الجهود التشريعية والآليات الوطنية لحماية حقوق الطفل - رشيد أبضار





الجهود التشريعية والآليات الوطنية لحماية حقوق الطفل

رشيد أبضار

باحث في سلك الدكتوراه، تخصص القانون العام والعلوم السياسية، جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية

 

Legislative efforts and national mechanisms to protect children's rights

Rachid AYDARR

 

الملخص بالعربية:

شهد العالم، خاصة بعد الحروب الاستعمارية والحربين العالميتين، اهتمامًا متزايدًا بحماية حقوق الإنسان، لا سيما حقوق الطفل. وقد أدى ذلك إلى تأسيس منظمات وإصدار اتفاقيات دولية مثل إعلان جنيف 1924، واتفاقية حقوق الطفل سنة 1989. وعلى غرار هذا التوجه الدولي، انخرط المغرب في هذا المسار من خلال المصادقة على الاتفاقيات الدولية وملاءمة تشريعاته الوطنية مع مقتضيات حماية حقوق الطفل. وتهدف هذه الدراسة إلى استعراض الإطار القانوني الوطني المتعلق بحقوق الطفل، من خلال تحليل الجوانب التشريعية والوقوف على دور الآليات والمؤسسات المكلفة بتنفيذ هذه الحماية.

الكلمات المفتاحية بالعربية: حقوق الطفل - الحماية القانونية - اتفاقية حقوق الطفل - المؤسسات الوطنية - المواءمة التشريعية - حقوق الإنسان- الآليات القانونية -  حماية الطفولة.

 

Summary in English:

Following the colonial wars and the two World Wars, the international community increasingly prioritized the protection of human rights, particularly children's rights. This led to the establishment of organizations and the adoption of several international instruments, such as the 1924 Geneva Declaration and the 1989 Convention on the Rights of the Child. In line with this global trend, Morocco has ratified key international agreements and adapted its national legislation to align with child protection standards. This study aims to examine the national legal framework for the protection of children's rights, focusing on legislative provisions and the role of national institutions and mechanisms in ensuring such protection.

Keywords in English: Child rights - Legal protection -- Convention on the Rights of the Child- National institutions - Legislative harmonization - Human rights - Legal mechanisms - Child protection

المقدمة

لقد شهد العالم مجموعة من التحولات في شتى المجالات التي تهم الإنسان منها الاقتصادية والصناعية والإجتماعية والفكرية وحتى السياسية، وبالخصوص في ما يتعلق بالديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية التي تعتبر من أرقى الانجازات التي توصل إليها العصر الحديث من أجل الرقي بالحضارة الإنسانية وتكييفها مع التعايش السلمي والقيم المثلى المتعارف عليها كونيا التي تضمن بقاء الكيان الإنساني واستمراريته.

كما أن فكرة الحقوق  ولا سيما حقوق الطفل لا يمكن المرور عليها  إلا بإلقاء نظرة على الحضارات القديمة التي تميزت حقبها التاريخية، بغياب الضمير الإنساني في العلاقات الاجتماعية الانسانية، إذ كانت تنتشر فيها كل أنواع القتل والظلم والاستبداد والعبودية، مما يطال الأطفال والنساء، لتجعل منهم عبيدا وخدما، فكانت المعتقدات السائدة والخرافات آنذاك تسيطر على كل شؤون الحياة المجتمعية، حيث يتم قتل الأطفال وجعلهم قربانا للآلهة ، وأيضا يتم أود البنات  حفاظا على كرامة القبيلة ، وخوفا من الإذلال والمس بالعار والشرف ، مما يعتبر انتهاكًا خطيرًا لكل هذه الحقوق.

إذ لم يتم التخفيف عن تلكم الممارسات اللاإنسانية إلا بعد تشييع القيم الدينية ولا سيما في أول الأمر في الديانة المسيحية التي أكدت على ضرورة منح الكرامة الإنسانية وعدم إذلالها والحط من قيمة الإنسان إراضاء للرب، ففيما يخص المساواة والعدل بين الجنسين.

وانطلاقا من مبدأ قداسة الإنسان وحفظ كرامته فإن الله تعالى قد خلق الإنسان على صورته وباركه من دون أي تمييز سواء كان ذلك بين الذكور أو الإناث، بحيث جاء في الإنجيل: ” فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى خلقهم[1]ذكرا وأنثى خلقه وباركه[2] ،وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الحقل الديني كان له دور أساسي في إبراز هذه الحقوق، التي منحت الإنسان بطبيعته، وهي مجموعة من الحقوق أولها الحق في الحياة والحرية وغيرها..

وقد تغير الوضع مع فجر الإسلام وأصبح للإنسان حيزا من الاهتمام والكرامة، كما يظهر ذلك من قوله تعالى "(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)"،   ومن قول محمد عليه السلام أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى،  مما يتجل صراحة مع هذا أنه عليه السلام قد عمل على إشاعة العدل والإحسان والفضيلة  والتعايش السلمي، وأن العمل الصالح وهو الفيصل والمعيار الوحيد الذي يميز بين البشرية.

فكان الحقل الديني هو بمثابة اللبنة الأساسية في الدفع بعجلة قضايا حقوق الإنسان والحريات الأساسية من الركود إلى الحركة بحيث أصبحت من الحقول المعرفية المهمة التي عرفت تراكمات علمية ومعرفية أدت ولا زالت إلى تزايد الانتاجات العلمية والفكرية في التنظير والتأصيل القانوني والسياسي لقضايا حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والعمل على حمايتها وصيانتها من الانتهاكات والخروقات التي طالتها في ما مضى من الزمن القديم، بحيث أن الحقوق والحريات  تعد من أبرز العناصر والركائز الأساسية التي تقاس بها الدمقراطية في النظام السياسي من عدمها  وهذا ما جعلها بالأساس بارزة في المواثيق العالمية، والإقليمية وحتى في التشريعات المحلية.

فمع ظهور الدولة الحديثة، وظهور المؤسسات السياسية، والتي لم تعرف الأدوار المنوطة بها  إلا بعد نشوء صراعات وحروب  دولية، كالحروب الاستعمارية الأوروبية في افريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، وما خلفته من خسائر بشرية التي لم يسلم منها حتى الأطفال، بالإضافة إلى الحربين العالميتين الأولى، والثانية، وهذا ما دعت إليه المنظمات الدولية والإقليمية إلى التفكير بوضع قوانين تحمي الإنسان عامة والطفل على وجه الخصوص.، ففي سنة 1920 تأسس الاتحاد الدولي لمساعدة الأطفال ،كما أصدرت الجمعية العامة لعصبة الأمم إعلان جنيف 1924، ثم توالت بعدها الاتفاقيات الدولية التي تهتم بحقوق الأطفال.

إلا أنه لوحظ بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، نقص في القواعد التي تكرس الحماية القانونية للطفل، وهذا ما دفع بالمنتظم الدولي لبذل جهود إضافية من أجل  إقرار قواعد جديدة تهتم بحقوق الطفل، وقد تضمنتها اتفاقيات جنيف لسنة 1949، وكذا إعلان الأمم المتحدة لحقوق الطفل في سنة 1959 ، والتي تعززت بعد إبرام البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف سنة 1977، لتتوج هذه الجهود بإبرام اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989، بالإضافة إلى  إبرام بروتوكول اختياري ملحق باتفاقية حقوق الطفل لسنة 2000  بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة.

وعلى غرار اهتمام المجتمع الدولي بحقوق الطفل، فقد انعكس ذلك إيجابا على مختلف التشريعات والقوانين الداخلية، ومن بينها المغرب بحيث عمل من خلال مصادقته على الاتفاقيات الدولية في هذا المجال وعلى ملائمة القوانين والتشريعات مع هذا التوجه العالمي، وذلك من خلال إقرار حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق الطفل بشكل خاص.

وبناء عليه سنتطرق في هذا الدراسة للإطار القانون الوطني الراعي لحماية حقوق وحقوق الطفل بشكل خاص باعتبار هذا الشق هو المنوط بهذه الدراسة المتواضعة وذلك من خلال الوقوف على المستوى التشريعي (المبحث الأول)، ثم استحضار أهم الآليات والمؤسسات التي كرسها التشريع المغربي للعمل على حماية حقوق المكفولة للطفل، (المبحث الثاني).

المبحث الأول: حماية حقوق الطفل على المستوى التشريعي

يحظى الدستور في النظام السايسي المغربي بمكانة الصدارة بالنسبة لسائر القوانين، إذ ينص على القواعد الأساسية، التي تقيد المشرع عند وضعه للتشريعات الوطنية، ومن بين القوانين التي يحرص الدستور على ضرورة التنصيص عليها، ويتعين على جميع السلطات الحاكمة احترام نصوصه، والتزام حدوده، والتصرف في النطاق الذي يرسمه، لذلك فهو يعتبر بمثابة الضمانة الأساسية لاحترام حقوق الفرد بوجه عام، وحقوق الطفل بوجه خاص.

المطلب الأول: الاعتراف الدستوري بكونية حقوق الانسان

لقد أخذ المشرع الدستوري بالتصريح على ضرورة الاعتراف بكونية حقوق الإنسان، والالتزام بمضمون المواثيق الدولية، وذلك باحترام وتطبيق مقتضياتها، كما هي متعارف عليها عالميا، حيث تستدعي مسألة ملاءمة التشريع الوطني للآليات الدولية لحقوق الإنسان اتخاذ الدول الأطراف لمجموعة من الاصلاحات التشريعية لإعطاء الأولوية للقواعد الدولية، وتفعيل سموها لضمان احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان[3]. لأن الهدف الأساسي من عملية دسترة حقوق الإنسان هو جعل التشريع الوطني مواكبا للمعايير الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان وتعديل القوانين الأساسية والعادية التي تتعارض مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بكل أصنافها ومنها حقوق الطفل، وحرصا من المشرع الدستوري على تحقيق الغاية الأساسية من تثبيت فكرة حقوق الإنسان في الوثيقة الدستورية وتعزيز حمايتها، كان لزاما العمل على استحضار المراحل التي مرت بها التجربة الدستورية المغربية وتطورها في مجال تعاملها مع التنصيص على حقوق الإنسان والحريات الأساسية، مما يقتضي الوقوف على مضمون الوثائق الدستورية  لكل من دستور 1962، 1970، 1972، (الفقرة الأولى) ثم دساتير 1992. 1996. 2011 (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: دساتير 1962.  1970 . 1972.

إن المستقرء والمتتبع للنصوص الدستورية للوثائق الأولى الثلاث يلحظ بأنه دستور 1962 هو قد أفرد في بابه الأول مجموعة من الحقوق لصالح المواطنين، بحيث سار على منهاج ما تضمنه العهد الملكي لسنة 1958 الذي جاء في شكل الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد الخامس، وأيضا ما تضمنته مدونة الحقوق والحريات العامة، وكذا القانون الأساسي للملكة لسنة 1961.

أما  فيما يخص دستوري 1970 و 1972 لم يأتيا بجديد في هذا المجال، ولم تغير من طبيعة الحقوق والحريات فقد اكتفت بما ورد في دستور1962،   وبأنها  خالية من أية مقتضيات صريحة تحدد طبيعة المقاربة الخاصة بإدماج الاتفاقيات الدولية في القانون الوضعي المغربي، وذلك بشكل محتشم متجنبة التعرض للاتفاقيات الدولية، ولاسيما اتفاقيات حقوق الانسان، باستثناء ما جاء في الفصل 31 من دستور 1972، فيما يخص توقيع وتصديق الملك على المعاهدات الدولية، مع استثناء تلك التي تترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولية، والتي لا يصادق عليها إلا بعد موافقة مجلس النواب، أو فيما يعود بالمسطرة المتعلقة بالمصادقة على المعاهدات المتعارضة مع الدستور، والمتمثلة في المسطرة المتبعة عند إقرار تعدليه[4]،

الفقرة الثانية: دساتير 1992. 2011.1996

لكن مع مراجعة دستور 1992، سيعرف موقف الدستور المغربي تحولا جذريا في اتجاه إبراز موقف أكثر وضوح من إشكالية إدماج الاتفاقيات الدولية، حيث شكلت آنذاك هذه المراجعة الدستورية، انفتاحا دستوريا لافتا وغير مسبوق في التاريخ الدستوري المغربي على القانون الدولي الاتفاقي لحقوق الإنسان؛ نتيجة تصاعد نضالات المجتمع المدني، وباقي القوى السياسية للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، إذ نص دستور 1992 في ديباجته على أن "...المملكة المغربية... تؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا". فالديباجة بهذه العبارات المضافة إليها، والتي تم التأكيد عليها في دستور 1996، تكون قد تخلت عن الإدماج الضمني للمقتضيات الدولية واختيارات الإدماج الصريح[5]، وجعلت احترام حقوق الإنسان من المبادئ الأساسية التي يلتزم بها الجميع وتطبق في مواجهة الجميع، لكونها التزامات سامية ملزمة للجميع[6].

ويمكن استخلاص أن المرجعية الدولية لحقوق الانسان كانت حاضرة في كل الوثائق الدستورية المغربية، لأن الدولة الديمقراطية الحقة هي الدولة التي تكفل لأفرادها من مواطنين وأجانب، الحد المطلوب إنسانيا من حقوق وحريات، حيث تعمل على كفالة ذلك في نصوص دستورها باعتباره الوثيقة القانونية الأساسية فيها، كما لابد لها أن تلتزم بالمعاهدات الدولية المتعلقة بهذه الحقوق والحريات إن اختارت الانضمام إليها، وعليها عند ذلك أن تقرر المكانة المناسبة لنصوص هذه المعاهدات بالنسبة لقانونها الداخلي[7].

غير أن الحدود الدستورية للالتزامات الدولية للمغرب أثارت عدة إشكالات ترتبط أساسا بمدى ملاءمة النص القانوني مع أحكام الاتفاقية الدولية، فرغم المراجعة الدستورية لسنة 1996، إلا أنها لم تقطع مع حالة الغموض التي لفتت هذا الموضوع[8]،حيث ظلت الحالة قائمة مع غياب الحل الدستوري لهذه الإشكالية إلى أن تم الإعلان عن ميلاد دستور جديد..

الذي جاء في سياق الحراك الذي شهدته المنطقة  العربية  والمغاربية من ثورات تستهدف إصلاح الأنظمة السياسية، والذي عرف المغرب بدوره ما سمي بحراك 20 فبراير وعلى إثر هذا المشهد فقد أعلن الملك محمد السادس في خطابه ليوم 09 مارس 2011، عن قرار المراجعة الدستورية، وفي خطاب جلالته ليوم 17 يونيو2011 الموجه إلى الشعب المغربي، وتم الإعلان عن ميلاد دستور جديد متضمن للجانب المتعلق بحقوق الإنسان في علاقتها بالاتفاقية الدولية، حيث جاء في تصدير الدستور الجديد: " وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي، فإن المملكة المغربية العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تفتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عالميا".

فالتأكيد الدستوري على سمو الاتفاقيات الدولية مع وجود اشتراطات معينة تفرغ السمو من أي معنى بحسب عدد من المراقبين والمنظمات الحقوقية[9] ،وعدم تحديده الواضح لمرتبة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ضمن التراتبية القانونية الوطنية، وغياب موقفه من التطبيق المباشر للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان[10]، فالإشكالات التي تعترض التكريس الدستوري لحقوق الإنسان في صلب الوثيقة الدستورية، تتجسد في كيفية التوفيق بين معطى ضمان الحفاظ على الأمن والنظام العام، وضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية[11]

غير أن دستور2011 جاء متضمنا لمجموعة من الحقوق في مجال الحريات بصفة عامة، وحقوق الطفل بصفة خاصة ويمكن إبراز أهم هذه الحقوق المتعلقة بالطفل من خلال ما ورد بشكل عام في الفصلين (31و32) من الدستور، فالفصل (31) يشير إلى أنه "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية...". أما الفصل (32) فلم ينص بصريح العبارة على ضمان حقوق الأطفال المزدادين خارج مؤسسة الزواج، كما أن الحق في التعليم الأساسي ينيطه بالأسرة ثم الدولة.

ومما لا شك فيه أن الدستور الحالي، بما نص عليه من مبادئ حقوقية ومؤسسات تروم النهوض بأوضاع الأطفال وأسرهم، إلا أنه كان ينبغي أن يتضمن ضمن بنوده وفصوله فصلا خاصا، حول العمل من أجل ضمان واحترام حقوق الطفل، وأن ضمانات التزام الدولة المغربية بالانضمام إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ترتبط باتخاذ تدابير تشريعية، وإدارية وقضائية لحماية هذه الحقوق وانشاء آليات قانونية ومؤسساتية لتنفيذها[12].

المطلب الثاني: حماية حقوق الطفل على مستوى التشريع العادي

لقد حظيت حقوق الطفل بالعناية اللازمة والمتميزة من طرف المشرع المغربي الذي سن أحكاما خاصة بها في مختلف فروع القوانين العادية، تماشيا مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل باعتباره الحلقة الضعيفة في المنظومة الإنسانية، حيت حيث شملت الإصلاحات التشريعية عدة نصوص قانونية لضمان هذه الحقوق، ويتجلى هذا الاهتمام على مستوى مجموعة من نصوص القانون العادي والإجرائي من أجل ضمانها والعمل على حمايتها ويمكن التفصيل في هذا المطلب وفق الشكل التالي:

1 - قانون كفالة الأطفال المهملين

وعيا من المشرع المغربي للوضعية الصعبة التي يعيشها الطفل المهمل فقد أصدر القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الاطفال المهملين[13]، والذي تناول عموما الوضعية القانونية للطفل المهمل والشروط المطلوبة للتكفل به، كما أنه تطرق إلى الإجراءات التي يجب القيام بها من أجل تسجيله في سجلات الحالة المدنية، مع تحديد آثار الأمر المتعلق بإسناد الكفالة وأسباب انتهائها، حيث يعرف هذا القانون الطفل المهل أنه يعتبر مهملا الطفل من كلا الجنسيين الذي لم يبلغ سنة ثمان عشرة سنة شمسية كاملة إذ وجد في إحدى الحالات التالية : إذ ولد من أبويين مجهولين، أو ولد من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها، إذا كان  يتيما أو عجز أبواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش، أو إذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهه من أجل اكتساب سلوك حسن كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو كان أحد أبويه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه عن رعايته منحرفا ولا يقوم بواجبه المذكور إزاءه[14].

حيث يلاحظ من خلال هذه المادة أن حالات الإهمال وردت حصرا وليس على سبيل المثال فلا مجال للقياس عليها أو اجتهاد القاضي فيها، لأنه لا اجتهاد مع ورود النص، فهذا القانون جاء ليعالج أوضاعا اجتماعية والعمل على وضع حلول قانونية لمعالجة وضعية الأطفال المهملين في المغرب، بل الأكثر من ذلك، فإنه جاء في ظل مناخ دولي يهتم أساسا بحقوق الطفل وحمايته، وخاصة اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب.

2        - قانون الجنسية

إن حماية الطفل من أجل حقه في  الهوية تستدعي أن تمنح له الجنسية بمجرد الولادة، وهذا ما تضمنه قانون الجنسية المغربي الصادر سنة 1958، كما غير وعدل بموجب القانون رقم 06-62 الصادر بتاريخ 23 مارس 2007، وذلك من خلال الفصلين (6 و 7) المتعلقين بإسناد الجنسية الأصلية سواء بالاستناد على معيار رابطة البنوة أو النسب[15]، وذلك من أجل الملاءمة مع المادة (7) من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، والتي بادرت المملكة المغربية إلى التوقيع عليها في اليوم الأول لقبول التوقيعات في 26 يناير 1990 وصادقت عليها في شهر يونيو 1993، ونشرت في الجريدة الرسمية تحت عدد 4440 الصادرة في دجنبر 1996. وتنص المادة السابعة من هذه الاتفاقية على أنه : "يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في الاسم والحق في اكتساب جنسيته، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما".

3 - القانون الجنائي

تشكل المواد من (459 إلى 470) من القانون الجنائي تفعيلا حقيقيا لتجسيد مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل، ولاسيما مضمون المادة (6) من الاتفاقية المتعلقة بإهمال الأطفال وتعريضهم للخطر خاصة و بالخصوص إذا كانون من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن المواد المشار إليها تشكل أيضا تفعيلا للمادتين 32 و 33 من الاتفاقية حيث تعاقب على العمل القسري للأطفال المتمثل في إجبارهم على ممارسة عمل لا يسمح به القانون أو القيام بعمل مضر بصحتهم أو سلامتهم أو أخلاقهم[16].

4- مدونة الشغل

عملت مدونة الشغل على ضمان عدم تشغيل الأطفال تفاديا لكل ما يمكن أن يعيق نموهم الطبيعي، فنصت في مادتها (143) على أنه "لا يمكن تشغيل الأحداث، ولا قبولهم في المقاولات، أو لدى المشغلين، قبل بلوغ سن خمس عشرة سنة كاملة"[17]، كما حرص المشرع على حق الطفل في الرضاعة من خلال المواد من (161 إلى 165) من مدونة الشغل، كما أعطى المشرع للأم الأجيرة الحق في أن تتمتع يوميا، على مدة اثني عشر شهرا من تاريخ استئنافها الشغل إثر الوضع، باستراحة خاصة، يؤدى عنها الأجر، مدتها نصف ساعة صباحا ونصف ساعة ظهرا، لكي تتمكن من إرضاع مولودها خلال أوقات العمل، كما يمنع القيام بكل اشهار استغلالي، يهدف إلى جلب الأحداث لتعاطي المهن الفنية، ويبرز طابعها المربح[18]، كما يمنع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة في أشغال قد تعيق نموهم، أوساهم في تفاقم إعاقتهم، سواء كانت هذه الأشغال على سطح الأرض أوفي جوفها كما ورد في المادة (180) من مدونة الشغل، باعتبار أن المكان الحقيقي للطفل هو المدرسة، حيث اعتبر المشرع التعليم الأساسي إلزامي لجميع الأطفال من 6 إلى 15 سنة كاملة، حيث قام المغرب بتبني القانون 04.00 الصادر بتاريخ 25 ماي 2000، المتمم والمعدل لظهير 13 نونبر 1963 المتعلق بإلزامية التعليم الأساسي[19]، علاوة على كون المغرب طرف في اتفاقية اليونسكو لمناهضة التمييز في التعليم.

5- قانون المسطرة الجنائية:

رفع المشرع المغرب سن الرشد الجنائي في المادة (458) من قانون المسطرة الجنائية إلى 18 سنة، لمعالجة قضايا الأحداث تماشيا مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، حيث اعتبر الحدث الذي يبلغ أقل من 12 سنة عديم المسؤولية الجنائية، واعتبارها مسؤولية ناقصة ما بين 12 و 18 سنة لعدم اكتمال التمييز لديه. فالمشرع المغربي عمل على تضمين ترسانته القانونية بمقتضيات هامة، متعلقة بحقوق الطفل في مختلف التشريعات القانونية، وذلك حفاظا على حقوق هذه الفئة وسيرا مع التطور الكبير الذي عرفته حقوق الانسان على مستوى العالم وذلك من أجل الملاءمة مع المواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع، وخصوصا اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989.

6- مدونة الأسرة

تم تخصيص أربعين مادة في مدونة الأسرة لقضايا الطفولة، عملت على الحفاظ على حقوق الطفل، بإدراج مقتضيات الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب في صلب المدونة[20]، فألزمت في مادتها (54) الأبوين على العمل على تثبيت هوية ونسب أطفالهم، وتوسيع هذه المدونة لوسائل إثبات النسب الشرعي للطفل.

كما أن المادة (156) من مدونة الأسرة جاءت بمقتضيات حمائية جديدة للطفل، حيث نسب الحمل أو الولد المزداد أثناء الخطبة للخاطب إذا توافرت في الخطبة الشروط المنصوص عليها في هذه المادة[21]. ومتى ثبت النسب، أصبح للطفل حسب المادة (157) من هذه المدونة حق في النفقة والإرث. كما أدخل هذا القانون تعديلات مهمة على حق الطفل في النسب، من خلال مادتها (158) وإجبارية تسجيل الأطفال في الحالة المدنية كما جاء في نص قانون رقم 99-37 الصادر بتاريخ 03 أكتوبر 2002 في مادته الثالثة[22].

وأورد المشرع أيضا مجموعة من المقتضيات الجديدة في باب الحضانة، فأخذ بحضانة المؤسسة إذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبلها أو وجدوا ولكن لا تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة (173) من مدونة الأسرة وذلك طبقا للمادة (166)، حيث صدر نظام أساسي لدور الحضانة وذلك بمقتضى القانون 40.04 الذي صدر ظهير شريف بتنفيذه بتاريخ 20 أكتوبر 2008[23]، حيث اهتم هذا القانون بالشروط الواجب توفرها في المؤسسات الخاصة التي تستقبل أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أشهر وأربع سنوات، وخاصة ما يتعلق بالصحة والسلامة، وتجنب كل ما فيه خطر أو ضرر بصحتهم، أو ما يحث على العنف أو الكراهية أو العنصرية أو التمييز[24].

وعلى ضوء ما سبق فإن المشرع المغربي أسوة بغيره حاول مواكبة التشريعات الدولية في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق الطفل بصفة خاصة، لأنهم أكثر الناس ضعفا، وتعرضا لانتهاك حقوقهم، إذ لا يكفي مجرد التنصيص على الحقوق في النصوص القانونية الوطنية، بل لا بد من تفعيل هذه الحقوق على أرض الواقع، اذا تم إحداث العديد من الآليات الوطنية التي من شأنها أن تضمن حقوق الطفل وحرياته، فما هي إذا الآليات والمؤسسات التي كرسها المشرع المغربي؟

المبحث الثاني: الهيئات الحكومية والآليات الوطنية لحماية حقوق الطفل

تعتبر الهيئات الحكومية والمؤسسات الوطنية، إحدى اهم الأجهزة التي يمكن من خلالها توفير الحماية المطلوبة للطفل بالمغرب، وذلك باعتبارها آليات تسهر على احترام حقوق هاته الفئة، عن طريق اتخاذ الإجراءات الضرورية، التي ينبغي توفرها لضمان حياة أفضل للطفل، وتنشئته بشكل سليم داخل البيئة التي يعيش فيها، وبهذا سنعمل للتطرق للهيئات الحكومية، ودورها في حماية حقوق الطفل بالمغرب، في المطلب الأول وإلى المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الطفل في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الهيئات الحكومية ودورها في حماية حقوق الطفل بالمغرب.

تشكل حماية الطفل أهم المرتكزات الأساسية، لبناء شخصيته وذلك لكون الأطفال، هم عماد الوطن وأمل المستقبل، وأن للطفل حقوقا لا يجوز انتهاكها[25]، ومن أجل وضع هذه الحقوق موضع التنفيذ، والسهر على توفير الحماية اللازمة للطفل، تعمل الهيئات الحكومية في جوانب عدة من أجل توفير هذه الحماية، ومن بين هذه الهيئات هي ما سنحاول التطرق إليه في هذا المطلب وذلك بتقسيمه إلى خمس نقاط:

أولا: وزارة التضامن والمرأة والأسرة الاجتماعية.

تناط بالسلطة الحكومية، المكلفة بالتضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، مهمة وتنفيذ السياسة الحكومية، في مجالات التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، والمساهمة في إعداد وتحيين النصوص التشريعية والتنظيمية، المتعلقة بمجالات التضامن والمرأة والتضامن، وإعداد وتنفيذ البرامج الرامية لتقوية الأسرة، والنهوض الاجتماعي بأوضاع الطفولة، بتنسيق مع القطاعات والجهات المعنية[26].

وبهذا فوزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، تهتم بكل المجالات الاجتماعية خاصة محاربة الفقر، والبحث عن الوسائل الكفيلة لتحقيق هذا الهدف، وهي مكلفة كذلك بالتنسيق بين باقي الوزارات، من أجل تطبيق اتفاقية حقوق الطفل، ولأجل هذه الغاية أعدت الوزارة من خلالها مخططها الاستراتيجي، مجموعة برامج متعلقة بتنسيق السياسة الحكومية، في مجال حماية الطفولة والنهوض بثقافة حقوق الطفل، وذلك من قبيل النهوض بحقوق الطفل، عن طريق إعداد استراتيجية محاربة العنف الجنسي، ضد الأطفال وتتبع تقييم خطة العمل الوطنية للطفولة.

كما اتخذت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، مجموعة من البرامج لأجل توفير حماية أفضل للأطفال، من بينها برنامج محاربة عمل الطفلات الصغيرات بالمنازل، وهو ما يسمى ببرنامج إنقاذ، والذي يهدف إلى بلورة استراتيجية، محاربة العنف الجنسي للأطفال، عن طريق وضع إجراءات الوقاية، والحماية ضد مختلف أشكال الاستغلال[27]. وعليه فإن لوزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، الدور البارز في ضمان حماية الطفل، من أجل تعزيز حقوقه وتفعليها.

ثانيا: وزارة العدل والحريات

تعتبر وزارة العدل والحريات، الجهاز الأساسي، الذي يسهر على احترام الحقوق والحريات الفردية، بحيث تضمن عبر الأجهزة القضائية، تطبيق القانون لحماية الأطفال، الذين يتعرضون للضياع والتشرد نتيجة ظروف اجتماعية او اقتصادية، أو نتيجة الطلاق، أو غيره من أشكال الخلافات الأسرية، كما تسهر على حماية الطفل من كافة أشكال سوء المعاملة والاستغلال، والعمل على إدماجه وقد رتبت الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالطفل، التزامات على كافة القطاعات، وبادرت وزارة العدل إلى الوفاء بالتزاماتها، من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات، من أجل التكفل بالطفل، وذلك بتخصيص وتجهيز فضاءات خاصة لاستقبال الأطفال، لدى هذه الخلايا بالمحاكم، في ظروف تراعي خصوصية أوضاعهم الاجتماعية، وقد تم تعيين مساعدات اجتماعية، تسهر على استقبال الأطفال ضحايا العنف، وتتبع وضعية الطفل ومواكبة مسار التكفل القضائي بالطفل[28].

ثالثا: وزارة الصحة

إن لوزارة الصحة دور مهم وبارز، في حماية صحة الطفل، عن طريق وضع برامج وقائية وعلاجية، تأخذ بعين الاعتبار صحة الطفل، والتلقيح الإجباري والتغطية الصحية الإجبارية، وذلك  لما قد يلحق الطفل، في الصحة من آثار إيجابية، في ضمان حياة أفضل له، لكون أن الصحة هي المعيار في بناء شخصية الطفل، كان لابد للمغرب إحداث هيئات وطنية، تسهر على ضمان هذا الحق، وتشكل وزارة الصحة أحد أهم الأجهزة الرئيسية، في الدولة للحفاظ على الحق في الصحة، وذلك بالقيام بعملية التلقيح للأطفال، واتخاذ اجراءات تحسيسية، لبعض الأمراض التي قد تؤدي إلى الإضرار بصحة الطفل.

رابعا: وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.

على غرار الهيئات الحكومية السالفة الذكر، تعمل كل من وزارة التربية الوطنية، في مجال حماية حقوق الطفل، بحيث يشكل الحق في التعليم، من بين أهم الحقوق الأساسية للطفل، والمنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل، والقوانين الوطنية، ولهذا فإن ضمان هذا الحق يعتبر من المرتكزات الأساسية لبناء شخصية الطفل، وذلك عن طريق اتخاذ استراتيجيات من طرف الدولة، لتفعيل حق الطفل في التعليم.

وتناط بوزارة التربية الوطنية، وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، مهام إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة في مجال التعليم الاولي والابتدائي والثانوي، وتقوم كذلك بإعداد سياسة الحكومة في مجال التربية للجميع لفائدة الأطفال غير الممدرسين أو المنقطعين[29]. ونظرا لكون المشرع المغربي وكما سبق وأسلفنا الذكر بأنه ينص على إلزامية التعليم الاولي، وذلك تماشيا مع ما أقرته اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، فإن عمل وزارة التربية الوطنية يشكل المنطلق لتفعيل هذا الحق.

بناء على ما تقدم يتبين بأن للهيئات الحكومية دور أساسي في تفعيل حقوق الطفل، والحفاظ عليه، باعتبار ان جميع هذه الهيئات معنية بحماية حقوق الطفل، في جوانب عدة من أنشطتها، ولكن ليست وحدها التي تهتم بموضوع الطفولة، بل هناك هيئات حكومية أخرى من قبيل وزارة الداخلية والتي تعمل من خلال نظام الحالة المدنية، بتعاون مع القضاء على تثبيت هوية الطفل والحفاظ عليها، هذا إلى جانب مجموعة من المؤسسات والجمعيات الوطنية، والتي يشكل موضوع الطفل من بين أهم اهتماماتها وهو ما سنحاول الحديث عنه في المطلب الموالي.

المطلب الثاني: المؤسسات والجمعيات الوطنية المهتمة بحقوق الطفل.

إذا كانت الهيئات الحكومية تساهم في حماية الطفل في العديد من مجالات اختصاصاتها فإن للمؤسسات والجمعيات الوطنية دورها كذلك في مجال حماية الطفولة، باعتبارها عنصرا أساسيا في مراقبة تمتع المواطن بحقوقه الأساسية، فهي بمثابة آليات، تسهر على تنفيذ بنود الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب، وخصوصا تلك المتعلقة بحقوق الطفل، وبهذا فإن إحداث المغرب لهذه المؤسسات، يشكل مدخلا أساسيا للحفاظ على حقوق المواطنين، والأطفال بصفة خاصة، والجمعيات الوطنية والهيئات الأخرى المعنية بحماية حقوق الطفل، أهميتها كذلك في هذا المجال، وسنحاول التطرق لبعض هذه المؤسسات والجمعيات المهتمة بالطفل بتقسيم هذا المطلب إلى فرعين

الفرع الأول: المؤسسات الوطنية المهتمة بحماية حقوق الطفل

إن الحديث عن المؤسسات الوطنية، المعنية بحماية حقوق الطفل، يتطلب منا التطرق للمؤسسات الوطنية المهتمة بحقوق الإنسان عامة، ثم المؤسسات المحدثة بغية حماية حقوق الطفل بصفة خاصة، وذلك تماشيا مع ما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989، فيما يتعلق بضرورة إنشاء الدول لهذه المؤسسات، بغية تنفيذ الالتزامات التي تقع على عاتقها، بموجب مصادقتها على الاتفاقية، وسنقتصر لتوضيح بعض من هذه المؤسسات فيما يلي:

1-      مؤسسة الوسيط: تعد مؤسسة الوسيط، إحدى المؤسسات الوطنية التي تعنى بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويشكل إحداثها إضافة نوعية في مجال حقوق ومصالح المواطن، والتي حلت محل ديوان المظالم، والارتقاء بها إلى إحدى المؤسسات الدستورية بمقتضى الفصل 162 من الدستور.

وبموجب الظهير الشريف رقم 1.11.25 الصادر في 12 من ربيع الثاني 1432(17 مارس 2011) المتعلق بإحداث مؤسسة الوسيط، التي هي: مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، ودورها هو الدفاع عن حقوق المواطنين، وتلقي الشكايات المتعلقة بانتهاكات حقوقهم، ويأتي إحداث مؤسسة الوسيط لمواكبة الإصلاح المؤسسي العميق، الذي يعرفه المغرب عبر تحديثه هذه المؤسسة، وتوطيد المكتسبات التي حققها وتأهيلها للنهوض بمهام موسعة وهيكلة جديدة، وكذا التعامل المنشود مع الدور الذي يقوم المجلس الوطني لحقوق الإنسان[30].

2-       المجلس الوطني لحقوق الإنسان: يجسد إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الصادر في 18 ربيع الأول 1431 الموافق لفاتح مارس 2011، يعتبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة وطنية مستقلة، تعنى بتتبع قضايا حقوق الإنسان بالمغرب وفقا للاتفاقيات الدولية.

وانطلاقا من الصلاحيات المعهود بها للمجلس، المضمنة بالظهير المتعلق بإعادة تنظميه، يشمل عمل المجلس فيما يخص حماية حقوق الإنسان، ومساعدة ضحايا الانتهاكات، والتصدي لحالات خرق حقوق الإنسان، كما يهتم بمتابعة الاوضاع في السجون ومراكز حماية الطفولة، وذلك من خلال القيام بزيارات ميدانية، لهذه المؤسسات من أجل التقصي حول بعض الاحداث[31]. كما يقوم بتقييم وضعية حقوق الإنسان، وإثراء النقاش بشأن القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان عبر مجموع التراب الوطني، وإعداد تقارير سنوية، وتقارير موضوعاتية،

 وعليه وفي ظل التطورات التي يعرفها المغرب، وضرورة منه على توفير الطفل الحماية المطلوبة نص دستور2011، على إحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، وهو ما سنحاول التطرق إليه.

3– المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة: لقد نص دستور 2011، في الفصلين (32و162) منه على إحداث مجلس استشاري للأسرة والطفولة، وجاء هذا النص الدستوري لتدبير قضايا المرأة والأسرة، باعتبار أن إحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، يمثل تعهدا من الدولة بحماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بما يعزز وحدتها واستقراراها، ومهمتها في حماية الأطفال وتربيتهم، بالإضافة إلى توفير الحماية القانونية للأطفال، ضد الإهمال أو الاستغلال أو الاساءة، وتحقيق تنمية متكاملة ومتنامية لشخصيتهم وضمان المساواة لجميع الاطفال، بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية، ودون إغفال الحقوق الانسانية لأفراد الأسرة الآخرين[32].

وبهذا فقد شكل إحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، خطوة مهمة لتفعيل حقوق الطفل على المستوى الوطني، باعتباره يشكل فضاء للحوار وتبادل الأفكار والخبرات، وابتكار الحلول لمختلف الإشكاليات، التي قد تواجهها الأسرة والطفل، وهو ما يمثل إرادة المغرب بالسهر على تطبيق حقوق الطفل فالمجلس سيعطي للطفل، أهمية خاصة من أجل ضمان حقوقه.

بناء على ما تقدم يمكن القول بأن لهذه المؤسسات، وقع كبير على حماية الطفل، ولا يجب كذلك أن نغفل الدور الكبير الذي تقوم به المحاكم المختصة، وذلك بموجب إحداث أقسام قضاء الأسرة، كما تلعب الجمعيات والهيئات الأخرى المهتمة بالطفل، دورا مهما في مجال رعاية الطفولة، وذلك من قبيل برلمان الطفل، والمرصد الوطني لحقوق الطفل، وهو ما سنتحدث عنه في الفرع الثاني.

الفرع الثاني: الجمعيات والهيئات المهتمة بحماية حقوق الطفل.

وعيا من المغرب بأهمية تكريس الديمقراطية ونشر ثقافة الحوار، حرص على استحداث العديد من المؤسسات، لعل أهمها تلك التي سبق ذكرها، والتي من شأنها ضمان سيادة دولة الحق والقانون، وتقديرا منه لأهمية التربية على الديمقراطية، وأهمية زرع قيمها في عقول الأجيال الصاعدة، تكاثفت جهود عدة أطراف، وفي مقدمتها المرصد الوطني لحقوق الطفل، وبرلمان الطفل، وكذا الجمعيات المهتمة بحقوق الطفل، للسهر على رعاية الطفل وحمايته، وعليه سنعمل للتطرق لهذه الهيئات المهتمة بحقوق الطفل فيما يلي:

الفقرة الأولى: المرصد الوطني لحقوق الطفل

تم إحداث المرصد الوطني لحقوق الطفل سنة 1994، وهو عبارة عن مؤسسة وطنية مستقلة مكلفة بمتابعة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، ويحظى بصفة المنفعة العانة، وتعمل على الدفاع عن حقوق الطفل، في سائر المجالات الصحية والتربوية والتشريعية والثقافية. ومن مهام المرصد أيضا التحليل المستمر لوضعية الطفل، في مجال الحماية والتنمية، وتقييم نجاعة العمليات المنجزة في المجالات المرتبطة برفاه الطفل، وتقديم المشورة لفائدة مختلف الهيئات والفعاليات المعنية بحماية الطفل، وتنمية حقوقه على المستوى الوطني والإقليمي، وتنسيق المبادرات القطاعية التي ينجزها الشركاء الوطنيون، والدوليون في مجال حماية الطفل[33].

وبهذا أصبح دور المرصد الوطني لحقوق الطفل، غير مقتصر فقط في طرح ومعالجة قضايا الطفل، وإعمال حقوقه، وإنما أيضا إطلاق مبادرات متنوعة تتبنى التنسيق بين مختلف الشركاء، ونشير في هذا الإطار إلى اهتمام المرصد بموضوع الأطفال ضحايا سوء المعاملة في دورتي 1999و 2000، حيث تكثفت الجهود من أجل بلورة خطة وطنية للنهوض بالأطفال في أوضاع صعبة[34].

وللإشارة يقوم المرصد الوطني لحقوق الطفل، يوم 25 ماي من كل سنة، بتقييم الجهود المبذولة لفائدة الطفولة، في إطار إعمال اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل على مستوى حقوق البقاء والنمو من جهة، وفي مجال تحديد وضبط الأولويات، من أجل ضمان وترسيخ حقوق وثقافة الطفل من جهة ثانية، وهو ما يوحي لنا بأهمية الدور الذي يقوم به المرصد الوطني لحقوق الطفل، من أجل حماية حقوق هذه الفئة والسهر على تفعيل وضمان حمايتها.

الفقرة الثانية: برلمان الطفل

يعتبر برلمان الطفل، جهازا أساسيا لتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لسنة 1989، والتي وقع عليها المغرب سنة 1993 كما تقدم ذكره، وهو إطار يتيح لعديد من الأطفال، في مختلف أنحاء المغرب، إمكانية الالتقاء والتشاور والتعبير عن آرائهم، ومساءلة أعضاء الحكومة بشأن عدد من القضايا الوطنية، خاصة تلك التي تهم الطفولة، ويتوخى هذا الإطار المساهمة، في ترسيخ ثقافة المواطنة وقيم الديمقراطية لدى الأجيال الصاعدة، من خلال تنمية وعيها بحقوقها وواجباتها، كما يهدف إلى إتاحة الفرصة أمام مجموعة من الأطفال، لإثارة انشغالات الطفولة المغربية وحاجياتها[35].

وعليه فبرلمان الطفل، يشكل فضاء للتمرس على الديمقراطية والتعبير عن آراء الأطفال، وللإشارة فقد تم إحداث برلمان الطفل سنة 1999، ويتكون حاليا من 357، عضوا تشكل الإناث 55 في المئة منهم وتتراوح أعمارهم بين 10 و18 سنة، يتم اختيارهم حسب التفوق المدرسي وتمثيلية جميع الجهات.

يتضح مما سبق بأن إحداث المغرب، لمؤسسات مختصة بحقوق الطفل لها وقع كبير في صفوف الاطفال، وذلك من خلال الأنشطة التي تقوم بها بغية توفير الرفاهية المطلوبة للأطفال من جهة، واقتناعا منها بضرورة العمل على تنفيذ بنود الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل من جهة ثانية

خاتمة

يتضح من خلال ما جاء في ثنايا هذه الدراسة أن التطور البارز الذي عرفته المواثيق الدولية والآليات المتعلقة بحماية حقوق الطفل، يكمن في مدى إلزام الدول الأطراف بتطبيق ما تم الاعتراف به دوليا ووطنيا، وكذلك توفير الوسائل الكفيلة بتنفيذها من خلال سياسات وممارسات تشريعية وقضائية، حيث اقتضت ملائمة التشريع الوطني مع المواثيق الدولية المتعلقة بحماية حقوق الطفل، بالدفع بالمؤسسات المغربية وجميع الفعاليات في المجتمع إلى خلق أوراش الاصلاح للمنظومة الحقوقية، وتحديث القضاء وجعله سلطة مستقلة باعتباره فاعلا أساسيا في ضمان الحقوق والحريات لكل المواطنين، وتحريك المصادقة على المواثيق الدولية المعنية بحقوق الطفل وحمايتها، ورفع التحفظات التي تتعارض مع المواثيق الدولية، واستبدالها ما أمكن بإعلانات تفسيرية، والالتزام بتقديم التقارير أما اللجان والهيئات سواء الدولية أو الوطنية من أجل التطبيق الصارم للمقتضيات الدولية في مجال حماية حقوق الطفل بالمغرب.



[1] سفر التكوين الإصحاح الأول: 27

[2] سفر التكوين الإصحاح الخامس: 2

[3] - يوسف البحيري،"حقوق الإنسان المعايير الدولية واليات الرقابة"، المطبعة الوطنية – مراكش، الطبعة الأولى 2010. ص:208.

[4]-Hassan Ouazzani chahdi. La pratique marocaine du droit des traités : Essai sur le droit conventionnel marocain. Paris librairie générale de droit et jurisprudence,1982.p :338.

[5]-El Yaagoubi Mohammed, « la réception des droits de l’homme en droit adiministratif au maroc», Revue marocaine d’admininistration locale et de développement, n°48-49 janvier-avril 2003.p :20.

[6]- الحسن الوزاني الشاهدي" الاتفاقيات الدولية والقانون الداخلي المغربي :مجال حقوق الإنسان "، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية،

العدد 48، سنة 2003. ص:18.

[7] - حنان براهمي، "اجتهاد القاضي في مجال الحقوق والحريات في ظل الاتفاقيات الدولية "، مجلة الاجتهاد القضائي، العدد الرابع سنة 2013.

[8] - نعيمة البالي، "الاتفاقيات الدولية والقانون الداخلي المغربي: اتفاقيات حقوق الإنسان نموذجا"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 75،يوليوز-غشت 2007. ص:56.

[9] -ادريس لكريني، "الاصلاح الدستوري وحقوق الإنسان"، مجلة مسالك الفكر والسياسة والاقتصاد بعنوان:من يحكم المغرب؟ الدستور وحقيقة التغيير، عدد مزدوج 19-20 لسنة 2012 ص: 102.

[10] -عبد القادر الأعرج، "السياسة التشريعية والقضائية وإشكالية حماية حقوق الإنسان" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية 2011-2012.ص:201.

[11]- Said Lhraj, «les droits de l’homme dans la constitution révisée 1992 »,Révision de la constitution marocaine 1992 analyses et commentaires, collection d’un état moderne, Imprimerie Royale.1992

[12] - عبد العزيز لعروسي، "التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان: ملاءمات قانونية ودستورية"، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة الأولى 2014.ص:64.

[13] - ظهير شريف رقم 1.02.172 صادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002) بتنفيذ القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين.

[14] - المادة الأولى من القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين

[15] -ينص الفصل 6 في فقرته الثانية على انه :" يعتبر مغربيا الولد المولود من أب مغربي أو أم مغربية".

[16] - محمد الإدريسي العلمي المشيشي، " دراسة حول ملاءمة مشروع القانون الجنائي مع المبادئ والقواعد المعتمدة في منظومة حقوق الإنسان"، منشورات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط 2012.ص: 168.

[17] - المادة 143 من القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.194 الصادر في 14 رجب 1424 الموافق ل 11 شتنبر 2003.

[18] - المادة 146 من مدونة الشغل.

[19] - قانون منشور بالجريدة الرسمية عدد 4800 الصادرة في 01 يونيو 2000.

[20] - ديباجة مدونة من الأسرة المغربية.

[21] - تنص المادة 156 من مدونة الأسرة على أنه "إذا تمت الخطوبة، وحصل الإيجاب والقبول وحالت قوة قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالخطوبة، ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية:

ا- إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما، ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء،

ب- إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة،

ج- إذا أقر الخاطبان أن الحمل منهما.

[22] - تنص المادة الثالثة من القانون رقم 99-37 الصادر بتاريخ 03 أكتوبر 2002 على: "يخضع لنظام الحالة المدنية بصفة إلزامية جميع المغاربة، كما يسري نفس النظام على الأجانب بالنسبة للولادات والوفيات التي تقع فوق التراب الوطني".

[23] - الجريدة الرسمية عدد 5684 بتاريخ 20 نونبر 2008.

[24] - التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان وحصيلة عمل المجلس لسنة 2008، منشورات المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، سنة 2010. ص:82.

[25] دليل عملي للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء والأطفال، ص:55

[26] Abdellah marghich. « la place de l’enfant dans la législation du travail au Maroc ». Revue. Marocaine de l’enfant et de la famille. n°2 avril. 2011.P :73

[27] مأخوذ من الرابط الإلكتروني الآتي:  www.social.gov.ma بتاريخ 12/08/2022

[28] دليل عملي للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء، والأطفال، مرجع سابق ص::26

[29] مأخوذ من الرابط الإلكتروني الآتي:www.men.gov.ma بتاريخ 13/ 08/2022

[30] محمد البزاز، حقوق الإنسان"، مطبعة سجلماسة مكناس، السنة الجامعية 2011- 2012.، ص: 287

[31] مأخوذ من الرابط الإلكتروني الاتي:www.msj.gov.ma   بتاريخ 12/08/2022

[32] www.ccdh.org.ma مأخوذ من الرابط الالكتروني ، بتاريخ 15/08/2022

 مأخوذ من الرابط الإلكتروني بتاريخ 13/08/2022 www.ondemaric.org/arabic  [33]

[34]  فاتن البوحدوتي، ضمانات حقوق الإنسان بالمغرب وواقعها، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة محمد الخامس الرباط أكدال يوليوز 2009/2010، ص:76

[35]مأخوذ من الرابط الالكتروني بتاريخ 13/08/2022، www.parlement.ma 



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله

قانونك


 من أجل تحميل العدد 24  - إضغط هنا أو أسفله


مجلة قانونك - العدد الثالث