مؤسسة العقاب: بين التخفيف والتشديد في التشريع المغربي
مريم عزوزي
دكتوراه في القانون الخاص
The punishment institution: between mitigation and tightening in Moroccan legislation
Maryam AZZOUZI
مقدمة
تعد الجريمة، مهما تعددت صورها وتنوعت فعلا مخالفا للقانون، يقوم على ثلاثة أركان أساسية : الركن المادي، الركن المعنوي، والركن القانوني. غير أن هناك ظروفا قد تحيط بجريمة معينة، فتنقلها من صورتها القانونية المعتادة إلى وضع مغاير، مما يُؤثر بشكل مباشر على تقدير العقوبة ومدى شدتها أو خفتها.
وفي هذا الإطار، تبنى المشرع الجنائي المغربي نظاما عقابيا يتسم بالمرونة، حيث يحدد لكل جريمة عقوبة لها حد أدنى وحد أقصى، وهو ما يمنح القاضي سلطة تقديرية لاختيار العقوبة الانسب، تبعا لظروف الجريمة والجاني، في سبيل تحقيق الغاية الاصلاحية للعقوبة.
ويظل هذا التقدير مشروطا باحترام مبدأ الشرعية، الذي يقتضي عدم معاقبة أي شخص إلا بمقتضى نص قانوني صريح يُجرّم الفعل ويُحدد جزاءه، وفق ما نص عليه الفصل 110 من مجموعة القانون الجنائي.
ويعد تكييف العقوبة مع شخصية الجاني وملابسات الفعل من أبرز تجليات هذه المرونة، إذ لا يكفي أن تُبنى العقوبة على جسامة الفعل فحسب، بل يجب أيضًا أن تراعي الخصوصيات النفسية والاجتماعية المرتبطة بالجاني.
ومن تم فإن الجاني لا يرتكب الجريمة من فراغ، بل يتأثر بعوامل نفسية وعقلية واجتماعية وبيئية تختلف من شخص لآخر، ما يجعل مراعاة هذه الظروف أمرًا ضروريًا لضمان عدالة العقوبة. لذلك، أصبح تفسير السلوك الإجرامي لا يقتصر فقط على الفعل، بل يشمل الظروف المحيطة بالجاني أو بالجريمة، سواءً كانت مخففة أو مشددة .وقد سارت التشريعات الجنائية المعاصرة، ومنها التشريع المغربي، في هذا الاتجاه، حيث وضعت قواعد لظروف التشديد، وأرست نظامًا للظروف المخففة، وهو ما يُمكّن القاضي من النزول بالعقوبة إلى ما دون حدها الأدنى أو استبدالها بعقوبة أخف، إذا تبين أن هناك مبررات واقعية أو إنسانية لذلك.
وعليه، يطرح هذا الموضوع الإشكالية التالية:
إلى أي مدى استطاع المشرع المغربي من خلال نظام التخفيف والتشديد أن يحقق توازنا فعليا بين متطلبات الردع العام ومبادئ العدالة الفردية في السياسة العقابية؟
للإجابة عن هذه الإشكالية، وجب التمييز بين مسارين رئيسيين في السياسة العقابية المغربية: الأول يتعلق بالأعذار والظروف التي تبرر التخفيف من العقوبة، والثاني يتصل بالظروف التي تستوجب التشديد. لذلك، سيتم تناول الموضوع وفق التقسيم التالي:
المطلب الأول: الأعذار المعفية والمخففة للعقوبة
المطلب الثاني: الظروف القضائية المخففة والظروف القانونية المشددة
المطلب الأول: الأعذار المعفية والمخففة للعقوبة
يعد نظام الأعذار القانونية أحد أهم تجليات التخفيف في السياسة الجنائية المغربية، إذ يُمثل آلية استثنائية تمنح إمّا إعفاءً كليًا من العقوبة أو تخفيفًا منها، وفق شروط وضوابط دقيقة يحددها المشرع صراحة.
ويقوم هذا النظام على اعتبارات إنسانية وأخلاقية واجتماعية، تُراعي في أحيان كثيرة خصوصية العلاقة بين الجاني والمجني عليه، أو الظروف النفسية والاجتماعية المحيطة بالفعل الإجرامي، بما يحقق نوعًا من العدالة الفردية دون الإخلال بمبدأ الشرعية.
وقد ميز المشرع في هذا الصدد بين الأعذار المعفية من العقاب، التي تُسقط العقوبة رغم قيام الجريمة وثبوت المسؤولية (الفقرة الاولى)، والأعذار المخففة للعقوبة، التي تُخول للقاضي النزول بالعقوبة إلى ما دون الحد الأدنى المقرر قانونا (الفقرة الثانية). وهو ما يستدعي الوقوف على الإطار القانوني لكلا الصنفين وبيان نطاق تطبيقهما.
الفقرة الاولى: الأعذار القانونية المعفية من العقاب
في القانون الجنائي المغربي، توجد بعض الأسباب التي إذا توفرت، قد تؤدي إلى الإعفاء من العقوبة كليا أو إلى تخفيفها، بحسب ما إذا كانت أعذارًا معفية أو مخففة. وسنتناول في هذا السياق النصوص القانونية التي وردت على سبيل الحصر، بالنظر إلى الطبيعة الاستثنائية التي تميز الأعذار القانونية ، باعتبارها خروجا عن الأصل العام القاضي بمساءلة الجاني عن فعله متى ثبتت الجريمة وتحققت مسؤوليته الجنائية.
وترجع علة تقرير هذه الأعذار إلى اعتبارات نفعية مستمدة من سياسة العقاب التي ينهجها المشرع حيث يرى المشرع أن المنفعة الاجتماعية المتحققة من عدم معاقبة الجاني في حالات معينة تكون أولى من مصلحة العقاب، وذلك حين تقتضيها المصلحة العامة أو مقتضيات العدالة.
وعليه، فإن المشرع، من خلال نهجه هذا، يُقر بأن بعض الجرائم قد تُرتكب في ظروف استثنائية تبرر التخفيف أو الإعفاء، رغم قيام الجريمة وثبوت المسؤولية، وهو ما يتجلى بوضوح في التمييز بين الأعذار القانونية المعفية، التي ترفع العقوبة كليًا، والأعذار المخففة، التي تُمكن القاضي من النزول بالعقوبة إلى ما دون الحد الأدنى المقرر قانونًا.
أولا: السرقة بين الأقارب
تعد السرقة بين الأقارب من الحالات التي استثناها المشرع المغربي من نطاق التجريم والعقاب، وذلك مراعاة لرابطة القرابة التي تجمع بين الجاني والمجني عليه، وما تقتضيه هذه العلاقة من اعتبارات إنسانية وأخلاقية واجتماعية.
وقد نظم المشرع هذا الاستثناء ضمن الفصلين 534 و535 من مجموعة القانون الجنائي، حيث ينص الفصل 534 على أن السرقة لا تُعاقب إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الآخر، أو أحد الأصول (الآباء والأجداد) ضد فروعه (الأبناء والأحفاد)، متى تحققت الشروط التي نص عليها القانون. ويُعتبر هذا الإعفاء عذرًا قانونيًا معفيًا من العقوبة ، يترتب عليه عدم تطبيق الجزاء الجنائي، رغم ثبوت الجريمة وتحقق أركانها ومسؤولية الجاني.
أما الفصل 535 من نفس القانون ، فيُقرر قيدًا على النيابة العامة، مفاده أنه لا يجوز تحريك الدعوى العمومية في حالة السرقة بين أقارب من درجات معينة (مثل الأصول والفروع والأزواج) إلا بناءً على شكاية صريحة من المجني عليه، كما أن سحب هذه الشكاية يضع حدًا للمتابعة. وهنا لا يتعلق الأمر بإعفاء من العقوبة، وإنما بشرط إجرائي يحد من سلطة النيابة العامة في تحريك المتابعة، ويجعل الأمر مرهونًا بإرادة المجني عليه.
ومن أجل استفادة الجاني من الإعفاء المنصوص عليه في الفصل 534، لا بد من توافر مجموعة من الشروط كما يُفهم من روح النص القانوني، وبالرجوع كذلك إلى الفصل 114 من القانون الجنائي، وهي كالتالي:
- أن تكون هناك رابطة زوجية أو قرابة مباشرة بين الجاني والمجني عليه، أي أن يكون السارق زوجًا أو أحد الأصول (أب، جد...) بالنسبة للمجني عليه؛
- أن يكون المال المسروق مملوكًا للشخص المعتدى عليه مباشرة (أي الزوج أو الفرع)، فلا مجال للإعفاء إذا كان المال لا يملكه فعليًا؛
- ألا يكون المال المسروق مرهونًا أو محجوزًا بمقتضى القانون، لأن في هذه الحالة يُخرج المال من نطاق الحيازة الخاصة، ويجعله مرتبطًا بحق الغير
وتُبرز هذه القواعد أن المشرع المغربي يُوازن في هذه الحالات بين ضرورة حماية العلاقات الأسرية والخصوصية العائلية، وبين عدم التفريط في حقوق الغير أو المساس بالنظام العام، وهو ما يعكس فلسفة السياسة الجنائية المغربية القائمة على المرونة والتدرج في التجريم والعقاب بحسب الظروف والروابط الاجتماعية.
ثانيا: جريمة النصب
تعد جريمة النصب من الجرائم التي تمس بالثقة والائتمان في المعاملات المالية، وقد خصّها المشرع المغربي بتنظيم قانوني دقيق من خلال الفصل 540 من مجموعة القانون الجنائي، حيث أقر لها عقوبة سالبة للحرية تتراوح بين سنة وخمس سنوات، فضلاً عن غرامة مالية تتراوح بين 500 و5.000 درهم.
ورغم ما قرره المشرع من جزاء لهذه الجريمة، فإنه تبنى بعض الاستثناءات التي تكرّس الطابع الإنساني والاجتماعي للعلاقات الأسرية، وذلك بموجب الفصل 541 من نفس المجموعة ، حيث نص على إعفاء الجاني من العقوبة إذا كان المال موضوع النصب مملوكًا لزوجه أو أحد فروعه، مع احتفاظ الضحية بحقه في المطالبة بالتعويض المدني.
أما إذا كان المال مملوكًا لأحد أصول الجاني أو لأحد أقاربه أو أصهاره إلى غاية الدرجة الرابعة، فإن المشرع لم يقر الإعفاء، وإنما اشترط لتحريك الدعوى العمومية تقديم شكاية من الطرف المتضرر. ويترتب على سحب هذه الشكاية وقف المتابعة، وذلك وفقًا لأحكام الفصل 535 من القانون الجنائي.
ثالثا: جريمة خيانة الأمانة
تعد جريمة خيانة الأمانة من الجرائم التي تمس الذمة المالية، وتتحقق عندما يبدد الجاني أو يختلس مالا منقولا سلمه إليه غيره على سبيل الأمانة، وقد عالج المشرع المغربي هذه الجريمة في الفصل 547 من مجموعة القانون الجنائي، مقررا لها عقوبة حبسية تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات وغرامة مالية من 200 إلى 2000 وإذا كان الضرر الناتج عن الجريمة قليل القيمة كانت عقوبة الحبس من شهر الى سنتين والغرامة من 200 إلى 250 درهما.
وفي إطار التخفيف من الصرامة القانونية مراعاةً للروابط الأسرية والقرابة، نص الفصل 548 من نفس المجموعة على أن الإعفاء من العقوبة وقيود المتابعة الجنائية المنصوص عليها في الفصول من 534 إلى 536، تسري كذلك على جريمة خيانة الأمانة.
وبموجب أحكام الفصل 535، إذا كان المال المنقول المختلس أو المبدد مملوكًا لأحد أصول الجاني أو لأحد أقاربه أو أصهاره إلى حدود الدرجة الرابعة، فلا يجوز تحريك المتابعة الجنائية إلا بناءً على شكاية من المجني عليه، كما أن سحب هذه الشكاية يؤدي إلى إنهاء المتابعة، مما يكرس الطابع الشخصي لهذه الجريمة في مثل هذه الحالات الخاصة.
رابعا: جريمة عدم التبليغ
نص الفصل 209 من مجموعة القانون الجنائي على تجريم فعل الامتناع عن التبليغ عن الجرائم التي تمس بسلامة الدولة، مقرّرًا لذلك عقوبة حبسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية من 1.000 إلى 10.000 درهم، وذلك بالنظر إلى خطورة هذه الجرائم وتهديدها للأمن العام ومصالح الدولة العليا.
غير أن المشرع، وفي إطار تشجيع التبليغ الاستباقي عن مثل هذه الجرائم، نص في الفصل 211 على إعفاء الجاني من العقوبة إذا بادر، قبل غيره، إلى إبلاغ السلطات المختصة المنصوص عليها في الفصل 209، بوجود جناية أو جنحة تمس بسلامة الدولة، وكذا بمرتكبيها أو المشاركين فيها، شريطة أن يتم ذلك قبل وقوع أي تنفيذ أو شروع في التنفيذ. ويُشترط في هذا الإعفاء احترام الضوابط والشروط المنصوص عليها في الفصول من 143 إلى 145 من القانون الجنائي، والتي تنظم الإعفاء من العقوبة في بعض الجرائم متى تحققت مبادرة فعالة من الجاني تساهم في منع وقوع الجريمة أو الحد من آثارها.
الفقرة الثانية: الاعذار القانونية المخففة للعقوبة
أولا: حالة قتل الام لوليدها
عاقب المشرع المغربي جريمة القتل العمد بموجب الفصل 392 من القانون الجنائي بالسجن المؤبد، وترتفع العقوبة إلى الإعدام في حال توفر ظرف من ظروف التشديد. غير أن المشرع، مراعاة للظروف النفسية والاجتماعية الخاصة التي قد تحيط بالأم عند ارتكابها لهذا الفعل ، خفف من وطأة العقوبة، حيث نص في الفصل 397 من نفس القانون على أن "الأم، سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة، في قتل وليدها، تعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات"، موضحًا أن هذا الحكم لا ينطبق على باقي المساهمين أو المشاركين معها في الجريمة.
ويُستخلص من هذا المقتضى أن العذر المخفف الممنوح في هذه الحالة هو عذر شخصي، تستفيد منه الأم وحدها دون أن يمتد أثره إلى غيرها، وهو ما تؤكده القاعدة العامة المنصوص عليها في الفصل 130 من القانون الجنائي، التي تقضي بأن الأعذار الشخصية لا تُسند للمساهمين أو المشاركين في الجريمة.
ثانيا: القتل أو الجرح المرتكب نهارا
ينص الفصل 417 من القانون الجنائي على أن عذرًا مخففًا يتوفر في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب، إذا ارتكبت نهارًا، وكان ذلك من أجل صدّ أو دفع تسلق أو كسر سور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحد ملحقاتهما. أما إذا ارتكبت هذه الأفعال ليلاً، فإنها لا تُعد مجرد أفعال معذورة، بل تعتبر واقعة في نطاق الدفاع الشرعي، وذلك وفقًا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 125 من نفس القانون.
وبالتالي، فإن الجريمة المرتكبة ليلاً لدفع تسلق أو كسر الحواجز أو المداخل تُعد نتيجة لحالة الضرورة التي يقتضيها الدفاع الشرعي، ولا تخضع فقط لظروف التخفيف، بل يمكن أن تؤدي إلى الإعفاء من المسؤولية الجنائية إذا توفرت شروط الدفاع الشرعي المنصوص عليها قانونا.
ثالثا: القتل المرتكب من أحد الزوجين في حالة التلبس بالخيانة الزوجية
يقر المشرع المغربي بعذر مخفف في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب، إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الزوج الآخر أو شريكه، عند مفاجأتهما في حالة تلبس بجريمة الخيانة الزوجية . ويستند هذا التخفيف إلى ما نص عليه الفصل 418 من القانون الجنائي، الذي يعترف بالانفعال الناتج عن المفاجأة كعامل يبرر تخفيف العقوبة، دون أن يؤدي إلى الإعفاء الكامل من المسؤولية الجنائية
المطلب الثاني: الظروف القضائية المخففة والظروف القانونية المشددة
من أجل تحقيق عدالة جنائية فعالة ومتوازنة، لم يكتفِ المشرع المغربي بوضع حدود للعقوبة، بل عمل على إدراج آليات قانونية تُمكن القاضي من تعديل تلك العقوبات تشديدا او تخفيفا تبعًا للوقائع الخاصة بكل قضية. ومن أبرز هذه الآليات، الظروف القضائية المخففة التي تمنح القاضي سلطة تقديرية في التخفيف من شدة الجزاء (الفقرة الاولى)، والظروف القانونية المشددة التي تُلزمه بتغليظ العقوبة عند توافر شروط قانونية معينة (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى: الظروف القضائية المخففة
تعد الظروف القضائية المخففة من بين الآليات التي يقرها القانون الجنائي للتخفيف من العقوبة الأصلية المقررة للجريمة، سواء كانت هذه الظروف ذات طابع موضوعي يتعلق بملابسات ارتكاب الجريمة، أو شخصي يرتبط بحالة الجاني وظروفه الخاصة. وقد يحدد المشرع هذه الظروف بنص صريح، كما قد يترك للقاضي سلطة تقديرها استنادًا إلى قناعته المستخلصة من وقائع الدعوى.
ويخول وجود هذه الظروف للمحكمة، عند ثبوتها، النزول بالعقوبة إلى ما دون الحد الأدنى المنصوص عليه قانونًا، أو استبدالها بعقوبة من طبيعة أخف، وذلك مراعاة لمبادئ العدالة والرحمة والتناسب بين الفعل المرتكب والعقوبة المقررة له. وتجد هذه الآلية تطبيقها في مختلف أصناف الجرائم، سواء الجنايات أو الجنح أو المخالفات، وفقًا لما نظمه المشرع في الفصول من 147 إلى 151 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.
أولا: في الجنايات
خول المشرع المغربي، في إطار تحقيق التوازن بين مقتضيات الزجر ومراعاة الظروف المحيطة بالجريمة والجاني، لمحاكم الجنايات إمكانية تمتيع المتهمين بظروف قضائية مخففة ، وذلك بموجب الفصول من 147 إلى 149 من القانون الجنائي. وتُعد هذه المقتضيات من قبيل الاستثناء، إذ وردت على سبيل الحصر بما يمنع أي تأويل أو تطبيق توسعي لها.
فوفقا لمقتضيات الفصل 147 من القانون الجنائي، إذا قررت محكمة الجنايات تمتيع المتهم بظروف التخفيف، فإنها تلتزم بالتقيد بالنسب المخففة التالية:
إذا كانت العقوبة الأصلية هي الإعدام، فإن محكمة الجنايات تطبق عقوبة السجن المؤبد أو السجن من عشرين الى ثلاثين سنة.
إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن المؤبد، فإنها تطبق عقوبة السجن من عشر الى ثلاثين سنة.
إذا كان الحد الأدنى للعقوبة هو عشر سنوات، جاز للمحكمة أن تحكم إما بـالسجن من خمس إلى عشر سنوات أو بـالحبس من سنتين إلى خمس سنوات.
إذا كان الحد الأدنى هو خمس سنوات سجنا، فإن العقوبة تصبح الحبس من سنة إلى خمس سنوات.
إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن من خمس إلى عشر سنوات، تطبق المحكمة الحبس من سنة إلى خمس سنوات.
وفي حال كانت العقوبة الجنائية مصحوبة بغرامة مالية، فإن المحكمة يمكنها تخفيض الغرامة إلى 120 درهمًا أو إلغاؤها نهائيًا.
أما الفصل 148 من نفس القانون، فقد نظم حالات خاصة تتعلق بعقوبات غير سالبة للحرية، حيث ينص على ما يلي:
إذا كانت العقوبة هي الإقامة الإجبارية، فإن القاضي يمكنه أن يستبدلها بـالتجريد من الحقوق الوطنية أو بـالحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
إذا كانت العقوبة هي التجريد من الحقوق الوطنية، يمكن للقاضي أن يحكم بـالحبس من ستة أشهر إلى سنتين أو بـالحرمان من بعض الحقوق المنصوص عليها في الفصل 26 من القانون الجنائي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه السلطة المخولة للقاضي في التخفيف تُمارس وفق ضوابط قانونية دقيقة، ويجب أن تُبرر في الحكم بشكل صريح، بما يضمن شفافية القرار القضائي واحترام مبدأ الشرعية الجنائية
ثانيا: في الجنح
ميز المشرع المغربي، في معرض تنظيمه لتطبيق الظروف القضائية المخففة على الجنح، بين الجنح التأديبية والجنح الضبطية، وذلك بمقتضى الفصلين 149 و150 من القانون الجنائي.
فبالنسبة للجنح التأديبية، خول الفصل 149 للقاضي إمكانية النزول بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر قانونًا، متى ثبت لديه وجود ظروف مخففة، شريطة ألا يقل الحبس عن شهر واحد، وألا تقل الغرامة عن 120 درهما، ويشمل هذا الحكم حالات العود أيضًا.
أما في إطار الجنح الضبطية، فقد أجاز الفصل 150 للقاضي، متى ثبتت لديه ظروف التخفيف، تخفيض العقوبة عن الحد الأدنى، مع عدم النزول بالحبس عن ستة أيام، والغرامة عن اثني عشر درهمًا. كما يمكن له الاكتفاء بإحدى العقوبتين فقط، أو استبدال الحبس بالغرامة، شريطة ألا تقل في جميع الأحوال عن الحد الأدنى المقرر قانونًا.
ثالثا: في المخالفات
وفيما يتعلق بالمخالفات، فقد نظمها المشرع ضمن الفصل 151 من القانون الجنائي، حيث أجاز للقاضي، متى تأكد من قيام ظروف التخفيف، أن ينزل بعقوبة الاعتقال أو الغرامة إلى الحد الأدنى المنصوص عليه في القانون، بل ويجوز له، عند الاقتضاء، الحكم بالغرامة عوضًا عن الاعتقال، إذا كانت هذه الأخيرة هي العقوبة الأصلية.
الفقرة الثانية: الظروف القانونية المشددة
تعد جميع الظروف المشددة في التشريع الجنائي المغربي ظروفًا قانونية، أي أن مصدرها نص قانوني صريح، وذلك تحقيقًا لمبدأ الشرعية الجنائية المنصوص عليه في قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، وضمانًا لحقوق الأفراد ضد تعسف التأويل أو القياس. ومن ثم، فإن السلطة القضائية ملزمة باحترام هذه الحدود التشريعية، ولا يجوز لها أن تقيس أو تستنبط ظروفًا مشددة غير تلك المنصوص عليها قانونا.
وقد نص الفصل 152 من القانون الجنائي على أن هذه الظروف تنقسم بحسب طبيعتها إلى نوعين:
أولا: ظروف عينية أو مادي
ثانيا: ظروف شخصية
أولا: ظروف عينية أو مادية
يقصد بالظرف العيني المشدد كل ظرف لا يرتبط بشخص الجاني، وإنما يتعلق بالشق المادي للجريمة، أي بالفعل الجرمي ذاته أو بالنتيجة المترتبة عنه أو بالوسيلة المستعملة فيه أو بسياقه الزماني أو المكاني، وهو ما يجعل الجريمة أكثر جسامة وخطورة مما لو ارتُكبت في غيابه.
وتتنوع الظروف العينية بحسب صلتها بعناصر الركن المادي
فقد تتعلق بالفعل الجرمي ذاته، كما في حالة استعمال وسيلة خطيرة أو قاتلة كالسلاح، والفرار في الجرائم غير العمدية، الترصد والاقتران.
1- استعمال السلاح
يعد استعمال السلاح أحد أبرز الظروف العينية المشددة التي شدد المشرع المغربي العقوبة عند توافرها، وذلك اتساقًا مع خطورة الوسيلة المستعملة وتأثيرها على جسامة الفعل الجرمي.
فبالرجوع إلى الفصل 507 من القانون الجنائي، نجد أن المشرع شدد عقوبة جريمة السرقة إلى السجن المؤبد، إذا ثبت أن أحد الجناة كان يحمل سلاحًا أثناء ارتكاب الفعل، سواء استعمله أم لم يستعمله، شريطة أن يكون باقي الجناة على علم بذلك أو يفترض علمهم به. ويستند المشرع في تحديد مفهوم السلاح إلى الفصل 303 من نفس القانون، الذي يُعرف السلاح تعريفًا موسعًا يشمل الأدوات الحادة والنارية وحتى بعض الوسائل التي يمكن استعمالها كوسائل إكراه أو اعتداء.
ويُعتبر هذا الظرف عينياً، لا يرتبط بشخص الجاني وإنما بالفعل الجرمي ذاته، وبالتالي فإن أثره يمتد إلى جميع المساهمين والمشاركين في الجريمة، متى ثبت علمهم بحمل السلاح أو كان يفترض علمهم بذلك، وفقًا لما قررته القاعدة العامة في الفصل 152 من القانون الجنائي.
وبالإضافة إلى جرائم السرقة، فإن حمل السلاح في جرائم الإيذاء يُعد ظرفًا مشددًا أيضًا، إذ نص الفصل 400 من القانون الجنائي على رفع العقوبة السالبة للحرية والغرامة متى ارتكب الفعل باستعمال السلاح، نظراً لما يشكله من تهديد صارخ على السلامة الجسدية للمجني عليه، ويُعد ذلك تعبيرًا عن إرادة المشرع في زجر هذا السلوك وحماية الأمن الفردي.
وهكذا يظهر أن المشرع المغربي يتعامل مع استعمال السلاح في الجريمة باعتباره مؤشراً على تعاظم الخطورة الإجرامية، ما يستوجب تدخلًا عقابيًا أكثر صرامة، يعكس فلسفة التشريع الجنائي في تحقيق الردع العام والخاص.
2- الفرار من مكان ارتكاب الجريمة
يُعد الفرار من مكان الجريمة أحد الظروف العينية المشددة الخاصة في التشريع الجنائي المغربي، نظراً لخصوصيته وارتباطه بنوع معين من الجرائم، وهي جرائم الإيذاء غير العمدي.
فقد اعتبر المشرع أن فرار الجاني عقب ارتكابه فعلاً يترتب عنه قتل أو جرح أو إصابة غير عمدية ، إنما يُشكل محاولة للتخلص من المسؤولية الجنائية أو المدنية الناتجة عن ذلك الفعل، مما يُبرر تشديد العقوبة المقررة قانونًا.
وبموجب الفصل 434 من القانون الجنائي، فإنه إذا اقترنت الجرائم المنصوص عليها في الفصلين 432 و433، والمتعلقة بالقتل أو الجرح أو الإصابة غير العمدية، بفعل الفرار من مكان الحادث، فإن العقوبة تضاعف، سواء تعلق الأمر بعقوبة الحبس أو بالغرامة، وذلك بالنظر إلى خطورة السلوك اللاحق بالجريمة، والذي يعكس انعدام روح المسؤولية والاستخفاف بسلامة الغير.
ويصنف هذا الظرف ضمن الظروف العينية، لكونه يتعلق بسلوك مادي مرتبط بوقائع الجريمة، ولا يتصل بشخصية الجاني، مما يرتب أثره على جميع المساهمين والمشاركين الذين ثبت علمهم أو يُفترض علمهم بواقعة الفرار، وفقًا لما نص عليه الفصل 152 من القانون الجنائي.
ومن خلال هذا التوجه، يُكرس المشرع فلسفة التشديد في مواجهة السلوك الإجرامي غير الأخلاقي، حتى في الجرائم غير العمدية، متى اقترن بمحاولة الهروب من تبعات المسؤولية، بما يحقق مقتضيات الردع وحماية النظام العام.
3- الترصد
نص الفصل 395 من القانون الجنائي المغربي على أن: "الترصد هو التربص، لفترة طويلة أو قصيرة، في مكان واحد أو أمكنة مختلفة، بشخص قصد قتله أو ارتكاب العنف ضده."
وقد اعتبر المشرع المغربي الترصد ظرفًا مشددًا في الجرائم ، نظراً لما ينطوي عليه من سلوك إجرامي متعمد، يعكس نية مبيتة وتصميماً خطيراً على الاعتداء على الضحية في وضع يُفقده كل قدرة على الدفاع عن نفسه. ويُعد هذا الظرف مظهراً من مظاهر الغدر والخداع، إذ يتربص الجاني بالمجني عليه في الخفاء، مستغلاً عنصر المفاجأة لتحقيق غايته الإجرامية، ما يدل على خطورة شخصيته ودناءة فعله.
ويستند الترصد، كظرف مشدد، إلى عنصرين أساسيين:
عنصر مكاني: يتمثل في تمركز الجاني في مكان أو عدة أمكنة محددة بقصد مراقبة تحركات المجني عليه.
عنصر زمني: يُشير إلى الفترة، سواء كانت قصيرة أو طويلة، التي يخصصها الجاني للتربص بضحاياه، انتظاراً للحظة المناسبة لتنفيذ فعله الإجرامي.
ويُعد الترصد واقعة مادية تخضع لتقدير قاضي الموضوع، الذي يُفصل في قيامها استنادًا إلى ظروف وملابسات كل قضية على حدة. غير أن تكييف هذه الوقائع من الناحية القانونية، أي ما إذا كانت تُشكل فعلًا ترصدًا أم لا، يخضع لرقابة محكمة النقض، التي تتأكد من توافر الأركان القانونية اللازمة لقيام هذا الظرف.
وهكذا، يظهر أن المشرع قد شدد العقوبة في حالة الترصد باعتباره من الظروف العينية المشددة التي تدل على سبق الإصرار وسوء النية، وتُبرر بالتالي تشديد الجزاء الجنائي لخطورة الجريمة وظروف ارتكابها.
4- الاقتران كظرف مشدد في القانون الجنائي المغربي
يقصد بظرف الاقتران، في نطاق تطبيق التشديد الجنائي، وقوع جناية أو جنحة مقرونة بجريمة أخرى في إطار زمني واحد أو في نفس السياق الجرمي، بما يُبرز خطورة الفعل وتعدد الأفعال الإجرامية المرتكبة من طرف الجاني.
فقد اعتبر المشرع المغربي، في إطار تنظيمه لجرائم القتل، أن اقتران جناية القتل المنصوص عليها في الفصل 392 من القانون الجنائي بجناية أخرى يُعد ظرفًا مشددًا يستوجب رفع العقوبة من السجن المؤبد إلى الإعدام، ما دام القتل لم يرتكب منعزلاً بل جاء في سياق إجرامي أكثر تعقيدًا واتساعًا.
كما يظهر أثر الاقتران أيضًا في جرائم السرقة، حيث نص الفصل 509 من نفس القانون على تشديد العقوبة إذا اقترنت السرقة بظرفين من الظروف المشددة، مثل ارتكابها ليلاً وباستعمال العنف أو حمل السلاح. ففي هذه الحالة، يتم رفع العقوبة من الحبس من سنة إلى خمس سنوات إلى السجن من عشر إلى عشرين سنة، مما يعكس نية المشرع في التصدي للجرائم المركبة والوقاية من السلوك الإجرامي المعقد.
ويصنف الاقتران ضمن الظروف العينية المشددة، نظرا لارتباطه بالفعل الإجرامي ذاته دون الاعتداد بالوضع الشخصي للجاني، مما يرتب أثره على جميع المساهمين والمشاركين في الجريمة، متى ثبت علمهم بذلك السياق الإجرامي المتعدد أو كان يفترض علمهم به.
وبهذا، يتضح أن الاقتران لا يعد مجرد تعدد في الأفعال، بل هو مؤشر قانوني على ارتفاع درجة الخطورة الإجرامية، ما يستوجب تدخلا زجريا مشددا يضمن الردع ويحقق حماية فعالة للمجتمع.
ثانيا: الظروف الشخصية المشددة في القانون الجنائي المغربي
تعد الظروف الشخصية المشددة من بين صور التشديد التي قررها المشرع المغربي، وهي تلك التي ترتبط بشخص الجاني ذاته، دون أن يكون لها ارتباط مباشر بالفعل الجرمي أو عناصره المادية. وبحكم طبيعتها الذاتية، فإن أثر هذه الظروف يقتصر على الفاعل الأصلي وحده، ولا يمتد إلى المساهمين أو المشاركين، على خلاف الظروف العينية التي تُعمم آثارها متى ثبت العلم بها.
ومن أبرز هذه الظروف ذات الطابع الشخصي، التي نص عليها القانون الجنائي المغربي، نذكر:
1- سبق الإصرار
عرف الفصل 394 من القانون الجنائي سبق الإصرار بأنه "العزم المصمم عليه قبل ارتكاب الجريمة، ولو كان معلقا على ظرف أو شرط ."وبالرجوع إلى الفصل 393 من نفس القانون، يلاحظ أن المشرع شدد العقوبة إلى الإعدام في حالة القتل العمد إذا اقترن هذا الأخير بظرف سبق الإصرار .ويتطلب تحقق سبق الإصرار توفر عنصرين أساسيين:
عنصر زمني: يتمثل في وجود فاصل زمني بين اتخاذ الجاني قرار ارتكاب الجريمة، وبين تنفيذها، بما يُثبت أن الفعل لم يكن وليد لحظة انفعال أو اندفاع، بل نتيجة تفكير وتخطيط مسبق.
عنصر نفسي: يقوم على ثبوت العزم المصمم الهادئ الذي يتخذه الجاني بكامل وعيه ورويته، ما يعكس خطورة نيته الإجرامية.
ويجدر التذكير بأن سبق الإصرار قد يكون معلقًا على ظرف معين أو شرط محدد، كما جاء في نص الفصل 394، ما يُظهر مرونة المشرع في التعامل مع هذا الظرف على ضوء النية الإجرامية الثابتة.
2- قتل الأصول
نظم المشرع هذه الجريمة في الفصل 396 من القانون الجنائي الذي نص على ما يلي "من قتل عمدا أحد أصوله يُعاقب بالإعدام."ويقصد بالأصول في هذا السياق: الأب، الأم، الجد، الجدة، وسائر الأصول الشرعين الشرعيين من الام و الاب.
وقد أكد هذا التفسير الفصل 146 من مدونة الأسرة، حيث تم إقرار المساواة بين الأمومة الطبيعية والشرعية، وهو ما يجعل القتل العمد الذي يستهدف أحد الأصول، مهما كانت صفة القرابة، ظرفًا شخصيًا مشددًا ينم عن تمرد على الروابط الأسرية وخرق لحرمة رابطة الدم.
3- الارتباط
يُعد ظرف الارتباط أحد الظروف الشخصية المشددة التي أوردها المشرع المغربي في الفقرة الأخيرة من الفصل 392 من القانون الجنائي، والتي جاء فيها: "إذا كان الغرض من القتل العمد هو إعداد جناية أو جنحة أو تسهيل ارتكابها أو إتمام تنفيذها، أو تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من العقوبة."
ويفترض هذا الظرف أن يكون القتل وسيلة لغاية إجرامية أخرى، وليس مقصودًا لذاته، وهو ما يُضفي على الجريمة درجة عالية من الخطورة والاستهتار بأرواح الغير. ولقيام ظرف الارتباط، يشترط توافر ما يلي:
أن تكون جناية القتل العمد قائمة بأركانها القانونية.
أن يكون الهدف من القتل هو تحقيق إحدى الغايات المنصوص عليها حصريًا في الفصل 392، وهي:
إعداد جناية أو جنحة؛
تسهيل ارتكابها أو إتمام تنفيذها؛
تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم؛
أو تخليصهم من العقوبة.
ويُفهم من ذلك أن القتل المرتبط بجريمة أخرى يكون تابعًا لها في الدافع والنية، ما يستوجب تشديد العقوبة بالنظر إلى توافر نية إجرامية مركبة وخطورة عالية في الفعل المرتكب.
خاتمه
يتضح مما سبق أن مؤسسة العقاب في التشريع الجنائي المغربي لا تقوم على منطق الصرامة المجردة، وإنما تنبني على فلسفة قانونية قائمة على التوازن بين مقتضيات الردع العام ومتطلبات العدالة الفردية. وقد تجسدت هذه الفلسفة من خلال إقرار المشرع لنظام مرن في تقدير العقوبة، يُتيح للقضاء إمكانية التخفيف أو التشديد تبعًا لطبيعة الفعل المرتكب وظروف ارتكابه، وكذا بالنظر إلى شخصية الجاني ومعطياته الاجتماعية والنفسية.
فقد بسط المشرع المغربي من جهة، نظامًا للأعذار القانونية والظروف القضائية المخففة، يستند إلى اعتبارات إنسانية واجتماعية تستدعي أحيانًا تخفيف الجزاء الجنائي، حفاظًا على جوهر العدالة. ومن جهة ثانية، أقر نظامًا دقيقًا للظروف القانونية المشددة، يهدف إلى ضمان حماية فعالة للمجتمع عند ارتكاب جرائم تنم عن درجة عالية من الخطورة الإجرامية.
غير أن هذا التقدير القضائي، رغم أهميته، يظل محاطًا بتحديات تطبيقية، تتمثل أساسًا في غياب معايير دقيقة وموحدة لتقدير بعض الظروف، مما قد يؤدي إلى تفاوت في الأحكام، ويُضعف من الأمن القانوني والقضائي. وهو ما يفرض على المشرع، وكذا الفاعلين القضائيين، بذل مزيد من الجهد من أجل توحيد التوجهات التفسيرية وتفعيل دور الاجتهاد القضائي في تقعيد ضوابط العمل بهذه الأنظمة.
وبناءً على ما تقدم، يمكن القول إن نظام التخفيف والتشديد كما نظمه التشريع المغربي، يُعد تجسيدًا لإرادة المشرع في إقامة عدالة جنائية مرنة وفعالة، غير أن تحقيق هذا الهدف يظل رهينًا بحُسن تفعيل هذه المقتضيات على المستوى العملي، بما يضمن المواءمة بين حماية المجتمع من الجريمة، وصيانة الحقوق الفردية للمتهمين وفقًا لمبادئ دولة القانون.
من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله