التواصل الإلكتروني بين الإدارة العمومية والمرتفقين - الإسماعيلي ناصر

 التواصل الإلكتروني بين الإدارة العمومية والمرتفقين


Electronic communication between the public administration and the users

الإسماعيلي ناصر / باحث دكتوراه في القانون العام بكلية الحقوق وجدة.

ELISMAILI Naser

 


مقدمة:

تعرف العلاقات الاجتماعية الإلكترونية بأنها " جميع أوجه الاتصال الإنساني التي تتم في المجتمع بين أبناء المجتمع الواحد أو المجتمعات الإنسانية ككل وتتم من خلال وسائل اتصال إلكترونية" ويعرفها الباحثان بأنها "مجموعة التفاعلات والعلاقات والروابط الإنسانية الموجودة في المجتمع وتتمثل في الصداقة والتعارف والزواج والمراسلات والمشاركات بين أبناء المجتمع الواحد أو المجتمعات الإنسانية ككل وتتم من خلال وسائل اتصال إلكترونية. "

ويري بعض الباحثين أن وسائل الاتصال التي أتاحتها تكنولوجيا الاتصالات قد أثرت على طبيعة العلاقات الاجتماعية في ثلاثة اتجاهات هي[1]:

1-      تكريس العزلة والتفتت الجماهيري: ويبنى هذا التصور على أن ظهور خدمات الاتصال الجديدة التي توجه رسائل متخصصة تلبي الميول والنزعات الفردية مثل :

 الإنترنت وزيادة الإقبال الشديد من جانب الأفراد عليها وامتلاكها والاستعاضة بها عنها وسائل الاتصال المباشر مع أفراد آخرين، مما أدى إلى تكريس العزلة والتفتت الجماهيري، وتمثل مظاهر التفتت الجماهيري في المجتمع الأمريكي على سبيل المثال في ميل الأفراد نحو الانعزال في جماعات صغيرة العدد، ومحدودة الأهداف والغايات، كما أن وسائل الاتصال الجديدة تمنح الأفراد القدرة على خلق بيئة الاتصال التي تناسبهم، كما أدي ظهور وسائل الاتصال هذه إلى تناقص المعرفة التي يحصل عليها الأفراد من التعرض العشوائي لمواد الاتصال وتناقص الاتصال بين الجماعات والطبقات ليحل محله اتصال متزايد داخل كل جماعة أو طبقة.[2]

2- تكريس الهيمنة من خلال الاندماج: ويقوم هذا التصور أو الاتجاه على تركيز وسائل الاتصال في كيانات ضخمة وملكية مشتركة ومتعددة الجنسية، وهناك أسباب عديدة لزيادة الاتجاه نحو الهيمنة منها قوانين الضرائب، والرغبة في تحقيق الاستقرار المالي، والوقاية ضد مخاطر المستقبل، والقضاء على الشركات المنافسة .

3-التوافق بين التكنولوجيا القديمة والحديثة: وبني هذا التصور على أن تقوم التكنولوجيا الجديدة بسد جوانب النقص في التكنولوجيا القديمة، وتلبية الحاجات الفردية، مع عدم إهمال الإحساس بالمشاركة العامة والأهداف القومية في إطار عملية مستمرة من الاستكشاف العقلي، والمناظرات المفيدة التي تتيح تبادل الآراء والخبرات.

مما سبق فإن تكنولوجيا الاتصالات تؤثر في العلاقات الاجتماعية الإلكترونية في مجالات عديدة منها الزواج الإلكتروني والصداقة التعارف الإلكتروني، والتفاعل والتواصل الإلكتروني، ففي الزواج الإلكتروني تلعب تكنولوجيا الاتصالات دوراً كبيراً في هذا المجال من خلال الإنترنت فهي تسهم في سهولة اختيار شريكة الحياة ، وزيادة حالات الزواج عن طريق الإنترنت، هذا بالإضافة إلى ما توفره من شروط الاختيار الجيد للزوجين، والاستقرار العائلي، وجعل الزواج ناجحاً فضلا عن إحداث نوعاً من التقارب وتقليل الخلافات بين الأزواج، وفي مجال الصداقة والتعارف الإلكتروني يري بعض علماء الاجتماع أنها تجعل الصداقة متينة وقوية ، وأكثر صراحة ، وتوفر شروط جيدة لاختيار الأصدقاء ، كما أنها تساعد على توسيع الأفق لدى جميع الأعمار بما يسهم في تنمية الشخصية من خلال تبادل الخبرات ، هذا فضلاً عما تتيحه من معرفة الأشخاص والمحيطين بشكل أفضل، الأمر الذي يساعد الفرد في حل كثير من المشكلات والتعايش مع المجتمع وفهم العالم، إلا أن آخرون يرون أن الصداقة الإلكترونية قد تؤدي إلى آثار أخلاقية سلبية[3].

وفي مجال التفاعل الاجتماعي الإلكتروني تسهم تكنولوجيا الاتصالات يرى البعض أنها تروج للحوار الاجتماعي وتعزز التماسك الاجتماعي وتوفر طرق وأنماط جديدة للتفاعل الإنساني والاجتماعي، بالإضافة إلى ما توفره من معلومات في جميع المجالات، مما يحسن نوعية الحياة وحل المشكلات الاجتماعية مثل: الإدمان وغيرها.

ويرى آخرون أنها تزيد من فرص المشاركة في ألعاب جماعية وتكوين صداقات بما يزيد من ثقة الإنسان في الآخرين من خلال الاشتراك في موضوعات معينة مع جماعات أخرى، بالإضافة إلى ما تسهم به من زيادة أنواع الترفيه والتسلية بما يزيد من ثقافة الإنسان نظراً للاتصال بجميع المؤسسات والأفراد، فضلاً عما توفره من حرية وسرية في العلاقات الاجتماعية[4].

بينما يرى الباحثان أن تكنولوجيا الاتصالات متمثلة في الإنترنت تحقق الاتصالات بين الأشخاص والجماعات بسهولة ويسر، بالإضافة إلى أنها تمكن الإنسان من ممارسة أشكال عديدة من الاتصالات متجاوزاً بذلك حدود المكان والزمان، فعن طريق البريد الإلكتروني ينمو الحوار الجماعي ويدعم التفاعل على مختلف المستويات، ومن ثم يعزز التماسك الاجتماعي.

وتؤكد الدراسات الحديثة أن استخدام البريد الإلكتروني ساهم في تقليل العزلة بين كبار السن والمعاقين ودفعهم إلى ممارسة أدوار اجتماعية جديدة من خلال قنوات الاتصال ، كما ساعدت المواقع المخصصة للحوار على الإنترنت فئات عديدة على حل مشكلاتها مثل مدمني المخدرات وأصحاب الأمراض النفسية.[5]

كما أكدت الدراسات على أن تراجع الاعتماد على الصور الذهنية المسبقة والقوالب الجامدة في أثناء التفاعل عبر الشبكة قد ساعد في تفعيل النشاط الاجتماعي للفئات المهمشة على الشبكة، حيث لاحظ العلماء أن المشردين الذين لا سكن لهم والمعاقين عندما يتفاعلون مع آخرين عبر الشبكة يتلقون تقديراً واحتراماً قد لا يجدونه في الاتصال الشخصي وجهاً لوجه، أي أن هذه الطرق من الاتصال قد أعادت التقدير والاحترام للفئات المسحوقة اجتماعيا.[6]

ويرى آخرون أن الإنترنت تزيد من القدرة الاتصالية والتفاعلية للمستخدم؛ لأنها تعزز من قدرته على الاتصال بآخرين على الجانب الأخر من الكرة الأرضية بسرعة هائلة وتكاليف زهيدة، حيث يمكن للمستخدم أن يشارك في ألعاب جماعية مع آخرين في أنحاء الكرة الأرضية وتكوين صداقات جديدة، ويستطيع أيضاً أن يلتقي بمجموعات تشاركه الاهتمام بموضوعات مشتركة معينة، الأمر الذي يزيد ثقة الإنسان في الآخرين، هذا بالإضافة إلى ما توفره من وسائل للتسلية الاجتماعية مع الآخرين.

وعن الآثار السلبية للإنترنت أشار الباحثون إلى أنها تسهم في تحقيق العزلة والفردية مقابل الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة ، وبالتالي فهي تسهم في انهيار البناء الاجتماعي أو اللامبالاة بالشئون المحلية للمجتمع، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الآثار السلبية الأخرى التي لا يمكن التهوين أو التقليل من شأنها وأخطرها " إدمان الشبكة " وتعني شعور الشخص بالتوتر والانزعاج إذا توقف عن استخدامها أو ابتعد عنها، وبالتالي يتحول استخدامه للشبكة إلى سلوك قسري ، وقد أثبتت الدراسات أن 6 % من مستخدمي الشبكة بالولايات المتحدة مصابون بمرض إدمان الشبكة  وهذه الفئة تستخدم الشبكة 40 ساعة أسبوعيا مما يؤثر على أوقات الدراسة.[7]

ويرجع العلماء ظاهرة إدمان الشبكة إلى أنها تسقط أمام الفرد كل العوائق والحواجز الاجتماعية والدينية والاجتماعية التي تحول دون إشباع رغباته، فالصور العارية تكون متاحة على الشبكة للأطفال والشباب، وبالتالي يجد الشاب أنها أشبعت رغبات كان يجد صعوبة في إشباعها فيرتبط بمصدر الإشباع، وذلك نظراً لغياب الرقابة على الشبكة والذي طالما لعب الأبوين دوراً أساسياً في حماية الأخلاق والمجتمعات.

ويري بعض الباحثين أن ظهور هذه التكنولوجيات كان لـــه أكبر الأثر على طبيعة الاتصال وأشكاله مما أتاح قدراً هائلاً من الرسائل التي تخاطب جماعات صغيرة مستهدفة بدلا من الجماهير العريضة، وبالتالي اتجهت إلى مخاطبة النزعات الفردية بدلا من النزعة نحو مخاطبة الجماهير الغفيرة[8].

وعن تأثير تكنولوجيا الاتصالات على العلاقات الاجتماعية يري بعض علماء الاجتماع أنها سوف تؤثر سلبياً على العلاقات الاجتماعية من حيث أنها تزيد من انعزالية الأفراد وانسحاب الأفراد من دائرة العلاقات الاجتماعية وتعميق إحساسه بالوحدة، الأمر الذي يفقده بمرور الوقت القدرة على ممارسة علاقات إنسانية حميمة، وكذا القدرة على التعاطف مع الآخرين.[9]

وتؤثر تكنولوجيا الاتصالات في بنية المجتمعات تأثيراً كبيراً من حيث مستوى المعيشة وحل المشكلات، وتعرف بنية المجتمعات بأنها "مجموعة الضوابط والقوانين والأنظمة والعادات والتقاليد التي تحفظ للمجتمع استقراره ووجوده وتتمثل في اللغة والدين والهوية الثقافية والأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها".

ومن الآثار الإيجابية لتكنولوجيا الاتصالات على بنية المجتمعات يرى الباحثان أنها تساعد على زيادة التجارة، والتقدم الصناعي، وترابط المجتمعات وتقاربها، وتعمل على تحسين مستوى المعيشة، هذا فضلاً عما تسهم به في حل مشكلات المجتمعات مثل المشكلات البيئية والصحية ومشكلات المرور، الآمر الذي يؤدي إلى تقدم المجتمع وزيادة رفاهيته . [10]

ويرى آخرون أن هناك عدداً من الظواهر الإيجابية الناتجة من تأثير تكنولوجيا الاتصالات على بنية المجتمعات من حيث أنها توفر معلومات متنوعة في جميع نواحي الحياة وهذه المعلومات تجعل الإنسان أكثر قدرة على تحسين نوعية الحياة، كما أنها تجعل الاقتصاد أكثر ازدهاراً وإنتاجية، نتيجة التخلص من الوسطاء، كما تؤدي إلى زيادة الطلب على أشكال جديدة من الترفيه نتيجة لزيادة المستمرة في أوقات الفراغ، بما يسهم في تحسين الأحوال المعيشية للبشرية.

وعن تأثيرها على تحسين مستوى المعيشة نجد أن اليابان في مجال الاتصالات حققت مركزاً عالمياً مرموقاً في مجال الإلكترونيات والاتصالات، فبالرغم مــــن أن عدد سكانها يمثل 2،2% من سكان العالم وقلة مواردها الطبيعية، إلا أن إنتاجها يمثل أكثر من  10  % من إجــــــمالي الناتج العالمي، وقد تضاعف دخل الفرد فيها أكثر مـــــــن ثلاث مرات بسبب تقنية المعلومات وأجهــــــزة الحاسب وغيرها من الصناعات الإلكترونية. كما أن الولايات المتــــحدة الأمريكية التي تمثل 4،5 % مـــــن سكان العالم يمثل ناتجها الوطني ما يقرب من 25 % من إجمالي الناتج العالمي الكلي، وأن ثمار التقدم في مجال الاتصالات والحاسب قد ضاعف من دخل الفرد فيها ثلاث مرات ونصف خلال ربع القرن الماضي.

وعن الآثار السلبية لتكنولوجيا الاتصالات على بنية المجتمعات يــــرى البعض أنها تعمل على تفكك المجتمعات وزيادة البطالة والعــــــنف وانتشار الجريـــمة وابتكار أساليب جديدة لتنفيــــذها وانتشار الأفكار الهدامة واندثار اللغات وتهديد الأمن العالمــــي وزيادة الحروب وانــــتشار الأسلــــحة الفتاكة، وسيطرة المجتمعات الغنية على المجتمعات الفقـــــيرة، وزيادة عمليات السرقة وضياع حقوق الناشرين والمؤلفين وتقليص الخبرات المشتركة، وبالتالي ضياع هوية المجتمع وصعوبة الحفاظ على القيم.[11]

ويري آخرون أنها تزيد من انعزالية الفرد وانسحابه من دائرة العلاقات الاجتماعية وتعميــــق إحساسه بالوحدة، وتؤدي إلى عدم التعاطف مع الآخرين وانهيار البناء الاجتــــماعي وتدمير القيم من خلال الاطلاع على مواقع الجنس والعري، كما تنتهك خصوصية الأفراد وتساعد على الانضمام إلى جماعات المافيا والعصابات وزيادة الاستهلاك وتفشي الفساد، وتشــــير الدراسات الأمريكية إلى عدد من الظواهر السلبية التي حدثت فــــي المجتمع الأمريكي خــــلال العقدين  الماضيين باعتبارهما من تأثير الإنترنت مثل زيادة الاستهلاك، تفشي الفساد، وانتشار الجريمة، وتراجع ثقة المواطنين في الحكومة .مما سلف ارتأينا معالجة هذا الموضوع من خلال ثلاث محاور كمايلي:



[1] عبد الصمد الصيرمي، التكنولوجيا الحديثة في للتربية والتعليم. الأردن، الوراق للنشر والتوزيع، 2009، ص 102.

[2]  بيتر كنت، الدليل الكامل إلى الانترنت، ترجمة سامح خلف، مركز التعريب والترجمة، الدار العربية للعلوم، الطبعة 1، 2008، ص17.

[3] ايجون لارسن. تاريخ التكنولوجيا قصة الاختراعات وأشهر المخترعين منذ بدء الخليقة، الجزء 3. ت/مصطفى ماهر، دون مدينة نشر، دون تاريخ نشر، ص 50.

[4] فرنسوا لسلي ونكولا ماكاريز. وسائل الاتصال المتعددة وملتيمديا. ط1، ت/ فؤاد شاهين، كويدات للنشر والطباعة، 2009 ، ص 57.

[5] عامر ابراهيم قنديلجي. وإيمان فاضل السمرائي تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها عمان، الوارق للنشر والتوزيع 2008، ص 221.

[6]   محمد العقاب: مجتمع الإعلام والمعلومات ماهيته وخصائصه. الجزائر، دار هومة، 2010، ص 75.

[7]  حسن عماد مكاوي. تكنولوجيا الاتصال الحديثة في عصر المعلومات. ط4، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 2005، ص 122.

[8]   - ط. عبد الحق. برمجيات الانترنت (الملاحة والاستكشاف). البليدة، قصر الكتاب، 2005، ص 43.

[9]   - مجد هاشم الهاشمي. الإعلام الكوني وتكنولوجيا المستقبل. الأردن، دار المستقبل للنشر والتوزيع، 2001، ص 263.

[10]حسن طاهر داود. أمن شبكات المعلومات. الرياض، مركز البحوث بمعهد الإدارة العامة، 2009، ص 66.

[11]   - عبد الفتاح بيومي حجازي. الأحداث والانترنت. الإسكندرية، دار الفكر العربي، 2010، ص 23.

من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد العاشر -إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث