قراءة في الفصل 18-327 من قانون المسطرة المدنية


قراءة في الفصل 18-327 من قانون المسطرة المدنية

شندالي زكرياء – طالب باحث

ماستر التقنيات البديلة لحل المنازعات- المحمدية


9anonak
Lire le chapitre 327-18 du code de procédure civile


لا أحد ينكر المكانة التي أصبح يحتلها التحكيم كوسيلة بديلة عن قضاء الدولة في حل مجموعة من النزاعات خصوصا منها التجارية بحيث أن هذه الأخيرة تتناسب وخصوصيات التحكيم لما تتطلبه المعاملات التجارية من سرعة و مرونة وأيضا سرية .
والمغرب وفي صدد ملائمة ترسانته التشريعية مع التزاماته الدولية التي صادق عليها ذات الصلة ، بادر إلى إصدار قانون رقم 05.08 كإطار عام للتحكيم و الوساطة الاتفاقية ، إلا أن هذه الاخيرة لم تلقى نفس الاهتمام الذي حضي به التحكيم .
ونحن بصدد قراءة فصول هذا القانون وبالخصوص الفرع الأول الخاص بالتحكيم نصادف فصل يجمع الوسيلتين – التحكيم – الوساطة، و هذا الفصل هو 327-18 بحيث ان هذا الفصل رسخ لمبدأ سلطان الإرادة ، بحيث ألزم هيئة التحكيم بتطبيق القواعد الموضوعية في القانون الذي اتفق عليه الأطراف ، وإذا لم يتفق الأطراف طبقت الهيئة القانون الذي تراه مناسبا ، أما إذا فوض الأطراف هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي ، تفصل الهيئة في النزاع بناءا على قواعد العدالة و الإنصاف.
بحيث أن هذا الفصل يطرح مفهوم وسيط بالتراضي أو في بعض التشريعات (التفويض بالصلح)عرفته محكمة الاستئناف باريس في حكمها بتاريخ 1997/11/4 مهمة المحكم المفوض بالصلح " ان المحكم المفوض بالصلح يجب عليه أن يحترم النطاق المحدد لطلبات الأطراف " و المحكم المفوض بالصلح رغم كونه معفيا من مراعاة إجراءات المرافعات إلا أنه ملزم باحترام مبدأ المواجهة ومهمة المحكم المفوض بالصلح التي ترتكز على نزول الأطراف عن التمسك بالتنفيذ الدقيق للحقوق التي يستمدونها من العقد يسمح للمحكم البحث عن حل عادل مطابق للعدالة (1).
ولتحليل مقتضيات هذا الفصل سنحاول الإجابة عن الإشكال التالي :
كيف يحدد القانون الواجب التطبيق ؟ وهل للهيئة التحكيم دور في ذلك ؟ وهل يجوز لهيئة التحكيم مخالفة القانون الواجب التطبيق ؟ وما جزاء مخالفة ذلك؟

المطلب الأول: تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع
قبل بداية عملية التحكيم لابد من تحديد الإجراءات و القانون الواجب التطبيق بحيث جاء في الفصل 327-18 " تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفان .
إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى انه الأكثر اتصالا بالنزاع...."
وبالتالي فالمشرع المغربي جعل تحديد القانون الواجب التطبيق يخضع إما لإرادة الأطراف (الفقرة الأولى) أو لإرادة هيئة التحكيم (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: تحديد القانون واجب التطبيق بإرادة الأطراف
يجوز لأطراف التحكيم الاتفاق على القانون الواجب التطبيق على موضوع النازلة بحيث يجب أن تكون إرادة الأطراف في تحديد الإجراءات واضحة و صريح(2) .
وبالتالي فإرادة الأطراف تلعب دور أساسي في تحديد القانون الواجب التطبيق و على الهيئة التحكيمية التقيد بالقانون الواجب التطبيق الذي ذهبت إليه إرادة الأطراف تحت طائلة الطعن بالبطلان طبقا لمقتضيات الفصل 327-36 من القانون 05-08 بالخصوص الفقرة السابعة و التي تنص :"رغم كل شرط مخالف تكون الأحكام التحكيمية قابلة للطعن بالبطلان طبقا للقواعد... ولا يكون الطعن بالبطلان ممكنا إلا في الحالات الآتية...
7- في حالة عدم التقيد بالإجراءات المسطرية التي اتفق الأطراف على تطبيقها أو استبعاد تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع ...."
و الأمر نفسه فيما يخص التحكيم الدولي بحيث جاء في  الفصل 327-44 من نفس القانون على انه " تحدد في اتفاق التحكيم ، بكل حرية ، القواعد القانونية التي يتعين على الهيئة التحكيمية تطبيقها على جوهر النزاع ...." وعليه فالقانون الواجب التطبيق سواء كان التحكيم داخليا أو دوليا يحدد باتفاق الأطراف.
الفقرة الثانية : تحديد القانون الواجب التطبيق بالاستناد إلى هيئة التحكيم.
برجوعنا إلى الفصل 327-18 بحيث انه:"...إذا لم يتفق الأطراف على تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع طبقة هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى انه الأكثر اتصالا بموضوع النزاع ،" فمن خلال هذا المقتضى يتضح أن المشرع المغربي خول لهيئة التحكيم تحديد القانون الواجب التطبيق الذي تراه الملائم لحل النزاع ، والمشرع حسن ما فعل كون الهيئة التحكيمية الأكثر اطلاعا بموضوع النزاع إضافة للخبرات المكتسبة لها في هكذا نزاعات وبالتالي تبقى الأكثر معرفة بالقواعد الموضوعية المناسبة لحل النزاع .
كما نستحسن أن المشرع المغربي لم يقيد الهيئة التحكيمية بقانون معين ، فلا مانع يمنع من تطبيق قانون أجنبي خصوصا إذا توفر على حل للنزاع أو له ارتباط وطيد بموضوع النزاع تحت طائلة عدم مخالفة النظام العام المغربي . وبهذا يكون المشرع المغربي سار على مسار التشريعات العربية(3) .
وهذا كله راجع إلى أصل التحكيم الذي أساسه إرادة الأطراف لكون طبيعته التعاقدية(4)، أما بخصوص التحكيم الدولي فقد جاء في الفصل 327-44 "... وفي حالة عدم اختيار الأطراف للقواعد المذكورة ، فان الهيئة التحكيمية تفصل في النزاع طبقا للقواعد طبقا للقواعد التي تراها ملائمة ..."
وعليه فإذا لم يحدد الأطراف القانون واجب التطبيق فان الهيئة التحكيمية تحدد هذا القانون سواء في التحكيم الداخلي أو الدولي ، لكن متى يخول للهيئة التحكيمية عدم التقيد بالقانون الواجب التطبيق ؟ وما جزاء عدم تقيد الهيئة التحكيمية بالقانون الواجب التطبيق؟
المطلب الثاني :عدم تقيد الهيئة التحكيمية بالقانون الواجب التطبيق ،وجزاءه.
الفقرة الأولى:جزاء عدم التقيد بالقانون الواجب التطبيق.
جاء في الفصل 327-36 :" رغم كل شرط مخالف تكون الأحكام التحكيمية قابلة للطعن بالبطلان طبقا للقواعد... ولا يكون الطعن بالبطلان ممكنا إلا في الحالات الآتية...
7- في حالة عدم التقيد بالإجراءات المسطرية التي اتفق الأطراف على تطبيقها أو استبعاد تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع ...." وبالتالي فالمشرع المغربي كان واضحا بخصوص مخالفة هذا المقتضى، وقرر بطلان الحكم التحكيمي في حالة عدم التقيد بالإجراءات المسطرية التي اتفق الأطراف على تطبيقها أو استبعاد تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف عليه .
ويلزم بالتالي الهيئة التحكيمية الحكم على أساسه(5) ،وهذا سار عليه المشرع المصري أيضا كما جاء في المادة 53\1 من قانون التحكيم المصري(6) . وعليه إن كان جزاء عدم تطبيق القانون الواجب التطبيق هو بطلان الحكم التحكيمي؛ فهل يمكن لهيئة التحكيم مخالفة هذا المقتضى؟
الفقرة الثانية : عدم تقيد الهيئة التحكيمية بالقانون واجب التطبيق.
لقد خول المشرع لهيئة التحكيم عدم التقيد بتطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه من خلال مقتضيات الفصل 327-18 بحيث نص "...وإذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي، تفصل الهيئة في هذه الحالة في موضوع النزاع بناءا على قواعد العدالة و الإنصاف دون التقيد بالقانون "  
فما يظهر من هذا المقتضى أن المشرع فتح إمكانية لهيئة التحكيم بعدم التقيد بالقانون تحت شرط اتفاق طرفي التحكيم على تفويض هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي، لكن إذا كان هذا المقتضى يتماشى مع العقود المدنية و التجارية فانه لا يتماشى مع طبيعة العقود الإدارية بحيث يرى الأستاذ مصطفى بونجة "انه إذا سلمنا بإمكانية استبدال القاضي الإداري بالقاضي الخاص - المحكم- فانه لا يمكن استبدال القاعدة القانونية بقواعد العدالة و الإنصاف، ذلك أن التزام الإدارة بالقاعدة القانونية هو محدد أساسي لدولة القانون و المؤسسات" كما أكد الأستاذ على إعادة النضر في هذا المقتضى و استثناء العقود الإدارية من القانون الواجب التطبيق،كما يمكن أن نطرح تساءل لماذا المشرع هنا خلط بين التحكيم و الوساطة مع انه خصص لهذه الأخيرة فرعا عنونه بالوساطة الاتفاقية ؟
وهذا ما خلق نوع من الخلط في الواقع العملي بحيث أن البعض لا يفرق بين المحكمين و الوسطاء بالتراضي لكون انه تم إدراجهم ضمن المقتضيات التي تنظم التحكيم . أما بخصوص عدم تقيدهم بالقانون الواجب التطبيق فذلك راجع لاعتبارين : أولهما القانون بحيث نص الفصل 327-18 صراحة، تفصل الهيئة في هذه الحالة في موضوع النزاع بناءا على قواعد العدالة و الإنصاف دون التقيد بالقانون ؛أما ثاني اعتبار فهو راجع لطبيعة الوساطة فهي تمتاز بعدم التقيد بالقانون و الدفاع عن المصالح المشتركة للطرفين و تقوم على قواعد العدالة و الإنصاف . رقم:زكى هذا الطرح العمل القضائي من خلال قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء.رقم: 4700\2011 بتاريخ:15\11\2011 رقمه بمحكمة الاستئناف التجارية 4618\11\4 غير منشور."حيث تمسكت الطاعنة بان إرادة الطرفين اتفقت على إجراء التحكيم بواسطة وسيط بالتراضي طبقا لمقتضيات الفصل 327-18 من ق.م.م وعلى أن قراره غير قابل للطعن، وانه خلافا لما خلص إليه الأمر المستأنف فان المحكم لم يبين فقط وجهة نظره بل فصل في النزاع وانه يتعين إلغاء الأمر المستأنف و الحكم وفق المقال.
حيث انه بالرجوع إلى اتفاقية المحكم المؤرخة في 8/7/2011 في الصفحة الثانية يتضح أن الطرفين اتفقا على تعيين وسيط بالتراضي وهو السيد الخبير محمد حديد قصد الفصل بينهما في النقط محل الخلاف و التي تخص مآل الحسابات الجارية و مبلغ الضرائب و طرق تسديدها، واتفقا على أن قراره لا يقبل الطعن وهي الإمكانية التي نص عليها المشرع من خلال مقتضيات الفصل 327-18 و الذي مفاده انه إذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي فصل هذا الأخير بناءا على قواعد العدالة و الإنصاف دون التقيد بالقانون "(7)
كما أن المشرع الفرنسي قرر أن الحكم التحكيمي الصادرة من محكمة تحكيمية عهد إليها بسلطة الفصل في النزاع كوسيط بالتراضي ، لا يقبل الطعن بالاستئناف إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك . وهو الأمر الذي اقره الاجتهاد القضائي الفرنسي السابق لصدور مرسوم 14 ماي 1980 . فمحكمة الاستئناف بباريس ذهبت في إحدى قراراتها إلى أن الاستئناف الرامي إلى إصلاح حكم المحكمين يمكن ان يتفق عليه صراحة في شرط التحكيم، رغم أن المحكم تلقى مهمته كوسيط بالتراضي .
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، يكمن في طبيعة الرقابة التي يمكن أن تمارسها محكمة الاستئناف بقصد إصلاح أو مراجعة حكم صادر طبقا لقواعد العدالة ؟ بمعنى هل ستفصل محكمة الاستئناف كوسيط بالتراضي؟
ذهبت محكمة الاستئناف بباريس إلى أن قضاء الاستئناف يجب أن يقدر النزاع المطروح أمام هيئة التحكيم طبقا لقواعد العدالة مادامت هذه الأخيرة فصلت فيه كوسيط بالتراضي(8) 
                   وفي الأخير نخلص إلى أن المشرع المغربي رتب جزاء بطلان الحكم التحكيمي إذا لم تتقيد هيئة التحكيم بالقانون الواجب التطبيق إلا انه يكمن عدم التقيد بذلك إذا فوض الأطراف صراحة هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي، بحيث لا يفرق البعض بين هذا الأخير و صفة المحكم إلا أن هذا موضوع يطرح إشكالات كبيرة خصوصا في التحكيم الدولي بحيث انه ﻋﻨﺩ ﺍﺨﺘﻴﺎﺭ الأطراف ﻟﻠﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻤﻭﻀﻭﻋﻲ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﺍﻹﺸﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻋﺩﺓ ﻤﻥ ﻗﻭﺍﻋﺩ   ﻜﺎﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ ، ﺘﻨﺎﺯﻉ ﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﻓﻲ ﻗﺎﻨﻭﻥ ﻤﻌﻴﻥ ﻤثلا ﺃﻭ ﻗﺎﻨﻭﻥ ﺃﺠﻨﺒﻲ، ﻓﻤﺎ ﻤﻭﻗﻑ ﻫﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻡ ﻤﻥ ﺫﻟﻙ؟ ﻫل ﻫﻲ ﻤﻠﺯﻤﺔ ﺒﺫﻟﻙ ؟(9)
--------------------------------------------------------
الهوامش :
1-       منشور بمجلة التحكيم الفرنسية- العدد الرابع  س.غ.م ص:704
2-       خالد محمد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الاولى2002،ص:351
3-       سليم بشير ،الحكم التحكيمي و الرقابة القضائية؛ اطروحة لنيل الدكتوراه تخصص القانون الخاص ،جامعة الحاج لخضر-باتنة ؛ الجمهورية الجزائرية ،ص98
4-       خديجة فارحي"محاضرات القيت على طلبة السداسية السادسة" المساطر البديلة لحل المنازعات السنة الجامعية 2013-2014 ص:17
5-       عمر أزوكار- التحكيم التجاري الداخلي و الدولي بالمغرب –مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء،الطبعة الاولى 2015م ص:253
6-       سليم بشير ،الحكم التحكيمي و الرقابة القضائية،م.س ص 121
7-       عمر أزوكار- التحكيم التجاري الداخلي و الدولي بالمغرب، م.س،ص:253
8-       عبد الكبير الغلي ، طرق العن ضد الحكم التحكيمي الداخلي –دراسة مقارنة- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية الحقوق سطات 2009/2010 . ص:14
9-       سليم بشير ،الحكم التحكيمي و الرقابة القضائية، م.س، ص:130
 ------------------------------------
 من أجل تحميل هذا المقال - إضغط هناك أو أسفله

 9anonak