الخطأ المكسب في القانون المغربي - عبد الحكيم عرني



الخطأ المكسب في القانون المغربي

The earned error in Moroccan law

عبد الحكيم عرني / حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون الخاص.

Abd hakim ARNIBADININI 

 

مقدمة:

يقصد بالمسؤولية المدنية ذلك الالتزام الذي بموجبه يلتزم شخص أو أكثر بتعويض الضرر الذي ألحقه بالمضرور، والذي قد يكون هو الآخر شخص واحد أو أكثر.

وتتفرع عن المسؤولية المدنية نوعين من المسؤولية، فهي إما أن تكون مسؤولية عقدية، وإما أن تكون مسؤولية تقصيرية، فيقصد بالأولى الإخلال بعقد قائم بين المخطئ والمتضرر، أي أنها تترتب عن عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على الوجه المتفق عليه،  في حين يُعْنى بالثانية تلك المسؤولية التي تقوم على إلزام القانون بتعويض الضرر الذي ينشأ دون علاقة عقدية بين المسؤول عنه والذي كان ضحيته.

ولا تقوم أيًا من المسؤوليتين سواء العقدية أو التقصيرية، إلا إذا تحققت أركانهما الأساس، والمتمثلة في الخطأ والضرر والعلاقة السببية، باعتبارهما أركان متلازمة لا تقوم المسؤولية بتخلف أحدهما.

وقد نظم المشرع المغربي أحكام المسؤولية المدنية في ظهير الالتزامات والعقود([1])، في الباب الثالث من القسم الأول تحت عنوان " الالتزامات الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم " مخصصا لها الفصول من 77 إلى 106، كما أضاف بابا رابعا في نفس القسم عرض فيه المسؤولية المدنية الناجمة عن المنتوجات المعيبة([2]) في الفصول من 106-1 إلى 106-14 من ظهير الالتزامات والعقود.

وإذا كانت المسؤولية المدنية تقوم على تلك الأركان التقليدية الثلاثة المتلازمة، فإن أول ما تستهل به المسؤولية هو ركن الخطأ، هذا الأخير الذي يعتبر نقطة انطلاق المسؤولية، والذي على إثره تتمخض الأركان الأخرى.

عرف المشرع المغربي الخطأ في الفقرة الثالثة من الفصل 78 من ظهير الالتزامات والعقود، بما يلي : " الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر ".

لذلك فالخطأ ينتج عن أمرين، يتعلق الأول بترك ما يجب فعله، والثاني فعل ما يجب تركه، والمسؤولية في كلتا الحالتين سيان، إذا نتج عن هذا الفعل ضررا وكانت هناك علاقة سببية سواء كان الخطأ إيجابيا أو سلبيا. وكانت هناك علاقة سببية. ونظرا للتطورات التي تشهدها مجتمعات العالم والمغرب جزء منها، فقد اهتزت نظرية الخطأ بفعل التطورات الاقتصادية والصناعية والطبية والحرفية، وهذا أدى إلى ظهور نمط آخر من الخطأ يسمى بالخطأ المكسب أو الخطأ المربح أو الربحي.

لذلك نتساءل عن المقصود بالخطأ المكسب؟ وما الفرق بينه وبين الخطأ التقليدي؟ وما هي خصائصه، وطبيعته القانونية، والآثار المترتبة عنه؟ لذلك، ومن أجل معالجة الأسئلة المطروحة أعلاه يتعين اعتماد التقسيم التالي: المطلب الأول: ماهية الخطأ المكسب. المطلب الثاني: آثار الخطأ المكسب.

المطلب الأول: ماهية الخطأ المكسب

يعتبر الخطأ ركن من أركان المسؤولية المدنية سواء العقدية أو التقصيرية، وعلى إثره يبدأ الحديث عن ركني الضرر والعلاقة السببية، إلا أن ركن الخطأ تطور مع التقدم الاقتصادي والصناعي، فظهر ما يصطلح عليه اليوم بالخطأ المكسب، وهو ما يدفعنا للحديث عن تعريف الخطأ المكسب (الفقرة الأولى)، ثم بعد ذلك نعرض لنطاق الخطأ المكسب (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تحديد الخطأ المكسب

 كما هو معلوم فالخطأ بمفهومه الواسع يترتب عنه تعويض إذا ما تحققت أركان أخرى، وبالتالي هذا الخطأ يلزم صاحبه قانونا بتعويض الضحية المتضرر، إلا أنه في الآونة الأخيرة أصبحنا نسمع بفكرة الخطأ المكسب التي ظهرت مع القضاء الفرنسي، ولهذا يجب أن نعرف بالخطأ المكسب (أولا)، ثم نميزه عن الخطأ التقليدي (ثانيا).

أولا: تعريف الخطأ المكسب

بدأت فكرة الخطأ المكسب في القضاء الفرنسي ونستشف من خلال قضيتين نعرض لهما، إذ بموجبهما نستخلص تعريفا محكما للخطأ المكسب، وقد تمثلت القضية الأولى في قيام ناقل بحري بِرَصً بضائع تعهد بنقلها على مثن سفينة بدلا من وضعها في الصناديق المخصصة لها والتي تم الاتفاق عليها مسبقا في العقد المبرم بين الناقل وصاحب البضاعة وتمت تأدية الأجرة على هذا الأساس، إلا أن الناقل خالف ما هو متفق عليه وقام بتخصيص الصناديق لبضاعة أخرى، وأثناء عملية النقل تعرضت البضاعة المتفق على نقلها للتلف، الشيء الذي دفع صاحبها إلى تقديم دعوى ضد الناقل يطالبه فيها بالتعويض جراء الضرر الذي لحق بضاعته، غير أن الناقل تمسك بشرط عدم المسؤولية المضمن في سند الشحن، إلا أن محكمة النقض الفرنسية استبعدت إعمال ذلك الشرط على أساس أن ما قام به الناقل يشكل خطأ مكسبا، ما دام لم يقم بوضع البضاعة في الأماكن المخصصة لها والتي تم الاتفاق عليها مسبقا في العقد، وبالتالي كان هذا هو السبب في التلف، لأن هذا العمل الذي قام به الناقل يكون أقل كلفة له، وزاد من كسبه([3]).

أما القضية الثانية تتلخص وقائعها في أن عقد توريد أبرم بين مجموعة فرنسية وشركة خطوط السكك الحديدية الباكستانية تلتزم بموجبه المجموعة الفرنسية بتوريد مواد معينة للشركة المذكورة وتم العقد من خلال وسيط، وقد تعمدت المجموعة الفرنسية عدم تنفيذ الجزء الأخير من عقد التوريد حتى تتفادى دفع العملة المتفق عليها للوسيط، وقد رأت محكمة الموضوع ومحكمة النقض كذلك أن عدم تنفيذ العقد نتج عن مسلك إرادي للمجموعة الفرنسية ولم يكن نتيجة لظروف خارجة عن إرادتها، بل من خطأ مربح لصالحها حيث كانت لها مصلحة في عدم تحمل الجزاءات المالية التي كانت مهددة بها لعدم تنفيذ العقد([4]).

من خلال وقائع هاتين النازلين يمكننا استخلاص تعريف للخطأ المكسب، وهو ذلك الخطأ الذي يحقق فيه المقترف الفعل الضار الموجب للمسؤولية التقصيرية أو العقدية ربحا أو كسبا يتجاوز مقدار التعويض الواجب عليه دفعه المتمثل بعنصري الخسارة الحالة والكسب الفائت على فرض إقرار المسؤولية.

وما دام أن نظرية الخطأ المكسب ظهرت مع القضاء الفرنسي، فلابد أن يكون للفقه الفرنسي نصيب من هذه النظرية، وخاصة على مستوى التأصيل لهذه الفكرة، والتي تبدأ من وضع تعريف للخطأ المكسب. وهكذا عرفه جانب من الفقه الفرنسي بأنه الخطأ الذي يكون من مصلحة المسؤول عن ارتكابه، لأنه يجني من ورائه منفعة تتجاوز بكثير مبلغ التعويض عنه لذلك فهو خطأ يجلب أكثر مما يكلف)[5](

أما بخصوص القوانين العربية والتي من ضمنها التشريع المغربي فإنها لم يعرض للخطأ المكسب ولا لتعريفه، باستثناء بعض الفقه المصري، حيث عرفه البعض([6]) بأنه الخطأ الذي يجني فاعله فائدة من جراء ارتكابه، في حين عرفه البعض الآخر([7]) بأنه الخطأ الذي يأتي بالربح على المدين الذي اقترفه، وأضاف اتجاه ثالث بأنه الخطأ المربح الذي يرمي المدين من خلاله إلى اقتصاد في النفقات على حساب مصلحة الدائن.

وهكذا يلاحظ  أن فكرة  الخطأ المكسب لا وجود لها داخل التقنين المغربي، وأن هذا الخطأ عادة ما يحقق نفعا لصاحب الخطأ سواء تعلق الأمر بالمسؤولية التقصيرية أو المسؤولية العقدية، وهذا استثناء من القاعدة، بالإضافة إلى أن مرتكب الخطأ أو المدين تكون له عادة نية مبيتة في تحقيق هذا الربح، وبالتالي فهذا الخطأ لا يمكن أن يكون محل صدفة، لأن فاعله على علم به.

ثانيا : تمييز الخطأ المكسب عن الخطأ التقليدي

إن الخطأ إما أن يكون عمديا متى تعمد المدين عدم تنفيذ التزامه وقصد بذلك الإضرار بالدائن، كما قد يكون وليد الإهمال وعدم التبصر، وفي الحالتين معا تنشأ المسؤولية للمدين المخطئ أيا كانت درجة الخطأ([8]). لذلك فالصورة التقليدية للخطأ هي التي أسس لها المشرع المغربي في الفصل 78 من ظهير الالتزامات والعقود، بأنه " الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر ".

ويختلف الخطأ المكسب عن الخطأ العمدي في كون هذا الأخير يقوم على عنصرين، الأول مادي يتجسد في الإخلال بواجب أيا كان مصدره، وأيا كان الشكل الذي يتخذه ذلك الإخلال، أي سواء تمثل في فعل إيجابي أو فعل سلبي، بيد أنه يلزم في الإخلال الذي يقع من المخطئ أن يكون إراديا ومتعمدا، وليس ناتجا عن مجد السهو أو الغفلة، وهو ما يعني ضرورة توافر التمييز والإدراك لدى الفاعل ليس فقط بالفعل الذي يأتيه في ذاته ولكن أيضا بنتائجه الضارة بالغير([9]).

 أما العنصر الثاني فيتمثل في انصراف نية المخطئ واتجاه قصده إلى الإضرار بالغير، فمباشرة الفعل الضار قد يتعمد إتيان الفعل، ومع ذلك لم يكن يسعى وراء الضرر، ويكفي هذا القصد لدى الفاعل حتى ولو لم يكن هذا هو غرضه الوحيد من ارتكاب الفعل الضار طالما أن نية  إحداث الضرر كانت من بين الأغراض التي دفعت إلى إرتكابه([10]).

وبناء عليه، فالاختلاف بين الخطأين يكمن في كون الخطأ العمدي تنصرف فيه نية المخطأ إلى إحداث ضرر بالدائن من خلال العمل الذي قام به، وبالتالي هو على علم به ويدرك نتائجه، في حين الخطأ المكسب يقوم به المخطئ وهو يفترض أن يكون هذا الفعل الذي قام به قد لا يسبب ضرر للدائن، كما هو الحال في القضية التي عرضنا لها سالفا والمتعلقة بالبضاعة التي أتلفت جراء عدم رصها بالصناديق المخصصة لها.

رغم ذلك فالخطأ المكسب والخطأ العمدي يلتقيان في مسألتين، الأولى وهي العمد، بحيث قام المخطأ عمدا بالفعل الذي يكسبه ربحا، وهو على بينة من الإخلال الذي قام به، والمسألة الثانية هي الضرر، بحيث كلاهما يلحقان ضررا بالدائن.

وبمقارنة أخرى بين الخطأ المكسب والخطأ غير العمدي أو الناتج عن الإهمال، نجد أن هذا الأخير يقوم هو على عنصرين، الأول مادي ويتمثل في الإخلال بواجب قانوني أيا كانت صورته، و الثاني عنصر نفسي يتجسد في إدراك الفاعل لهذا الإخلال.

 ونلاحظ أن حتى الخطأ المكسب يستجمع هذه العناصر، وبالتالي يأخذ صور الخطأ التقليدي، غير أن الاختلاف الجوهري يكمن في كون الخطأ التقليدي يرتب المسؤولية الكاملة على مرتكب الضرر ويلزمه بالتعويض، في حين أن الخطأ المكسب يوفر كسبا لصاحبه، وهذا استثناء من القاعدة.

الفقرة الثانية : نطاق الخطأ المكسب

أضحت الأخطاء المكسبة في انتشار كبير، حيث نجد تطبيقات لها سواء في المسؤولية التقصيرية (أولا)، أو المسؤولية العقدية (ثانيا).

أولا : نطاق الخطأ المكسب في المجال التقصيري

يجد الخطأ المكسب مجاله داخل النطاق التقصيري، خاصة على مستوى الحقوق الشخصية، وفي مجال الملكية الفكرية، ثم أخيرا في مجال المنافسة غير المشروعة([11]). ونجد هذا الخطأ عندما يتعلق الأمر بالحقوق الشخصية، في مجموعة من الحالات، والتي سنذكر منها الحالة التي يستغل المعتدي أو المخطئ الحياة الشخصية للأفراد محددين بنوعهم وصفتهم وليسو أشخاص عاديين، بل يختار فئة مستهدفة ليحقق من ورائها الربح، وعادة ما تكون هذه الفئة من المشاهير واللذين لهم صيت في مجال معين.

ويبدأ صاحب الخطأ المكسب عمله من أجل الحصول على مكاسب مادية، إما بنشر معلومات غير صحيحة عن هؤلاء الأشخاص المستهدفين، أو خلق قصص واهية منسوجة من الخيال، أو نشر تفاصيل عن حياتهم الخاصة، والهدف من كل هذا هو خلق رواج من أجل كسب الربح، وبالتالي ففي داخل هذه الأعمال والأفعال تقوم أخطاء جسيمة لكنها في المقابل مكسبة لصاحبها.

وفي هذا الصدد جاء في وقائع إحدى القضايا، ويتعلق الأمر بقيام مجلة فرنسية في غشت 2002 بنشر صورة فوتوغرافية لزوجين على صدر صفحتها الأولى مصحوبة بعنوان "السيدة وزوجها : الانفصال المروع". وهذه الحالات ما أكثرها في الواقع الحالي وخاصة مع هذا الانتشار المروع لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي يهدف من ورائها مروج الخبر الكسب المادي، وإن كان ذلك على حساب الحياة الخاصة للأفراد.

أما بخصوص الاعتداء على الملكية الفكرية فهي من أهم المجالات التي تكثر فيها الأخطاء المكسبة، ومن جملة ما تبرز فيه هذه الأخطاء نجد استفادة المخطئ دون وجه حق من شهرة علامة تجارية أو براءة اختراع([12]).

ثانيا : نطاق الخطأ المكسب في المجال العقدي

من المسلم به أن أي عقد مبرم بين طرفين يكون ملزما لهما، تكريسا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين([13])، غير أنه إذا أخل أحد الطرفين بالتزامه يترتب عن هذا العقد الفسخ مع التعويض متى تحقق من ذلك ضرر للطرف الآخر.

وعادة ما يخلف هذا الإخلال الذي تسبب فيه أحد أطراف العقد ضررا بالآخر رغم فسخ العقد وإرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، بحيث يكون قد فوت عليه فرصة للتعاقد مع طرف آخر، أو تكون قيمة المبيع سواء كان عقارا أو منقولا قد تراجعت عن قيمته الحقيقية التي تم فيها البيع الأول الذي انتهى بالفسخ. 

وبالتالي فعدم إتمام أحد  الأطراف لعقد  عادة ما يحقق كسبا له، وهنا يمكن أن نتحدث عن الخطأ المكسب في المجال العقدي، ومن تم فإن المتعاقد الذي يرى أن الفسخ قد وقع بغير سبب مبرر، أو أن الطرف الآخر الذي فسخ العقد لم يحترم شروط العقد أو بنوده، فعليه أن يلجأ إلى القضاء، فإذا تبين للمحكمة أن الفسخ لم يكون له ما يبرره من الجسامة، فإن الجزاء الذي يمكن أن يقع على من قام بالفسخ هو التعويض([14]).

وفي هذا الصدد يمكن أن نعطي مثالا للخطأ الكسب في المجال التعاقدي، كتعاقد شخص من شركة لصنع الزرابي العصرية من أجل شراءها بالجملة، والاتفاق على ثمن معين، ثم تقوم هذه الشركة بالمطلوب منها وتوفير الدفعة الأولى من الزرابي، ثم تتعاقد نفس الشركة مع تاجر آخر لطلب نفس المنتوج لكن بثمن يفوق الأول، غايتها في ذلك تحقيق الربح، فتقوم  بالتماطل أو إعداد منتوجات من الزرابي من النوع الرديء حتى يطلب المتعاقد الأولى الفسخ مع التعويض، وهذا الخطأ في هذه الحالة يعتبر مكسبا بالنسبة لها، لأن التعاقد مع الشخص الثاني سيكسبها أكثر مقارنة التعويضات ومصاريف الفسخ.

المطلب الثاني : آثار الخطأ المكسب

إن أي خطأ كيفما كان نوعه تنتج عنه آثار اتجاه أطرافه، وبالتالي فإذا كانت الأخطاء التي تنتج عنها أضرار يترتب عنها تعويض لا محالة، فإن الخطأ المكسب هو الآخر ستترتب عنه آثار، لكن هذه الآثار ستكون مختلفة عن الآثار المترتبة عن الخطأ التقليدي، خاصة فيما يتعلق بالتعويض، لذلك سنتطرق إلى أساس التعويض في الخطأ المكسب (الفقرة الأولى)، ثم نعرض إلى خصوصيته (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : أساس التعويض في الخطأ المكسب

أدى غياب الأساس القانوني للخطأ المكسب في التشريعات الأجنبية والعربية إلى خلق نوع من الخلاف خاصة فيما يخص التعويض، ولسد هذا النقص تم الاستناد لنظرية الإثراء بلا سبب (أولا)، ولنظرية الإسترداد الكامل (ثانيا).

أولا : نظرية الإثراء بلا سبب

تعد نظرية الإثراء بلا سبب صورة حقيقية للخطأ المكسب، بحيث تزداد الذمة المالية لأحد الأطراف وتنقص للطرف الآخر، وهذه النتيجة إما أن يكون لها أساس قانوني له ما يبرره، وإما أن تفتقر إليه، وفي هذه الحالة نكون أمام خطأ مكسب في معناه الواسع. وتنطلق فكرة الإثراء بلا سبب من أن استرداد الربح غير المشروع الذي جناه المسؤول بخطإه، ما هو إلا تطبيق لنظرية الإثراء بلا سبب([15])، وبالتالي فإذا كانت المشرع قد أجاز في ظل هذه النظرية إعادة التوازن بين الذمم([16]).

وفي هذا الصدد نورد أ قضية تعرضت لمبدأ الإثراء بلا سبب لتبرير استرداد الربح في حالات الخطأ المكسب، وتتلخص وقائع هذه القضية في كون المدعى عليه قد أنشأ فندقا في أرضه لإسكان السائحين اللذين يرغبون في زيارة كهف "بهي" يستمتعون بمشاهدة بمعالمه، غير أنه في حقيقة الأمر ظهر بأن ثلث الكهف –مقصد السياح-  يقع في أرض المدعي، وقد طالب هذا الأخير بثلث الربح الصافي الذي حققه المدعى عليه، والتي ما كان بإمكانه أن يجنيه لولا التجاوز الذي وقع على أرضه، وهكذا استجابت المحكمة الأمريكية التي رفعت إليها الدعوى إلى الطلب المقدم على أساس الإثراء غير العادل الذي حققه المدعى عليه)[17](.

ثانيا : نظرية الاسترداد الكامل

لاشك أن نظرية الخطأ المكسب واردة في أي تصرف كيفما كان نوعه، غير أن القواعد التي تحكم التعويض عن الضرر في هذا الخطأ يعتريها القصور، سواء تعلق الأمر بالمسؤولية التقصيرية أو العقدية. ولمعالجة هذا المقتضى فقد اجتهد الفقه الفرنسي([18]) لإيجاد أساس قانوني لاسترداد الربح الذي اغتنمه المسؤول في حالات الخطأ المكسب، وأوجد نظرية  الاسترداد الكامل، والتي الغرض منها هو تعويض كل الضرر من جهة وإعادة طرفي المسؤولية إلى الحالة التي كانا عليها. وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت إعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها تدرك من خلال تطبيق مبدأ التعويض الكامل، فإن الأمر يصعب إدراكه بالنسبة للمسؤول عن الضرر المكسب([19]).

كما تجب الإشارة أيضا إلى أن هذا التعويض يمتاز بعدم توقعه، وهذا عنصر أساسي لردع مرتكب الخطأ المكسب بكيفية فعالة، لذلك يقتضي الأمر الأخذ بعين الاعتبار العنصر الحاسم الذي أدى إلى ارتكاب الخطأ، وهو الحساب الاقتصادي المسبق الذي يظهر الفرق بين التعويض المحتمل والمكاسب المحتملة([20])

الفقرة الثانية : خصوصية التعويض في الخطأ المكسب

يعتبر الخطأ المكسب خطأ ذو طبيعة خاصة، فهو الخطأ الذي يحقق فيه مرتكب الفعل الضار الموجب للمسؤولية ربحا يتجاوز في حالة إقرار مسؤوليته مقدار التعويض الواجب عليه دفعه، لذلك سنعرض لهذه المسألة من خلال التقنين الإنجليزي (أولا)، والفرنسي (ثانيا).

أولا : التعويض عن الخطأ المكسب في القانون الإنجليزي

تعتبر فكرة الخطأ المربح من أهم مستجدات النظام القانوني الإنجليزي، وقد تم تبنيها من قبل القضاء الإنجليزي لتجريد مقترف الفعل الضار من الأرباح التي اكتسبها على حساب المضرور نتيجة للخطأ المربح الذي ارتكبه([21]).

وقد أضفى القانون الإنجليزي على الخطأ المكسب مجموعة من الخصائص، من أجل تمييزه عن الأخطاء الأخرى، وتتلخص هذه الخصائص أن الخطأ المكسب خطأ شخصي لصيق بمرتكبه، أي لا يمكن نقله إلى شخص آخر كما هو الحال بالنسبة لمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه. ومن خصائصه أيضا أنه خطأ عندي من نوع خاص، ذلك أن مرتكب الضرر لا ينوي مجرد إيقاع الضرر بالمضرور بل يسعى عن وعي إلى جني الربح من ذلك الفعل([22])، وأهم خاصية تميز الخطأ المكسب أنه خطأ غير قابل للتأمن.



([1]) – ظهير شريف صادر بتاريخ 09 رمضان 1331 الموافق 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود.

([2]) – أضيف هذا الباب بموجب المادة 65 من القانون رقم 24.09 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.140 المؤرخ في 16 رمضان 1432 الموافق ل 17 غشت 2011، الجريدة الرسمية عدد 5980 بتاريخ 23 شوال 1432 الموافق ل 22 شتنبر 2011، ص 4678.

)[3] –( V. Cass. Req, 5 juin 1920, Sirey 1921. 1.293, cité par J. MEADEL, « Faut-il Introduire la faute lucrative en droit français ? », Les Petites Affiches, 17 avril 2007, no 77, p. 6 et ss, spéc. No 2.

)[4]( - V. Cass. com., 27 nov. 1967, Bull. civ. no 98, ou la Cour affirme que « L’inexécution du marché n’était pas la conséquence de circonstances étrangères a la volonté du groupe mais provenait d’un fait volontaire voire d’une faute lucrative de ce dernier…. ».

([5])  - V. P. JOURDAIN, Rapport introductif colloque du 20 novembre 2002 « Faut-il moraliser le droit français de la responsabilité civile ? », Les Petites Affiches, n°232, p.3 et ss, no 8 ; J. MEADEL, "Faut-il introduire la faute lucrative en droit français?'', Les Petites Affiches, 17 avril 2007, no 77, p. 6.

([6])  - حسن زكي الأبراشي : مسؤولية الأطباء والجراحين المدنية في التشريع المصري والقانون المقارن، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، جامعة فؤاد الأول، القاهرة، 1951، ص : 152.

([7]) محمد جمال الدين زكي: مشكلات المسؤولية المدنية، ج الأول، الاتفاقات المتعلقة بالمسؤولية، مطبعة القاهرة، السنة 1990، ص: 95.

([8]) - مصطفى الخطيب : المسؤولية المدنية، مطبعة قرطبة، أكادير، الطبعة الثانية، 2018، ص : 22.

)[9]( - V. P. JOURDAIN, Les principes de la responsabilité civile, 4e éd. 1998, Connaissance du droit, P. 59.

([10]) - سليمان مرقس : الوافي في شرح القانون المدني- الجزء الثاني، في الالتزامات، المجلد الثاني، في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، القسم الأول في الأحكام العامة، ص : 261.

([11]) - عبد الهادي فوزي العوضي : الخطأ المكسب في إطار المسؤولية المدنية- دراسة مقارنة في القانونين الفرنسي والمصري، مجلة القانون والاقتصاد، جامعة القاهرة، العدد 92، ص : 126.

([12]) - عبد الهادي فوزي العوضي : م س، ص : 131.

([13]) - الفصل 230 من ظهير الالتزامات والعقود " الالتزامات التعاقدية المنشأ على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون".

([14]) - محمد حسن قاسم : نحو الفسخ بالإرادة المنفرة، قراءة في التوجهات القضائية والتشريعية الحديثة، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، العدد الأول، 2010، ص 59.

([15]) -  ظافر حبيب جبارة : النطاق الفني للتعويض ن الخطأ المربح في المسؤولية المدنية "دراسة مقارنة"، ص : 12.

([16]) - الفصل 66 ظ ل ع " من تسلم أو حاز شيئا أو أي قيمة أخرى مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرر هذا الإثراء التزم برده لمن أثري على حسابه".

- الفصل 67 من ظ ل ع " من استخلص بحسن نية نفعا من شغل الغير أو شيئه بدون سبب يبرر هذا النفع، التزم بتعويض من أثرى على حسابه، في حدود من أثرى به من فعله أو شيئه".

([17]) - James Edelman, Gain Based Damages: Contract, Tort, Equity, and Intellectual property, Oxford Portland, Hart Publishing, London, 2002, P40.

([18]) - ظافر حبيب جبارة : م س، ص : 16.

([19]) -  إبراهيم الداسوقي أبو الليل : تعويض الضرر في المسؤولية المدنية، مطبوعات جامعة الكويت، الكويت، 1995، ص :  47.

([20]) - أحمد الدراري : دعوى المنافسة غير المشروعة في ضوء القضاء المغربي والفرنسي، سلسلة القانون المقارن، العدد الأول، 2017، ص : 250.

([21]) - عز الدين زوبة : م س، ص : 1155.

([22]) - عز لدين زوبة : التعويض عن الخطأ المربح في ظل القانونين الإنجليزي والفرنسي، مجلة صوت القانون، المجلد الثامن، العدد الأول، 2021، ص : 1160.



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد السادس عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث