سريان مسطرة التحفيظ وأثرها على حقوق الدائن المرتهن وعلى تحقيق الرهن الرسمي - حسن السايحي




سريان مسطرة التحفيظ وأثرها على حقوق الدائن المرتهن وعلى تحقيق الرهن الرسمي

The validity of the reservation rule and its impact on the rights of the mortgaged creditor and on the realization of the official pledge

حسن السايحي / باحث في العلوم القانونية حاصل على الماستر في القانون الخاص.

Hassan ELSAYAHI

 

مقدمة

تشكل قيمة الملكية العقارية، عنصرا محوريا في تحقيق غايات اقتصادية واجتماعية وغيرها، وذلك في إطار يجمع ما بين المصالح الخاصة للأفراد والمصلحة العامة، بحيث يخول حق الملكية للفرد إمكانية تحرير قيمته في شكل أموال سائلة، ويمكن استثمارها واستغلالها في مجالات مختلفة لمدة معينة دون خروج حق الملكية من ذمته[1].

وبما أن تمويل الاستثمارات يقتضي وجود أموال ضخمة، فرض على المستثمرين القيام بعملية الاقتراض من المؤسسات المالية، والتي تفرض عليه (المؤسسات البنكية) تقديم ضمانات كافـــــية للاطمئنان على استرداد ديونها، وإذا كان المشرع المغربي قد أقر فكرة أمـــوال المدين ضــــمان عام لدائنيه وما يتفرع عنها من وسائل أخرى لتمكين الدائن العادي من حماية حقــــه في حالة المساس به من قبل المدين، غير أن ذلك لا يفي بتحقيق الارتياح لدى الدائن، وهـــــو ما يجعله يبحث عن ضمان خاص يقوي به مركزه القانوني، لذلك كان اللجــــوء إلى الضمانات العيـــــنية حلا لا مناص منه، لتمكين الدائن من اقتضاء دينه في المال المخصص كضمان له حتى ولو تصرف فيه المدين بأي نوع من أنواع التصرف.

لذلك فالائتمان[2] يعد من ضرورات النشاط الاقتصادي في المجتمعات المعاصرة، الأمر الذي تنبه إليه المشرع المغربي وحاول توفير خدمة للائتمان من خـــــلال سنه لآليات قانونية تطمئن هذه المؤسسات على أموالها وتحقق لها الضمان الخاص الذي تسعى للحصـــــول عليه، ويأتي في صدارة هذه الآليات الرهن الرسمي كإحدى الوسائل لتحقيقه، والذي حاول المشــــــرع من خلاله التوفيق بين مصلحتين، مصلحة المدين في الحصول على القرض الذي يطلبه وفي نفــــــس الوقت الاستمرار في استغلال عقاره وإدارته، ومصلحة الدائن في استثمار أمواله بشكل آمن وضـــــمان استرجاعها بالأولوية عن غيره من الدائنين حتى في حالة تعنت المديـــن أو عجزه عن إرجاعها أو تصــــرفه في العقار المرهون، عن طريق اعتماده على وسيلة إجرائية حددها الفصل 204 من ظهــــير 2 يونيو 1915 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة، تكفل له توصله بحقــــوقه أمام تعذر تملكه للعقار المرهون مباشرة عند حلول أجل الأداء.

لكن للاستفادة من القروض مقابل تقديم ضمان عقاري يتوقف على كون ملكيته ترتكز على أرضية صلبة من حيث أوصافها القانونية وحدودها المادية وهو الأمر الذي يوفره نظام التحفيظ العقاري المغربي، غير أن هذا لا يمنع مؤسسات الائتمان من منح قروض مضمونة بعقارات لا تزال في طور التحفيظ، لكن الوضعية العقارية لهذا الأخير مختلفة تماما عن وضعية العقار المحفظ، ذلك أن ما يميز العقار في طور التحفيظ هو التطور السريع الذي يلحقه باستمرار، حيث يتغير وضعه المادي و القانوني موازاة مع الإجراءات المسطرية التي يخضع لها، لهذا تتضرر بعض الحقوق المترتبة عليه، مالم تأخذ بعين الاعتبار مجمل التغييرات الواقعة أو المرتقبة تبعا لوضعية مسطرة التحفيظ.

وقد خصصت مدونة الحقوق العينية الباب الثالث منها للرهون الرسمية من المادة 165 إلى المادة 213، ويتميز الرهن الرسمي بكونه حق عيني عقاري غير قابل للتجزئة ويتميز بمجموعة من الخصائص ولا ينتهي إلا بالوفاء بالدين أو برفع يد الدائن المرتهن عن الرهن أو بهلاك الملك المرهون هلاكا كليا أو جزئيا.

وبما أن المشرع أورده على العقار المحفظ - وهذا لا ينبثق عنه أي إشكال- والعقار الذي هو في  طور التحفيظ ، دون مواكبة هذا الأخير بإجراءات مسطرية تساعد على تعزيز مكانة العقار في طور التحفيظ في موضع الرهن الرسمي وإدخاله حيز التداول.

 وهذا التوجه الذي ذهب إليه المشرع لا يخلو من خطورة وذلك راجع للصعوبات التي يمكن أن يتعرض لها الدائن المرتهن في استفاء دينه القائم على عقار في طور التحفيظ ولم يتم تطهيره من شوائب النزاع بعد.

لذلك فما هي الآثار المترتبة على مسطرة التحفيظ العقاري اتجاه حقوق الدائن المرتهن ؟ وما سبل تحقيق الرهن الرسمي الوارد على عقار في طور التحفيظ ؟.

وبشكل أدق فالإشكالية تقتضي الإجابة عنها وفق منهجية قانونية صارمة ترجمة لها وذلك في محورين كما يلي:

المطلب الأول: أثار مسطرة التحفيظ العقاري على حقوق الدائن المرتهن

المحور الثاني : سبل تحقيق الرهن الرسمي الوارد على عقار في طور التحفيظ

 

المطلب الأول: أثار مسطرة التحفيظ العقاري على حقوق الدائن المرتهن

لقد خول المشرع العقاري لكل من اكتسب حقا عينيا على العقار موضوع مسطرة التحفيظ الخيار بين إجرائين لإثبات الحق المذكور قانونا والمنصوص عليه في الفصلين 83 و 84 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تتميمه وتغييره، وهو الايداع طبقا للفصل 84 ونشر الخلاصة الإصلاحية طبقا للفصل 84.

وبما أن عبارة "حق" لم تحصر الحقوق التي يمكن إشهارها في مطلب التحفيظ فإنه بذلك تتبدد أول غرابة حول إمكانية ورود الرهن الرسمي على عقار في طور التحفيظ، وذلك بناء على ما جاء في الفصلين المذكورين.

وعليه فإن الدائن الذي يغيب في إشهار حقوقه الرهنية إما أن يسلك مسطرة الفصل 83 فيكتسب بذلك صفة طالب التحفيظ في حدود ذلك الحق، وإما أن يودع عقد الرهن طبقا للفصل 84 وهذه الصيغة لا تمكن الدائن نهائيا من اتخاذ أي إجراء بشأن مسطرة التحفيظ لانعدام الصفة لديه.

ويبقى الإشكال المطروح  هو أنه بالرغم من ايداع عقد الرهن بالمحافظة العقارية لا يمكن اعتباره رهنا رسميا إلا بعد تأسيس الرسم العقاري، ويعني ذلك أن تقييد الرهن سيبقى معلقا على نتيجة التحفيظ، وعليه فإن حقوق الدائن المرتهن تظل عموما متسمة بعدم الاستقرار خلال مسطرة التحفيظّ.

فإذا كان العقار موضوع تعرضات فمن المؤكد أن الرهن سيتأثر بنتيجة دعوى التعرض، وإذا حصل أن تراخى طالب التحفيظ في اتباع إجراءات التحفيظ، أو  لم يحضر عمليات التحديد رغم استدعائه وإنذاره، فإن المحافظ سيكون مضطرا لتوقيف إجراءات التحفيظ، بل ربما إلغاء المطلب بكامله ويمكن أن يفقد صاحب الرهن نتيجة لذلك الحقوق المقررة له في عقد الرهن. 

أولا : أثار رفض وإلغاء مطلب التحفيظ على حقوق الدائن المرتهن

بعيدا عن النقاش الذي أثير حول التمييز بين الإلغاء والرفض على أساس أن النتيجة واحدة والمتمثلة في نقل العقار إلى الوضعية السابقة على ايداع مطلب التحفيظ، أي وضعية العقار غير المحفظ، لذلك يمكن الاقتصار على استعمال مصطلح الإلغاء.

إذ يمكن القول أن مطلب التحفيظ يتخذ بصفة عامة شكلين اثنين، فإما أن يتم بناء على السلطة التقديرية التي يتمتع بها المحافظ، أو بناء على أحكام قضائية نهائية اكتسبت حجية الأمر المقضي به[3].

لكن وقبل اتخاذ هذا القرار الذي  يمكن أن يكون نتيجة اختلالات تؤدي إلى توقف المسطرة، كما هو الحال في حالة تماطل المدين عن متابعة إجراءات التحفيظ، مما يؤدي إلى آثار غير محمودة تمس الدائنين[4]. الشيئ الذي يمكننا من طرح تساؤل حول ما إذا كان بإمكان الدائن المرتهن إتمام إجراءات التحفيظ معاملة للمدين المتقاعس بنقيض قصده ؟

في محاولة للإجابة على هذه الإشكالية يمكن القول أن الاعتراف للدائن بمتابعة مسطرة التحفيظ إمكانية متاحة فعلا، لكن شريطة أن يكون حق الرهن معلن عنه طبقا للفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري. حيث يكون للدائن في هذه الحالة صفة طالب التحفيظ شأنه شأن المالك، وإن كان هذا الوضع قد يساعد الدائن على تجاوز بعض العقبات التي تعترض مسطرة التحفيظ، وليس كل العراقيل كما هو الحال إذا تطلبت عملية التحفيظ تبرير مساحة زائدة أظهرتها عملية التحديد.

على أنه في غالب الأحوال يودع الرهن طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري وهذه الصيغ لا تمكن الدائن نهائيا من اتخاذ أي إجراء بشأن مسطرة التحفيظ لانعدام الصفة لديه[5].

بالإضافة إلى الحالات التي تقلل من ضمانات الدائن المرتهن، نجد أن المدين الراهن قد يضطر إلى تقليص المساحة، في حالة وجود فرق مع ما أفرزته عملية التحديد لافتقاده إلى الأدلة التي تثبت المساحة الزائدة[6].

الشيئ الذي يؤثر سلبا على حقوق الدائن المرتهن، ومن دون أن يبدي هذا الأخير أي اعتراض على أساس أن الرهن يشمل كل العقار ولا يقبل التجزئة ، وعلى فرض أن الجزء المتخلى عنه يبقى مثقل بالرهن الرسمي فإن عدم تصور رهن رسمي فإن عدم تصور رهن رسمي على عقار أصبح غير محفظ حسب المادة 165 من م .ح .ع تؤدي بالنتيجة إلى النقصان من نسبة الضمان المقرر للدائن المرتهن.

إن اتخاذ  قرار الإلغاء لأي سبب من الأسباب، يصبح معه الدائن المرتهن أمام دين بدون ضمان خاص، على اعتبار أن التقييدات المودعة طبقا للفصل 84 من ظ ت ع يبقى مآلها معلق بحصر مطلب التحفيظ، ذلك أن هذا الأخير يكون مصيره الإلغاء إذا ثبت وقوعه مثلا داخل رسم عقاري، حيث تلغى معه كافة التقييدات المدونة طبعا[7].

من خلال ما سبق يمكن القول أن قرار إلغاء مطلب التحفيظ له أثار سلبية على حقوق الدائن المرتهن، الشيئ الذي يؤدي إلى تكريس عدم الثقة والإطمئنان في الضمان، الذي يوفره هذا النوع من العقارات، ولهذه الأسباب نجد بعض الأبناك يبالغون في احتياطهم لاستيفاء القروض الممنوحة لزبنائهم كلما تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ، حيث يطالبون ضانات إضافية لا سيما الكفالات[8]

ثانيا : أثار الحكم بصحة التعرض على حقوق الدائن المرتهن

إن الشروع في إجراءات التحفيظ سواء بناء على مطلب التحفيظ والقيام بتحديده من طرف المحافظ، يفتح إمكانية التعرض بالنسبة لكل من ينازع في حق ملكية العقار الذي سيجرى تحفيظه أو في مدى هذا الحق، أو في حدود العقار، وذلك لمن يدعى حقا عينيا على العقار المزمع تحفيظه، فالمشرع في إطار القواعد القانونية المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري منح لكل شخص يمس التحفيظ بحقوقه أن يتدخل فيها عن طريق التعرض إذا ظن أن إجراء المسطرة المذكورة يضر بحقوقه، وذلك لدحض قرينة ملكية طالب التحفيظ[9].

هذا، ولم يتطرق المشرع المغربي لتعريف التعرض، واكتفى بمنح كل من يدعى حقا على عقار إمكانية التدخل في مسطرة تحفيظه عن طريق هذه التقنية[10]، ولذلك فقد تم تعريفه من قبل الفقه بأنه، "منازعة في مسطرة التحفيظ تباشر من طرف الغير سواء في وجود حق الملكية أو في مدى هذا الحق أو في حدود العقار أو في وجود حق عيني قابل للتقييد في الرسم العقاري المراد تأسيسه[11].

فالتعرض وسيلة قانونية يمارسها الغير للحيلولة دون إتــــمام  إجراءات التحفيظ، وذلك خلال الآجال القانونية المقررة، ويهدف التعرض بهذا المعنى إلى توقيف إجراءات التحفيظ من طرف المحافظ وعدم الاستمرار فيها إلى أن يرفع التعرض ويوضع حد للنزاع عن طـــريق المحكمة أو إبرام صلح بين الأطراف[12].

فهو يشكل أحد أهم خصوصيات نظام التحفيظ العقاري وآلية من آليات تطبيق مبدأ التطهير المسبق للحقوق المزمع تحفيظها أو تسجيلها[13].

ولكي يتحقق الغرض من التعرض، فإنه يتعين على المتعرض تدعيم طلبه بكافة السندات والحجج التي تثبت ملكيته للعقار أو الحق موضوع مسطرة التحفيظ والقاضية باستحقاقه للملك المتنازع عليه، فإذا كان طالب التحفيظ بإمكانه تدعيم مطلبه بمثل هذه الأحكام، فإنه في المقابل يعطي نفس هذا الحق للمتعرض حتى لا يواجه بالأثر  التطهيري للرسم العقاري[14].

ويطرح إشكال كذلك في حالة لجوء طالب التحفيظ إلى إبرام الصلح مع المتعرض بجزء من العقار موضوع التحفيظ، قصد التشطيب على التعرض الكلي ضد مسطرة التحفيظ، في هذه الحالة يتضرر الدائن من هذا الإجراء الذي تتوقف عليه متابعة مسطرة التحفيظ، ذلك أنه يفترض من المدين رد التعرض الصادر من الغير، وليس المصالحة عليه، كما أنه لا يمكن تتبع الجزء المتصالح به الذي انتقل إلى المتعرض بالاتفاق، لأن حق التتبع يقع على الحائز المقيد بالرسم العقاري والحال أن المتعرض أضحى يحوز حقا غير محفظ وبالتالي لا يمكن أن نطبق عليه أحكام الرهن الرسمي[15].

وبناء عليه فإن مقتضيات مسطرة التحفيظ تتعارض مع بعض خصائص الرهن الرسمي مما قد يضر بحقوق الدائن المرتهن خصوصا في الحالات التي تنقص فيه إجراءات التحفيظ من قيمة الضمان، فالرهن لا يمكن لأن يوقف أي إجراء من إجراءات التحفيظ ما لم تصبح بياناته نهائية بتأسيس الرسم العقاري.

كما أن استحقاق المال المضمون من طرف الغير أكبر خطر يهدد حقوق الدائن المرتهن ذلك أن الحكم بصحة التعرض الكلي بعدم ضمان الدين ولا يبقي له محل، ومما يزيد في إضعاف حقوق الدائن المرتهن هو أن الدائن المرتهن ليس باستطاعته الدفاع عن حقوقه أثناء جريان دعوى التحفيظ أمام محكمة التحفيظ العقاري، إلا إذا كانت معلنة عن طريق الإشهار فله الدفاع عنها أمام المحكمة.

وينتهي ضمان الرهن الرسمي كذلك في حالة إلغاء أو رفض مطلب التحفيظ لأي سبب من الأسباب، حيث يجد الدائن نفسه أمام دين بدون ضمان خاص، ورغم أن حقوق الدائن تتأثر مباشرة بمثل هذه القرارات، إلا أنه ليس باستطاعته الطعن فيها إذا كانت حقوقه مودعة اعتبارا لنظام مسطرة التحفيظ الذي لا يتيح ذلك.

 وعليه فإن الدائن لا يبقى له أمام هذه الحالات امتياز ولا رتبة يستفيد منها بموجب الرهن لأنه أصبح بدون موضوع ولم يعد له احتمال الاستفادة من الأفضلية في استحقاق الدين على العقار المرهون، بحيث يصبح في وضع يتساوى فيه مع كافة الدائنين الذين يرجعون مجتمعيين على الضمان العام لأموال المدين بعد أداء الديون الممتازة.  

وإن كانت المصلحة الاقتصادية تقتضي وجود رسوم عقارية تتمتع بحجة مطلقة وصارمة، فإن مبادئ العدالة تفترض من جهة أخرى أن تمر مرحلة تأسيس هذا الرسم العقاري بكافة الإجراءات الكافية لتطهير الرسم العقاري من كل ما يمكن أن يشوبه من شوائب، وبالتالي حماية حقوق الغير من كل ما يمكن أن يضربها[16].

ولما كان رهن العقار محل الدراسة يرد على مطلب التحفيظ، فإن الوضع القانوني لهذا العقار يظل غير ثابت وغير مستقر، ومتنازع فيه من قبل الأغيار عن طريق سلوك مسطرة التعرض على مطلب التحفيظ.

ومن هنا يحق لنا التساؤل عن مآل الرهن المنصب على العقار في طور التحفيظ في حالة الحكم بصحة أحد التعرضات ؟ وما مدى أحقية الدائن المرتهن التعرض ضد مطلب التحفيظ المودع طبقا للفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري لتقوية الضمان ؟

فبالرجوع إلى ظهير التحفيظ العقاري لا نجده ينظم هذه الحالة، ومن ثمة فحقوق الدائن المرتهن ستتأثر نتيجة هذا الحكم، ومن ثم قد يفقد حقوقه المقررة في عقد الرهن[17].

فالوضعية غير الثابتة للعقار في طور التحفيظ المتخذ كضمانة بنكية تقلص من الضمانات الممنوحة للدائن المرتهن، ومن ضمنها طبعا موضوع التعرضات المحكوم بصحتها من طرف القضاء، مما يؤزم وضعية العقار وبالتالي لا يحظى بالثقة الكاملة لدى الأبناك[18]. فهذه الوضعية قد تكون عائق أمام ولوج العقار في طور التحفيظ لدائرة الائتمانية، وإخراجه من الجمود الذي طالما اتصف به هذا النوع من العقارات وهذا راجع بالأساس للاعتبارات التالية:

§       إن الحكم بصحة دعوى التعرض قد يعدم الضمانة العينية للعقار في طور التحفيظ، حيث تنعدم صفة طالب التحفيظ كمالك للعقار، ولا يبقى أمام المرتهن سوى الرجوع على المدين وفقا للقواعد العامة.[19]

§       إن الحكم بصحة التعرض يضع قطيعة بين الحق العيني الأصلي والحق العيني التبعي، لأن الرهن تابع للمدين المضمون ويدور معه وجودا وعدما[20].

من كل ما سبق يمكن القول أن المؤسسات البنكية الخاصة ستتردد لا محالة في قبول العقارات في طور التحفيظ كضمان للقروض التي يطلبها أصحابها، أو ربما ستقوم باشتراط ضمانات أخرى عينية أو شخصية، تحصن من خلالها استرداد حقوقها.

ولعل هذا الوضع الغير الثابت هو ما أفرز نقاشا فقهيا حول طبيعة هذا الرهن، حيث يري جانب من الفقه[21]، على أنه رهن معلق على شرط واقف أو كونه مجرد وعد برهن.[22]

يؤكد مناصري هذا الرأي على أنه بالرغم من إيداع الرهن وفق الفصل 84 المعدل والمتمم بالقانون 14.07 لا يعدو أن يكون مجرد حق شخصي قابل لأن يتحول إلى حق عيني عندما يتأسس الرسم العقاري ويخضع لمسطرة التقييد وبالتالي فاصطلاح هذا الرهن بالرهن الرسمي يجب إعادة النظر فيه[23]

وهو نفس التوجه سايره الاجتهاد القضائي المغربي، حيث جاء في حكم لتجارية وجدة قضت فيه بما يلي: " ... لكن حيث إن تقييد الرهن على عقار موضوع مطلب التحفيظ...  لا يعدو أن يكون مجرد إيداع طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري وأن مصيره يبقى معلقا على مآل المطلب ذاته، فإذا تحول إلى رسم في اسم المدين الراهن.

 وعلى خلاف الاتجاه السابق، فإنه بالمقابل لطالما كرس المشرع إمكانية رهن العقار في طور التحفيظ رهنا رسميا، وسايره في ذلك بعض الفقه[24]

ونجد محكمة النقض سلكت نفس المنحى في أحد قراراتها جاء فيه ما يلي " العقارات التي في طور التحفيظ لا تكون في مأمن من النزاع حول ملكيتها فهي تبقى خاضعة لمسطرة إدارية.... وعليه فإن العقار الذي يوجد في طور التحفيظ إن كان قابلا لأن يقع عليه الرهن الرسمي وأن يتخذ ضمانة عينية مقبولة أمام مؤسسات الائتمان بمناسبة إعطائها القروض[25].

ونعتقد أن الرأي الأول الأجدر بالتأييد فرغم أن المشرع حاول أن يدرج هذا النوع من العقارات في الدائرة الائتمانية، عن طريق إقراره بصريح المادة 165 إمكانية رهنها رهنا رسميا، إلا أنه من الصعب جدا وصف هذا الرهن بالرهن الرسمي، لأن  الدائن المرتهن لا يتمتع بنفس حقوق الدائن المرتهن في العقار المحفظ، كما أن هذا الرهن يبقى معلقا على مآل مسطرة التحفيظ، ويبقى حق الدائن المرتهن  قابل للزوال ما دام الرسم العقاري لم يأسس بعد ليس فقط في التعرض العادي ولكن أيضا إذا سلك أحد المستفدين من حق أثناء المسطرة من طالب التحفيظ عن طريق التعرض على الإيداع.

لذلك وحتى نضمن نوع من الحماية للدائن المرتهن في العقار في طور التحفيظ، نقترح بعضا من المقترحات للتخفيف من الآثار السلبية لمسطرة التعرض (العادي) على الرهن:

§       إذا تم ايداع الرهن بعد انتهاء أجل التعرض ( الحاجة إلى التنصيص على منع طالب التحفيظ من ترتيب أي حقوق على المطلب إلا بعد انتهاء أجل التعرض )

§        السماح للدائن المرتهن بالتدخل إلى جانب طالب التحفيظ أثناء البث في التعرضات من طرف القضاء.

§       تفعيل خاصيتي الرهن المتمثلين في حق التتبع والأفضلية.

§       تعزيز حق الدائن المرتهن بالقيام ببعض الإجراءات طلب الحجز الإرتهاني في إطار المسطرة المدنية.

§       منح المدين إمكانية إتمام إجراءات التحفيظ في حالة تقاعس المدين – طالب التحفيظ – عن إتمامها على غرار ظهير 1915.

لذلك فالتعرضات بجميعها وخاصة متى كانت تعسفية تنسحب مخاطرها وآثارها على حقوق الدائن المرتهن، بل وتتعداها بحيث تعطل الضمان الرهني لمركز العقار في طور التحفيظ.

المحور الثاني : سبل تحقيق الرهن الرسمي الوارد على عقار في طور التحفيظ

في حالة إنهاء جميع إجراءات مسطرة التحفيظ وكفاية الحجج يتخذ المحافظ على الأملاك العقارية قرار التحفيظ، ويؤسس الرسم العقاري للملك المرهون، فإن الدائن يصبح في وضعية مريحة تجاه حقوقه الرهنية، لذلك يصبح العقار محصنا ضد كل طعن، وبياناته أضحت نهائية بما فيها الدين الذي تحمله[26].

فإذا كان المشرع المغربي قد منح للدائن المرتهن حق التنفيذ على العقار المرهون فإن هذا الحق يظل في حالة سكون خلال الفترة السليمة للرهن أي منذ نشأة الرهن إلى غاية حلول أجل استحقاقه ولا يكون للدائن الحق في مباشرة إجراءات التنفيذ إذا أخل المدين بالتزامه التعاقدي الممثل في سداد القرض[27]. هذا وإن كانت المادة 165 من المدونة أقرت بورود الرهن الرسمي على العقار المحفظ والذي في طور التحفيظ وفق شهادة التقييد الخاصة ( أولا) وكذا قواعد التنفيذ وفقا للقواعد العامة ( ثانيا).



[1] - رضوان المرابط، إشكالات الرهن الرسمي المنصب على العقار في طور التحفيظ بين مدونة الحقوق العينية وظهير التحفيظ العقاري، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال مارس 2017، دون ذكر العدد ص 8

[2] - عرفه نبيل ابراهيم سعد، بأنه منح الثقة في إعطاء حرية التصرف الفعلي والحال في مال معين، مقابل الوعد برد نفس الشيئ أو مال معادل له خلال فترة زمنية معينة وذلك نظير الخدمة المؤداة وللخطر الذي يمكن أن تتعرض له كخطر الهلاك الجزئي أو الكلي والذي تضمنه هذه الخدمة، في كتابه نحو قانون خاص بالائتمان منشأة المعارف الإسكندرية طبعة 1991 ص 25.

[3] - عبد العالي دقوقي، الإلغاء والتشطيب في التشريع العقاري المغربي أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس أكدال الرباط، السنة الجامعية 2002/2003 ص 34

[4] - فيصل الحجيوي، الرهن الرسمي على عقار في طور التحفيظ، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية  والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 2012/2013، ص 16

[5] - يوسف مختري، حماية الحقوق الواردة على العقار في طور التحفيظ، الطبعة الأولى 2016 مطبعة المعارف الجديدة الرباط ، ص 57

[6] - يوسف مختري م س ص 298

[7] - عبد العالي دقوقي ، م، س ، ص 76

[8] - محمد بن الحاج السلمي، التقييد الاحتياطي في التشريع العقاري، الطبعة الأولى 1984 المطبعة الرئيسية ، ص 145

[9] - محمد خيري، ص 205- 207

[10] - آيت أحمد الغازي، التعرضات في المسطرة العادية والمساطر الخاصة للتحفيظ العقاري، ندوة وطنية حول الأمن العقاري، منشورات مركز النشر والتوثيق القضائي بمحكمة النقض عدد  26 سنة 2015 مطبعة الأمنية الرباط، ص 397.

[11] - عمر حمزة، الائتمان البنكي بين الكفالة كضمانة شخصية والرهن الرسمي كضمانة عينية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس الرباط، السنة الجامعية 2011/2011، ص 316.

[12] - محمد خيري، العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي من خلال القانون الجديد قم ،14.07 الطبعة الأولى 2014، دار النشر المعرفة، ، ص 212.

[13] - محمد خيري، حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، الطبعة الأولى 2001 مطبعة دار النشر المعرفة الرباط ص151  

[14] - عبد الله بنلمعلم، ازدواجية دعوى الاستحقاق بين مسطرة التحفيظ ودعوى الاستحقاق العادية، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، منشورة بمجلة القانون والأعمال الدولية العدد 20 ص 31

[15] - يوسف مختاري، حماية الحقوق الواردة على العقار في طور التحفيظ، الطبعة الأولى 2016، مطبعة المعارف الجديدة الرباط توزيع مطبعة الرشاد سطات، ص 291

[16] - هشام عليوي، التعرض على الحقوق المودعة في إطار الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري في ضوء مستجدات القانون رقم 14.07 مقال منشور بمجلة القضاء المدني سلسلة دراسة وأبحاث المنازعات العقارية الجزء الأول مطبعة المعارف الجديدة الرباط ص 155

[17] - محمد خيري، العقار في و طور التحفيظ والشهادة الخاصة بالرهن، مقال منشور بمجلة الحدث القانوني عدد 15 أبريل 1999، ص 12

[18] - محمد بونبات، رؤية جديدة في التشريع العقاري، مقال منشور بمجلة الأملاك العدد الأول سنة 1993 ص 60

[19] - يقضي الفصل 1241 من قانون الالتزامات والعقود على أن أموال المدين ضمانة عامة لدائنيه، ويوزع ثمنها عليهم بنسبة دين ل واحد منهم ما لم توجد بينهم أسباب قانونية للأولوية.

[20] - ينظر المادة 161 من مدونة الحقوق العينية والناصة على ما يلي: يعتبر الرهن تابعا للدين المضمون ويدور معه وجودا وعدما. ينقضي الرهن الحيازي بانقضاء الدين المضمون به بتمامه.

[21] - محمد ناجي شعيب، تعليق على ضوء الحكم الصادر عن المحكمة التجارية بوجدة بتاريخ 24/12/2002، عدد 616/2، مقار منشور بالمجلة المغربية للإقتصاد والقانون، عدد 7 سنة 2003 ص 151 

[22] - محمد خيري،  العقار في طور التحفيظ م س ص 12

[23] - نور الدين الأعرج مدى إمكانية ورود الرهن الرسمي على عقار في طور التحفيظ، مقال منشور بمجلة المناهج القانونية العدد 11/12 سنة 2008 ص 105

[24] - نور الدين الأعرج، وذلك عندما قال بأنه " العقار المطلوب تحفيظه يمكن أثناء جريان مسطرة التحفيظ إيقاع رهن رسمي عليه، خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للعقارات غير المحفظة التي لا تقبل الرهن الرسمي..." مدى  إمكانية ورود رهن رسمي على عقار في طور التحفيظ، في مقاله المنشور في مجلة المناهج القانونية العدد 11/12 سنة 2008 ص 105

[25] - قرار محكمة النقض عدد 06/5121 منشور بنشرة قرارات المجلس الأعلى الغرفة التجارية الجزء الخامس ص 65 وما بعدها.

[26] - يوسف مختري م س ص 315

[27] - عبد السميع الحمدي، الإشكالات القانونية والعملية للرهن الوارد على العقار في طور التحفيظ ص 95

من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد السابع عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث