السياسة الجنائية في مواجهة جرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات - شرف ياسين

 


السياسة الجنائية في مواجهة جرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات

Criminal policy in the face of crimes Breaches to Automated data processing systems

شرف ياسين / باحث بسلك الماستر تخصص العدالة الجنائية والعلوم الجنائية بفاس.

Chraf yassine




 

ملخص الموضوع

يتناول هذا الموضوع السياسة الجنائية المتبعة من طرف المشرع الجنائي المغربي في مواجهة الجرائم الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، من خلال الوقوف على أوجه النقص والقصور التي تعتري السياسة الجنائية المتبعة، سواء في الشق المتعلق بالوقاية من الجريمة الالكترونية، وكذا الشق الذي يهم التجريم؛ أي الجرائم التي تطال الأنظمة المعلوماتية والتي تبقى بمنأى عن دائرة التجريم نتيجة التطور المتسارع لتكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى الشق المتعلق بالعقاب؛ من خلال التعريج على المقاربة الزجرية للموضوع في ضل أزمة العقوبة السالبة للحرية خصوصا القصيرة المدة. نهيك عن القصور الواضح على المستوى الإجرائي المسطري؛ نتيجة اتباع نفس الإجراءات والمساطر التقليدية في البحث والتحقيق بصدد الجرائم الالكترونية، ومن بينها جرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، باعتبارها جرائم ترتكب في بيئة افتراضية، لا مادية، نهيك عن غياب تخصص أجهزة العدالة الجنائية المكلفة بإنفاذ القانون.

 

Summary

 

This topic deals with the criminal policy of Morocco's criminal legislation in the face of crimes breaches automated data-processing systems, by identifying shortcomings and shortcomings in the criminal policy, both in the section on the prevention of cybercrime and in the section on criminalization. Any offences against information systems that remain unaccounted for as a result of the accelerated development of information technology, as well as the punishment segment; By explaining the topic's restrictive approach to the crisis of deprivation of liberty, especially short-term. Let us be aware of the apparent shortcomings at the procedural level; As a result of following the same traditional procedures and procedures for searching and investigating cybercrime, including offences against automated data processing systems, as crimes committed in a hypothetical, rather than physical, environment, we are concerned about the lack of specialization of the criminal justice agencies in charge of law enforcement.

 

المقدمة

إن الجريمة ظاهرة اجتماعية موجودة في كل المجتمعات بغـض النظـر عـن درجة تطورها[1]، فالعالم اليوم يشهد تطور هائلا في وسائل الاتصالات وتقنية المعلومات، حتى أصبح يطلق على هذا العصر  -عصر الثورة المعلوماتية- وذلك لأن التغييرات السريعة والمتلاحقة المترتبة على التقدم العلمي والتقني شملت معظم جوانب الحياة، وكانت أشبه ما تكون بالثورة في حياة البشرية وأسلوب حياة الناس[2].

إن نظام المعالجة الآلية للمعطيات تعبير فني تقني يصعب عل الباحث القانوني إدراك حقيقته بسهولة فضلا عن أنه تعبير متطور يخضع للتطورات السريعة المتلاحقة في مجال فن الحسابات الآلية و لذلك فالمشرع المغربي على غرار التشريع الفرنسي لم يعرف نظام المعالجة الآلية للمعطيات فأوكل بذلك مهمة تعريفه لكل من الفقه والقضاء، فإذا كان البحث في مسألة قدرة القواعد سواء الإجرائية أو الموضوعية يعرف قصور على مستوى النص القانوني على مواكبة تطورات الجريمة الإلكترونية المنصبة على المعطيات ذات الطابع الشخصي، فإن هذه الصعوبة تطال تعريف الجريمة الإلكترونية كذلك، في هذا السياق عرف جانب من الفقه الجريمة الإلكترونية باعتبارها مظهرا جديدا من مظاهر السلوك الإجرامي لا يمكن تصورها إلى من خلال ثلاث مظاهر، إما أن تتجسد في شكل جريمة تقليدية يتم اقترافها بوسائل إلكترونية أو معلوماتية، أو في شكل استهداف للوسائل المعلوماتية ذاتها وعلى رأسها قاعدة المعطيات والبيانات أو البرامج المعلوماتية، أو أن يتم اقتراف الجرائم العادية في بيئة إلكترونية كما هو الأمر بالنسبة لجرائم الصحافة[3].

في حين هناك من الباحثين من عرف الجريمة الإلكترونية كونها تمثل ذلك الفعل الضار الذي يأتيه الفاعل بواسطة استخدام الأنترنيت والحاسب الآلي. ويمكن تعريفها كذلك بكونها -الجريمة الإلكترونية- كل فعل مجرم بمقتضى القانون يتخذ الحاسب الآلي كوسيلة لتنفيذ إجرامه، فهي إذن جريمة توظف التقنيات الرقمية وبيانات الحاسب الآلي والبرامج المعلوماتية لتنفيذ الجريمة[4].

فيما عرفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD الجريمة الإلكترونية، باعتبارها كل فعل أو امتناع من شأنه الاعتداء على الأموال المادية والمعنوية يكون ناتج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن تدخل التقنيات المعلوماتية.[5]

 ومن جهة أخرى نجد أن الفقه الفرنسي عرف نظام المعالجة الالية للمعطيات بأنه كل مركب يتكون من وحدة أو مجموعة وحدات معالجة والتي تتكون كل منها من الذاكرة والبرامج والمعطيات وأجهزة الربط والتي يربط بينها مجموعة من العلاقات التي عن طريقها تحقق نتيجة معينة وهي معالجة المعطيات على أن يكون هذا المركب خاضع لنظام الحماية الفنية[6].

فمن خلال التعاريف السابقة يتضح أن هناك صعوبة في تحديد تعريف دقيق للجريمة الالكترونية، فهناك من الباحثين من يقرن الجريمة الالكترونية بالآليات التقنية المعلوماتية المستعملة في تنفيذها، في حين هناك من الباحثين من يربط هذا النوع من الجرائم بالمعرفة التقنية أو الفنية في استخدام الحاسب الآلي.

من خلال ما سبق يمكن القول أن الجريمة الالكترونية  كما عرفها خبراء المنظمة الأوربية للتعاقد والتنمية الاقتصادية OCDE المنعقد في ماي 1983 بأنها ذلك الفعل أو الامتناع الواقع على الأموال المادية والمعنوية يكون للتقنية المعلوماتية فيها دور مباشر أو غير مباشر.[7]

 في ظل هذا التطور التكنولوجي، وأمام تزايد خطر الجريمة الالكترونية عمد المشرع المغربي من أجل سد الفراغ التشريعي في هذا المجال (المجال المعلوماتي) إلى سن قواعد قانونية لأجل مكافحة الجريمة المعلوماتية ضمن الباب العاشر من الجزء الأول من الكتاب الثالث من القانون الجنائي المغربي تحت عنوان[8]: المس بنظم المعالجة الالية للمعطيات الصدر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-03-197 بتاريخ16 رمضان  142الموافق ل 11نونبر20.

 فلاشك أن للموضوع أهمية بالغة تتجلى فــي كــون هــذا النــوع مــن الجــرائم -الجرائم الالكترونية- تشكل خطــرا علــى مختلــف المعاملات الإلكترونية التي یقوم بها الفرد و المجتمع و الدولـة علـى حـد سـواء، فآثارهـا لـم تتوقـف علـى المسـتوى الـداخلي فقـط، بـل امتـدت لتشـمل المسـتوى الـدولي، و هـو مـا دفـع بمختلـف الـدول إلـى اللجـوء لإبــرام اتفاقات دولية لمواجهــة خطر الجريمة المعلوماتية.

 و نظـرا لصـفة المرونـة و التطـور اللذين تتميز بهمـا هاتـه الجـرائم، والتي ترتبط ارتباطـا وثيقا بـالتطور التكنولـوجي، فـإن مسـاعي التشريعات علـى المسـتوى الـداخلي و الـوطني، الهادفـة لوضـع حمایـة قانونية للحد من تلك الاعتداءات، لم تتوقف في سن نصـوص قانونية فقـط، بـل قامـت بتأسيس جهـات تخـتص بمحاربة هذا النوع من الجرائم [9]نذكر في هذا الصدد الخلية المغربية لمكافحة الجريمة المعلوماتية التي يرتبط عملها بجهاز الشرطة القضائية، حيث جاء على لسان رئيس هذه الخلية أن الجريمة المعلوماتية هي كل فعل يجرمه القانون ويقترن بوسيلة إلكترونية حديثة وأضاف أن الجريمة الإلكترونية يتم تقسيمها إلى قسمين، القسم الأول يتمثل في ارتكاب جريمة باستعمال التقنيات الحديثة تستعمل بصفة مباشرة، أما القسم الثاني فيتمحور حول الحالة التي تكون فيها التقنيات الحديثة وسائل تسهل ارتكاب الجرائم الكلاسيكية التقليدية[10].

 أن هذا الموضوع  يحاول الإجابة على إشكالية كبرى تتمحور حول ملامح السياسة الجنائية الموضوعية سواء المرتبطة بشق التجريم أو بشق العقاب في مواجهة جرائم نظم المعالجة الالية للمعطيات ؟ وإلى أي حد وفق المشرع المغربي في تكريس سياسة جنائية فعالة في مجال مكافحة هذا النوع من الجرائم المستحدثة إجرائيا ؟.

 للإجابة عن هذه ال، للإجابة عن هذه الإشكالات ارتأيت التطرق لتوجهات السياسة الجنائية المغربية في مواجهة جرائم نظم المعالجة الالية للمعطيات من الناحية الموضوعية وذلك من  خلال التطرق لكل من سياسة التجريم وسياسة العقاب وسياسة الوقاية أو المنع (المطلب الأول) على أن أنتقل بعد ذلك لإسدال الستار عن هذا النوع من الجرائم من الناحية الإجرائية المسطرية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مواجهة السياسة الجنائية لجرائم المس بنظم المعالجة الالية للمعطيات من الناحية الموضوعية

مما هو معلوم أن السياسة الجنائية ترتكز على مجموعة من المقومات والتي سأحاول في هذا المطلب أن أسقطها على جرائم نظم المعالجة الالية للمعطيات، الشيء الذي يقتضي نوع من التمعن لهذه النصوص المكونة للباب العاشر من القانون الجنائي المغربي (الفصول من 3-607 إلى 11-607) وذلك بالتطرق لكل من سياسة التجريم (الفقرة الأولى) وسياسة العقاب (الفقرة الثانية) إضافتا إلى سياسة الوقاية أو المنع (فقرة ثالثة).

الفقرة الأولى: سياسة التجريم

معلوم أن السياسة التجريمية تمثل أقصى مراتب الحماية للحقوق المعترف بها للأفراد دستوريا من خلال نصوص زجرية تطبق على الفاعل عندما يمس بإحدى هذه الحقوق أو يمتنع على إتيانها في الحالة التي يكون فيها امتناعه مجرم، ولا شك في أن المشرع الدستوري أقر بالحق في حماية الحياة الخاصة[11]، وبقراءة متمعنة للفصول 3-607 إلى 11-607 يتضح أن المشرع جرم مجموعة من الأفعال التي تمس نظم المعالجة الالية للمعطيات وهي كالتالي:

1-الدخول الاحتيالي إلى مجموع أو بعض نظام للمعالجة الآلٌية للمعطيات و البقاء بعد الدخول عن طريق الخطأ؛

-3حذف أو تغيير المعطيات المدرجة في نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو التسبب في اضطراب في سيره؛

-4العرقلة العمدية لسير نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو إحداث خلل فيه؛

-5إدخال معطيات في نظام للمعالجة الآلية للمعطيات أو إتلافها أو حذفها منه أو تغيير المعطيات المدرجة فيه أو تغيير طريقة معالجتها أو طريقة إرسالها بشكل احتيالي؛

-6التزوير أو التزييف لوثائق المعلومات أٌيا كان شكلها إذا كان من شأن التزوير أو التزييف إلحاق ضرر بالغير؛

-7استعمال وثائق معلومات مزورة أو مزيفة

-8صنع تجهيزات أو أدوات أو إعداد برامج للمعلومات أو أٌي معطيات أعدت أو اعتمدت خصٌصا لأجل
ارتكاب هذه الجرائم أو تملكها أو حيازتها أو التخلي عنها للغير أو عرضها رهن إشارة الغير؛

-9محاولة ارتكاب الجرائم المذكورة؛

-10المشاركة في عصابة أو اتفاق لأجل الإعداد لواحدة أو أكثر من هذه الجرائم.

يتضح إذن أن المشرع المغربي وسع من نطاق التجريم من خلال العبارات الفضفاضة المستعملة دون تدقيق الشيء الذي أفرز قصور واضح في علاقة بالتعاطي مع الظاهرة الإجرامية، في هذا السياق عاب جانب من الفقه المغربي على صياغة الفصل 3-607 لاشتراطه عنصر الاحتيال في الصورة الأولى دون الثانية والحال أن الغاية من الصورتين تبقى واحدة وهي اقتحام النظام دون سند قانوني بل بقدر ما يظهر على فعل الدخول صفة الفورية بقدر ما يتسم فعل البقاء بصفة الاستمرار وبالتالي لا نرى سندا منطقيا سليما في تمييز المشرع بين الصورتين ونعتقد أنه كان من الأجدى دمج الصورتين في فقرة واحدة لاتحاد الغاية والنتيجة منهما معا[12] خصوصا مع ظهور أشكال جديدة من الجرائم الإلكترونية والتي يبقى النص التشريعي قاصر على احتوائها، فمجال المس بنظم المعالجة الالية للمعطيات مجال يتطور يوم بعد يوم بحيث لا يمكن إن لم نقل يستحيل التكهن بالأفعال الجرمية التي يمكن أن تقع وجعلها على سبيل الحصر فضلا عن القضايا التي وقعت فيما مضى والتي عرضت على القضاء المغربي ليجد نفسه مجبر على التصريح بالبراءة عوض الإدانة وهذا ما سنتطرق إليه في الشق المتعلق بالعقاب.

ينتج عن ذلك أن المحتال كونه يتصرف مثلما يتصرف الشخص الذي له حق الدخول أو البقاء في النظام، ذلك أن النظام المباح استعماله للعموم سواء في إطار تجاري أو بشروط مماثلة (كمثال الوثائق والبرامج المعلوماتية المباح الولوج إليها) فلا يمكن تصور الدخول الاحتيالي لكن يمكن تصور البقاء الاحتيالي؛ أي بشكل غير قانوني[13].

في نفس السياق رفضت محكمة النقض الفرنسية الطعن المقدم ضد قرار محطمة الاستئناف معتبرة أن ولوج النظام المعلوماتي من طرف من له حق الولوج وقيامه بحذف البيانات من دون إخفائها عن المستخدمين الآخرين لا تنطبق عليه المواد 323-1 إلى 323-3 من القانون الجنائي المنظمة للمساس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات.[14]

فإذا كان المشرع المغربي قد جرم الدخول بغير حق (الولوج الغير المشروع)، فإن على العكس من ذلك نجد تشريعات أخرى كالتشريع الأمريكي عمدت إلى تجريم مجرد الوصول للنظام دون إذن أو تجاوز مستوى التفويض، في حين هناك تقنينات أخرى ليس لها تشريع يجرم الوصول الغير القانوني للنظام كالتشريع البرازيلي.[15]  

ولتوضيح هذه الحيثية القانونية الهامة، نجد أن مجموعة من التشريعات الأجنبية المقارنة جرمت فعل الدخول من دون تصريح أو من دون وجه حق، وسعيا منها إلى تجاوز إشكالية الطبيعة المادية لمصطلح "الدخول" Entry عمدت إلى استعمال مصطلح مجرد الولوج للنضام المعلوماتي Access سيرا على نهج اتفاقية بودابست لسنة 2001 الخاصة بالجرائم المعلوماتية ضمن المادة 02 منها، ومن التشريعات التي حدت حذو اتفاقية بودابست في استعمال مصطلح مجرد الولوج نذكر القانون الفدرالي الأمريكي بشأن جرائم الحاسوب لسنة 1984، والقانون الفرنسي كذلك، فيما المشرع المغربي لا يزال يعاني من هذه الإشكالية القانونية التي تهم الطبيعة المادية لمصطلح "الدخول Entry[16].

وفي حكم حديث صادر عن المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء قضت فيه بمؤاخذة المتهمة من أجل جنحتي الدخول إلى نظام للمعالجة الألية للمعطيات عن طريق الاحتيال وإحداث تغيير به طبقا للمادة 3-607(ويتعلق الأمر بحساب الضحية المفتوح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بحيث نتيجة اختراق حساب الضحية من قبل زوجته وتغيير القن السري بحيث أصبح الضحية غير قادر على الدخول لحسابه خلال فترة كرونا )  وحكمت عليها في الدعوى العمومية بشهر واحد حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافذة قدرها 3000 درهم مع تحميلها السائر وإجبارها في الحد الأدنى، وفي الدعوى المدنية تم الحكم عليها بأداء 10000 درهم لفائدة المطالب بالحق المدني.[17]

وحيث إن الهدف من تجريم فعل الدخول والبقاء غير المشروع في النظام هو منع اقتحام النظام الآلي للمعالجة لآلية للمعطيات، كان حري بالمقنن المغربي استعمال عبارة "الاتصال بالنظام الآلي" بدل عبارة "الدخول" لأن الاتصال كما هو معلوم لا يثير الإشكال الذي يثيره الدخول في النظام الآلي، لأن فعل الدخول للنظام له مدلول مادي عكس الاتصال بالنظام الذي يعطي حماية أوسع التي يقصدها المشرع المغربي من خلال نص الفصل 3-607[18].

من هنا يتضح أن المقنن المغربي اعتبر هذه الجريمة -الدخول الغير المشروع لنظام معلوماتي أو في جزء منه والبقاء فيه- جريمة شكلية[19]، بحيث لا يتوقف قيام الجريمة على وجود نتيجة إجرامية، وإنما فقط فعل الدخول المجرم بموجب القانون الجنائي، فهي بذلك تدخل ضمن زمرة جرائم الخطر بمعنى أن أساس تجريمها هو ما تشكله من خطر الاعتداء على حق الأفراد في التعايش الاجتماعي[20]

كما تطرق المقنن المغربي لجريمة عرقلة سير النظام أو إحداث خلل فيه ضمن الفصل 5-[21]607 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، والتي يتم اقترافها من خلال صور متعددة نذكر منها على سبيل المثال:

*       إرسال الفيروسات المدمرة للمعطيات داخل النظام؛

*       تعطيل أجهزة الحاسوب أو شبكة الأنترنيت أو إعاقة الوصول إليها؛

*       إحداث خلل في نظام المعالجة الآلية للمعطيات ( بطؤ عمل النظام المعلوماتي، توقف المعالجة الآلية للمعطيات..).[22]

إن إحداث عرقلة في سير النظام يفترض القيام بعمل إيجابي، وبإمعان النظر في التقننين المغربي يتضح أنه لم يشترط أن تتم العرقلة بوسيلة معينة، فقد تكون الوسيلة مادية (أي الأجهزة المادية للنظام سواء اقترنت بعنف أو بدونه) كما يمكن أن تكون الوسيلة معنوية[23] عندما تقع على الكيانات المنطقية للنظام (مثل البرامج و المعطيات) كما يتمثل أيضا في إحداث خلل في النظام عن طريق الإفساد أو كل فعل يجعل نظام المعالجة الآلية غير صالح للاستعمال أو إحداث خلل في نظام المعالجة الآلية للمعطيات يتم بعدة وسائل خاصة منها البرامج الخبيثة ذات اثر تدميري و التي تصيب النظام بشلل[24]

فلا شك أن عدم تحديد المقنن المغربي طبيعة الوسيلة التي ترتكب بواسطها جريمة عرقلة سير النظام أو إحداث خلل فيه، سيمنح القاضي سلطة تقديرية غير محصورة لاعتبار أي سلوك يدخل ضمن السلوكات التي تحدث العرقلة أو تلك التي تحدث إخلال بالنظام[25]، وهو ما يشكل حتما إخلال بمبدأ الشرعية الجنائية[26]، الذي يمتنع بمقتضاه القاضي الجنائي –عكس القاضي المدني- من إدانة متهم من أجل جريمة ولا إيقاع عقوبة ما لم يوجد نص تشريعي صريح يقضي بذلك[27].

 من خلال ما سبق يمكن الجزم بأن القانون الجنائي المغربي أصبح محل إعادة نظر سواء فيما يتعلق بالأولوية أو التجريم أو الهندسة التي صيغ بها القانون الجنائي كأداة لتنفيذ الساسة الجنائية، فنحن اليوم ورثنا قانون جنائي قديم الذي أصبح في كثير من مقتضياته لا يساير التحول والتطور الذي آل إليه المجتمع المغربي بصفة خاصة بالرغم من الترقيعات التي طالته فيما يتعلق بالتجريم، ذلك أن المشرع المغربي لا ينبغي أن يبقى في منأى عن التطور الذي يشهده المجتمع والتفكير في حلول أنجع للحد أو على الأقل التقليل من الظاهرة الإجرامية المرتكبة بالوسائل الحديثة، حيث أصبحنا نشهد تنامي مضطرد لجرائم المس بنظم المعالجة الالية للمعطيات الخاصة بصفة خاصة والجرائم الإلكترونية بصفة عامة الشيء الذي يظهر فشل السياسة الزجرية في التقليل من هذه الجرائم من جهة، وعدم مسايرة الإجراءات التقليدية لهذا النوع من الجرائم الافتراضية.

وبالتالي فإن لم نكن نتحدث عن الجرائم المعلوماتية منذ زمن بعيد فالحال أن اليوم أصبحنا نرى تنامي لهذا النوع من الجرائم سواء تعلق الأمر بالوسائل التي يتم توظيفها لارتكاب الفعل، أو صعوبة اكتشاف الدليل بالاعتماد على إجراءات تقليدية، وكذا زمكان ارتكاب الجريمة، وغيرها من التحديات التي أصبحت تحتم على المشرع المغربي إيلاء هذا النوع من الجرائم أولوية واهتمام كبيرين من جميع المستويات المادية والبشرية واللوجيستيكية.



[1] علج أبو بكر، مذكرة مكملة من مقتضيات نيل شهادة ماستر في الحقوق " آلٌيات السياسة الجنائية الجنائية في مكافحة العود الإجرامي"، جامعة عبد الحميد بن باديس- مستغانم، كلية الحقوق وعلوم السياسة، تخصص: علم الإجرام والعلوم الجنائية، 2017/2016، ص 2.

[2] علي عدنان الفيل، جريمة الإرهاب الإلكتروني، مجلة الملحق القضائي، ع 44، ط ونشر وتوزيع: مطبعة دار السلام بالرباط، 2011، ص 181.

[3] سعيد قرموش، "الجريمة الإلكترونية وأزمة الشرعية الإجرائية"، في السياسة الجنائية بالمغرب: الواقع وافاق (مؤلف جماعي)، مطبعة الأمنية- الرباط، مكتبة الرشاد سطات 2004/2018، ص 180.

[4] نجوى قبوز، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص تحت عنوان: الإثبات الجنائي في الجرائم الإلكترونية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، 2015/2016، ص 4.

[5] امحمد اقبلي، وعابد العمراني الميلودي، القانون الجنائي الخاص في شروح، الطبعة الأولى، مكتبة الرشاد سطات، 2020، ص 283.

[6] سومية عكور، الجرائم المعلوماتية وطرق مواجهتها: قراءة في المشهد القانوني في المغرب، كلية العلوم الاستراتيجية، المملكة الأردنية الهاشمية، عمان، 1435ه/2014م، ص 6.

[7] خلدون عيشة، الطبيعة الخاصة للجريمة الإلكترونية وصورها، جامعة زيان عاشور، ص2.

[8] القانون رقم 03.07 ينظم الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الصادر بتنفيذه الظهير رقم 01.03.197 بتاريخ 16 رمضان 1424 (11 نوفمبر 2003)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5171 بتاريخ 27 شوال 1424 (22 ديسمبر 2003)، ص 4284

[9] دليلة مرزوق، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في الحقوق – تخصص: قـانون جنائي للأعمال تحت عنوان " جرائم المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات على ضوء الاتفـاقيات الدولية والتشريع الجزائري، جامعة العربي بن مهیدي، كلیة الحقوق والعلوم السیاسیة، السنة الجامعية: 2016/2017، ص1.

[10] مروان الحجوجي، الجريمة الإلكترونية بالمغرب، مائدة مستديرة، قناة Medi1 tv برنامج بدون حرج.

[11]  الفصل 24من دستور المملكة: لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة.

[12] نفس المرجع، ص 10.

[13]  محمد الإدريسي العلمي المشيشي، دراسة حول ملائمة مشروع القانون الجنائي مع المبادئ والقواعد المعتمدة في منظومة حقوق الإنسان، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، 2012، ص 200. الدراسة متاحة على الموقع الرسمي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان CNDH.MA على الرابط https://www.cndh.ma/ar/drst/drs-hwl-mlym-mshrw-lqnwn-ljnyy-m-lmbdy-w-lqwd-lmtmd-fy-mnzwm-hqwq-lnsn

[14] C.Cass. 7 janvier 2020, 18-84.755, Chambre criminelle, publié au bulletin. Voire le lien https://www.legifrance.gouv.fr/juri/id/JURITEXT000041481937/

[15] Emilio. C. Viano, rapport general sous titre: section 2- droit pénal partie spécial societé de l’information et droit pénal, érés revue internationale de droit pénal, cairn.info, 2013 vol 84, p317. Publié sur https://www.cairn.info/revue-internationale-de-droit-penal-2013-3-page-311.htm

[16] مليكة أبوديار، الإثبات الجنائي في الجرائم الالكترونية، المجلة الالكترونية للأبحاث القانونية، العدد 2، 2018، ص110.

[17] حكم ابتدائي صادر عن المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء عدد 0221/2021 بتاريخ 03/03/2022.

[18] فؤاد برامي، الجرائم التي تستهدف المس بالنظم المعالجة الآلية للمعطيات، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية.

[19] مسامح زكرياء، خصوصيات الجريمة الالكترونية على ضوء التشريع والقضاء المغربي، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية، 2020. مقال متاح على الرابط https://www.droitetentreprise.com/21047/  تم الاطلاع عليه بتاريخ 17 ماي 2022 على الساعة 15.00PM

[20] أحمد الخمليشي، شرح القانون الجنائي "لقسم العام"، دوم ذكر الطبعة، دار نشر المعرفة، الرباط، دون ذكر السنة، ص 153

[21] ينص الفصل 5-607 من القانون الجنائي المغربي:

يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 10.000 إلى 200.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرقل عمدا سير نظام للمعالجة الآلية للمعطيات أو أحدث فيه خللا.

[22] مراد بنار، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص تحت عنوان: الجرائم المرتكبة عبر الوسائط الالكترونية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، تخصص العلوم الجنائية والأمنية، مراكش، 2017/2018

[23] علاوي محمد، مذكرة لنيل شهادة الماستر تحت عنوان: دور الأمن المعلوماتي في الحد من الجريمة المعلماتية، جامعة محمد خيضر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، تخصص قانون جنائي، 2016/2017.

[24] ليلى العمري و إحكام البلوني، الجهود التشريعية لمكافحة الجريمة الالكترونية، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية. تم الاطلاع عليه بتاريخ 27 ماي 2022 على الساعة 5.54pm.

[25] الحسن داودي، بحث لنيل شهادة الماستر تحت عنوان: الأمن القانوني المعلوماتي بالمغرب، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، 2018/2019، ص 41

[26] من المعلوم أنه من بين المبادئ الهامة والمتعارف عليها في القانون الجنائي ما يسمى "بمبدأ الشرعية" أو "مبدأ النصية" أو "مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، ومن هذا المنطلق فالقانون وحده يحدد الأفعال التي يعدها جرائم ويقرر لها الجزاء المناسب عن طريق ممثلي الشعب بموجب العقد بين ممثلي الأمة والشعب، وباعتبار القاضي يشكل عنصر من الشعب فا يمكنه إقرار عقوبة لنشاط معين مالم تكن محددة ابتداءا من طرف ممثلي الأمة بالقانون. انظر

Cesare. B, Des délits & des peines, édition du Boucher16, paris, 2002, p14

[27] أحمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري "الشرعية الدستورية في قانون العقوبات والشرعية الدستورية في قانون الإجراءات الجنائية"، الطبعة الثانية، دار الشروق، القاهرة، 2002، ص 57.



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد الثالث عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث