دور مؤسسة الحكمين ضمن الوسائل البديلة لحل المنازعات الأسرية‎


دور مؤسسة الحكمين ضمن الوسائل البديلة لحل المنازعات الأسرية
قانونك
دور مؤسسة الحكمين ضمن الوسائل البديلة لحل المنازعات الأسرية‎





دور مؤسسة الحكمين ضمن الوسائل البديلة لحل 
المنازعات الأسرية
من إعداد: وليد تويلي
باحث في سلك الدكتوراه مختبر الطفل والأسرة والتوثيق
مقدمـة :
    لما كانت الأسرة هي المنطلق الأساسي في تكوين المجتمع واللبنة الأساسية له والمرآة التي تعكس في كل أمة نموها وتطورها ،فقد اهتمت مختلف الشرائع بتنظيمها, وحددت حقوق و واجبات أطرافها وحمايتها من كل ما يهدد استقرارها وتماسكها، لكن بالرغم من ذلك فإنه كثيرا ما تقع خلافات بين أفرادها مما يهدد استقرارها وتماسكها فيستدعي ذلك حمايتها.
    لذلك اعتبرت آلية الصلح من بين الوسائل المعتمد عليها في تحقيق هذه الحماية لكونها أحد أهم الوسائل الفعالة في حماية كيان الأسرة، وقد تم تعزيز هذه الآلية بآليات أخرى لا تقل أهمية في إنهاء هذا النوع من النزاعات بشكل حبي وودي.
    وقد كان المشرع المغربي مطلعا بالدور الذي تقوم به فجعلها من مستجدات مدونة الأسرة، وذلك من خلال إلزام المحكمة بإجراء الصلح في جميع طلبات الطلاق والتطليق ما عدا التطليق للغيبة وان اقتضى الحال اللجوء إلى آليات أخرى،  لاقتناعه الأكيد بأهمية الصلح بين أطراف العلاقة الزوجية ودوره في حماية الأسرة من الانحلال والتفسخ.
   ولتحقيق هذه الغاية رصد المشرع نظامين، أحدهما تم اقتباسه من الفقه الإسلامي ويتعلق الأمر بنظام التحكيم أو الحكمين والآخر يخص مجلس العائلة، وقد منح للقضاء صلاحيات اللجوء إلى أي منهما لتحقيق الهدف المنشود، وقد اعتبرت مدونة الأسرة انتداب الحكمين من بين الوسائل المتاحة للصلح، وذلك لما في بعث الحكمين من أهمية كبيرة في الإصلاح بين الزوجين،  سواء بسبب اطلاعهما على أحوالهما، أو اتصالهما بالزوجين عن قرب، مما يجعلهما قادرين على التأثير عليهما والتغلب على خلافاتهما.
   ويعرف التحكيم بأنه نظام يتم فيه الاتفاق بين الخصوم، على طرح نزاع على أشخاص ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة. كما عرفه ابن نجيم بقوله : هو تولية الخصمين حكما يحكم بينهما ، أي اختيار ذوي الشأن شخصا أو أكثر ليحكم فيما تنازعا فيه، دون أن يكون للمحكم ولاية القضاء بينهما.
   وقد عرفت هذه الآلية منذ قدم التاريخ واخترقت قوانين وأعراف جميع الحضارات الإنسانية عبر مر العصور، إلى أن أقرتها وأدمجتها مختلف الشرائع الوضعية المدنية في منظوماتها القانونية والقضائية لضبط نظام الأسرة في مختلف روابطها بهدف ضمان استقرارها ومحاولة التصدي لمختلف نزاعاتها. ووعيا من المشرع المغربي بأهمية هذه المؤسسة جعل مسطرة الصلح في المجال الأسري من مستجدات مدونة الأسرة, إذ اعتبرها من النظام العام يجب احترامها في جميع دعاوى الطلاق والتطليق باستثناء دعاوى التطليق للغيبة لاستحالة حصول الصلح فيها.
المطلب الأول: النظام القانوني لمؤسسة الحكمين
    لقد خصص المشرع الكثير من المواد القانونية التي أطرت مسطرة الصلح إلى جانب بعض الأحكام الفقهية, فهذه المقتضيات القانونية والفقهية تتمثل في : المواد 81 إلى 83 والمواد 94 إلى 96 والمادة 113 من مدونة الأسرة بالإضافة إلى المادة 400 من نفس المدونة.
أولا : مؤسسة الحكمين
   إن نظام التحكيم في المجال الأسري يعد من بين الوسائل المعتمد عليها لحماية الأسرة من الانحلال و التجزؤ، وعلى هذا الأساس اقتبست مدونة الأسرة هذا النظام من الفقه الإسلامي-المذهب المالكي- وجعلته جزء من الآليات المعتمدة في فض النزاعات الأسرية، إلا أن الملاحظ أن المدونة لم تعالج بالتفصيل الأحكام المتعلقة ببعث الحكمين كما فعل الفقه وإنما أشارت في المادة82 منها على أن المحكمة لها صلاحية القيام بجميع الإجراءات لإصلاح ذات البين بين الزوجين ومنها انتداب الحكمين، كما أشارت في المادتين95و96 من نفس القانون المذكور إلى المهام الموكولة للحكمين.
   كما لم يحدد المشرع في مدونة الأسرة تفاصيل الإجراءات المسطرية التي يتعين إتباعها عند بعث الحكمين إلى حين انتهاء مهمتهما وإنما جاء في مادة وحيدة تخص هذا الشأن هي المادة 88 من م.أ، حيث خولت للمحكمة أن تقوم بجميع الإجراءات لإصلاح ذات البين بين الزوجين، من بينها انتداب الحكمين أو من تراه مؤهلا للقيام بمهمة الصلح و التوفيق بين الزوجين، أما المادتان 95و96 فقد تضمنتا المهام الموكولة للحكمين.
   وتبقى هناك الكثير من التفاصيل المسطرية أغفلها المشرع، وعلى سبيل المثال ما هي المعايير التي يعتمدها القاضي عند انتداب الحكمين؟ وهل تنتدبهما بمجرد قرار ولائي، أم يجب أن يتم ذلك بحكم تمهيدي؟ وهل يتعين على المحكمة تحليفهما قبل أداء مهمتهما أم لا؟ وأين ينعقد مجلس التحكيم؟ وكيف يتم استدعاء الزوجين لحضوره؟ وما هي القيمة الحقيقية للتقرير الذي يحرره الحكمان في حالة توصلهما إلى الصلح؟ وفي اختلافهما في مضمون التقرير أو تحديد المسؤولية هل يجوز لكل واحد منهما أن يحرر تقريرا مستقلا عن الآخر؟ وما هي المدة التي ينبغي للحكمين لإنجاز مهمتهما؟ وما هو الحل في حالة عدم تقديم تقريرهما بعد انصرام المدة المذكورة؟ وهل يجوز للمحكمة أن تمنحهما أجلا آخر؟
   كل هذه الأسئلة غير المجيب عنها من قبل المشرع حول التحكيم الأسري تفرغ هذا الأخير من محتواه ومقاصده، لذلك كان لزاما على المشرع أن يهتم بتنظيم هذه الآلية بشكل مفصل لما تقوم به من دور كبير في حماية الأسرة المغربية واستقرارها، وإذا كانت بعض تلك التساؤلات لا نجد لها ردا في مدونة الأسرة، فإن البعض الآخر يجد لها جوابا وشرحا مفصلا وذلك في المذهب المالكي التي تلزمنا المادة400  من المدونة بالرجوع اليه لبيان كل ما لم يرد به نص في المدونة فيما يخص التحكيم وعلى سبيل المثال  يمكن بيان الشروط الواجب توافرها في الحكمين الواردة في المذهب، وهي كما حددها الفقهاء:العدالة، والذكورة، والتفقه، والعلم بأحكام الجمع والتفريق بين الزوجين والإسلام والبلوغ وأن يكون من أهل الزوجين.
   إلا أن المشكل الذي يمكن أن يواجهه القضاء في هذا الموضوع على مستوى التطبيق العملي هو صعوبة إيجاد الحكمين بالأوصاف والشروط المطلوبة في الفقه المالكي من أهل الزوجين أو حتى من غيرهما، فكيف يمكن للمحكمة أن تعلم بوجود أشخاص مؤهلين للقيام بمهمة الحكمين؟ وحتى في حالة علمها بوجودهم فمن يضمن لها أنهما سينجزان المهمة الموكولة إليهما بدون تماطل أو تأخير.
ثانيا: مسطرة بعث الحكميين
   ويمكن استخلاص مسطرة بعث الحكميين في العمل القضائي في أقسام قضاء الأسرة، إذ نجدها تبتدئ بتكليف الزوجين بإحضار الحكمين مع تحديد تاريخ حضورهما  ثم بعد ذلك تكلف المحكمة الحكمين بإجراء الصلح بين الزوجين وبعد تعيين الحكمين وتكليفهما بالمهمة الموكولة إليهما وبعد محاولة هؤلاء إصلاح ذات البين  يحرران محضرا يتضمن ما أسفرت عنه هذه العملية، وهي لا تخلو من نتيجتين إما أن يتحقق الصلح ويتم التوفيق بين الزوجين، وإما أن يفشلا في ذلك، وفي كلتا الحالتين يسلما هذا المحضر للقاضي المكلف بالقضية وبناء على هذا الأخير يتخذ القاضي قراره.
    لقد خصص مشرع المدونة المادة 95 منها لتحديد المهام الموكولة للحكمين، إذ جاء في فقرتها الأولى أنه " يقوم الحكمان أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين ببدل جهدهما لإنهاء النزاع" ونصت فقرتها الثانية" إذا توصل الحكمان إلى الإصلاح بين الزوجان حررا مضمونه في ثلاث نسخ يوقعها الحكمان و الزوجان ويرفعانها إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخة منه وتحفظ الثالثة بالملف ويتم الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة".
   ومن خلال الفقرة الأولى من المادة المذكورة أعلاه، يتضح أن أول عمل يقوم به الحكمان بعد تعيينهما وبعثهما إلى الزوجين الموجودين في حالة الشقاق هو تقصي الحقائق والتعرف على أسبابه ودوافعه وخلفياته وذلك لإنهاء النزاع وعودة الصفاء والمودة إلى الزوجين. وعليه يجوز للحكمين اختيار الطريقة المثلى التي تمكنهم من أداء مهمتهم، بما في ذلك الانتقال إلى منزل الزوجين للاجتماع بهما معا في هدوء، بعيدا عن الانفعالات النفسية، والملابسات التي تعكر صفو العلاقات بين الزوجين.
   ومن أجل الإحاطة بظروف الزوجين، وجب على الحكمين أن يعقدا معهما جلسات متكررة ومقابلات متعددة غير متصلة للإطلاع على أحوالهما والاستماع إلى أقوالهما، ويجددان الدخول والتردد عليهما ومن الأحسن أن لا يلزمانهما وأن يتركا لهما فرصة قصد مراجعة مواقفهما وإعادة النظر في حالتهما، وألا يبخلا عليهما بالاقتراحات التي تزيل خلافاتهما وأن ترجع علاقاتهما الزوجية إلى ما كانت عليه من مودة وألفة بين الزوجين، وأن يذكرا الزوجين دائما بتقوى الله وبالميثاق الغليظ الذي أخذه منهما بالزواج وألا يغفلا بتذكير الزوجين أيضا بين جلسة وأخرى بحقوقهما وواجباتهما المتبادلة ووجوب حسن المعاشرة والعواقب الوخيمة التي قد تنتج عن تفكك الأسرة بالنسبة لهما ولأطفالهما إن وجدوا.
   وعلى العموم يجب أن يكون قول الحكمين وخطابهما إلى الزوجين مصحوبا بالترغيب والترهيب والنصح والتذكير بأن أبغض الحلال عند الله الطلاق.
   وعقب كل جلسة وكل مقابلة يجتمع الحكمان ويتداولان المعلومات المحصل عليها، والنتائج الأولية المستنتجة من خلال الحديث الطويل الذي أجري بين كل حكم والطرف المحتكم وإن اقتضى الحال تغيبر خطة عملهما وما يجب القيام به وقوله.
   ولإنجاح فرصة المحاولة الصلحية يمكن للحكمين أن يتواصلا مع الأقارب والأهل لمعرفة أسباب الشقاق التي كانت وراء نشوء النزاع بين الزوجين. وهذا بعض ما يجب على الحكمين إتباعه والقيام به لتحقيق النتيجة المرغوب فيها، لكن يبقى ذلك مرهونا بمدى رغبة الحكمين في تحقيق ذلك والذي قد يظهر في مدى حرصهما و حماستهما للقيام بهذه المهمة على أحسن وجه، وقد روي في هذا الشأن أن عمر ابن الخطاب بعث بحكمين للتوفيق بين الزوجين فعادا خائبين، فغضب عمر وقال: كذبتما بل لم تكن لكما إرادة صادقة في الإصلاح ولو كانت لكما لبارك الله بينهما، فخجل الرجلان وأعادا سعيهما بإرادة صادقة وعزيمة قوية، وألقى الله تعالى ما شاء من الوفاق بين الزوجين ونجح الحكمان في إعادة الود ومحو الشقاق.
   فإذا نجح الحكمان في تحقيق المصالحة بين الزوجين المتنازعين، وجب عليهما تحرير مضمون هذا الصلح في تقرير من ثلاث نسخ موقع من كل من الحكمين والزوجان ويقدم للمحكمة التي تسلم نسخة منه لكل واحد منهما وتحفظ النسخة  الثالثة بالملف ليتم الإشهاد عليه من طرف المحكمة، أما إذا وصلت مساعي الحكمين في الصلح إلى النفق المسدود وعجزا عن إصلاح ذات البين بين الزوجين، وفشلت جميع المحاولات في الجمع والتوفيق، فإن المشرع أوجب أن يرفعا تقريرا متضمنا لسبب الشقاق، ومسؤولية كل من الزوجين عن الشقاق وغير ذلك من البيانات التي قد تساعد المحكمة في تحديد مستحقات الزوجة والأطفال في حالة وجودهم، وهكذا يظهر أن للحكمين مكانة وتأثير وأن قرارهما له شأن كبير ومتى اختلف الحكمان في تحديد مضمون التقرير أو في تحديد المسؤولية أم لم يقدماه خلال الأجل المحدد لهما، فإنهما يرفعان الأمر إلى المحكمة لاتخاذ ما تراه مناسبا لتسوية النزاع المعروض عليهما بناء على المقتضيات الواردة في المادة 96 من مدونة الأسرة.
المطلب الثاني: دور الحكمين في مجال الأسرة
    لما كان الطلاق هو أبغض الحلال عند الله سبحانه وتعالى وذلك لما يترتب عنه من آثار وخيمة على الأسرة والمجتمع، و لما كانت  مراعاة ظروف الأطفال الضحايا الذين قد يجدون أنفسهم في الشارع محرومين من أبسط حق من حقوقهم المتمثل في العطف والحنان، فإن المشرع حاول جاهدا أن يبقي الأسرة مستقرة  فجعل إجراء محاولة الصلح بين الزوجين في كل دعاوى الطلاق والتطليق من المساطر الجوهرية المتعلق بالنظام العام.
أولا: أهمية مؤسسة الحكمين
   تتجلى أهمية مؤسسة الحكمين ضمن مسطرة الصلح في معرفة مدى نجاعة هذه المؤسسة في تصديها لظاهرة انحلال ميثاق الزوجية، على اعتبار أن نسبة الطلاق والتطليق تشهد مستويات مرتفعة، مما أضحى معه من اللازم البحث عن أسباب ارتفاع هذه النسبة، في ظل وجود آليات للصلح متاحة للقاضي، كالصلح بواسطة الحكمين .
   كما ان أهمية هذا الموضوع ، تتمثل في الآثار الخطيرة المترتبة عن الطلاق والتطليق وخاصة على الأبناء الذين ينتهي بهم المطاف إلى التشرد والهذر المدرسي وغيرها من الآثار الخطيرة التي تعود بالشر على المجتمع، وكذلك للفت انتباه المهتمين والقائمين على عملية الصلح لخطورة هذا الموضوع المرتبط بالأسرة، وحثهم على الإهتمام أكثر بهذه الفئة التي تعرف المزيد من التشتت والانحلال، فلكل هذه الأسباب وغيرها اخترت خوض غمار البحث في هذا المشروع.
ثانيا: إشكالية هذه مؤسسة
    إن موضوع دور مؤسسة الحكمين في مسطرة الصلح وفق أحكام مدونة الأسرة من المواضيع المتميزة غير أنها وكباقي المواضيع تعترضها عدة إشكاليات من ضمنها:
   إلى أي حد توفقت مؤسسة الحكمين في حماية الأسرة والتصدي لظاهرة انحلال ميثاق الزوجية ؟ و يتفرع عن هذا السؤال المحوري جملة من التساؤلات الفرعية يمكن إجمالها فيما يلي :
هل نجحت المدونة من خلال مسطرة الصلح في التقليص من نسب الطلاق والتطليق ؟.
هل ما زال القاضي اليوم قاضيا للصلح ؟.
هل نجحت مؤسسة الحكمين في إصلاح ذات البين أم بقيت حبرا على ورق  غير مفعلة في ظل الإكراهات التي تعرفها أقسام قضاء الأسرة؟.
هل مسطرة الصلح في المرحلة القضائية، في حالة تفعيلها على الوجه الأمثل، تعتبر كافية لوضع حد للخلافات الزوجية ؟ أم أن ذلك يحتاج إلى البحث عن آليات حديثة تضطلع بأدوار وقائية تحول دون الوصول إلى ردهات المحاكم التي يستعصي عليها إصلاح ما تم إفساده بالفعل ؟.
خاتمة
    لذلك فإن لمؤسسة الحكمين دور جوهري لحماية الأسرة من الانحلال وما قد يترتب عن هذا الانحلال في حالة وجود أطفال من آثار وخيمة سواء على الأسرة أو على المجتمع ومنه يبرز دور الصلح بصفة عامة ومؤسسة الحكمين بصفة خاصة في استقرار الأسرة وما يترتب عن ذلك من انعكاسات إيجابية على المجتمع. فماهي الوسائل الأخرى التي من شأنها أن تحقق النتائج المرغوب فيها؟ 
من أجل تحميل هذا العدد -  إصغط هناك أو أسفله

 9anonak