اشهــار التصرفات الواردة على العقار في مرحلة التحفيظ - وداد ترابي

 

اشهــار التصرفات الواردة على العقار في مرحلة التحفيظ

Announcing the actions received on the property in the memorization stage

 وداد ترابي / طالبة في ماستر المدني الاقتصادي

Ouidad Traby


 

الــمــقــــدمة

الحمد لله الذي جعل لنا من العلم نورا نهتدي به وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد قال سبحانه وتعالى " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى [1]"

إن الإنسان يرتبط بالعقار ارتباطا وثيقا منذ ولادته إلى ما بعد موته وخاصة وأن العقار يشكل اليوم المحرك الرئيسي لتحقيق التنمية المستدامة في شتى تجلياتها باعتباره الأرضية الأساسية التي تبنى عليها السياسات العمومية للدولة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك البيئية، من خلال توفير الوعاء العقاري اللازم لإنجاز البنيات التحتية الأساسية والمرافق العمومية بالإضافة إلى دعم الاستثمار المنتج في مختلف مجالات الفلاحة والصناعة والسياحة.[2]

إن النظام العقاري بالمغرب قام على ازدواجية تتمثل في وجود عقارات محفظة خاضعة لظهير التحفيظ العقاري بتاريخ 12 غشت 1913 كما وقع تعديله وتتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 الصادر بتاريخ 22 نونبر 2011، وظهير 19 رجب 1933 الموافق ل 02 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة والذي تم نسخه بمقتضى المادة 333 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية،[3] والعقارات غير المحفظة هي كل الأراضي التي لا تربطها أية علاقة بنظام التحفيظ العقاري وليس لها رسم عقاري، بالتالي فالعقار غير المحفظ هو كل عقار لم يسبق له أن خضع لإجراءات التحفيظ العقاري [4].

وتجدر الإشارة إلى أن العقارات غير المحفظة هي الغالبة في النسيج القانوني المغربي، ويرجع فيه إلى أحكام قانون الالتزامات والعقود مثال ذلك النصوص المتعلقة بالشيوع أو شبه الشركة ( الفصول من 960 إلى 981) أو بالقسمة ( الفصول من 1083 إلى 1091 )، أو بالرهن الحيازي العقاري ( الفصول من 1170 إلى 1183) والى بعض القوانين الخاصة التي تتناول أحكام العقارات كافة محفظة كانت أو غير ذلك، مثال ذلك القانون رقم 08.01 المتعلق باستغلال المقالع وظهير 16 ابريل 1951 المتعلق بنظام المناجم. كما يرجع إلى أحكام الشريعة الإسلامية وخاصة منها المستمدة من فقه المذهب المالكي.[5]

بالإضافة إلى ازدواجية النظام القانوني للتحفيظ العقاري بالمغرب هناك  نظام وسط بين العقار المحفظ والعقار غير المحفظ يصطلح عليه العقار شبه المحفظ او العقار في طور التحفيظ، وهو العقار الذي وضع له مطلب للتحفيظ من أجل تحفيظه، حيت يقدم صاحب هدا العقار مطلبا إلى المحافظ على الأملاك العقارية ولم يصدر بشأنه أي قرار نهائيا بمقتضى رسم عقاري ويبقى خاضعا لأحكام مدونة الحقوق العينية التي نصت في مادتها الأولى من قانون 39.08 على أنه " تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار " .

وأضافت الفقرة الثانية من نفس المادة  على أنه " تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 _ 12 غشت 1913 _ بمثابة قانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد به نص خاص في هذا القانون فان لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور و ما جرى به العمل من الفقه المالكي "

بالرغم من كون وضعية العقار في طور التحفيظ تتسم بعدم الاستقرار بسبب النزاعات التي  قد تنشأ عليه إلا ان ذلك لا يترتب عليه جمود العقار اد من الممكن ان ترد عليه مجموعة من التصرفات القانونية والتي تتمثل أساسا في البيع، الرهن، والهبة ... الخ وبالمقابل يلزم بإيداع كل العقود المتعلقة بالتصرفات التي ابرمها صاحب مطلب التحفيظ والعقار لازال في طور التحفيظ لدى المحافظة العقارية حيت تتم الإشارة إليها في الرسم العقاري طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 14.07 [6].

إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة ويقيد هذا الايداع بسجل التعرضات وذلك طبقا للفصل 84 من القانون 14.07 المعدل لظهير 12 غشت 1913.

ان كون العقار في طور التحفيظ، لا يعني أبدا تجميده وإخراجه من دائرة التداول، ومنع طالب التحفيظ من إجراء التصرفات عليه أو ترتيب تكاليف عليه كإنشاء طالب التحفيظ حق ارتفاق بالمرور على عقاره أو حق رهن رسمي لمصلحة شخص أخر وكذلك نقل ملكيته كليا أو جزئيا إلى شخص أخر بالبيع او الهبة ...[7]

إلا انه للاعتراف بالوجود القانوني للحقوق المتولدة عن هذه التصرفات والتمتع بالحماية القانونية لها فانه وجب على مكتسب التصرف او الحق الإدلاء بكل العقود المثبتة لهذا التصرف المكتسب لدى المحافظة العقارية لإخضاعها لقواعد خاصة من الإشهار العقاري، والتي نص عليها المشرع في ظهير التحفيظ العقاري ل 9 رمضان 1331 الموافق ل 12 غشت 1913 المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 14.07 في فصليه 83 و84 وكذا القرار الوزاري ل 18 ذي الحجة 1373 الموافق ل 18 غشت 1954 في فصوله 6 و7و8[8].

باستقراء الفصول السالفة الذكر فانه وجب على كل من يدعي حقا على عقار في طور التحفيظ إتباع وسيلتي الإشهار والايداع، تتمثل الأولى فيما نص عليه الفصل 83 وهي النشر اي نشر الخلاصة إصلاحية، وتتمثل الوسيلة الثانية لإشهار التصرف الوارد على عقار في طور التحفيظ في إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية.

يطرح الموضوع  اشكالية في غاية الأهمية تتجلى في :

   كيف يمكن للخلف الخاص الذين انتقل إليهم حق أتناء مسطرة التحفيظ الحفاظ عليه في المرحلة الفاصلة ما بين إيداع مطلب التحفيظ وتأسيس رسم الملكية واكتساب هذا الأخير القوة التطهيرية؟

على ضوء هذه الإشكالية وانطلاقا مما يتطلبه البحث من تنائيه متوازنة يراعى فيها ترتيب الأفكار وتسلسلها فإننا ارتأينا طرح التصميم التالي :

المبحث الأول : إجراءات شهر التصرفات الواردة على العقار في طور التحفيظ

المبحث الثاني : الأثار المترتبة على اعتماد مسطرتي الايداع والخلاصة الاصلاحية

 

المبحث الأول : إجراءات شهر التصرفات الواردة على العقار في طور التحفيظ

    وضع المشرع المغربي مجموعة من الاجراءات التى تنقل العقار من العقار غير محفظ الى وضعية العقار المحفظ.[9]

والى جانب هذه الاجراءات وضع اجراءات اخرى خاصة بإشهار التصرفات الجارية أثناء مسطرة التحفيظ، اي تلك التي تجري ما بين اللحظة التي يودع فيها مطلب التحفيظ بالمحافظة العقارية ولحظة صدور قرار المحافظ بتأسيس الرسم العقاري إن سنحت مسطرة التحفيظ بذلك.[10]

عموما فإن إجراءات اشهار التصرفات الواردة على العقار في طور التحفيظ نستخلصها من خلال الفصلين 83 و84 من ظهير التحفيظ العقاري الا وهي نشر الخلاصة الاصلاحية وهذا ما سنتناوله في (المطلب الاول)، والايداع الذي سنتطرق له في (المطلب الثاني).

المطلب الاول : الإجراءات المسطرية للإشهار عن طريق الخلاصة الاصلاحية

يتطلب اشهار التصرفات الواردة على العقار في طور التحفيظ عن طريق مسطرة الخلاصة الاصلاحية اتباع مجموعة من الاجراءات المسطرية، تتجلى اساسا في ايداع السندات المثبتة للحق بالمحافظة العقارية واستخلاص الرسوم ( الفقرة الاولى )، هدا بالإضافة الى القيام بعملية اشهار جديدة ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الاولى: إيداع السندات المثبتة للحق بالمحافظة العقارية واستخلاص الرسوم

نظم المشرع المغربي اجراءات اشهار التصرفات الجارية على العقـــــار في طور التحفيظ عــــن طريق النشر في الجريدة الرسمية في كـــــل من الفصل 8 من القرار الــــوزاري ل 3 يونيو 1915 [11]الذي جاء فــــيه " بصرف النظر عن المسطرة المقررة في الفصل 84 من ظهير التحفـــــيظ  العقاري ل 12 غشت 1913 يجوز لصاحب الحق المنشأ او المعدل أثـــــناء جريان مسطرة التحفيـــظ ان يطلب نشر هـــــذا الحق في اقرب عــــدد من الجريدة الرسمية مدليا لدى المحافظـــــة العقارية بالوثائق المثبتة للحق المذكور.
و تجري مسطرة التحفيظ مجراها القانوني ولكن مع مراعاة ما جد من انشاء او تعديل للحق، وإذا كان الإعلان عن انتهاء التحديد قد تقدم نشره بالجريدة الرسمية فإنه يجب نشره من جديد ليتأتى دائما التعرض في اجل شهرين اثنين على الأقل ابتداء من الإعلان عن الحق المنشأ أو المعدل، ويقرر التحفيظ مع مراعاة الحق المنشأ أو المعدل أثناء جريان المسطرة ."

كما جاء في الفصل 83 من ظهيــر التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتــضى القانون 14.07 ما يلي:

 "  بغض النظر عن المسطرة المقررة في الفصل 84 من هذا القانون، يمكن لصاحب حق وقع إنشاؤه او تغييره أو الإقرار به أثناء مسطرة التحفيظ ان يطلب نشره بالجريدة الرسمية بعد إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية .

تتابع مسطرة التحفيظ بصفة قانونية مع اخد الحق المنشأ او المغير او المقر به بعين الاعتبار .

يكسب صاحب الحق المنشأ او  المغير او المقر به صفـــة طالب التحفيظ في حدود الحق المعترف له به .

اذا كان الاعلان عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية فيجب ان يعاد نشره ليفتح اجل شهرين للتعرض، تبتدئ من تاريخ الاعلان عن الحق المنشأ او المغير او المقر به، وفي هذه الحالة لا تقبل الا التعرضات المنصبة مباشرة على الحق المذكور .

يأخذ بعين الاعتبار عند التحفيظ الحق المنشأ او المغير او المقر به خلال المسطرة."

باستقراء الفصلين اعلاه يبدو على ان المشرع قد نص على اتباع مجموعة من  الاجراءات لإشهار الحق الناشئ او المعدل او المقر به أتناء جريان مسطرة التحفيظ لكي يتدخل المستفيد من التصرف في مسطرة التحفيظ الجارية ويأخذ مكانه فيها، و تتلخص هذه الاجراءات في انه يتعين على الشخص _ ذاتي او اعتباري _ الذي نشأ له حق على عقار في طور التحفيظ او باتفاق بينه و بين طالب التحفيظ [12]، ان يدلي للمحافظ بالوثائق التي تثبت، الحق ذلك ان جميع التصرفات العقارية التي تتم بين الاحياء مجانية كانت او بعوض لا يعتبر لها وجود قانوني عند نشوء منازعة بشأنها الا بقيام الدليل عليها و الوسيلة الى إثباتها هي الوثائق التي تحرر فيها، فمن كان له حق غير معلوم في عقار و زعم غيره انتقال ملكيته اليه فلا عبرة بزعمه ادا لم يثبت بوجه صحيح الوسيلة التي انتقلت اليه بها ملكية ذلك الحق [13].

و بالإضافة الى الوثائق التي يجب ان يدلي بها المستفيد من الحق الناشئ او المعدل اتناء مسطرة التحفيظ للمحافظ العقاري فقد جرى العمل على ان يرفقها بطلب تصحيحي لمطلب التحفيظ الاصلي[14].

وذلك اعتبار لنوع العملية المطلوبة، يتقدم به المتصرف اليه يطلب فيه نشر خلاصة إصلاحية تتابع مقتضياتها مسطرة التحفيظ باسمه وحده او باسمه و اسم طالب التحفيظ الأصلي معا اذا كان التصرف جزئيا[15].



[1] سورة طه الآية 56

[2] محمد محبوبي، أساسيات في أحكام الشهر العقاري والحقوق العينية العقارية في ضوء التشريع المغربي ، الطبعة الاولى 2017 مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2017 ص 9 .

[3] ادريس الفاخوري الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08 ، طبعة 2013 / مطبعة المعارف الجديدة /ص 27 .

[4] محمد زعاج اثار التعدد، التشريعات والانظمة العقارية والتوثيقية على السياسة العقارية بالمغرب ، اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ، جامعة محمد الاول كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية  وجدة 2015_2016 ص 100

[5] محمد محبوبي ،اساسيات في احكام الشهر العقاري والحقوق العينية العقارية في ضوء التشريع المغربي ، الطبعة الاولى 2017 مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2017 ص 18

[6] ادريس الفاخوري الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08، طبعة 2013 / مطبعة المعارف الجديدة / ص 28

[7] هشام نوبي ، التصرفات الجارية على العقار في طور التحفيظ ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني لسنة 2010/2011 ، ص 5/6

[8] هشام نوبي ، التصرفات الجارية على العقار في طور التحفيظ ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني لسنة 2010/2011 ، ص 6

 

[9] محمد خيري قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي ، المساطر الادارية و القضائية / ص 61 .

[10] هشام نوبي ، التصرفات الجارية على العقار في طور التحفيظ ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني ، 2010/ 2011 ، ص 12 .

[11] قرار وزير العدل مؤرخ في 3 يونيو 1915، الجريدة الرسمية عدد 137 (عدد خاص)، صادر بتاريخ 07/06/1915 ، ص 333 وما بعدها.

[12] محمد بن معجوز  ، الحقوق العينية في الفقه الاسلامي و التقنين المغربي  ص 567 .

[13] الطيب البواب وسائل الاتبات في مجال التصرفات العقارية ، م.س ص 34 .

[14] هشام نوبي ، التصرفات الجارية على العقار في طور التحفيظ ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني ، 2010/ 2011 ، ص15 .

[15] ماسون الكزبري ، التحفيظ العقاري و الحقوق العينية الأسلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ، الجزء الأول : التحفيظ العقاري ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء / الطبعة الثانية / 1987 ، ص 39.



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد التاسع -إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث