التقدير القانوني والقضائي للتعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وعن الاعتداء المادي على الملكية العقارية - أمال وردي




التقدير القانوني والقضائي للتعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وعن الاعتداء المادي على الملكية العقارية

Legal and judicial assessment of compensation for expropriation for the public benefit and for physical assault on real property

أمال وردي / طالبة باحثة بسلك الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة.

AMAL Wardi




مقدمة

نظم المشرع المغربي عملية نزع الملكية لأجل المنفعة العامة من خلال قانون رقم 7.81[1]، وذلك من أجل تنفيذ السياسة العمومية العقارية ومن تم تحقيق المنفعة العامة. وقد أحاط المشرع مسطرة نزع الملكية بضمانات إدارية وقضائية. وأفرد للإدارة نازعة الملكية مجموعة من المقتضيات القانونية التي يتوجب عليها احترامها في المرحلة الإدارية قبل الشروع في حيازة أو تملك عقارات الخواص. ولأجل ذلك منح للمتضررين من أعمال التعدي التي ترتكبها الإدارة والتي تكون على إثرها خارجة عن إطار المشروعية، الحق في المطالبة بجبر الأضرار اللاحقة بهم وإصلاح الخسائر الناجمة عن هذا الاعتداء.

كما وضع المشرع آليات تقدير قانونية وقضائية تؤطر طلب التعويض عن هذا الاعتداء، وحدد للقاضي الإداري طرق تقدير التعويض الملائم عن الاعتداء على الملكية العقارية. عبر سنه مجموعة من الأسس التي يعتمد عليها في تقدير هذا التعويض وذلك حتى يكون التعويض عادلا وموضوعيا. فتقدير التعويض يعتبر بمثابة الآلية التي من خلالها يتم جبر الضرر ولأجل ذلك ينبغي ألا يرتكز على مجرد التخمين.

وأهم إشكالية تطرح في هذا الإطار هو ما مدى عدالة التعويض المقرر للمتضرر من نزع الملكية؟ وما هي طرق تقدير التعويض القانونية والقضائية المقررة في هذا الإطار؟

إن معالجة هاته الإشكالية تقتضي منا دراسة التقدير القانوني والقضائي للتعويض وفقا لقانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة في (مطلب أول)، ومن تم دراسة التقدير القانوني والقضائي للتعويض عن الاعتداء المادي في (مطلب ثاني).

المطلب الأول: التقدير القانوني والقضائي للتعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة 

يعد التعويض عن نزع الملكية الخاصة لأجل المنفعة العامة من أهم الضمانات المقررة للمنزوع ملكيته في مواجهة سلطة الإدارة، فبمجرد توفر شروط استحقاق التعويض حسب ما هو منصوص عليه في قانون رقم 7.81، فرض المشرع المغربي أن يتم تقويم العقار المنزوع ملكيته من قبل لجنة إدارية تضم متخصصين في ميدان العقار.

كما منح المشرع للمتضررين من أعمال التعدي الذي ترتكبه الإدارة الحق في المطالبة بجبر الأضرار اللاحقة بهم وإصلاح الخسائر الناجمة عن هذا الاعتداء، ولأجل ذلك وضع المشرع آليات تقدير قانونية وقضائية تؤطر طلب التعويض.

الفقرة الأولى: التقدير القانوني للتعويض وفقا لقانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة

نص الفصل 20 من القانون رقم 7.81 في فقرته الأولى على أنه يجب ألا يشمل التعويض إلا الضرر الحالي والمحقق والناشئ مباشرة عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، ولا يمكن أن يمتد إلى الضرر الغــير المحــــقق أو المحتمــــل، أو الغير المباشر، كما يستوجب قانون نزع الملكية في الضرر الواجب التعويض أن يكون ماسا بإحدى الحقوق أو المراكز الموجـــودة بصفة قانونية، لذا لا يمكن للمنزوعة ملكيتهم المطالبة بالتعويض عن الضـــرر الذي لحقهم من جراء نزع ملكيتهم إلا إذا كانوا في وضعية يحميها القانون وعلى هذا الأساس يتم رفض منح التعويض كلما كان المتضرر في وضعية غير مشروعة.

وفي حالة ما إذا لم يودع نازع الملكية في ظروف ستة أشهر ابتداء من نشر "مقرر التخلي"، أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك التي ستنزع ملكيتها المقال الرامي إلى الحكم بنزع الملكية وتحديد التعويضات وكذا المقال الرامي إلى طلب الأمر بالحيازة، فإن القيمة التي يجب ألا يتجاوزها تعويض نزع الملكية هي قيمة العقار يوم آخر إيداع لأحد هذه المقالات بكتابة ضبط المحكمة الإدارية.

إن الأصل في التعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، لا يمنح إلا عن الضرر المباشر دون المستقبلي والمعنوي، فاستبعاد التعويض عن الضرر المعنوي راجع لأنه غير مجسد وغير قابل للإثبات ويعتمد على عوامل ذاتية مما يجعله قابلا للزيادة والنقصان، وبذلك يصعب على القاضي تقديره.

فقد نص المشرع إذن وبكيفية صريحة على أنه لا يمكن أن يعتد في هذا الإطار إلا بالأضرار المادية أي تلك الناتجة مباشرة عن عملية نزع الملكية، ولم يشر إطلاقا إلى الأضرار المعنوية بالرغم من إمكانية تحققها في الواقع العملي، لأن الأمر لا يتعلق بالتعويض عن فعل ضار وإنما بالتعويض عن نقل الملكية إلى السلطة العامة أو من يقوم مقامها تحقيقا للمنفعة العامة، بينما نجد القضاء الفرنسي قد انتهى بدوره إلى عدم التعويض عن الأضرار المعنوية في مجال نزع الملكية، وهكذا فقد رفض ذلك القضاء التعويض عن قطع علاقات أسرية، كما رفض التعويض عن الضرر الذي ادعى شخص أنه قد أصابه من جراء كونه ظل مستقرا بالعقار المنزوعة ملكيته لمدة خمسين سنة[2].

وحرصا من المشرع على التوصل إلى تعويضات عادلة، فقد ترك للقضاء مهمة تحديد التعويض النهائي عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة.

الفقرة الثانية: التقدير القضائي للتعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة

أسند المشرع المغربي للقضاء مهمة تحديد التعويض النهائي عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، باعتبار هذا التعويض من الضمانات التي جاء بها القانون المتعلق بنزع الملكية. فقد منح للأطراف عملية النزع حق اللجوء للقضاء بغرض المنازعة في تقدير التعويض، في حالة عدم قبول التعويض المقترح إداريا.

تعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل التي تهم على وجه الخصوص المنزوعة ملكيته، ذلك أن التعويض الذي تحدده المحكمة لفائدته يجب أن يكون بالنسبة إليه عادلا ومناسبا وغير متسم بالإجحاف، وبالتالي فإن دور القاضي الإداري في حماية الملكية العقارية يتجلى في مراعاة القواعد القانونية.

أعطى المشرع لطالب نزع الملكية الحق في أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة الأمر بنقل الحيازة إليه مقابل تعويض احتياطي، ومن البديهي جدا أن نازع الملكية وسواء أتمثل في السلطة العامة أو في جهة أخرى تقوم مقامها، لا يعفى أبدا من القيام بالإجراءات الإدارية والقضائية التي فرضها المشرع في هذا المجال[3].

وتشمل هذه المرحلة دعويين الأولى استعجالية تتصرف إلى الإذن لنازع الملكية في حيازة العقار أو الحقوق العينية العقارية مقابل تعويض مؤقت، وذلك حسب الفقرة الثانية من الفصل 18 من القانون رقم 81-7 والتي جاء فيها "ويودع نازع الملكية كذلك لدى المحكمة المذكورة التي تبت في الأمر هذه المرة في شكل محكمة للمستعجلات طلبا لأجل الحكم بحيازة العقار مقابل إيداع أو دفع مبلغ التعويض المقترح...".

ودعوى موضوعية، غايتها الحكم بنقل الملكية مقابل التعويض النهائي، وذلك حسب مقتضيات الفصل من نفس القانون، والذي جاء فيه: "يودع نازع الملكية لدى المحكمة الابتدائية الواقع العقار في دائرة نفوذها طلبا يرمي إلى الحكم بنقل الملكية وتحديد التعويضات، وذلك بمجرد استيفاء الإجراءات بمقرر التخلي والمنصوص عليها في الفصول 8 و9 و10 و12 أو بمجرد تبليغ المقرر المذكور في الحالة المنصوص عليها في الفصل 14...".

وبعد تأكد المحكمة من سلامة جميع الإجراءات الإدارية المتبعة لنزع الملكية لا يبقى أمامها سوى تحديد مبلغ التعويض، فرفع دعوى موضوعية تتعلق بنقل الملكية مقابل تعويض، يجب أن يتم قبل انصرام سنتين من نشر مقرر التخلي أو تبليغه وإلا وجب التصريح برفض الطلب المتعلق بدعوى نقل الملكية، إعمالا لمقتضيات الفصل 17 من قانون نزع الملكية والذي نص على أنه: "يحدد الأجل الذي يمكن أن تبقى خلاله الأملاك المعينة في مقرر التخلي خاضعة لنزع الملكية في سنتين ابتداء من تاريخ نشر هذا المقرر في الجريدة الرسمية، أو عند الاقتضاء من تاريخ تبليغه. إذا لم يوقع نازع الملكية خلال هذا الأجل المقال المنصوص عليه في المقطع الأول من الفصل 18، فإنه لا يمكن الحكم بنزع الملكية إلا بموجب إعلان جديد للمنفعة العامة".

إن التلازم بين القواعد القانونية المؤطرة للتعويض عن نزع الملكية والمبادئ التي كرسها القضاء حماية للمالك في تحديد التعويض النهائي عن نزع الملكية، قد أوردها قرار[4] صادر عن المجلس الأعلى جاء فيه ما يلي: "حيث يحدد التعويض النهائي عن نزع الملكية طبقا لقواعد قانونية معينة أوردها الفصل 20 من القانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت، كما أن هناك عناصر دقيقة ومعطيات واضحة تتعلق بالأرض المنزوعة ملكيتها لا بد أن تتوفر للمحكمة حتى يمكنها الاعتماد عليها في تحديد التعويض المذكور بكيفية عادلة ومنصفة وملائمة". إضافة إلى أن التطبيق القضائي للمقتضيات القانونية الواردة في القانون 7.81، طرح العديد من الإشكالات، لعل أهمها:

خصوصيات طلبات الإذن بالحيازة ومدى توافقها وصلاحيات القضاء الاستعجالي، والإشكالات التي يطرحها المقرر في الفصل 18 من قانون نزع الملكية والمادة 32 من قانون المسطرة المدنية.

الحق في التنازل وفق المادة 119 وما بعدها من قانون المسطرة المدنية والحق في سحب الدعوى المقرر في القانون 7.81، والتراجع عن نزع الملكية وضرورة احترام مبدأ توازي الشكليات.

الحالة التي لم يقم فيها نازع الملكية بدفع التعويضات أو إيداعها داخل أجل شهر ابتداء من تاريخ تبليغ الحكم أو نشره سواء المتعلق بنقل الملكية أو الإذن بالحيازة، فإن القانون رتب فائدة قانونية لفائدة المنزوعة ملكيتهم المحكوم لفائدتهم بالتعويض، هذه الفائدة تحتسب ابتداء من انتهاء أجل الشهر المشار إليه آنفا، وقد صدر أمر استعجالي[5] عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط جاء فيه: "يجب أن يدفع التعويض الاحتياطي أو يودع خلال شهر ابتداء من يوم تسلم هذا الأمر وبمجرد انتهاء هذا الأجل تحسب فوائد حسب السعر المعمول في المعاملات المدنية لفائدة المدعى عليهم المنزوعة ملكيتهم...".

فبخصوص الإشكالات التي تطرحها طلبات الإذن بالحيازة، نجد أن المادة 19 من القانون رقم 7.81 قد أسندت لقاضي المستعجلات وحده الإذن للإدارة نازعة الملكية في حيازة عقار أو حقوق عينية عقارية مقابل دفع تعويض احتياطي يعادل مبلغ التعويض المقترح من طرف نازع الملكية عن طريق إصدار أمر بذلك.

أما فيما يخص مسألة الحق في التنازل، والحق في سحب الدعوى المقرر في قانون نزع الملكية، نجد المادة 119 من قانون المسطرة المدنية، أنه يمكن التنازل عن الدعوى المقامة بصفة أصلية أو عارضة عن الطلب المرفوع إلى القاضي في موضوع الحق، أما المادة 42 من قانون رقم 7.81 فتنص على أنه: "إذا اتفق نازع الملكية والمنزوعة ملكيته على الثمن الذي حددته اللجنة بعد نشر مقرر التخلي وعلى كيفيات تفويت العقار أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها فإن هذا الاتفاق الذي يجب أن يبرم طبقا لمقرر التخلي ويدرج في محضر أمام السلطة الإدارية المحلية التابع لها العقار إذا كان المنزوع ملكيته يقيم في المكان المذكور، أما إذا كان المنزوع ملكيته غير مقيم بذلك المكان فإن هذا الاتفاق يبرم وفق مقتضيات القانون الخاص.

بالنسبة لقضايا نزع الملكية فقد حدد المشرع الحالة التي يترتب عنها إنهاء الخصومة بين نازع الملكية والمنزوعة ملكيته عن طريق الاتفاق بالمراضاة، وطبقا لمقرر التخلي وينتج عنه سحب الدعوى من قاضي المستعجلات، وبخصوص أجل تقديم دعوى نقل الملكية فإن المشرع حدد الجزاء على التراخي فيه مؤكدا أنه إذا لم يودع نازع الملكية في ظرف أجل الستة أشهر ابتداءا من نشر مقرر التخلي أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للعقارات التي ستنزع ملكيتها المقال الرامي إلى الحكم بنزع الملكية وتحديد التعويض وكذا المقال الرامي إلى الإذن بالحيازة فإن القيمة التي يجب اعتبارها للحكم بالتعويض لا يجب أن تتجاوز قيمة العقار يوم آخر إيداع لأحد هذه المقالات بكتابة الضبط لدى المحكمة الإدارية.

أما في الحالة التي تمتنع فيها الإدارة نازعة الملكية عن دفع التعويضات المحكوم بها لفائدة المنزوعة ملكيتهم، وأمام فراغ تشريعي في هذا الصدد وحتى لا تبقى أحكام المحاكم الإدارية مجردة من فعاليتها، فقد سعت هذه المحاكم إلى البحث عن السبل والوسائل من أجل إجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها.

المطلب الثاني: التقدير القانوني والقضائي للتعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية

يقتضي مبدأ المشروعية ضرورة خضوع الجميع لأحكام القانون، فالإدارة رغم ما تتوفر عليه من سلطات وامتيازات ملزمة باحترام القانون، لكن تصرفاتها لا تكون دائما سليمة وقانونية، فقد تلجأ بذريعة الاستعجال وتعقد مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة المنصوص على مقتضياتها في القانون رقم 7.81 إلى الاعتداء على أملاك الأفراد دون سند قانوني، هذا الاعتداء هو مساس بحق الملكية العقارية.

عنصر المشروعية هو الذي يميز نزع الملكية على الاعتداء المادي، فإذا كانت مسطرة نزع الملكية تحترم الإجراءات الإدارية والإشهارية والقضائية بشكل يضفي على هاته الإجراءات مشروعية مستمدة من القانون، بينما الاعتداء المادي هو إقدام الإدارة على احتلال ملك الغير دون سلوك أية إجراءات قانونية مما يدفع المتضرر إلى اللجوء إلى القضاء قصد إيقاف إجراءات الاعتداء وكذا الحصول على تعويض.

الفقرة الأولى: التقدير القانوني للتعويض عن حالة الاعتداء المادي على الملكية العقارية

إن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة هو إجراء يهدف إلى نزع ملكية العقارات أو الحقوق العينية العقارية، ولا يجوز الحكم به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة، بينما الاعتداء المادي على الملكية العقارية يتحقق لانعدام الأساس القانوني وذلك بتعمد الإدارة إتيان عمل لا يرتبط بتطبيق نص تشريعي أو تنظيمي من شأنه أن يمس بحق من الحقوق الأساسية وهو حق الملكية.

تعرض أمام القضاء حالات لدعاوى التعويض عن الاعتداء المادي، فتدفع الإدارة بأن الأمر يتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة أو العكس، فقد تتقدم الإدارة نازعة الملكية بدعوى نقل الملكية وتقابل بدعوى التعويض عن الاعتداء المادي. وقد ذهب بعض الفقه إلى القول بوجوب ضم الدعويين معا لبعضهما البعض تفاديا لصدور حكمين مختلفين في موضوع التعويض.

نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وكما جاء في الفصل الأول من القانون رقم 7.81 هو إجراء ينصب على ملكية العقارات أو ملكية الحقوق العينية، ولا يجوز الحكم به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة، ولا يمكن إجراؤه إلا وفق الكيفيات المحددة في القانون مع مراعاة الاستثناءات المدخلة عليه كلا أو بعضا بموجب تشريعات خاصة، ومن ثمة فإن هذه المسطرة تعد استثناء من حق الملكية المقدس دستوريا. في مقابل ذلك فإن الاعتداء المادي مرتبط بعدم الشرعية في إتيان العمل، وقد لعب القضاء الفرنسي[6] دورا أساسيا في تطور نظرية الاعتداء المادي، واضعا بذلك أسسا وضوابط لحماية الأفراد من تسلط الإدارة ومكرسا الحماية الدستورية لحق الملكية باعتباره أسس الحقوق، فقد جاء في حكم لمحكمة التنازع الفرنسي أنه: "لا وجود لاعتداء مادي استثناءا من مبدأ فصل السلطات الإدارية عن السلطات القضائية، ويبرر اختصاص القضاء العادي إلا في حالة قيام الإدارة بتنفيذ جبري في ظل شروط غير قانونية لقرار ولو كان قانونيا تلحق من خلاله الإدارة مساس جسيما بحق الملكية أو بحرية من الحريات الفردية الأساسية، أو اتخاذ قرار لا يمكن أن يتم ربطه بأية سلطة إدارية"[7].

وفي حكم آخر قضت نفس المحكمة قضت فيه بما يلي:

"حيث لا يكون هناك اعتداء مادي من طرف الإدارة يبرر استثناءا مبدأ الفصل بين السلطات الإدارية والقضائية، اختصاص القضاء العادي بالأمر بالوقف أو التعويض إلا في حالة قيام الإدارة بتنفيذ جبري في ظل ظروف غير قانونية لقرار ولو كان قانونيا يمس إما بحرية من الحريات الأساسية أو يؤدي إلى الحرمان من حق الملكية، أو أن تتخذ الإدارة قرار يؤدي للمس بالحريات الأساسية أو الحرمان من حق الملكية والذي لا يمكن ربطه بأية سلطة إدارية"[8].

أصبح القضاء الفرنسي من خلال هذا الحكم يشترط وجود الحرمان النهائي إلى جانب المساس بالملكية العقارية لتحديد حالات الاعتداء المادي.

أما القضاء المغربي فقد حدد مفهوم الاعتداء المادي لأول مرة في قرار صادر سنة 1958، معرفا إياه بكونه "عمل مادي تتخذه الإدارة لا صلة له بأية صفة من الصفات بالسلطات التي تستعملها الإدارة والتي خولت لها بمقتضى القوانين المعمول بها"[9].

وهو نفس تعريف القضاء الاستعجالي، حيث جاء في أمر استعجالي لإدارية الدار البيضاء: "الاعتداء المادي الذي يختص قاضي الأمور المستعجلة الإداري في الأمر برفعه هو الاعتداء المادي الذي لا يستند إلى أي نص قانوني أو قاعدة قانونية"[10] فالقضاء المغربي يعرف الاعتداء المادي على الملكية العقارية كونه كل عمل مادي إداري أو تنفيذ لقرار إداري يتصف بعدم مشروعية جسيم ولا يستند إلى أي نص تشريعي أو تنظيمي.

إن أهم ما يميز دعوى الاعتداء المادي عن نزع الملكية، ما يلي:

من حيث مشروعية الإجراء: ترتكز عملية نزع الملكية على موجبات شرعية للحصول على العقار، بينما الاعتداء المادي يفقد لمبدأ المشروعية.

مسطرة نزع الملكية تمر عبر مرحلتين مهمتين: دعوى الحيازة وتحديد تعويض مؤقت، ثم دعوى نقل الملكية مع تحديد التعويض النهائي، بينما الاعتداء المادي يطلب فيه التعويض فقط ما لم تبادر الإدارة إلى طلب نقل الملكية أمام القضاء، ويكون رافع الدعوى أمام القضاء في مجال نزع الملكية لأجل المنفعة العامة هو الإدارة المعنية، بينما في دعوى الاعتداء المادي فالمتضرر هو الذي يبادر إلى رفع الدعوى، وطلب التعويض لا يخضع للمعايير الزمانية التي يخضع لها التعويض عن نقل الملكية، بل يخضع لضوابط المسؤولية ومبادئ تقدير التعويض عن الضرر.



[1] - القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.81.254 بتاريخ 6 ماي 1982، الجريدة الرسمية عدد 3685، بتاريخ 15 يونيو، ص 980.

[2] - Cour d’appel de paris, 24 novembre 1977, A. J. P. I , 1978.

[3] - محمد الكشبور، نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، الأسس القانونية والجوانب الإدارية والقضائية، الطبعة الأولى سنة 1989م، ص 118.

[4] - قرار المجلس الأعلى عدد 288 بتاريخ 05/10/2005، ملف رقم 1164-4-3-2005 بتاريخ 2005/03/04.

[5] - أمر استعجالي عدد 21 بتاريخ 06/02/1995 صادر عن قاضي المستعجلات الإداري بالمحكمة الإدارية بالرباط، أورده مصطفى التراب، القضاء الإداري وحماية الملكية العقارية، م. س، ص 62.

[6] - عرف القضاء الفرنسي نظرية الاعتداء المادي أول مرة في القرار الشهير لمحكمة التنازع سنة 1935، إذا اعتمد في تعريفه للاعتداء المادي على أن "الإدارة وعندما لا يباشر مهمة لأجل المنفعة العامة يجب أن تحرم من جميع امتيازاتها وأن تعامل كشخص خاص".

[7] - Arrêt 30/10/1947 publié sur magazine de ministère des affaires étrangère N3227, p 775.

[8] - Tribune de conflit, 17 juin 2013, berg Gend N3911.

[9] - قرار للمجلس الأعلى سنة 1958، منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 86، ص 190.

[10] - أمر استعجالي رقم 406 ملف عدد 406/2012 بتاريخ 04/12/2012 (غير منشور). 



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد الرابع عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث