إلغاء
القرار الإداري لعيب انعدام التعليل ومخالفة القانون تعليق على حكم المحكمة
الإدارية بفاس رقم 50/7110/2022
خالد قيلولي
باحث بسلك الدكتوراه بالقانون الخاص - كلية الحقوق وجدة
Cancellation of the administrative
decision for lack of explanation and violation of the law comment on the ruling
of the Administrative Court in FAS No. 50/7110/2022
Khalid KAYLOULI
ملخص وقائع القرار
تتلخص وقائع القرار قيد التعليق
في إلغاء القرار الاداري المتخذ من طرف الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بفاس في شخص مديرها وبين السيد XX الذي كان يشتغل كإطار بالأكاديمية المذكورة أعـــــــــلاه، حيث تقدم
المدعي بطلب ترخيص له باجتيار مباراة السلك العادي للمعهـــــد الملكي للإدارة
الترابية والذي تم رفضه من قبل مدير الأكاديمية، فلجأ المدعي إلى القضاء الإداري من
أجل انصافه وإلغاء القرار المتخذ في حقه، وبذلك تكون المحكمة الإدارية قد ألغت
قرار مدير الأكاديمية لعيب انعدام التعليل وعيب مخالفة القانون.
تعرف دعوى الإلغاء بأنها الدعوى
التي يرفعها أحد الأفراد إلى الجهة القضائية المختصة يطلب أول منها
إلغاء القرار الإداري غير المشروع[1]
وإذا كانت دعوى الإلغاء تعرف في
فرنسا بدعوى تجاوز السلطة، فإنه في المغرب وقبل صدور قانون المحاكم الإدارية كانت
هذه الدعوى تعرف بدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، أما بعد صدور هذا
القانون فإن المشرع قد استعاض عن الشطط بمصطلح التجاوز فأصبحت
دعوى الإلغاء تعرف بمقتضى المادة 8 من القانون المذكور بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز
السلطة.
ولئن كانت دعوى الإلغاء وقبل
إحداث المحاكم الإدارية، تدخل ضمن الاختصاصات المحددة للمجلس الأعلى بمقتضى ظهير
27 شتنبر 1957، والتي كان ينظر فيها ابتدائيا وانتهائيا، فإن هذه الدعوى قد أصبحت
من اختصاص المحاكم الإدارية كدرجة أولى ويمكن استئناف أحكامها أمام محاكم
الاستئناف كدرجة ثانية استئنافية ثم أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض مع مراعاة
الاستثناء الوارد في المادة 9 من قانون المحاكم الإدارية والذي يظل بمقتضاها
الغرفة الإدارية بمحكمة النقض مختصا بالبت ابتدائيا وانتهائيا
في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بـ:
المقررات التنظيمية والفردية
الصادرة عن رئيس الحكومة.
- قرارات السلطات الإدارية التي
يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية[2].
إلى أي حد استطاعت المحكمة
الإدارية بفاس (القضاء الإداري) التوفیق بين (مصلحتين متعارضتين) وفق المقتضيات القانونية والدستورية بخصوص الحق
في ولوج الوظائف العمومية وحق المدعى عليها في الاستفادة من خدمات موظفيها،
وعليه سوف نقسم الموضوع إلى
محورين على احمد على عليها في المنوال التالي:
المحور الأول: إلغاء القرار الإداري لعيب الاختصاص ولعيب
انعدام التعليل.
المحور الثاني : إلغاء القرار الإداري لعيب مخالفة القانون.
المحور الأول: إلغاء القرار الإداري لعيب عدم
الاختصاص ولعيب انعدام التعليل.
سوف نقسم هذا المحور إلى عنصرين:
العنصر الأول: يتعلق بإلغاء القرار
لعيب عدم الاختصاص.
يكون عدم الاختصاص هو عدم القدرة
على مباشرة عمل قانوني معين جعله المشرع من سلطة هيئة أخرى أو شخص آخر، وترتيبا
على ذلك، يلزم لمشروعية القرارات الإدارية، أن تكون صادرة من
يملك إصدارها حسب ما تقضي به القواعد المنظمة للاختصاص سواء كانت هذه القواعد
منصوص عليها في الدستور أو في القوانين العادية أو القرارات التنظيمية.
ويعتبر عيب عدم الاختصاص من أقدم
أوجه الإلغاء ظهورا في القضاء الإداري، وأنه العيب الذي تفرعت عنه باقي العيوب
الأخرى، ولا يزال العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام، بحيث يستطيع القاضي أن
يتصدى لعيب عدم الاختصاص من تلقاء نفسه حتى ولو لم يثره طالب الإلغاء كما أن
الإدارة لا تستطيع أن تتفق مع الأفراد على مخالفة قواعد الاختصاص، لأن هذه القواعد
مقررة للصالح العام وليس لمصلحة الإدارة، كما أن العيب الذي يلحق القرارات
الإدارية بعدم الاختصاص يجعلها قرارات باطلة لا يمكن تصحيحها بإجراء لاحق من
السلطة المختصة،
وبالرجوع للحكم القضائي نجد أن المحكمة الإدارية بفاس قد
صادفت الصواب ووقفت إلى حد ما عندما اعتبرت أن سلطة المدير الإقليمي للترخيص في
مباريات التوظيف مقرون بسلطة رفض الترخيص في إطار توازي الشكليات، وهو ما ينفي على
القرار المطعون فيه عيب الاختصاص، خاصة أن الاكاديمية الجهوية للتربية والتكوين
تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وفق المادة الأولى. القانون
00 -07 المتعلق بإحداث الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
وتطبيقا لذلك صرحت المحكمة
الإدارية بالرباط : وحيث إن قواعد الاختصاص هي الوجه الوحيد من أوجه الإلغاء
المتعلق بالنظام العام والذي يمكن للمحكمة إثارته تلقائيا إذا أغفل عن ذلك صاحب
الشأن، وحيث إن سلطة التأديب تملكها السلطة التي لها حق التسمية وهي في نازلة
الحال وزير الصيد البحري في حين نجد أن قرار التأديب الطاعن الذي صدر على إثر
اقتراح المجلس التأديبي قد وقع بالأصالة من طرف رئيس قسم الموارد البشرية دون
الإشارة إلى توفره على تفويض في التوقيع من طرف السيد الوزير، مما يجعل هذا القرار
صادرا عن جهة لا تملك سلطة إصداره"[3].
ولقد جاء في حكم آخر للمحكمة
الإدارية بفاس[4]
في حيثياته :" بناء على المقال الافتتاحي المسجل بكتابة ضبط هذه المحكمة
بتاريخ 13/03/2018 والمعفى من أداء الرسوم القضائية بقوة القانون عرض فيه المدعي
بواسطة نائبته أنه بصفته موظف بموجب عقد بينه وبين الأكاديمية الجهوية للتربية
والتكوين لجهة فاس مكناس عين كأستاذ للتعليم الثانوي الإعدادي بالمؤسسة الثانوية
الإعدادية القاضي عياض لتدريس مادة الرياضيات، وأنه توصل من الأكاديمية الجهوي
للتربية والتكوين لجهة فاس / مكناس بتاريخ 24/01/2018 برسالة مؤرخة في 19/01/2018بإخباره
بفسخ عقد التوظيف ابتداء من 19/01/2018 بدعوى عدم توفره على المؤهلات الضرورية
لتدريس مادة الرياضيات سلك التعليم الثانوي إعدادي، وأن هذا القرار متسم بالتجاوز
في استعمال السلطة، وذلك تأسيسا على عدم توافر شروط الفسخ المنصوص عليها في المادة
13 من العقد الرابط بينهما، فضلا على اتخاذ هذا القرار خلال الموسم الدراسي وليس
عند نهايته وأن ارتكابه لبعض الأخطاء التقنية، حسب ما جاء بإخباره بفسخ عقد
التوظيف ابتداء من 19/01/2018 في تقرير المفتش ليس من شأنه فسخ العقد طالما أنه لم
يتلق أي تكوين مسبق، والتمس تبعا لذلك الحكم بإلغاء قرار الفسخ الصادر عن الأكاديمية
بتاريخ 19/01/2018 والمبلغ له بتاريخ 24/01/2018 مع ترتيب الآثار القانونية على
ذلك ومنها إرجاعه لعمله وتمكينه من أجرته عن طيلة مدة التوقف وإلى غاية الرجوع إلى
عمله مع تحميل الخزينة الصائر..."
العنصر الثاني: يتعلق بإلغاء
القرار لعيب السبب أوانعدام التعليل.
إن السبب كركن من أركان القرار
الإداري، يعرف أنه الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق القرار وتدفع الإدارة
إلى إصداره.
فقيام رجل الإدارة بممارسة
اختصاصاته يجب أن تتم في حدود القانون وبقصد تحقيق الصالح العام، ومن ثم يلزم أن
يستند رجل الإدارة في كل ما يصدره من قرارات إلى أسباب واقعية تبيح له[5].
ذلك، وتجعل تدخله مبررا ومشروعا ويمارس القاضي
في دعوى الإلغاء رقابته على سبب القرار الإداري من جانبيه الواقعي والقانوني فهو
يفحص الواقعة التي تقيم عليها جهة الإدارة قرارها ليتأكد ما إذا كانت موجودة فعلا
أم غير موجودة[6]،
ثم يتأكد بعد ذلك وعلى فرض ثبوتها مما كانت صحيحة أم غير صحيحة، وإلى جانب ذلك فهو
يفحص الحالة القانونية التي تقيم عليها الإدارة قرارها ليتأكد ما إذا كان التكييف
القانوني الذي تضيفه الإدارة على الواقعة سليما أم غير سليم. وأخيرا تأتي الرقابة
على أهمية وخطورة السبب ومدى التناسب بينه وبين القرار المتخذ على أساسه[7].
نؤيد ما ذهبت إليه المحكمة بخصوص عيب انعدام التعليل ولعدم
تضمين الأسباب القانونية والدواعي والمبررات القانونية التي اقتضت اصداره وخرقها
للمقتضيات القانونية والدستورية، و ذلك أن تعليل الإدارة قرارها بأنها في حاجة إلى
خدمات المدعي وإجباره على قضاء حياته الوظيفية في سلك معين يعتبر تعليلا ناقصا و
لا يرتكز على أساس واقعي من جهة على أساس قانونني من جهة أخرى، وبذلك تكون خارقة لمجموعة
من الحقوق التي كرسها دستور 2011، وفي مقدمتها
الحق في تكافئ الفرص والحق في الولوج إلى الوظائف
العمومية حسب الاستحقاق، خاصة بأنه يمكن لها فتح مباراة لتوظيف ما تحتاج إليه من
أطر وموطنين لهم نفس الكفاءة والتخصص.
المحور الثاني: إلغاء القرار الإداري لعيب مخالفة القانون.
يعتبر هذا العيب أهم أوجه الإلغاء
وأكثرها تطبيقا في العمل، ورقابة القضاء فيما يتعلق بمخالفة القانون في رقابة
موضوعية تستهدف التحقق من مدى مطابقة محل القرار الإداري لأحكام القانون أو عدم
مطابقته لها.[8]
وينتقد البعض وبحق عبارة مخالفة
القانون ويعتبرها تسمية غير موفقة لأنها تدل على معنى عام بحيث لو أخذ به على
إطلاقه الشمل جميع أوجه الإلغاء وتضمن جميع صور المخالفة للقانون، وسوف يصدق على
جميع أنواع العيوب التي تشوب القرار الإداري، فعيب عدم الاختصاص يعتبر مخالفة
للقواعد القانونية المتصلة بالاختصاص، وعيب الشكل هو مخالفة لقواعد القانون
المتعلقة بالشكل والإجراءات، إلخ. ولذلك يتجه الفقه والقضاء إلى المعنى الضيق
العبارة مخالفة القانون التي تدل على مخالفة القواعد القانونية أيا كان مصدرها،
سواء كانت مكتوبة، أو غير مكتوبة وبعبارة أوضح يكون القرار الإداري مشوبا يعيب
مخالفة القانون، إذا كان مخالفا لأحد مصادر المشروعية.
يتخذ عيب مخالفة القانون صورا
مختلفة، فهو قد يأتي في صورة الخطأ المباشر في تطبيق القانون كان تقوم السلطة
التأديبية بتطبيق عقوبة غير منصوص عليها في لائحة العقوبات[9].
كما يعد من قبيل عيب مخالفة القانون قيام
الإدارة بتطبيق عقوبتين تأديبيتين على جريمة تأديبية واحدة خلافا للمبدأ العام
الذي يقضي بعدم معاقبة الشخص عن الفعل الواحد مرتين[10]. وقد
يتخذ هذا العيب صورة الخطأ في تفسير القاعدة القانونية أو تأويلها أو تطبيقها، كأن
يصدر قرار إداري بإيقاف موظف عن عمله على أساس عدم كفاءته الصحية دون منحه إمكانية
التحاقه بعمل آخر خلافا لما يقضي به النص القانوني في هذا المجال[11].
في هذا الإطار فقد تمسكت المحكمة
بعيب مخالفة القانون الذي آثره الطاعن في القرار المطعون فيه، لأنه يخالف المقتضيات
الدستورية والمواثيق الدولية التي تتعلق و تكرس مبدأ تكافئ الفرص و ممارسة الحريات
العامة المخولة قانوناً، ذلك أن قرار الإدارة (الأكاديمية الجهوية للتربية
والتكوين لجهة فاس) مس حقه في اجتياز مباراة السلك العادي للمعهد الملكي للإدارة
الترابية واجباره على قضاء باقي حياته المهنية في سلك معين، وكل هذا يجعل هذا القرار المطعون فيه مخالفا للمقضيات الدستورية،
ويبقى قراراً غير مشروع يتعين إلغاؤه.
[1] محمد الأعرج: القانون
الإداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة
الخامسة، 2019، ص 660.
[2] محمد
الأعرج: مرجع سابق ، ص 661.
[3] حكم عدد 174 بتاريخ
18/03/1999، رمضان بن أحمد ضد وزير الصيد البحري، الدليل ـ الجزء الأول، ص 179.
[4] حكم إداري عدد 461 بتاريخ 29 ماي 2018، في الملف
رقم 54/7110/2018، قسم القضاء الشامل، المحكمة الإدارية بفاس.
[5] مصطفى ناصر علي: اختصاص المحاكم الإدارية
بالمغرب، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية
والسياسية، جامعة الحسن الأول، سطات، السنة الجامعية: 2003-2004، ص 456.
[6] حسن صحيب: القضاء الإداري المغربي، سلسلة دراسات
وأبحاث في الإدارة والقانون، العدد الثالث، الطبعة الثانية، ماي 2019، ص 557.
[7] محمد سلمان: المنازعات الإدارية: أطروحة لنيل
شهادة الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية، جامعة محمد الخامس، سلا، السنة الجامعية: 1999-2000، ص 203.
[8] ياسين عمرو كمال: عيب مخالفة القانون في المادة
الإدارية، مجلة الفكر القانوني للدراسات والأبحاث في المادة الإدارية، العدد 18،
دجنبر 2016، ص 103.
[9] قرار المجلي الأعلى (محكمة النقض حاليا) رقم 170
بتاريخ 22 يوليوز 1983، قضاء المجلس الأعلى، العدد 33-34، السنة السابعة، 1986،
ص101.
[10] نورالدين
الفيلالي: رقابة القضاء على عمل الإدارة، مجلة المحاكمة، العدد 26، ماي 2003، ص
203.
[11] محمد الأعرج: مرجع سابق، ص
693.