رسالة ماستر: تضريب التجارة الإلكترونية واقع وآفاق - من إعداد: عبد الحق أعنوز

تضريب التجارة الإلكترونية واقع وآفاق
من إعداد: عبد الحق أعنوز 

مجلة قانونك الالكترونية



مقدمة

شهد العالم خلال العقد الأخير من القرن الماضي ثورة حقيقية في تقنية المعلومات والاتصالات أثرت بدرجة كبيرة على كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث شكلت العولمة وظهور الانترنت منعطفا هاما في الحياة الاقتصادية، بحيث يشير تعبير التجارة الالكترونية إلى استخدام شبكات الحاسوب لتسهيل التعاملات التجارية بما فيها إنتاج وبيع وتوزيع السلع والخدمات، حيث تقدم التجارة الالكترونية البيئة المناسبة التي تباع من خلالها المنتجات والخدمات الرقمية، وتشمل هذه الخدمات والمنتجات كلا من النصوص والصوت والفيديو وغيرها من المحتويات التي يمكن أن يعبر عنها كسلسلة من الأرقام والاصفرار، كما تفتح التجارة الالكترونية مجالات جديدة لتسويق السلع والخدمات للمستهلكين مباشرة وتخلق وتنسق فرصا مشابهة لتعاملات التجار تتضمن كلا من المنتجات والخدمات الرقمية وغير الرقمية[1].
وبذلك فإن التجارة الالكترونية تمثل نتيجة مباشرة لاستثمار الطاقات الذهنية والقدرات الفكرية للعنصر البشري، حيث يتم إعداد صفحات على شبكة الانترنيت تعرض فيها الشركات منتجاتها من سلع وخدمات، مستخدمة كل فنون وأدوات العرض التي يتيحها الحاسب الالكتروني ووسائله المتعددة، بحيث توضح خصائص المنتجات ومزاياها، وتتيح للمشترين فرص استعراض استخدام السلعة ومزاياها ليتم بعد ذلك الاتصال بين البائع والمشتري[2] وصولا إلى انعقاد العقد الذي اصطلح على تسميته "بالعقد الالكتروني" حيث يتلاقى فيه القبول بالإيجاب بفضل التواصل بين الأطراف بوسيلة مسموعة ومرئية عبر شبكة دولية ومفتوحة للاتصال عن بعده، فالعقد الالكتروني عقد عادي إلا أنه يكتسب الطابع الالكتروني[3] من الطريقة التي ينعقد بها أو الوسيلة التي يتم إبرامه من خلالها وقد قدرت حجم التجارة الالكترونية عبر العالم عام 2002 بحوالي 2,3  ترليون دولار بحيث أصبحت عام 2004 إلى 7 ترليون دولار[4].
وقد أصبحت التجارة الالكترونية ضرورة ملحة للدول النامية لتثبت أقدامها في متاهة التجارة العالمية وتطوير اقتصادياتها لرفع معدلات نموها والانخراط في الاقتصاد اللاحدودي واللامادي . 
فالتجارة الالكترونية هي إحدى التعابير الحديثة التي دخلت حياتنا اليومية وهي مرحة من مراحل تطور التجارة طبقت منها تكنلوجية المعلومات والاتصالات التي اعتمدت على الوسائل الالكترونية في الإنتاج والتوزيع والبيع وتسديد الأثمان على المستوى العالمي، وفي ظل هذا التسارع الرقمي ظهرت بعض الحواجز ذات التأثير السلبي على اقتصادات الدول وخاصة النامية، منها الأمر الذي جعل حكوماتها أن تقف حائرة أمام سياسات تكييف ميكانيكية اقتصاداتها التقليدية إزاء قواعد الاقتصاد المعرفي الجديد.       
ولقد أثبتت الدراسات والتجارب على أن هذه التقنية تستطيع أن توفر للإنسان خدمات كثيرة لم يكن يعهدها من قبل، ولهذا فإن معظم الدول دأبت على توظيف هذه التقنية وضع الخطط الإستراتيجية لتطويرها واستثمارها في جميع المجالات وذلك من خلال إرساء مفهوم التجارة الإلكترونية[5].
بحيث لم تشهد البشرية خلال تاريخها الطويل تغيرات في نمط الإنتاج والتبادل والاتصال مثلما تشهده اليوم، وكذلك في أسلوب الحياة بالعمق والشمول والسرعة، التي تشهدها المجتمعات منذ أن دخلت في حياتها التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصال، وقد تغلغلت هذه التقنيات في بعض القطاعات مثل قطاع المعلومات والقطاع المالي المصرفي، وقطاع التجارة إلى الدرجة التي تحولت معها الأساليب والممارسات التي تستخدمها المؤسسات التي تعمل في هذه القطاعات تحولا "جذريا"[6].
في حين نجد بعض الشركات التي تؤدي أعمالا "على الويب نفس الضرائب التي تتحملها أي شركة أخرى. لكن حتى أصغر أعمال الويب يمكن أن تتحمل ضرائب فوريا" في العديد من الولايات، والدول بسبب المدى العالمي للانترنت. وتقع تحت نفس مجموعة قوانين الضرائب شركات لسنوات ويجب أن تلتزم الشركات التي تدخل في التجارة الإلكترونية بقوانين الضرائب المتعددة منذ أول يوم تتواجد فيه[7].
وفضلا "عن ذلك يشهد العالم في السنوات الأخيرة تغيرات كثيرة متلاحقة في تكنولوجيا المعلومات، ولعل التطور الهائل لهذه الأخيرة أدى إلى ظهور التجارة الإلكترونية التي أدت إلى عقد الصفقات بين البائع والمشتري دون أن ينتقل أحدهما إلى الآخر، أي أصبحت الصفقات التجارية تتم إلكترونيا[8].
وكما يمكن أن تصبح أعمال الخط المفتوح معرضة لعدد من أنواع الضرائب، بما في ذلك ضرائب الدخل، وضرائب العمليات التجارية، وضرائب الملكيات. ويتم تحصيل ضرائب العمليات التجارية transaction Taxes، والتي تشمل ضرائب المبيعات،  وضرائب الاستخدام، الضرائب الجمركية، كلها على المنتجات، أو الخدمات التي تبيعها الشركة أو تستخدمها[9].
وتشهد التجارة في العالم حاليا "تحولا سريعا" من الشكل التقليدي إلى الشكل الإلكتروني الذي تلعب فيه شبكة الإنترنت دورا "رئيسيا" وتعمل الحكومات في مختلف البلدان على دعم عملية الانتقال هذه، وتوفير كافة أسباب النجاح لها، لأنها تعمل في توسيع الأسواق العالمية أمام منتجاتها، كما أن شبكة الانترنت أحدثت ثورة في عالم الاستثمار، وأعادت تشكيل عالم المال، ونشر البيانات الإلكترونية على الانترنت، فقد أثر ذلك على جميع أنواع المعلومات المالية[10].
وقد أثار هذا التطور السريع للتجارة الإلكترونية وعلى وجه الخصوص بيع السلع والخدمات عبر الانترنت نقاشا حول الأنظمة الضريبية التي يمكن أن يستخدم لحكمها، إذ أن الانتقال من البيئة التجارية المادية إلى البيئة الإلكترونية المرتكزة على المعرفة العلمية طرحت مسائل هامة وخطيرة فيما يتعلق بفرض الضرائب والأنظمة الضريبية، فالتجارة الإلكترونية والعولمة تشكلان تحديا واضحا للأنظمة الضريبية التقليدية التي تقوم في الأغلب على السلع المادية التي يمكن حصرها وتتبعها. وتواجه الإدارات الضريبية في أنحاء العالم كافة مهمة صعبة لحماية عائداتها الضريبية نتيجة تطور النشاط التجاري الإلكتروني، فعلى سبيل المثال قدرت خسائر الولايات المتحدة الأمريكية من حصيلة ضريبة المبيعات نتيجة التجارة الإلكترونية بنحو ثلاثة مليارات دولار عام 2003[11] ، وفي الوقت نفسه تحاول هذه الإدارات عدم إعاقة التنمية المتعلقة بالتكنولوجيا الحديثة أو اضطلاع مجتمع الأعمال بالتطوير ونمو السوق الإلكتروني[12].
أثار هذا الموضوع اهتمام معظم دول العالم ، ولم تبقى دول من دول العالم المتقدمة بالإضافة إلى العديد من الدول النامية إلا وأصدرت تقارير تبين فيه توجهاتها للتعامل هذه التحديات التي تواجهها . واهتم بهذا الموضوع أيضا الأكاديميون والباحثون في معظم جامعات العالم وظهرت أيضا العديد من الكتب والأبحاث والدراسات حوله، خضع هذا الموضوع للدراسة والبحث المنظم على نطاق عالمي أشرفت عليه منظمة دولية ذات نشاط اقتصادي واسع هي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي.
فقد أقامت هذه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي  عددا من المؤتمرات لدراسة هذا الموضوع والوصول إلى توصيات بشأنه . ولم يقتصر حضور هذه المؤتمرات على ممثلي الدول الأعضاء فقط وإنما حضره ممثلون عن العديد من دول العالم وممثلون عن الشركات وقطاع الأعمال[13] .
ففي عام 1997 أقامت المنظمة مؤتمرا في مدينة  "turkyo "في فنلندا سمي بالتجارة الالكترونية :" التحديات للسلطات الضريبية والمكلفين الضربيين".
وتكمن الصعوبة في هذا الموضوع انه مازال نظريا بحثا وانه لم يدخل حيز التطبيق الفعلي بعد، فجميع الدراسات والمؤتمرات تحاول تقديم الحلول لمشاكل وصعوبات لم تظهر بعد ولكنها ستظهر مستقبلا بشكل أكيد . فالتجارة الالكترونية ما زالت في مراحله البدائية ولكنها تنمو وستصل لحجم كبير جدا في السنوات القليلة القادمة .
والبحث كذلك في كثير من الأحيان يثير صعوبات دون أن يكون باستطاعته إيجاد حلول لها ، فجميع الأبحاث والدراسات المهتمة بالموضوع قدمت اقتراحات وتوصيات لم يستطع أي منها بعد إيجاد حل نهائي يستقر التعامل عليه.
وتتجلى أهمية الموضوع في كون فرض الضرائب على التجارة الالكترونية من المواضيع المهمة المطروحة على طاولة الحوار الدولي ويحظى هذا الموضوع باهتمام كبير من قبل الباحثين في هذا المجال فبعضهم يرى بضرورة إخضاع التجارة الالكترونية للضرائب والبعض الأخر يطالب بالإعفاء الضريبي ويعتبره أساسا لنمو التجارة الالكترونية.  ويسعى البحث إلى تحليل ودراسة الصعوبات القانونية والفنية لتضريب التجارة الالكترونية والآثار المالية والاقتصادية والاجتماعية للضرائب على التجارة الخارجية والدولية بشكل عام والتعرف على الاتجاهات الحديثة للضريبة المعتمدة في التجارة الالكترونية وإمكانية الاستفادة منها وتكييف النظم الضريبية الحالية بما يتلاءم مع المستجدات الالكترونية الحديثة وسد الثغرات في النظم الضريبية التقليدية . 
وفي إطار العولمة والتطور التكنولوجي الهائل الذي يعرفه عالمنا اليوم برزت للوجود العديد من القضايا الجبائية الحديثة التي أثرت سلبا على الإرادات الجبائية ، حيث أصبحت النظم الجبائية لمختلف الدول عاجزة عن مسايرتها ، فعلى الرغم من المزايا الكبيرة التي جلبتها شبكة الانترنيت إلا أنها خلفت تحدي كبير أمام الإدارة الجبائية وللوقوف على هذه الظاهرة وتحليلها فإننا نطرح الإشكالية التالية :
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من مواكبة التشريع الضريبي للتجارة الالكترونية . وما هي الصعوبات القانونية والفنية لاستخلاص الضريبة على التجارة الالكترونية واليات ضبطها.
انطلاقا مما سبق ذكره يمكن لنا دراسة وتقسيم هذا الموضوع من خلال المخطط التالي:
الفصل الأول : واقع تضريب التجارة الالكترونية
المبحث الأول : الصعوبات الفنية والقانونية لتضريب التجارة الالكترونية
المبحث الثاني : الاتجاهات الرافضة والمؤيدة والحلول المقترحة
الفصل الثاني : آفاق تضريب التجارة الإلكترونية
المبحث الأول : أهمية التضريب
المبحث الثاني : أثار التضريب  


[1] Houghton, kendall, and walter hellerstien, 2000, state taxation of electronic commerce : pres pective on propos sals for change and their constitutionaliyé, brigham young University Law Review, 200, 1, p. 10.
[2]  الشافعي محمد، المعاملة الضريبية للصفقات التي تمر عبر التجارة الالكترونية، مجلة البحوث المالية والضريبية، العدد الثامن عشر التاسع عشر، ص: 126.
[3] ابراهيم كامل الشوابكه، ضريبة المبيعات التجارية الالكترونية، دراسات، علوم الشريعة  والقانون، المجلد 34، الملحق 1 ، 2007.
[4] -محمد رمضان، الانترنيت كوسيلة للتهرب من الضريبة أو تجنبها، مجلة البحوث المالية والضريبة، العدد 18/19، ص 162. 
[5]  سهال كشكول عبدو، مرجع سابق ص 462.
[6] Shroeder, Terrell, E. « State tax and Electronic commerce » Management Accaunting Vol 77-No.3 sep 1995.
[7]  شنايدر، وآخرون تجاري، التجارة الإلكترونية دار المريخ للنشر 2008.
[8] Owain A.G.T Stephen, « the in fluence of Electronic Trading on Did Ask ; new evidence from evidence from evropeam Band Futures » journal of Fixed Income. Vol 8, No,1 juin 1998.
[9]  شنايدر، وآخرون، التجارة الإلكترونية، مرجع سابق ص 416.
[10] Eric C.K, B.W Webre « strategie and competitive information systeme “journal of management information system vol 16.NO.2 fall 199.
[11]  محمد رمضان، مرجع سابق ، ص 162.
[12] Tones Richard, and subhajit basu, 2002, Taxation of electronic commerce : A developing Problem. International Review of law computers, 16 (1): 35.
[13]  عدنان غسان برا نبو ، تحديات التجارة الالكترونية للنظام الضريبي ، بحث مقدم لنيل درجة الماجستير في القانون العام 2001/2002




مجلة قانونك