رقمنة الادارة العمومية بالمغرب - الواقع ورهانات
المستقبل-
عدنان السباعي
باحث في الشؤون القانونية والعلوم الجنائية
Digitization
of public administration in Morocco - reality and future challenges
Adnan SBAI
مقدمة:
شهد
العالم ثورة كبيرة في مجال الاتصالات، والتي أثرت على مختلف المجالات، القانونية
والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وغيرها، ولعل السبب
الرئيسي لهذه الثورة يعود لظهور الإنترنت وارتباطها بالحاسبات الآلية، والتي تطورت
بشكل متسارع وفي وقت وجيز بالنظر لقلة تكلفة استعمالها وسهولة وسرعة إنجاز
المعاملات التي تتم من خلالها، مقارنة مع وسائل الاتصال الأخرى المعروفة، وأهم
مجال تأثر بهذه التطورات التكنولوجية هو ميدان المعاملات بشتى أنواعها، مدنية كانت
أو تجارية أو غيرها، وإن كانت المعاملات التجارية هي السبب الأساسي في دخول أنظمة
المعلومات إلى الميدان القانوني.
والإدارة
بطبيعة الحال لم تسلم من هذا التأثير، من هنا نجد أن علم الإدارة الحديث منهج
الإبداع والابتكار في إحداث تغييرات جذرية في مفهوم الأداء والعمل الإداري
والانتقال من الأنماط التقليدية إلى أخرى أكثر ديناميكية ومرونة بالاعتماد على
التكنولوجيات والتقنيات الحديثة والتي تساعد دون شك على تعزيز قدرات المنظمات
والمؤسسات الإدارية على تحقيق الجودة والتميز عبر إدخال جملة من التحسينات
الأساسية على سير الأعمال الإدارية فيها.[1]
وبما
أن الإدارة العمومية في أساسها هي مجموعة من المرافق العامة فان مبدأ التكيف هو من
أهم المبادئ الحاكمة لهذه المرافق، فإنه من الضروري البحث في تأسيس نظام إداري
يتوافق مع روح العصر ومستجداته، سواء لجهة القيم أو لجهة الوسائل.[2] كما
أن التحول من البيئة التقليدية الورقية إلى البيئة الالكترونية في مجال تقديم
الخدمات الإدارية أصبح أمرا لا مفر منه لكل دولة ترغب في مواكبة التطورات الحاصلة
في الميدان التكنولوجي، لهذا كان التحول نحو النمط الالكتروني ذو أهمية كبيرة من
خلال ما توفره من مزايا وإيجابيات، وما تتجاوزه من سلبيات البيروقراطية والإدارة
التقليدية.
والإدارة
الإلكترونية هي ثمار للتطور التقني في العصر الحديث، كنتيجة حتمية للتطورات في
مجال الاتصالات وابتكار تقنيات اتصال متطورة استفادت الدول والحكومات من خلالها في
تحديث الأنماط الإدارية باستخدام الحاسوب وشبكات الانترنت في إنجاز الأعمال،
وتقديم الخدمات للمواطنين بطريقة الكترونية، مما يساهم بفاعلية في حل العديد من
المشكلات التي من أهمها الانتظار الطويل أمام الموظفين في المصالح والدوائر
الحكومية، فضلا عن تجنب الروتين والوساطة والبيروقراطية وغيرها من العوامل التي
تقف حائلا دون تطور النظم الإدارية الحالية، بالإضافة إلى ما تتميز به الإدارة
الالكترونية من سرعة في إنجاز الأعمال وتوفير الوقت والجهد.[3]
وفي
سبيل دفع الحكومة إلى الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في مجال تحديث الإدارة وجه
صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، عدة توجيهات في خطب متعددة نذكر منها:
"ندعو
الحكومة إلى اعتماد استراتيجية جديدة في المجال الصناعي والخدماتي وتنمية
تكنولوجيات العصر، تقوم على الاستغلال الأمثل لما تتيحه العولمة من فرص تدفق
الاستثمار، وتهدف إلى تقوية المقاولة المغربية وتشجيع الاستثمار الصناعي الحامل
للقيمة المضافة، وفتح المجال أمام الاقتصاد الوطني، لاقتحام أنشطة صناعية جديدة
ذات تقنيات مبتكرة، وأسواق واعدة، لتصدير منتوجاتها وخدماتها، فعزمنا يوازي طموحنا
لإدماج المغرب بمقاولاته وجامعاته في الاقتصاد العالمي للمعرفة".[4]
كما
وجه جلالته رسالة سامية إلى المشاركين في المنتدى الوطني للوظيفة العمومية والذي
جاء فيها: "وتعد الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة عاملا حاسما في الارتقاء
بالعمل الإداري، إذ ينبغي التوجه نحو تعميم الإدارة الرقمية، وتوفير الخدمات عن
بعد والولوج المشترك للمعلومات من طرف مختلف القطاعات".[5]
من
هذا المنطلق تتضح الرؤية الملكية السامية نحو تحديث الإدارة وتوفير الخدمات
الإدارية عن بعد، بحيث أن من آليات الرفع من مستوى العمل الإداري هو الاعتماد على
التكنولوجيا الحديثة، وتعتبر هذه الرؤية بمثابة خارطة طريق للحكومة للمضي قدما في
مشروع رقمنة الإدارة العمومية.
من
هنا نتساءل عن واقع الإدارة الرقمية ورهاناتها المستقبلية؟ وللإجابة عن هذا
التساؤل فإننا سنتطرق الى مطلبين أساسيين، حيث في المطلب الأول سنتحدث عن الإطار
المفاهيمي للإدارة الالكترونية، في حين سنناقش واقع وآفاق الإدارة الرقمية بالمغرب
وهذا في المطلب الثاني.
المطلب الأول: الإطار
المفاهيمي للإدارة الالكترونية
من
خلال هذا المطلب سنتطرق الى مفهوم الإدارة الإلكترونية والخصائص التي تتميز بها وهذا
في الفقرة الأولى، ثم سنتعرض في الفقرة الثانية لمقومات هذه الإدارة وهذا في
الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: مفهوم
الإدارة الإلكترونية وخصائصها
يعد
مفهوم الإدارة الإلكترونية من أبرز المفاهيم التي أدخلتها الثورة المعلوماتية
وشبكة الانترنت إلى الحياة اليومية للمواطنين، والتي ظهرت نتيجة لتطورات متفاعلة
مع الإنسان على مستوى جغرافي واسع، حيث تعد فكرة الإدارة الإلكترونية من الأفكار
الجديدة في تطبيقاتها، تهدف إلى إحداث تطوير جذري في الأداء الإداري الأمر الذي
سيكون له الأثر الكبير في تطوير خدمات الأجهزة الإدارية المحلية.
ومن
بين المفاهيم الحديثة في المجال الإداري والتي تطرق لها مشروع المدونة الرقمية رقم
67.13[6]
في المادة الأولى والتي عرفها بأنها "مجموعة التكنولوجيات والاستعمالات
المرتبطة بالإمكانية المتاحة أمام المستعمل سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا، من أجل
إخباره وتوجيهه ولتمكينه من مباشرة المساطر الإدارية بواسطة الخدمات عبر الخط وكذا
بإمكانية الإدارة من التواصل مع المستعمل عبر نفس الخدمات. تعد كذلك إدارة
إلكترونية مجموعة العلاقات بين خدمات الإدارة المنجزة بطريقة إلكترونية".
كما
أعطيت لها مجموعة من التعريفات تنطلق من الزاوية التي ينظر منها لهذا المفهوم
الجديد، وقد عرفها أحد الفقهاء بكونها "تحول المصالح الحكومية وجهات القطاع
الخاص نحو قضاء وظائفها ومهامها فيما يتعلق بخدمة الجمهور أو فيما بينها وبعضها
البعض بطريقة إلكترونية عن طريق تسخير تقنية المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة في
أداء هذه المهام".[7] كما
عرفت بكونها "الوسيلة التي تستخدم لرفع مستوى الأداء والكفاءة، وهي إدارة
بدون أوراق لأنها تستخدم الأرشيف الإلكتروني".[8]
وعلى
هذا الأساس فإن الإدارة الإلكترونية هي أداء المعاملات الإدارية من تخطيط وتوجيه
ورقابة، وتقديم الخدمات بطريقة فعالة معتمدين في ذلك على تقنيات المعلومات
والاتصالات من حواسيب، برمجيات وشبكات اتصالات، وبالتالي ربح للوقت والمال والجهد
من جهة وسهولة أداء المهام واستغلال جيد للمعلومات من خلال سرعة تبادلها مما يسهل
اتخاذ القرار المناسب من جهة أخرى.[9]
والانتقال
من الإدارة التقليدية المادية إلى الإدارة الالكترونية أو الرقمية لا يعني بالمرة
أننا سنكون أمام إقصاء كلي للأولى فهذا لا يمكن تصوره، وإنما الهدف الأساسي
والأسمى من هذا التحول هو تسهيل وتيسير سبل القيام بالعمل الإداري وتقديم الخدمات
الإدارية للمرتفقين على أكمل وجه لها.
وتتميز الإدارة الإلكترونية بمجموعة من الخصائص المميزة:
- إدارة غير
ورقية: وهذا أمر ينسجم مع طبيعة التكنولوجيا
المستخدمة في هذا الإطار، إذ من بين أهم مميزاتها أن الورق لا يدخل في
منظومتها، فكل ما يعتمد فيه على الورق تم تغييره بوسائل تقنية حديثة تفي بنفس
الغرض او أكثر، وإذا كان هناك استخدام للورق فإن ذلك في نطاق ضيق جدا.
- إدارة بلا مكان: فالتكنولوجيا لا تعترف بمقر محدد للإدارة، فالعمل الإداري أصبح
بالإمكان القيام به من أي مكان وليس بالضرورة أن يكون الموظف المعنى مثلا
متواجدا بمكتبه في الإدارة.
- إدارة بلا
زمان: فالتوقيت الإداري لم تعد له أهمية في ظل
هذه التقنيات وبالتالي يمكن القيام بالعمل في أي وقت ولو خارج ما يعتبر أوقات
عمل رسمية بالمفهوم التقليدي، وأيضا هذه المسألة مهمة جدا وذات فعالية خصوصا
في الظروف الاستثنائية والطارئة.
- إدارة بلا
تنظيمات جامدة: لأن كل ما يتعلق بالتنظيم
الإداري في البيئة الالكترونية يتسم بالمرونة، ويمكن أن يتغير ويتطور ويتناغم
مع المستجدات التي تقع في كل حين.
وبطبيعة
الحال فمفهوم الإدارة الإلكترونية يتداخل مع مفهوم الحكومة الإلكترونية، وبغض
النظر عن الجدل القائم حول وحدة المفهوم من وجود مفهومين مغايرين الا انهما معا من
طينة واحدة، لذلك أؤيد التوجه القائل بأنه ليس هناك فرق بين المفهومين، فكلاهما
يعبران عن استراتيجية إدارية لعصر المعلومات تعمل على تحقيق خدمات أفضل للمواطنين
والمؤسسات والمتعاملين معها، مع استغلال أمثل لمصادر المعلومات المتاحة من خلال
توظيف الموارد المادية المتاحة في إطار إلكتروني حديث من أجل الاستثمار الأمثل
للوقت والمال والجهد، تحقيقا للمطالب المستهدفة بالجودة المطلوبة.[10]
والحكومة
الالكترونية بيئة افتراضية تقوم فيها الأجهزة الحكومية بتنفيذ أعمالها وتقديم
خدماتها إلى الجهات المستفيدة عن طريق استخدام التقنيات الرقمية المتطورة لتحقيق
الكفاءة وضمان أمن المعلومات بعيدا عن مفهوم الزمان والمكان، وهي بالتالي تستخدم
التكنولوجيا الحديثة للرقي بالخدمات الحكومية.
الفقرة الثانية: مقومات
الإدارة الإلكترونية
يعتبر
برنامج الإدارة الإلكترونية من بين المشاريع الهامة وذات الفائدة لتحقيق فعالية
النشاط الإداري والرفع من معدلات التنمية على أن يواكب هذا المشروع وعي اجتماعي
يعتمد الحداثة في الفعل ويقطع مع الأساليب التقليدية في تدبير الشأن العام[11].
واللجوء
إلى الإدارة الإلكترونية أو ما يسمى بـ "الإدارة بدون أوراق" بغية تسهيل
حصول المواطنين على المعلومات جاء نتيجة حتمية ومنطقية لثورة تكنولوجيا المعلومات
والاتصالات وأجهزة الحاسوب والإنترنت والألياف البصرية وغيرها من الأجهزة
الإلكترونية.[12]
وتتكون
الإدارة الإلكترونية من أربعة عناصر أساسية وهي: الحاسب الآلي ومكوناته المادية
وملحقاته، وبرامج الحاسب، وشبكات الاتصالات، وصناع المعرفة من الخبراء والمختصين
الذين يمثلون البنية الإنسانية والوظيفية لمنظومة الإدارة الإلكترونية.[13]
والانتقال
للإدارة الرقمية أو الالكترونية بشكل سليم يستلزم مجموعة من الأسس والمقومات التي
من الضروري توافرها، وإلا فهذا الانتقال وإن تم الشروع فيه، لن يحقق أهدافه ولن
يتحقق له الدوام والاستمرار، ومن بين أهم هذه المقومات نجد:
وجود إرادة حكومية حقيقية
بضرورة التحول الرقمي: بحيث يجب أن تكون هناك قناعة
حكومية راسخة ورؤية واضحة للتحول من البيئة التقليدية الورقية إلى البيئة الرقمية،
وكذا تشجيع الموظفين على الابتكار والتجديد في طرق أداء العمل الإداري عبر الحوافز
والمكافآت، مما يفرض عليهم العمل على توفير كل الوسائل الكفيلة بهذا الانتقال، بما
في ذلك تقديم الدعم بمختلف أشكاله للإدارات والمؤسسات التابعة لها.
وهذا
الأمر لا ننفي وجوده لدى الحكومة المغربية ويظهر ذلك جليا من خلال البرنامج
الحكومي[14]
المسطر للولاية الممتدة بين 2016 و2021، حيث أنه من بين التدابير التي أعلنت
الحكومة على اتخاذها في مجال إصلاح الإدارة والخدمات العمومية وتقريبها من
المواطن، مباشرة إصلاح شامل وعميق للإدارة يعتمد أساسا على الإدارة الرقمية
والتدبير المبني على النتائج، وأيضا وضع إطار تنظيمي لتبسيط الإجراءات والمساطر
الإدارية ورقمنتها، ومواصلة الرفع التدريجي للطابع المادي للمساطر ودعم استعمال
التكنولوجيا الرقمية لتحسين وتسهيل ولوج المواطن للخدمات العمومية.
وأيضا
عبر الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018-2021 والتي تتضمن تحولات هيكلية مهمة تشتمل
على مجموعة من المشاريع الأساسية، ومن ضمن هذه التحولات نجد التحول الرقمي الذي
يتحدد في اعتماد الآليات والوسائل التكنولوجية الحديثة واستثمارها من طرف مختلف
الإدارات العمومية من أجل تعميم ودعم الخدمات الرقمية المشتركة بينها وتيسير ولوج
المواطن والمقاولة إليها، ويشتمل على أربعة مشاريع.[15]
فهذا
الانتقال نحو الإدارة الرقمية أو الالكترونية يستوجب إرادة حكومية حقيقية وصارمة
هدفها الأساسي والأسمى إصلاح الإدارة وتطوير العمل الإداري بما يتماشى وتطورات
العصر، من تقريب الخدمات الإدارية للمواطن وتسهيل حصوله عليها وبجودة عالية
وبتكاليف أقل وفي جو يطبعه الأمان.
كما
ينبغي الإشارة إلى مسألة أساسية ومهمة وهي العمل الجماعي التشاركي وفق خطة محكمة
ورؤية واضحة تجعل التحول نحو الرقمنة يسير وفق نسق موحد، وتنخرط فيه جميع الإدارات
وجميع المؤسسات وفق منهج إلزامي موحد، تفاديا للعشوائية في التخطيط والتنفيذ.
توفير الموارد المالية
اللازمة: الإدارة الالكترونية تعد من المشاريع الضخمة
والتي تحتاج إلى أموال طائلة لكي نضمن له الاستمرار والنجاح وبلوغ الأهداف
المنشودة، من تحسين مستوى البنية التحتية، وتوفير الأجهزة والأدوات اللازمة
والبرامج الالكترونية، وتحديثها من وقت لآخر وتدريب العناصر البشرية باستمرار.[16]
والإدارة
الإلكترونية إدارة تقنية حديثة بدون أوراق تستخدم التكنولوجيات العالية، فهي بهذا
تتطلب توفر أموال ضخمة لكي تضمن استمرارها وتحقق أهدافها المسطرة، كذلك يجب توفر
مختلف الأدوات الضرورية للعمل، بالإضافة إلى البرامج المتنوعة والمتطورة التي
تستلزم توفير التمويل الكافي لذلك، ولهذا يجب أن يكون التخطيط المالي لتطبيق إدارة
حديثة عقلاني ورشيد يعمل على حسن توزيع النفقات.
فالموارد
المالية مهمة جدا وتعتبر حجر الزاوية في إنجاز وتحقيق أي مشروع، فلا يمكن للإرادة
الحكومية السالفة الذكر بالانتقال التدريجي نحو رقمنة الإدارة العمومية أن تحقق
أهدافها بدون توفير الموارد المالية الضرورية لتفعيلها وأيضا للاستمرار في صيانتها
وتطويرها فانه يجب مواكبة المتطلبات التي تفرزها التطورات المتسارعة التي يعرفها
الميدان التقني.
توفير البنية التحتية
للاتصالات وموارد تكنولوجيا المعلومات:
فالبنية التحتية هي الجانب المحسوس في الإدارة الالكترونية، من تأمين أجهزة
الحاسوب، وربط الشبكات الحاسوبية السريعة والأجهزة المرفقة معها، وتأمين وسائل
الاتصال الحديثة...[17]
فمسألة
توفير الأجهزة التكنولوجية الكفيلة بتطبيق الإدارة الإلكترونية وتطوير شبكات
الاتصال، مسألة ضرورية وأساسية، كما يجب على كل الإدارات والمؤسسات الانخراط في
هذه العملية لتسهيل تبادل المعلومات والبيانات بالشكل الذي يسهل إجراءات تقديم
الخدمات الإدارية بيسر وسهولة.
توفير البيئة القانونية المناسبة: بطبيعة الحال فالتحول نحو رقمنة الإدارة العمومية يستوجب تشريعات تدعم هذا
التحول، حتى يمارس العمل الإداري الإلكتروني في إطار قانوني واضح، ولا يخفى على
أحد أن معظم القوانين الموجودة في بلادنا تتعلق بالأساس بالإدارة التقليدية
الورقية، وعليه فالقانون لا بد له من أن يساير التطورات التكنولوجية ما دام أن
القانون أصلا وليد المجتمع ويتطور بتطوره.
لذلك
لا بد من أن تكون هناك قوانين تسهل مأمورية تفعيل وتطوير الإدارة الالكترونية طبقا
للقانون، لأن الدخول في هذه البيئة الافتراضية في كل المجالات ومن ضمنها الإدارة
طرح مجموعة من التساؤلات المشروعة حول مدى قانونية الدفع الإلكتروني، مدى حجية
المحرر الالكتروني والتوقيع الالكتروني في الإثبات[18]،
حماية الخصوصية في البيئة الالكترونية، حماية البيانات والمعطيات الشخصية التي يتم
تبادلها إلكترونيا، زجر الجرائم المعلوماتية بمختلف أصنافها.
والمشرع
المغربي قطع خطوات جد مهمة في الحماية التشريعية في مجال الانترنت عبر إصداره
لمجموعة من القوانين والتي تهم مواضيع متنوعة، أهمها القانون رقم 53.05 المتعلق
بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية[19]
كأول قانون ينظم مجال المعاملات الالكترونية، حيث أقر المشرع بموجب هذا القانون
الحجية الكاملة للمحررات الإلكترونية مثل مثيلاتها الورقية التقليدية.
وكذا
إصدار القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات
ذات الطابع الشخصي[20]،
حيث نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى من هذا القانون على أن "المعلوميات
في خدمة المواطن، وتتطور في إطار التعاون الدولي، ويجب ألا تمس بالهوية والحقوق
والحريات الجماعية أو الفردية للإنسان، وينبغي ألا تكون أداة لإفشاء أسرار الحياة
الخاصة للمواطنين".
وبالإضافة
للمقتضيات التي تضمنتها القوانين السالفة الذكر في مجال محاربة الجرائم
المعلوماتية، أصدر القانون رقم 07.03 بشأن الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية
للمعطيات[21]،
لتحقيق الأمان عند التعامل في البيئة الرقمية.
توفير الموارد البشرية المتخصصة: العنصر البشري يعد من أهم العناصر في المؤسسات، إذ بدون هذا العنصر لن
تتمكن هذه الأخيرة من تحقيق أهدافها حتى وإن امتلكت أضخم المعدات والآلات
والأجهزة، لذا لابد من تأهيل العناصر البشرية تأهيلا جيدا وعلى مستوى عالي من الكفاءة.[22]
فالتغيرات
التكنولوجية السريعة حتمت على الدول تدريب أفرادها وتأهيلهم للتعامل الفعال مع
معطيات العصر التقني، حيث أن التطور التقني السريع في الحاسب الآلي من أهم العوامل
التي وضعت الكثير من التحديات أمام العديد من الإداريين لاستيعاب هذا التطور.
والموظف
هو العنصر الأساسي للتحول إلى الإدارة الإلكترونية، لذا لا بد من تدريب وتأهيل
الموظفين كي ينجزوا الأعمال عبر الوسائل الإلكترونية المتوفرة، وهذا يتطلب عقد
دورات تدريبية للموظفين، أو تأهيلهم على رأس العمل.
إعداد
الكوادر المؤهلة والقادرة على مواكبة التطور التقني، خاصة وأن استخدام تقنيات
الاتصال والمعلوماتية لم تعد ترفا، بل هي ضرورة لا يمكن لمجتمع من المجتمعات
المتحضرة أن يتجاهلها.
كما
أن توفر الكفاءات والموارد البشرية سواء من حيث الكم أو الكيف يعد شرطا لتنفيذ الاستراتيجية
الوطنية لقطاع تكنولوجيات المعلومات[23]،
وذلك بإحداث تكوينات متخصصة للموظفين بشكل مستمر قصد تسهيل انخراطهم في هذا الورش
الوطني.
كما
ان استراتيجية الإدارة الالكترونية والاستفادة من مزاياها تفرض ضرورة تهيئة العنصر
البشري للانتقال بالمجتمع إلى استخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة في المعاملات
اليومية بدمج التكنولوجيا في المناهج التعليمية بكافة المراحل لإعداد أجيال قادرة
على التعامل مع التكنولوجيا والتفاعل معها، خصوصا إذا علمنا أن مسألة التحول نحو
الإدارة الالكترونية اصبحت مسألة إجبارية وليست اختيارية، ولا سبيل للارتقاء
بالعمل الإداري دون الانخراط بجدية في هذا التحول.
أضف
إلى ذلك أن التأهيل لوحده غير كاف وإنما ينبغي الرفع من عدد الموظفين المؤهلين في
الإدارات العمومية ليتمكنوا من قضاء الأغراض الإدارية للمرتفقين عن بعد، لأنه لا
يعقل أن يقوم نفس الموظفين بالعمل بشكل مزدوج، حضوريا وعن بعد أيضا.
توفير وسائل التعامل الآمن
في البيئة الالكترونية: فأمام الثورة التقنية
وازدياد شبكات الاتصالات والمعلومات أصبحت هناك حاجة ماسة لأساليب وإجراءات أمنية
تساعد على حماية المعلومات والبيانات من الاختراق، فكلما ازداد استخدام الحواسيب
زادت الحاجة إلى حماية المعلومات المخزونة فيه وأصبح أمن المعلومات رسالة مهمة
للشركات والأفراد، بحيث يقاس الأمن المعلوماتي بقدرة النظام الالكتروني على مقاومة
الاختراق المعلوماتي لمحتويات الشبكة ومحاولة استهداف البيانات والمعلومات المخزنة
فيه بالإضافة إلى محاولات تعطيل أنظمة الاتصالات المرتبطة بالشبكة.[24]
كما
أن الإدارة الإلكترونية في حقيقتها عبارة عن تدبير معلوماتي لمعطيات خاصة
بالمتعاملين مع الإدارة وهي معطيات متعلقة في غالبيتها بأمور شخصية قد يكون
الاطلاع عليها غير قانوني ويسبب ضررا بأصحابها.[25]
لذلك
فتشفير البيانات والمعطيات التي يتم تبادلها إلكترونيا يعتبر من بين أهم وسائل
حماية المعطيات الشخصية بما يحقق حماية ضد انتهاك الخصوصية وتأمين سرية المعلومات
المتداولة بين الإدارة والأفراد على شبكة الانترنت.
تأهيل وتحسيس المواطن بمزايا
وإيجابيات الانتقال نحو الرقمنة: فهذا يفرض العمل على
جعل المواطن قادرا على استعمال تكنولوجيا المعلومات، وتيسير سبل ولوجه إليها، وكذا
تحسيسه بأهميتها، وهذا الأمر يجب أن تقوم به كل الجهات وكل المؤسسات العامة
والخاصة ويستوجب مجهودات حثيثة وجبارة، لتوضيح إيجابيات هذا التحول من إدارة ورقية
إلى إدارة إلكترونية، والتقليل من الخوف المسيطر على شريحة كبيرة من المرتفقين
خصوصا فيما يتعلق بأمن معطياتهم الشخصية وسريتها، لأن ضعف الوعي لدى المواطنين
بمزايا هذا التحول والحماية التقنية والقانونية لمعطياتهم الشخصية يشكل عقبة
حقيقية في طريق نجاح هذا المشروع واستمراريته.
وجود إرادة حقيقية وواعية
بجدوى التحول نحو الرقمنة: فهذه المسألة تتطلب وجود
مسؤولين لديهم رغبة في تطوير العمل الإداري وتجويد الخدمات العمومية المقدمة،
وتسهيل الولوج للمعلومة وتبسيط الإجراءات والمساطر واستخدام وسائل التكنولوجيا
الحديثة في كل ما يتعلق بالمرفق الإداري بما يخفف من أعباء هذا العمل على الموظفين
ويسهل على المرتفقين قضاء أغراضهم بسهولة ويسر.
وعليه
أصبحت رقمنة الخدمات الإدارية تفرض نفسها وبقوة في ظل تفشي هذا الوباء، بالشكل
الذي يقلل من التعامل بالأوراق والتنقل للإدارات العمومية لقضاء مختلف الأغراض
الإدارية، بما فيها ما يتعلق بالاستشارة والتوجيه، وقد أثبت الوضع الحالي أهمية
اللجوء لهذه الوسائل التكنولوجية الحديثة خصوصا فيما يتعلق بالإقبال على الخدمات
التي سبق تفعيلها من قبل بعض الجهات الإدارية.
هذا
بالرغم من أنه ينبغي الإشارة إلى أنه في الغالب أن اعتماد الوسائل الإلكترونية لا
يشمل سوى طلبات الحصول على الوثائق الإدارية دون أن يشمل العمليات التي يتم
إنجازها برمتها، لكن رغم ذلك فالمطلوب هو نزع الصبغة المادية عن هذه المساطر
والإجراءات بمجملها ولو بشكل تدريجي في أفق تعميمها لتشمل كافة الوثائق الإدارية.
فالإدارة
مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى ضرورة الانتقال في أداء وظائفها من البيئة الورقية
المادية إلى البيئة الالكترونية اللامادية باستخدام تكنولوجيا المعلومات، بما يحقق
أهداف المرفق الإداري بكل أمن ومصداقية، ولا يمكن لأية دولة ترغب في مواكبة
التطورات التي يعرفها العالم أن تتأخر في اعتماد الرقمنة في مرافقها الإدارية.
المطلب الثاني: واقع وآفاق
الإدارة الرقمية بالمغرب
في نطاق هذا المطلب سأتعرض في الفقرة الأولى
لواقع الإدارة الرقمية بالمغرب، على أن أتعرض لآفاق الإدارة الرقمية بالمغرب في
الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: واقع الإدارة
الرقمية بالمغرب
لقد
كان لاستراتيجية المغرب الرقمي 2013 دور كبير في ترسيخ مبادئ الإدارة الإلكترونية
بالمغرب، فللخدمات العمومية وفعاليتها تأثير كبير على الحياة الاقتصادية
والاجتماعية لبلادنا فقد أصبح من الضروري تقديم هذه الخدمات بطريقة مندمجة وشفافة
ومؤمنة حتى يتسنى، بفضل تكنولوجيات المعلومات تحويل المجتمع المغربي تدريجيا إلى
مجتمع المعلومات تماشيا مع حاجيات وتطلعات المواطنين والمقاولات.[26]
وأكد
تقرير المغرب الرقمي أن من بين أهداف خطة المغرب الرقمي جعل قطاع تكنولوجيات
المعلومات مصدرا للإنتاجية والقيمة المضافة بالنسبة للإدارة العمومية.[27]
[1] عبد
العزيز سلمى عشبة، الإدارة الإلكترونية مدخل لتميز أداء الإدارة العامة، مجلة
الحقوق والعلوم الإنسانية، الجزائر، المجلد 11، العدد الأول مارس 2018، ص 64
[2] عماد
يعقوبي، الإشكاليات القانونية للإدارة الإلكترونية، مجلة العلوم القانونية، سلسلة
فقه القضاء الإداري، عدد مزدوج 3 و4، الجزء الأول، 2017، ص 42
[3] شعباني
مجيد، الإدارة الإلكترونية بين الإيجابيات والسلبيات، المؤتمر الدولي المحكم
-الإدارة الإلكترونية بين الواقع والحتمية-، 6-8 نوفمبر 2017، عمان - الأردن، ص
180 - 181
[4] مقتطف من الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك
محمد السادس إلى الأمة بمناسبة عيد العرش، فاس بتاريخ 30 يوليوز 2008
[5] مقتطف من الرسالة الملكية السامية إلى المشاركين في
المنتدى الوطني للوظيفة العمومية العليا، الذي نظم يوم الثلاثاء 27 فبراير 2018
بالصخيرات
[6] مشروع
قانون رقم 67.13 بشأن المدونة الرقمية، والذي أعدته وزارة الصناعة والتجارة
والتكنولوجيات الحديثة سنة 2013
[7] عبد الفتاح بيومي حجازي، الحكومة الالكترونية ونظامها
القانوني، شركة جلال للطباعة، الطبعة الأولى، 2004، ص 45
[8] محمد الصيرفي، الإدارة الإلكترونية، دار الفكر الجامعي -
الإسكندرية، 2007، ص 13
[9] وردة
مصيبح، سارة بن السبتي، الإدارة الإلكترونية ودورها في ترقية العمل المكتبي واتخاذ
القرار، المجلة الأردنية للمكتبات والمعلومات، المجلد 53 العدد 2، حزيران 2018، ص
151
[10] حسین
محمد الحسن، الإدارة الإلكترونية المفاهيم الخصائص المتطلبات، الوراق للنشر
والتوزيع، عمان، 2011، ص 56
[11] خرجوج مهدي، الإدارة
الإلكترونية وتحديث القطاع العمومي بالمغرب، وزارة الاقتصاد والمالية نموذجا،
المؤتمر الدولي المحكم الإدارة الإلكترونية بين الواقع والحتمية، نوفمبر 2017،
عمان، الأردن، ص 502
[12] موسى مصطفى شحادة، تأثير
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تطوير المرافق العامة في فرنسا، مجلة الحقوق،
الكويت، العدد 2، 2011، ص 354
[13] محمود علي محمد عبد
الرسول، الإدارة الإلكترونية مفاهيم ومبادئ، المجلة العلمية لكلية الآداب، مصر،
ملحق، 2015، ص 351
[14] البرنامج الحكومي، تطبيقا
لأحكام الفصل 88 من الدستور، الولاية التشريعية 2016-2021، أبريل 2017، ص 33
للاطلاع على النص الكامل للبرنامج، راجع الموقع الالكتروني لرئيس الحكومة على
الرابط التالي: /https://www.cg.gov.ma
[15] الخطة الوطنية لإصلاح
الإدارة 2018-2021، ص15، للاطلاع على النص الكامل للخطة راجع الموقع الالكتروني
لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة على الرابط التالي: /https://www.mmsp.gov.ma
[16] علي عبد الفتاح بن حليم،
الإدارة الإلكترونية المتطلبات والمعوقات، مجلة المعرفة، العدد الثالث، 2016، ص
139
[17] لمين علوطي، الإدارة
الإلكترونية للموارد البشرية، بحوث اقتصادية عربية، العدد 42، 2008، ص 147
[18] سليمان المقداد، حجية
المحررات الالكترونية في الإثبات - دراسة مقارنة -، رسالة لنيل دبلوم الماستر في
قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد
الأول - وجدة، السنة الجامعية 2008 – 2009، بدون صفحة
[19] القانون
رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.07.129 صادر في 19 من ذي القعدة 1428(30 نوفمبر 2007)، جريدة رسمية
عدد 5584، بتاريخ 25 ذو القعدة 1428(6 ديسمبر 2007)، ص 3879
[20] القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه
معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.09.15
صادر في 22 من صفر 1430 (18 فبراير 2009) جريدة رسمية عدد 5711 بتاريخ 27 صفر
1430، (23 فبراير 2009)، ص 552
[21]القانون
رقم 07.03 بتتميم مجموعة القانون الجنائي فيما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم
المعالجة الآلية للمعطيات الصادر بتنفيذه الظهير شريف رقم 1.03.197 صادر في 16 من
رمضان 1424 (11نوفمبر 2003) جريدة رسمية عدد ،5171 بتاريخ 27 شوال 1424 (22 ديسمبر
2003)، ص 4284
[22]علي
عبد الفتاح بن حليم، الإدارة الإلكترونية المتطلبات والمعوقات مجلة المعرفة، العدد
الثالث، 2016، ص.137
[23] المغرب
الرقمي 2013، الاستراتيجية الوطنية لمجتمع المعلومات والاقتصاد الرقمي 2009 -
2013، وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، ص 70
[24] لمياء خزار، الحكومة الالكترونية، أطروحة مقدمة لنيل
شهادة دكتوراه في القانون، تخصص قانون إداري وإدارة عامة، كلية الحقوق والعلوم
السياسية، قسم الحقوق، جامعة باتنة، الجزائر، السنة الجامعية 2017-2018، ص 106
[25] عماد يعقوبي، الإشكاليات القانونية للإدارة الإلكترونية
مجلة العلوم القانونية، سلسلة فقه القضاء الإداري، عدد مزدوج4/3، الجزء الأول،
السنة 2017، ص 46
[26] المغرب الرقمي 2013،
الاستراتيجية الوطنية لمجتمع المعلومات والاقتصاد الرقمي 2009 - 2013، وزارة
الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، ص 16
[27] المغرب الرقمي 2013،
الاستراتيجية الوطنية لمجتمع المعلومات والاقتصاد الرقمي 2009 2013، وزارة الصناعة
والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، ص 18
من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله