اللاحقة به
جراء هذه الأخطاء الشخصية.[46]
كما قامت الجزائر بدسترة مبدأ الحق في التعويض عن الخطأ القضائي
وأصدرت مرسوما بتاريخ 25 أبريل 2010 يحدد كيفيات وشروط دفع التعويض. كما أكد هذا المبدأ قانون
المسطرة الجنائية لهولندا، بحيث اعترف بحق الفرد في التعويض إذا تم اعتقاله عن
طريق الخطأ المواد 89 إلى 93 كما أن المشرع الألماني الصادر بتاريخ 8 مارس 1971
والقانون البلجيكي المؤرخ في 13 مارس 1973 نفس الأمر. كما قضى بالحق في التعويض عن
الاعتقال الاحتياطي الخاطئ وغير المشروع القانون السويسري.[47]
وقد حضي أيضا موضوع الاعتقال الاحتياطي التعسفي باهتمام خاص في المواثيق
الدولية ومدى إمكانية التعويض عنه، وتؤكد في هذا الباب المادة 9 - فقرة 4 من العهد
الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو
الاعتقال حق الرجوع إلى المحكمة لكي تفصل دون إبطاء شرعية اعتقاله وتأمر بالإفراج
عنه إذا كان الاعتقال لا يستجيب للمعايير القانونية المعمول بها.[48]
وأضافت الفقرة الخامسة من المادة التاسعة أنه من حق المتضرر الحصول على
تعويض حصول المتضرر على تعويض / من حق المتضرر الحصول على تعويض بسبب التوقيف أو
الاعتقال الاحتياطي. وجاءت في نفس السياق توصيات المؤتمر العربي الثالث للدفاع
الاجتماعي الذي انعقدت أشغاله بدمشق - أكتوبر 1972 و المؤتمر الثامن الذي انعقدت
أشغاله بالرباط 1977 لتحسيس المشرع العربي بأهمية إقرار مبدأ التعويض إذا صدر قرار
بعدم المتابعة أو ثبتت براءة المتهم. الذي أخضع لتدبير الاعتقال بمقتضى حكم نهائي.
أما فيما يتعلق بالقانون المغربي فإن إشكالية التعويض عن الاعتقال الاحتياطي
تطرح على الأقل إشكاليتين: تنصرف الأولى للجوانب القانونية للموضوع. فيما يتعلق
الثانية بالكشف عن مضمون الممارسة القضائية بهذا الخصوص.[49]
فيما يتعلق بالجوانب القانونية لإمكانية التعويض عن الاعتقال الاحتياطي.
فإنه يلاحظ أن أحكام قانون المسطرة الجنائية لا تنص صراحة على حق المتهم ضحية
تدبير الاعتقال والذي صدر أمر بعدم المتابعة أو صدر حكم نهائي بالبراءة في
المطالبة بأي تعويض. وإن كان أن المشرع رتب بعض الجزاءات حالة ما إذا تم انتهاك
بعض الأحكام القانونية .[50]
نذكر منها المادة 98 و 141 من ق.م.ج. و التي تشير إلى تجاوز المدة المحددة
قانونا للاعتقال دون استنطاقه، بحيث يعد الضحية الاعتقال الاحتياطي التعسفي. علما
أن المشرع الذي أفضى إلى قانون المسطرة الجنائية الحالي لم يحتفظ باقتراح للمجلس
الاستشاري لحقوق الإنسان. كان يرمي إلى منح تعويض للمتهم في حالة الحكم ببراءته أو
عدم متابعته عن مجموع المدة التي قضاها معتقلا بدون حق لذا فإن المنطق والعدل يفرض
على الدولة أن تحمل مسؤوليتها كاملة في تعويض المعتقل احتياطيا الذي برنت ساحته أو
قضي بعدم متابعته وذلك نظرا للسلبيات الخطيرة للغاية على المتهم وعائلته خاصة أن
أفراد المجتمع لا يقيمون تمييزا بين الاعتقال والإدانة التي تظل لصيقة به مدى
الحياة .[51]
ولا يجب علينا الاكتفاء بإلقاء اللوم على ممارسة قضائية أنتجت ظاهرة
المعتقلين الاحتياطيين بل يتعين علينا إبراز مظاهر عدم الوضوح التي تطبع النصوص
القانونية المنظمة للاعتقال لاسيما وأن المشرع لم يحدد أسباب أعماله بطريقة دقيقة
كما لم يعمد إلى تحديد حالات ذلك.
والأهم أنه لم يلزم قاضي التحقيق
بإبراز الأسباب والمبررات الداعية إلى اعتقال المتهم في إطار التعليل الخاص جدا
للأمر بالاعتقال حرصا على عدم انتهاك قرينة البراءة والحريات الفردية
للمواطنين. [52]
ورغم مظاهر قصور التشريع في هذا الباب. فإن العمل القضائي لم يصل في ممارسته
إلى صياغة سلم معياري لأسباب الاعتقال. علما أن دستور 2011 قضت بوجه صريح أحكامه
بالحق في التعويض. والإقرار بهذا الحق الدستوري يجعل أمر ملائمة قانون المسطرة
الجنائية والأحكام الدستورية الجديدة. أمرا مستعجلا وذلك في احترام تام ومطلق
لمنظومة حقوق الإنسان.
وقد بدأت الأصوات منذ الآن بالمطالبة باعتبار الاعتقال التعسفي والاعتقال
الاحتياطي التعسفي من صور الخطأ القضائي. فالإيداع في السجن لشخص تمت تبرئته أو
صدر أمر بعدم متابعته لاحقا يعد خطأ قضائيا موجبا للتعويض بناءا على أحكام المادة
122 من الدستور، بل ويمكن تجاوز إطار جبر الضرر لضحية الاعتقال واعتبار الاعتقال
الاحتياطي في مثل هذه الأحوال مندرجا ضمن الجرائم الخطيرة المشمولة بنطاق أحكام
المادة 23 من الدستور باعتبارها إحدى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. [53]
وفي ضوء الفراغ التشريعي بالمغرب تبدو الحاجة ملحة إلى التكريس التشريعي
لمبدأ التعويض عن الاعتقال الاحتياطي ومما يزيد من تعميق الحاجة إلى هذا المبدأ هو
العدد المرتفع للمعتقلين احتياطيا في كل الدوائر القضائية بالمملكة عدد ما فتئ
يتزايد مكرسا بذلك أزمة الاعتقال الاحتياطي في المنظومة الجنائية بالمغرب.[54]
بالرغم من المبررات التي من أجلها أجاز المشرع المغربي الاعتقال الاحتياطي
كإجراء امن وإجراء تحقيق وضمان لتنفيذ الحكم، إلا أن الاعتقال الذي بمقتضاه يودع
المتهم في السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها، إلى أن تنتهي محاكمته، يحدث لدى
المتهم أذى بليغا وصدمة عنيفة، ويلقى عليه ظلالا من الشك، ويقربه من المحكوم عليه،
مما يؤديه في شخصه، وفي مصالحه، وفي شرفه وسمعته وفي أسرته، ويعطله عن إعداد
دفاعه، ولهذا فان الضرر الذي يعود على المعتقل احتياطيا لا يمكن تعويضه على
الإطلاق.
إذ يبقى الاعتقال الاحتياطي إجراء من إجراءات التحقيق التي لا غنى عنها في
بعض الأحيان على النحو السابق ذكره. فإن أزمة
الاعتقال الاحتياطي في تصاعد مستمر وهذا ما أكدته أرقام التي وصل لها نسبة
الاعتقال الاحتياطي والغنية عن أي تعليق.
ونجد أنه قد صدرت عدة اعتقالات احتياطية ضد بعض الأشخاص ارتكبوا جنحة بسيطة
وفي حالات أخرى استمروا في الاعتقال رغم انتهاء مدة البحث، ورغم أن إبقائهم رهن
الاعتقال لم يعد لازما لإظهار الحقيقة.
ومن المستحسن تفاديا للوقوع في مثل هذه الإساءة في الاستعمال، أن يحدد
المشرع المغربي المدة القصوى للاعتقال الاحتياطي بالنسبة لخطورة الجريمة، وأن يوضح
بكيفية دقيقة الحالات التي تستوجب الاعتقال الاحتياطي، لتقيد حرية التقدير الكاملة
الممنوحة للقاضي، وأنه لمن المستحسن أيضا أن يسير المشرع المغربي أسوة بالمشرع
الفرنسي تعويضا للذين اعتقلوا احتياطيا بصفة مخالفة للقواعد الرئيسية تتحمله
الدولة في حالة عدم وجود أي خطا ينسب لأعوانها.
نعم قد يكون الاعتقال الاحتياطي مبررا في عديد من الحالات التي تتوفر فيها
دلائل قوية و مؤشرات هامة على ارتكاب المعتقل احتياطيا للجريمة. إلا أن هناك من
الحالات العديدة بالمقابل ما تكون فيها نسب تبرئ المتهم جد مهمة، فيعمد مع ذلك
قضاء التحقيق إلى الأمر بالاعتقال رغم توفر البدائل القانونية لتجاوز هذا الأمر.
وتبقى الغاية من الاعتقال الاحتياطي هي الحفاظ على الأمن الاجتماعي ومكافحة
الجريمة في آخر المطاف، لكن هذا التدبير وإن كان استثنائيا تترتب عنه عدة آثار
سلبية خطيرة، على جميع المستويات نفسيا واجتماعيا واقتصاديا .... الشيء الذي يعرضه
باستمرار لانتقادات شديدة من طرف جميع الأوساط الحقوقية ومهتمي الشأن القانوني.
وفي هذا الإطار يمكن أن تفهم الجهود التي تبذل من طرف وزارة العدل لدفع
سلطات الاتهام وهيأت التحقيق للالتصاق ما أمكن بفلسفة وروح مؤسسة الاعتقال
وبدائله، خاصة وضع المتهم تحت المراقبة القضائية بحيث يتم توجيه دوريا منشورات
ودوريات إلى الأجهزة القضائية في موضوع ظاهرة" .... تصاعد المعتقلين
الاحتياطيين، يتم في إطارها الحث من أجل الحد وعقلنة اتخاذ قرارات الاعتقال،
تلافيا لكل تجاوز أو خروقات قانونية ماسة بحريات الأفراد والإفراط في الاعتقال،
وأكد على الخصوص على ضرورة التقيد بمقتضيات قانون المسطرة الجنائية، وعدم التوسع في
تفسيرها تلافيا لكل اعتقال تعسفي "غير أنه لا يسعنا رغم جدية هذه المجهودات،
إلا أن نثير الانتباه للمخاطر التي تحملها ممارسة قضائية ابتعدت مند عقود عن روح
وجوهر ما تقضي به الإجراءات الجنائية بهذا الخصوص على الوضعية الحقوقية ببلادنا،
وعلى جوانبها الماسة بالحريات الفردية.
وهكذا فإن الاعتقال الاحتياطي يطرح أكثر من أشكال على المستوى التشريعي
والعملي، وذلك لعدة أسباب، منها ما هو تشريعي ومنها ما هو اجتماعي ومنه ما له
علاقة بالممارسة العملية.
ونظرا لما للاعتقال الاحتياطي من انعكاسات سلبية على مختلف المستويات، فقد
خلصنا إلى مجموعة من المقترحات ولو نسبية والتي تتمثل في ما يلي:
§
تفعيل تدبير الوضع تحت
المراقبة القضائية.
§
التنصيص صراحة على وجوب
تعليل قرار الاعتقال الاحتياطي عند اتخاذه
§
ترسيخ مبدأ الاعتقال
الاحتياطي " كتدبير استثنائي".
§
خلق آلية حقيقية لمراقبة
قرار الاعتقال الاحتياطي.
§
أحداث مؤسسة قاضي الاعتقال
والحريات يختص فقط باتخاذ قرار الاعتقال الاحتياطي أو عدمه.
§
توسيع بدائل الاعتقال
الاحتياطي
§
تفعيل قضاة التحقيق لبدائل
الاعتقال الاحتياطي المتوفرة بدل الاقتصار عن البعض منها.
§
تحديد أجال للبت في قضايا
المعتقلين ولتداولها بين المحاكم.
§
تجهيز ملفات المعتقلين
للبت فيها في الحين.
§
جعل زيارات القضاة للسجون
مناسبة حقيقية لمراجعة قضايا المعتقلين الاحتياطيين.
§
تطوير خيارات السياسة
الجنائية نحو بدائل الاعتقال وبدائل العقوبات السالبة للحرية وبدائل الدعوى
العمومية.
§
ترشيد وعقلنة الطعون من
طرف النيابة العامة.
§
نشر الوعي القانوني لدى
المواطنين لتقليل الضغط على القضاء بسبب عدم الاعتقال.
§
تفعيل تنفيذ الأحكام
بالإدانة الصادرة في حالة سراح لدعم ثقة المواطن في نجاعة العدالة التي تؤدي
وظيفتها ولو بعد حين.
§
ضرورة إنشاء آلية وطنية
للتعويض عن الأخطاء القضائية وعن الإجراءات والتدابير وخاصة الاعتقال الاحتياطي
بشكل يسمح بجبر الضرر المعنوي.
[1] تتضمن الاتفاقية أربعة عشر
قاعدة شملت بما اجمع على قبوله بوجه عام كمبادئ أساسية و أساليب عمل تتعلق بمعاملة
المساحين وإدارة المؤسسات العقابية.
يراجع ذ نور الدين الحسني
الإصلاح القضائي في ضوء مبادئ القانون الدولي العام, رسالة دكتوراه كلية الحقوق.
جامعة عين شمس ص 311 ما بعدها 1978 .
[2] محمد عبد اللطيف فرج, الحبس الاحتياطي في ضوء المواثيق الدولية
والتشريعات الوطنية القيمة الأولى 2010. مطابع الشرطة ص 179.
[3] من هذه الاتفاقيات والمواثيق ما نص عليه الفصل العاشر من
الاتفاقية الدولية الحقوق المدنية و السياسية الصادرة بتاريخ 1966/12/16.
[4] لبنى علمي مروني, الاعتقال الاحتياطي بين النص القانوني و
العمل القضائي, بحث نهاية التدريب, المعهد العالي للقضاء, الرباط, فترة التدريب
2011/2009 الفوج 36 ص 37 إلى 39 .
[5] جيهان احمروني معضلة الاعتقال في قانون المسطرة الجنائية
المغربي, رسالة لئيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة القانون الخاص السنة 2006/2005
ص 79 .
[6] رياضي عبد الغاني, تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية,
الطبعة الأولى 2009 الجزء السادس مكتبة دار السلام, الرباط ص 92 وما بعدها.
[7] مجلة المحاكم المغربية يونيو 1976 عدد 12 يصدرها كل شهرين مجلس
هيئاة المحامين بالدار البيضاء ص 9.
[8] حسن المرصفاوي في رسالته عن الحبس الاحتياطي و ضمان حرية الفرد
التشريع المصري ص 282 و ما بعدها 1954 كلية القاهرة, جامعة القاهرة .
[9] يراجع في هذا الموضوع أيضا د/ بوكيل الأخضر الحبس الاحتياطي و
المراقبة القضائية في التشريع الجزائري والمقارن، ص 306 و 307.
[10] جيهان احمروني معضلة الاعتقال في قانون المسطرة الجنائية
المغربي السنة الجامعية 2006/2005 ص 85 .
ذ ابن سليمان عبد الرحيم تدبير الاعتقال
الاحتياطي السنة 1994 ص 47 و 48.
فتاح
عبد الرزاق ضوابط الاعتقال الاحتياطي في التشريع المغربي الفوج 22 السنة الجامعية
1994/1992 ص 33 إلى 36.
[11] لفصل 34 من ق.ج إذا صدر حكم بالغرامة و كان المحكوم عليه قد
قضى مدة ما رهن الاعتقال الاحتياطي فانه يجوز للمحكمة أن تقرر إعفاء المحكوم عليه
من أداء تلك الغرامة كلا أو بعضا على أن تعلل قرارها بذلك تعليلا خاصا.
[12] رمزي الشاعر, المسؤولية عن أعمال السلطة القضائية الطبعة
الأولى سنة 1978 ص 90
[13] محمد عبد النباوي , " الاعتقال الاحتياطي " وزارة العدل والحريات . ص .8
[14] محمد عبد النباوي , " الاعتقال الاحتياطي " وزارة العدل والحريات . ص .8
[15] الموقع الالكتروني لحزب العدالة والتنمية وزارة العدل والحريات
تطرح إشكالية الاعتقال الاحتياطي واقع وآفاق 13.03.22 .
[16] محمد الغربي الأثر السلبي لاكتظاظ السجون لدراسة" تقديمية
على ضوء الأسباب الموضوعية والمعطيات الإحصائية" المجلة المغربية للدراسات
القانونية والقضائية عدد 6ماي 2011 ص 202
[17] المجلد الثاني لأشغال المناظرة الوطنية بمكناس 2004 السياسة
الجنائية واقع و آفاق الطبعة الأولى ص 245 إلى 250 .
[18] ذ / عبد السلام بنحدو - الوجيز في شرح المسطرة الجنائية
المغربية الطبعة السادسة 2006 مطبعة سبارطيل ص 145 و 146 .
[19] تنص المادة 159 من ق.م.ج على أن الوضع تحت المراقبة القضائية و
الاعتقال الاحتياطي تدبيرات استثنائية يعمل بهما الجنايات والجنح المعاقب بعقوبة
سالبة للحرية".
[20] ذ محمد عبد اللطيف فرج الحبس الاحتياطي في ضوء المواثيق
الدولية و التشريعات الوطنية الطبعة الأولى 2010 مطابع الشرطة ص 128 و 129 129 -
نفس المرجع السابق ص 126 .
[21] نفس المرجع السابق ص 126 .
[22] مجلة العلوم الجنائية العدد الثاني 2015 التكلفة الإقصائية و
الحقوقية لنظام الاعتقال الاحتياطي ص 46 إلى 52.
[23] موقع العلوم القانونية - أية حلول لاكتظاظ السجون بالمغرب -
الطالب محمد البكاري.
[24] رسالة نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء - تدبير الاعتقال
الاحتياطي بين مستلزمات النص القانوني و اكراهات الواقع العملي الفوج 38 - 2013 ص
23 .
[25] موقع جريدة الصباح - وثيقة الرميد ترصد أسباب تزايد الاعتقال
الاحتياطي
[26] ادريس لكريني - مركز الجزيرة للدراسات - قضايا المؤسسة السجنية
في الـمغرب ضمن السياق الحقوقي 25 ديسمبر 2014 ص 4 و 5.
[27] المجلد التاني السياسة الجنائية
بالمغرب واقع و افاق الطبعة الأولى 2004 ص 360 .
[28] عبد الجليل الغيداني بدائل الدعوى العمومية و بدائل العقوبات
السالبة للحرية ضمن أشغال المناظرة الوطنية التي تتضمنها وزارة العدل بمكناس أيام
11.10.09 دجنبر 2000 تحت عنوان - السياسة الجنائية بالمغرب واقع و أفاق - المجلد
الأول. الطبعة الثانية العدد 3 2004 ص 72 .
[29] موقع حزب العدالة و التنمية وزارة العدل و الحريات تطرح
إشكالية الاعتقال الاحتياطي واقع و أفاق الحلwww.pid.ma 2013.03.22
[30] جمال المجاطي - بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في
ضوء التشريع المغربي و المقارن دراسة تحليلية و عملية مكتبة الرشاد سطات الطبعة
الأولى 2015 ص 206 و 207
[31] موقع هسبرس - خبراء يدققون بالتوجهات الحديثة للسياسة العقابية
السبت 16 يناير 2016
[32] صفاء أوتاني مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية و القانونية -
المجلد - 25 العدد الأول 2009 .
[33] مصطفى البهي - أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص - أزمة
السياسة العقابية و إعادة إنتاج الجنوح بالمغرب 2014.2013 ص : 288 إلى 305 .
[34] عبد السلام حسي رحو الوضع تحت المراقبة الإلكترونية كبديل
للعقوبة السالبة للحرية مجلة القضاء و القانون العدد 152 ص 49 .
[35] عبد الله بن عبد العزيز اليوسف التدابير المجتمعية كبدائل
العقوبات السالبة للحرية الطبعة الأولى أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية.
الرياض 2003 ص 134 و ما يليها.
[36] عمر سالم . المراقبة الإلكترونية طريقة حديثة لتنفيذ العقوبة
السالبة للحرية خارج السجن الطبعة الأولى دار النهضة العربية القاهرة 2000 ص 10
[37] لقد تم اعتماد نظام المراقبة الإلكترونية في البداية كوسيلة
لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية قبل أن يتم الارتقاء بها إلى مستوى عقوبة قائمة
بذاتها وذلك بمقتضى القانون رقم 204.2004 الصادر في 9 مارس 2004 حيث نصت على هذه
العقوبة المادة 132 1.26 من ق.م.ج .ف.
[38] ما يلاحظ أن القضاء الفرنسي
يعتمد بشكل كبير هذه العقوبة بشأن جرائم حوادث السير بسبب حالة السكر و جرائم
الضرب والجرح الخفيف.
[39] موقع العلوم القانونية مسؤولية الدولة عن الاعتقال الاحتياطي
التعسفي بين تعزيز آليات المراقبة القضائية و غياب النص القانوني سعيد صحصاح 16
يونيو 2013 .
[40] عبد الله درميش مختلف أشكال بدائل العقوبات السالبة للحرية
مجلة المحاكم المغربية العدد 86 و 87 2001 ص 20 .
[41] موقع العلوم القانونية - أية حلول لظاهرة اكتظاظ السجون
بالمغرب الطالب محمد البكاري كلية الحقوق وجدة 6 ابريل 2013.
[42] عمر سالم، المراقبة الإلكترونية طريقة حديثة لتنفيذ العقوبة
السالبة للحرية خارج السجن المرجع السابق ص 86 .
[43] مصطفى الهي، أزمة السياسة العقابية و إعادة إنتاج الجنوح
بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و
الاقتصادية والاجتماعية طنجة السنة الجامعية 2014/2013 ص 297 إلى 302
.
[44] الحسين زين الاسم . دبلوم لنيل الدراسات العليا المعمقة -
إشكالية العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة و البدائل المقترحة 2006/2005 ص 89
إلى 95
[45] ذ/ محمد عبد اللطيف فرج الحبس الاحتياطي في ضوء المواثيق
الدولية والتشريعات الوطنية الطبعة الأولى 2010 مطابع الشرطة ص 247 وما بعده.
[46] امین مصطفى
محمد مشكلات الحبس الاحتياط بين قيوده والتعويض عنه 2010 دار الجامعة الجديدة الإسكندرية
ص 93 وما بعده.
[47] مجلة العلوم الجنائية -محمد أحداف –
التكلفة الاقتصادية و الحقوقية لنضام الاعتقال الاحتياطي العدد الثاني 2015 ص 68 .
[48] مصطفى أشيبان : الاعتقال التحكمي الاعتقال الاحتياطي التعسفي
من صور الخطأ القضائي - الصباح 31 يناير 2012 ص 13.12.11
[49] الحبيب بيهي - شرح قانون المسطرة الجنائية - مرجع سابق ص 234 -
235
[50] عمر ازوكار : الاعتقال و ثقافة الزجر بسلب الحرية . الصباح .
ملف الاعتقال الاحتياطي - 31 يناير 2012 ص 12 .
[51] زكرياء جبارة : إشكالية التعويض عن الاعتقال الاحتياطي غير
المبرر في التشريع المغربي بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص - كلية العلوم
القانونية و الاقتصادية والاجتماعية - أكدال الرباط السنة 2009 – 2010 ص 49 الى
52.
[52] ذ بن سليمان عبد الرحيم - تدبير الاعتقال الاحتياطي - بحث
نهاية التدريب - الفوج 22 المعهد الوطني للدراسات القضائية - الرباط السنة 93-1994
ص 45 إلى 47 .
[53] فتاح عبد الرزاق - ضوابط
الاعتقال الاحتياطي في التشريع المغربي - بحث نهاية التدريب - المعهد الوطني
للدراسات القضائية الفوج 22 السنة 92-1994 ص 37 .
[54] معوض عبد التواب - الحبس الاحتياطي علما و عملا الطبعة الثانية
1994 مطبعة الاطلس - القاهرة - ص 338 وما بعده .
من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله