إخضاع العقود البترولية للقانون الدولي
محمد الامين النني
إداري وباحث في القانون الدولي الخاص
Subjecting petroleum contracts to international law
Mohamed EL-AMIN EL-NENNI
مقدمة
يذهب جانب من الفقه إلى إخضاع العقود البترولية المبرمة بواسطة الدولة أو الأجهزة العامة التابعة لها، مع الشركات البترولية الأجنبية، للقانون الثالث.
بيد أن الحجج والأسانيد التي يستندون إليها تختلف من فقيه إلى فقيه آخر، حيث نجد المدرسة الحديثة توجب تأسيس العقد على نظام معين، بيد أنها في نفس الوقت تجد القانون الوطني الدولة المضيفة والقانون الدولي، غيرَ مُناسبين للتطبيق على الاتفاقات البترولية، وتدعو لتطبيق طائفة ثالثة من النظم القانونية، تتكوّن من المبادئ العامة والقانون التجاري الدولي (المطلب الثاني)، إلا أن الفقه دافع عن ضرورة خضوع عقود الدولة للقانون الدولي، وهذا يعد وسيلة لمقاومة الطابع الخاص الذي يطبقه القضاء على العقود البترولية (المطلب الأول).
ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن العقود المبرمة بين الدول والشركات الخاصة الأجنبية، والتي من أهمها عقود البترول، عبارة عن اتفاقات تخضع للقانون الدولي، لأن العقد في هذه الحالة يجب أن ينظر إليه على أنه تصرف قانون دولي حقيقي، ومن ثم يجب أن يخضع لقواعد القانون الدوليّ، لاسيما أن تأصيل هذه العقود في القانون الدولي على نحوٍ ما يستند إلى طبيعتها باعتبارها عقوداً دولية، وإلى معطيات وأفكار تطالب بتطبيق القانون الدولي (الفقرة الأولى)، وأن تطبيق القانون الدولي على المنازعات البترولية الدولية يعتبر وارداً، لأن القانون الدولي سمى من القوانين الوطنية، وبالتالي فتطبيقه وارد (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الأفكار التي تطالب بتطبيق القانون الدولي على العقود البترولية
يعتبر الفقيه "مان"([1]) من أبرز الفقهاء الذين نادوا بتطبيق القانون الدولي العام على العقود المبرمة بين الدولة والأشخاص الخاصة، بما في ذلك عقود البترول، وذلك إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة المقرر في القانون الدولي الخاص.
وعلى الرغم من أن الأشخاص الدولية تتعاقد عادة في نطاق القانون الدولي العام، إلا أنه لا توجد أي قاعدة قانونية تحظر عليهم إخضاع معاملاتهم لنظام قانوني وطني من اختيارهم. ([2]) ولقد أراد بعض الفقهاء من ذلك أن يصل إلى نتيجة معينة، أعرب عنها بعد ذلك؛ وهي أن العقود البترولية تابعة لنظام قانوني وطني، وتكون كذلك محكومة بواسطة نظام قانوني داخلي مختارٍ بواسطة الأطراف، ومع ذلك فإنه من الممكن بالنسبة لهذه العقود التي يكون أحد أطرافها فقط من أشخاص القانون الدولي، أن تخضع للقانون الدولي ([3]).
وقد ذهب بعض الفقهاء كذلك في سبيل الرد على الاعتراض المتمثل في أن القانون الدولي العام لا يتضمن بعض القواعد القانونية التي تحكم العقود البترولية، إلى تطبيق المبادئ القانونية التي تحكم المعاهدات، وخاصة المعاهدات التجارية المبرمة بين الأشخاص الدولية المستثمرة في مجال البترول وبين الأشخاص الخاصة، لا تختلف كثيراً من حيث طبيعتها وموضوعاتها عن المعاهدات المبرمة بين الأشخاص الدولية. ([4])
ولقد تبنى الفقه وجهة نظره في تدويل هذا النوع من العقود وإخضاعها للقانون الدولي العام، على أساس نظرية القانون المناسب في القانون الدولي الخاص؛ فهو يرى أن مسألة ما إذا كان من الجائز، وفي ظل أية ظروف للأشخاص الدولية المستثمرة في مجال البترول والدول المضيفة، إخضاعُ عقودهم للقانون الدولي العام، فذلك أمر يتعلق بنظرية القانون المناسب في القانون الدولي الخاص، أكثر من تعلقه بالقانون الدولي العام بذاته. ([5])
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن غالبية الفقهاء أعضاء اللجنة الحادية والعشرين، المخصصة لبحث مسألة النظام القانوني الذي يحكم العقود المبرمة بين الدولة والأشخاص الأجنبية، قد أعربوا أثناء أعمال مجمع القانون الدولي في دورة انعقاده بأوسلو سنة 1977، عن موافقتهم على جواز اتفاق الأطراف على اختيار القانون الدولي العام باعتباره القانون الذي يحكم العقد، ولقد أيد بعض الفقهاء (مقرر اللجنة) وخاصة المادة الثانية من التوصيات التي أصدرتها مجمع القانون الدولي، التي أجازت للأطراف اختيار القانون الدولي كقانون واجب التطبيق على العقد([6]).
ويمكن القول بوجه عام بتطبيق القانون الدولي على الاتفاقيات البترولية، استناداً إلى واحد أو أكثر ممن الأسس الثلاثة التالية:
1) طبقا لقانون الدولة الطرف، أو أي قانون وطني آخر، إذا سمح هذا القانون بانطباق القانون الدولي على الاتفاق. (([7]))
2) بقوة القانون الدولي ذاته، بما في ذلك قواعده الاتفاقية، وذلك عندما تقضي إحدى المعاهدات المناسبة بانطباقه.
3) طبقا للاتفاق ذاته إذا قضت الاشتراطات العقدية للأطراف بذلك.
ونلاحظ في هذا الصدد إمكانية تماثل قواعد القانون الداخلي والقانون الدولي في الموضوع، رغم اختلافهما في المصدر، وتقدم قضية ثارت سنة 1941، حيث كانت المادة الرابعة من الاتفاقية المبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، تقضي بإحالة ما قد يثور بين الطرفين من منازعات إلى التحكيم، على أن تفصل محكمة التحكيم في المنازعات طبقاً للقانون والسلوك المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية لعلاج الموضوعات المماثلة.([8])
هذا ويندر أن يشير اتفاق بترولي إلى القانون الدولي باعتباره القانون الذي يحكم تفسير الاتفاق وما يثور بشأنه من منازعات، ولعل من أمثلة هذه الاتفاقيات النادرة، ما تضمنته الفقرة(أ) من المادة(22) من الاتفاق المبرم بين حكومة إيران وشركة البترول الأنجلو فارسية، سنة 1933، من النص على أن (تُحال للتحكيم كافةُ المنازعات التي تثور بين الأطراف، أيّاً كان نوعُها، وخاصة تلك التي تتعلق بتفسير هذا الاتفاق والحقوق والالتزامات التي يتضمنها، وكذا أي خلاف في الرأي حول مسائل تتطلب اتفاق الأطراف بشأنها). وتضيف الفقرة(9) من نفس المادة، أنه يؤسس الحكم على المبادئ القانونية التي تتضمنها المادة 38 من النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي([9]).
ويلاحظ كذلك أن بعض اتفاقات الامتياز البترولي التي أبرمتها ليبيا، قضت بأن يحكّم الاتفاق ويفسَّر طبقاً لقوانين ليبيا، وذلك بالقدر الذي اتفقت فيه هذه القوانين مع مبادئ وقواعد القانون الدولي، كما هي سائدة ومطبقة. ([10]).
كما تضمن قانون البترول الليبي رقم 25 لسنة 1955 والمعدل للقانون 03 لسنة 1983، أنه (يحكّم العقد ويفسَّر طبقاً لمبادئ القانون الليبي، التي تتفق مع مبادئ القانون الدولي، وفي حالة غيابها، يكون ذلك طبقا للمبادئ العامة للقانون، بما في ذلك تلك التي طبقتها المحاكم الدولية، وهذا يمكن أن يفهم بأنه تطبيق احتياطي للقانون الدولي. ([11])
وهذا ما سارت عليه اتفاقية تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول وبين رعايا الدول الأخرى سنة 1965، فقد نصت على إمكانية تطبيق القانون الدولي على عقود الدولة مع أطراف خاصة، فنصت المادة (41) الفقرة (1) من هذه الاتفاقية، على أنه (تفصل المحكمة في النزاع وفقاً للقواعد القانونية المتفق عليها بين الأطراف،وحال عدم وجود اتفاق بين الأطراف تطبق المحكمة قانون الدولة المتعاقدة التي هي طرف في النزاع، بما في ذلك القواعد المتعلقة بتنازع القوانين، كما تطبق مبادئ القانون الدولي الخاص بالموضوع، وفضلاً عن أن قواعد القانون الدولي المشار إليها في المادة تعدُّ مصدراً احتياطيّاً يمكن اللجوء إليه عند عدم وجود اتفاق بين الأطراف، أو عند عدم كفاية قواعد القانون الوطني للدولة الطرف) ([12]).
بيد أنه ينبغي فهم هذه الإشارة لمبادئ القانون الدولي على ضوء المعنى الذي حددته المادة (38) الفقرة (1) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
هذا ويذهب جانب من الفقه إلى الدفاع عن ضرورة خضوع عقود الدولة للقانون الدولي العام، وعلى الرغم من الاختلافات الظاهرة، ([13])على نحو ما سنرى، بين الآراء التي تندرج في إطار هذا الاتجاه، فإنه يجمعها هدف واحد محدَّدٌ سلفاً، وهو تدويل عقود الدولة من أجل اقتلاعها من السيطرة الطبيعية للقانون الوطني للدولة المتعاقدة، بما يمثله الخضوع لذلك القانون من مخاطر جسيمة للطرف الخاص المتعاقد مع الدولة.([14])
ومن وجهة نظر هذا الفقه، فخضوع عقود الدولة للقانون الوطني للدولة المتعاقدة، يمكّن هذه الأخيرة من تعديل العقد المبرم بينهما وبين الطرف الأجنبي، أو إنهائه بإرادتها المنفردة، وهو ما يؤدي إلى الإخلال الصارخ بحقوق الطرف الأجنبي الناجمة عن العقد.
ودرء هذا الخطر يكون بتقييد سلطات الدولة عن طريق تبنّي شروط الإثبات التشريعي، التي تهدف إلى تقييد إرادة الدولة أو الحد منها، والتي قد تفشل في تحقيق الغرض منها على نحو ما أشرنا إليه سلفاً، وإنما تكون هذه العقود للقانون الدولي ([15]).
فإعمال قواعد هذا الأخير، يضمن للطرف المتعاقد مع الدولة حمايةً أكيدةً وفعّالةً؛ فمن ناحية تدويل العقد من شأنه منح الطرف "الخاص" المتعاقد مع الدولة إمكانيةَ التمسك بقواعد القانون الدولي العام في مواجهة الدولة المتعاقدة مباشرة،([16]) وما يترتب على ذلك من حقوق تترتب له في مواجهتها، فاعتبار العقد المبرم بين الدولة والطرف المتعاقد معها بمثابة معاهدةٍ تسمح بمساءلة الدولة مع الإبقاء على الالتزامات التعاقدية التي تعهدت بها، ومن ناحية أخرى فإنه في حالة قيام الدولة بتعديل العقد أو إنهائه يؤدي ذلك إلى تدويل وإمكانية مبادلة الدولة المتعاقدة معه دوليّاً؛ أي أن الدولة، وبما أن أمورها الداخلية لقانونها الداخلي يجب أن تخضع للقانون الدولي، عندما يكون هذا القانون واجبَ التطبيق في الداخل، نتيجةَ التزام دولي على الدولة، فهو نشاط قانوني لا يختلف ([17])عن نشاط الدولة الآخر الخاضع للقانون الداخلي، ولذلك فعند تعارض قاعدتين؛ دولية وداخلية، وجب تطبيق الأولى وإعطائها الأولوية على الثانية، حتى لا تكون الدولة محل مساءلة دولية أمام الجماعة الدولية التي هي جزء منها، والقواعد الدولية والداخلية هي نتاج نشاط الدولة ولصالحها ولخدمة أهدافها المشروعة ([18]).
وهذا تقريباً هو ما نص عليه المشرّع الموريتاني، لأن قوله بمراجعة الدستور المخالف لأحكام اتفاقية دولية معناه إعطاء الأولوية لتطبيق الاتفاقية المخالفة للدستور، والنتيجة الحتمية هي تغليب القاعدة الدولية – المعاهدة – على القاعدة الداخلية – الدستور ومراجعة الدستور تتم بمبادرة من رئيس الجمهورية أو ثلث أعضاء الجمعية الوطنية– ليتم عرضه بعد ذلك على الاستفتاء.([19])
وإذا تمت مبادرة مراجعة الدستور عن طريق مشروع مقدم من قبل البرلمانيين لا يناقش هذا المشروع إلا بعد التوقيع عليه من قبل ثلث أعضاء إحدى الغرفتين، ولتتم المصادقة عطلى مشروع المراجعة لابد أن يصوت ثلثا أعضاء الغرفتين ومن ثم يقدم للاستفتاء لتعتبر مراجعته نهائيا إذا نال الأغلبية البسيطة من الأصوات، إلا أنه قد لا يقدم مشروع المراجعة للاستفتاء وذلك بقرار من رئيس الجمهورية ويكتفي في هذه الحالة بعرضه على البرلمان مجتمعا في مؤتمر، تتم المصادقة على مشروع المراجعة بثلاثة أخماس الأصوات المعبر عنها.([20])
فخضوع الدولة إلى القانون الدولي يعد وسيلة مقاومة مع الإحتقاظ بالطابع الخاص الذي يطبقه القضاء المحلي على تلك العقود ومن أمثلة ذلك أن محكمة العدل الدولية وقفت في صف الدولة الإيرانية ضد الحكومة البريطانية. ([21])
إذ أن التأميمات التي قامت بها هذه الدولة ضد الرعايا البريطانيين، والتي تمسكت الحكومة البريطانية بأنها ضد الالتزامات من وجهة نظر المحكمة التي ذهبت إلى أن عقد الامتياز نظرا لطابعه التعاقدي لا يمكن أن ينشئ إلتزاما وفقا لمفهوم القانون الدولي العام على عاتق الدولة المتعاقدة فالهدف البعيد لتدويل عقود البترول التي تجريها الدولة هو كما يشير الأستاذ العشيري -وبحق- اعتبار التأميم الذي يؤدي إلى إنهاء العقد الذي يعد بمثابة معاهدة دولية. ([22])
وأي إجراء مخالف للالتزامات الدولية، يشكل في حد ذاته خطأ يولد مسؤولية الدولة التي قامت بالتأميم، وما يترتب على ذلك من عدم الاعتداد بهذه التصرفات وتجريدها من كل أثر في مواجهة السلطات القضائية والتنفيذية للدول الأخرى([23]).
هذا وقد يختار الأطراف في عقود الاستثمار البترولية قواعد القانون الدولي العام كقانون ضابط للجوانب الموضوعية في عقودهم، ويقصد بقواعد القانون الدولي في هذا الخصوص: مجموعة القواعد العرفية والمعاهدات، ولاسيما تلك التي تتصل بالتجارة الدولية واتفاقيات حماية وتشجيع تبادل الاستثمارات الأجنبية بين مختلف الدول.([24])
وقد يختلف الأطراف بشأن مشروعية اختيار الأطراف في عقود الاستثمارات لقواعد القانون الدولي العام لحكم عقدهم، حيث ينكر البعض من الفقهاء على أطراف هذه العقود القدرة على إخفاء عقودهم لقواعد القانون الدولي العام.
فيرفضون تطبيق قواعد القانون الدولي حتى وإن حدد الأطراف هذا القانون باعتباره القانون الذي يحكم اتفاقهم استنادا إلى أن هذا الاختيار لا يمكن أن يجعل منه قانونا مناسبا لحكم العقد المبرم بين الدولة والمستثمر الأجنبي. ([25])
حيث يحكم هذا القانون العلاقة بين الدول أو غيرها من الأشخاص الدولية وهو لا يعترف بالأفراد كجزء من هذا النظام، إذ أن قواعد القانون الدولي كما يؤكد البعض لا تسري إلا على العلاقات التي تتم بين أشخاصه فلكل قاعدة قانونية في نظام([26]) قانوني معين تميز المخاطبين بها سواء بطريق مباشر أم بطريق غير مباشر، ولذلك فإن ثمة اتصالا وثيقا بين جوهر القاعدة القانونية أي الحق والواجب والسلطة والأعباء الناتجة عنها، وأشخاص النظام القانوني الذي توجد فيه القاعدة بينما يذهب البعض الآخر من الفقه، إلى أنه يمكن لأطراف عقود البترول الدولية إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة أن يختاروا قواعد القانون الدولي العام لتطبق على عقودهم، وذلك انطلاقا من أنه إذا كان للأطراف وفقا لمبدأ سلطان الإرادة الحق في اختيار قانون وطني يحكم العقد فهو الاختيار الذي يقره القانون الخاص ([27]).
واحترام هذا المبدأ يقتضي خضوع عقود الدولة للقانون الدولي إذا ما قامت الأطراف المتعاقدة باختيار هذا القانون المطبق في عقود البترول التي تشير إلى تطبيق القانون الدولي باستخدام مصطلح القانون الدولي([28]) وهي نادرة عموما، وقد تأخذ هذه البنود صورة الإشارة الصريحة لتطبيق مبادئ القانون الدولي بجانب المبادئ العادلة والإنصاف مثل المادة(41) من الباب الخامس من الاتفاق الموقع بين E.R.B الشركة الفرنسية لبترول وإيران Sofiran والتي نصت على أنه: "ولقد اتفقت الأطراف المتعاقدة على أن لا تتقيد محكمة التحكيم أو المحكم المنفرد من أجل إصدار حكم التحكيم بأية قاعدة من قواعد القانون بل يكون لها الحق في أن تؤسس حكمها على اعتبارات العدالة والمبادئ العامة للقانون المعترف بها، وعلى وجه الخصوص القانون الدولي"([29]).
وقد تأخذ هذه البنود صورة تطبيق قواعد القانون الوطني مضافا إليها قواعد القانون الدولي التي يمكن أن تكون قابلة للتطبيق على النزاع "مثل العقد المبرم بين حكومة جاميكا وشركة" Alcoa Minerals of Jamaica "والذي نص على أن محكمة التحكيم ستطبق القانون الجاميكي وقواعد القانون الدولي التي يمكن تطبيقها".
كما قد تأخذ هذه البنود صورة تعليق القانون الداخلي على شرط التصاقه مع مبادئ القانون الدولي، كما هو الحال بالنسبة للفقرة السابعة من الشرط الوارد في الاتفاقيات النفطية بين ليبيا وبعض الشركات الأجنبية في التحكيمات المشهورة "تكيكوا"، والتي نصت على أنه: يخضع هذا الامتياز ويفسر وفقا للمبادئ العامة المشتركة بين القانون الليبي والقانون الدولي فإن لم توجد تطبق المبادئ العامة المشتركة وفقا للمبادئ العامة للقانون، والتي يدخل ضمنها تلك التي تطبقها المحاكم الدولية. فصياغة القانون واجب التطبيق تقيد أن العقد يخضع ويفسر وفقا للمبادئ المشتركة بين القانون الليبي والقانون الدولي.
بحيث لا يطبق القانون الليبي إلا بالقدر الذي يتفق فيه مع مبادئ القانون الدولي وفي حالة غياب هذه المبادئ المشتركة فيرجع إلى المبادئ العامة في القانون بما فيها المبادئ التي يمكن أن تطبقها المحاكم الدولية(([30])).
ويمكن القول إن القانون الدولي ينطبق إذا سمح القانون المحلي بذلك وفقاً لقوة القانون الدولي ذاته وذلك عندما ينص على ذلك في إحدى المعاهدات أو قضت الاشتراطات العقدية بذلك، بالإضافة إلى ذلك فإن كثيراً من قوانين الدول تعترف بأن القانون الدولي يشكل جزءاً من قانون الدولة المحلي ويمكن بتلك الصفة تطبيقه كلما كان القانون المحلي واجب التطبيق. ([31]) ويلاحظ أن المحاكم الدولية أكدت في مناسبات كثيرة سمو القانون الدولي على القانون المحلي مثال ذلك قرار محكمة العدل الدولية في قضية المناطق الحرة سنة 1925م([32]) والذي ورد فيه أن فرنسا لا يمكنها أن تعول على تشريعها المحلي للحد من مجال التزاماتها الدولية ومما يلاحظ كذلك أنه يندر أن يشير اتفاق امتياز بترولي إلى القانون الدولي باعتباره القانون الذي يحكم تفسير الاتفاق ولعل من أمثلة تلك الاتفاقيات النادرة ما تضمنته الفقرة(و) من المادة(22) من الاتفاق المبرم بين حكومة إيران وشركة البترول الانجلو فارسية سنة 1933.
ولقد تولى إبرام اتفاقات امتياز بترولية في البلاد العربية منذ ذلك التاريخ، وقد تضمنت تلك الاتفاقات نصوصا صريحة تحدد القانون واجب التطبيق بيد أن أياً منها لم يشر إلى القانون الدولي باعتباره القانون الذي يحكم الاتفاق وذلك يوضح عدم رغبة الدول العربية في تحكيم القانون الدولي.([33])
ورغم مما ذكرنا(عدم الرغبة في تطبيق القانون الدولي) ذهب بعض الفقهاء إلى إمكانية إخضاع اتفاقات البترول والاتفاقات الأخرى المشابهة إلى أحكام القانون الدولي العام مباشرة وترتبط تلك الفكرة باسم الفقيه الألماني "مان" ويستند مويدو تلك الفكرة إلى نظرية القانون المناسب للعقد وأنه للأطراف الحرية في اختيار القانون الدولي العام عندما يكون العقد مبرماً مع شخص دولي([34]))
ولا شك في تقديرنا أن وجهة النظر الواردة أعلاه تتجاهل حقيقة أن بعض الدول لديها قواعد تشريعية تلزم بتطبيق القانون المحلي واستبعاد أي قانون آخر فيما يتعلق باستغلال المواد المنجمية مثال ذلك ما نصت عليه المادة 57 من قانون البترول الإسباني الصادر في 20 ديسمبر 1958م والمعدل بالقانون رقم04 /1991 والمادة (4)من قانون الهيدروكربونات الفنزويلي لسنة 1975ونفس الشيء بالنسبة للقانون الموريتاني المادة(49).([35])
وذهب جانب من الفقهاء(مان) إلى القول بإمكان إخضاع اتفاقات الامتياز البترولية لأحكام القانون الدولي مباشرة بحيث يعتبر هذا القانون هو مصدر القواعد التي تحكم تلك العقود دون حاجة إلى استخلاص مبادئ عامة تتبعها مختلف الدول في نظمها القانونية، وقد برر أنصار هذا الرأي قولهم بما يلي:
- أن متطلبات المعاملات الدولية تقتضي تطبيق القانون الدولي وتدويل اتفاقيات التنمية الاقتصادية الدولية، ومنها الاتفاقيات البترولية. ([36])
- يمكن إسناد فكرة التدويل هذه إلى فكرة (القانون المناسب) في القانون الدولي الخاص والتي بمقتضاها يكون الأطراف أحرارا في اختيار القانون الذي يحكم اتفاقهم. ([37])
أما ما يثيره أصحاب النظرية التقليدية للقانون الدولي بقولهم أن القانون لا ينطبق إلا على أشخاصه فقط وهم الدول، وليس للفرد الشخصية القانونية الدولية التي تجعله شخصا قانونيا دوليا يخاطب بأحكام القانون الدولي فمردود عليه، بان هذه النظرية التقليدية للقانون الدولي لم تعد تتماشى مع متطلبات المجتمع الدولي المعاصر. ([38]) وخلاصة القول أن القانون الدولي يقوم بالدور الرئيسي في حل مشكلات استغلال الثروة البترولية حيث إنه القانون المناسب للتطبيق على العقود البترولية التي تبرم بين الدولة والطرف الأجنبي باعتبارها عقوداً دولية. ([39])
ويكون القانون الدولي العام بمصادره المتعددة بما فيها أعراف التجارة الدولية هو القانون واجب التطبيق في حالة إغفال الطرفين تعيين القانون واجب التطبيق على النزاع لاسيما أنه القانون المناسب لتحقيق([40]) مصالح جميع الأطراف حيث إنه يتسم بالعالمية التي تجعله صالحا لحماية مصالح جميع الدول والأشخاص التابعين لهذه الدول، على قدم المساواة بصرف النظر عن جنسيتهم أو مراكزهم القانونية في العقد، وهذا يحيلنا إلى مدى سمو القانون الدولي على القوانين وهذا هو موضوع الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية: سمو القانون الدولي وارتباطه بالنظام العام
يقصد بسمو القانون الدولي أولويته في التطبيق على كل المقتضيات الأخرى، سواء تعلق الأمر بأنظمة عامة ذات مصدر وطني، أو بإرادة الأطراف لأنه يهدف إلى حماية مصالح مشتركة بين مختلف الأمم. ([41]) عكس النظام العام الوطني الذي يهدف إلى حماية مصلحة وطنية بحتة، إذ أن القانون بمثابة نظام قانوني يعلو تسلسليا النظام الداخلي، وطبقا لذلك لا نكون أمام نظامين مستقلين، بل قانونين؛ أحدهما هو الأسمى (أي القانون الدولي)، والآخر تابع له وهو القانون الداخلي، وهذا الأخير منبثق عن الأول وموضوع تحت سلطته ، بالإضافة إلى كونه اشتقاقاً أو تفويضاً صادراً عن القانون الدولي. ([42])
ومن بين أصحاب هذا الرأي "كلسن" و"ديجي" اللذان يقولان بسمو القانون الدولي على الفروع الأخرى، وسندهما في ذلك أنه القانون الذي يعنى ببيان الجماعات الدولية، أي الدول المستقلة المتحضرة، وتعيين اختصاص كل منها، والدولة عندما تمارس عملية إصدار القوانين الداخلية فإنها تقوم بذلك بتفويض من القانون الدولي. ورأي هؤلاء يعطي الصدارة للقانون الدولي بين النظم القانونية الأخرى، مما يؤدي أنه في حالة تعارض حكم دولي مع حكم داخلي تكون الأولوية الحكم القانوني الدولي. ([43]).
وحتى يقوم القانون الدولي بوظائفه في إطار العلاقات الخاصة الدولية، فإنه يقتضي بالضرورة الاعتراف له بميزة السمو سواء على الأنظمة العامة الداخلية، أو على إرادة الأطراف .([44])
وقد أكدت المحاكم الدولية في عدة مناسبات سمو القانون الدولي، على القانون الوطني فقد أصدرت محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية المناطق الحرة، أنه من المؤكد أن فرنسا لا يمكنها أن تعول على تشريعها، للحد من مجال التزاماتها الدولية، وقد أكد قضاة المحكمة أيضا هذا المبدأ في عديد من آرائهم المنفصلة فوصف هذا المبدأ، في رأيه المنفصل في قضية المصايد النرويجية من القواعد المستقرة أنه لا يمكن للدولة "مطلقا "أن تستند إلى نص أو إلى عدم وجود نص قانونها الداخلي،([45]) أو إلى عمل أو امتناع عن عمل صادر من سلطاتها التنفيذية لتدفع عن نفسها مسؤولية اعتدائها على القانون الدولي ولقد استقر هذا المبدأ منذ زمن طويل في تحكيم جنيف الخاص، بموضوع دعاوى الالباما عندما ادعت الحكومة البريطانية أنها تمارس كل السلطات التي تخولها إياها تشريعاتها النافذة وذلك لمنع الآلباما من مغادرة (الميناء الإنجليزي)، وارتكاب أعمال القرصنة ضد الملاحة الأمريكية وهو ما كبد، بريطانيا العظيمة مبالغ كبيرة من المال. ([46])
كما اعترف الكثير من دساتير الدول صراحة بمبدأ سمو القانون الدولي، إلى حين مطلع القرن العشرين، وكان ينظر إلى القانون الدولي على أساس أنه قانون ينظم علاقات الدول فيما بينهما، مع ذلك فإن صلاحية هذا المبدأ أو شرعية لا تعتمد على اعتراف القانون الداخلي لدولة به. ومن هذه الدساتير دستورا موريتانيا لسنتي 1991-1961، إذ أن المشرع الموريتاني وإن كان لم يحسم مكانة المعاهدات في المادة (80) من دستور 1991، والتي تنص على أن "للمعاهدات أو الاتفاقيات المصدقة أو (الموافق عليها كذلك سلطة أعلى من سلطة القوانين، وذلك فور نشرها، شريطة أن يطبق الطرف الثاني المعاهدة أو الاتفاقية)، وهو نفس ما نص عليه دستور 1961 في المادة (46) منه،([47]) فالمواد السالفة نصت على أن للمعاهدة المصادق أو الموافق عليها سلطة أعلى من سلطة القوانين ولم تفصل في نوع هذه القوانين هل هي عادية أم دستورية؟ مما يعني حتمية وجود خلاف بين من يفسر كلمة قوانين على ([48])أنها القوانين العادية فقط، وبالتالي فالمعاهدة بهذا التفسير تسمو على القوانين العادية دون الدستورية. في حين قد يفسرها آخرون أنها تشمل بالإضافة إلى القوانين العادية القوانين الدستورية كذلك، وهو ما يؤدي إلى القول بسمو المعاهدات على القواعد الدستورية والعادية معا، ([49])وبالتالي فالمادة السالفة كان بالإمكان أن تؤدي إلى خلاف بين الفقهاء حول مكانة المعاهدة من القواعد الدستورية، لأن المشرع بهذه المادة لم يحسم بشكل قاطع مكانة المعاهدة من الدستور، وإن كان تدارك ذلك في المادة ((79 من دستور 1991، التي تتضمن أحكاما يمكن أن تساعد على معرفة مكانة المعاهدة من الدستور، إذ الواضح من نصها أن المشرع الموريتاني قال بتعديل الدستور في حالة مخالفة مقتضياته لأحكام معاهدة ترتبط بها موريتانيا لتتلاءم هذه المقتضيات مع نصوص تلك المعاهدة، وقد جاء نص المادة كما يلي: "إذا ما أعلن المجلس الدستوري بناء على طلب من رئيس الجمهورية، أو رئيس الجمعية الوطنية، ، أن التزاما دوليا يتضمن بندا مخالفا للدستور توقف الترخيص في تصديق هذا البند أو الموافقة عليه ما لم تقع مراجعة الدستور".([50])
وإن كان عدم اعتراف دولة معينة بسمو القانون الدولي في مجالها الداخلي، يؤدي إلى التزام المحاكم بتطبيق قانونها الوطني، وإن تعارضت قواعده المناسبة([51]) مع قواعد القانون الدولي أو أدى ذلك التطبيق إلى تعريض الدولة المعينة في هذه الحالة إلى المسؤولية الدولية، وفقا لقواعد القانون الدولي، وأيا كان الأمر فإن هذه المشكلة المرتبطة بها والخاصة بنظرية كل دولة، لا تثور في حالة ما إذا كانت المحكمة المختصة قد أنشأت طبقا للقانون الدولي. ([52])
ومع ذلك فإن تحديد وجود تنازع بين قانون وطني معين والقانون الدولي لا يمكن التوصل إليه إلا إذا تحددت أولا القواعد المناسبة في القانونين، وتم تفسيرها لذلك وعلى سبيل المثال، وجدت المحكمة الدائمة للعدل الدولي، في قضية المصالح الألمانية في سيليزا العليا البولندية، سنة 1926، أنه من الضروري أن تأخذ على عاتقها تفسير القانون البولندي المعني، لكي تحدد ما إذا كانت بولندا قد تصرفت عند تطبيقها لهذا القانون، وفقا لالتزاماتها الدولية في مواجهة ألمانيا أم لا. ([53])
وبالتالي فإن الأحكام التقليدية والعادية في القانون الدولي تسمو على القوانين المحلية التي سنت شرط أن لا تخالف دستور 92. أما في فرنسا فقد نصت المادة (55) من دستور 1958 على أن "المعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها تكون لها سلطة أعلى من القوانين وذلك بمجرد نشرها".([54])
ويلاحظ أنه عندما يكون التنازع المدعي بين قانون داخلي، ومعاهدة كما هو الحال في القضية المشار إليها سلفا، فإن تحديد وجود تنازع بين القانونين يعد أمرا سهلا نسبيا، وليس الحال كذلك، في حالة التنازع بين قاعدة قانونية داخلية وقاعدة عرفية دولية، أو مبدأ قانوني عام معترف به من الدول المتمدنة، (المستقر دستوريا)وعلى الرغم من صعوبة إثبات وجود مثل هذه القاعدة أو المبدأ فإن المحكمة الدولية تطبق ببساطة في بعض القضايا قاعدة دولية، معينة باعتبارها قاعدة مستقرة من قواعد العرف الدولي([55])، أو مبدأ عام معترف به بيد أنها ترفض في قضايا عديدة أخرى الدعاوي المؤسسة على قواعد عرفية، استنادا إلى عدم وجود رأي فقهي، أو أن السلوك الدولي، أوصته الضرورة السياسية أو بعض الاعتبارات الأخرى، وليس وليد الحاجة القانونية.([56])
في هذه الحالة تطبق المعاهدة المخالفة للقانون مباشرة لأن الدستور نص في المادة :80 منه على أن المعاهدات تسمو على القانون، كما رأينا في إطار حديثنا عن النظام الداخلي الموريتاني، ومثال ذلك أنه إذا تبين أن هناك قانونا صدر مطابقا للدستور، ولكنه غير مطابق لمعاهدة نافذة في النظام الموريتاني التي تدخل في إطار المادة (36) أو المادة (79) المشار إليها آنفا.
ولنفترض في هذا الإطار أنه عرض نزاع على القاضي الوطني، تمسك أحد أطرافه بالمعاهدة النافذة والمخالفة للدستور، وتمسك الطرف الآخر بالقانون النافذ هو كذلك والمطابق للدستور عكس المعاهدة، فالقاضي في هذا النزاع مجبر على تطبيق المعاهدة على الرغم من مخالفتها للدستور، وعدم تطبيق القانون المطابق للدستور ([57]).بغض النظر عن كونه سابقا أو لاحقا على المعاهدة، لأن المادة (80) من الدستور نصت على أن المعاهدات تعلو على القانون، وذلك فور تصديقها، ونشرها، بل أنه بالرجوع إلى المادة(79) نجد أن المعاهدة تعلو حتى على الدستور نفسه، لأنه ما دامت هذه المادة أي المادة(79) تحدثت عن إمكانية تعديل الدستور المخالف للمعاهدة فهي بالتالي تسمو عليه خصوصا أن الدستور لم يخول القاضي النظر في دستورية معاهدة ما، بل خول للمجلس الدستوري وحده النظر في دستوريتها بعد إخطاره من الجهات التي يفترض في هذه الحالة أنها لم تقم بذلك الإخطار، كما أنه -أي الدستور- لم يخول الأفراد الحق بإخطار([58]) المجلس بمعاهدة للنظر في مدى دستوريتها، والنتيجة من كل ما سبق أنه قد توجد في موريتانيا معاهدات تطبق وهي مخالفة للدستور، في حين نجد قوانين مطابقة له ولا يتم تطبيقها، إذا تعارضت مع المعاهدة النافذة وتتجلى فاعلية سمو القانون الدولي عندما يوجد تعارض بينها وبين أي نظام عام داخلي؛ وعندما تكون القاعدة المقررة من قبل القانون الدولي مناقضة لقاعدة النظام العام المقررة في القانون الداخلي واجب التطبيق. ([59])
ويذهب االبعض إلى أن استبعاد تطبيق القانون الوطني الذي من ضمنه النظام العام المنتمي إليه من قبل المحكم الدولي يشكل مساسا بسيادة الدولة التي صدر عنها هذا القانون على أن الرأي الذي استقر هو تطبيق قواعد القانون الدولي في إطار المنازعات([60]).
البترولية الدولية والتي تستوجب تطبيق مبدأ التسلسلية ([61]) بصدد التناقض بين قواعد النظام العام عبر الدولي والنظام العام الداخلي أو الدولي بمفهوم القانون الدولي الخاص المنتمي لقانون الدولة التي تتعارض أحكامه مع النظام العام.
وقد أوضحت المحكمة العليا الأمريكيـــــــة في قضية Sabbatin، أن هناك قوة للقرارات الصادرة مــــــن المحاكم الدولية ومحاكم التحكيم، ومؤدى هذه القرارات فضلا عما تعبر عنه الحكــــومات الوطنية، وما يدور في التعليقات من وجهات نظر أن أخذ الدولة أموال شخص أجنبي "الخاصة" وحقوقــه العقدية، يعد عملا غير مشروع طبقا للقانون، إذا لم يكن لغرض عام (أو إذا كان يتسم بالتميز)، أو لم ينص على تعويض حال وكاف وفعال وأضافت المحكمة أنه "على الرغم من أن الدول الشيوعية، قدمت في الواقع قدرا من التعويضات بعد مجهودات دبلوماسية، إلا أنه من الشائع اعترافها بعدم وجود التزام على الدولة الآخذة بمثل هذه التعويضات، واستطردت المحكمة مشيرة إلى آراء الدول المختلفة قائلة: "تساءل بعض ممثلي الدول حديثة الاستقلال والمتخلفة عما إذا كانت القواعد التي تنظم مسؤولية الدولة، تجاه الأجانب يمكن أن تلزم الدولة التي لم توافق عليها، وذهبوا إلى القول بأن المعايير التقليدية التي تحكم نزع الملكية تعكس المصالح الإمبريالية، وتعد غير مناسبة لظروف الدول".
في هذا السياق، قد يؤدي التعارض بين قواعد التطبيق الضروري الداخلية والنظام العام عبر الدولي الذي يشكل فلسفة قواعد ذات تطبيق ضروري في التجارة الدولية وفي التحكيم الدولي جملة من الإشكاليات، من ضمنها إشكالية المفاضلة والتضحية بهذا النظام أو ذاك ولكل الحلين نتائج غاية في الخطورة([62]).
فإذا طبق المحكم مثلا قواعد النظام العام في التجارة الدولية قد يصطدم بعدم فاعلية الحكم في دولة التنفيذ في الحالة التي يتعارض فيها النظام العام عبر الدولي مع النظام العام الدولي في دولة التنفيذ، وعلى العكس من ذلك، إذا ركز على هاجس التنفيذ قد يخل بمبادئ الشرف والأمانة وغيرها من مبادئ ومقتضيات النظام العام في التجارة الدولية([63]).
على الرغم من أن الاعتراف بسمو القانون الدولي على إرادة الأطراف يعتبر مساسا بسيادة الأطراف في العملية التعاقدية، أي مساسا بإرادتهم التعاقدية، إلا أنه من غير المعقول إعطاء الأطراف الحرية بالتعاقد على حساب النظام العام عبر الدولي، فمصالح الأطراف المتعاقدة في ميدان الاتفاقيات البترولية تسقط وتهمل أمام ضرورات الحفاظ على المصالح التي يجسدها ويؤمنها القانون الدولي، وبالتالي يكون للمحكم مبررا في تطبيق قواعد هذه الأخيرة واستبعاد إرادة الأطراف المخالفة، علما أن ذلك يفيد أكثر في عملية تقرير احترام المحكم لقواعد النظام العام في بلد التنفيذ.
فغاية القانون الدولي ليس الحفاظ على مصالح الأطراف المتعاقدة فقط، بل على مصالح مجتمع التجارة الدولية كذلك ، انطلاقا من استقلال اتفاق التحكيم، والاعتراف للمحكمين بسلطة تطبيق وزجر التصرفات المخالفة للنظام العام عبر الدولي ([64]).
وفي هذا الصدد، فالمحكم مدعو أن يكون حارس النظام العام في التجارة الدولية من خلال ترسيخ مبادئه، والعمل على صيانته، وهو ما جعل بعض الأستاذة (مان )يصف دور المحكم بدور النحلة، التي يضرب بها المثل([65])في التفاني في العمل، وإذا كان الفقه والعمل التحكيمي ([66])، قد أقرا القانون الدولي وسموه، يبقى البحث عن موقعه ووظائفه في مجال الاتفاقيات البترولية الدولية. ([67])
وبالتالي اكتسي سمو القانون الدولي شهرة كبيرة خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى، وظهور الاستثمارات البترولية الدولية والمنازعات الناتجة عنه بل زادت هذه الشهرة أكثر بعد الحرب العالمية الثانية وامتداد القانون الدولي لعلاج الكثير من المشاكل التي كانت مقصورة على القانون الداخلي و كما تخضع الدولة في نشاطها الداخلي للقانون الداخلي يجب عليها الخضوع للقانون الدولي عندما يكون هذا القانون واجب التطبيق في المجال الداخلي، لأنه يعتبر نشاطا قانونيا مثله مثل نشاطها الآخر الخاضع للقانون الداخلي وعندما تتعارض قاعدتان متصارعتان من أجل حكم موضوع واحد، أو علاقة واحدة يجب تغليب قاعدة القانون الدولي وإعطائها الأولوية على غيرها من القواعد الوطنية حتى لا تترتب مسؤوليتها الدولية، وحتى لا يكون التخفي وراء أحكام القانون الداخلي وسيلة سهلة للتنصل والتخلص من الالتزامات الناشئة عن"نشاطها" في المجال الخارجي، أي في دائرة الجماعة الدولية التي تنتمي إليها بحكم عضويتها في تلك الجماعة وفي الأخير نشير إلى موقف اتفاقية أفينا لقانون المعاهدات([68]) إذ نصت المادة (27) من اتفاقية أفينا لسنة 1969 على أنه مع عدم الإخلال بنص المادة 46، لا يجوز لطرف في معاهدة أن يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذ هذه المعاهدة" (81)
خلاصة
وخلاصة القول أن القانون الدولي يقوم بالدور الرئيسي في حل مشكلات استغلال الثروة البترولية حيث إنه القانون المناسب للتطبيق على العقود البترولية التي تبرم بين الدولة والطرف الأجنبي باعتبارها عقوداً دولية.
ويكون القانون الدولي العام بمصادره المتعددة بما فيها أعراف التجارة الدولية هو القانون واجب التطبيق في حالة إغفال الطرفين تعيين القانون واجب التطبيق على النزاع لاسيما أنه القانون المناسب لتحقيق مصالح جميع الأطراف حيث إنه يتسم بالعالمية التي تجعله صالحا لحماية مصالح جميع الدول والأشخاص التابعين لهذه الدول، على قدم المساواة بصرف النظر عن جنسيتهم أو مراكزهم القانونية في العقد
In conclusion, international law plays the main role in resolving the problems of exploiting petroleum wealth, as it is the appropriate law to apply to petroleum contracts concluded between the state and the foreign party, as they are international contracts.
Public international law, with its various sources, including international trade customs, is the applicable law in the event that the parties fail to specify the applicable law to the dispute, especially since it is the appropriate law to achieve the interests of all parties, as it is characterised by universality, which makes it suitable for protecting the interests of all countries and persons belonging to these countries, on an equal footing, regardless of their nationality or legal status in the contract.
([2]) - محمود الكيلاني :" الموسوعة التجارية ، عقود التجارة الدولية في مجال عقد نقل التكنلوجيا "مجلد 1 ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2008ص28
([4]) - محمد عبد المجيد إسماعيل:" القانون العام الإقتصادي والمتغيرات التشريعية الجديدة المتعلقة بالتحكيم "(مرجع سابق)، ص61
([6]) - حفيظة السيد حداد:" العقود المبرمة بين الدول والأشخاص الأجانب، دار المطبوعات الجامعة" الإسكندرية، ص:18
-([8]) خالد محمد القاضي:" موسوعة التحكيم التجاري الدولي" في منازعة المشروعات الدولية المشتركة مع إشارة خاصة لأحدث أحكام القضاء المصري، دار الشروق، 2002، ص61.
([11]) - صفوت أحمد عبد العظيم " دور الاستثمار الاجنبي في تطوير احكام القانون الدولي الخاص ", دار المطبوعات الجامعية , الاسكندرية , 2005 , ص 20
([12]) - احمد محمد عبد البديع شتا: "شرح قانون التحكيم، دراسة مقارنة وفقاً لآراء الفقه وأحكام القضاء ومراكز التحكيم العربية والدولية"، ط4، دار النهضة العربية، القاهرة، 2009 ص14
([13]) - قمر عبد الوهاب :"التحكم في منازعات العقود الإدارية في القانون الجزائري" دار المعرفة، الجزائر، 2009، ص97
([14]) - قحطان عبد الرحمن الدوري: "عقد التحكيم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، "دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2002ص14
([15]) - الأمين أشريط: "الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة" ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، سنة 1998، بدون ذكر الطبعة، ص140.
([16]) - مهيدب إبراهيم المهيدب:" تطور أنظمة التحكيم في عهد خادم الحرمين الشريفين" النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود، 2003 ص19
([18]) - وليد محمد عباس:" التحكيم في المنازعات الإدارية ذات الطبيعة التعاقدية، "دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية 2010، ص3
([19])- هاني محمود حمزة:" النظام الواجب الاعمال على العقود الدولية امام المحكم الدولي" ط1, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, 2008, ص15
([20])- منير عبد المجيد: "الاسس العامة للتحكيم الدولي والداخلي "،منشاة المعارف، الاسكندرية، 2000.ص13
([26]) - جمال محمود الكردي: "قانون عقود بيع الأسلحة في نطاق دولي"، دار الجمعية الجديدة للنشر، الاسكندرية 2008، ص 16.
([27]) - بشار محمد الأسعدي: "عقود الاستثمار في العلاقات الدولية الخاصة، ماهيتها" ( مرجع سابق)، ص : 33.
([30]) - ففي التحكيم المذكور ذهب المحكم "دوبي" مستندا إلى الشرط المذكور إلى إقامة نوع من التدرج بين قواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الداخلي، فالقانون الليبي يمكن إعمال أحكامه مادامت متسقة مع مبادئ القانون الدولي العام فإذا حصل تعارض فيتم استبعاد القانون الوطني المختص أصلا لتحل محلها قواعد القانون الدولي العام.
([31])- حسام التلهوني:" مدى إلتزام المحكم بمراعاة النظام العام في منازعات التجارة الدولية، "بحث منشور في مجلة التحكيم العالمية، العدد الثالث، تموز وليو)، بيروت، 2009، ص 23
([32]) - قاسم عبد الحميد: "تنفيذ الاحكام الاجنبية وفق القانون الاردني والاتفاقيات الدولية" ط1، دار وائل للنشر، عمان، 2003.ص20
([36]) - المستشار ميلاد سيدهم،:"جواز الإتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية "والمختص به بعد العمل بالقانون رقم 9 لسنة 1997، بحث منشور في مجلة هيئة قضايا الدولة، العدد 4 السنة السابعة والأربعون أكتوبر- ديسمبر 2003، ص11
([39]) - محمد ناصر البجاد، التحكيم في المملكة العربية السعودية، مركز البحوث والدراسات الإدارية، معهد الإدارة العامة، الرياض، -1999 ص140
([40]) - محمد نصر محمد:"الوافي في عقود التجارة الدولية" ط 1، دار الراية للنشر والتوزيع، الأردن، 2013، ص 63.
([41]) - عبد اللطيف فتيحي: "حدود استقلالية التحكيم التجاري الدولي عن النظم القانونية الوطنية" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث أنظمة التحكيم، جامعة محمد الخامس –السويسي- كلية الحقوق سلا، السنة الجامعية 2006/2007، ص: 18.
([45]) -. صفوت أحمد عبد العظيم ,:"دور الاستثمار الاجنبي في تطوير احكام القانون الدولي الخاص , دار المطبوعات الجامعية , الاسكندرية , 2005 , ص 2
([49]) - عائشة واسمين: "القانون الدولي العام"، مطبعة النجاح الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2005، ص: 29.
([52]) - عبد الباسط عبد الواسع:" النظام القانوني لاتفاق التحكيم" ط1, المكتب الجامعي الحديث, الاسكندرية, 2005, ص31
([53]) - مراد محمود المواجدة :" التحكيم في عقود الدولة ذات الطابع الدولي" – دراسة مقارنة – دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2010ص88
[55])- عبد الحميد الاحدب:" موسوعة التحكيم التجاري الدولي" ( مرجع سابق)، ص : 12(
[58])- بشار محمد الاسعد : ( مرجع سابق)، ص : 63(
([59]) حسن بغدادي:"رأي القانون الواجب تطبيقه في شأن صحة شرط التحكيم وقرارات هيئات التحكيم وتنفيذها "( مرجع س)، ص : 94
([61]) - التطبيق الأمثل لهذه التسلسلية يتجسد من خلال القرارات التحكيمية والاجتهادية الخاصة بأهلية الدولة والأشخاص العموميين باللجوء إلى التحكيم والتي تم فيها استبعاد أحكام القوانين الداخلية التي تحضر عليها اللجوء إلى التحكيم أو تلك الخاصة باستبعاد القانون الفرنسي القديم الذي كان يجيز للشركات الفرنسية التمتع بخصم ضريبي عن المبالغ التي تدفعها خارج فرنسا بصورة رشوة أو عمولات في سبيل الحصول على صفقات تجارية، فاستبعاد مثل هذه القواعد لا يتم إلا عبر الاعتراف بسمو النظام العام عبر الدولي وترجيحه على قواعد النظام العام الداخلية.
([63]) - أصبح المجتمع التجاري الدولي يعي بتأثير الامتناع عن التنفيذ الاختياري على مصالحهم بالدرجة الأولى وعلى مصالحهم التجارية الدولية، وهذا ما يفسر كون 90% من قرارات التحكيم تنفذ اختياريا. هذا بالإضافة إلى تطور وسائل الإجبار في التجارة الدولية وان كانت تختلف عن الوسائل التقليدية فإنها أكثر فاعلية وملاءمة للمعاملات التجارية الدولية لأن من شأن اتخاذها ضد أحد المتعاملين في التجارة الدولية التأثير سلبا على سمعته التجارية، وبالتالي تدهور مكانته في سوق التجارة الدولية.
CHEDLY LOTFI: "Arbitrage commercial international et -ordre public transnational" C.P.U Tunis.2002p75
1. ([64]) - FADLALLAH IBRAHIM:" l’ordre public dans les sentences arbitrales". R.C.A.D.I, 1994
p: 398
([65]) - l’arbitre international comme l’abeille fait son miel de toutes les fleurs qu’il trouve sur son chemin…».
PIERRE LALIVE": l’arbitre international est les principes UNIDroit" - Tome 1998 ،p51
([66]) - أشار المحكم في قضية بين شركة HILMARTON وشركة OTV بشكل صريح للنظام العام عبر الدولي، وتتلخص وقائع هذه القضية كون الشركة الفرنسية OTV كانت ترغب بالمشاركة بمناقصة دعت إليها السلطات الجزائرية لتطوير وتحديث مدينة الجزائر، وذلك سنة 1980، فأبرمت لهذه الغاية عقدا مع شركة تعهدت من خلاله هذه الأخيرة بتقديم الاستشارات الاقتصادية والضريبية وبالتنسيق في النطاق الإداري بين المشاركين في تنفيذ المشروع وذلك لقاء مبلغ حدد ب 4% من القيمة الكلية للصفقة. بعد فوز شركة OTV بالصفقة سنة 1983 دفعت لشركة HILMARTON نصف الأتعاب المستحقة، وامتنعت عن دفع النصف الثاني عند استحقاقه في العام التالي، متذرعة بأخطاء ارتكبتها شركة HILMARTON، ما دفعها إلى التدخل مباشرة ودفع مبالغ للممثلين المحليين بغية إزالة العوائق التي إعترضتها أثناء التنفيذ. عمدت شركة HILMARTON إلى إعمال بند التحكيم الوارد في العقد وطالبت بمستحقاتها، فدفعت شركة OTV ببطلان العقد، لمخالفته القانون الجزائري الصادر سنة 1987 الذي يعطي للدولة الحق في احتكار التجارة الخارجية وحظر اللجوء إلى الوسطاء والسماسرة، وذلك رغم اتفاقهما في العقد على تطبيق القانون السويسري عليه.مما دفع بهيئة التحكيم إلى القضاء بأن العقد المبرم بين الشركتين يخالف القانون الجزائري سنة 1987، الذي يحارب استغلال النفوذ وهو هدف يتفق عليه القانون الجزائري مع غالبية القوانين الأوروبية، وبالتالي يعد مخالفا للنظام العام.
أورده: إياد محمود بردان: التحكيم والنظام العام( مرجع سابق)، ص : 628.
([67]) - Sentence C.C.I. rendue à Genève dans l’affaire no.5622 on 1988.Extrait in Rev.arb.1993. p: 327
=أورده: إياد محمود بردان: التحكيم والنظام العام، ( مرجع سابق)، ص : 68.
([68]) - تفاقية فينا لقانون المعاهدات تم عتمادها من قبل المؤتمر الأمم المتحدة بشأن قانون المعاهدات الذي عقد بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2166 المؤرخ 5 ديسمبر 1966، ورقم 2287 المؤرخ في 6 ديسمبر 1967، وقد عقد المؤتمر في دورتين في فيينا خلال الفترة من 26 مارس إلى 24 مايو 1968 وخلال الفترة من 9 ابريل إلى 22 مايو 1969، واعتمدت الاتفافية في ختام أعماله في 22 مايو
من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله