جريمة الإتجار بالبشر الواقعة على عديمي الأهلية في التشريع العماني والمصري والإماراتي - المتولي الشاعر


جريمة الإتجار بالبشر الواقعة على عديمي الأهلية في التشريع العماني والمصري والإماراتي

The crime of human trafficking against the incompetent in Omani, Egyptian and Emirati legislation

المتولي الشاعر / أستاذ القانون الجنائي المشارك بكلية البريمي الجامعية – سلطنة عمان.

Al mutawaliy alshaaeir




ملخص

إن موضوع هذه الدراسة يختص بدراسة جريمة الإتجار بالبشر بشكل عام من حيث تعريفها وأسبابها وخصائصها وطبيعتها والبنيان القانوني لها. ويختص كذلك بجريمة الإتجار بالبشر الواقعة على عديمي الأهلية.

ذلك أن عمليات الإتجار بالبشر زادت في الأونة الأخيرة، وأصبحت تمثل ظاهرة عالمية، وهذا يتضح من كون هذه الجريمة، وهذه التجارة غير الإنسانية تمثل المرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد تجارة السلاح وتجارة المخدرات.

لهذا كانت هذه الدراسة لإلقاء الضوء على جريمة الإتجار بالبشر في النموذج القانوني لها في التشريع العماني والمصري والإماراتي. وكذلك شروط قيام هذه الجريمة في حق مرتكبيها عندما يكون المجني عليه فيها من عديمي الأهلية، وهل هناك إختلاف في شروط قيام هذه الجريمة في حق مرتكبيها عندما يكون المجني عليه فيها من عديمي الأهلية، خاصة في القانون العماني والقانون المصري والقانون الإماراتي.

أم أن هذه القوانين تختلف في ذلك، وماهو القانون المختلف في ذلك.

ويتضح من هذه الدراسة، أن بعض القوانين تساوي بين جريمة الإتجار بالبشر في شروطها عندما تقع على الشخص العادي في الظروف العادية وفي حالة وقوعها على عديمي الأهلية كالقانون العماني والإماراتي، وهناك من القوانين من لا يساوي بينها كالقانون المصري. ويتضح من خلال هذه الدراسة أن القانون المصري يساوي بين " الطفل أو الحدث " وبين "عديمي الإهلية" في حالة إرتكاب جريمة الإتجار بالبشر عليهما وذلك من حيث شروط هذه الجريمة وقيامها في حق مقترفيها.

لهذا كانت هذه الدراسة التي تبين شروطها جريمة الإتجار بالبشر الواقعة على عديمي الإهلية وبين شروط إرتكاب هذه الجريمة عندما تقع على الشخص العادي في الظروف العادية، وكذلك بيان التشريعات التي تأخذ بهذه التفرقة، وكذلك تبيان أهمية هذه التفرقة.

 

 

Summary

 

The subject of this study is concerned with the study of the crime of human trafficking in general in terms of its definition, nature, characteristics, causes and legal structure.

It is also concerned with the crime of human trafficking against the incompetent.

This is because human trafficking has increased in recent times, and has become a global phenomenon, and this is evident from the fact that this crime, and this inhumane trade, represents the third rank in the world after the arms trade and the drug trade.

That is why this study was to shed light on the crime of human trafficking in its legal model in the Omani, Egyptian and Emirati legislation.

As well as the conditions for this crime against its perpetrators when the victim is incompetent. Is there a difference in the conditions for this crime against its perpetrators when the victim is incompetent, especially in Omani law, Egyptian law and UAE law? Or are these laws different?  What is the different law? It is clear from this study.

Some laws equate the crime of human trafficking in its terms when it falls on the ordinary person in normal circumstances and in the event that it falls on the incompetent, such as the Omani and Emirati law, and there are laws that do not equal them, such as the Egyptian law, and it is clear through this study that the Egyptian law equals between the child and the juvenile, they are incompetent in the event that the crime of human trafficking is committed against them, in terms of the conditions of this crime and its perpetration against its perpetrators.

That is why this study was to show the conditions for the crime of human trafficking committed against the incompetent, and to clarify the conditions for this crime when it falls on the ordinary person in normal circumstances, as well as the statement of the legislation that takes this distinction, as well as the importance of this distinction.

 


 

المقدمة

1-        ملخص عن الموضوع:

إن موضوع هذه الدراسة يختص بدراسة جريمة الإتجار بالبشر بشكل عام، ويختص كذلك بجريمة الإتجار بالبشر عندما تقع على عديمي الأهلية. ذلك أن عمليات الإتجار بالبشر، زادت في الأونة الأخيرة، وأصبحت تمثل ظاهرة عالمية، وهذا يتضح من كون هذه الجريمة، وهذه التجارة غير الإنسانية تمثل المرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد تجارة السلاح وتجارة المخدارت، لهذا إتجهت كل دول العالم، وقيل ذلك المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة من إبرام اتفاقيات دولية لمكافحة هذه الجريمة، ثم بعد ذلك أغلب دول العالم - وعلى مستوى تشريعاتها الداخلية - وضعت قوانين لمكافحة هذه الجريمة أيضاً.

لهذا كانت هذه الدراسة لإلقاء الضوء على جريمة الإتجار بالبشر في النموذج القانوني لها في التشريع العماني والمصري والإماراتي، وكذلك شروط قيام هذه الجريمة في حق مرتكبيها عندما يكون المجني عليه من عديمي الأهلية؟ وهل يكون هناك اختلاف في شروط قيام هذه الجريمة في حق مرتكبيها عندما يكون المجني عليه عديم الأهلية  أو شخصاً بالغاً، أو عادياً أو غير ذلك.

2-        أهمية الموضوع:

ترجع أهمية هذه الدراسة إلى تبيان شكل ونموذج جريمة الإتجار بالبشر بشكل عام أولاً، ثم عندما يكون المجني عليه فيها عديمي الأهلية، وهل هناك إختلاف في النموذج القانوني لجريمة الإتجار بالبشر عندما يختلف المجني عليه من كونه بالغاً أو عادياً أم حدثاً أم عديمي الأهلية، أم أن جريمة الإتجار بالبشر هي صورة واحدة في النموذج القانوني لها في كل الأحوال في كل التشريعات.

3-        أسباب إختيار الموضوع:

تعود أسباب إختيار هذا الموضوع إلى عدم وجود دراسة خاصة في هذا الموضوع بالذات، وإلى القاء الضوء على التشريع المقارن في هذا الخصوص، وهل جريمة الإتجار بالبشر إذا كان المجني عليه من عديمي الأهلية، هل نموذجها القانوني هو هو إما يختلف النموذج القانوني لهذه الجريمة عندما يكون المجني عليه من عديمي الأهلية، وهل هناك من التشريعات من وضع لهذه الصورة من الجريمة نموذجاً خاصاً بها.

4-        إشكاليات وتساؤلات البحث:

    تثير هذه الدراسة الإشكاليات والتساؤلات الآتية، ونحاول الرد عليها في هذه الدراسة:

أ- هل جريمة الإتجار بالبشر لها أركان عامة واحدة ونموذجها القانوني واحد فيما يتعلق بأحكامها العامة؟

ب- هل شروط قيام جريمة الإتجار بالبشر في حق مرتكبيها واحد، عندما يختلف المجني عليه، أم أن هذه الشروط تختلف عندما يختلف المجني عليه.

جـ- هل عندما يكون المجني عليه في جريمة الإتجار بالبشر شخصاً عديمي الأهلية، شروط قيام الجريمة في حق مرتكبيها تختلف؟

د- معرفة العقوبة المقررة لهذه الجريمة خاصة عندما يكون المجني عليه فيها عديمي الأهلية.

5-        أهداف الدراسة:

     تهدف هذه الدراسة إلى محاولة إلقاء الضوء وتبيان شروط قيام جريمة الإتجار بالبشر عندما يكون المجني عليه فيها من فئة عديمي الأهلية، خاصة وأن هذه الفئة كثيراً تنسى التشريعات المختلفة من أن تراعي وتضع -عند وضع القانون- نموذج قانوني خاص للجريمة عندما يكون المجني عليه من هذه الفئة، التي تحتاج لأن يضع لها المشرع في التشريعات معاملة خاصة بنموذج قانوني خاص عندما يكون أحد من هذه الفئة مجني عليه في هذه الجريمة.

6-        الدراسات السابقة:

    نجزم أنه لا توجد هناك دراسات سابقة خاصة بموضوع هذه الدراسة وهو >> جريمة الإتجار بالبشر الواقعة على عديمي الأهلية << وإن كانت هناك دراسات كثيرة في جريمة الإتجار بالبشر بشكل عام، وعلى نموذجها القانوني العام، إلا أنه خلت الساحة القانونية من دراسة كونها تخص فقط فئة عديمي الأهلية عندما يكون أحدهم مجني عليه في جريمة الإتجار بالبشر.

7-        منهج الدراسة:

    هذه الدراسة تأخذ المنهج الوصفي التحليلي المقارن في عرض هذا الموضوع وبحثه، بإعتبار أن ذلك ملائماً لطبيعة هذا الموضوع وهذا البحث.

8-        خطة البحث:

المبحث الأول: ماهية جريمة الإتجار بالبشر.

المطلب الأول: تعريف جريمة الإتجار بالبشر.

الفرع الأول: التعريف الفقهي.

الفرع الثاني: التعريف القانوني.

المطلب الثاني: طبيعة جريمة الإتجار بالبشر.

المطلب الثالث: خصائص جريمة الإتجار بالبشر.

المطلب الرابع: أسباب جريمة الإتجار بالبشر.

المطلب الخامس: البنيان القانوني لجريمة الإتجار بالبشر (الأركان العامة لجريمة الإتجار بالبشر).

المبحث الثاني: جريمة الإتجار بالبشر الواقعة على عديمي الأهلية في التشريع العماني والمصري والإماراتي.

المطلب الأول: شروط قيام الجريمة في حق مرتكبيها إذا كان المجني عليه من عديمي الأهلية في التشريع العماني.

الفرع الأول: شروط قيام الجريمة.

الفرع الثاني: العقوبة المقررة في القانون.

المطلب الثاني: جريمة الإتجار بالبشر الواقعة على عديمي الأهلية في التشريع المصري.

الفرع الأول: شروط قيام الجريمة.

الفرع الثاني: العقوبة المقررة في القانون.

المطلب الثالث: جريمة الإتجار بالبشر الواقعة على عديمي الأهلية في التشريع الإماراتي.

الفرع الأول: شروط قيام الجريمة.

الفرع الثاني: العقوبة المقررة في القانون.

الخاتمة.

المراجع والمصادر.

المبحث الأول: ماهية جريمة الإتجار بالبشر

تعد جريمة الإتجار بالبشر من أبشع الجرائم وأخطرها خاصة عندما ترتكب ضد فئة النساء والأطفال لغرض الدعارة والعمل القسري أو تجارة الأعضاء وغير ذلك من أغراض أخرى والتي من أجلها قامت هذه الجماعات الإجرامية المنظمة.

وتحتل جريمة الإتجار بالبشر المرتبة الثالثة -كما ذكرنا سلفاً([1])- على مستوى العالم من حيث العوائد المالية، وذلك بعد تجارة السلاح وتجارة المخدرات.

ناهيك عن طبيعة الإتجار بالبشر التي تتطلب الحركة والتنقل من دولة إلى أخرى. فالجناة يحركون الضحايا من مجتمعاتهم المحلية إلى مناطق بعيدة أخرى وغالباً خارج الحدود الوطنية للدولة، بحيث لا يستطيعون المقاومة، وكذلك لا يتحدثون اللغة في تلك البلاد، بالإضافة إلى الثقافة الدخيلة عليهم، مما يؤدي ذلك لفقدهم الدعم المادي والمعنوي لمقاومة إستغلالهم بجانب مخاطر العنف والإدمان والمشاكل الصحية المرتبطة بإستغلالهم جنسياً أو بدنياً.

وعلى ذلك، سوف نتطرق في دراسة هذا المبحث إلى؛ تعريف جريمة الإتجار بالبشر، ‏وطبيعة جريمة الإتجار بالبشر وأسباب جريمة الإتجار بالبشر وأخيراً البنيان القانوني لجريمة الإتجار بالبشر.

المطلب الأول: تعريف جريمة الإتجار بالبشر

لا يوجد تعريف علمي متفق عليه لمفهوم جريمة الإتجار بالبشر، إلا أنه هناك تعريفات فقهية متعددة لهذه الجريمة، بالإضافة إلى التعريفات القانونية التي وردت في بعض التشريعات الداخلية لبعض الدول وأيضاً بعض التعريفات التي وردت على مستوى المنظمات الإقليمية أو الأممية.

الفرع الأول: التعريف الفقهي

تناول الفقه هذه الجريمة بالتعريف والتحليل، ومن التعريفات التي رصدت في هذا الباب أن الإتجار بالبشر هو:

1.         ‏عملية تطويع الأشخاص ونقلهم من خلال استعمال العنف أو التهديد بإستخدامه أو استغلال سلطة منصب أو بإستغلال الظروف الخاصة بالضحايا أو الخديعة أو بعمليات الإكراه الأخرى وذلك لإستغلال هؤلاء البشر جنسياً أو اقتصادياً أو الإجبار على الخدمة أو الإسترقاق أو الإستعباد أو سرقة الأعضاء لمصلحة أشخاص أخرين كالقوادين والوسطاء وملاك بيوت الدعارة ومنظمات الجريمة، ولكل من لديه القدرة ويريد شراء الأشخاص أو أعضائهم([2]).

2.         ‏إستدراج الأشخاص من خلال التهديد أو استخدام القوة أو استغلال النفوذ أو الغش أو الخداع لأغراض الاستغلال في ممارسة الدعارة وأعمال السخرة أو الرق. فجريمة الإتجار بالبشر تتعلق بالتجارة -في الغالب الأعم- بسلع مادية بحيث يمكن بيعها وشرائها نظير مقابل مادي محدد، وهذه السلع يمكن مصادرتها في أحوال معينة، فالتداول يتم في السوق وفقاً للتعبير الاقتصادي، أما عند الحديث عن تجارة البشر فيكون الإنسان نفسه محل هذه التجارة فهو السلعة التي تباع وتشترى([3]).

3.         ‏الوسيلة الأسرع والأخذة بالتزايد والتي تتم من خلال إجبار الأفراد على العبودية وتتضمن نقل الأشخاص بواسطة العنف والخداع أو الإكراه بغرض العمل القسري أو الممارسات التي تشبه العبودية، ويضيف التعريف حالة الإتجار بالأطفال والتي لا يحتاج الأمر فيها إلى ممارسة أي عنف أو إكراه ضدهم أو خديعة، بل أن نقلهم إلى أي عمل إستغلالي يشكل نوعاً من الإتجار ويعد ذلك من العبودية والسبب في ذلك أن المتاجرين بهم يستعملون العنف ومختلف أشكال الإكراه الأخرى لإجبار هؤلاء الضحايا ‏على العمل ضد إرادتهم، ويشمل ذلك التحكم في حريتهم في الحركة، مكان وموعد العمل ‏وحتى الأجر الذين سيحصلون عليه([4]).

4.         ‏كل عملية تتم لغرض بيع أو شراء أو تهريب أو خطف الأشخاص واستغلالهم لأغراض العمل القسري أو الخدمات الجنسية أو غيرها من المنتجات مثل المواد الإعلانية الإباحية والزواج حسب الطلب أو أي عمل آخر مرتبط بالجنس([5]).

5.         ‏التصرفات المشروعة التي تحول الإنسان لمجرد سلعة أو ضحية يتم التصرف فيها بواسطة وسطاء محترفين عبر الحدود الوطنية، قصد استغلاله في أعمال ذات أجر متدن أو في أعمال جنسية أو ما شابه ذلك، وسواء تم هذا التصرف بإرادة الضحية أو قسراً عنها أو بأي صورة أخرى من صور العبودية([6]).

6.         ‏تجنيد أشخاص أو نقلهم بالقوة او الإكراه أو الخداع لأغراض الإستغلال بشتى صوره ومن ذلك: الاستغلال الجنسي، العمل الجبري، الخدمة القسرية، التسول، الاسترقاق، تجارة الأعضاء، وغير ذلك([7]).

7.         ‏تسخير و توفير المواصلات و توفير المكان أو استقبال الأشخاص بواسطة التهجير أو ‏استغلال العنف لدى الطفل أو المرأة أو تسليم أموال أو فوائد للحصول على موافقة سيطرة شخص على آخر لغرض الاستغلال([8]).

8.         ‏‏نقل الأشخاص بواسطة العنف أو الخداع أو الإكراه لغرض العمل القسري أو العبودية أو الممارسات التي تشبه العبودية.

9.         ‏كل فعل ‏أو تصرف قانوني أو غير قانوني يرد على الإنسان فيجعله مجرد سلعة تباع وتشترى بغرض إستغلاله في كامل أعضائه الجسدية أو جزء منها، سواء تم ذلك بموافقة الضحية أو قسراً عنه، وأياً كان وجه الاستغلال أو وسيلته سواء داخل حدود الدول أو خارجها([9]).

10.     ‏بالإستخدام والنقل والإخفاء والتسليم ‏للأشخاص من خلال التهديد أو الإختطاف وإستخدام القوة والتحايل أو الإجبار أو من خلال إعطاء أو أخذ دفعات غير شرعية أو فوائد لإكتساب موافقة وقبول شخص يقوم بالسيطرة على شخص آخر بهدف الإستغلال([10]).

11.     ‏ويعتبر إتجاراً بالبشر بالمفهوم الشامل كما يرى الدكتور محمد مختار القاضي: أي فعل أو تعامل يتم بمقتضاه نقل أي شخص أو مجموعة ‏من الأشخاص سواء كان طفلاً أو رجلاً أو امرأة إلى أشخاص آخرين نظير مقابل، وذلك لإستغلالهم جنسياً في مكافحة الأنشطة الجنسية أو إستغلالهم في البحوث العلمية، وفي الحروب كمرتزقة واستغلالهم تجارياً في بيع أعضائهم وإستغلالهم في الأعمال القسرية في الصناعة أو الزراعة على نحو يعرض حياتهم للخطر أو استغلالهم في الهجرة غير الشرعية والتسفير الوهمي، سواء تمت هذه الأفعال بمقابل أو دون مقابل وسواء تمت بإرادتهم الحرة أو رغماً عنهم([11]).

12.     ‏ونرى أن التعريف السابق، وكذلك كثير من التعريفات السابقة -في تقديرنا- أغفلت الإتجار بالبشر الذي يتم داخل الدول، فالعديد من الباحثين يقتصر لديهم الإتجار بالبشر في كونه يتم عبر الدول أي دول مصدرة وآخرى مستوردة، من دول فقيرة إلى دول غنية كبرى، لكن الإتجار بمفهومه الواسع قد يتم داخل الدولة أو خارجها.

‏ويمكن تعريف جريمة الإتجار بالبشر بشكل عام - في مفهومنا - بأنها أي عمل من شأنه التعامل في الشخص بهدف إستغلاله جنسياً أو في العمل القسري أو استئصال أعضائه ‏أو جزء منها بالتهديد أو بإستغلال عوزه وفقره أو بالإحتيال عليه في أي عمل مشروع أو غير مشروع سواء تم ذلك داخل الدولة أو متعدياً حدود الدولة([12]). 

ونعرف جريمة الإتجار بالبشر بشكل دقيق -من وجهة نظرنا- بأنها: كل فعل أو عمل يقع على الإنسان ويكون الغرض ‏منه إستغلاله في أي صورة من صور الإستغلال غير المشروع([13]).

الفرع الثاني: التعريف القانوني

بداية نتعرض لتعريف الإتجار بالبشر في القانون الدولي، ثم بعد ذلك إلى تعريف القانون العماني له، ثم في القانون المصري والإماراتي، وأخيراً في بعض التشريعات العربية الأخرى، وذلك فيما يلي:

أولاً: ‏تعريف الإتجار بالبشر في القانون الدولي:

جاء تعريف الإتجار بالبشر في المادة الثالثة من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال حيث عرفت المادة 3 من بروتوكول ‏الأمم المتحدة المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لعام 2000 والخاص لمنع الإتجار بالأشخاص على النحو التالي:

(‏تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة او إستعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الإحتيال أو الخداع او إساءة إستعمال السلطة أو إساءة إستغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض إستغلاله. ويشمل الاستغلال كحد أدنى إستغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الإستغلال ‏الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء).

     ويعتبر هذا التعريف هو التعريف النموذجي الذي اتخذته الكثير من التشريعات المتعلقة بشأن مكافحة الإتجار بالبشر كنموذج لها، مع بعض الاختلافات، بالإضافة، كالتشريع المصري والإماراتي والأردني والأمريكي والعماني والسوري والكثير من التشريعات الأجنبية([14]).

ثانياً: تعريف الإتجار بالبشر في القانون العماني:

(ورد تعريف الإتجار بالبشر في القانون العماني في مادتين هما المادة الأولى التي تم تخصيصها لتعريف المصطلحات الواردة بالقانون، والمادة الثانية من القانون (126/2008) بشأن مكافحة الإتجار بالبشر).  فجاء في المادة الأولى الإشارة إلى أن المقصود بجريمة الإتجار بالبشر: القيام بأي فعل من الأفعال الواردة في المادة 2 من هذا القانون.

وجاء نص المادة الثانية على النحو التالي:

يعد مرتكباً جريمة الإتجار بالبشر كل شخص يقوم عمداً وبغرض الإستغلال:

أ- ‏استخدام شخص أو نقله أو ايوائه أو استقباله عن طريق الإكراه أو التهديد ‏أو الحيلة أو استغلال الوظيفة أو النفوذ او باستغلال حالة إستضعاف أو بإستعمال سلطة ما على ذلك الشخص أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.

ب- ‏استخدام حدث أو نقله أو ايوائه أو استقباله ولو لم تستخدم الوسائل المنصوص عليها في البند السابق.

ثالثا: تعريف الإتجار بالبشر في القانون المصري 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر:

    ورد تعريف الإتجار بالبشر في المادة الثانية من القانون والتي نصت على: (يعد مرتكباً لجريمة ‏ الإتجار بالبشر كل من يتعامل بأي صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الإستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الإستقبال أو التسليم سواء في داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية، إذا تم ذلك بواسطة إستعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الإحتيال أو الخداع او استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية، أو مزايا مقابل الحصول على ‏موافقة شخص على الإتجار بشخص آخر له سيطرة عليه -وذلك كله- إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أياً كانت صوره ‏بما في ذلك الإستغلال في أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي، واستغلال الأطفال في ذلك وفي المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الإسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو التسول أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية أو جزء منها).

-      ومن خلال التعريف الوارد في نص القانون المصري نرصد مايلي:

1.        ‏أشار التعريف إلى عناصر جريمة الإتجار بالبشر وهي:

الاستغلال و الوسائل والمظاهر المحددة بالنص.

2.        ‏ورد به كافة مظاهر الإتجار بالبشر، وأدخل صوراً كثيرة للإتجار بالبشر، بالمقارنة للصور الواردة بنص المادة 3 من بروتوكول الأمم المتحدة المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لعام 2000 والخاص بمنع الاتجار بالبشر.

رابعاً: ‏تعريف الإتجار بالبشر في القانون الإماراتي رقم 51 لسنة 2006 في شأن مكافحة جرائم الإتجار بالبشر المعدل بالقانون الإتحادي رقم 1 لسنة 2015:

جاء التعريف للإتجار بالبشر في المادة الأولى مكرر([15]): حيث نصت على ما يلي:

1-        يعد مرتكباً جريمة الإتجار بالبشر كل من :

أ- باع أشخاصاً أو عرضهم للبيع أو الشراء أو الوعد بهما.

ب- إستقطب أشخاصاً أو استخدمهم أو جندهم أو نقلهم أو رحلهم أو أواهم أو استقبلهم أو سلمهم أو استلمهم سواء داخل البلاد أم عبر حدودها الوطنية بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الإحتيال أو الخداع أو إساءة إستعمال السلطة أو استغلال النفوذ أو إساءة إستغلال حالة الضعف وذلك بغرض الإستغلال.

جـ- أعطى أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض استغلال الأخير.

2-        يعتبر إتجاراً بالبشر ولو لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبنية في الفقرة السابقة ما يلي:

أ- استخدام طفل أو نقله أو ترحيله أو ايواءه أو استقباله بغرض الإستغلال.

ب- بيع طفل أو عرضه للبيع أو الشراء.

3-        يشمل الاستغلال في حكم هذه المادة جميع أشكال الإستغلال الجنسي أو استغلال دعارة الغير أو السخرة أو نزع الأعضاء أو الخدمة قسراً أو الإسترقاق أو التسول أو الممارسات الشبيهة بالرق والإستعباد.

خامساً: القانون العربي الإسترشادي لمواجهة جرائم الإتجار بالأشخاص بجامعة الدول العربية:

     عرف القانون العربي الاسترشادي بجامعة الدول العربية والذي اعتمده وزراء العدل العرب في دورته 21، ووزراء الداخلية العرب في دورته 23 على النحو التالي:

>>الإتجار بالأشخاص: تجنيد أشخاص أو نقلهم أو ايواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة إستعمال السلطة أو إساءة إستغلال إستضعاف أو بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الإستغلال.

    ويشمل الإستغلال كحد أدنى، إستغلالهم في الدعارة أو سائر أشكال الإستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء<<.

سادساً: القانون الأردني ( قانون منع الإتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009):

جاء تعريف الإتجار بالبشر في المادة الثالثة والتي تنص على ما يلي:

(أ) لمقاصد هذا القانون تعني عبارة ( جرائم الاتجار بالبشر):

1-          استقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض إستغلالهم عن طريق التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الإحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف أو بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هولاء الأشخاص.

2-          إستقطاب أو نقل أو إيواء أو استقبال من هم دون الثامنة عشرة متى كان ذلك بغرض إستغلالهم ولو لم يقترن هذا الإستغلال بالتهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من الطرق الواردة في البند(1) من هذه الفقرة.

(ب) لغايات الفقرة (أ) من هذه المادة تعنى كلمة ( الإستغلال) إستغلال الأشخاص في العمل بالسخرة أو العمل قسراً أو الإسترقاق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء أو في الدعارة أو أي شكل من أشكال الإستغلال الجنسي.

(جـ) تعتبر الجريمة ذات طابع ( عبر وطني) في أي من الحالات التالية:

1-         إذا ارتكبت في أكثر من دولة.

2-         إذا ارتكبت في دولة وتم التحضير أو الإعداد أو التخطيط أو الإشراف عليها في دولة أخرى.

3-         إذا ارتكبت في أي دولة عن طريق جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة اجرامية في أكثر من دولة.

4-         إذا ارتكبت في دولة وامتدت أثارها إلى دولة أخرى.

سابعاً: القانون البحريني ( القانون رقم (1) السنة 2008 -قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص):

نصت المادة الأولى على:

أ- في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالإتجار بالأشخاص؛ تجنيد شخص أو نقله أو تنقيله أو إيوائه أو استقباله بغرض إساءه الإستغلال، وذلك عن طريق الإكراه أو التهديد أو الحيلة أو بإستعمال سلطة ما على ذلك الشخص أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة وتشمل إساءة الإستغلال أو الإعتداء الجنسي أو العمل أو الخدمة قسراً أو الإسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد أو نزع الأعضاء.

ب- يعتبر إتجاراً بالأشخاص تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال من هم دون الثامنة عشرة أو من هم في حالة ظرفية أو شخصية لا يمكن معها الإعتداد برضاهم أو حرية إختيارهم، متى كان ذلك بغرض إساءة استغلالهم ولو لم يقترن الفعل بأي من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة السابقة.

جـ- يفترض علم الجاني بالسن الحقيقية للمجني الذي لم يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة.



([1])  انظر مقدمة هذا البحث.

([2])  أميرة محمد بكر البحيري، الإتجار بالبشر وخاصة الأطفال من وجهة النظر العلمية والنفسية والاجتماعية والقانونية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001، ص 31.

([3])  سعيد علي قاسم، شرح قانون الإتجار بالبشر العماني، دراسة مقارنة بين التشريعات العربية والأجنبية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2011، ص 30.

([4])  إيناس محمد البهيجي، جرائم الإتجار بالبشر، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2013، ص 61.

([5])  عبد الحافظ عبد الهادي عبد الحميد، الآثار الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة الإتجار بالأشخاص، بحث ضمن كتاب مكافحة الإتجار بالأشخاص والأعضاء البشرية، جامعة نايف للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث، الرياض، 2005، ص 399.

([6])  سوزي عدلي ناشد، ‏ الإتجار بالبشر بين الاقتصاد الخفي والاقتصاد الرسمي، مكافحة مصر لظاهرة الإتجار بالبشر وفقاً للقانون رقم 64 لسنة 2010، دار المطبوعات الجامعية، الأسكندرية، 2011، ص 16.

([7])  فتحية محمد قواراي، المواجهة الجنائية لجرائم الإتجار بالبشر، دراسة في القانون الإماراتي المقارن، مجلة الشريعة والقانون، كلية القانون، جامعة الإمارات العربية، عدد 40، سنة 2009، ص 175.

([8])  محمود السيد داوود، التدابير الدولية لمكافحة الإتجار بالنساء في القانون الدولي العام والفقه الإسلامي، دراسة مقارنة، دار الكتب القانونية، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر، 2010، ص 20. وأيضاً: مهدي محمد الشمري، الجهود الدولية لمكافحة الإتجار بالبشر، ورقة مقدمة لمؤتمر مكافحة الإتجار بالبشر، وزارة الداخلية، أبوظبي، بتاريخ 24-25 مايو 2004 ص 7.

([9])  محمد علي العريان، عملية الإتجار بالبشر وآليات مكافحاتها، دراسة م، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2011، ص 30.

([10])  محمد مختار القاضي، الإتجار بالبشر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2011، ص 61.

([11])  محمد مختار القاضي، المرجع السابق، ص 62.

([12])  يعرف القانون رقم 5 لسنة 2010 المصري بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية جريمة الإتجار بالبشر بأنها أي عمل من شأنه التعامل في الشخص بالبيع أو عرضه للبيع أو شرائه بهدف استغلاله جنسياً أو للعمل القسري أو استئصال أعضائه بالتهديد أو باستغلال عوزه وفقره أو بالإحتيال عليه.

([13])  المتولي الشاعر، مكافحة الإتجار بالبشر في التشريع العماني، دراسة تحليلية مقارنة، 2018، الناشر دار الكتاب الجامعي دولة الامارات العربية المتحدة 2021، ص 39.

([14])  فايز محمد حسين، قانون مكافحة الإتجار بالبشر في مصر وحماية حقوق الإنسان، مجلة الحقوق للبحوث القانونية، كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، العدد الثاني، 2010، ص 371.

([15])  ‏تم إضافة هذه المادة بموجب القانون الإتحادي رقم 1 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القانون الإتحادي رقم 51 لسنة 2006.


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد الثالث عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث