حالات
الاستغلال في ضوء المادة 59 من قانون حماية المستهلك
Cases of exploitation in the light of section 59 of
the Consumer Protection Act
ابتسام
بوتكنوين/ باحثة في سلك الدكتوراة ومحامية متمرنة بهيئة
الرباط
Ibtisame BOUTKNOUNE
يعتبر المستهلك طرفا ضعيفا في
العلاقة التعاقدية، فهو الذي يستحق الحماية لعدم قدرته على الدخول في سلسلة من
الصراع التجاري، لأنه يقع في نهاية هذه السلسلة[1]، الشيء
الذي حاول المشرع معالجته من خلال المادة
59 من القانون القاضي
بتحديد تدابير لحماية المستهلك[2]، وذلك من أجل حمايته من الاستغلال
في جميع صوره وحالاته الناتجة عن ضعفه أو جهله؛ حيث نصت المادة المذكورة على أنه
"يقع باطلا بقوة
القانون كل التزام نشأ بفعل استغلال ضعف أو جهل المستهلك مع حفظ حقه في استرجاع
المبالغ المؤداة من طرفه وتعويضه عن الأضرار اللاحقة".
فمن جهة نعتبر أن الغاية من المادة هي حماية المتعاقد
المستهلك من الاستغلال: ذلك أن المستهلك
قد يندفع إلى إبرام عقد دون استيعاب مدلول شروطه أو حتى قراءتها وذلك تحت تأثير
حاجته الملحة إلى السلعة أو الخدمة موضوع العقد؛ فرغبته الأكيدة في تلبية
احتياجاته الشخصية أو العائلية لا تترك له مجالا للتفكير في عواقب إبرام عقد غير
متوازن. ويستغل فيه المهني حاجته هذه فيدفعه إلى قبول عقد بشروط ما كان ليقبلها لو
لم يكن تحت تأثير هذه الحاجة. إذن فهو هنا لا يملك حرية الخيار اللازمة لإبرام العقد وإنما
إرادته معيبة نظرا لحالة الضعف التي هو عليها والناتجة عن حاجته الماسة للسلعة أو
الخدمة محل العقد.
ومن جهة أخرى فالمادة59
من القانون رقم.08 31 الذي يقضي بتحديد
تدابير لحماية المستهلك ترمي إلى سد ثغرة في القانون المغربي بخصوص نظرية
الاستغلال؛ بعد أن كان الفصل 45 من ق. ل. ع محط تأويلات بعض الفقه بكونه ينظم نظرية الاستغلال. يقول
أستاذنا أحمد شكري السباعي: "الواقع أن قانون الالتزامات والعقود المغربي أقر
مبدأ نظرية الغبن الاستغلالي وذلك في المادة
45"[3].
ويعلق المرحوم مأمون الكزبري على أن هذه المادة بقوله:
"إن النظرية الحديثة للغبن ترتكز على فكرة
الغبن الاستغلالي"[4].
لكن
حسب رأي أستاذنا أحمد ادريوش أن أساس نظرية الاستغلال يوجد خارج قانون
الالتزامات والعقود،[5]حيث
لم يتعرض لنظرية الغبن الاستغلالي بالشكل التي أقرته القوانين المدنية الحديثة.
ولكن هناك بعض الأحكام الخاصة ببعض العقود المسماة في التشريع تقضي بجزاءات خاصة
للغبن الناتج عن استغلال أحد الطرفين للطرف المغبون. وهي التي نص عليها الفصل 887 بالنسبة لعقد القرض والفصلين 1034 و1035 بالنسبة لشرط الأسد في
عقد الشركة، والفصل 360 من القانون البحري بالنسبة لعقد الإغاثة
البحرية [6]
كما تجاوز المشرع
المغربي ما يقضي به القانون الفرنسي المتعلق بالاستهلاك علما أن هذا الأخير شكل
مصدرا للقانون المغربي في الموضوع؛ فإذا كان هذا الأخير قد اقتصر على جزاءات جنائية
نص عليها في كل من قانون الاستهلاك (الفصل L.122-8 ) والقانون الجنائي (الفصل 223-15-2 )؛ فإن المشرع المغربي لم يقتصر على الجزاءات
الجنائية سواء منها المنصوص عليها في القانون رقم 08.31 الذي يقضي بتحديد تدابير
لحماية المستهلكين (المادة 184) أو في القانون الجنائي (الفصل 552)؛ وإنما على
جزاءات مدنية هي البطلان والاسترداد فضلا عن التعويض.
وإذا كان هذا القانون قد سد الفراغ التشريعي في ق. ل. ع بخصوص نظرية
الاستغلال، حيت خصص المادة 59 من القانون القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين لحماية الطرف الضعيف من استغلال
المهني. إلا أن الإشكال المطروح في الموضوع هو أن المشرع لم يحدد بدقة الحالات
التي يمكن أن يستغل فيها المهني المستهلك، علما أنه اقتصر على مفهومين دون غيرهما
وهما "الضعف" و"الجهل"؛ الأمر الذي يدفعنا إلى محاولة
تعريفهما وتحديد ما يندرج تحتهما من صور وحالات.
كما لم يتناول المشرع مختلف عناصر
الاستغلال المتعارف عليها في القانون المقارن إذ اقتصر على العنصر النفسي دون
العنصر المادي.
حيث اقتصرت المادة 59 من قانون
حماية المستهلك على العنصر الثاني فقط من العنصرين المكونين لنظرية الاستغلال وهو
العنصر النفسي؛ حيث حصر مختلف حالاته في مفهومين شاملين لعدد كبير من الحالات،
وهما الضعف والجهل. فقد نصت على أنه "يقع باطلا بقوة القانون كل التزام
نشأ بفعل استغلال ضعف أو جهل المستهلك مع حفظ حقه في استرجاع المبالغ
المؤداة من طرفه وتعويضه عن الأضرار اللاحقة "
ولم
يشترط المشرع يكون هناك اختلالا فادحا في التزامات الطرفين خلاف ما عليه لوضع في
القانون المقارن.
ويمكننا أن نقدم تفسيرا لهذا
الموقف وهو أن المشرع، ومن أجل حماية المستهلك، افترض في جميع حالات الاستغلال
الناتجة عن ضعف أو جهل المتعاقد أن هناك
انعدام التوازن في العلاقة الاستهلاكية بين المهني والمستهلك سببه العجز الذي يصيب
إرادة هذا الأخير، ويمنعه من الوقوف على حقيقة الإجراءات والشروط التي يلتزم بها
في ارتباطه العقدي مع الأول.[7]
ولذلك لم يعلق تطبيق الجزءات المدنية التي نص عليها على توفر وإثبات شرط الاختلال
الفادح في التزامات الطرفين لأنه مفترض في نظره في مثل هذه الحالات.
ويبقى الإشكال المطروح هو ما يتعلق
بتعريف مفهومي "الضعف" و "الجهل"؛ علما أن المشرع المغربي لم
يعرفهما ولم يفصل مختلف حالات الاستغلال المندرجة ضمنهما.
وهذا
ما سنحاول معالجته من خلال بحث مفهوم الضعف وحالاته (المبحث الأول) ومفهوم الجهل
وحالاته (المبحث الثاني)
المبحث الأول: مفهوم الضعف وحالاته
المطلب الأول: مفهوم الضعف
المطلب الثاني: حالات الضعف
المبحث الثاني: مفهوم الجهل وحالاته
المطلب الأول: مفهوم الجهل
المطلب الثاني: حالات الجهل
المبحث الأول مفهوم الضعف وحالاته
لم يحدد المشرع المغربي، وحتى الفرنسي، مفهوم
الضعف (المطلب الأول) و حالاته (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مفهوم الضعف
أولا: في اللغة
في اللغة العربية الضعف لغة: ضعف يضعف، وهو مأخوذ
من مادة ( ض ع ف ) الذي يدل على خلاف القوة. والضعيف بفتح الضاد لغة تميم، وبضمها
لغة قريش، ولذلك قال بعضهم: الضعف – بالضم – في الجسد، والضعف – بالفتح – في الرأي
والعقل، وقيل هما معا جائزان في كل وجه، عن الأعرابي أنشد: في الجسد ومن يلق خيرا يغمر الدهر عظمه على ضعف من حالة وفتور وأنشد في الرأي والعقل ولا أشارك في رأي أخا ضعف ولا ألين لمن يبتغي ليني.
[1] تركي
القطحاني: حماية المستهلك ببن النظامين المغربي والسعودي، بحت لنيل دبلوم الماستر
في القانون العام تخصص تدبير الشأن العام، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم
القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، السنة الجامعية 2010/2011، ص 15
[2] القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية
المستهلك المنفذ بالظهير الشريف رقم1.11:03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432 ( 18 فبراير 2011) ج.ر. عدد 5932 لسنة 3 جمادى الأولى 1432 ( 7 أبريل2011 ) ص1082
[3] :أحمد شكري السباعي: : نظرية بطلان العقود
وابطالها في ق.ل.ع، طبعة 1971، ص309
[4] : مامون الكزبري: نظرية الالتزامات في ضوء
قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء لأول، مصادر الالتزام 1968، ص 157
[5] : أحمد ادريوش: المرض كسبب لإبطال التصرف القانوني، مكتبة دار
السلام، 2010/2011، ص 26
[6] : أحمد ادريوش: مناهج
القانون المدني المعمق، الجزء الأول، منشورات سلسلة المعرفة القانونية 2011-2010، ص 132.
[7] مهدي منير: المظاهر
القانونية لحماية المستهلك، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، وحدة البحث
والتكوين: قانون أعمال، جامعة محمد الاول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية، وجدة، 2005/2004 ، ص
117