الضمانات القضائية المخولة للموظف العمومي الخاضع للتأديب - صالح لفقيهي


الضمانات القضائية المخولة للموظف العمومي الخاضع للتأديب

Judicial guarantees granted to a public official subject to discipline

صالح لفقيهي / باحث بسلك الدكتوراه - كلية العلوم القانونية والسياسية بسطات.

SALEH Lifaquihi


ملخص بالعربية :

إن الوسائل البشرية هي مجموع الموارد التي توضع رهن إشارة الإدارة لممارسة نشاطها و التي تعتبر امتدادا للوسائل القانونية، على أساس أنها تشكل الأداة الضرورية لتفعيلها. فبدون الموظفين لا يمكن للإدارة أن تفعل القرارات التي تتخذها أو تقدم الخدمات التي هي مكلفة بإنجازها، فالموظف يلعب دورا بالغ الأهمية باعتباره المنفذ لسياسة الدولة و أداء الخدمات الأساسية للمواطنين.

    و قد عرف الفصل الثاني من قانون الوظيفة العمومية الصادر في 24 فبراير 1958 ،الموظف كما يلي: "يعد كل شخص يعين في وظيفة قارة و يرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة". و قريب من هذا التعريف ما جاء في المرسوم بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات المحلية الصادر في 27 شتنبر 1977 ،في فصله الأول: "يخول صفة موظف بالجماعة كل شخص يعين في منصب دائم و يرسم بإحدى درجات تسلسل أسلاك الجماعات".

و يثير موضوع العقوبات التأديبية أو الجزاء التأديبي مشكلات قانونية عدة أهمها تصب في مضمون الجزاء التأديبي و السلطة المختصة بالتأديب، حيث توقع هذه الأخيرة العقوبة التأديبية بالموظف المرتكب لخطأ إداري، لكن القاعدة تقول أنه لا توقع على الموظف عقوبة تأديبية إلا من الجهة ذات الاختصاص بشرط أن تكون العقوبة منصوص عليها قانونا. و إذا كان النظام التأديبي قد كفل للإدارة سلطات واسعة، فقد كان من الضروري حماية حقوق الموظف في مواجهة الإدارة، فهذه الحقوق قد تتعرض أحيانا للانتهاك، و من خلال هذه العلاقة الجدلية بين حقوق الأفراد و حرياتهم من جهة و سلطة الإدارة المتسعة من جهة أخرى نشأ ما يسمى بالمنازعات الإدارية التي تعمل جميع وسائل المراقبة على حلها، و أهم هذه الوسائل هي المراقبة القضائية.

  فتمكين الإدارة من سلطة العقاب وفق منطق الفعالية يفرض عليها واجب تحقيق التوازن بين مصلحة الجهاز الإداري و احترام ضمانات و حقوق الموظف بدون انحياز أو تفريط أو تغليب كفة على أخرى، لذلك، و حفاظا على ضمانات الخاضع للتأديب، أطر المشرع توقيع الجزاء بضوابط دقيقة يؤدي الإخلال بها إلى بطلان المسطرة برمتها، لما قد ينطوي ذلك على نية التعسف أو مساس بحقوق و ضمانات الخاضع للتأديب و الذي يعتبر طرفا ضعيفا في هذه المعادلة.

 

 

 

English summary

The human means are the sum of the resources that are placed at the disposal of the administration to carry out its activities, which are considered an extension of the legal means, on the basis that they constitute the necessary tool for its activation. Without the employees, the administration cannot take the decisions it takes or provide the services that it is mandated to accomplish. The employee plays a very important role as the implementer of state policy and the performance of basic services for citizens.

And the second chapter of the civil service law issued on February 24, 1958, defined the employee as follows: “Every person appointed to a permanent job and drawn in one of the ranks of the ladder of the state administration wires.” And close to this definition is what was stated in the decree as the statute for the employees of local authorities issued on September 27, 1977, in its first chapter: “The capacity of an employee in the group is authorized for every person appointed to a permanent position and drawn in one of the degrees of the group’s hierarchy.”

The issue of disciplinary penalties or disciplinary punishment raises several legal problems, the most important of which are in the content of the disciplinary penalty and the competent authority for discipline, where the latter expects the disciplinary punishment of the employee who commits an administrative error, but the rule says that the employee is not subject to a disciplinary punishment except from the competent authority, provided that The penalty shall be provided by law. And if the disciplinary system has guaranteed the administration wide powers, it was necessary to protect the employee’s rights in the face of the administration, these rights may sometimes be violated, and through this dialectical relationship between the rights and freedoms of individuals on the one hand and the expanded authority of the administration on the other hand, arose The so-called administrative disputes that all means of control work to solve, and the most important of these means is judicial control.

Enabling the administration to have the power to punish according to the logic of effectiveness imposes on it the duty to achieve a balance between the interest of the administrative apparatus and respect for the guarantees and rights of the employee without bias, negligence or giving precedence over others. The entire procedure is invalid, as this may involve arbitrary intent or prejudice the rights and guarantees of the person subject to discipline, who is considered a weak party in this equation.

 

تقديم                                                                                                

إن الوسائل البشرية هي مجموع الموارد التي توضع رهن إشارة الإدارة لممارسة نشاطها و التي تعتبر امتدادا للوسائل القانونية، على أساس أنها تشكل الأداة الضرورية لتفعيلها. فبدون الموظفين لا يمكن للإدارة أن تفعل القرارات التي تتخذها أو تقدم الخدمات التي هي مكلفة بانجازها، فالموظف يلعب دورا بالغ الأهمية باعتباره المنفذ لسياسة الدولة و أداء الخدمات الأساسية للمواطنين.

    و قد عرف الفصل الثاني من قانون الوظيفة العمومية الصادر في 24 فبراير 1958[1] الموظف كما يلي: "يعد كل شخص يعين في وظيفة قارة و يرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة". و قريب من هذا التعريف ما جاء في المرسوم بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات المحلية الصادر في 27 شتنبر 1977[2]، في فصله الأول: "يخول صفة موظف بالجماعة كل شخص يعين في منصب دائم و يرسم بإحدى درجات تسلسل أسلاك الجماعات".

و مما لا شك فيه أنه يتعين على الموظف مراعاة واجباته وفقا للقوانين و التعليمات الإدارية، كما عليه أن يتقيد بمقتضيات الوظيفة،  لكن من البديهي أن نجد من بين الموظفين من يخل بواجباته المهنية و الوظيفية عن قصد أو غير قصد، و يرتكب أخطاء، هذا الأمر دفع بالدولة للعمل من أجل تجاوز هذه السلوكات و الممارسات، فتم إحداث سلطة ضبط تقوم بتأديب المخل بالتزاماته الوظيفية باعتباره الضمانة الفعالة لاحترام الموظف العمومي لواجباته. و قانون الوظيفة العمومية نجده من جهة ينص على مجموعة من الحقوق الخاصة بالموظف و بالمقابل و من جهة أخرى نجده يتضمن أحكاما و قواعد تأديبية في حالة الإخلال بالالتزامات و الواجبات أثناء ممارسته لوظيفته، أو تجاوز الضوابط و الأنظمة الجاري بها العمل في إدارة معينة.

   ويثير موضوع العقوبات التأديبية أو الجزاء التأديبي مشكلات قانونية عدة أهمها تصب في مضمون الجزاء التأديبي و السلطة المختصة بالتأديب، حيث توقع هذه الأخيرة العقوبة التأديبية بالموظف المرتكب لخطا إداري، لكن القاعدة تقول أنه لا توقع على الموظف عقوبة تأديبية إلا من الجهة ذات الاختصاص بشرط أن تكون العقوبة منصوص عليها قانونا. و إذا كان النظام التأديبي قد كفل للإدارة سلطات واسعة، فقد كان من الضروري حماية حقوق الموظف في مواجهة الإدارة، فهذه الحقوق قد تتعرض أحيانا للانتهاك، و من خلال هذه العلاقة الجدلية بين حقوق الأفراد و حرياتهم من جهة و سلطة الإدارة المتسعة من جهة أخرى نشأ ما يسمى بالمنازعات الإدارية التي تعمل جميع وسائل المراقبة على حلها، و أهم هذه الوسائل هي المراقبة القضائية[3].

   يعتبر القضاء الإداري الوسيلة المتبعة من قبل الديمقراطية لترسيخ المشروعية بين الإدارة و الموظف العمومي، و ذلك لرفع الحيف عن الموظف فيما قد يصدر عن الإدارة أو الدولة اتجاهه من تعسف أو تجاوز في استعمال السلطة.

    و يتوفر القضاء الإداري على وسيلتين رئيسيتين لرفع هذا الحيف تتمثلان أساسا في إلغاء القرارات الإدارية المتسمة بالتجاوز في استعمال السلطة الإدارية و ثانيا ما يسمى بالقضاء الشامل أي مطالبة الإدارة بالتعويض لصالح المتضرر ماديا او معنويا من جراء عمل إداري.

  و عرف القضاء الإداري في إطار دعوى الإلغاء تطورا من رقابته على مدى مشروعية القرار التأديبي إلى مراقبة الملاءمة مع الواقع و ظروف الموظف وفق نظرية الغلو التي أخذتها عن القضاء الإداري المصري و نظرية التناسب و الموازنة بين المنافع و الأضرار التي اقتبسها من القضاء الإداري الفرنسي. و سلطة القاضي الإداري لا تقف في حدود إلغاء القرار التأديبي فقط، بل يمكن للموظف أن يرفع دعوى الحصول على التعويض جراء الضرر الذي تعرض له.

   و أمام اجتهاد القضاء الإداري من أجل ضمان حقوق الموظف المتعرض للتأديب و حمايته من تعسف الإدارة، و من أجل تكريس ثقافة قضائية كما جاء بها دستور 2011[4]، نجد الإدارة تتعنت في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، و تنازع في ذلك بعدة حجج كفصل السلط و عدم توفر المناصب المالية الكافية للتنفيذ أو تنفذ الحكم بشكل ناقص كأن ترجع الموظف إلى العمل أقل مما كان يقوم به، أو تنفذ الحكم في الشق المتعلق بإرجاع الموظف إلى العمل و لا تنفذ الشق المتعلق بالتعويض.

   لتبقى الإشكالية التي تطرح نفسها إلى أي حد يمكن اعتبار سلطات قضاء الإلغاء و التعويض في إطار اجتهاداتهما ضمانة لحقوق الموظف العمومي المتعرض للتأديب؟

و تتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسة الأسئلة الفرعية التالية:

§        هل استطاع القضاء الإداري من خلال دعوتي الإلغاء و التعويض حماية الموظف العمومي الخاضع للتأديب؟

§       هل ساير الاجتهاد القضائي الإداري المغربي التوجهات الحديثة لرقابة القضاء على تأديب الموظف العمومي؟

§       كيف تواجه الإدارة الأحكام القضائية الصادرة ضدها لفائدة الموظف العمومي؟

§       ما هي الآليات التي ابتكرها القضاء الإداري لإلزام الإدارة لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها لفائدة الموظف العمومي؟

لملامسة الإشكالية الرئيسة و الأسئلة المتفرعة عنها اعتمدنا خطة البحث التالية:

المطلب الأول: دور القضاء الإداري في حماية الموظف الخاضع للتأديب.                               

 الفرع الأول: دور قضاء الإلغاء في حماية الموظف من التجاوز في القرار التأديبي.

الفرع الثاني: دعوى التعويض لجبر الضرر الناتج عن القرار التأديبي.

المطلب الأول: التوجهات الحديثة لرقابة القضاء الإداري على مجال تأديب الموظف العمومي.

الفرع الأول: الرقابة القضائية على الوجود المادي و التكييف القانوني للوقائع.

الفرع الثاني: تبني القضاء الإداري المغربي لنظرية الغلو و الخطأ البين.

خاتمة.

 المطلب الأول: دور القضاء الإداري في مجال تأديب الموظف العمومي

   اعتبارا لإمكانية التعسف من قبل السلطة المختصة بالتأديب في حق الموظف كنتيجة لخطئه أو إخلاله لبعض الالتزامات المفروضة عليه قانونا، و بعد استنفاد الطرق الإدارية للتعرض على التأديب يبقى اللجوء للقضاء من أجل الطعن في هذا القرار لسبب من الأسباب وسيلة و ضمانة في نفس الوقت لحماية حقوق الموظف، و في هذا الإطار يعتبر القضاء الإداري خاصة قضاء الإلغاء ضمانة قضائية لمواجهة احتمال تعسف السلطة التأديبية. و هذا ما سنتطرق إليه من خلال الحديث عن إلغاء القرار الإداري التأديبي المتسم بعيب المشروعية (الفرع الأول)، و من جهة ثانية و نظرا للضرر الذي يتعرض له الموظف جراء القرار التأديبي و الذي يكون في معظمه مرتبطا بالجانب المادي، فإن الموظف المعاقب تأديبيا يلجا لمحو العقوبة و الحصول على التعويضات المترتبة عن الأضرار التي لحقته و ذلك من خلال دعوى التعويض(الفرع الثاني).

الفرع الأول: رقابة قضاء الإلغاء على مشروعية العقوبة التأديبية.

إن تعدد مصادر مبدأ المشروعية يعتبر من الضمانات الممنوحة للموظف للحد من تعسف الإدارة، و بالتالي تكون الإدارة ملزمة بالقيام بنشاطها في حدود مبدأ الشرعية و تخضع لمراقبة القاضي الإداري[5]، الذي يلعب دورا مهما في فحص شرعية القرار المتعلق بتأديب الموظف العمومي انطلاقا من الأسباب التي حددتها المادة 20 من القانون 41.90 التي نصت على أن "كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله او لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة، يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة"[6]. هذا ما سنتطرق إليه من خلال رقابة القضاء الإداري على مشروعية الأركان الخارجية للقرار التأديبي ثم رقابته على مشروعية الأركان الخارجية.

أولا: رقابة القضاء الإداري على مشروعية الأركان الخارجية للقرار التأديبي

 1 –عيب عدم الاختصاص: إن القرار الصادر من جهة غير الجهة التي خولها القانون القيام بذلك يعتبر قرارا مشوبا بعيب عدم الاختصاص، و بالتالي يكون قابلا للإلغاء، ذلك أن الاختصاص يعتبر من النظام العام و تثيره المحكمة و لو لم يثره رافع الدعوة[7].و يتخذ عيب عدم الاختصاص ثلاثة أقسام:

  * عيب عدم الاختصاص المكاني: و يقصد به إصدار القرار الإداري داخل الجهة الترابية للجهة المصدرة له، فإذا كان الأصل في اختصاص بعض أعضاء السلطة التنفيذية (الوزراء مثلا) يشمل مجموع تراب المملكة، فان المشرع قيد اختصاص بعض الأشخاص في نطاق جغرافي  محدد و يجب على هؤلاء الأشخاص أن يحترموا في اتخاذ قراراتهم الحدود الجغرافية التي تقع تحت سلطتهم و إلا كانت هذه القرارات معيبة بعيب الاختصاص المكاني[8].

 * عيب عدم الاختصاص الزماني: كقاعدة عامة فان صاحب الاختصاص يجب عليه ممارسة اختصاصه خلال المدة الزمنية التي يثبت له فيها الاختصاص طبقا للقانون، إذ لا يمكنه إصدار القرار التأديبي قبل توليه وظيفته أو بعد تركه لها، فوظيفة رجل الإدارة ليست دائمة بل لها نهاية، و عليه فان كل قرار تأديبي اتخذ من طرف سلطة إدارية انتهت مدة اختصاصها يعتبر باطلا و لا أثر له.

   * عيب عدم الاختصاص الموضوعي: و يتحقق عندما تصدر جهة إدارية معينة قرارا إداريا ليس من اختصاصها موضوعه، و يترتب على هذا النوع من عدم الاختصاص إلغاء القرار الإداري، و هو ما أكدته المحكمة الإدارية بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ 23 فبراير 2012 الذي جاء في حيثياته " لما كان طالب الإلغاء قد عين بمقتضى ظهير شريف كعميد شرطة، فانه لا يمكن وضع حد لمهامه إلا بناء على ظهير آخر، طبقا لمبدأ توازي الشكليات". و لأجل ذلك قضت المحكمة الإدارية –الإحالة الحتمية على التقاعد- بإلغاء القرار المطعون فيه لأنه يشكل تجاوزا في استعمال السلطة لعيب عدم الاختصاص، فتجاهل الإدارة المطلوبة لقاعدة توازي الشكليات و لحجية الأحكام القضائية التي تعتبر عنوان الحقيقة يجعل القرار المطعون فيه مخالفا للقانون[9].

 2 – عيب الشكل: يعتبر الشكل المظهر الخارجي الذي يتخذه القرار التأديبي و كذا المسطرة التي تتبع في إطاره، و بالتالي يمكن الدفع بعيب الشكل كلما صدر القرار دون احترام هذه الشكليات المتطلبة قانونا[10]، ذلك أن القاضي الإداري يعمل على إلغاء قرار التأديب في الحالات التالية:

 * عدم تمكين الموظف موضوع التأديب من الاطلاع على ملفه و توفير مدة كافية له لتحضير دفاعه و الاستماع إلى أقواله، و هذا ما أكدته المحكمة الإدارية بالرباط في قرار لها عدد 10/96 بتاريخ 11/04/1996 في ملف رقم 15/95، حيث قضت بإلغاء القرار التأديبي الذي صدر دون استيفاء إحالة الموظف المتعرض للتأديب إلى المجلس التأديبي داخل اجل 4 أشهر و ذلك طبقا لمقتضيات الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.

 * في حالة عدم استشارة المجلس التأديبي قبل صدور القرار القاضي بعقوبة الموظف المعني بالتأديب، كما أن تشكيل المجلس التأديبي أقل من الأعضاء المحددين قانونا و عدم الإدلاء بما يفيد استدعاء باقي الأعضاء المشكلين للمجلس المذكور يشكل مخالفة قانونية و مسا بأحد الضمانات الأساسية المخولة للمتابع تأديبيا.

 * في حالة عدم توجيه الإنذار للموظف الذي يترك عمله و ذلك بالعودة إلى عمله خلال مدة معينة، فإذا انقضى الأجل دون الالتحاق بالعمل آنذاك يصبح للرئيس الحق في إصدار عقوبة العزل دون سابق استشارة للمجلس التأديبي و ذلك مع إيقاف حقوقه في التقاعد أو بدونه، و هذا ما قضت به المحكمة الإدارية بالرباط من خلال حكم رقم 1540 بتاريخ 03/10/2013 في قضية (م.ة) ضد المجلس القروي لجماعة بن سليمان و الذي جاء فيه ما يلي: "...عدم الانضباط الإدارة للمقتضيات القانونية المؤطرة لمسطرة ترك الوظيفة، و خاصة ما يتعلق بإنذار المعني بالأمر عن طريق الإشعار للالتحاق بالعمل، يجعل قرارها القاضي بعزله مشوبا بعيب مخالفة القانون...خاصة و أن المدعى عليها لم تدل بما يثبت توجيهها لإنذار إلى الطاعن بقصد مطالبته باستئناف عمله، و أن المدعي يتمسك بكونه لم يتوصل بأي إشعار، يتضمن دعوته إلى الالتحاق بمقر العمل و اعتبارا لذلك يكون القرار المطعون فيه مشوبا بعيب مخالفة مقتضيات الفصل 75 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، مما يجعله متسما بالتجاوز في استعمال السلطة[11].

 * في حالة عدم التعجيل بالنظر في قضية الموظف الموقوف لمصلحة التحقيق خلال 4 أشهر من تاريخ التوقيف، ذلك انه إذا بتت الإدارة في القضية بعد مرور الأجل المذكور يعتبر عملها مشوبا بالشطط في استعمال السلطة و يتم إلغاؤه.

   و تجدر الإشارة إلى أنه لا يشترط في القرار الإداري  أن يصدر في صيغة معينة إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك، و يمكن أن يكون القرار مكتوبا أو شفهيا و يقضي بالرفض أو القبول، غير أن المحاكم الإدارية أكدت على قاعدة مهمة و هي أن الأصل في قرارات التعيين و النقل و الإلحاق يجب أن تكون مكتوبة، فلا يكتفي بالإخبار الشفهي في مثل هذه الحالات من طرف مسؤول أدنى درجة من مصدر القرار[12].

   و القرار المكتوب يتضمن غالبا بعض البيانات متمثلة في مكان و تاريخ صدوره، تسبيبه، التوقيع عليه من الجهة المصدرة، و حيث إن قرارات تأديب الموظف العمومي تعتبر من القرارات الإدارية الفردية التي تستدعي التعليل وفقا لمقتضيات القانون رقم 03-01 المتعلق بإلزامية تعليل القرارات الإدارية الفردية السلبية[13].

ثانيا: رقابة القضاء الإداري على مشروعية الأركان الداخلية للقرار التأديبي.

  1-عيب المحل: يعتبر المحل عنصرا من عناصر القرار الإداري، و على ذلك فهو الأثر المباشر الذي يحدثه القرار في الأوضاع القانونية، و يمثل فيه الموضوع أو الجوهر الذي يعرف من خلال منطوقه[14].

  و يجب أن يكون الأثر القانوني المترتب عن قرار التأديب معينا و ممكنا و جائزا و قانونيا، و إذا كان الأثر القانوني المترتب عن قرار التأديب مخالفا للقانون سواء بالمخالفة المباشرة للقاعدة القانونية أو بالخطأ في تفسير القاعدة القانونية او في تطبيق تلك القاعدة نكون أمام عيب في مخالفة القانون[15]، فقد يكون عيب مخالفة القانون في المجال التأديبي مباشرا، عندما تقضي السلطة التأديبية بتطبيق عقوبة غير منصوص عليها في لائحة الجزاءات، فيما يؤدي إلى إلغاء قرارها بسبب اتسامه بتجاوز السلطة. و قد يكون عيب مخالفة القانون بسبب الخطأ في تفسير القاعدة القانونية، و يتمثل في عدم توافق تفسير النص الذي نهجته الإدارة مع المضمون الحقيقي للنص، فهنا الإدارة تعترف بوجود القاعدة القانونية و تحاول تطبيقها لكن تسبغ عليها مدلولا يختلف عن المعنى المقصود منها، فهناك تفسير للقاعدة القانونية تتمسك به الإدارة و تفسير يتمسك به الطاعن (الموظف العمومي موضوع التأديب)، فعندما يتبين للقاضي الإداري سوء تفسير الإدارة للنص يقضي بإلغاء القرار التأديبي الصادر في حق الموظف العمومي المتعرض للتأديب.

و قد يكون عيب مخالفة القانون بسبب الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية، و يتحقق في حالة ما إذا وضع القانون قيودا محددة على بعض الحقوق أو ضرب شروطا محددة بخصوص استعمالها، الإدارة تأتي بقيود أكثر تشددا في الشروط القائمة، آنذاك تكون الإدارة قد باشرت السلطة التي منحها إليها القانون دون أن تتوفر الشروط التي حددها لها، كان يوقع الرئيس الإداري عقابا تأديبيا على احد الموظفين دون أن يكون قد اقترف ذنبا يبرر توقيع ذلك الجزاء التأديبي ضده.



[1]  - ظهير شريف رقم 008-58-1 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.

[2]  - مرسوم رقم 738-77-2 بتاريخ 13 شوال 1397 (27 شتنبر 1977) بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات.

[3]  - عبد الجليل العيسوني، رقابة القضاء الإداري على النظام التأديبي للموظف العمومي، مجلة القانون المغربي، العدد 17، ابريل 2011، ص ص: 52-53.

[4]  - الفصلان 117 و 118 من دستور 2011.

[5]  - عبد القادر باينة، القضاء الإداري  الأسس العامة و التطور التاريخي، ص: 22.

[6]  - المادة 20 من الظهير الشريف رقم 225/91/1 الصادر في 22 ربيع الأول 1414 (10 شتنبر 1993) بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية.

[7]  - مليكة الصروخ، مشروعية القرارات الإدارية، دار القلم، طبعة 2011، ص: 104.

[8]  - سعيد امجد، الجزاء التأديبي للموظف العمومي في التشريع المغربي و المقارن، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، جامعة محمد الخامس السويسي، السنة الجامعية: 2009-2010، ص: 60

[9]  - المحكمة الإدارية بالرباط، حكم رقم 665 بتاريخ 23/02/2012، في ملف رقم 294/5/2011، عميد شرطة ضد السيد المدير العام للأمن الوطني، منشور بمجلة القضاء الإداري، العدد الثالث، سنة 2013، ص: 229.

[10]  - سعيد امجد، مرجع سابق، ص: 61.

[11]  - حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد 1540 بتاريخ 03/01/2003 في الملف عدد 140/5/2012، غير منشور.

[12]  - عبد الواحد قريشي، القضاء الإداري و دولة الحق و القانون بالمغرب، الشركة المغربية للنشر و توزيع الكتاب، الطبعة الأولى، 2009، ص: 95.

[13]  - تنص المادة الأولى من القانون رقم 03-01: "تلزم إدارات الدولة و الجماعات المحلية و هيئاتها  و المؤسسات العمومية و المصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية  الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني...".

[14]  - عبد الله ادرسي، القرارات الإدارية بين رقابة المشروعية و الملائمة في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة الجامعية: 1982/1983، ص: 137.

[15]  - مليكة الصروخ، مشروعية القرارات الإدارية، دار القلم، طبعة 2011، ص: 143.


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك

من أجل تحميل هذا العدد الثاني عشر - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث