التركات
المستحقة لبيت المال في التشريع المغربي
ابراهيم
الدنفي
طالب باحث
بسلك الماستر المتخصص قانون الأسرة وقواعد الفقه المالكي
The accrued legacies of the House of
money in the Moroccan legislation
Brahim DANFI
مقدمة:
إن مميزات نظام الإرث في الإسلام أن الله سبحانه وتعالى
نظمه في محكم كتابه الكريم، وتحديد المستحقين وأنصبتهم بنصوص قطعية وهذا يبين لنا
الأهمية التي يتمتع بها نظام الإرث في الإسلام.
ومن المميزات أيضا التي يتميز بها نظام الإرث الإسلامي
أنه نظام عادل على عكس ما يتم ترويج له أن نظام الإرث الإسلامي هو نظام ظالم ولا
يراعي مبدأ المساواة ، حيث أن إقرار نظام المساواة في الإرث قد يكون غير عادل.
ومن الخصائص التي ينفرد بها نظام الإرث الإسلامي هو
الجمع في أحكامه بين أحكام قطعية لا اجتهاد فيها وأحكام اجتهد فيها الفقهاء، ومن
الأمور التي تناولها الفقه في مؤلفاتهم في هذا الباب هو ميراث بيت المال والتركات
المستحقة له، على اعتبار بيت المال من المؤسسات الإسلامية المهمة في تاريخ الدولة
الإسلامية وبالتالي وضع لها تنظيما وتأطيرا شرعيا يحكم هذه المؤسسة.
شهدت مؤسسة بيت المال تطورا ولا زالت قائمة في إطار
الدولة الحديثة ، وبالتالي تطورت ألياتها بالإضافة إلى التأطير الشرعي كان أيضا
تنظيم قانوني يحدد المؤسسات التي تمثل بيت المال في وقتنا الحاضر وأيضا التركات
المستحقة لهذه المؤسسة.
أولا: أهمية الموضوع
يكتسي هذا الموضوع أهمية بالغة من خلال كون هذا
الموضوع يلامس موضوعا واقعيا و تنظيميا مهما سواء بنسبة للأفراد وحتى لدولة ، لأن
التركات المستحقة لبيت المال هي أموال ولها قيمة وبالتالي كان من ضروري معرفة
والحرص على تتبعها حماية لحقوق المستحقين لهذه التركة و أيضا لحق دولة فيها إن كان
قائما.
ثانيا: إشكالية البحث
إن موضوع التركات التي تهم بيت المال يطرح إشكالات
مهمة بأهمية الموضوع في حد ذاته ، وهذه الإشكالية تتمثل في:
ماهي
التركات المستحقة لبيت المال والأسس الشرعية والقانونية للاستحقاقها؟.
وتتفرع عن هذه الإشكالية
مجموعة من الأسئلة الفرعية:
- ما هو الأساس الشرعي والقانوني للاستحقاق بيت
المال التركة؟.
- ماهي التركات المستحقة لبيت المال ؟
- ماهي الإجراءات المسطرية للاستخلاص التركة المستحقة لبيت المال؟.
ثالثا: منهج البحث
عند تناولنا لهذا الموضوع ارتكزنا على مجموعة من
المناهج من أهمها المنهج التاريخي ،وذلك من خلال تتبع تطور بيت المال والوقوف على
أساسه الشرعي في الفقه الإسلامي ، وأيضا الاعتماد على المنهج التحليلي من خلال
تحليل الموضوع والوقوف على أهم النقاط والإشكالات التي يطرحها، ثم المنهج التفسيري
وضحنا من خلاله دلالات ومعاني من أهمها مفهوم بيت المال ومفهوم التركة الشاغرة.
رابعا: خطة البحث
تناولنا هذا الموضوع وفق تقسيم هممنا من خلاله الإجابة
عن الإشكال والأسئلة المرتبطة به وفق تقسيم التالي:
المطلب
الأول: الأساس الشرعي والقانوني لميراث بيت المال
المطلب
الثاني: التركات المستحقة لبيت المال واجراءات استخلاصها.
المطلب الأول: الأساس الشرعي والقانوني لميراث بيت
المال
إن الحديث عن ميراث بيت المال من المواضيع التي
خلقت نقاشا فقهيا حول أحقية الدولة للميراث لأن اذا قاربناها مقاربة أسباب
الميراث في الشرع الاسلامي للإرث وهي
الزوجية والقرابة من حيث المبدأ كأساس للميراث، لكن عندما يتعلق الأمر ببيت مال
المسلمين فله أيضا الحق في الميراث وهو أمر يجهله العديد من الناس لكنه له سند
وأساس شرعي(الفقرة الأولى) وأيضا له مشروعية قانونية (الفقرة الثانية).
الفقرة
الأولى : الأساس الشرعي لميراث بيت المال
إن الأساس
والأصل لكل الأحكام المتعلقة بالميراث يعود بالأساس إلى الشريعة الإسلامية التي
حددت الأنصبة والمستحقين للميراث وعلى هذا الأساس والأصل المستمد من الأصول الأولى
للشريعة الإسلامية وهي القرآن والسنة التي ارتكز عليها الفقه الاسلامي من أجل
الوقوف على استحقاق التركات التي تهم بيت المال.
المقصود ببيت
المال هو الخزانة العامة في وقتنا الحاضر حيث كل ما يعود للدولة من حقوق مالية
يضاف إليها باعتبار حق لها وكل ما تحتاجه الدولة من نفقات و صرف تتحمل هذه الخزانة العامة[1]
هذه الأخيرة يعود وجودها العصري بالمغرب إلى سنة 1913 غير أنها كانت تتخذ شكلا آخر لكنه يؤدي نفس الوظيفة قبل الحماية
وكان يسمى مجلس الأمناء ، وكان هذه
المؤسسة تقوم بثلاث مهام رئيسية:[2]
1-
بيت مال المسلمين التي
كانت يوضع به الأموال ذات مصادر المرتبطة بالدين كالزكاة والأعشار.
2- دار الدخل أو الخزينة العامة وتتوصل بمساهمات الإدارية التي لها طابع دنيوي.
3- خزينة السلطان التي كانت تضم الهدايا التي يتوصل بها السلطان .
وهذه المؤسسة في وقتنا الراهن كما ذكرنا تتجسد في
الخزينة العامة وبالخصوص في صندوق الإيداع والتدبير.
وبالعودة إلى
مشروعية الدولة للميراث في التركات المجسدة في بيت المال المسلمين الذي اتفقت
المذاهب على اعتباره الدرجة الأخيرة لميراث التركة، وقال الشافعية والمالكية بيت
المال وارث حقيقي،[3] ويرى المالكية أن بيت المال يرث بطريقة العصوبة
وترتيبه في الميراث بعد المستحقين بالولاء العتاقة حسب ترتيبهم فبيت المال هو عاصب[4]،
غير أن الحنفية والحنابلة يرد على أن عود هذه الأموال ليس إلى بيت المال ليس بكونه
وارثا لها سواء كان منتظما أم لم يكن منتظم ،فهذه الأموال لا تعود إليه بصفته
وارثا واستدلوا على ذلك على أن الضوائع من الأموال سواء كان أصحابها مسلمون أو غير
مسلمون فهي تعود إليه[5]
، مثلا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر
المسلم).[6]
والبين من كل
ما سبق على أن البيت المال يستحق الميراث أو يؤول له الميراث عند المذاهب الأربعة
ويبقى الاختلاف فقط في كونه وارثا أم أنه تؤول له التركة في حالة عدم وجود وارث.
وبما أن الشريعة الإسلامية
حددت شروط الإرث وهي شروط ما تحققت في شخص معين أصبح مؤهلا للإرث وهي كالآتي:
1-
موت الموروث حقيقة أو
حكما.
2-
تحقق حياة الموروث
3-
وجود سبب من أسباب الميراث.
وهنا يطرح السؤال هل تتحقق الشروط في بيت المال؟.
ومن وجهة نظرنا تتحقق في بيت المال على رغم من وجود
خصوصية يتميز بها عن باقي الورثة الآخرين، ويتجلى تحقق هذه الشروط في كون بيت
المال لا يرث ما دام الموروث لا زال حيا وبالتالي ضرورة موته حقيقة أو حكما ، وأما
بخصوص تحقق حياة الوارث فهي ثابتة في بيت المال لأنه شخص معنوي له وجود قانون
وشرعي ويتجسد في الدولة، أما سبب الإرث يتمثل في كون بيت المال هو وارث بسند شرعي
وباتفاق الفقهاء.
الفقرة الثانية الأساس القانوني لميراث بيت المال
لمعرفة الأساس
القانوني لميراث بيت المال فإننا نعود إلى النصوص القانونية المؤطرة لهذا الباب،
إلا أننا نلاحظ أن المشرع نظم الأحكام الخاصة بالمواريث والوصايا ضمن أحكام مدونة
الأسرة، بنصه من خلال المادة 349 "بيت المال إذا لم يكن هناك وارث، حيث
تتولى السلطة المكلفة بأملاك الدولة حيازة الميراث[7].
ثم ظهير 1962
الذي نص في فصله الأول" إذا كانت لدولة حقوق اراثية بصفتها وارثة بالتعصيب فإن الحظ الذي ينوب بيت المال يتخلى عنه للورثة
الفرضيين إن كانوا موجودين ويوزع هذا الحظ بين الشركاء في الإرث بنسبة للجزء
الموروث المخصص بكل واحد منهم[8]."
وينص الفصل الثاني من نفس الظهير "إن لم يكن
هناك ورثة فرضيون فإن مصلحة الأملاك المخزنية بوزارة المالية تحوز الميراث لفائدة
بيت المال".
أما بخصوص المشروعية الإجرائية التي حددت كيفية ميراث
بيت المال المتمثل في الدولة حيث نص الفصل 267 من قانون المسطرة المدنية"
إذا كانت الدولة مؤهلة عند انعدام وارث معروف للإرث أخبرت السلطة المحلية لمكان
الوفاة وكيل الملك بذلك مع بيان المتروك على وجه التقريب ويصدر رئيس المحكمة
الابتدائية المحال عليه الطلب من طرف وكيل الملك أمرا على طلب يعين فيه كاتب ضبط
لإحصاء الأموال والقيم المتروكة ويعينه قيما إن كانت لها أهمية ما لحراستها. ويضع
هذا الكاتب الأختام عند الحاجة ويحرر محضرا بمختلف هذه العمليات.
إذا
كانت الأموال تشتمل على عناصر قابلة للتلف استؤذن رئيس المحكمة في بيعها بالكيفيات
المقررة لبيع منقولات القاصر وتوضع الأموال الناتجة عن هذا البيع بعد خصم المصاريف
بصندوق الإيداع والتدبير.
يخطر
وكيل الملك حينئذ إدارة الأملاك المخزنية[9]."
ومن خلال هذا الشتات التشريعي المتعلق بميراث بيت
المال من خلال ظهير 1962 والفصل 267 و268 من قانون المسطرة المدنية وكذلك من خلال
استقراء أحكام المواريث الواردة في مدونة الأسرة نجد على أن بميراث بيت المال
مشروعية قانونية كما سبقها أساس شرعي لحقه في التركات التي تهمه.
المطلب الثاني: التركات المستحقة لبيت المال واجراءات
استخلاصها
إن مؤسسة بيت المال كما سبق الذكر أنها تتجسد في
الدولة والمؤسسات التابعة لها، والتي لها مآل التركات المستحقة لبيت المال وكما هو
معلوم على أن قبل صدور ظهير 1962 كان بيت المال وارث بالتعصيب كباقي الورثة،وأحقية بيت المال للإرث تناولنها
في بداية بحثنا وحددنا أساسها الشرعي.
إن بعد ظهير 1962 تقيد حق الدولة في التركات المستحقة
لبيت المال (الفقرة الأولى)، ثم بعد توفر هذه التركة المستحقة وضع المشرع المغربي
اجراءات مسطرية لاستخلاصها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التركات المستحقة لبيت المال
بداية من الأحكام التي جاء بها الفقه الإسلامي وخاصة
المذهب المالكي والتي سبق تناولها في بداية بحثنا، بكون بيت المال هو وارث
بالتعصيب كباقي الورثة لكن بعد صدور ظهير 1962 تخل بيت المال عن حقوقه
الإراثية لفائدة شركائه، ولا محل للتركة
المستحقة لبيت المال إلا بنسبة لتركة الشاغرة.
والمقصود بالتركة الشاغرة يتوقف تحديده أولا على تحديد
معنى التركة الذي نصت عليه المادة 321 من مدونة الأسرة وهي مجموع ما يتركه الميت
من مال أو حقوق مالية، أما في حالة عدم وجود وارث تسمى التركة شاغرة وتؤول إلى بيت
مال المسلمين وهو ما يصطلح بأهلية الدولة للإرث. وبالتالي من
خلال ما سبق على أن استحقاق الدولة للإرث يكون في حالة التركة الشاغرة التي لا
وارث فيها شرعا، وبالتالي يطرح السؤال في حالة وجود ذوي الأرحام هل يكون مآل
التركة لهم أم لبيت المال ؟.
فبخصوص هذه المسألة وقع خلاف فقهي حول توريث ذوي
الأرحام على مذهبين:[10]
المذهب الأول: يرى عدم توريث ذوي الأرحام مطلقا ، فإذا
مات أحد ولم يخلف من يرثه لا بالفرض أو التعصيب وله ذي رحم لا شيء له وهذا مذهب
مالك والشافعي.
المذهب الثاني: يرى توريث ذوي الأرحام فهم أحق
بالتوريث في حالة عدم وجود وارث بالتعصيب أو الفرض، وهذا رأي الحنفية والحنابلة
والمتأخرون من المالكية، والمشرع المغربي لم ينص صراحة على توريث ذوي الأرحام على
عكس المشرع الجزائري من خلال المادة 139 من مدونة الأسرة الجزائرية، التي جعلت ذوي
الأرحام الصنف الثالث من الورثة بعد أصحاب الفروض والعصبة.[11]
وهذا يؤكد أن بيت المال هو المستحق لتركة في حالة عدم
وجود ورثة بالفرض والتعصيب في التركة الشاغرة . لكن يطرح
السؤال في حالة أخد أصحاب الفروض حقهم وبقاء فائض من التركة ولم يوجد وارث بالتعصيب؟.
كان هذا سؤال جوابه موضوع خلاف فقهي ، لكن المشرع
المغربي حسم فيه من خلال الفقرة الأخيرة من المادة 349 بنصها "فإذا وجد
وارث واحد بالفرض رد عليه الباقي،وإذا تعدد الورثة بالفرض، ولم تستغرق الفروض
التركة رد عليهم الباقي حسب نسبهم في الإرث."
أما بخصوص التركات الشاغرة المتعلقة بالأجانب في
المغرب وبعد قراءة ظهير 12 غشت 1913، لم نجد نص صريح ينص على مآل التركة الشاغرة
بنسبة للأجانب،وهذا يستلزم تدخل المشرع المغربي من أجل تعديل هذا الظهير ليستجيب
للحاجة له في هذه المسائل ، وهذا الأمر طرح خلاف فقهي حول استحقاق الدولة لهذه
النوع من التركات هل يكون لدولة التي ينتمي لها الموروث أم الدولة التي توجد بها
التركة؟.
وبالتالي الأمر لا يخرج على أمرين الأول اعتبار الدولة
وارثة من لا وارث له وهنا تؤول التركة لدولة التي ينتمي لها الموروث ، فهي غير
شاغرة، والثانية اعتبار الدولة غير وارثة وانما تملك ما يوجد على إقليمها من
الأموال التي لا صاحب لها لما لها من سيادة على رقعتها الجغرافية[12].
وعلاقة بظهير 12 غشت 1913 وخاصة في مادته 18 صدر قرار
للمحكمة النقض اعتبر فيه تركة الأجنبي المسلم تركة شاغرة حيث جاء في تفاصيله
"
لكن، حيث إن قواعد الإرث من النظام العام وبذلك تعلو على جميع النصوص القانونية المخالفة
لمقتضياتها، وإذا نص الكتاب السادس من مدونة الأسرة المتعلق بالميراث في المادة
332 على أنه لا توارث بين مسلم وغير مسلم قد يكون راعى في تطبيق قواعد الإرث معيار الديانة،
والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما ثبت لها أن الهالك اعتنق الإسلام حسب عقد إشهاره
بتاريخ 2005/04/16، واعتبرت تبعا لذلك تركته شاغرة لانعدام الوارث وفقا لأحكام قانون
الميراث الذي يراعي ديانة الموروث والوارث حال الوفاة، وقضت تبعا لذلك بالتشطيب على
إراثة الطاعنين لاختلاف ديانتهما عن ديانة الهالك المذكور لانقطاع صفتهم الإرثية وفق
القاعدة المنوه عنها أعلاه، تكون قد بنت قضاءها على أساس وطبقت مقتضيات الفصلين
267 و 268 من قانون المسطرة المدنية تطبيقا سليما، ولم تخرق المادة 2 من مدونة الأسرة
ولا الفصل 18 من ظهير 12 غشت 1913، وأن باقي ما أثير بخصوص القانون المؤرخ في 29 أكتوبر
1912، فقد جاء غامضا ومبهما، غير كاشف عن المقصود منه، وبالتالي كان غير مقبول، والوسيلتين
على غير أساس."[13]
وعلى مستوى التشريعات المقارنة نجد على أنه حددت نص
واضح يتعلق بإستحقاق التركة الشاغرة الموجودة على
هذه الدول كتشريع المصري والإسباني والتركي[14]
أما بخصوص مرو الزمن على حق الدولة في التركة الشاغرة
فهل يسقط حق الدولة في التركة الشاغرة إذا حازها غريب ليس بوارث ولا موصى وفق
المدة المعتبرة قانونا؟.
وفي هذا الأمر صدر توجيه العام عن مديرية أملاك الدولة
الخاصة " يعتبر بيت المال حسب أحكام الاجتهاد القضائي بمثابة الأحباس أو
القاصر فحقه في التعصيب غير قابل للتقادم، وبيت المال لا يمكن أن يسقط حقه إذا لم
يتمكن أن يطالب به في الوقت، إذ يمكنه بهذه الصفة أن يقاضي الغير الحائز لعقار كان
يجب أن ترثه الدولة ولا يصح لهذا الغير أن يواجهه بالحيازة ولو تجاوزت مدتها عشر
سنوات"[15]
الفقرة الثانية: الإجراءات المسطرية لأيلولة التركة
لبيت المال
وللوقوف على إجراءات استخلاص التركة المستحقة لبيت
المال الممثلة في الدولة وجب الرجوع إلى الفرع الثاني عشر من قانون المسطرة
المدنية في الفصلين 267 و268.
وأول اجراء من أجل استخلاص هذه التركة نص عليه الفصل
267 من قانون المسطرة المدنية هو اخبار السلطة المحلية لمكان الوفاة وكيل الملك
بذلك مع بيان المتروك على وجه التقريب ، معناه على أن أو عمل هو اخبار الجهات
المعنية عن وجود تركة شاغرة وهذه المهمة حسب النص القانوني يعهد بها إلى السلطة
المحلية الممثلة في الباشوات والفساد وخلفائهم ، كما أنه ليس ما يمنع من تولي
إدارة الأملاك المخزنية إذا بلغ إلى علمها وفاة شخص دون أن يخلف أي وارث شرعي
معروف[16]،وهنا
يطرح السؤال في حالة اخلال السلطة المحلية بإخبار النيابة العامة ، فهل يعد اخلالا
بمهامها؟.
الجواب حسب رأينا نعم لأن النص نص صراحة على أنه أسند
هذا الاختصاص للسلطة المحلية، وبالتالي اهمال السلطة المحلية لهذا المقتضى يعني
اخلالا بمهامها.
ومن مهام السلطة المحلية بيان المتروك على وجه التقريب
، بمعنى تحديد مكانه وصنفه هل هو منقول أو عقار أو غير ذلك ، كما النيابة العامة
دور مهم في فتح ملف التركة الشاغرة في إطار الأبحاث التي باشرتها الشرطة القضائية
حول وفاة الهالك ثم استبيان أن الهالك لم يخلف وارثا[17]،
كما أنه يمكن أن يقدم وكيل الملك للمحكمة الإبتدائية ملتمسا إلى رئيس المحكمة في
إطار المسطرة المبنية على طلب يلتمس منه بتعيين كاتب الضبط لإحصاء المتروك الذي
تركه الهالك المعني وتعيينه فيما متى لزم الأمر.[18]
وإن الأوامر التي يصدرها رئيس المحكمة في هذا الصدد
تدخل ضمن المساطر الإستعجالية لأنه إجراء مؤقت وهو يتلاءم مع احتمال ظهور وارث أو
مستحق لتلك التركة أو لجزء منها ، مما يسمح بتراجع القضاء عنها ، وهذا وارد على
مستوى العمل القضائي صدر قرار عن المجلس الأعلى" لكن حيث إن المحكمة قدرت ما
قدم لها من وثائق وتحققت من قرابة المطلوب إلى الهالكة برسم ارائتها عدد 229 وهي حجة
في إثبات علاقة القرابة والإرث وعدة الورثة استنادا إلى قول ابن سهل في العمل المطلق
كل من طلب حقا بسبب ميت عليه بالشريعة وجب إثبات موته وعدة ورثته - واستنادا إلى ما
استخلصته بعد إطلاعها على النسخة الموجزة من رسم وفاة الهالكة والصورة المطابقة لحالتها
المدنية من أن والدها هو عبد القادر وليس عمر، كما عللت قرارها وعن صواب بأن ظهور وارث
يسقط حق الدولة في الإرث لارتفاع موجب إرثها وهو شغور التركة وبأن طلب الحكم باستحقاق
التركة متضمن طلب الحكم بعدم شعورها وهو تعليل كاف لحمل قضائها عليه وصحيح ينسجم مع
معطيات النازلة التي لم تر المحكمة نظرا لوضوحها حاجة لإجراء بحث مما يجعل السبب بدون
أساس ."[19]
وفي نفس سياق جاء "الأمر الصادر عن رئيس المحكمة
الابتدائية بمراكش رقم 1207 بتاريخ 28 أكتوبر 1997 (ملف 97/979) الذي ورد فيه:
"حيث إن الطلب يرمي إلى العدول عن الأمر المتخذ في الملف 97/6011 القاضي بتعيين
قيم على تركة شاغرة للهالك شفرد جون.
وحيث علل المدعي طلبه بكون الهالك أعلاه أوصى له به.
وحيث
عزز طلبه بالوصية التي تفيد أنه موصى له بتركة الهالك المذكور وبشهادة من القنصلية
البريطانية بالبيضاء تتضمن حق الهالك في الوصية بأمواله لأي شخص يختاره.
وحيث
إنه بناء على الوثائق المدلى بها أعلاه، ونظرا الجواز الرجوع والعدول عن الأوامر الصادرة
في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، إذا تغيرت الظروف التي صدرت فيها، فإن
الطلب وجيه ومبرر، الأمر الذي ينبغي معه العدول عن الأمر المتخذ في الملف 97/6011 القاضي
بتعيين قيم على تركة شاغرة والتصريح بأن تركة المسمى شفرد جون غير شاغرة[20]".
وفي حالة كانت الأموال تشمل على عناصر قابلة للتلف
استؤذن رئيس المحكمة في بيعها بالكيفيات المقرر لبيع منقولات القاصر[21]،
وهذا يبين حرص المشرع على حماية التركة من الضياع ونص على اخضاعها للأحكام بيع منقولات القاصر الذي نصت
عليه الفصول 201و 202و 203و 204و 205 و 206 من قانون المسطرة المدنية.
ويتم وضع هذه الأموال بعد استخلاصها وخصم المصاريف
بصندوق الإيداع والتدبير، لكن يبقى تسيير واستخلاص هذه الأملاك للإدارة الأملاك
المخزنية ، فإذا تعلق الأمر بعقار محفظ يطلب تسجيل كل العقود والوثائق في السجلات
العقارية، كما تسجل ملكية العقار في الملكية الخاصة لدولة، أما إذا كانت غير محفظة يتم تقديم مطلب لتحفيظها.[22]
[1] عبد الكريم زيدان ، كتاب أصول
الدعوة ، الطبعة التاسعة ، سنة 2001، مؤسسة الرسالة ،العراق، الصفحة 257.
[2] موقع وزارة الاقتصاد والمالية
المغربية، تاريخ الميزانية المغربية ، أطلع عليه بتاريخ 10/10/2023،الساعة 12:34.
[3] محمد زحيلي، الفرائض والمواريث
والوصايا ، الطبعة الأولى ، سنة 2001، دار الكلام الطيب، بيروت ، الصفحة 47.
[4] عماد الدغاري، الرد في الميراث ،
موقع ستار تايمز، بتاريخ 21/07/2010، أطلع عليه بتاريخ 22/10/2023، الساعة 22:34.
[5] مجلة بحوث وفتاوى، الفتاوى وأسباب
استحقاق الميراث، العدد 27، يناير 2022، الصفحة 74.
[6] أسامة بن زيد ،المحدث : شعيب الأرناؤوط ، المصدر : تخريج صحيح ابن
حبان ،الصفحة أو الرقم : 6033 ،خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين ،
التخريج : أخرجه البخاري (6764)، وأخرجه مسلم (1614) باختلاف يسير.
[7] المادة 349 من الظهير شريف رقم 1.04.22 صادر في 12 من ذي
الحجة1424(3 فبراير 2004) بتنفيذ القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، منشور
الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 ذو الحجة 1424(5 فبراير 2004)، ص418.
[8] الظهير الشريف رقم 1.62.154،بالجريد
الرسمية عدد 2612، بتاريخ 18 جمادى الثانية 1382(16 نونبر 1962)،الصفحة 2665.
[9] الفصل 267 من الظهير شريف بمثابة
قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394(28 شتنبر 1974)، بالمصادقة على قانون
المسطرة المدنية ،بالجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر، بتاريخ 13 رمضان 1394(30 شتنبر
1974)، ص2741.
[10] محمد مومن، أحكام التركة الشاغرة في
التشريع المغربي ، مجلة الأملاك ، العدد5 ، سنة 2008، الصفحة 71-72.
[11] سمية مهداوي و أسماء ربحي، أحكام
ميراث ذوي الأرحام في الفقه الإسلامي وقانون الأسرة الجزائري-دراسة مقارنة-، رسالة
لنيل شهادة الماستر، جامعة محمد بومضياف، الصفحة 26-27.
[12] محمد محروك، أحكام القانون الدولي
الخاص دراسة في تنازع القوانين والجنسية ، الطبعة الثانية ، سنة 2022، المطبعة
الوراقة الوطنية،مراكش،
الصفحة 105.
[13] قرار محكمة النقض عدد 4/497 المؤرخ
في : 2015/10/20 ملف مدني عدد : 2014/4/1/1182، أورده عمر أزوكار و الطاهر موافق، الموسوعة الكاملة
لقانون المسطرة المدنية ، الجزء الأول، الطبعة الأولى ، سنة 2021، مطبعة النجاح
الجديدة ، الدار البيضاء ، الصفحة 463.
[14] حنان أبكريم، المواريث والوصايا في
القانون الدولي الخاص المغربي دراسة مقارنة، موقع مجلة القانون والأعمال الدولية ،
18 نونبر2018، أطلع عليه بتاريخ 01/12/2023، الساعة 12:34.
[15] عبد السلام الشماتي، التركة الشاغرة
الايلة للدولة من خلال موقف محكمة الاستئناف بالرباط، سلسلة ندوات محكمة الاستئناف
بالرباط ، العدد السادس ، سنة 2013 ، مطبعة أمنية ، الرباط، الصفحة 135
[16] محمد مومن، مرجع سابق ، الصفحة 89.
[17] محسن البقالي حسني، دور النيابة العامة في مدونة الأسرة
المغربية-دراسة مقارنة-، رسالة لنيل شهادة الماجستير، السنة الجامعية 2021، جامعة
الإسكندرية ، الصفحة 261.
[18] المرجع نفسه، الصفحة 261.
[19] قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد : 344 المؤرخ في
: 2005/6/22. ملف شرعي عدد : 2003/1/2/679 ،
أورده عمر أزوكار و الطاهر موافق،
مرجع سابق ، الصفحة 464.
[20] الأمر القضائي الصادر عن رئيس
المحكمة الابتدائية بمراكش رقم 1207 بتاريخ 28 أكتوبر 1997 ، ملف عدد 97/979،
أورده عبد السلام السماني ، مرجع سابق ، الصفحة 129.
[21] المادة 267 من قانون المسطرة
المدنية.
[22] محمد مومن ، مرجع سابق ، الصفحة
109.