التعليق على قرار قضائي
إشكالية التمييز بين خبرة التسيير والخبرة المحاسبية
حفو محمد: باحث في قوانين التجارة والأعمال
القرار
الصادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)، عدد 546 المؤرخ في 01/04/2010 ملف
تجاري عدد:127-3-3-[1]2009.
أطراف
القرار:
طالبي
النقض: شركة ذات المسؤولية المحدودة، والسيد عبد الحفيظ..
المطلوبان:
السيد عبد المالك..، والسيد عبد المجيد..
الوقائع
والإدعاءات:
بناء
على مقال النقض المودع بتاريخ 15-01- 2009 من طرف الطالبين المذكورين أعلاه بواسطة
نائبيهما، والرامي إلى نقض القرار رقم 1396 الصادر بتاريخ 08-10-2008 في الملفين
866 و08/867 عن محكمة الإستئناف التجارية بفاس الذي أيد المقال الاستعجالي الصادر
عن رئيس المحكمة التجارية بوجدة رقم 07/208 بتاريخ 28-12-2007، والقاضي بتعيين
خبير تسيير- طبقا للمادة 82 من القانون رقم 96.05 - استجابة لطلب كل من السيدان
عبد المالك وعبد المجيد اللذان بإعتبارهما شريكين إلى جانب السيد عبد الحفيظ في
شركة ذات المسؤولية المحدودة، وأن هذا الأخير لكونه شريك ويمارس مهام التسيير فقد
قام بعدة خروقات وإعطاء عدة حسابات وهمية لتضليل الشريكين الامر الذي أدى فيما بعد
إلى تدهور الشركة ووقوعها في صعوبات من شأنها الاخلال بإستمرارية الاستغلال.وما
يعيبه الطاعنان أن قرار محكمة الاستئناف لم يرتكز على أساس قانوني وهو ما لم تستجب
له محكمة النقض وأيدت القرار الإستئنافي المطعون فيه، حيث قضت محكمة النقض (
المجلس الأعلى سابقا) برفض الطلب وإبقاء الصائر على رافعيه.
ومن
هنا تبرز الإشكالية المحورية: إلى أي حد استطاع القضاء خلق تناغم بين أحقية
تدخل قاضي الأمور المستعجلة للحكم بخبرة التسيير وبين الحفاظ على مصالح المقاولة؟
للإجابة
عن ذلك إرتأينا تقسيم الموضوع على الشكل الآتي:
المحور
الأول: السمات الأساسية لتدخل قاضي الاستعجال في خبرة التسيير
المحور
الثاني: توحيد رؤى القضاء ومحدوديته في الرقابة على موضوع النازلة
المحور
الأول: السمات الأساسية لتدخل قاضي الاستعجال في خبرة التسيير:
تطلق
خبرة التسيير على تلك الخبرة التي يتقدم بطلبها، شريك أو عدة شركاء في الشركة، من
رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضي الأمور المستعجلة، لتعيين خبير (أو عدة خبراء)
من خارج الشركة ويحدد مهمته، أجرته...
ولكي
يستند الطلب على أساسه القانوني، ينبغي توفر عدة شروط تتعلق بطالب (أو
طالبي)الخبرة (أولا) وبموضوع الخبرة (ثانيا).
أولا:
الشروط المتعلقة بطالب أو طالبي الخبرة:
تتحدد
هذه الشروط بحسب الشكل القانوني الذي تتخذه الشركة؛ فإذا كانت الشركة مساهمةينبغي
أن يتوفرالمساهم أو المساهمين طالبي الخبرة على ما لا يقل عن عشر رأسمال الشركة[2].أما
إذا تعلق الأمر بشركة ذات المسؤولية المحدودة - وهو ما ينطبق على نازلة الحال - فقد
اشترط المشرع المغربي توفر طالب أو طالبي الخبرة على ربع رأسمال الشركة على الأقل ويظهر
ذلك جليا من منطوق المادة 82[3] التي
نصت على: " يمكن لواحد أو أكثر من الشركاء المالكين لربع رأسمال الشركة على
الأقل، سواء فرادى أو مجتمعين في أي شكل كان، أن يطلبوا من رئيس المحكمة بصفته
قاضي المستعجلات، تعيين واحد أو أكثر من الخبراء لتقديم تقرير بشأن عملية أو أكثر
من عمليات التسيير...".
وعليه
إذا كان كل من طالبي خبرة التسيير يملكون على التوالي- من رأسمال الشركة- (عبد الحفيظ
وعبد الحميد على 37,5% و10%)أي ما يقارب نصف رأسمال الشركة فيكون بذلك طلبهما ذو
أساس قانوني.
ثانيا:
شرط تحديد موضوع الخبرة:
إن
إجراء تحديد نطاق الخبرة،من مهام طالب أو طالبي الخبرة ويخضع لرقابة قاضي الأمور المستعجلة،
حيث نصت المادة 82 سالفة الذكر"...يحدد الأمر الاستعجالي نطاق مهمة الخبراء
وصلاحيتهم عند الاستجابة للطلب بعد استدعاء المسير بصفة قانونية، ويمكن تحميل الشركة
اتعابهم...".وهو ما يفيد أن الاستجابة لطلب خبرة التسيير قرين بتحديد نطاق
هذه الأخيرة بشكل مفصل تحت طائلة الرفض،حيث جاء في تعليل عن تجارية البيضاء[4]:"..حيث
أن المشرع خص الشركاء محدودة المسؤولية بمقتضيات المادة 82 من القانون رقم 96.05
والتي منحتهم إمكانية [...] وحيث إن المستقر عليه أن المقصود بتلك العملية أن تكون
متعلقة بمهام التسيير وأن تكون محددة تحديدا دقيقا،[...] وحيث من تم يخرج عن نطاق
تلك المادة الخبرة الحسابية الشاملة التي ترمي إلى افتحاص وتدقيق حسابات الشركة.
وطالما أن الطلب الحالي لا يتعلق بعملية أو عمليات التسيير محددة بشكل مفصل فإنه
يندرج ضمن طلب تدقيق حسابات فإنه يبقى غير مبرر ويتعين رده".وعن نفس المحكمة
تم قبول الطلب إذ جاء في تعليل الأمر الاستعجالي" ...وحيث أدلت المدعية بما
يفيد تملكها [...] كما أن طلبها ينحصر في إجراء خبرة بشأن عمليات محددة من عمليات
التسيير مما يكون معه طلبها مبررا ويتعين الاستجابة له[...] لهذه الاسباب نبت
علنيا وابتدائيا
-
بإجراء
خبرة تعهد للخبير السيد...الذي يتعين عليه التقيد بمقتضيات قانون المسطرة المدنية كما
تم تعديلها بمقتضى قانون رقم 85.00 المنشور بالجريدة الرسمية [...] أثناء إنجازه
لمهمته التالية: - رصد الاختلالات التي شابت المحاسبة بخصوص تبرير مخزون المواد
بقيمة...
-
نحدد أجرة
الخبير في مبلغ...
أما
ما يتعلق بنازلتنا هاته فإن الاستجابة لتعيين خبير من طرف رئيس المحكمة التجارية
بوجدة للقيام بكل من:"....
-
الإطلاع
على القوائم التركيبية لسنة 2006 وكافة الوثائق المحاسبية للشركة ...
-
إعطاء
توضيحات بخصوص المبالغ المذكورة بالمقال والتدقيق في كل الديون...
-
الكشف عن
جميع مديني الشركة التي لها عليهم ديون والمقدرة في10.675.654 د.
-
البحث عن
سبب عدم استيفاء المسير لهذه الديون و إنجاز تقرير...."
يكون
قد جانب الصواب لكونه يتعلق بعدة عمليات مرتبطة فيما بينها وبالتالي يجر القضاء
الاستعجالي إلى البحث والتدقيق في حالة الشركة أي البحث في جوهر النزاع وهذا ما
يتعارض مع طبيعة أهداف القضاء الاستعجالي أصلا.وهوما أدى إلى تدهور حالة
الشركة مما عابه الطاعنان وتمسك به القضاء
في كافة مراحل الدعوى،وعليه سنخصص الشق الثاني من هذا الموضوع لتوضيح موقف القضاء وتبيان القصور الذي وقع فيه إثر ذلك.
المحور
الثاني:توحيد رؤى القضاء ومحدوديته في الرقابة على موضوع النازلة:
إن
المتأمل في القرارات التي بين أيدينا- قرار محكمة الاستئناف التجارية ومحكمة
النقض- يظهر له أنها تناشد كلها بأحقية فرض خبرة التسيير(أولا) كما يلاحظ أنها
أغفلت عنصرا مهما كان ينبغي التطرق له (ثانيا) وهو ما ساهم في محدوديتها.
أولا:
تمسك القضاء بمبرر خبرة التسيير:
سبق
القول بأن طلب خبرة التسيير ذو أساس قانوني[6] وليس
هناك ما يمنع من إجراء هذه الخبرة – طالما توفرت شروطها- لكن ما يعاب على الأمر
الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة التجارية أنه وسع من نطاق هذه الخبرة، حيث
إنتقلت هذه الأخيرة من خبرة للتسيير - تتعلق بعملية أو عدة عمليات محددة تحديدا دقيقا
– إلى القيام بدور الخبرة الحسابية التي تضم مختلف العمليات التي قامت بها
الشركة...زد على ذلك القيام بالكشف عن كل دائني الشركة..وهذا ما عابه الطاعنان
وأيدته محكمة الاستئناف التجارية وهو أيضا ما كان سببا للنقض، حيث جاء في تعليل
قرار محكمة النقض " ..حيث يعيب الطاعنان القرار بخرق القانون وعدم الارتكاز
على أساس قانوني، بدعوى أنه علل قضاءه بكون الطلب يندرج في الفصل 82 من القانون 96.05.وأن
الغرض منه لا يضر بمصالح الطرفين ولا بمراكزهما القانونية، فضلا عن أنه ليس هناك
في الواقع أو القانون ما يمنع المحكمة من بسط مراقبتها المطلوبة في إطار المقتضيات
القانونية [...] فالطلب يهدف إلى فحص وثائق الشركة للتدقيق في حالتها عن طريق
القضاء الاستعجالي، وهي عملية لا تعتبر إجراءا وقتيا لا يمس بمصالح الأطراف أو
بمراكزهم القانونية.وإنما على العكس فهي عمليات تستدعي الخوض في جوهر النزاع الشيء
الذي لا يملكه القضاء الاستعجالي. مما يشكل تجاوزا للإختصاص ومن جهة أخرى فالقرار
حينما قرر أنه ليس هناك ما يمنع المحكمة الاستعجالية من بسط مراقبتها على العمليات
التجارية التي أبرمتها الطاعنة سنة 2006 يكون مخالفا لقاعدة جوهرية في استناد
الاختصاص، فالمحكمة الاستعجالية لا تتدخل إلا بتوفر حالات الاستعجال وفق الحدود
المسموح بها قانونا والأمر يتعلق بفحص مالية الشركة، وتدقيق حساباتها عن سنة مالية
سبق أن صدر بشأنها قوائم تركيبية ونوقشت في جمع عام عادي طبقا للقانون، ولم تكن
محل أي طعن. فالقرار باستجابته للطلب، تجاوز أحكام القانون المنظمة لسير الشركة من
حيث المقرررات الصادرة على ضوء الجمع العام، وما يترتب عنها من إنجاز قوائم
تركيبية والتي جعلها المشرع قرينة قانونية على شفافية المحاسبة لدى الشركة. فيكون بذلك
القرار غير مرتكز على أساس سليم.فضلا على أنه حينما استند على الفصل 82، ولم يطبق
القانون تطبيقا سليما. فالفصل المذكور لا يطبق على النازلة، فبمناقشة نفس العمليات
بواسطة خبرة مستقلة بعد العمليات الحسابية والقوائم التركيبية والسليمة يمسك
محاسبة منتظمة وفق القانون المتعلق بالقواعد المحاسبية هو تجاهل للأحكام القانونية.
مما يبقى معه ما قرره القرار المطعون فيه لا يقوم على أساس قانوني سليم ويتعين
نقضه.." ولعل هذا ما يظهر تمسك القضاء بمبرر خبرة التسيير وإعمالها في غير
محلها، لكن الغريب في الأمر أنه تم إغفال الجرائم التي قام بما الشريك المسير
بالرغم من اتضاحها ولا يوجد في القرار ما يفيد مؤاخذته على تلك الاخلالات وهذا ما
عبرنا عنه بمحدودية القضاء في الرقابة على وقائع النازلة وهو ما سنتطرق له مواليا.
ثانيا:
محدودية القضاء في الرقابة على موضوع النازلة:
جاء
في وقائع القضية، أن الشريك المسير- الطاعن في القرار- قام بعدة أفعال من قبيل؛
إعطاء تفاصيل حول رأسمال الشركة رقم 13 وهو 30 مليون درهم في حين أن الرأسمال الحقيقي
للشركة هو 3 مليون درهم فقط، إضافة إلى إساءته لإستعمال أموال وإعتمادات الشركة...وتعد
كل هذه الأفعال جرائم في نظر القانون يعاقب عليها بعقوبات من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة
من 10.000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين[7].وإن
كانت تختص بها المحاكم الزجرية لكون الأمر يتعلق بجرائم لكن لا يمنع أن تتوقف
الدعوى في المحكمة التجارية لحين البت فيها جنائيا مع الإشارة إلى ذلك في القرار
وفق المعمول به عمليا- وهوما تغاضى عنه القضاء في موضوع النازلة – وهذا إن دل على
شيء إنما يدل عن محدودية الجهاز القضائي بمختلف مراحله على ضبط كافة مواضيع القضية،
وإن كنا نعلم الصعوبة التي تعتري المحاكم عند تطبيق المقتضيات الجنائية للشركات (
فغالبا ما يتم تطبيق مقتضيات مجموعة القانون الجنائي من خيانة الأمانة وجريمة
النصب والإحتيال والتزوير...) لكن ذلك لا يغني عن البحث في هذه الجرائم، كما لا يبرر
إغفال حالة الشركة والآثار التي يمكن أن تترتب عن تلك الإجراءات.
خاتمة:
وختاما،يمكن
القول إن خبرة التسيير هي سيف ذو حيدين، فقد منحها المشرع كوسيلة لحماية شركاء
الأقلية من تعسف الأغلبية، كما أنها وسيلة للإضرار بالشركة إذ لم تطبق التطبيق
الصحيح.وخاصة إذا ارتبطت بأمور أخرى في التسيير فلا يمكن أن تكون في صالح الشركة
بالقدر الذي سوف تسبب لها أضرارا قد تؤدي إلى تصفيتها.
كما
نؤكد على أن تعليقنا على هذا القرار لم يكن لغاية
الإنتقاص من مؤسسة القضاء أوتتبع زلاتها، بالقدر الذي أردنا من خلاله لفت الأنظار
إلى بعض الهفوات الصغيرة ذات الخسائر الفادحة.فالقضاء يلعب دورا هاما في بلورة
وتحريك القواعد القانونية حسب الحكمة من تشريعها، خاصة إذا تعلق الأمر بالمجال
التجاري،الذي يتسم بطابع التطور والتجديد.
القاعدة:
أحقية
الاستجابة لخبرة التسيير عند توفر شروطها...نعم
اعتماد
الخبرة للكشف عن كل عمليات الشركة...لا
[1] يعد هذا القرار من أندر القرارات في هذا الموضوع بحيث هو الوحيد الذي يوجد
منذ بداية عمل المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا) إلى حدود سنة2017 ولا نظن أن تصدر قرارات مثله نظرا لكونه عرف الكثير
من الإخلالات جعلتنا نتحمس للتعليق عليه.
[2]وهو ما
عبر عنه المشرع في المادة 157 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة بقوله"يسوغ
لمساهم أو عدة مساهمين يمثلون ما لا يقل عن عشر رأسمال الشركة رفع طلب لرئيس
المحكمة بصفته قاضي المستعجلات بتعيين خبير أو عدة خبراء مكلفين بتقديم تقرير عن
عملية أو عدة عمليات تتعلق بالتسيير...".
[3]المادة
82 من القانون رقم 96.05.
[5]الأمر
الاستعجالي الصادر عن رئيس تجارية البيضاء تحت رقم 909 ، ملف عدد 3426/1/2013 بتاريخ 05/03/2014 ( غير منشور).
[7] أنظر المادة 107 من القانون 96.05
وتقابلها المادة 384 من القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، أما في التشريعات
المقارنة؛ فنجد المشرع الفرنسي نص على نفس الجريمة في المادة l242-3 من مدونة التجارة الفرنسية، حيث عاقب بخمس سنوات سجنا وبغرامة تصل إلى
375.000 يورو ، وكذلك المشرع التونسي تطرق لنفس الجريمة في المادة 223 من مجلة الشركات
التونسية وعاقب عليها "بالسجن مدة لا تقل عن عام ولا تتجاوز خمسة أعوام
وبخطية من ألفين إلى عشرة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين فقط".
لتحميل القرار.. المرجو الضغط هناك أو أسفله