نطاق التقييد الاحتياطي - نبيل بنحمو علي

 نطاق التقييد الاحتياطي

Reserve limitation range

 نبيل بنحمو علي / طالب باحث في سلك الدكتوراه مسلك القانون الخاص.

NABILE Benhamou Ali


 

مقدمة

يعتبر العقار الارضية الاساسية لانطلاق المشاريع التجارية و الصناعية والسياحية، وأداة فعالة لتحقيق الاستقرار و الأمن والسلم داخل المجتمع، بالنظر إلى الدور الذي يقوم به على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي [1].

وقد نظم المشرع المغربي التقييد الاحتياطي ، واكتفى ببيان حالاته وخصائصه وطرق التشطيب عليه ، وذلك بهدف التخفيف من صرامة مبدأ حجية التقييد ومبدأ اكتساب الحقوق بحسن نية[2].

اذ يمكن القول أن التقييد الاحتياطي المقيد بالسجلات العقارية هــــو بمثابة ادعاء لحق ملكية على عقار محفظ او الحق من الحقوق العينيــــة المترتبة عليه ، وبهذا المعنى فإن التقييد الاحتياطي لا يقيد قيد من القيود المانعة من التصرفات في حق الملكية العقارية ، غير ان جميع التصـــــرفات القانونية او الإجراءات التحفظية المقيدة بالرسم العقاري في الرتب الموالية للتقييد الاحتياطي ، لا يمكن الاحتـــجاج بها في مواجهة صاحب التقييد الأخير لأنه يعتبر حجة تجاه الغير على صحة الوقائع الواردة ويعتبر تحذيرا له [3]. اما اهمية التقييد الإحتيــــاطي في حفظ الحقوق مؤقتا ، ويعـــــطي لصاحبه الاولوية في تقييد حقه ازاء كل شخص اراد تقييد حقوق اخرى ، ولا يوقـــــف سير التقييدات من حيث المبدأ.

الاشكالية التي تطرقت اليها في هذا الموضوع هي :

هل وفق المشرع المغربي والقضاء في التمييز بين التقييد الاحتياطي والحجز التحفظي والحقوق التي يمكن تقييدها احتياطيا والمؤسسات المشابهة له ؟

للإجابة عن هذه الاشكالية لقد قمت بتقسيم هذا البحث الى مطلبين :

المطلب الاول : المطلب الأول: مفهوم التقييد الاحتياطي وخصائصه 

المطلب الثاني : نطاق التقييد الاحتياطي وتمييزه عن المؤسسات المشابهة له

المطلب الأول: مفهوم التقييد الاحتياطي وخصائصه

لم يعرف المشرع المغربي التقييد الاحتياطي، لأنه حسنا فعل، أن وضع التعاريف من صميم عمل الفقه والقضاء، لأن وضع تعريف تشريعي يضفي نوعا من الجموع على النصوص القانونية، ويجعله غير قادر على مواكبة المستجدات والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية (الفقرة الأولى) كما أن التقييد الاحتياطي يتمتع بمجموعة من الخصائص (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعريف التقييد الاحتياطي

 لم يأت المشرع المغربي بتعريف للتقييد الاحتياطي، بل اكتفى بتضمين أحكامه في نصوص وظهائر متفرقة[4]، أما الفقه فقد قدم تعريفات عديدة للتقييد الاحتياطي، إلا ان هذه التعريفات اختلفت فقط في أساليب التعبير، وإنما كلها تتمحور حول الوظيفة التحفظية التي تقوم بها هذه المؤسسة القانونية[5].

 فالأستاذ المرحوم مأمون الكزبري، عرف التقييد الاحتياطي بأنه" إجراء يقوم به صاحب حق تعذر عليه تسجيله لسبب من الأسباب، ليضمن لنفسه في المستقبل إمكانية هذا التسجيل عند زوال المانع، وذلك بأن يضع قيدا تحفظيا على رسم التمليك ، وعلى نسخة هذا الرسم، يتضمن الإشارة إلى الحق الذي يدعيه، والذي امتنع عليه تسجيله في الوضع الحاضر لقيام مانع حال دون ذلك، فهذه الإشارة من شأنها أن تحفظ لصاحب الحق عند زوال المانع إمكانية تسجيل حقه"[6].

كذلك نجد الأستاذ الدكتور حسن فتوخ[7]، يعرف التقييد الاحتياطي انطلاقا من الغاية المتوخاة منه بقوله" أنه تقييد عقاري مؤقت، يرمي إلى ضمان الحفاظ  على مركز قانوني متعلق بحق عيني على عقار محفظ، في انتظار تمكين المستفيد منه من التقييد النهائي أو انقضائه بأحد الأسباب المحددة قانونا".

وفي هذا الصدد عرف الأستاذ محمد خيري"إمكانية يخولها القانون لكل من يدعي حقا عينيا، عقاريا على عقار محفظ، قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق، وذلك بالإشارة إليه في الرسم العقاري في انتظار تحويل التقييد الاحتياطي إلى تقييد نهائي أو التشطيب عليه"[8].

 وفي هذا السياق أيضا، الباحثان حسن عبد اللطيف[9] وعبد الرحمان هموش[10]، عرفا التقييد الاحتياطي:

بالنسبة للأول أنه قيد مؤقت، غايته حـــــماية حق لصاحبه، الذي يتعارض مع حق يكتسبه شخص آخر.

أما الثاني فيرى بأن التقييدات المؤقتة هي التي تهدف إلى المحافظة مؤقتا على حق وارد على عقار محفظ، يتم تقييده في انتظار استكمال الشروط القانونية، وهي بذلك تساهم في الحد من مبدأ القوة الثبوتية والمطلقة لقيود الرسم العقاري المغربي، حماية الحقوق الغير مقيدة عن حسن نية وفق مقتضيات الفصل 67 من قانون رقم 14.07.

 إن التقيد الاحتياطي إجراء مؤقت يقوم به كل من يريد الحفاظ على حق عيني أو حق شخصي[11]، بمعنى أنه إجراء مؤقت يقوم به كل من يريد الحفاظ مؤقتا على حق عيني، يدعي أنه يملكه بمقتضى واحد من مختلف أصناف الوثائق[12].

أما على المستوى القضائي، فقد عرفته محكمة الاستئناف بسطات من خلال قرار جاء فيه: "وحيث أن التقييد الاحتياطي هو إمكانية يخولها القانون لكل من يدعي حقا على العقار المحفظ قصد الاحتفاظ المؤقت لهذا الحق وذلك بالإشارة إليه بالرسم العقاري في انتظار تحويل هذا التقييد إلى التسجيل النهائي أو إلغاؤه ، ومن تم فهو ذو طبيعة خاصة[13] ،وفي هذا السياقعرفه أيضا الدكتور محمد الحياني[14]: بأنه "إجراء مؤقت يقوم به كل من يريد الحفاظ مؤقتا على حق عيني أو حق شخصي قابل لأن يتحول الى حق عيني، يدعي أنه يملكه بمقتضى واحد من مختلف أصناف الوثائق .... فهو إجراء مؤقت غير نهائي، من شأنه الحفاظ على حقوق المتعاقد من الضياع، متى كان هناك مانع قانوني دون التقييد النهائي لنوع العملية المراد تسجيلها بالسجلات العقارية".

كما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بوجدة أن "التقييد الاحتياطي هو إجراء مؤقت الهدف منه الحفاظ المؤقت على رتبة الحق إلى حين القيام بإجراءات قانونية أو صدور حكم فاصل في النزاع"[15].

وهو ما جاء في أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالناظور أن "التقييد الاحتياطي شرع للاحتفاظ المؤقت بحق نشأ على العقار المحفظ بعد تأسيس الرسم العقاري ولم يستجمع شروط تسجيله، ولكنه قابل للتقييد النهائي عند توفر هذه الشروط، وفي هذه الحالة، فإن أثر التقييد النهائي يسري ابتداء من تاريخ إنجاز التقييد الاحتياطي[16].  

ويتضح من خلال هذه التعاريف، سواء الفقهية والقضائية، إن كانت تختلف من حيث الألفاظ فإنها تتقارب من حيث المدلول، لأنها تدور أساسا حول الوظيفة التحفظية والإخطارية التي يقوم بها التقييد الاحتياطي داخل النظام العقاري[17]، ولا يهدف إلى إنشاء حقوق عقارية للمنتفع، وذلك في انتظار مآل هذا التقييد[18].

الفقرة الثانية: خصائص التقييد الاحتياطي

إن التقييد الاحتياطي يمتاز بمجموعة من الخصائص، وتتمثل هذه الخصائص فيما يلي:

§       -إنه مطالب بحق احتمالي

§       -إنه تقييد احتياطي للمستقبل

§       -إن التقييد الاحتياطي له دور وقائي

§       -إن التقييد الاحتياطي يخص العقارات المحفظة دون غيرها.

§       -إن هذا التقييد يحفظ مؤقتا لصاحبه حق الأولوية في تقييد حقه إزاء كل شخص أراد تقييد حقوق أخرى لاحقة، نشأت على نفس العقار.

§       -إن التقييد الاحتياطي يجب أن يتعلق بحقوق عينية قابلة للتقييد

من خلال هذه الخصائص يمكن القول أن التقييد الاحتياطي يدخل في إطار العقارات المحفظة دون غيرها، وذلك كما جاء في الفصل85[19]من ظ.ت.ع، والمادة 13[20] م ح ع.

إن التقييد الاحتياطي يبـــــــقى تقييدا مؤقتا، لا يمنح للمستفيد منه أي حق عــــــلى العقار موضوع التقيد الاحتياطي، غير أنه يحفظ له بصفة مؤقتة حقوقا محتملة، إلى حين استيـــــفاء  الشروط الشكلية الضرورية لجعل الحق العيني قابلا للتسجيل[21]، كما أن التقييـــــد الاحتياطي حسب الفصل 85، الفقرة الثالثة من ظ.ت.ع المـــــعدل والمتمم بقانون رقم 14.07، يتضمن لتقييـــــد الحق المقيد احتياطيا أولويته ورتبته في مواجهة التقييدات اللاحقة له، والتي تصبح غير ذي موضوع وتتجرد من آثارها[22].

 وقد جاء في حكم للمحكمة الابتدائية بوجدة أن" التقييد الاحتياطي هو إجراء تحفظي مؤقت، الغاية منه حفظ الرتبة في التسجيل بالرسم العقاري"[23].



 

 

[1] ادريس الفاخوري، الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب، مطبعة، مكتبة المعرفة ،مراكـــش، الطبعة الثالثة 2018 ص: 7،

  [2]ينص الفصل من ظهير 12l08l1913

 على انه " كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير الا بتقييده ، ابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من يوم التقييد

في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الاملاك العقارية .

لا يمكن في اي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة"

[3]ادريس المصلح،الفعالية القانونية لمؤسسة التقييد الاحتياطي وانعكاساتها على الاستثمار في ظل المستجدات ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتتم . 65ص،14_07بالقانون

[4]- الفصول:85-86-88-91 منظ.ت.ع

-الفصل 173-316 من مدونة الحقوق العينية

-الفصل 12 في القانون رقم 781 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة بالاحتلال المؤقت

الفصل10-610 من قانون 44.00 لظهير التحفيظ العقاري بيع العقارات في طور الإنجاز والمعدل بقانون 107.12

[5]- البكاي المعزوز، عبد العالي دقوقي، قانون التحفيظ العقاري، مطبعة سجلماسة، مكناس، الطبعة 2016-2017، ص192.

[6]- مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي، الجزء الأول" التحفيظ العقاري، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية1987، ص126.

[7]- حسن فتوخ"التقييد الاحتياطي وعلاقاته بالحجوز والإنذارات العقارية، مطبعة الورقة الوطنية الدوديات مراكش ، طبعة 2008، ص 93

[8]- محمد خيري، مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، دار النشر والمعرفة، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 2013، ص505.

[9]- حسين عبد اللطيف حمدان، أحكام الشهرالعيني، الدار الجامعية بيروت، ص: 16-17

[10]- عبد الرحمان حموش، التقييدات المؤقتة في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية ’ جامعة مراكش،السنة الجامعية 2002-2003، ص34

[11]- ادريس الفاخوري: التشطيب على التقييد الاحتياطي والحجز في نظام العقاري على ضوء القانون 14.07 والقانون 39.08، مقال منشور بسلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية، منشورات مجلة الحقوق، العدد 5، ص12.

[12]- محمد بوعزاية: الضمانات القانونية في الحقوق العقارية، الجزء الأول، التقيد الاحتياطي، الأحمدية للنشر بالدار البيضاء، طبعة 2000، ص.9.

[13]-قرار محكمة الاستئناف بسطات رقم 154/010/ بتاريخ 01/07/2012، أشار إليه هشام بلخير، إشكاليات التقييد الاحتياطي في ظل القانون 07-14 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غشت 1913، مقال منشور بالندوة الوطنية في موضوع الأمن العقاري، محكمة النقض عدد 261، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة 2015، ص: 600.

[14]-محمد الحياني، المحافظ العقاري بين متطلبات الاختصاص وإكراهات المسؤولية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2002، ص: 57.

[15]-قرار صادر عن محكمة الاستئناف بوجدة رقم 399 بتاريخ 25/09/2014، الملف 1221/14، أشار اليه بلال بوكوينة ونصر الدين أيناو، الاشكلات العملية للتقييد الاحتياطي، رسالة نهاية التكوين، وزارة العدل، المعهد العالي للقضاء، فترة التدريب 2013-2015، ص: 11.

[16]-أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالناظور، عدد 310/1/2010 الصادر بتاريخ 29/06/2010، أشار اليه بلال بوكوينة ونصر الدين أيناو، م.س، ص: 11.

[17]- كريم أحادو:" التقييد الاحتياطي بين تقييد حق الملكية وحمايته وفق القانون 14.07 والقانون 39.08"رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص مسلك العقار والتنمية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي، طنجة السنة الجامعية 2012-2013، ص13

[18]- خالد الركيبي: دراسة مقارنة بين التقييد الاحتياطي والحجز  التحفظي  العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، مسلك الدراسة الميتودولوجية لقانون  الالتزام التعاقدي والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس ،السنة الجامعية 2010-2011، ص11.

[19]- الفصل 85 من ظ.ت.ع. الذي ينص على أنه" يمكن لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يطلب تقييدا – احتياطيا للاحتفاظ به مؤقتا".

[20]- المادة13 من مدونة الحقوق العينية التي جاء فيها"إن الدعاوى الرامية إلى استحقاق عقار محفظ أو إسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني لا مفعول لها تجاه الغير إلا من تاريخ تقييدها بالرسم العقاري تقييدا احتياطيا..."

[21]- عبد اللطيف الودناسي، التقيد الاحتياطي، مقال منشور بالعقار والإسكان، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد20، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، بمراكش، ص87.

[22]- محمد ابن الحاج السلمي، التقيد الاحتياطي في التشريع العقاري وفق مستجدات القانون رقم 14.07، مطبعة دار القلم بالرباط، الطبعة الثانية2014، ص75.

[23]- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بوجدة رقم177، بتاريخ 04/12/2013، في الملف رقم310/13،  أشار إليه بلال بوكوينة وتنصر الدين أيناو، الاشكالات العملية للتقييد الاحتياطي ،رسالة نهاية التكوين ، وزارة العدل ، المعهد العالي للقضاء ، فترة التدريب 2014_2013، ص: 11.

من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد العاشر -إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث