الخيارات الشرطية في المعاملات المالية


الخيارات الشرطية في المعاملات المالية

المركز المغربي للدراسات والأبحاث حول المهن القضائية والقانونية

9anonak
Options conditionnelles dans les transactions financières


 إن الأصل في الرضى الصادر عن صاحبه في البيع أن يهدف في الحال إلى تحقيق الفرض النهائي المتوخى من هذا البيع، لذلك فالمبدأ في البيع المنظم في قانون الالتزامات والعقود المغربي أن ينتج آثاره بصفة نهائية وعلى نحو قطعي فور انعقاده على وجه صحيح.
لكن هذا التصور المثالي غالبا ما لا يساير الممارسة العقدية بسبب اعتبارات متعددة كظروف المتعاقدين.
لذلك يكون الرضى درجات منها ما يقتصر على تكوين ما يسمى بالوعد بالبيع، ومنها ما يعلق على أمر وهذا هو البيع المعلق على شرط، وهذا الشرط الذي يقيد البيع الموصوف به إما شرط وافق وإما شرط فاسخ.
وبيع الخيار من البيوع الموصوفة والمنظمة بأحكام خاصة في قانون الالتزامات والعقود المغربي، حيث اعتبر بيع معلق على شرط لمصلحة أحد المتعاقدين المشتري أو البائع.
ويقصد من بيع الخيار هو أن المتبايعان قد يحتاج أحدهما إلى فترة من التأمل والتروي قبل التزامه بالبيع ومن ثمة يشترط على الطرف الآخر أن يكون له حق الخيار في نقض البيع خلال مدة معينة من الزمن فإذا لم ينقض خلالها نفد[1]، ولبيع الخيار أنواع كثيرة اختلف الفقهاء في عدها، منها ما هو متفق عليه من جميع فقهاء الشريعة الإسلامية، ومنها ما هو مختلف.
وأحكام هذه الخيارات العديدة مفصلة في كتب الفقه، وسنقتصر في دراستنا على الخيارات التي يكثر وقوعها في العقود، وهي الخيارات التي لا يخلو من الإشارة إليها أي مرجع من مراجع فقهاء الشريعة الإسلامية السلف منهم والخلف التي تتكلم عن موضوع الخيارات ومن هذه الخيارات ما يرجع ثبوته إلى اشتراط العاقد، إذا كان على شك من كون العقد في مصلحته أو في غير مصلحته، فيريد فترة من الزمن للتروي وإمعان النظر في الموضوع، حتى يتم له العلم الصحيح بمغانم العقد ومغارمه وهذا هو خيار العيب، إذا تبين للمتعاقد أن بالمعقود عليه عيبا لم يكن موجودا به عند التعاقد، وخيار الرؤية، إذ تعاقد الشخص على شيء لم يكن قد رآه من قبل وخيار المجلس... وخيار التعيين وسنفصل أحكام كل من هذه الخيارات من خلال مطلبين مطلب أول سنتناول فيه نماذج من الخيارات الشرطية لتعاريفها + أسباب مشروعيتها والعقود التي ترد عليها على أن نعالج في المطلب الثاني آثار وشروط هذه النماذج من الخيارات الشرطية.
ومن خلال موقف المشرع المغربي مهنا وذلك من خلال مطلبين سنتناول كمطلب أول نماذج من الخيارات الشرطية على تناول كمطلب ثاني آثار وشروط الخيارات الشرطية.

معنى الخيارات لغة: طلب خير الأمرين أو الأمر
        واصطلاحا: أن يكون لأحد العاقدين، ولكليهما حق إمضاء العقد وتنفيذه أو فسخه/ والأصل في العقود أن تكون لازمة لا خيار فيها، وذلك من أجل استمرار العقود والمعاملات بين الناس، وبناء على هذا فالخيارات تكون مشروعة على خلاف الأصل وذلك لحاجة بعض الناس إليها والدليل على مشروعيتها:
أحاديث الرسول(ص) ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر رجل لرسول الله (ص) أنه يخدع في البيوع فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة" وفي رواية : "ولي الخيار ثلاثة أيام"، وغير ذلك من الأحاديث الواردة في الخيارات.
والقصد من الخيارات هو المحافظة على مصالح الناس، فقد يكون الإنسان قليل الحيرة في التعامل فيتعجل في الشراء ثم يتضح له فيما بعد أنه فمن فيها، وعن طريق الخيار يرفع الغبن عن نفسه فيفسخ العقد[2].
ونخص بالبحث هنا نماذج من الخيارات العقدية لأهميتها وشهرتها ومن هذه الخيارات خيار التروي، وخيار التعيين، وخيار الرؤية، وأخيرا خيار العيب سنقوم بتعريف كل خيار على حدة.
خيار المجلس هو أن يكون لكل واحد من المتعاقدين حق الفسخ في مجلس العقد قبل أن يتفرقا بأبدانهما، أو يخير أحدهما الآخر فيختار إمضاء العقد، وهذه الخيارات عديدة اقتصرنا في موضوعنا هذا على خيار المجلس وخيار الشرط وهو ما يعرف عند بعض الفقهاء بخيار التروي وحذر الرؤية والعيب والتعيين.
وهذه الخيارات منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، ومنها ما ورد فيه نص وما لم يرد فيه نص بخصوص لكنه ثبت بموجب القواعد العامة، ومنها ما يثبت باشتراط العاقدين، وما يثبت بإيجاب الشارع، لو لم يشترطه العاقدان كخيار الرؤية وخيار العيب.
وقد أعطى المشرع الحرية الكاملة للمتعاقدين أن يبحثا الأمر على رؤية وتمهل في مجلس العقد، فإذا رضي كل منهما الرضا الكامل تفرقا والعقد لازم لا يجوز فسخه فيما بعد، وقد يرضى أحدهما لكن الثاني يحتاج إلى وقت آخر فوق وقت مجلس العقد في طلب الخيار لنفسه بعد انتهاء مجلس العقد ويوافقه الآخر على طلبه وحينئذ يكون العقد لازما لأحدهما وجائز بالنسبة لمن طلب الخيار.
وقد أجاز جمهور الفقهاء خيار المجلس في غير البيع كعقد السلم، وعقد الهبة بعوض، وعقد صلح المعارضة، وغيرها قياسا على عقد البيع، وذلك من أجل تحقيق المعنى الذي من أجله ثبت في البيع[3].
خيار الشرط: هو أن يكون لأحد العاقدين أو لكل منهما أو لغيرهما حق فسخ في المدة المشروطة، وثبت في السنة جواز اشتراط الخيار للمشتري في عقد البيع، لأن المشتري قد يحتاج إلى التروي والمشورة والاختيار، خشية الوقوع في الغبن أو فوات السلعة، فقد شكا أحد الصحابة رضوان رضي الله عليهم، وهو حبان بن منقذ إلى النبي (ص) أنه كثير إما يغبن في البياعات فأرشده عليه الصلاة والسلام إلى اشتراط الخيار بقوله: "إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام" فقاس عليه الفقهاء جواز اشتراط الخيار المذكور للبائع أيضا، لأن حاجته إلى ذلك كحاجة المشتري[4].
وذلك كأن يقول المشتري: اشتريت هذه السيارة بعشرة آلاف درهم على أني: بالخيار ثلاثة أيام، أو يقول البائع: بعت منك هذه السيارة بعشرة آلاف درهم على أني بالخيار سبعة أيام. حسب اجتهادات الفقهاء في مدة الخيار، فقد قدرها أبو حنيفة والشافعي بثلاثة أيام لحديث حبان بن منقذ السابق، ومدة الخيار عند أحمد وصاحبي أبي حنيفة جائزة إلى أي زمان معلوم وقع عليه رضا العاقدين، وذهب مالك إلى ترك التحديد للحاجة التي تختلف باختلاف المبيعات ففي الدار والأرض الشهر ونحوه... وفي الجواب والثياب ثلاثة أيام... وفي الفواكه ساعة أو ساعات.
والحكمة من مشروعية هذا الخيار هي تمكين العاقد من التروي والتمهل واستشارة أهل الخبرة في أثناء مدة الخيار ليحصل العاقد على مصلحته الحقيقية من هذا التعاقد، فإن كان العقد يحقق له المصلحة المطلوبة أمضاه، وإن كان لا يحققها فسخه ورجع فيه.
ورد خيار الشرط في البيع، وكان مقتضى النص عليه فيه أن يقتصر على جوازه في البيع وحده، ولكن الفقهاء توسعوا فيه، وألحقوا بالبيع غيره من العقود التي تكون في معناه، وذلك مثل: عقد الإجارة والمزارعة، وغيرها من العقود اللازمة التي تقبل الفسخ بتراضي الطرفين.
أما العقود التي ليست في معنى البيع فلا يصح فيها خيار الشرط، وذلك مثل عقد الوديعة، والعارية، والهبة، والوصية، والوكالة، لأنها عقود غير لازمة فيجوز فسخها من أحد العاقدين، فلا حاجة –فيها إلى الخيار.
والعقود اللازمة التي لا تقبل الفسخ كالزواج والطلاق والرجعة لا يصح فيها خيار الشرط لأنه يؤخر ترتب أثار عليها هي عقود لازمة تترتب عليها آثارها بمجرد انعقادها.
خيار التعيين في اصطلاح الفقهاء: هو أن يكون للعاقد حتى تعيين شيء واحد من اثنين أو ثلاثة التي ذكرت في العقد بمقتضى شرط فيه... كأن يقول شخص لآخر بعث لك إحدى هذه السيارات الثلاث بثمنها المحدد لها، بعد توضح ثمن كل واحدة منها على أن تعين إحداها في مدة ثلاثة أيام، ويقبل المشتري هذا العقد.
ومجال خيار التعيين عقود المعاوضات المالية التي تفيد ملك الأعيان كالبيع والصلح وهبة الثواب.
ومشروعية هذا النوع من الخيار موضع خلاف بين الاجتهادات الفقهية، لأنه مخالف للقياس القاضي بأن يكون المعقود عليه معينا معلوما، والتخيير بين واحد من ثلاثة تجهيل له، فلا يكون العقد صحيحا للفرر.
لذلك منعه كثير من الفقهاء، أخذا بالقياس: كالإمامين الشافعي وأحمد، وأجازه الإمامان أبو حنيفة وأبو يوسف أخذا بالاستحسان، أن الحاجة ماسة إليه، ولأن من الناس من لا يذهبون إلى الأسواق للبيع والشراء: كالشيوخ والمحجبات من النساء يحتاجون أن يأمروا غيرهم بالشراء... فلا تندفع حاجتهم بشراء شيء واحد معين من جنس ما يرغبون... فيحتاج رسولهم أن يشتري واحد من اثنين أو ثلاثة من ذلك الجنس، ويحملها إليهم ليختاروا أحدها:
وعلى إقرار هذا التعامل جرى عرف الناس، وهو كاف في مخالفة القياس، أما جهالة المبيع التي احتج بها أصحاب الرأي الأول، فتندفع بعدم إفضائها إلى النزاع، لمعرفة نص كل واحد من الإثنين أو الثلاثة مع تعيينها[5].
هو أن يكون للعاقد الحق في فسخ العقد أو إمضائه عند رؤية المبيع وذلك إذا لم يكن ..... إنشاء العقد، أو قبل إنشاء العقد بوقت لا يتغير فيه، ومثال لذلك: إذا اشترى رجل سيارة وضعت له بأوصافها التي تميزها ولم يرها عند التعاقد، فيكون له الحق في إمضاء العقد أو فسخه عند رؤيتها، فإذا وجد السيارة بنفس الأوصاف التي ذكرت له أمضى العقد، وإذا لم يجد الأوصاف المتفق عليها في السيارة فسخ العقد[6].
وهو محل خلاف بين فقهاء الأربعة، قال به بعضهم ولم يعتبره آخرون، وسبب خلاف بينهم هو جواز العقد على الشيء الغائب أو عدم جوازه؟ فمن ذهب إلى القول بأن العقد على العين صحيح اعتبر خيار الرؤية، ومن قال غير صحيح لم يعتبره[7].
والقائلون بخيار الرؤية وفقهاء الحنفية والشافعية في رواية وإحدى الروايتين عن أحمد، وقد بنوا مذهبهم على ما روي عن عثمان وصلحة ابن عبد الله رضي الله عنهما، من أنهما تبايعا أرضا باعها عثمان لطلحة ولم يكونا رأياها فقيل لكل واحد منهما، فبنت، فأجاب لي الخيار، لأني تبايعت ما لم أره، فحكما في ذلك جبير بن مطعم، فقضى بالخيار لطلحة وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكر عليهم أحد فكان إجماعا منهم، فدلت هذه القصة على مشروعية خيار الرؤية.
وإذا نظرنا إلى الحكمة التي من أجلها شرع خيار الشرط، وهي الحاجة إلى التروي والمشورة... أو عدم الوقوع في الغبن، وقد ورد فيه نص خاص، نجد هذه الحكمة متحققة في خيار الرؤي، لأن الشخص قد يضطر إلى شراء شيء غائب عنه لحاجته إليه خوفا من فوات السلعة إن هو آخر العقد حتى يرى المعقود عليه، وفي الوقت نفسه، لو ألزمناه به من غير ثبوت الخيار له لألحقوا به الضرر حينما يجد هذه السلعة غير موافقة لغرض ومحققة لمقصوده.
والجهالة بالمعقود عليه الغائب بعد وصفه... لا تفضي إلى النزاع، فلا تدخل السند في الخيار الشرطي قول الرسول (ص) له حيان منذ منقذ الأنصري كان يغبن في البيوعات فقل إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الجار ثلاثة أيام.
أحكام المعقد في مدة الخيار:
الفقهاء مرجعين على جواز الخيارات الشرطية إلا الإمامين الشافعي وأحمد وأن الحكم يتخلى على العقد بالنسبة لمن اشترط الخيار له (البائع أو المشتري) فإذا كان البائع فإن ملكية لا ترتفع (أي لا تنتقل) ليحق الخيار ونفس الحكم للمشتري، غير أنه لا يملك التصرف في المبيع لاحتمال فسخ البائع للعقد.
في ضمن القرار المذهبي عنه، وحينئذ يترجح القول بمشروعية هذا الخيار.
بثبت خيار الرؤية عند القائلين به لأحد العاقدين فقط، وهو المتملك كالمشتري في عقد البيع والمستأجر في عقد الإجارة، وذلك لأنه هو الذي يجعل الشيء المبيع أو المؤجر، أما البائع ومالك العين المؤجرة فكل منهما أعلم بما عنده، فلا يحتاج إلى هذا الخيار، والضرر إذا حصل وقع فإنما يكون على المتملك دون المملك ومن هنا كان الخيار للمتملك وحده[8].
الفقرة الرابعة: تعريف خيار العيب والسبب في مشروعيته والعقود التي يجري فيها من مظاهر الخيار المتصل بجهة الحل المتعاقد عليه في جانب المبيع منه ما يسمى بخيار النقيصة حسب أحمد بن محمد بن أحمد الحردير فإن خيار النقيصة "ما كان موجبه وجود نقص في المبيع من عيب أو استحقاق".
وخيار النقيصة في نظر الفقيه الإمام مالك لأحمد بن محمد الصاوي المالكي قسمان "ما وجب لفقد شرط وما وجب لظهور عيب في المبيع".
ونعتقد بأن خيار النقيصة بهذا المفهوم المالكي يصرف حسب تعبير المذهب الحنفي إلى ما يسمى بخيار الوصف كم ينصرف إلى ما يسمى بخيار العيب[9]، والأصل أن كل ما أثر في قيمة المبيع بأن نقص منها فهو عيب، وهذا معناه أن العيب هو ما ينقص ثمن المبيع عند التجار وأرباب الخيرة، غير أن العبرة في النقص المعد عيبا إنما هي في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي للنقص غير اليسير (وبالتالي المحسوس) في قيمة المبيع أو للنقص الذي لا يصلح معه المبيع للفرض المعدل له (ف 549 من قانون الالتزامات والعقود المغربي).
والمبدأ في المبيع أن يكون خلوا من العيب بالمفهوم قبله والخلو من العيب معناه أن تعتبر سلامة المبيع من هذا العيب أصلا فيه.
وخيار العيب هو أن يكون لأحد العاقدين الحق في إمضاء العقد أو فسخه بسبب عيب اطلع عليه في المعقود عليه المعين، ولم يكن على علم به وقت التعاقد.
فسبب الخيار إذن ظهور عيب كان موجودا بالمعقود عليه قبل أن ينتقل إلى يد المتملك، ولم يرضى به بعد العلم به، فتكون مشروعية هذا الخيار ناتجة على أن الرضا الذي نشأ العقد بمقتضاه كان على غير أساس صحيح، بينما الواقع يفرض أن يكون المعقود عليه سالما، ليكون انتفاع المتملك به انتفاعا تاما، فلما غابت السلامة بوجود الغيب أثبت الشارع له حرية الاتقاء على العقد أو إلغائه، لتدارك الخلل الذي نال الرضا.
والدليل على أن سلامة المعقود عليه أساسا الرضا، ما ورد في أحاديث كثيرة وفي الآيات العامة من كتاب الله تعالى، من النهي عن الغش، وإرشاد المتعاملين أن يكشفوا عما في سلعهم من عيوب حتى لا يلحقوا الضرر بما تعامل معهم، روى مسلم بسنده أن الرسول (ص) مر برجل يبيع طعاما فأدخل يده فيه فقال "من غشنا فليس منا".
وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم][10] فإذا لم يتوافر الرضا أو حدث فيه خلل أوجب نقصه، أعطى الشارع من اختل رضاه حق الفسخ ليتدارك من أمره ما فاته، واتفق الفقهاء على أن سبب هذا الخيار هو ظهور العيب في المبيع واتفقوا كذلك على العيب الذي يثبت الخيار هو الذي يؤثر في الرضا، واكتفوا في تحديد هذا العيب، فالحنفية يرون أنه العيب الذي ينقص قيمة الشيء المبيع نقصانا فاحشا أو يسيرا وذلك عند التجار أهل الخبرة، والشافعية يرون أنه هو العيب الذي تنقص القيمة بسببه، أو يفوت به غرض صحيح.
وقد رأى الحنابلة الرجوع في هذا الأمر إلى العرف، فما يعده العرف عيبا بتثبيت الخيار به، وما لا يعده العرف عيبا لا يثبت الخيار به ولو نقصت به القيمة.
ولاشك أن هذا الرأي وجبه... لأن الشارع لم يرد عنه تحديد للعيب الذي يترتب عليه ثبوت الخيار، فيرجع فيه للعرف، ويثبت خيار العيب في العقود التي يثبت فيها خيار الرؤية وهي العقود اللازمة التي تحتمل الفسخ وذلك كعقد البيع الوارد على عين مشخصه وعقد الإجازة وعقد الصلح و.. الأعيان[11].
أولا-خيار التعيين: ولصحة العقد مع خيار التعيين ثلاثة شروط:
          1-أن يكون التخيير بين ثلاثة أشياء فأقل لأنها كافية في دفع ضرورة الحاجة.
          2-أن تكون الأشياء التي يجري فيها التخيير متفاوتة القيمة فيما بينها، وأن يذكر مع كل واحد ثمنه لكون معلوما.
          3-أن تكون مدة الخيار معلومة على الرأي المعتمد لدى الحنفية.
وهذه شروط خيار التعيين التي لابد منها لصحة العقد منه وإن لم تتحقق فسد العقد.
وقد عللوا أن يكون اشتراط الخيار بين ثلاثة أشياء، بأن شرعية خيار التعيين للحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، فيكتفي بما يدفعها، ولاشك أن التخيير بين ثلاثة لا يتجاوزها فيه دفع لها، لأن الثلاثة تشتمل على الجيد والمتوسط والرديء[12]، وبالتخيير بينها تدفع الحاجة التي جعلت الفقهاء يقررون خيار التعيين خروجا على القياس إلى الاستحسان[13].
وعلى رأي من يرى من الفقهاء أن خيار التعيين لابد أن يصحبه خيار الشرط، يكون لمن له الخيار الحق في تعيين واحد من الإثنين أو الثلاثة، ويكون له الحق في فسخ العقد ورد الجميع بدون تعيين أي واحد بمقتضى خيار الشرط. إذ خيار الشرط يجعل في فسخ العقد مطلقا، لا في تعيين ولعل من الإثنين أو الثلاثة. أما على رأي من يقول: أن خيار التعيين لا يشترط لتحققه وجود خيار الشرط معه، فإن لمن له الخيار الحق في اختيار واحد من متعدد معين فحسب، وليس له أن يردها جميعا لأن العقد منعقد بات بالنسبة لواحد غير معين، وعلى من له الخيار التعيين.
ولعل الراجح الموافق لتعامل الثاني، ومن دون أن يقع الضرر على أحد طرفي العقد أنه ليس يلازم أن يكون مع خيار التعيين خيار الشرط، لأن الحاجة قد تدعوا إليه وحدة؛ وأن العقد معه لازم في واحد غير معين، فليس لصاحبه الحق في رد الكل و فسخ العقد بمقتضى التعيين وحده، فإذا ما كان مترددا في تنفيذ العقد من أول الأمر، احتاط لنفسه وخيار الشرط مع خيار التعيين، فيكون له الخيار في الفسخ و في التعيين معا.
ثانيا- خيار الرؤية: خيار الرؤية لا يثبت إلا إذا توفرت له الأمور الآتية:
          1-أن يكون المعقود عليه معينا: كدار أو سيارة، أو ثوب من نوع كذا... أما إذا كان دينا في الذمة: كالمسلم، فلا يثبت فيه خيار الرؤية.
          2-أن يكون المعقود عليه من المعقود التي تقبل الفسخ، كالبيع والإجارة والقسمة، والصلح الذي في معنى البيع.
          3-أن لا يكون العاقد الخير قد رأى المعقود عليه عند التعاقد أو قبله بزمن لا يتغير فيه، أما إذا كان رآه في إحدى الحالتين، فلا يثبت له الخيار لانعدام سببه، وهو عدم الرؤية.
          4-أيثبت خيار الرؤية للعاقد بعد رؤيته للمعقود عليه لا بالرضا به قولا قبل الرؤية، لأن الشرع علق حق الخيار على الرؤية، فما لم تحمل لا يثبت حق الخيار[14].
والمراد بالرؤية التي ينتهي بها من له "خيار الرؤية" إلى فسخ العقد وعدم لزومه، أو إقراره والإبقاء عليه، لدى الفقهاء، ما هو أعم من معناها اللغوي، وهم العلم بالمقصود الأصلي من المعقود عليه بأي حاسة من الحواس... سواء كان بالشم، أو بالذوق، أو باللمس أو بالنظر، حسبما يناسب الأشياء المعقود عليها[15].
وعلى هذا تصح الرؤية من الأعمى بما عدا الإبصار بالعين من بقية الحواس وفيما يبصر بالعين يوصف له وصفا كافيا، أو يوكل من يراه له ممن يثق له.
ويثبت هذا الخيار للمشتري ومن في معناه من الممتلكين باتفاق من يقول بشرعية خيار الرؤية، ولكن اختلفوا في ثبوته للبائع ومن في معناه من المملكين، إذا باع مالا من غير رؤيته، فبعض الحنفية يقول بثوبه له كما يثبت للمشتري، لأن العلة في ثبوت الخيار دفع الضرر، البائع محتاج إليه كالمشتري ليدفع عن نفسه الضرر فيما إذا لحقه غبن من هذا العقد الذي لم ير فيه المعقود عليه، كما إذا باع مالا موروثا عن قريب له قبل رؤيته، ويذهب الجمهور منهم إلى عدم ثبوته، لأن دليل شرعيته، وهو قصة عثمان وطلحة ثبت فيها الخيار للمشتري دون البائع.
ثالثا- خيار العين: يشترط لثبوته ما يلي:
1-أن يكون العيب موجودا في المعقود عليه قبل التسليم، سواء حدث قبل العقد أو بعده وقبل القبض. أما إذا ظهر عند المشتري بعد التسليم فلا يكون له خيار، لأن المعقود عليه وصل إليه سليما.
2-أن لا يرضى المشتري، ومن في معناه بالعيب، وهو عالم به أثناء العقد، أو بعد، فيستمر في التصرف بالمعقود عليه تصرف المالك.
3-أن لا يزاول ذلك العيب بعد القبض، لكنه شفي من هذا المرض قبل طلب الفسخ، أو بعده وقبل أن يقضي به، فإذا زال سقط حقه في طلب الفسخ.
4-ألا يشترط المملك في العقد البراءة من العيوب التي تظهر في المعقود عليه، فإن اشترطها، وقبل المشتري، فإنه لا يملك فسخ العقد، حسب اجتهادات وتفصيلات فقهاء المذاهب في ذلك إطلاقا وتقييدا.
وهذا الشرط الأخير يستثنى منه بيوع لدى المالكية... تعتبر لازمة ولو لم تشترط فيها البراءة من العيوب وهي: بيع الحاكم على المفلس، وبيع الورثة لقضاء دين أو تنفيذ وصية.
هذه الشروط إذا تحققت، ثبت الخيار من غير اشتراطه في العقد كما في خيار الشرط، لأنه حق أثبته الشارع فلا حاجة إلى اشتراطه صراحة.
وجواز الفسخ يستمر حقا ثابتا لمن له الخيار، لا يسقطه إلا الموانع المتجلية في أضداد الشروط السابقة، أو الموانع التي تحيله إلى أخذ التعويض في النقصان إذ تصر الفسخ حقها وهي:
1-النقص الحادث في يد من له الخيار بغير فعله.
2-التغيير الذي يحدث بفعله: كثوب قطعه قبل العي بالعيب.
3-الزيادة المتصلة بالمعقود عليه: كالسمن في الدواب والزيادة المنفصلة المتولدة كنتاج الدابة، وصبغ الثياب إلى آخر هذه الأسباب التي تمنع الرد وتحيز المطالبة بالتعويض عن النقص الحاصل في المبيع بالعيب.
العقود التي يدخلها خيار العيب:
يثبت خيار العيب في عقود المعاوضات المالية المعينة كشراء الحيوان، أو استئجار الدار...
أما عقود غير المعاوضة: كالتبرعات، فلا يثبت فيها خيار العيب، وكذلك عقود المعاوضة التي موضوعها شيء غير معين بالذات، بل بالصفات: كالمسلم فيه، فلا يثبت فيها خيار العيب لأن العبرة في صحة هذا النوع من العقود أن تحقق الأوصاف المتفق عليها في المعقود عليه، فإن لم تتحقق ردت بذلك.
رابعا-خيار الشرط:
هو الشرط فهو يتوقف عليه، فإذا وجد الشرط وجد هذا الخيار، وإذا لم يشترطه أحد العاقدين ف خيار.
الفقرة الثاني: أثار الخيارات العقدية
أولا-أثر خيار الشرط في العقد:
خيار الشرط يترتب عليه أمران:
الأمر الأول: أن من شرط له الخيار من العاقدين يكون له الحق في إمضاء العقد أو فسخه، فيختار ما فيه مصلحته، ويحمل إمضاء العقد باللفظ بأن يقول: أمضي العقد، أو بالفعل بتصرفه في المبيع بإجراء أو رهن أو بيع وغير ذلك من الأفعال التي تدل على رضاه بالعقد وإمضائه له.
والأمر الثاني: هو عدم ترتب أحكام العقد وآثاره عليه، وهذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة، في أحد القولين في مذهبهم، فالخيار يمنع من ترتب آثار العقد عليه مدة الخيار، فلا يخرج المبيع عن ملك البائع إذا كان الخيار له، ولا يلزم المشتري دفع الثمن إليه، ولا يخرج الثمن عن ملك المشتري إذا كان الخيار له، ولا يلزم البائع تسلي المبيع للمشتري.
ووجهة نظرهم في ذلك أن من شرط له الخيار من المتعاقدين لم يتم رضاه بالعقد، وأحكام العقد لا توجد إلا مع الرضا التام.
وذهب الشافعي في أحد قوليه، والحنابلة إلى مخالفة الحنفية والمالكية في رأيهم، وقالوا بترتب الآثار الشرعية على العقد مع وجود خيار الشرط، لأن العقد صحيح نافذ، وما دام الأمر كذلك فآثار العقد تترتب عليه، والخيار لا يأتي إلا بجواز الفسخ وعدم لزوم العقد.
انتهاء خيار الشرط:
ينتهي بواحد من الأمور الآتية:
1-إجازة العقد ممن له الخيار في مدة الخيار، أو فسخه في المدة أيضا.
2-انتهاء مدة الخيار بدون إجازة العقد أو فسخه.
3-موت من له الخيار في أثناء مدته قبل أن يختار، وهذا عند الحنفية والحنابلة لأن خيارا الشر لا يورث عندهم وعند غيرهم يورث فلا يبطل بموت من له الخيار.
4-هلاك محل العقد أو تغيبه في يد المتملك إذا الخيار له وذلك لأن الفسخ يقتضي رد المقبوض وبعد هلاكه أو تغيبه لا يمكن رده؛ فلا يكون لبقاء الخيار فائدة.
5-زيادة محل العقد بعد قبضه زيادة متصلة، سواء أكانت متولدة منه وناتجة عنه كسمن الحيوان، أم غير متولدة عنه كالبناء على الأرض وصباغة الثوب، أو زيادة منفصلة متولدة منه كولد الحيوان وثمرة الشجر. أما إذا كانت الزيادة منفصلة غير متولدة منه كالآجرة فإنما لا تبطل الخيار ولا تمنع من رد المبيع.
ثانيا- أثر خيار التعيين:
أثر خيار التعيين أن العقد يتعين ويلزم في واحد يختار من ثلاثة أو إثنين على القول الراجح للقائلين بخيار التعيين وهم الحنفية ويرى آخرون، أن للعاقد الذي له حق الخيار أن يفسخ العقد ويرد الجميع كخيار الشرط والرؤية والعيب.
وينتهي خيار التعين بتعين واحد من الثلاثة أو إثنين صراحة أو دلالة، كما ينتهي بهلاكها أو تعيبها وبقاء واحد منها، فإنه يتعين أن يكون معقودا عليه بثمنه المعين للضرورة، وينتقل خيار التعيين إلى الوارث إذا مات من له الخيار وقبل التعيين[16].
ثالثا- أثر خيار الرؤية:
يعتبر العقد الذي يثبت فيه خيار الرؤية عقدا غير لازم بالنسبة لمن له حق الخيار، حتى يبت في العقد بإمضاء فيلزم، أو يفسخ فيرتفع، وإذا كان الفسخ بمقتضى خيار الرؤية لا يثبت إلا بعد الرؤية فقد يوهم هذا أن العاقد لا يملك الفسخ قبلها، والراجح في مذهب الحنيفة أنه يملك الفسخ قبلها، لكن لا بمقتضى الخيار، بل بناء على عدم لزوم العقد.
وخيار الرؤية يستمد قوته من الشارع، وليس من المتعاقدين، فإذا لو أراد من له حق الخيار إسقاطه أثناء العقد أو قيل الرؤية لم يقبل منه، كما لو اشترى شخص شيئا لم يره فقال: اشتريت على أن لا يكون لي خيار الرؤية، لا يصح منه هذا التنازل قبل ثبوت الرؤية.
ويسقط هذا الخيار بكل ما يدل على رضا العاقد المخير بالعقد سواء كان صريحا أو دلالة، وكذلك إذا تعذر الرد بهلاك المعقود عليه، أو بتعيبه، أو بموت من له الخيار سواء كان الموت قبل الرؤية أو بعدها عند من يمنح وارثه هذا الخيار وهم الحنفية لأنه رغبة ومشيئة، وجاء في مرشد الحيران: "خيار الرؤية يبطل بتصرف من له الخيار وتصرفا لا يحتمل الفسخ أو يوجب حقا للغير، فالبيع المطلق عن شرط الخيار للبائع والرهن والإجارة والهبة مع التسليم قبل الرؤية وبعدها.
فإن تصرف لا يوجب حقا للغير كالبيع بخيار للبائع والهبة بلا تسليم العين الموهوبة يبطل الخيار بعد الرؤية، لا قبلها كذلك يبطل بموت من له الخيار قبل الرؤية ويلزم العقد فلا ينتقل الخيار إلى ورثته[17].
رابعا-أثر خيار العيب في العقد:
اتفق الفقهاء على أن خيار العيب لا يؤثر في نفاذ العقد وترتب آثاره عليه، ولكنه يؤثر في لزوم العقد، فإن رضى المشتري بالعيب لزم العقد، وإن لم يرضى بالعيب وجب عليه رد المبيع إلى البائع، ويبطل بذلك العقد وكأن لم يكن.
ويجوز للبائع أن يجد من الثمن، بقدر ما يوازي العيب ويبقى المبيع عند المشتري إذا رضى بذلك.
موانع الرد:
خيار العيب يعطي من له الخيار حق الرد إلا إذا وجد ما تم يمنع من الرد، والموانع كثيرة منها:
1-إذا أسقط من له الخيار حقه فيه صراحة، وذلك كما لو قال: أسقطت الخيار، أو تنازلت عنه أو رضيت بالعيب، أو أسقطه دلالة، وذلك بإبراء البائع من هذا العيب، فإن الإبراء يدل على إسقاط الخيار.
2-إذا رضى من له الخيار بالعيب، فالعقود مبنية على الرضى، وما شرع الخيار إلا من أجل الوقوف على الرضا الكامل، فما دام الرضا بالعيب حامل فلا حاجة إلى الخيار.
3-إذا حدث في المعقود عليه عيب جديد، وهو في يد من له الخيار لأن الرد حينئذ يكون إضرار بالبائع فلا يجوز الرد، والأمر كذلك إلى ملك في يد المشتري أو تغير تغيرا تاما كأن يكون قمحا فطحنه وما شكل ذلك.
4-زيادة المعقود عليه في يد من له الخيار زيادة متصلة غير متولدة عن العيب، وذلك كالبناء على الأرض والصبغ في الثوب، أو زيادة منفصلة متولدة من العين كالولد واللبن والثمر.
أما الزيادة المتصلة المتولدة من العين كالكبر في السن والسمن في الوزن والزيادة المنفصلة غير المتولدة من العين كالغلة الناتجة عنها والكسب فإنها لا تمنع الرد بالعيب.
آرث خيار العيب:
إذا مات من له الحق في خيار العيب قبل اختباره لإمضاء العقد أو فسخه فإن ورثته يقومون مقامه في هذا الحق، وقد جرى الميراث في هذا الخيار، لأن العيب يتعلق بالعين الموروثة، وهو يؤدي إلى نقصان قيمتها، وفي ذلك إضرار بالورثة، ويجب إزالة الضرر عنهم، ولا يمكن إزالته عنهم إلا بإعطائهم الحق في الخيار، فإن رضوا بالعيب لزم العقد وبطل الخيار، وإن لم يرضوا بالعيب كان لهم الحق في الفسخ، وبذلك يزول الضرر عنهم.
خامسا- بيع الخيار والآثار المترتبة عليه في التشريع الوضعي
المتبايعان قد يحتاج أحدهما إلى فترة من التأمل والتروي، قبل التزامه بالبيع، ومن ثمة يشترط على الطرف الآخر أن يكون له حق الخيار في نقص البيع خلال مدة معينة من الزمن، فإذا لم ينقصه خلالها نقد، وقد أخذ المشرع المغربي بهذا الشرط فقرر في الفصل 601 من ق.ل.ع على أنه قد يسوغ أن يشترط في عقد البيع ثبوت الحق للمشتري أو البائع في نقسه خلال مدة محددة، ويلزم أن يكون هذا الشرط صريحا، ويجوز الاتفاق عليه إما عند العقد وإما بعده في فصل إضافي[18].
أما طبيعة بيع الخيار فقد حددته أحكام الفصل 602 من ق.ل.ع المعطوفة على أحكام الفصل 601 السالف الذكر، حيث قررت أن "البيع الذي يبرم معلقا على الشرط السابق يعتبر معلقا على شرط واقف ما دام العاقد الذي احتفظ لنفسه بحق الخيار لم يظهر صراحة أو ضمنا في الأصل المتفق عليه، إرادته في أنه يقصد إمضاء العقد أو نقسه". ويترتب على هذا أن بيع الخيار يختلف بطبيعته عن البيع البات بأنه عقد ملزم بجانب واحد، لأنه اتفاق يلتزم به أحد الطرفين بالبيع أو الشراء، ووفقا للشروط الأساسية المحددة لأركان العقد دون الطرف الآخر الذي يستأثر بحق الخيار، والذي يتوقف على إرادته مصير البيع، فإن شاء أمضى العقد وإن شاء أمضى العقد وإن شاء نقضه داخل المدة المحددة له.
وكما قلنا فإن هذا الخيار إما أن يأتي في صلب العقد أو في اتفاق لاحق العقد، وسواء ورد في هذه الصورة أو تلك فإنه لابد من تعين من له الحق فيه، وفي كلتا الحالتين من أن يرد بشكل صريح، ولابد أيضا من تحديد مدة معينة لممارسة هذا الخيار، وتحديد مصير البيع وقد حسم المشرع المغربي هذا الموضوع فقرر ما يلي:
1-أن يتم الاتفاق بين الطرفين على المدة المحددة لممارسة حق الخيار، الفصل 601 ق.ل.ع.
2-في حال إغفال أجل الخيار وعدم ذكره في العقد يفترض أن المتعاقدين ارتضوا الفقرة الأولى من الفصل 603 ق.ل.ع.
3-لا يجوز أن تتجاوز المدة المحددة بمقتضى العرف 60 يوما تبدأ من تاريخ العقد إذا كان محل البيع عقارا من العقارات البلدية أو الأراضي الزراعية، ومدة 5 أيام بالنسبة للحيوانات الداجنة أو أي شيء من الأشياء المقولة / الفقرة الثانية من الفصل 603 والفقرة الأولى من المادة 604 ق.ل.ع والجديل بالحقول أنه يجوز للمتعاقدين أن يتفقوا على أجل أقصر من الآجال المحددة. أما الاتفاق على مدة أطول فهو باطل.
4-ويعتبر الأجل المحدد باتفاق الطرفين أو بنص ... قاطعا لا يجوز للقاضي أن يمدده لأي سبب كان الفصل 605 ق.ل.ع.
آثار بيع الخيار:
-فيما يخص ثمار المبيع، يبقى الحق فيها وفي كافة الملحقات المرتبطة بهذه الثمار بالإضافة إلى ما يطرأ على المبيع من زيادات موقوفا طوال المدة المحددة كأجل للخيار، ومن ثمة تؤول ملكية هذه الأشياء لمن يكتسب ملكية المبيع بشكل نهائي نتيجة لممارسة حق الخيار وذلك من يوم إبرام العقد، ويترتب على هذا الاعتبار نتائج عامة[19]:
1-في حالة ما أوقع دائنو البائع حذرا على المبيع قبل إعلان المشتري عن قبوله إمضاء البيع، وكذلك إذا أفلس البائع في نفس الفترة كان للمشتري حق الإدعاء باستحقاق المبيع لعدم دخوله في موجودات البائع عند شهر الإفلاس، أما إذا اختار المتعاقد نقض البيع اعتبر العقد كأن لم يكن ووجب إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل العقد / الفصل 606 -607 – 611.
2-إذا لم يتمكن المشتري من رد المبيع بعد نقض البيع، نتيجة التلف أو الهلاك الكلي، أو إذا رده متعيبا، فإنه لا يكون مسؤولا إذا كانت تلك الاستحالة أو هذا العيب لسبب أجنبي عنه الفصل 612 ق.ل.ع.
3-يعتبر البيع باتا ونهائيا بقوة القانون، إذا انقضى أجل الخيار، دون أن يعد صاحب حق الخيار إلى إعلام الطرف الآخر، بقراره في إمضاء العقد أو نقضه/ الفصل 608 ق.ل.ع.
4-إذا كان المشتري هو صاحب الحق في الخيار، فإنه يفقد الحق في نقض البيع، ويعتبر قابلا إمضاء العقد إذا صدر منه أي فعل يدل على رغبة في اعتبار نفسه مالكا للمبيع، كأن يتصرف فيه بيعا أو رهنا أو كراء أو هبة، أو إذا تعيب بفعله أجر اختياره، أو إذا حوله إلى شيء آخر.
أما إذا كان البائع هو صاحب الحق في الخيار، فإنه على عكس ذلك يعتبر ناقضا للبيع، ويفقد بالتالي الحق في إمضائه إذا ما صدرت عنه مثل هذه الأفعال (الفصل 609).
5-إذا مات من له حق الخيار قبل أن يختار، انتقل هذا الحق إلى ورثته وإذا فقد أهلية التعاقد عينت له المحكمة مقدما خاصا ليباشر حق الخيار بدلا عنه.
وخلاصة القول، إن بيع الخيار هو بطبيعته بيع ملزم لجانب واحد، ويتوقف نفاذه على ممارسة هذا الحق الممنوح لأحد المتعاقدين داخل المدة المحددة اتفاقا أو قانونا.
 --------------------------------

- الدكتور الدرقاوي عبد الله، أحكام عقد البيع، دار القلم الرباط 2005.
- الطنطاوي محمود محمد، المدخل إلى الفقه الإسلامي، تاريخ التشريع... ومصادره,,,, والنظريات الفقهية، مكتبة دار الأمان الرباط.
- سلامة محمد، نظرية العقد في الفقه الإسلامي من خلال عقد البيع، مطبعة فضالة، المحمدية 1994.
- الشليح محمد، مرشد الحيران إلى الفهم المحمود، بنك القيود، نكت أحكام البيع المقصود سنة 1987 – 1988.
- أبي زهرة، الملكية ونظرية العقد.




[1] - د.(عبد الله) الدرقاوي: "أحكام عقد البيع"، دار القلم، الرباط 2005، ص 42.
[2] - محمود محمد الطنطاوي: "المدخل إلى الفقه الإسلامي تاريخ التشريع... ومصادره... والنظريات الفقهية مكتبة دار الأمان، الرباط، ص 323.
[3] - محمود محمد الطنطاوي، المرجع السابق ص: 325
[4] - محمد سلامة: "نظرية العقد في الفقه الإسلامي من خلال عقد البيع"، مطبعة فضالة، المحمدية، 1994، ص:244
[5] - محمد سمة، المرجع السابق، ص 250.
[6] - محمود محمد الطنطاوي،المرجع السابق، ص 329.
[7] - محمد سلامة، المرجع السابق، ص 251.
[8] - محمود محمد الطنطاوي، المرجع السابق، ص 331.
[9] - محمد شليح: مرشد الخيران إلى الفهم المحمود بنك القيود نكت أحكام البيع المقصود في القانون للالتزامات والعقود، طبع أنفو – برانت غاست المغرب سنة 1987 / 1988.
[10] - سورة النساء، الآية 29.
[11] - محمود محمد الطنطاوي، المرجع السابق، ص 335.
[12] - الأستاذ محمد سلامة: نظرية العقد في الفقه الإسلامي من خلال عقد البيع، ص 249.
[13] - أبي زهرة: الملكية ونظرية العقد، ص 386 - 387، المدخل في التعريف والفقه الإسلامي.. (626 – 627) المادتان 316 – 317،  من المجلة.
[14] - الملكية ونظرية العقد (ص 396) المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي (ص 619 – 620) ضوابط العقد... (224 – 225) المادتان: 245 و246 من المرشد الخيران.
[15] - نظرية العقد في الفقه الإسلامي من خلال عقد البيع للأستاذ محمد سلامة، ص 253.
[16] - الملكية ونظرية العقد (ص 389) المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي (ص 629 – 630) درر الحكام... ( 1/ 263).
[17] -محمد سلامة: "نظرية العقد في الفقه الإسلامي من خلال عقد البيع" (ص 255).
[18] - عقد البيع (3) 40 للدكتور الدرقاوي عبد الله.
[19] - الدرقاوي عبد الله، مرجع سابق.