الشطب من اللوائح الانتخابية -المبررات والضمانات- عدنان بوشان - الحبيب السرناني

 

الشطب من اللوائح الانتخابية -المبررات والضمانات-

Elimination des listes électorales - justifications et garanties -

 عدنان بوشان/ باحث في العلوم القانونية

Adnan Bhushan

الحبيب السرناني/ إطار بوزارة الداخلية

El habib Sirnani


 

تقديم

ينص الفصل الثاني من الدستور على أن السيادة للأمة، أي أن السلطة في الدولة تمارس لمصلحة الجميع، وبالتالي يرجع تسيير الشؤون العامة للبلاد لعموم المواطنين لكون الأمة في مجموعها هي التي تملك السيادة، وعليه فإن تخويل السيادة للأمة يبرز من خلال عنصرين أساسين، يتمثل الأول؛ في كون الأمة المغربية جسم وحيد موحد يتمتع بإرادة واحدة تمارس سيادتها إما بشكل مباشر  عن طريق الاستفتاء، أو بشكل غير مباشر بواسطة تفويض سيادتها إلى ممثليها، فيما يبز العنصر الثاني؛ في قيام ممارسة الأمة سيادتها على مبدأ التفويض عملا بالنظام التمثيلي الذي يقوم الناخبون فيه بممارسة حقهم في الاقتراع الحر والنزيه والمنتظم، وهو ما يشكل ترسيخا من المشرع الدستوري  لأسس الديمقراطية التمثيلية.

هذه السيادة التي تنبني على انتخابات حرة ونزيهة وشفافة فهي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، لأن الاختيار الحر والرشيد يجعل من العملية الديمقراطية تعاقد اجتماعي ديمقراطي، يعتمد اعتمادا كبيرا على واقع القبول والاعتراف بالسلطة السياسية المنتخبة من قبل المواطنين الخاضعين لسيادتها بصورة سلمية وطوعية، هذه العملية الانتخابية التي ينبغي أن تكون مفتوحة في وجه جميع أفراد الأمة حتى يتمكنوا من المشاركة في الاختيار الديمقراطي وفي ممارسة السيادة[1].

وعليه فإنه إذا كان لكل مواطن ومواطنة الحق في التصويت وفي الترشح للانتخابات وفق مقتضيات الفصل 30 من الدستور، فإن المدخل الأساسي لهذين الحقين يبرز من خلال القيد في اللوائح الانتخابية باعتباره أساس المشاركة السياسية في العملية الديمقراطية، ومن أجل ذلك جعل المشرع المغربي من القيد أمرا إجباريا، حتى يشارك جميع أفراد الأمة في ممارسة السيادة، غير أنه في مقابل ذلك نجد أن الشطب من اللوائح الانتخابية _ وإن كان شرا لابد منه في بعض الحالات المحددة قانونا والواردة على سبيل الحصر _ قد يجهز  على مجموع هذه الحقوق مرة واحدة بما فيها الاختيار الديمقراطي، وخاصة إذا كان لا يستند على مبررات قانونية، وهو ما يقتضي التساؤل حول الضمانات التي خولها المشرع المغربي للمواطن الناخب في مواجهة قرار الشطب من اللوائح الانتخابية ؟؟

الفقرة الأولى: مسطرة ومبررات الشطب من اللوائح الانتخابية

يعتبر القيد في اللوائح الانتخابية العامة حقا[2] لكل مواطن ومواطنة متى بلغ هذا الأخير(ة) سن الرشد القانونية، وكان(ت) يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية وغير موجود في إحدى حالات فقدان الأهلية الانتخابية المنصوص عليها قانونا، وعليه فإذا كان القيد في اللوائح الانتخابية حقا يخول للمواطن(ة) المشاركة في العمليات الانتخابية تصويتا وترشيحا، فإن الشطب من هذه اللوائح فيه إجهاز على هذا الحق وعلى ما قد يترتب عليه من آثار، ففي الشطب ضرب للمواطنة الملزمة وللمشاركة السياسية الفاعلة والفعالة، لذلك كان من اللازم أن ينبني هذا الشطب على أسس مشروعة تبرر حرمان المواطن من هذه الحقوق، ويبرر بالتالي تخلي الأمة عن هذا المواطن المشطب عليه من المشاركة في العملية الديمقراطية إلى أن تتوفر له الشروط الكاملة للعودة للحياة السياسية.

لقد تناول المشرع المغربي من خلال القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة الأحكام العامة المحددة لشروط وإجراءات وضع اللوائح الانتخابية العامة، وكيفية مراجعتها، وتغييرها، وعليه فإن الشطب من اللوائح الانتخابية قد يكون خلال أحد هذه المراحل الثلاث، فإما أن يكون خلال مرحلة وضع اللوائح الانتخابية أو خلال مرحلة المراجعة وكذلك إبان مرحلة وجود تغييرات جديدة تقتضي الشطب من هذه اللوائح، وهو الأمر الذي سنتناوله من خلال ما يلي:

أولا: الشطب المرتبط بمسطرة وضع اللوائح الانتخابية[3]

كما سبقت الإشارة فإنه لابد من التمييز بين مسطرة وضع اللائحة الانتخابية وبين مسطرة المراجعة، وكذلك مسطرة التعديل أو التغييرات التي يمكن أن تطال هذه اللوائح.

 فبالنسبة للأولى فإنها تخضع لمسطرة عادية بحيث تتأسس على فتح باب وضع طلبات القيد في اللوائح الانتخابية أمام المواطنات والمواطنين المتوفرين على الشروط القانونية، إذ تقدم هذه الطلبات خلال مدة 30 يوما تحدد بدايتها ونهايتها بمرسوم، وهو ما يطلق عليه بعمليات القيد، بحيث تتكلف بالبت في هذه الطلبات اللجان الإدارية من خلال اجتماعات تتداول في شأن طلبات القيد فتقوم بتسجيل تلك التي تتوفر فيها الشروط القانونية، فيما ترفض الطلبات الأخرى التي لا تتوفر فيها هذه الشروط، ليتم تحرير اللائحة الانتخابية المؤقتة للجماعة أو المقاطعة وإيداعها في مكاتب السلطات الإدارية المحلية ومصالح الجماعة أو المقاطعة طيلة ثمانية أيام، كما يتم إشعار الجمهور بواسطة إعلانات من أجل تقديم شكاوى و تعرضات في شكل طلبات القيد أو طلبات الشطب مع وجوب إرفاق هذه الطلبات بالبيانات والإثباتات الضرورية.

حيث تجتمع اللجنة مرة أخرى من أجل البت في هذه الطلبات، بحيث تتخذ قراراتها بأغلبية أصوات أعضائها، وتكون قرارات اللجنة معللة وموضوع جدول تعديلي يودع في مكاتب السلطات الإدارية المحلية ومصالح الجماعة أو المقاطعة، ويمكن لكل شخص الاطلاع عليه خلال سبعة أيام تبتدئ من تاريخ يحدد بمرسوم باقتراح من وزير الداخلية.

تقوم بعد ذلك اللجنة الإدارية بوضع اللائحة الانتخابية النهائية للجماعة أو المقاطعة، والتي تمسك من طرف السلطة الإدارية المحلية، ولهذه الغاية يتم إعداد اللائحة الانتخابية في أربعة نظائر، وهي وحدها التي تعتمد لإجراء الانتخابات وعمليات الاستفتاء.

الملاحظ إذا أن الشطب من اللائحة الانتخابية خلال هذه المرحلة يتعلق بالتقييدات التي صادقت عليها اللجنة الإدارية إبان وضعها للائحة الانتخابية المؤقتة، فبعد وضع هذه اللائحة يتم إخبار الجمهور بمضمونها من أجل فتح باب طلب شطب اسم كل شخص قُيد بصفة غير قانونية، وهي مَكنة مخولة فقط للأشخاص المقيدين في اللائحة الانتخابية المؤقتة، وللسلطات الإدارية المحلية ممثلة في كل من الوالي أو العامل أو الباشا أو القائد أو الخليفة، على أن يتم الإدلاء بالبيانات والإثباتات اللازمة.

ثانيا: الشطب المرتبط بمسطرة مراجعة اللوائح الانتخابية

أما بالنسبة لمسطرة مراجعة اللوائح الانتخابية فهي مسطرة تتم كل سنة من طرف اللجنة الإدارية، حيث تبدأ اللجنة في تلقي طلبات القيد ونقل القيد والطلبات التشطيبات منذ شهر دجنبر من كل سنة وتنتهي هذه المهمة في 31 من نفس الشهر من كل سنة لتليها فترة الطعن داخل أجل ثمانية أيام الموالية لانتهاء مدة المراجعة، كما يمكن للسلطة الإدارية المحلية أن تطلب من اللجنة الإدارية خلال اجتماعاتها شطب اسم كل شخص ترى أنه قيد بصفة غير قانونية.[4]

حيث تتولى كتابة اللجنة الإدارية إعداد لائحة بطلبات القيد ولائحة بطلبات نقل القيد، كما تقوم بوضع لائحة بأسماء الأشخاص الذين يتعين شطب أسمائهم، حيث يتم عرض هذه اللوائح على اللجنة الإدارية من أجل البث فيها، هذه الأخيرة التي تجتمع للتداول في شأن هذه الطلبات، فتقبل تلك التي تتوفر فيها الشروط القانونية المطلوبة، وترفض التي لا تتوفر فيها هذه الشروط، كما تعمل على شطب أسماء الأشخاص الذين فقدوا الأهلية الانتخابية.

وكل قرار صادر برفض طلب قيد أو طلب نقل قيد أو بشطب تلقائي باستثناء التشطيبات المتعلقة بالوفيات يجب أن يكون معللا، ويبلغه رئيس اللجنة الإدارية كتابة بكل وسيلة من وسائل التبليغ القانونية إلى الشخص المعني بالأمر في العنوان المضمن في اللائحة الانتخابية، وذلك في ظرف الثلاثة أيام الموالية لتاريخ القرار[5].

وفي الأخير تقوم اللجنة الإدارية بإعداد جدول تعديلي مؤقت للائحة الانتخابية للجماعة أو المقاطعة، يتضمن نتائج مداولاتها في شأن التقييدات الجديدة، ونقل التقييدات، والتشطيبات التي باشرتها، وكذا الأخطاء المادية التي قامت بإصلاحها.لتقوم اللجنة الإدارية بعد ذلك بإيداع الجدول التعديلي المؤقت بمكاتب السلطة الإدارية المحلية، ومكاتب مصالح الجماعة أو المقاطعة، وتودع معه اللائحة الانتخابية للسنة السابقة طيلة ثمانية أيام، ويقع إخبار الجمهور بذلك بواسطة إعلانات تلصق على أبواب المباني الإدارية وتذاع في الإذاعة أو التلفزيون وتنشر في الصحف، أو بأية طريقة أخرى مألوفة الاستعمال، حتى يتمكن كل من يهمه الأمر من الإطلاع على اللوائح والجداول المذكورة داخل أوقات العمل الرسمية، بحيث يجوز لكل ناخب مقيد أن يطلب خلال الأجل نفسه شطب اسم شخص يرى أنه قيد بصفة غير قانونية، ويخول نفس الحق للوالي أو العامل أو الباشا أو القائد أو الخليفة.

حيث يتم عرض هذه الطلبات والشكاوى على نظر اللجنة الإدارية لبحثها واتخاذ القرار اللازم في شأنها خلال الاجتماعات التي تعقدها لهذه الغاية، بحيث تودع هذه اللجنة الجدول التعديلي النهائي للائحة الانتخابية، وذلك لمدة ثمانية أيام بمكاتب السلطة الإدارية المحلية ومكاتب مصالح الجماعة أو المقاطعة، ويمكن لكل ناخب أن يطلع عليه في أي مكان من الأماكن المذكورة داخل أوقات العمل الرسمية، تحصر اللجنة الإدارية بصفة نهائية في 31 مارس من كل سنة اللائحة الانتخابية للجماعة أو للمقاطعة، ويودع نظير من اللائحة الانتخابية النهائية لدى المحكمة الإدارية[6].

وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية تقوم بإصدار مراسيم تنظيمية ومذكرات بخصوص المراجعة الممهدة للانتخابات والتي يطلق عليها أحيانا المراجعة الاستثنائية، هذه الأخيرة التي تفتح قبل الإعلان عن الانتخابات العامة والجماعية، وذلك لفتح باب القيد الجديد ونقل القيد لجميع الناخبين، حتى يتسنى لكل ناخب نقل قيده من جماعة إلى جماعة حسب اختياره وكذا طبقا للقانون الجاري به العمل[7].

والمعلوم أن هذه الفترة يتخللها القيد ونقل القيد عبر الموقع الالكتروني التي وضعته وزارة الداخلية لنفس الغرض، لكن الإشكال الذي يسقط فيه المواطن في الحالتين المذكورتين هو أنه  يقوم بطلب التسجيل عبر الموقع  ويعتقد أن الأمر قد انتهى ولا يتأكد من تسجيله عبر  زيارته لقائد المقاطعة التي تم التسجيل فيها عبر الانترنيت، حيث إن طلب المعني بالأمر يرسل عبر الموقع الالكتروني الخاص بالمقاطعة، ويتم التأكد من الطلب وذلك عن مدى أحقية وجدية الطلب فإذا كان هناك خطأ في المعلومات أو العنوان أو أن العنوان غير محدد يتم رفض الطلب مباشرة في الوقت الذي يعتقد فيه صاحب الطلب أنه قام بالتسجيل ولديه وصل وضع الطلب، لذا فإنه لا قيمة لذلك الوصل إلا بعد التأكد وتصحيح المعلومات عن طريق المقاطعة، ونفس الشيء يمكن قوله على نقل القيد عن طريق الموقع الالكتروني[8].

لذلك نعتقد أن معظم الأشخاص الذين لا يتقنون التعامل مع الانترنيت يتم حرمانهم بسبب أخطائهم غير المقصودة. 

ثالثا: الشطب المرتبط بالتغييرات المستجدة

قد تترتب على مجموع التغييرات الواقعية بعد وضع اللوائح الانتخابية أو بعد عمليات المراجعة لهذه اللوائح، والتي من شأنها أن ترتب آثار قانونية بشأن الفئة الناخبة، وقد أشارت المادة 18 من القانون رقم 57.11 إلى هذا المقتضى كما حددت المادة 30 من نفس القانون الحالات التي يمكن أن تدخل على اللائحة الانتخابية تغييرات بعضها يرتبط بالواقع فيما يتعلق البعض الآخر بالقانون، وهي كالتالي:



[1]- يرجى الاطلاع على دستور المملكة لسنة 2011، (ظهير شريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 الموافق 29 يوليوز2011 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 الموافق 30 يوليوز 2011، ص 3600-3627.

[2]- بالرجوع الى المادة الثانية من القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة نجدها تنص على أن القيد في اللوائح الانتخابية إجباري.

[3]- تجدر الإشارة إلى أن هذه العملية قامت بها وزارة الداخلية مرة واحدة على الصعيد الوطني منذ زمن بعيد وبدأت في تغييرات على اللوائح سنويا بموجب المراجعة السنوية.

[4]- انظر الدليل السنوي الصادر عن وزارة الداخلية والمتعلق بكل مراجعة سنوية.

[5]- يقصد بالصفة غير القانونية هنا الحالات المذكورة في القانون وعلى رأسها، الوفاة، والتكرار، وحالة انتفاء الأهلية.

[6]- تجدر الإشارة إلى أنه على أرض الواقع لا تودع هذه النسخ بالمحاكم الإدارية ولا الابتدائية، بل تكتفي اللجنة بإيداع نسخ من المحضر والجدول التعديلي وجدول التشطيبات والتسجيلات الجديدة، وبعد ذلك يتم وضع نسخة من حصر اللوائح وليس اللوائح حيث تكتفي اللجنة بالحصر فقط دون اللوائح وذلك حسب كل دائرة انتخابية موزعين ذكورا وإناثا.

[7]-  ينص القانون على أن القيد في إحدى الجماعات أو المقاطعات يكون تبعا لعلاقة الناخب بالجماعة إما علاقة ازدياد أو علاقة إقامة.

[8]- بل أكثر من ذلك أن صاحب طلب نقل القيد يعتبر في البداية ناخب لكنه في الحالة التي يقوم بارتكاب خطأ في المعلومات الشخصية أو وضع عنوان غير معروف يتم التشطيب عليه من اللائحة الأصلية بناء على طلبه ويتم رفضه في العنوان الجديد بسبب خطأ ويصبح المعني بالأمر غير ناخب وخاصة إذا كان من الأشخاص الذين يريدون التقدم بالترشيح في العنوان الجديد وهذا ما وقع مؤخرا بخصوص هذه المراجعة الممهدة للانتخابات.


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد التاسع -إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث