واجبات التاجر في المدونة التجارية الموريتانية - سيداب سيد عبد الله

 




واجبات التاجر في المدونة التجارية الموريتانية

سيداب سيد عبد الله

دكتور في القانون الخاص أستاذ متعاون مع جامعة نواكشوط والمدرسة الوطنية للإدارة

 

Duties of a trader in the Mauritanian Commercial Code

SidEbe Sidi Abdoullah

 

الملخص: حرصا من المشرع الموريتاني على تنظيم الحياة التجارية وضبط التعامل ألزم التجار بواجبات قانونية، منها مسك الدفاتر التجارية، والتسجيل في السجل التجاري بعض التشريعات يترك للتاجر حرية الاختيار في مسك الدفاتر التجارية التي يعتقدون أنها كافية للتدليل على الحالة العامة لتجارته دون تحديد هذه الدفاتر، ودون تبيان أنواعها، بينما تكرس بعض التشريعات واجب تمسك التاجر ببعض الدفاتر وتترك له الحرية في مسك ما يراه مناسبا من هذه الدفاتر علاوة على تلك الواجبة قانونا، وللدفاتر التجارية أهمية بالغة في الإثبات، وفي معرفة المركز المالي للتاجرk يلعب السجل التجاري أدوارا قانونية واقتصادية عظيمة الأثر على الصعيد الوطني والعالمي،

وكل التشريعات تقريبا- بما في ذلك التشريع الموريتاني تعطي للسجل التجاري أهمية كبيرة، وتعترف له بآثار قانونية هامة منها:

القيد في السجل التجاري قرينة على ثبوت صفة التاجر، لا تمكن مواجهتها أو نفيها بإثبات أن الشخص لم يمارس التجارة أو أنه قد اعتزلها وأهمل محو القيد.

قيد البيانات في السجل التجاري يصلح قرينة على مطابقتها للحقيقة.

البيانات الواجبة القيد في السجل التجاري لا تكون حجة على الغير إلا إذا تم قيدها فيه.

• القيد في السجل التجاري وسيلة لتفادي الاتحاد في الأسماء التجارية.

 

Summary: In order to regulate commercial life and control transactions, the Mauritanian legislator obligated merchants to perform legal duties, including keeping commercial books and registering in the commercial registry.

Some legislation leaves the merchant the freedom to choose to keep commercial books that they believe are sufficient to demonstrate the general condition of his trade without specifying these books, and without specifying their types, while some legislation enshrines the duty of the merchant to keep certain books and leaves him free to keep what he deems appropriate of these books in addition to These are legally required, and commercial books are of great importance in proving and knowing the merchant’s financial position , The commercial registry plays important legal and economic roles at the national and global levels.

Almost all legislation, including Mauritanian legislation, gives the commercial registry great importance and recognizes it as having important legal effects, including:

• Registration in the commercial register is evidence of the merchant’s status, which cannot be confronted or denied by proving that the person has not practiced trade or that he has withdrawn from it and neglected to erase the registration.

• Registration of data in the commercial registry serves as evidence of its conformity with the truth.

• The data that must be registered in the commercial register is not an argument against others unless it is registered in it.

• Registration in the commercial registry is a means of avoiding union in trade names

 

يعتبر التاجر لاعبا مركزيا في الحياة الاقتصادية والتجارية، ومساهما رئيسا في توزيع الثروة وتداول رأس المال، ولهذا سعى المشرع في مختلف الأنظمة القانونية لضبط نشاطه ومعرفة الظروف التي يعمل فيها من خلال إلزامه بواجبات قانونية والتزامات يجب عليه الوفاء بها حتى يتسم نشاطه بالمشروعية، وحتى يأمن على صفته ونشاطه.

وهذه الالتزامات كرسها المشرع الموريتاني من خلال واجب مسك الدفاتر التجارية المنظم في المواد من 21 إلى 28 من المدونة التجارية " أولا"، والتسجيل في السجل التجاري المكرس بموجب المواد من 29- 70 من نفس المدونة " ثانيا"

أولا: مسك الدفاتر التجارية

تعطي الدفاتر التجارية المنظمة  صورة صادقة لنشاط التاجر، وتعتبر وسيلة للإثبات أمام القضاء، ووسيلة لتكريس العدالة في فرض الضرائب ، كما تعتبر الدفاتر التجارية المنتظمة آلية للإثبات في النزاعات التي تعرض للتاجر، وقد تسعفه في حالة الخضوع  لنظام المعالجة وتطبيق مسطرة من المساطر على المؤسسة .

يلزم القانون الموريتاني التاجر بفتح حساب مصرفي أو بريدي لأغراض تجارته، وذلك في حالة وجود أي منهما في المكان الذي يمارس فيه نشاطه التجاري بصورة قانونية " المادة 21 من مدونة التجارة" كما على كل الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين التجار أن يلتزموا بمسك محاسبة مطابقة لعرف المهنة وللأحكام القانونية المحددة في المدونة التجارية " المادة 22 من مدونة التجارة".

غير أن الأشخاص الطبيعيين المشار إليهم في الفقرة السابقة يعفون من هذا الواجب إذا كان رقم أعمالهم التجارية يقل سنويا عن مبلغ يحدد دوريا بمقتضى مقرر مشترك بين الوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالتجارة " الفقرة الأخيرة من المادة 22 من مدونة التجارة. وعلى العموم، يجب أن تعطي الدفاتر التجارية الصورة الحقيقية والصادقة عن محاسبة التاجر، وعن أصوله وخصومه.

1-: أنواع الدفتر التجارية

بعض التشريعات يترك للتاجر حرية الاختيار في مسك الدفاتر التجارية التي يعتقدون أنها كافية للتدليل على الحالة العامة لتجارته دون تحديد هذه الدفاتر، ودون تبيان أنواعها، بينما تكرس بعض التشريعات واجب تمسك التاجر ببعض الدفاتر وتترك له الحرية في مسك ما يراه مناسبا من هذه الدفاتر علاوة على تلك الواجبة قانونا.

وللدفاتر التجارية فوائد عدة أهمها:

-        أن مسك الدفاتر التجارية يمكن التاجر من معرفة حالته المالية فيستطيع بذلك تلافي الأخطاء التي يكون قد ارتكبها وأدت إلى خسارته

-        أنه كثيرا ما يتعذر على التاجر، بسبب طبيعة الأعمال التجارية والسرعة المطلوبة في انجازها، اللجوء إلى وثائق خطية من أجل إثباتها فيكتفي بتسجيلها في دفاتره التجارية في بعض الحالات لإثبات هذه المعاملات

-        أن التاجر يمكنه أن يستعين بدفاتره التجارية إذا كانت منتظمة لإثبات حسن نيته عند عجزه عن دفع ديونه وطلب التسوية القضائية، كما يمكنه عند الحكم بالتصفية الاستعانة بهذه الدفاتر لينجو من الحكم عليه بالتفالس وذلك لإثبات وقوعه في خسارة حقيقية أدت إلى انهيار حالته المالية.

-        أن الدفاتر التجارية مفيدة للتاجر عند فرض الضريبة على الدخل ، إذ تمكن التاجر من التصريح عن أرباحه الحقيقية وتحول دون فرض هذه الضرائب اعتباطا من قبل مصالح الضرائب.

والدفاتر التجارية تم استعمالها في العصور القديمة، حيث عرفها الرمان[1]، وعرفتها الشريعة الإسلامية، و أشار الفقهاء إلى ذلك في مؤلفاتهم" دفتر البياع، والصراف والسمسار[2] تناول المشرع الموريتاني الدفاتر التجارية وخصص لها المواد 21-28 من المدونة التجارية، حيث ألزم التاجر بمسك دفتري اليومية والجرد دون أن يمنعه من مسك ما يراه ضروريا من الدفاتر الأخرى بصفة اختيارية.

  • الدفاتر التجارية الإلزامية

طبقا لترتيبات المدونة التجارية الموريتانية تعتبر الدفاتر التجارية الإلزامية بموجب المادة 23 من هذه المدونة هي: دفتر اليومية، ودفتر الجرد.

Ø      دفتر اليومية : تضمنت ترتيبات المادة 23 السابقة أنه على الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الملزمين بمسك محاسبة أن يقيدوا يوميا بدفتر اليومية جميع عملياتهم أو أن يقيدوها شهريا بصفة إجمالية فقط.

ويفهم من هذا النص أن دفتر اليومية هو المرجع الأساسي الذي يكشف عن جميع أعمال التاجر، وهو كما يقول البعض " المحضر اليومي المفصل لكل الأعمال التي يتعاطاها التاجر في حياته والمؤثرة في أعماله"[3]، ويجب أن يتضمن دفتر اليومية جميع أعمال البيع، والتداول الذي يقوم به التاجر بخصوص الأوراق التجارية، وبيان جميع المداخل المالية للتاجر حتى ولو كان مصدرها غير تجاري كالإرث والهبة، وجميع ما صرفه من أموال ولو كان لسبب خارج عن تجارته، ويستهدف إدراج الأمور غير المتعلقة بالتجارة في دفتر اليومية معرفة حالة التاجر المالية الحقيقية وما إذا كان تأخره عن الدفع في حالة الخضوع لنظام المعالجة ناتجا عن إسرافه، لأن عدم الدفع الناتج عن الإسراف قد يقود للحكم على التاجر بالإفلاس بالتقصير.

Ø      دفتر الجرد: تتطلب معرفة الحالة الحقيقية للتاجر القيام بجرد يحدد ما لدى التاجر من بضائع ونقود وما له وما عليه من ديون، ولهذا أوجب المشرع الموريتاني في المادة 23 من مدونة التجارة وجوب أن يتم هذا الجرد مرة على الأقل كل سنة، حيث نصت على أنه على الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الملزمين بمسك محاسبة " أن يعدوا مرة في العام على الأقل جردا يتضمن عناصر الأصول والخصوم لمؤسساتهم، وتنقل تفاصيل هذا الجرد في دفتر الجرد"

لم يبين المشرع التاريخ الذي يجب أن يتم فيه هذا الجرد، لكنه يفهم من ربط المشرع لعمليات الجرد هذه بفترة زمنية تقدر بالاثني عشر شهرا أن هذا الجرد ينبغي أن يتم بالتوافق مع اختتام  السنة المالية للمؤسسة ، لما يترتب على ذلك من التزامات قانونية وتجارية.

  • الدفاتر التجارية الاختيارية

جرت العادة واستقرت الأعراف على أن التاجر يمكنه أن يمسك دفاتر تجارية لم يلزمه القانون بمسكها، ولم يمنعه من ذلك، لكن تنظيم التجارة ومقتضيات المهنة أفضت إلى مسك هذه الدفاتر، وأهم هذه الدفاتر:

Ø      دفتر التسويدة: ويقيد فيه التاجر بالتفصيل جميع العمليات التي يقوم بها قبل نقلها إلى دفتر اليومية بشيء من الاختصار

Ø      دفتر الصندوق: وهو المتعلق بإثبات حركة النقود الصادرة والواردة، ويمكن هذا الدفتر التاجر من معرفة حقيقة ما لديه من نقود في الصندوق وفي الحسابات المصرفية أو البريدية.

Ø      دفتر الأوراق و الأسناد التجارية:  ويسجل فيه التاجر جميع الأوراق والأسناد التجارية التي لأمره مع مواعيد الاستحقاق.

Ø      دفتر الأستاذ: وهو أهم الدفاتر التجارية الاختيارية، ولأهميته اعتبرته بعض التشريعات من الدفاتر الإجبارية كقانون التجارة الاسباني[4]، على اعتبار أنه بدونه تظل محاسبة التاجر ناقصة، ولا تستجيب لمتطلبات أهداف مسك الدفاتر التجارية، ويشبه دفتر الأستاذ إلى حد ما دفتر اليومية بالنظر لصفته الكلية المرتبطة بتقييد جميع معاملات التاجر، لكنه يختلف عنه،  ليس لاحتوائه على قيد جميع المعلومات، لا بالنسبة لتاريخ وقوعها، بل بالنسبة لموضوعها أو للشخص الذي يتعلق به، فدفتر الاستاذ يتجزأ إلى حسابات خاصة تفتح باسم العملية التجارية نفسها ويستقل كل حساب عن الآخر، ويستطيع التاجر استخراج ميزانيته من ملخص الحسابات الواردة في هذا الدفتر.

2- الضوابط الإجرائية لمسك الدفاتر التجارية

أخضع المشرع الموريتاني مسك الدفاتر التجارية لعدة قواعد إجرائية صارمة وإلزامية، بهدف تأمين صحة المعلومات والبيانات الواردة فيها، ووقوفا في وجه ارتكاب الغش والتحايل الذي يمكن أن يرتبط بتقييد هذه البيانات، يتعلق بتقديم أو تأخير تاريخ هذه المعاملات، أو الزيادة فيها أو النقص بقصد إضرار الدائنين أو التهرب الضريبي ...

وقد تناول المشرع الموريتاني هذه القواعد الإجرائية في المادتين 24- 25 من مدونة التجارة وتتلخص هذه القواعد[5] في:

  • يجب أن ترقم كل صفحة من صفحات دفتري اليومية والجرد قبل استعمالها، ويجب تأشيرهما من طرف القاضي الذي يوجد مقر التاجر في دائرة اختصاصه، أو من طرف عمدة البلدية أو نائبه بطريقة عادية وسهلة وبدون مصاريف، وهي الترتيبات التي تضمنتها مقتضيات المادة 24 من مدونة التجارة التي تنص على أنه " .- يجب أن يكون كل من دفتر اليومية ودفتر الجرد المذكورين بالمادة 23 مؤشرا ومرقما من طرف القاضي أو عمدة البلدية أو نائبه على الطريقة العادية وبدون مصاريف"

ولا شك أن هذا الإجراء يضفي على الدفاتر الصفة الرسمية، ويحول دون ارتكاب الغش والتزوير من خلال زيادة عدد الصفحات أو إنقاصها أو المحو فيها أو الشطب.

  • يجب أن تنظم الدفاتر التجارية تبعا للتاريخ، ويجب أن تكون خالية من الفراغ أو البياض أو الكتابة في الحواشي، ويجب في حالة وقوع الغلط في التحرير في إحدى العمليات القيام بالتصحيح بكتابة عكسية تجرى من تاريخ اكتشاف الغلط، وليس من الضروري قيام التاجر نفسه بتدوين العمليات التجارية بخط يده، بل قد يكلف بها موظفا، أو خبيرا، وقد يتم التقييد بواسطة الآلات والأجهزة بدلا من اليد.

يعتبر الالتزام بهذه القواعد الإجرائية مؤشرا على انتظام الدفاتر التجارية، ويؤشر عدم الالتزام بها على عدم انتظام هذه الدفاتر، ويترتب في الحالتين نتائج قانونية هامة، سواء على مستوى الإثبات، أو على مستوى مسؤولية التاجر الجزائية في حالة الخضوع لمسطرة من مساطر المعالجة.

يلزم القانون الموريتاني التاجر بالاحتفاظ بالدفاتر التجارية مدة عشر سنوات على غرار العديد من التشريعات، حيث نصت الفقرة الأخيرة من المادة 23 من مدونة التجارة على أنه على الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الملزمين بمسك محاسبة " أن يحتفظوا لمدة عشرة أعوام بجميع الوثائق المثبتة للعمليات المقيدة بالدفاتر المشار إليها"

لا تعتبر مدة الاحتفاظ بالدفاتر التجارية من قبيل التقادم كما يتصور البعض، لكنه قد يكون من المستغرب تحديد هذه المدة بعشر سنوات تحديدا، غير أنه بعد انقضاء هذه المدة يعتبر التاجر غير ملزم بإبراز الدفاتر التجارية وهو معذور في ذلك، لكن، يحق للمحكمة أن تطلب منه تقديمها، ولا يجوز له الامتناع.

3- دور الدفاتر التجارية في الإثبات

من المتعارف عليه أن من أهم القواعد الأصولية في الإثبات المدني أنه لا يجوز للشخص أن يخلق دليلا لنفسه، كما لا يجوز للشخص أن يجبر على تقديم دليل ضد نفسه، غير أن هاتين القاعدين تم الاستدراك عليهما في المادة التجارية في مناسبات عديدة، حيث أجاز المشرع الإثبات بواسطة الدفاتر التجارية سواء ضد التاجر أو لصالحه.

ويبدو الشذوذ في هاتين القاعدتين واضحا في المواد 26 من مدونة التجارة و 430 و 431 من قانون الالتزامات والعقود[6].

وعموما يمكن استنتاج القواعد المتعلقة بالإثبات بالدفاتر التجارية كما يلي:

1-        أن الدفاتر التجارية التي يجوز الاستظهار بها كحجة في الإثبات مبدئيا هي الدفاتر الإلزامية، لكن هذا لا يعني إطلاقا أن الدفاتر الأخرى ليست لها أية قوة ثبوتية تطبيقا لقاعدة حرية الإثبات في المواد التجارية، والفرق بين أنواع الدفاتر التجارية في الإثبات هو أن الدفاتر الإلزامية إذا كانت منتظمة تكون حجة مجبرة للمحاكم في الدعاوي القائمة بين التجار، بينما ليست للدفاتر الاختيارية هذه القوة، بل تبقى للمحاكم حرية الأخذ بها أو ردها، باعتبارها مجرد قرائن قضائية يترك تقديرها لقاضي الموضوع، ويعود السبب في هذا إلى أن القانون لم يلزم التاجر بمسك هذه الدفاتر، وبالتالي قد تكون غير منتظمة أو مفقودة عند تاجر، الأمر الذي يجعله في مركز ضعيف أمام خصمه في الوقت الذي لم يلزمه القانون بمسكها، كما لا يجوز تقديم الدفاتر التي يلزم التجار بمسكها والتي لم يراعوا فيها الشكليات المقررة أو الاحتجاج بها أمام القضاء لصالح ماسكيها طبقا لترتيبات المادة 26 فقرة 2 من مدونة التجارة.

  •  قد يعتقد البعض أن الدفاتر غير المنتظمة ليست لها أية حجية في الإثبات تجسيدا لاجتهاد قضائي قديم مؤسس على تفسير ضيق للنصوص، سرعانما تم التراجع عنه لمخالفته لقاعدة حرية الإثبات في المادة التجارية، واتجهت المحاكم بدلا منه إلى اعتبار الدفاتر غير المنتظمة قرينة ثبوتية يترك تقديرها لقضاة الموضوع دون رقابة المحكمة العليا.
  •  إذا كان المدعى عليه تاجرا  جاز للخصم تاجرا أو غير تاجر الاحتجاج لإثبات دعواه بدفاتر المدعى عليه سواء كانت إلزامية أو اختيارية منتظمة أو غير منتظمة لأنها بمثابة الإقرار الخطي بالنسبة لصاحبه، لكنه على المحكمة كما هو الحال في للإقرار عدم تجزئتها.
  •  إذا كان المدعى عليه غير تاجر، فالأصل أنه لا تعطى لدفاتر التاجر الإلزامية أو الاختيارية المنتظمة أو غير المنتظمة أية قوة ثبوتية لصالح خصمه تطبيقا لقاعدة أنه لا يجوز للإنسان أن يخلق دليلا لنفسه، غير أن هذا الحكم تم تخفيفه في اتجاه ترك الاستدلال بقوة الدفاتر الثبوتية لقضاة الموضوع يستخلصونها من ظروف الحال.
  •  إذا كان كل من المدعي والمدعى عليه تاجرا وكان النزاع متعلقا بأمور تجارية جاز للمدعي إثبات دعواه بواسطة دفاتره التجارية، وتكون هذه الدفاتر حجة كاملة في الإثبات ملزمة للمحكمة إذا كانت منتظمة، بينما تكون مجرد قرينة في الإثبات يترك تقديرها لقاضي الموضوع إذا كانت غير منتظمة أو كانت دفاتر اختيارية، وفي الوقت نفسه يجوز للمدعى عليه رد دعوى خصمه بدفاتره التجارية أيضا، فإذا اتفق مضمونهما كان الإثبات كاملا، وإن اختلفا وكان كل منهما إلزاميا ومنتظما جاز للقاضي ردهما لتهافت الدليل، أو الأخذ بأحدهما استنادا إلى ملابسات وظروف القضية.

إن الاستدلال بالدفاتر التجارية واستخدامها في الإثبات يتطلب تقديمها للمحكمة قصد الاطلاع سواء كان هذا الاطلاع كليا أو جزئيا، وفي حالتي التقديم والاطلاع لابد من صدور قرار من المحكمة، ولا تجبر المحكمة على إعطاء قرار بتقديم الدفاتر، بل هي مخيرة في ذلك، وقرارها بهذا الخصوص لا يخضع لرقابة المحكمة العليا.

Ø      التــــــــــــــــقديم

التقديم هو وضع الدفتر تحت تصرف المحكمة لتستخرج منه ما يتعلق بالخصومة، والمحكمة هي التي تبحث الدفتر بنفسها أو بواسطة خبير تعينه لهذا الغرض، وليس لها أن تسمح للخصم بالاطلاع عليه حفاظا على أسرار التاجر، بل إنه ينبغي عند إطلاع المحكمة أو الخبير على الدفتر أن يكون ذلك بحضور التاجر صاحب الدفتر وتحت رقابته، وينتهي الأمر إذا استخلصت المحكمة من الدفتر ما تريده من بيانات تتعلق بالخصومة.

التقديم هو القاعدة العامة، وهو مشروع في جميع المنازعات المدنية والتجارية، ويكون بقرار من المحكمة، وعندما يتم رفض تقديم الدفاتر التجارية من طرف أحد الخصوم من غير عذر مقبول، فإن المحكمة يمكنها اعتبار هذا دليلا على قوة حجة خصمه، واعتماد قول الطالب مع اليمين طبقا لمقتضيات المادة 28 من مدونة التجارة[7] .  

ويصدر القرار بالتقديم بناء على طلب أحد أطراف النزاع أو تلقائيا من قبل المحكمة إذا رأت ضرورة لذلك، ولا يقتصر التقديم على الدفاتر الإلزامية، بل يتعداها ليشمل الدفاتر الاختيارية وكل المستندات والأوراق التي بحوزة التاجر.

يجب أن يتضمن طلب التقديم المقدم من طرف أحد أطراف النزاع ما يلي:

§         مضمون السند أو الورقة وأوصافه

§         الواقعة التي يستشهد بالورقة أو السند عليها

§         الدلائل والظروف التي تثبت أن الورقة أو السند تحت يد الخصم

§         وجه إلزام الخصم بها

قد تأخذ المحكمة بالغرامة التهديدية عن كل يوم يتأخر فيه الخصم المحكوم عليه بوجوب تقديم الورقة أو المستند، كما قد تستفيد المحكمة من امتناع المحكوم عليه تقديم ما بحوزته من مستندات وأوراق حجة على صحة أقوال المدعى.

Ø      الاطــــــــلاع

الإطلاع إجراء يتخلى بمقتضاه التاجر عن دفاتره التجارية ليضعها تحت تصرف خصمه، بناء على طلب المحكمة أو طلب الخصم، بغية البحث فيها بحرية عنما يعضد دعواه من أدلة، وهو معروف بداهة أنه يضع أسرار التاجر مكشوفة أمام خصمه، الأمر الذي يضفي عليه الطابع الاستثنائي، والطابع الاستثنائي يقتضي حصر نطاق الإجراء وتضييق مداه في الحالات التي تنتفي فيها ضرورة الحفاظ على أسرار التاجر حسب مقتضيات المادة 27 من مدونة التجارة[8].

والاطلاع الغالب فيه أن يكون جزئيا يقتصر مضمونه على ما ينير المحكمة ويساعدها في استكناه خفايا وحقائق النزاع المعروض، ووعيا من المشرع في العديد من الدول بخطورة الاطلاع الكلي على دفاتر التاجر وما ينطوي عليه من محاذير بالنسبة للتاجر فقد ضيق نطاقه وحد من مضمونه، ولهذا نصت المادة 27 من مدونة التجارة على حالتين محددتين يجوز فيهما الاطلاع الكلي على دفاتر التاجر هما حالتي التركة والتسوية أو التصفية القضائتين[9]ويلاحظ في هذه الحالات وعي المشرع بانعدام الأضرار الناتجة عن الاطلاع الكلي فيها، لأنه في كلتا الحالتين لم يبق من محذور لكشف الأسرار المتعلقة بالتاجر لأن النشاط قد انتهى بالنسبة للمؤسسة في حالة التصفية، ومعرفة الأسرار تساعد على انتشال المؤسسة المتعثرة، كما لم يعد كشف أسرار التاجر المتوفى ذا ضرر كبير على الحياة التجارية[10].

والنتيجة المستمدة من الاطلاع الجزئي لا تلزم المحكمة التي قررت الاطلاع، فلها أن تأخذ بمضمون دفاتر التاجر ولها أن ترده ، كما أن للخصم الحق في أن يقدم الدليل المعاكس إذا جرى اطلاع بناء على طلب التاجر، أما إذا جرى بناء على طلب الخصم فهو ملزم بمضمون الدفاتر لأنه بطلبه الاطلاع على دفاتر التاجر إنما رضخ مسبقا لمضمونها[11].

ثانيا: التسجيل في السجل التجاري

تعود النشأة التاريخية للسجل التجاري إلى القرن الثالث عشر الميلادي عندما كانت طوائف التجار في المدن الايطالية تقيد أسماء أعضائها في مدونة خاصة، قصد التنظيم الداخلي وحصر قائمة التجار، حتى تسهل دعوتهم للاجتماعات ومطالبتهم بمستحقات القيد ، ولم يكن هذا التقيد بداية وسيلة للإشهار والعلانية، لكنه سرع انما أصبح فيما بعد آلية لهما.

أدى تطور الحياة التجارية إلى تطور وظيفة السجل التجاري، فانتقل من مجرد وسيلة للاستعلام وإحاطة الغير علما بالمركز المالي والقانوني للتاجر إلى أداة هامة لتجميع البيانات الإحصائية عن الوضع المالي للتاجر، ووسيلة فعالة للمساهمة في تخطيط السياسات الاقتصادية وتوجيه الاقتصاد الوطني، إضافة إلى وظيفته التقليدية كأداة للشهر المحقق لاستقرار المعاملات وتدعيم الائتمان.

في العصر الحديث أصبح السجل التجاري يلعب أدوارا قانونية واقتصادية عظيمة الأثر على الصعيد الوطني والعالمي، ويعتبر التشريع الألماني أول تشريع يضفي على السجل أهمية كبيرة في الحياة التجارية ومنح حجية ضخمة على البيانات المقيدة فيه، وعهد به إلى قاض مختص يسهر على التحقق من صحة البيانات بكل الطرق والوسائل، وفي فرنسا اختفى السجل التجاري بعيد قيام الثورة الفرنسية وسيادة الركود الاقتصادي، ولم تكن حاجة الحياة التجارية له إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهكذا تم استعادة العمل بالسجل التجاري بموجب قانون 1919 م، غير أن هذا القانون لم يعترف للسجل التجاري بأي دور قانوني، ولم يرتب على واقعة القيد فيه أي أثر قانوني. غير أن كل التشريعات - بما في ذلك التشريع الفرنسي ما بعد قانون 1919 م-  تعطي للسجل التجاري أهمية كبيرة، وتعترف لله بآثار قانونية هامة منها:

  • القيد في السجل التجاري قرينة على ثبوت صفة التاجر، لا تمكن مواجهتها أو نفيها بإثبات أن الشخص لم يمارس التجارة أو أنه قد اعتزلها وأهمل محو القيد.
  • قيد البيانات في السجل التجاري يصلح قرينة على مطابقتها للحقيقة.
  • البيانات الواجبة القيد في السجل التجاري لا تكون حجة على الغير إلا إذا تم قيدها فيه.
  • القيد في السجل التجاري وسيلة لتفادي الاتحاد في الأسماء التجارية.

تناول المشرع الموريتاني أحكام السجل التجاري في القانون 005/2000 بتاريخ 18/1/2000 المتضمن مدونة التجارة، المعدل، في الفرع الثاني من الفصل الثالث من الباب الأول " المواد من 29- 70"

يقتضي الحديث عن السجل التجاري دراسة الأحكام القانونية في مدونة التجارة المتعلقة بتنظيم السجل التجاري على المستويين المحلي والمركزي ، كما ستتطرق لدراسة مضامين السجل التجاري والأشخاص المعنوية والطبيعية الملزمة بالتسجيل في السجل التجاري " الفقرة الأولى" ويعتبر التقييد والتقييد المعدل والشطب من المعطيات القانونية التي يسعى السجل التجاري لحمايتها، كما تترتب على التقييد في السجل التجاري آثار قانونية بالغة الأهمية " الفقرة الثانية"، ونتيجة لأهمية التسجيل في السجل التجاري رتب المشرع الموريتاني جزاءات قانونية على عدم التسجيل أو التأخير فيه " الفقرة الثالثة"

1- تنظيم السجل التجاري والملزمون بالتسجيل فيه

2- التقييد والآثار القانونية له

3- الجزاءات

1- تنظيم السجل التجاري والملزمون بالتسجيل فيه

يؤسس السجل التجاري من أجل تحقيق جملة من الأهداف، والقيام بمجموعة من الإجراءات التي تضفي الشفافية والوضوح على المعاملات التجارية، و من أجل تمكين السلطات العمومية من بسط رقابتها على الحياة التجارية، ومن أجل معرفة الفاعلين في الحقل التجاري لبعضهم البعض، ولهذا عددت المدونة التجارية الموريتانية أهداف تأسيس السجل التجاري، وهي:



[1]  رزق الله انطاكي مرجع سابق

[2]  كتاب الفتح لابن عابدين ج4

[3]  الوسيط في الحقوق التجارية البرية ، رزق الله انطاكي بالتعاون مع نهاد السباعي، ج الأول مطبعة دار العلم بدمشق، 1981

[4]  رزق الله انطاكي بالتعهاون مع نهاد السباعي، مرجع سابق

[5]  - القانون رقم 005/2000 المتضمن مدونة التجارة وتعديلاته

 

[6]  - المادة 26 " يمكن قبول دفاتر التجارة التي تم مسكها بصورة قانونية لدى القضاة للاحتجاج بها بين التجار في أعمال تجارتهم.

لا يجوز تقديم الدفاتر التي يلزم التجار بمسكها والتي لم يراعوا فيها الشكليات المقررة أو الاحتجاج بها أمام القضاء لصالح ماسكيها وذلك دون الإخلال بتطبيق أحكام المواد 1436 و1442 و1450 من هذه المدونة.

 المادة 430  " إذا تضمنت دفاتر التاجر تقييدا صادرا من الخصم الآخر أو اعترافا مكتوبا أو إذا طابقت نظيرا موجودا في يد هذا الخصم، فإنها  تكون دليلا تاما لصاحبها وعليه""

المادة 431 " ما يقيده في الدفاتر التجارية الكاتب المكلف بها أو المكلف بالحسابات يكون له نفس قوة الإثبات، كما لو قيده نفس التاجر الذي كلفه"

[7]   " إذا طلب أحد الخصوم الاعتماد على دفاتر خصمه وامتنع خصمه عن تقديمها من غير عذر مقبول اعتمد القاضي قول الطالب بيمينه.

 

[8]  - لا يمكن الاطلاع على الدفاتر بكاملها من طرف القضاء إلا في حالة التركة أو التسوية أو التصفية القضائية

[9]  المادة السابقة من مدونة التجارة

[10]  - الوسيط في احقوق التجارية البرية ، د. رزق الله انطاكي بالتعاون مع نهاد السباعي ، ج1، مطبعة دار العلم بدمشق، 1982

[11] - نفس المرجع السابق

من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك



من أجل تحميل هذا العدد 20 - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث