ماهية الجريمة السياسية البحتة وأهمية التعريف بها من وجهة نظر مستحدثة (دراسة تحليلية مقارنة) - المتولي الشاعر

ماهية الجريمة السياسية البحتة وأهمية التعريف بها من وجهة نظر مستحدثة (دراسة تحليلية مقارنة)

The nature of purely political crime and the importance of defining it from a new point of view (a comparative analytical study)

 المتولي الشاعر / أستاذ القانون الجنائي المشارك بكلية البريمي الجامعية سلطنة عمان.

ELMUTWALIY Al saaeir 


 

كلمة

"الفكر البشري لا يجب أن يوضع في قوالب مصبوبة سلفاً، فالعقل البشري قادر بإمكاناته التي منحها الله إياه على الإبداع دوماً، ذلك أن التقدم البشري وتقدم الأمم، لا يتأتى إلا بالفكر والإبداع وليس للأمم أن تتقدم إلا بالإبداع المستمر، ما دامت تلك لا تخالف القواعد الإلهية والشرعية"

 

ملخص الدراسة باللغة العربية

نناقش من خلال هذا البحث موضوع في غاية الأهمية، خاصة في هذه الآونة التي يعيشها العالم، وهو << ماهية الجريمة السياسية البحتة وأهمية التعريف بها -من وجهة نظر مستحدثة- ومن خلال دراسة الموضوع نناقش المعايير المختلفة في تمييز الجرائم السياسية البحتة، وأن نؤكد على أهمية وضع معيار لمعرفة تلك الجريمة.

ذلك لأنه يترتب على ذلك نظرة مختلفة من جانب المشرع وكذلك من جانب القاضي وأخيراً من جانب الإدارة العقابية على هذه الجريمة.

ومن خلال دراسة هذا الموضوع بينا المعايير المختلفة في تمييز الجريمة السياسية عن غيرها من الجرائم، وذلك من خلال عرض المعيار التشريعي أولاً، في تحديد الجريمة السياسية البحتة وذلك من خلال عرض نماذج وتطبيقات تشريعية في كثير من الدول، وناقشنا المعيار الموضوعي في تحديد مفهوم الجريمة السياسية، ثم استعرضنا المعيار الفقهي في تحديد مضمون الجريمة السياسية، وذلك من خلال نظریات فقهية متعددة وبعرض كل نظرية من هذه النظريات الفقهية على حدة.

وفي نهاية استعراض النظريات الفقهية، حاولنا وضع معيار ومفهوم لتحديد الجريمة السياسية البحتة من خلال نظرة جديدة لمفهوم الجريمة السياسية وفقاً لمستجدات العصر الحديث وتطورات الأوضاع السياسية الدولية وغير ذلك من متغيرات مختلفة على المستوى الداخلي في بعض الدول، ثم توصلنا الى بعض النتائج والتوصيات في نهاية هذه الدراسة.

 

Summary

We discuss, through this research, a very important topic, especially in these times in which the world is living, which is << what is purely political crime and the importance of defining it from a new point of view and through studying the topic we discuss the different criteria for distinguishing purely political crimes, and to emphasize the importance of establishing a standard for knowing that crime.

This is because it results in a different view on the part of the legislator, as well as on the part of the judge, and finally on the part of the penal administration on this crime.

By studying this topic, we explained the different criteria for distinguishing political crime from other crimes, by presenting the legislative criterion first, in defining purely political crime, by presenting legislative models and applications in many countries, and we discussed the objective criterion in defining the concept of political crime. Then we reviewed the jurisprudential standard in determining the content of political crime, through multiple jurisprudential theories and by presenting each of these jurisprudential theories separately.

At the end of the review of jurisprudence theories, we tried to develop a standard and concept to define purely political crime through a new view of the concept of political crime in accordance with the developments of the modern era and developments in the international political situation and other different variables at the internal level in some countries, then we reached some conclusions and recommendations at the end of this studyıng.

 

 

المقدمة

الحمد لله الذي جعل العدل أساساً في السموات والأرض، فأسمه الحق وحكمه العدل وأمره بالعدل، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وأصلي وأسلم على رسوله الأمين، وأله وأصحابه والتابعين بإحسان الى يوم الدين.

أما بعد:

أولاً: أسباب اختيار الموضوع

من أهم أسباب اختيار هذا الموضوع كموضوع للبحث:

1.            الاهتمام بموضوع الجريمة السياسية في ظل الظروف التي تشهدها المنطقة والعالم ومعرفة هذا النوع من الجرائم.

2.            حاجة المجتمع في تثقيف وتوعية عن هذا النوع من الجرائم.

3.            الحاجة الى تثقيف القائمين على الضبط القضائي بهذا النوع من الجرائم وأهميته وأهمية مرتكبى هذه الجرائم.

4.            الحاجة الى تثقيف القائمين على تنفيذ العقوبة الجنائية بما يجب أن يعامل به هؤلاء المرتكبين لهذا النوع من الجرائم من معاملة تختلف عن مرتكبى الجرائم الأخرى داخل المؤسسات العقابية.

5.            حاجة المكتبات العامة والقانونية الى هذا الموضوع وضرورة بحثه من جديد باسلوب يتفق ومقتضيات العصر والزمن.

ثانياً: أهمية البحث:

1.        الأهمية النظرية: تعود أهمية هذا الموضوع النظرية الى التعريف بالجريمة السياسية وبمفهوم الجريمة السياسية من وجهة نظر مستحدثة تتفق ومقتضيات العصر وأحداثه.

2.        الأهمية العملية: ترجع الى أن يتعرف القائمين على توقيع الجزاء الجــــنائي وكذلك القائمين على تنفيذ الجزاء الجنائي من ضرورة معاملة هؤلاء المجرمين (المجرم الســـياسي) معاملة لائقـــــة تتفق وطبيعة جريمته خاصة وأن معارض اليــــوم قد يكـــــون هو الحاكم غداً خاصـــة في الإجرام السياسي.

ثالثاً: أهداف البحث:

يسعى البحث الى تحقيق الأهداف التالية:

1.      التعرف على الجريمة السياسية من حيث ماهيتها وأهميتها ونطاقها وأنواعها.

2.      الوقوف على ماهية الاجرام السياسي وخصائصه.

3.      الوقوف على إجراءات هذا النوع من الجرائم والجزاء المقرر له.

رابعاً: صعوبات البحث:

تتمثل بعض الصعوبات فيما يلي:

1.      محاولة البحث إلى الوصول إلى نظرية جديدة تتفق والتغيرات الحديثة في نظرة المجتمع للمجرم السياسي.

2.      محاولة الوقوف إلى مفهوم جديد للجريمة السياسية البحتة يتفق مع العصر.

3.      قلة المراجع والكتب في هذا الموضوع خاصة كتب حديثة في هذا المجال، فالأكثرية في هذا المجال قديمة ولم يتم بحث الموضوع بنظرة حديثة وفق مقتضيات العصر.

4.      التشريعات في هذا المجال قليلة، ولا توجد إلا نصوص قليلة قديمة اشارت إلى هذا النوع من الإجرام.

خامساً: منهج البحث:

المنهج المتبع في بحث ودراسة هذا الموضوع هو المنهج الوصفي بالإضافة الى الاستنباطي والاستقرائي، خاصة وأن البحث من أهدافه كذلك أن يحلل ويأصل طبيعة هذا النوع من الإجرام موضوع هذا البحث وهذه الدراسة، بالإضافة إلى المنهج المقارن.

معيار التمييز للجرائم السياسية البحتة أو الخالصة

1.      المعيار التشريعي.

2.      المعيار الفقهي.

 

 

الفصل الأول: المعيار التشريعي

تمهيد:

‏بداية نود أن ننوه إلى أن النظريات الفقهية التي قيل بها في تحديد مفهوم الجرائم السياسية، ووضع ضوابط التفرقة بينها وبين الجرائم العادية، قد ميزت بين الجرائم السياسية البحتة أو الخالصة وبين الجرائم السياسية النسبية، فالأولى هي الجرائم التي تكتسب الصفة السياسية سواء بالنظر إلى الباعث الذي أوحي إلى المجرم بارتكابها أم إلى طبيعة الحق المعتدي عليه.

       وهي تتضمن جرائم الاعتداء على كيان السلطة السياسية في الدولة، سواء من الخارج (مثل: استقلال الدولة، وسلامة اراضيها، وعلاقتها بالدول الأخرى) أو من الداخل (مثل: شكل الحكومة، نظام السلطة السياسية، حقوق الأفراد السياسية)([1]).‏

-      أما الثانية فهي جرائم عادية في[1] الأصل، ولكنها تكتسب الصفة السياسية لإرتباطها بالجرائم السياسية ارتباطاً وثيقاً وهي نوعان:

الأولى: ‏جرائم سياسية مركبة أو مختلطة.

Délits Politiques Mixtes.

الثانية: جرائم سياسية مرتبطة.

Délits Connex A unfait Politique.

المبحث الأول: صعوبة وضع تعريف قانوني

موقف السلطات التشريعية من التعريف:

‏السلطات التشريعية في الغالبية العظمى من الدول عدا القليل منها([1])، تحجم عن الخوض في وضع تعريف قانو[2]ني للجرائم سياسية مدفوعة في ذلك بمراعاة إعتبارات كثيرة منها:

1.        فمن ناحية، ‏فإن مفهوم الجريمة السياسية متقلب دائماً ومتغير بتغير الأوضاع والظروف والأماكن والأزمات، فقد يتسع هذا المفهوم حيناً فيندرج في نطاقه بعض الأفعال ويضيق حيناً آخر فيخرج عنه ما سبق أن أدرج به.

2.        ‏النظرة إلى الإجرام السياسي تشديداً أو تخفيفاً تختلف باختلاف ‏أشكال الحكومات والنظم القائمة في الدول وما تتصف به هذه النظم من كونها "ديمقراطية" أو "ديكتاتورية" وأكثر من ذلك، فإن هذا المفهوم يختلف في ذات الدولة بتعاقب أشكال الحكومات فيها، فمضمون الجريمة السياسية يتحدد في نطاق خطة السياسة الجنائية التي تنتهجها الحكومة القائمة، ومن ثم فإن تعريف الجريمة السياسية لا يخرج في النهاية عن كونه مجرد تعبير عن موقف النظام القائم حيال الإجرام السياسي في ظرف معين ومرحلة معينة.

3.        أنه لا يستساغ أن تكون الجريمة السياسية موضوع تعريف في صلب التشريع الجنائي، لأن من صفات المفاهيم القانونية الثبات والاستقرار بينما يكون من صفات المفاهيم السياسية مراعاة الظروف والتكيف مع الحاجات والمصالح وهي دائماً متغيرة([1]).

4.        إن وصف "السياسي" ‏هو تعبير واسع[3] فضفاض لا يعني مضموناً مستقراً ولا يعير عن فحوى ثابت، فالإجرام السياسي مثلا هو الذي يتكشف عن خطر سياسي باضراره بمصلحة أساسية من مصالح النظام السياسي القائم، فهذا القول يكون بمثابة حل للمشكلة بمشكلة أخرى، إذ تبقى في حاجة إلى البحث عن معيار دقيق يوضح ماهية "الخطر السياسي" أو "المصالح السياسية" التي إذا ما أصابتها الجريمة وصفت بأنها سياسية، ولن يكون الأمر في النهاية سوى ترديد لمشكلة أو تفسير للماء بالماء([1]).

5.        ‏إن اختصاص المشرع هو في الواقع [4]وضع القواعد الأساسية للجرم، وذلك بتبيان أركانه وعناصره المكونة اياه. وما قد يلحق به من ظروف والعقوبة المقررة دون القيام بمهمة وضع تعريف له، خوفاً من أن يأتي هذا التعريف قاصراً فيقف حائلاً دون تقدم التشريع وتطوره وملاحقته لكل مستحدث.

6.        أن من صميم عمل ‏الفقه هو وضع التعاريف في حدود القواعد العامة التي يضعها المشرع([1])، وليس المشرع هو الذي يقوم به.

7.        قد[5] تؤدي الجريمة السياسية الى ثورة ضد النظام القائم، ‏فيعتبر ممثلوا هذا النظام الثوار مجرمين ويطالبون بعقابهم وبأشد العقوبات، بينما القائمين بالثورة ينظرون إلى الحكومة القائمة باعتبارها غير شرعية ومستبدة ولابد من اسقاطها.

وعليه؛ فاذا ما تغيرت الحكومة أو شكل الدولة بنتيجة انقلاب أو اعتداء على النظام القائم فان الحكومة الجديدة -أي المستفيد من زوال أو تغيير الحكومة السابقة- لا تستطيع أن تعتبر ذات الفعل الذي خلقها جريمة تستدعي العقاب.

للاعتبارات السابقة:

‏استناداً إلى الاعتبارات المتقدمة، فقد جاءت التشريعات الجنائية الداخلية للغالبية العظمى من الدول خالية من أي تعريف للجريمة السياسية.

المبحث الثاني: أساليب المشرع في وضع معيار تشريعي

يجدر القول -في هذا المقام- ‏إلى أنه إذا ما عمد المشرع إلى وضع تعريف قانوني للجريمة السياسية، قد يلجأ إلى أساليب متنوعة لتحديد الجرائم التي يضفى عليها الطابع السياسي.

وهذه الطرق ثلاثة كما يلي:

1.      ‏أن يضمن القانون الجنائي الداخلي نصاً يعرف هذه الطائفة من الجرائم.

2.      ‏أن يعدد هذه الجرائم على سبيل التحديد والحصر.

3.      ‏أن يستند إلى نوع العقوبة المقررة كمعيار لهذا التحديد.

الطريقة الأولى: أن يضمن القانون الجنائي الداخلي نصاً يعرف هذه الطائفة من الجرائم:

أ- ‏نجد أن الغالبية من التشريعات لا تأخذ بها، حتى تحتفظ لنصوصها بطابع الاستقرار والدوام. ورغم ذلك؛ فإن ثمة اتجاهاً تشريعياً قد ساد بعض الدول التي سلكت هذا السبيل.

ب- ‏مثال ذلك المشرع الجزائي السوري قد عرف الجرائم السياسية في المادة 195 بقوله:

1.      ‏الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي.

2.      ‏وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية، مالم يكن الفاعل قد إنقاد لدافع أناني دنئ([1]).

ج- وعرفها ‏المشرع الجنائي الإيط[6]الي في الفقرة الثالثة من المادة الثامنة بأنها <<كل جريمة تسبب أذى أو ضرر لمصالح الدولة السياسية، أو تتضمن اعتداء على أحد الحقوق السياسية للمواطنين، وكذلك كل جريمة من جرائم القانون العام ترتكب كلها أو بعضها ببواعث ذات طبيعة سياسية>>([1]).

د- ‏وقد أخذ بهذا الاتجاه المشرع[7] الألماني في القانون الصادر سنة 1928، ‏حيث اعتبر هذا المشرع الاعتداءات المعاقب عليها والموجهة مباشرة ضد وجود الدولة أو أمنها، أو ضد هيئة عامة نص عليها الدستور أو ضد الحقوق المدنية السياسية في حالة الانتخاب أو التصويت أو ضد حسن العلاقات التي تربط الدولة بغيرها جرائم سياسية([1]).

هـ- ‏وكذلك أيضا المشرع الليبي ا[8]لذي عرف الجريمة السياسية بأنها <<كل جريمة تمس مصلحة سياسية للدولة أو حقاً سياسياً لأحد الأفراد، كما تعد جريمة سياسية الجريمة العادية التي يكون الدافع الأساسي لاقترافها سبباً سياسياً<<.

الطريقة الثانية: تعداد المشرع ‏الداخلي للجرائم السياسية على سبيل الحصر:

-      ‏مثال لها تلك المحاولة التي أجراها المشرع الفرنسي في المادة السابعة من قانون 8 أكتوبر سنة 1830. فقد عدد المشرع في صدر تلك المادة الأفعال التي تعد جرائم سياسية.

وبالرجوع إلى نص المادة السابعة من قانون سنة 1830 ‏نجد أن المشرع قد أضفى ‏الصفة السياسية على الجرائم الآتية:



([1])  راجع على سبيل المثال: المادة 195 من قانون العقوبات السوري؛ المادة (8) من قانون العقوبات الإيطالي.

([2])  انظر: ‏دكتور محمد الفاضل، محاضرات في الجرائم السياسية، الطبعة الثانية، سنة 1963، ص 20.

([3])  مراجع: ‏علي منصور، الجرائم السياسية، بحث مقدم إلى المؤتمر الرابع للمحامين العرب، سنة 1958، ص 310.

([4])  مراجع: ‏محمد عطية راغب، الجريمة السياسية في التشريع العربي المقارن، مجلة مصر المعاصرة سنة 1963، ص 20.

([5])  مراجع: ‏دكتور محمد الفاضل، المبادئ العامة، ص 243.

([6])  انظر: ‏الدكتور أحمد ‏فتحي سرور، أصول قانون العقوبات،1972، ص 184.

([7])  انظر المادة (3) من القانون الصادر في 28-12-1928.

([8])  مراجع في ذلك:

Chauveau et helie ,”theonie du Code pénal. T.11 p. 17, Phocion.S. pApathanassiou. P.50,51.

من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك

من أجل تحميل هذا العدد الثاني عشر - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث