مقومات
المرافعة القضائية الناجحة
سميرة أيت
المقدم
حاصلة على الدكتوراه - جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية، مراكش
The elements of a successful judicial
case
Samira AIT AL-MOQADDAM
مقدمة
كما هو معلوم أن الحق في الدفاع ضرورة لازمة لحل نظام يحاكم الجاني عن جريمة بشكل خاص وباقي القضايا بشكل عام، لكون قضايا الجرائم تتعلق بحرية الأفراد، وهذا الحق إذ لا يمكن تصور قضاء بدون محاماة .
ولذاك وجود مدافع المتهم في القضايا ذات الطابع الزجري، أمر ضروري ووجوبي، ولو لم يعينه المتهم، وجب على المحكمة أن تعينه له، وذلك لكي يكون هنالك توازن في كفتي
الاتهام والدفاع، لكون جل المتهمين يجهلون المقتضيات القانونية وكيفية الدفاع والترافع عن حقوقهم، ودور سلطة الاتهام في الدفاع عن الحق والقانون، أما الدفاع فمهمته هي إقامة كفة الحق بالدليل والبرهان .
وكل من المهام السالفة تتم عن طريق المرافعة الفضائية هذه الأخيرة يجب
أن تكون مستوفية مجموعة من الضوابط والشروط لتكون ناجحة.
إلا أن الواقع العملي يجعلنا نعيش مشاكل كثيرة بفعل غياب ضبط واكتساب فن المرافعة، لذلك يواجه المترافعون صعوبات كثيرة في إثبات ما يدافعون عنه أمام القضاء، لذلك كان من الضروري على المترافع مهما كانت صفته أن يضبط فن الترافع من أجل أن يقنع القاضي بما يدافع عنه .
إذن، فماهي عناصر نجاح المرافعة القضائية؟
لمعالجة هذا الموضوع وفق منهجية علمية والاحاطة بجميع محاوره، ارتأينا اتباع التقسيم التالي :
المطلب الأول: عناصر نجاح
المرافعة القضائية
المطلب الثاني: مقومات المترافع الناجح
المطلب الأول: عناصر نجاح المرافعة القضائية
قبل الخوض في محاولة معالجة الموضوع سنعمل أولا و
كباقي الدراسات على تأصيل قواعد نجاح المرافعة القضائية، وذلك من خلال الإحاطة و ضبط وقائع الدعوى( الفقرة الأولى) على أن ننتقل فيما بعد إلى استحضار
القواعد القانونية ( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : ضبط وقائع الدعوى
لكي يتمكن المترافع من ضبط وقائع الدعوى يجب أن يستمع إلى الموكل إذا تعلق الأمر بالمحامي وكذا الاستماع للظنين والشهود بالنسبة للنيابة العامة وكل شخص يرون أقواله مفيد ة لنجاح المرافعة ( أولا)، وكذا فحص الوثائق والمحاضر المتعلقة بهذه الدعوى والاحاطة بجزئياتها (ثانيا ).
أولا: الاستماع
كما سبق أن أشرنا أن الاستماع يجب أن يتم من طرف
المحامي كما أنه يتم من طرف قضاء النيابة العامة.
1-الاستماع بالنسبة للمحامي
يعتبر الاستماع للموكل من طرف المحامي مرحلة أساسية
وهي الأولى، والتي تمكنه من الإحاطة بالوقائع المادية للدعوى، ولذلك يجب عليه أن يحسن الاصغاء
حتى يتسنى له استحضار العناصر القانونية وكذا الاجتماعية التي يمكن أن تخضع لها أو أن تفضي إليها القضية([1])
.
وعلى المحامي في هذه المرحلة أن يقتنع بكل حواسه أن ما
يصدر عن موكله حقيقي
لا يشوبه لا تدليس ولا كذب، لأن الثقة هي أساس وقوة تفوق المحامي
في مرافعته وهي التي تساعده على إقناع القاضي ببراءة موكله.
2- الاستماع بالنسبة لممثل النيابة العامة
يجب على ممثل النيابة
العامة هو الاخر أن يقوم بالاستماع للضنين وكذلك الشهود وذلك للإحاطة
بجميع الوقائع ومجرياتها، ليتسنى له القيام بالتكيف القانوني السليم الذي تبنى عليه
المرافعات.
ثانيا: فحص
الوثائق والمحاضر المتعلقة بالدعوى
تعد المرحلة الثانية التي
تمكن المترافع سواء كان نيابة عامة أو محامي من الاحاطة بواقع الدعوى في
فحص الوثائق والمحاضر المتعلقة بالدعوى وكل ما له علاقة بها، حيث بإغفال أحد
الجزئيات الواردة في هذه
الوثائق والمحاضر قد تكون حاسمة في الدعوى، حيث قد تكون بها يتحقق شرط أو
انعدامه للأخذ أو عدم المؤاخذة بإجراء معين، وبإغفاله أو عدم التدقيق بها لن يتمكن
المترافع من النجاح بمرافعته وبإقناع هيئة الحكم بما يدافع عنه في
مرافعته([2])
.
وهذه المرحلة تجسد الجانب
العملي لكل ما تلقاء المترافع لذلك يجب استقراء الوثائق واستيعاب مضمونها بدقة، ومقارنتها
مع بعضها البعض
ومع أقوال كل الأطراف، للتأكد من مدى تطابقها، لكن وجود تناقض بينها
سيكون عيبا في المرافعة وقد يؤدي إلى عدم تحقق الغرض الأساسي للمرافعة. بعد مرحلة فحص الوثائق
تأتي مرحلة استحضار القواعد القانونية.
الفقرة الثانية
: استحضار القواعد
القانونية
إن الإلمام بالقواعد
القانونية الشكلية منها والموضوعية لهو ما يميز الممارس في حقل القانون عن غيره من
الميادين الأخرى نظرا لضرورة التمكن منها حتى يتسنى له وضع تصور للقضية التي بين يديه في انتظار
إحالتها على الهيئة القضائية والدفاع عنها أثناء سريان الدعوى حيث
ارتأينا تناول هذه العناصر في نقطتين الأولى هي محاولة التكييف القانوني لوقائع النازلة من
طرف المترافع ([3]) أما الثانية
ستهم معالجة إجراءات
الترافع أثناء سريان القضية أمام الهيئة القضائية.
أولا : إعطاء التكييف القانوني للواقعة
التكييف القانوني هو تحديد
الوصف القانوني الصحيح للوقائع أو التصرف لربطه بمسألة قانونية معينة تمهيدا
لتحديد القانون الذي يخضع له النزاع والتكييف القانوني([4])
للوقائع من أهم التحديات التي تواجه القانوني وهو مشكلة ملحة تفرض نفسها على
المحامي والقاضي والمحقق
والمستشارين القانونيين في التعامل مع القضايا التي توكل إليهم.
1-التكييف القانوني بالنسبة للقاضي
أما بالنسبة للقاضي، النزاع المرفوع أمام القاضي يتكون
من مجموعة من
العناصر والوقائع المنتجة والغير منتجة ووسائل الدفاع والهجوم، ومن واجب
الخصوم تقديم الوقائع للمحكمة وإثباتها، أما القاضي فمهمته إعطاء هذه الوقائع إسما
قانونيا ينطبق عليها وهو ما يعرف بالتكييف([5])
.
2-التكييف القانوني بالنسبة للمحامي
المحامي أيضا عندما تعرض عليه قضية تكون مهمته أن يعظم مصلحة موكله في إطار
القانون، ويكون ذلك عن طريق محاولة تكييف الواقعة بما يخدم مصلحة
موكله، من خلال محاولة استبعاد النصوص التي إذا انطبقت على الوقائع فإنها تكييف الدعوى
بما لا يخدم مصالح موكله في الدعوى([6])
.
كذلك مقدم الاستشارة القانونية يتعين عليه اكتساب القدرة
على تكييف الوقائع
التي يطلب منه تقديم المشورة بشأنها، من خلال إسباغ الوصف الصحيح عليها،
وحتى يصل إلى استنتاج صحيح وبالتالي تقديم استشارة تستند على أساس قانوني صحيح،
ومن هنا تبدو أهمية التكييف بالنسبة للمحقق والقاضي والخصوم في
الدعوى.
ومفاد ما تقدم أن التكييف عملية يجريها المحامي
والمحقق والقاضي في كل
نزاع يعرض لهما، والذي قد يعبر عنه باصطلاح الوصف القانوني ويقصد به
تحديد انتهاء ظاهرة إلى فكرة قانونية معينة، وهو عصب عمل القاضي إذ يخرج عن نطاق الأعمال المادية التي يباشرها
القاضي وتقع في مجال أعماله الفنية([7]) .
وأنه لمن الضروري الإشارة إلى أن إقامة الدعوى
العمومية ليست إلا تكييف فعل ارتكب من طرف فرد في مجتمع ما بإحدى الجرائم المنصوص عليها على سبيل
الحصر في القانون الجنائي فيصبح ذلك الفعل مثلا إما اعتداء أو ضربا أو إهانة موظف أو
غير ذلك من الجرائم([8])
.
المحامي أيضا عندما تعرض عليه قضية تكون مهمته أن يعظم مصلحة موكله في إطار
القانون ويكون ذلك عن طريق محاولة تكييف الوقائع بما يخدم موكله من
خلال محاولة استبعاد النصوص التي إذا انطبقت على الوقائع فإنها تكيف
الدعوى بما لا يخدم موكله في الدعوى.
ثانيا
: اتقان إجراءات الترافع
لا مناص للمترافع من التمكن من إجراءات الترافع سواء الشكلية منها أو الموضوعية
المرتبطة بمختلف مراحل التقاضي التي يكمن أن تمر منها القضية أو
النازلة بدء بوضع المقال الافتتاحي للدعوة أو الشكاية والحرص على
المقومات والشروط المنصوص عليها ضمن القوانين الشكلية التي قد تكون ذات طبيعة مدنية أو
جنائية التي تشكل آلية
إقناع قانونية فعالة بين يدي المترافع سواء أمام الهيئة القضائية أو الزملاء.
حيث ينبغي القيام بمجموعة من الإجراءات سواء أمام
النيابة العامة أو قضاء
التحقيق، أو هيئة الحكم، ولن يتم ذلك إلا بالصدق المرتب عكس ما يدعيه المثل
القائل: (الكذب
المرتب أحسن من الصدق المخربط) ([9]) .
كما أن فتح باب الخصومة يمكن القضاء من وضع يده على ملف القضية قصد البث فيها
كما أنه يتيح للخصوم إمكانية الإطلاع عليها لذلك يجب أن يكون المترافع فطنا لما يتيحه القانون للقيام
بإجراءات مسبقة سواء باستصدار أحكام تمهيدية من خبرة أو بحث قانوني أو أحكام استعجالية
أو أوامر مبنية على طلب، والخصومة لا تقتصر على طرفي الدعوى
بل جميع المتدخلين في الدعوى كذلك ترتيب ملاحظاته وطلباته وملتمساته ودفوعه من دون مراوغة أو اصطناع
والمترافع وهو بصدد القيام بإجراءات الترافع عليه أن يستفيد مما يسمح
له القانون ويستثمره لصالحه من تقنيات خلال مراحل التقاضي وخاصة
زمن إثارة الدفوع الشكلية وضبط قواعدها وأحكامها سواء في المادة الجنائية أو المدينة
لتفادي سقوط الحق وإطالة أمد القضية بإحالتها على هيئة أخرى بدعوة
عدم الاختصاص أو
عدم القبول أو تأجيل جلسة النظر في القضية إلى موعد آخر وجب على المترافع استحضار
الأطراف.
ونظرا لأهمية القضايا الجنائية بما تشمله من مساس
بحقوق وحريات الأطراف
فإن هذه التقنيات تتميز بقدر كبير من الدقة وكما هو معلوم فإن تعدد
مراحل التي تمر منها الدعوى من حيث المبدأ بدء بمرحلة البحث التمهيدي مرورا بمرحلة
التحقيق الاعدادي
وانتهاء بالمحكمة يجعل كل مرحلة لها إجراءات وشكليات خاصة بها وجب على المترافع
استحضارها سواء الجهة التي خولها القانون إعداد المحاضر وصفة معديها وكذلك إجراءات الطعن فيها. وهكذا فسواء تعلق الأمر بالقضايا
المدنية أو الجنائية يتعين على المترافع ضبط إجراءات الطعن للاستفادة من إمكانية
التقاضي على درجتين
وكذلك إجراءات الطعن بالنقض لدى محكمة النقض باعتبارها محكمة قانون. جدير بالذكر أن أهم سلاح
يملكه المترافع هو الاخلاص في عرض الوقائع ومناقشة الأدلة وليس مجرد إخفاء نقطة الضعف في
القضية التي تحمل جانبين أحدهما مظلم والاخر مضيء حتى ولو تغلب الجانب المظلم على الآخر.
كما أن لمقدمة المرافعة أهمية كبرى لأنها أول ما يطرق
سمع الناس فإذا
كانت جذابة ومشوقة انجحت المحامي وجعلت القضاة يقبلون عليه واقبالهم عليه
يشد عزمه ويبث فيه النشاط والحمية وهي في جملتها عوامل تهيء للسامعين ثم يبدأ التسلسل
إلى موضوعه تدريجيا. وتختلف صيغ وأشكال المقدمة في الترافع بحسب ظروف
ووقائع كل قضية على
حدة والمترافع قد يبدأ ترافعه بتقديم مثال أو أية قرآنية أو أحاديث نبوية أو استعمال العبارات والأفكار
التي تهيء الاستقبال لدى
الهيئة القضائية، ومن المقولات :
"نحن نقف اليوم أمام عدالتكم لا لندافع عن المتهم بل لندافع أصلا عن الحق ولا نقف ضد شخص بعينه بقدر ما نقف ضد الظلم". غير أنه لا يمكن نجاح
المرافع القضائية إلا بتوفر مجموعة من المقومات والشروط أخرى، وهي متعلقة بالشخص
المترافع وهو ما سنتطرق له في هذا المطلب.
المطلب الثاني: مقومات المترافع الناجح
لا يشرع المحامي في ممارسة مهنة المحاماة إلا بعد أن
يؤدي اليمين أمام
محكمة الاستئناف وفق الصيغة التالية: "أقسم بالله العظيم أن أمارس مهام
الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية وأن لا أحيد عن الاحترام الواجب
للمحاكم والسلطات
العمومية وقواعد مجلس الهيئة التي أنتمي إليها وأن لا أقول أو أنشر ما يخالف
القوانين والأنظمة والأخلاق العامة وأمن الدولة والسلم العمومي"
.
وصيغة هذا القسم التي ورد التنصيص عليها في الفصل 12
من قانون مهنة
المحاماة تتضمن كلمة محورية تبدأ منها وتنتهى إليها جميع أداب المرافعة وهي الاحترام. والمرافعة تختلف باختلاف المرافعين إلا أن هناك آداب لها يجب الالتزام بها (الفقرة الأولى) أو المرافعة بالنسبة
للمحامي هي سلاحه الأكبر
تظهر مواهبه وتنشر جهوده لذلك يكون ملزما باستعمال بعض الأساليب في ترافعه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى
: آداب الترافع
من المعلوم أنه آداب المرافعة والمترافع ليس
مدون ومحدد على سبيل الحصر من طرف المشرع في القانون، إلا أنه هناك مجموعة من
النصوص التنظيمية التي جاءت لكي تبين وتنظم اخلاقيات وآداب الترافع ([10])
.
ونجد من بينها القانون المنظم لمهنة المحاماة 28.08 ومدونة اخلاقيات القضاء إلا أنه في
معظم الأمر يكون المصدر لهذه الآداب هو العرف والعادات والتقاليد وتتلقاه الأجيال
اللاحقة عن الاجيال
السابقة ويمكن تلخيص آداب المرافعة في الاحترام والاعتدال، والاحترام له ثلاثة اتجاهات: اتجاه الهيئة القضائية (أولا) واتجاه الزملاء (ثانيا)
واخيرا اتجاه الخصوم (ثالثا).
أولا : اتجاه الهيئة القضائية
من الواجب على المترافع أن يعرف مجلس القضاة هو مجلس
له هيبة ووقار
لابد من احترامه وتقديره بحيث يجب على المحامي أن يكن الاحترام الواجب للهيئة
القضائية بنوعيها([11])
، حيث نجد أن القانون المنظم لمهنة المحاماة رقم 28.08([12])
، يفرض عليه ذلك بحيث مقتضيات المادة 12 في فقرتها الثانية تنص
على ذلك كما أنه يؤدي القسم أمام محكمة الاستئناف في جلسة خاصة يرأسها الرئيس
الأول ويحضرها الوكيل العام للملك إلى جانب نقيب الهيئة التي ينتمي إليها
المترشحين المقبولين.
كما لا يحق للمحامي أن يمثل أمام الهيئات القضائية إلا إذا كان مرتديا بذلة المحاماة وهذا
ما جاءت به مقتضيات المادة 37 من نفس القانون ([13]) .
والاحترام يقتضي أن يترافع المترافع للمحكمة لا
للجمهور بمعنى أنه يقبل على المحكمة بوجه لا أن يدير ظهره لها كما
يقتضي أيضا ألا يستعمل في مرتفعات عبارات
تتضمن سب وشتم للمحكمة أو إلى أحد أعضائها أو عبارات سوقية لا تليق
بهيبة مجلس القضاء كما يجب أن يكون المترافع صادقا في انفعالاته وينبغي أن يكون خطابه
بعيدا عن التصريح أو التمثيل أو التنكيب المستهجن إضافة إلى ذلك
على المترافع أن يكون أمينا في استشهاداته واقتباساته([14]) فلا يجوز له أن يستشهد باجتهادات قضائية غير موجوده أو
مصطنعة أو بأقوال فقهية خيالية مكذوبة لأن في ذلك إخلال
بالاحترام الواجب للقضاء([15])
.
بحيث يجب على المحامي أن يراعي كثرة القضايا المطروحة
على المحكمة ومن
هنا فهو ليس مطلوب منه عرض كل ما في ملف الدعوى وإنما يجب عليه
اهمال ما يجب اهماله حذف ما يجب حذفه فلا يعرض إلا ما يريد القاضي سماعه في عناوين
واضحة ويبين ملتمساته
بسرعة دون افراط أو تفريط وبإيجاز شديد([16]).
وكما هو متعارف بأن المرافعة والترافع لا يقوم به
المحامى وحده حيث نجد إلى جانبه جهاز له صلاحية القيام بها يتمثل في
جهاز النيابة العامة
والتي يمثلها ممثل يترافع باسمها ودائما ما تكون غايته الدفاع عن القانون
والمجتمع إلا أن هذه الصلاحية تفرض عليه أيضا أن يلتزم ويحترم
الآداب التي تأطر المرافعة بحيث نجد أن مدونة اخلاقيات القضاء في مادتها الخامسة في البند
السادس، أنه ينبغي على قضاة النيابة العامة احترام استقلالية قضاة الحكم عند القيام بمهامها كما
يمنع عنه التشكيك في الأحكام والقرارات الصادرة عنهم كما أنه ينبغي على القاضي التزامه بالقيم
وآداب التعامل والحلي
بالخصال الحميدة و اظهار الاحترام المتبادل بينه وبين المسؤولين القضائيين
وزملائه ومساعدي القضاء ([17])
.
ومن الواجب على النيابة العامة التحلي والالتزام بهذه الأمور لكون هيئة
الحكم تتكون من القضاء الجالس وهو ينتمي إلى القضاء الواقف أي أن كلاهما ينتمي إلى جسم
واحد، هدفه الأسمى تحقيق العدالة، وكذلك يجب عليه إرتداء البذلة المخصصة له إلى جانب حرص أن
يظهر دائما بحسن المظهر، ولهذا ينبغي على كل من المحامي إلى جانب ممثل النيابة
العامة أن يحترم الهيئة
القضائية أثناء الترافع لكون هذه الأخيرة لها خصوصية الهيبة والوقار ([18])
.
ثانيا
: اتجاه الزملاء.
بخصوص الاحترام الذي يجب على المترافع أن يكنه لزملائه
أثناء المرافعة يجب أن
يتجسد في عدم مقاطعة زميله أثناء مرافعته بغرض قطع حبل أفكاره وبنية
التشويش عليه كما لا يجوز له أن يتهجم عليه أو يصفه بأوصاف ونعوت تحقيريه، إلى جانب كل
هذا يجب عليه أيضا أن
ينصت إلى مرافعة زميله ولا يغادر القاعة إلا بعد أن يكمل مرافعته وأن
لا يمر أمام زميله وهو يرافع كما قد تفرض طبيعة القضية أن يكون
مجموعة من الزملاء ينوبون على نفس الطرف.
فيجب أن تعطى الكلمة لأحدثهم إلتحاقا بالمهنة ثم
القديم فالأقدم والغاية من ذلك هي أن تعطى فرصة للمبتدئين للتمرن على
فن المرافعة لأن
الزميل القديم ربما لو تناول الكلمة أولا فإنه بحكم تجربته وخبرته وتكوينه
سيقدم كل أوجه الدفاع الحاسمة في القضية وسياتي على ذكر كل جوانبها المؤثرة وهكذا لن
يترك لزميل الحديث العهد بالمهنة ما يقول، وسيحرمه من الترافع المفيد.
على عكس أن تناول الكلمة أولا فإنه لا شك سيترك الكثير من الثغرات والنقاط التي تكون
في حاجة إلى التوضيح والمناقشة وهو ما سيقوم به الزميل القديم الذي سيتناول الكلمة بعده
والذي سيحاول تغطية
هذا النقص([19])
.
ثالثا
: اتجاه الخصوم
بالإضافة إلى ضرورة احترام الهيئة القضائية التي
يترافع أمامها وكذلك احترام زملائه في المهنة، يجب عليه أيضا أن
يكن قدرا من الاحترام لخصومه، لكون المرافعة تعتبر ساحة النزال
بحيث يبدأ الطرف الأول بالهجوم في حين يقوم الطرف الثاني في الدفاع مع إمكانية الهجوم كذلك. وكل هذا له مجموعة من الأعراف
والتقاليد والقوانين التي تؤطره ولهذا يقتضي الأمر عليه ألا يقوم بقذفهم أو التعرض
لأشخاصهم بأوصاف ونعوت
رديئة والاستهزاء بهم أو الإشارة إلى نواقصهم الشخصية والتي تكون خارجة
عن موضوع القضية ولا تقتضي ضرورة الدفاع والترافع ذكرها.
كما ينبغي على ممثل النيابة العامة أيضا أن يكن
الاحترام الواجب لهيئة الدفاع التي تتمثل في المحامين لكونهم زملاء له لأنه
لا يمكن أن تتحقق
محاكمة عادلة دون دفاع ولهذا يجب على جهاز النيابة العامة وهيئة الدفاع
احترام بعضهم البعض([20])
. بالإضافة لما
سبق يجب على المترافع أيضا أن يعني الاهتمام ويتقن أساليب المرافعة
القضائية سواء كان محامي أم ممثل النيابة العامة.
الفقرة الثانية: أساليب المرافعة
بالإضافة إلى آداب الترافع التي يجب توفرها، فإن
المترافع لإيصال
معلوماته إلى المستمعين، لابد من توفر أساليب المرافعة التي يسلكها من أجل إيصال
أفكاره، والمرافعة
تمتزج فيها كل الأدلة التي تكفل الإقناع، فلا غرابة أن يكون لها
أساليب لنجاحها، لذلك سوف نقوم بدراسة هذه الفقرة من خلال نقطتين، الأولى خصصت إلى لغة المرافعة،
والثانية للارتجال.
أولا
: لغة المرافعة
إن أول أسلوب من أساليب المرافعة هو لغة المرافعة التي
يجب أن تكون باللغة العربية، أما بالنسبة للحالة التي يكون فيها أحد أطراف الدعوى أو العقود لا يجيد
اللغة العربية جاز له القانون أن يحضر معه مترجم الذي يقسم
اليمين على الترجمة بكل صدق وشفافية، وهذه اللغة لها عدة جوانب لعل من أبرزها:
1-
أن تكون لغة المرافعة رصينة، وسلسة ومفهومة
فباعتبار المترافع يوجه خطابه بالدرجة الأولى إلى
القضاة، إذن فعليه أن يخصهم بلغة تليق بهم من الكلمات ويناسب
مقامهم من العبارات والألفاظ
([21])
. كما أن ذلك
يقتضي من المترافع ان يكون ملما بقواعد النحو والصرف والبيان، فذلك يسهل
عليه بلوغ المقصود من الدلالات والمعاني.
أما عن كونها لغة مفهومة، فهذا يقضي أن تكون لغة
المرافعة سهلة ولينة،
دون تكلف وصعوبة فهمها ([22])
. ومن هنا يجب أن
تكون لغة المرافعة باللغة العربية الفصيحة، لأنها تضفى على القضاء الهيبة والوقار .
2-
أن تكون لغة المترافع محترمة
حيث يجب أن تكون لغة المترافع يحوطها الاحترام الكلي
للهيئة التي يترافع أمامها عضو الادعاء، لأن الاحترام يعد من أهم العناصر الأساسية
التي ترتبط بلغة المترافع.
([1])
- يوسف وهابي، فن المرافعة المغربية نماذج
مرافعات النيابة العامة والمتهم في أهم الجنايات والجنح، م النجاح الجديدة، الدار
البيضاء، ط الخامسة، 2021، ص 8 .
([3])
- عبد الكريم الطالب، التنظيم القضائي المغربي
دراسة عملية في.. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الخامسة، 2018، ص 61 .
([7])
- انظر الاكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم
على الرابط
https://iamaeg.net/ar/publications/articles/what-is-legal
characterization
تم الإطلاع يوم 30 ماي
2022 على الساعة 13,44
([8])
- عبد الرحمان الشرقاوي، التنظيم القضائي بين
العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة أو البديلة، الطبعة الرابعة، 2018، ص 43
([9])
- عبد القادر محمد الحمداني، المحامي
بين سندان الشرطة القضائية ومطرقة القاضي مذكرة محامي ،
مكتبة أسبايدر، العراق، الطبعة الجديدة،2017، ص 74
([11])
- أحـمد بن محمد الرزين، مهارات الترافع أمام
الجهات القضائية، المؤتمر السعودي للقانون 2019، مقال منشور على الرابط
http://saudilawconf.com/sitecontent/uploads/editor/Saudi
law conference
([12])
- المادة 12 من قانون
28.08 الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في
20 من شوال 1429 (20) أكتوبر (2008)
([13])
- المادة 37 من قانون 28.08 الصادر
بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20
من شوال 1429 (20) أكتوبر 2008) تنص على "لا يحق للمحامي أن يمثل أمام الهيئات القضائية
والتأديبية إلا إذا كان مرتديا بذلة المحاماة " .
([14])
- عبد اللطيف ايت الحاج، مرافعة المحامي أمام
القضاء الجنائي المغربي، رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون الخاص،
ماستر العلوم الجنائية والـمنية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية، جامعة القاضي عياض مراكش، 2019-2020
([15])
- يوسف الوهابي، المرافعة المغربية، مطبعة
النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2003، ص 31
([16])
- عمر الحمزاوي، أداب المرافعة، منتدى
المحاماة، مقال منشور على موقع الإلكترونيwww.egypt.mon.net، تم الاطلاع عليه يوم 12/03/2022،
على الساعة
22:00
([17])
- المادة 24 من قانون
28.08 الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.08.101 ، صادر في
20 من شوال 1429 أكتوبر
2008 .
([18])
- مريم الحوشي، فن المرافعة، مقال المنشور على الموقع الإلكتروني
www.anonak.com. ، اطلع عليه يوم 3-11-03-2022 على الساعة 22:00