تدخل
الحكومة في الاختصاص التشريعي للبرلمان
The government interferes
with the legislative competence of Parliament
فوزية حمدان
FOUZIA
Amdani
باحثة في القانون
العام والعلوم السياسية
مقدمة
إذا كان التشريع
الدستوري ينص بأن يمارس البرلمان السلطة التشريعية، فإن هذا الاختصاص لم يرد على
إطلاقه، كما هو ظاهر من نصوص الدستور، لكون وظيفة التشريع ليست مجالا خاصا بالبرلمان
بل يتقاسمه مع جهات أخرى منها رئيس الحكومة[1]،
وبذلك سمح الدستور المغربي للحكومة بأن تساهم في المجال التشريعي، بحيث لم تعد
الحكومة تكتفي بالتنفيذ بل تشارك في المسطرة التشريعية بشكل كبير، مما جعل العلاقة
بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من ناحية الاختصاص تتسم بالتداخل والمشاركة في
التشريع.
ورغم تفاوت الأدوار
التي يضطلع بها البرلمان في ممارسة السلطة التشريعية بين تجارب تجعله المحتكر لهذه
الوظيفة وأخرى تجعل الحكومة شريكا فيها، كما هو الأمر في المغرب[2]،
فإن العلاقـــة بين البرلمان والحكومة في ممارســــــة السلطة التشريعية لا تتخذ
شكـــلا واحدا بل يمكن التمييز داخلها من حيث الاختصاص من جهة بين علاقة التداخل
والمشاركة والتي تتجسد من خلال القوانين العادية والتنظيمية، ومن جهة أخرى بين
علاقة الهيمنة والخضوع التي يبدو أن القانون المالي أكثر تعبيــر عنها.
وعليه، فإن توزيع
الاختصاص في المبادرة باقتراح القوانين في الدستور المغربي اعتمد على المعيار
المادي، علما أن القانون من ناحية المعيار الشخصي يصدر عن البرلمان بالتصويت[3]،
وعموما وإن كان الدستور قد جعل هذه المبادرة كقاعدة عامة حقا مشتركا بين الحكومة
والبرلمان، فإنه استثنى من ذلك حق المبادرة باقتراح القوانين في الميدان المالي
وجعله حكرا على الحكومة بمفردها.
يعالج هذا المقال
إشكالية محورية تتعلق بطبيعة العلاقة التي تربط الحكومة بالبرلمان على مستوى
ممارسة الوظيفة التشريعية في ظل الوضع الدستوري الراهن، بمعنى أن هذه العلاقة هل
هي علاقة تداخل ومشاركة في التشريع أم هي علاقة هيمنة من الجانب الحكومي على هذا
الأخير؟ والتي يبدو كما سبق القول أن القانون المالي أكثر تعبير عنها.
المطلب الأول: مشاركة الحكومة البرلمان في التشريع
لقد
سوى
الدستور بين البرلمان والحكومة في حق المبادرة التشريعية، وجعلها موكولة إلى كل من
رئيس الحكومة وأعضاء مجلسي البرلمان، بحيث تقدم إما في شكل مشاريع قوانين أو تأتي
في شكل مقترحات قوانين.
والتنصيص الدستوري
بصيغة عامة على المساواة بين الحكومة والبرلمان في مجال المبادرة التشريعية، لا
يقتصر فقط على القوانين العادية (فقرة أولى)، بل يمتد ليشمل القوانين التنظيمية
(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: على مستوى اقتراح القوانين العادية
يعرف
حق الاقتراح بأنه "العمل الذي يضع الأسس الأولى للتشريع ويحدد مضمونه".
حيث يقدم الاقتراح للتشريع مادته، ذلك أن العملية التشريعية لا تبدأ من فراغ، ولا
يظهر القانون إلى الوجود طفرة واحدة، إذ لابد من بداية تتمثل في الاقتراح الذي
يساهم في تحديد القاعدة القانونية[4].
وباعتبار عملية إعداد النص التشريعي تنطلق من لحظة اتخاذ القرار الهادف إلى
بلورة إرادة المشرع في شكل قاعدة قانونية، فإن الدساتير تختلف عادة في تحديد الجهة
أو الجهات التي تناط بها مهمة اقتراح القوانين، إلا أن الغالب في هذا الإطار
والمعتمد من طرف معظم الدساتير المعاصرة هو أن يكون الاقتراح مشتركا بين السلطتين
التشريعية والتنفيذية[5]،
والمغرب سار في هذا الاتجاه حيث مع أول دستور للمملكة سنة 1962 منح حق المبادرة
باقتراح القوانين للمؤسستين التشريعية والتنفيذية معا، وهو ما سارت عليه باقي
دساتير المملكة. وفي هذا السياق ينص الفصل 78 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أنه "لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم
باقتراح القوانين". بما يعني أن الاقتراح أو المبادرة التي تؤدي إلى انطلاق
المسلسل التشريعي أو عملية إنتاج النص القانوني منذ أن يكون مجرد مسودة أولية إلى
أن يستوي في شكل نص قانوني ملزم هو حق مشترك بين البرلمان ورئيس الحكومة.
ويسمى
الاقتراح الذي تكون الحكومة مصدرا له "مشروع القانون" أما الاقتراح
الناجم عن البرلمان فيسمى "مقترح القانون" حيث يعتبر الأستاذ مصطفى قلوش
أن دستور 2011 هو الذي أقام بوضوح التمييز بين هذين المصطلحين على خلاف دستور 1996[6]
وكافة الدساتير التي سبقته والتي كانت تطلق على مبادرة البرلمان "اقتراح
القانون"، حيث كان الدستور السابق يستعمل تعبير الاقتراح سواء بالنسبة لمفهوم
المبادرة الذي يجمع بين مشروع القانون ومقترح القانون، أو للدلالة على المبادرة
البرلمانية فقط. وهذا ما يتضح من خلال الفصل 52 من دستور 1996 الذي جاء فيه:
" للوزير الأول ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح
القوانين" والفصل 54 منه الذي ينص على أن "تحال المشاريع والمقترحات
لأجل النظر فيها على لجان يستمر عملها خلال الفترات الفاصلة بين الدورات" حيث
يلاحظ أن تعبير الاقتراح شمل في الفصل الأول مبادرة الحكومة والبرلمان بينما اقتصر
في الحالة الثانية على مبادرة البرلمان فقط.
وإلى
ذلك، فإذا كان حق الاقتراح مكفولا بموجب دستور
فاتح يوليوز 2011 لكل من الحكومة والبرلمان، فإنه من الناحية العملية لا
يستطيع البرلمان تقديم مقترحات في بعض المجالات التي تقتصر المبادرة فيها على
الحكومة، وذلك على الرغم من أنها تدخل في اختصاص البرلمان حيث يمكن أن نشير مثلا
إلى المعاهدات الدولية وتمديد حالة الحصار، ومشروع قانون المالية، وقانون التصفية،
وكذا القانون التنظيمي المتعلق بمجلس الوصاية. مما يجعل المساواة التي حاول
الدستور أن يقرها بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في مجال المبادرة هي
مجرد مساواة شكلية فقط[7].
وإذا كانت المبادرة التشريعية يخولها الدستور
لأعضاء البرلمان لاقتراح القوانين على قدم المساواة مع الحكومة ممثلة في الوزير
الأول (رئيس الحكومة)، فإن ضعف الإمكانيات الموضوعة رهن إشارة هؤلاء، وقلة
المعطيات الضرورية للقيام بالدراسات اللازمة من قبلهم، والنقص الحاصل في مستوى
التأطير في العمل البرلماني سواء تعلق الأمر بمستوى التكوين السياسي والعلمي
والتقني لأعضاء البرلمان أنفسهم، أو تعلق الأمر بقلة الخبراء والمستشارين والأطر
القانونية المؤهلة لإعداد نصوص قانونية بالفرق النيابية أو في البرلمان ككل، كل
ذلك يؤثر بشكل فاعل على مستوى المبادرة التشريعية لأعضاء البرلمان، وعلى طبيعة
ونوعية النصوص المقترحة من قبلهم[8].
[1]
مصطفى بن الشريف، التشريع ونظم الرقابة على دستورية القوانين، سلسلة الوعي
القانوني، العدد 1، منشورات الزمن، ص 47.
[2]
أحمد البوز، البرلمان المغربي: البنية والوظائف، دراسة في القانون البرلماني
المغربي، المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، عدد خاص، الجزء XIII،
دجنبر 2016، ص 101.
[3]
مصطفى بن الشريف، التشريع ونظم الرقابة على دستورية القوانين، مرجع سابق، ص 47.
[4]
مصطفى قلوش، النظام الدستوري المغربي، مكتبة دار السلام، للطباعة والنشر، الرباط،
ط4 لسنة 1998، ص 138.
[5]
سيدي محمد ولد سيد آب، الوظيفة التشريعية في دول المغرب العربي، منشورات المجلة
المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة "مؤلفات وأعمال جامعية" العدد
25، الطبعة الأولى 2001، ص 112.
[6] دستور المملكة المراجع ل 7 أكتوبر 1996 صادر الأمر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.96.157 بتاريخ 23 جمادى الأولى 1417 (7 أكتوبر 1996)، ج.ر عدد 4420
بتاريخ 26 جمادى الأولى 1417 (10 أكتوبر 1996)، ص 2282.
[7]
أمينة الطنجي الشرقاوي، العلاقة بين السلطات في النظام الدستوري المغربي 92/96
والفرنسي 1958، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية
العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط - أكدال، السنة الجامعية
2003/2004، ص 196.
[8] عبد
الإله فونتير، العمل التشريعي بالمغرب أصوله التاريخية ومرجعياته الدستورية، دراسة
تأصيلية وتطبيقية، الجزء الثالث، تطبيقات العمل التشريعي وقواعد المسطرة
التشريعية، سلسلة دراسات وأبحاث جامعية، العدد 4، مطبعة المعارف الجديدة، ط1،
2002، ص 153.