مدونة الشغل ورهانات الاصلاح المرتقبة مستقبلا على ضوء التحولات التي يشهدها المغرب - خولة بلعوني




مدونة الشغل ورهانات الاصلاح المرتقبة مستقبلا على ضوء التحولات التي يشهدها المغرب

خولة بلعوني

طالبة باحثة في سلك الماستر تخصص قانون الأسرة وقواعد الفقه المالكي - جامعة القاضي عياض بمراكش الكلية المتعددة التخصصات بأسفي

 

The labor code and the upcoming reform bets in the light of the transformations witnessed by Morocco

Khaoula BOLOUNI

              

   مقدمة :

يحتل قانون الشغل في العصر الحالي مكانة بارزة وأهمية كبرى نظرا لكونه يقوم بحماية الطبقة العاملة ويحافظ على حقوقها ومصالحها بعدما ظلت علاقات الشغل ولمدة طويلة محكومة ومنظمة بموجب قواعد القانون المدني[1] كقانون عام، وما جره هذا التطبيق من آثار سلبية على وضعية الأجراء بصفة عامة لأنه يسوي من حيث المراكز القانونية بين الأجير والمشغل ويقوم على أساس فلسفة عامة قوامها تقديس العقد وفرض قوته المطلقة بين المتعاقدين ، والحال أن طرفي العلاقة الشغلية ليسا متساويين، فالأجير يوجد في مركز ضعف والمشغل في مركز قوة وهو ما يجعل العقد الرابط على أساس قواعد القانون المدني اقرب  إلى عقد الإذعان.[2]

من الناحية القانونية وبعد مرور ازيد من 20 سنة من إصدار مدونة الشغل[3] في سنة 2004 و من خلال التجربة العملية ابانت المدونة عن عجزها و قصورها لمواكبة التطورات والتغيرات التي يشهدها المجال الاقتصادي ، بكون هذا الأخير يعرف حركية دائمة و متطورة وكان من الضروري وجود ترسانة قانونية تواكب هذا التغيير الدائم الشيئ الذي يوفر الحماية القانونية والقضائية للأجراء و المتعاملين مع المقاولات وتشجيع الاستثمار لأنه رهان من رهانات التنمية المستدامة.

فبعد عملية حوار اجتماعي طويلة ومعقدة، شاركت فيها الحكومة والنقابات والمنظمات المهنية، حيث تم استحضار ومراعاة المعايير الدولية المقارنة في مجال الشغل والتشغيل، تبين من خلالها ان مدونة الشغل المغربية تعالت الاصوات بشأنها منادية بالتعديل وضرورة تحديث قواعدها القانونية لمواكبة ومسايرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية والتكنولوجية التي شهدها المغرب والعالم على حد سواء، بغية تحسين ظروف الشغل والتشغيل والإنتاجية في المملكة.

فقصور المدونة يشمل العديد من الجوانب مثلا  إن المدونة تنص على غرامات بسيطة، وتفتقر إلى إجراءات ذات وقع زجري على المقاولات اللامواطنة التي تنتهك الحقوق وتتنصل من واجباتها اتجاه العمال والمستخدمين، مشددة على ضرورة بناء إرادة سياسية حقيقية من أجل إعادة بث الطمأنينة في أمكنة الشغل. ومع ذلك، لم تتم إلى حد الآن عملية  إصلاح تشريعي شاملة لمدونة الشغل، بل تم اتخاذ بعض الإجراءات الجزئية والمؤقتة، لمواجهة بعض المشاكل العاجلة، مثل البطالة والتمييز والتهرب من التصريح بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلا أن هاته المجهودات تبقى قاصرة ومحدودة.     

وبالتالي يلاحظ انه اصبحت ضرورة ملحة من اجل اعادة النظر في المدونة بشكل يساير التطور الحالي الذي اصبحنا نعيشه اليوم ، وكما لا يخفى على أحد منا انه هذا له مرجعيات داخلية ودولية تعطي الحق من اجل النهوض بواقع الحال و ارتقاب رهانات التنمية الاقتصادية المستدامة.

وتبعا لذلك فسوف ترتكز منهجية تحليل موضوع " مدونة الشغل ورهانات الاصلاح المرتقبة " ، وفق العناصر التالية:

·         المحور الاول: مرجعيات اصلاح مدونة الشغل بالمغرب

·         المحور الثاني: رهانات اصلاح مدونة الشغل بالمغرب

 

المحور الاول: مرجعيات اصلاح مدونة الشغل بالمغرب

من الناحية المبدئية ان باب اصلاح مدونة الشغل مفتوح على مصراعيه من اجل النهوض بالوضعية القانونية المزرية التي أصبحت مدونة الشغل تشهدها ، وكما نعلم ان من خصائص القاعدة القانونية هي  صفتي العموم والتجريد اي ان القاعدة القانونية  لا تستنفذ غرضها بمجرد تطبيقها على شخص معين أو واقعة محددة بل تستمر لتطبق على كل الفروض المماثلة في المستقبل.

ولا يعني ذلك أن القانون يظل مطبقاً إلى الأبد، فالقانون يوجب لمواجهة واقع وظروف معينة، فإذا تغير هذا الواقع وتلك الظروف، فإن القانون يتغير بدوره حتى يتلائم مع الوضع الجديد، ومن ثم يتم إلغاء القوانين القائمة لأنها لم تعد ملائمة ويصدر المشرع قوانين جديدة تساير الظروف المستجدة.

فمرونة القانون تتطلب قابليته للتعديل بصفة مستمرة حتى يتلائم مع الظروف والوقائع المتغيرة، بل أن هناك بعض القوانين التي تصدر ويكون من المعروف مقدماً أنها تسري لفترة محدودة مرتبطة بظروف وقتية معينة.[4] وبالتالي فظروف الحال تفرض تغيير مدونة الشغل بالمغرب. ومنه فأرضية التغيير لها اساس قانوني صرف ولعل ما يذكر هو دستور المملكة لسنة [5]2011 بإعتباره اسمى قانون في الدولة و يعبر عن إرادة الشعب فيها:

·         المرجعية الدستورية

ان الفرصة الدستورية من خلالها يمنح الدستور المغربي لسنة 2011 حقوقا وحريات جديدة للمواطنين والمواطنات، وتكرس مبادئ الديمقراطية والحكامة [6]والتنمية البشرية والتضامن والتنوع والحداثة وتشجع على المشاركة الفاعلة والمسؤولة للمجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في صنع السياسات العمومية.

وتلزم الدولة بالتزامات ومسؤوليات جديدة في مجالات مثل الحق في الشغل والحق في الإضراب والحق في الحماية الاجتماعية والحق في الصحة والحق في التعليم والتكوين والحق في المساواة ومنع التمييز. وهذا يفتح المجال لملائمة القواعد القانونية لمدونة الشغل مع روح الدستور، وتفعيل حقوقه وحرياته ومبادئه والتزاماته في مجال الشغل والتشغيل.

وبرجوعنا الى الفصل 19 من الدستور الذي ينص على:

« يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي  مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.

تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء.  وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. »

إذا كانت روح الدستور المغربي الجديد تتوجه إلى المستقبل وترسم معالم مغرب آخر متصالح مع هوياته المتعددة ومنفتح على القيم الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان بانسجام وتناسق كامل مع تاريخه وخصوصياته، فإنه جعل من إعادة الاعتبار لكل فئات المجتمع ودسترة الكاملة في الحقوق والواجبات ضمن أولوياته. ويتجلى الانتصار للمرأة المغربية من خلال تنصيص على تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها .[7]

اما في ما يخص الإجراء فالفصل 8 من الدستور ينص على ما يلي :

« تساهم المنظمات النقابية للأُجراء،والغرف المهنية والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق المصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها. ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون.

يجب أن تكون هياكل هذه المنظمات وتسييرها مطابقة للمبادئ الديمقراطية.

تعمل السلطات العمومية على تشجيع المفاوضة الجماعية وعلى إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية، وفق الشروط التي ينص عليها القانون.»

تعتبر الحرية النقابية إحدى الحقوق الأساسية للأجراء التي كرستها الآليات الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة اتفاقيات الشغل الدولية ودساتير المملكة المغربية المعتمدة منذ سنة 1962، وتتجسد هذه الحرية، من خلال حرية تأسيس النقابات المهنية بدون قيد أو ميز في القطاع العام والخاص، لتمثيل مصالح الأجراء على مختلف المستويات والدفاع عن مصالحهم المادية والمهنية والمعنوية وإيمانا بهذا الدور الهام الذي تضطلع به النقابات المهنية في تنظيم. وتمثيل المواطنين والدفاع عن حقوقهم، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتكريسا للمكتسبات التي حققتها المملكة المغربية منذ فجر الاستقلال في ميدان الحرية النقابية تشريعا وممارسة، وسعيا لتوسيع فضاءات الحرية النقابية بهدف تكريس التعددية وتطوير المشهد النقابي، تم تكريس دسترة الحق النقابي في الدستور المغربي الجديد.[8]

·         المرجعية المؤسساتية:

يتوفر المغرب على عدة مؤسسات وهيئات ومنظمات ونقابات هذه الاخيرة لها اطار قانوني دستوري تحديدا في الفصل 8 من الدستور ،ويعهد لها بتمثيل العمال والدفاع عن مصالحهم وحقوقهم التي يحميها القانون في مواجهة مشغلهم وكذا النهوض بوضعيتهم تماشيا مع المبادئ الديمقراطية و قانون الشغل.

ايضا جمعيات تعنى بمجال الشغل والتشغيل، وتمثل مصالح ومطالب وتوقعات الأطراف المعنية بالشغل، مثل الحكومة والبرلمان والقضاء والنقابات والمنظمات المهنية والأكاديمية والبحثية والإعلامية والحقوقية والنسوية والشبابية وغيرها. وهذا يشكل فرصة لتعزيز الحوار الاجتماعي والتشاور والتعاون والتنسيق بين هذه المؤسسات والفاعلين والاستفادة من رؤاهم وخبراتهم ومقترحاتهم ومساهماتهم في عملية إصلاح مدونة الشغل وتحقيق التوافق والتضامن والشراكة بينهم وتعزيز الديمقراطية التشاركية والمساءلة والشفافية في مجال الشغل.

·         المرجعية الاستراتيجية:

هنا يتعلق الأمر بالنمودج التنموي الجديد [9]ان السياسة التنموية المنتهجة بالمغرب في الميدان الاقتصادي والاجتماعي والاداري   والثقافي والبيئي لم ترقى إلى المستوى المطلوب المتجلى في تحقيق تنمية شاملة ومندمجة حقيقية كفيلة بتطوير مستوى عيش السكان، وذلك من خلال تبني سياسة تنموية فعالة، تعمل على توفير الحد الأدنى من حاجيات السكان الأساسية، وهو ما يغيب في كل إصلاح تنموي بالمغرب .

ومن أجل تحقيق الطموحات والأهداف الأساسية التي ينشدها فإن النموذج التنموي الجديد يرتكز على محاور رئيسية للتحول والتي سيكون من اللازم إنجازها وفقا للمبادئ والمقاربات التي تدعو إليها مرجعية التنمية والتوجه التنظيمي.

من ضمن هذه المحاور الرئيسية يوجد محور تطوير الاقتصاد من اقتصاد يتسم بقسمة مضافة ضعيفة، وانتاجية منخفضة مع أنشطة ريعية ومحمية إلى اقتصاد يتميز بتعدد الأنشطة وبالتنافسية قائم على نسيج مكثف من المقاولات قادرة على الابتكار والمرونة ويجب أن يكون هذا التحول الاقتصادي مصدرا لنمو أكبر وقادرا على خلق مناصب شغل ذات جودة، قصد تنويع مصادر خلق القيمة المضافة وضمان إدماج الساكنة النشيطة، خصوصا الشباب والنساء في سوق الشغل.[10]

·         المرجعية الدولية:

ينتمي المغرب إلى عدة منظمات و اتفاقيات وشراكات دولية تتعلق بالتعاون والتبادل والتجارة والتنمية والسلام وحقوق الإنسان وتتضمن بعض للمعايير والالتزامات والتوصيات في مجال الشغل والتشغيل مثل المنظمة الدولية للشغل والاتحاد الأوروبي والمنطقة الحرة القارية الإفريقية والمبادرة الأمريكية للشراكة مع الشرق الأوسط وغيرها.

وهذا يوفر فرصة لتحسين موقع المملكة المغربية وصورته وعلاقاته على الصعيد الدولي والاستفادة من الدعم والتمويل والخبرة والتكنولوجيا المتوفرة والتكيف مع التحديات والفرص العالمية، والمساهمة في تحقيق الأهداف الإنمائية المستدامة وذلك بتطبيق وتطوير المعايير الدولية في مجال الشغل والتشغيل. جاءت ديباجة الجزء الثامن من معاهدة فرساي[11] لتؤكد على الحرية النقابية كحق طبيعي تعمل منظمة العمل الدولية على تحقيقه باعتباره قطب التعاون الثلاثي (الحكومة –أرباب العمل – والنقابات) الذي يؤطر عمل منظمة العمل الدولية، حيث نصت المادة 427 من المعاهدة على حق التجمع من أجل موضوعات غير مخالفة للقانون سواء لفائدة الأجراء أو المشغلين على السواء .

وهو عنصر سيتم تأكيده في إعلان في فيلاديلفيا سنة 1944 الذي يؤيد بشكل خاص ضمان حرية التجمع باعتبارها شرطا ضروريا للتقدم الاجتماعي، وعلى السياسات الوطنية والدولية توفير الظروف الملائمة للوصول إلى العدالة الإجتماعية، لأنها السبيل لإقامة سلام عالمي دائم  ، وبالتالي فإن كل القيم التي جاء بها الإعلان أو المعاهدة تروم تحرير العمال عبر تحرير العمل من كونه مجرد سلعة ورفع التمييز في الولوج بشكل متساو في إطار العمالة الكاملة بصرف النظر عن الجنس أو العقيدة أو العرق .[12]

المحور الثاني: رهانات اصلاح مدونة الشغل بالمغرب

ان رهان اصلاح مدونة الشغل بالمغرب اصبح حديث اليوم وذلك راجع إلى مجموعة من الامور التي اصبحنا نشهدها اليوم من تقدم في مختلف ارجاء  العالم ، ومن  اجل مواكبة هذا التطور الحالي نهج المغرب استراتيجية جلب الاستثمار والمستثمرين وذلك لوضعه لميثاق الاستثمار .

يعد ميثاق الاستثمار الجديد، الصادر في دجنبر 2022، خارطة الطريق الإستراتيجية لإعطاء نفس جديد للاستثمار بالمغرب، الذي من شأنه أن يعزز تنافسية الاقتصاد الوطني فضلا عن تثمين دور الفاعلين في القطاع الخاص، وكذا منظومة الإنتاج المغربية. من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من الميثاق، تم اعتماد أنظمة لدعم الاستثمار تشمل نظاما أساسيا وأنظمة خاصة تشمل كل أنواع الاستثمارات وجميع المجالات الترابية، وهو ما يشكل انتقالا نوعيا في أنظمة الاستثمار بالنظر إلى أشكال المنح المنبثقة عن النظام الأساسي، منها المنح المشتركة والترابية والقطاعية، ثم الأنظمة الخاصة التي تستهدف مشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي، والمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، بغية تشجيع المقاولات المغربية على التواجد الدولي[13] فمن اجل اصلاح شامل لمدونة الشغل الأمر متوقفة على تحقيق رهانات   تشمل المجالات التالية 

·         المجال القانوني:

يتمثل في تحديث وتوحيد وتبسيط وتوضيح القواعد القانونية المتعلقة بالشغل والتشغيل، وتنسيقها مع بعضها البعض حتى تتلاءم مع روح الدستور المغربي ومع باقي القوانين الأخرى، وكذا مع المعايير الدولية والقوانين المقارنة في مجال الشغل والتشغيل، وتطبيقها بفعالية وعدالة على جميع القطاعات والفئات المهنية والمناطق وتحسين الرقابة والمتابعة والمحاسبة والعقاب للمخالفين والمتجاوزين، وتطوير القضاء الاجتماعي والتطوير الوسائل المكملة للعدالة أو الوسائل البديل لفض النزاعات الشغليةوذلك يتطلب تعزيز الإرادة التشريعية والتوافق الاجتماعي لإجراء الإصلاحات الضرورية، والاستفادة من التجارب والدراسات والخبرات المتوفرة في هذا المجال والاستماع إلى مقترحات وملاحظات الخبراء والمهتمين والمتضررين من مدونة الشغل والتواصل مع الرأي العام والإعلام والمجتمع المدني لشرح وتوضيح وتحصيل الدعم والتأييد للإصلاحات المقترحة.[14]

وفي هذا السياق قال، عضو الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة، محمد التويمي بنجلون؛ “إن أوراش الإصلاحات الشاملة المتعلقة بمدونة الشغل وتنظيم ممارسة حق الإضراب تعد من الأوراش لكبرى والمعقدة، والتي ظلت حبيسة الرفوف ولم تعرف أية مراجعة لفترة طويلة حتى تجاوزها الزمن، بالرغم من المتغيرات والتطورات التى عرفها عالم الشغل والاقتصاد الوطني بشكل عام على امتداد عشرين سنة الماضية، التي عرفت قفزات نوعية على صعيد العديد من الأوراش والمجالات”.

وأشاد بنجلون، في مداخلة له خلال جلسة الأسئلة الشفوية المنعقدة اليوم الاثنين 27 ماي 2024 بمجلس النواب، في هذا الإطار، بالإجراءات المتخذة من طرف الحكومة، التي جعلت من الحوار الاجتماعي الأخير فضاء مؤسساتيا، ومدخلا أساسيا لتطوير تشريعات الشغل والتشغيل بشكل جماعي وتشاركي، عنوانه الحوار والتوافق بين كل الفرقاء[15].

·         مجال العدالة  .

وعندما نقول وضع استراتيجية جلب الاستثمار والمستثمرين من اجل النهوض بالوضعية الاقتصادية في المغرب فالأمر رهين بوجود عدالة قائمة بذاتها من أجل حماية المستثمرين وأصحاب المقاولات والعمال وصيانة حقوقهم ومصالحهم ، وهذا رهين بوجود جهة قضائية تحقق لهم هذه الامور هذا هو الدور الأساسي للقضاء [16]. ان  الإنجليز يهتمون بشخص القاضي أكثر من اهتمامهم بالنصوص القانونية لأن القاضي الصالح لا يصدر عنه إلا الخير والعدل والصواب ومن هنا كان القضاء أساسا للتنمية وتشجيع الاستثمار وهو ما عبر عنه جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في تصريح له أمام رجال الأعمال الأمريكيين حين قال "إن العدالة هي أفضل حماية للاستثمار"، ومعلوم أن رأس المال جبان وأنه بمجرد ما يشعر بالخطر يترك المكان فارا. [17]

توسيع مجال المساعدة القضائية لتشمل التقاضي على مستوى محكمة النقض ، لأنه وكما نعلم حسب الفصل 273 من قانون المسطرة المدنية[18] الذي ينص :

<< يستفيد من المساعدة القضائية بحكم القانون العامل مدعيا أو مدعى عليه أو ذوو حقوقه في كل دعوى بما في ذلك الاستيناف. وتسري آثار مفعول المساعدة القضائية بحكم القانون على جميع إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية. >>

ينبغي توسيع نطاق المساعدة القضائية للعامل لتشمل حتى مصاريف محكمة النقض لأنه في بعض الاحيان وبسبب المصاريف القضائة الازم وضعها من اجل رفع طلب النقض يتخلى العامل عن حقه في الطعن بالنقض 

·         المجال الاقتصادي:

يتمثل في تحسين الأداء الاقتصادي للمغرب، وزيادة معدلات النمو والاستثمار والتنافسية والابتكار، وخلق فرص شغل جديدة ومناسبة للمؤهلات والتطلعات المتنوعة للشغيلة وتقليل البطالة والفقر والتهميش، وتحقيق التنمية الإقليمية والاجتماعية المتوازنة، ويتطلب ذلك مراجعة بعض الأحكام القانونية التي تحد من مرونة سوق الشغل وتعزز الرسمية والثبات والحماية للأجراء .

وتشجع على التكيف مع التحولات الاقتصادية والمناخية والتكنولوجية العالمية، وتحفز على زيادة الأعمال والاقتصاد الاجتماعي والتضامن ،مثلا كنظام المقاول الذاتي [19]الذي يعتبر بمثابة نظام قانوني جديد تم وضعه لبعض الأنشطة وتحت بعض الشروط بهدف تشجيع انشاء المقاولات مع الاستفادة من امتيازات ضريبية واجتماعية. في حالة عدم العثور على النشاط المرغوب في لائحة الأنشطة الممكنة أو نشاط يشمله، يجب اختيار إطار قانوني آخر ملائم .

·         المجال الاجتماعي:

يتمثل في تحسين ظروف الشغل والحياة للأجراء، وضمان حقوقهم الأساسية مثل الأجر والتدريب والترقية والتقاعد والتغطية الصحية والحوافز ، وتعزيز المساواة بين الجنسين ومكافحة التمييز والتحرش والعنف في مكان الشغل، وتطوير الحوار الاجتماعي والتفاوض الجماعي والتمثيل النقابي ومشاركة الأجراء في صنع القرارات المتعلقة بالشغل.

فمن اجل تحقيق هذه الغايات يتطلب الأمر مراجعة بعض الأحكام القانونية التي تحمي الأجراء من الطرد التعسفي والانتهاكات والمخالفات، وتحدد الحد الأدنى للأجور والمدة القصوى للشغل والراحة والعطل، وتنظم العلاقات الجماعية والفردية وكذا النزاعات العمالية والإضرابات والاحتجاجات.

اما فيما يخص قانون الاضراب الذي يعتبر حق للعمال تم الاتفاق بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب على إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وستعمل الحكومة على برمجة مناقشة المشروع والمصادقة عليه خلال الدورة البرلمانية الربيعية الحالية، وسيتم إخراج القانون التنظيمي من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية المتمثلة في ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور، ومع التشريعات الدولية، وضمان التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل، وتدقيق مختلف المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب، وضبط المرافق التي تستوجب توفير حد أدنى من الخدمة خلال مدة سريان الإضراب، وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضة في حل نزاعات الشغل الجماعية.[20]

ايضا النقابات العمالية فهي تحتاج في المغرب إلى إعادة النظر في استراتيجياتها وتكييفها مع التغيرات الحالية في المجتمع والاقتصاد والسياسة، وإيجاد طرق جديدة لتحقيق مطالب العمال وحماية حقوقهم بشكل أفضل، وذلك عبر التحول إلى نموذج نقابي أكثر شفافية وديمقراطية ومساهمة فعلية في النقاشات العامة واتخاذ القرارات المهمة.

وبالنسبة لعيد الشغل، فإن تراجع النقابات العمالية و تراجع قوتها ونفوذها يؤثر بشكل مباشر على احتفالات هذا الحدث الوطني الهام، حيث يتم تقليل أهمية الحدث والاحتفال به بشكل أقل وضعيف، وهذا يعكس تراجع قوة النقابات العمالية وتراجع دورها في المجتمع.[21]



[1]   قانون الالتزامات والعقود ظهير 9 رمضان 1331 ) 12 أغسطس 1913.

[2] وفاء جوهر ،قانون الشغل بالمغرب عقد الشغل بالمغرب بين النظرية والتطبيق ، الطبعة الأولى ، مكتبة المعرفة مراكش ، 2018 ، الصفحة 8

[3] ظهير شريف رقم 1.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 11) ، سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل

[4] محمد حسين منصور ،المدخل الى القانون القاعدة القانونية ،الطبعة الأولى ،منشورات الحلبي الحقيقية ،2010 ، الصفحة 21 .

[5] ظهير شريف رقم 91-11-1 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور.

[6] مفهوم الحكامة : يعتبر مصطلح الحكامة من أهم المصطلحات التي تم تداولها في الحقل التنموي منذ نهاية الثمانينات، حيث ثم استعماله لأول مرة من طرف البنك الدولي في 1989 الذي اعتبر الحكامة أنها:” أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من اجل التنمية” .

[7] كريم لحرش ، الدستور الجديد المملكة المغربية – شرح وتحليل - ، سلسلة العمل التشريعي و الاجتهادات القضائية ، العدد 3 ، 2012 ، الصفحة ،37 .

[8] كريم لحرش ، الدستور الجديد المملكة المغربية – شرح وتحليل - ، مرجع سابق ، الصفحة 27 .

[9] في نونبر من سنة 2019، أحدث الملك محمد السادس لجنة خاصة، عين على رأسها شكيب بنموسى وتضم 35 عضوا من مسارات أكاديمية مختلفة، وكلفها بالعمل على مشروع النموذج التنموي الجديد في إطار منظور استراتيجية شامل ومندمج.

وعهد إلى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي اقتراح التعديلات الكبرى المأمولة والمبادرات الملموسة الكفيلة بتحيين وتجديد النموذج التنموي الوطني وفق مقاربة تشاركية ومندمجة، وكان مقررا أن ترفع تقريرها إلى الملك صيف سنة 2020؛ لكن جائحة “كورونا” مددت عملها إلى بداية السنة الجارية.

[10] عبد الكريم بوعبيد، النمودج التنموي الجديد بالمغرب بين مطرقة التحديات وسندان الاصلاح لتحقيق التنمية الوطنية ، مجلة قراءات علمية في الابحاث والدراسات القانونية والعلوم الإنسانية ، العدد 31 ، 2024 ، الصفحة 289 .

[11] معاهدة ڤرساي او اتفاقية ڤرساي، هي المعاهدة التي أسدلت الستار بصورة رسمية على وقائع الحرب العالمية الأولى. وتم التوقيع على المعاهدة بعد مفاوضات استمرت 6 أشهر عام 1919. ووقّع الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولى من جانب، والجانب الآخر كان الجانب الألماني المهزوم في الحرب في 28 يونيو 1919. وتم تعديل المعاهدة فيما بعد في 10 يناير 1920 لتتضمّن الاعتراف الألماني بمسؤولية الحرب ويترتب على ألمانيا تعويض الأطراف المتضرّرة مالياً. وسمّيت بمعاهدة ڤرساي تيمناً بالمكان الذي تمّ فيه توقيع المعاهدة وهو قصر ڤرساي الفرنسي.

[12] حمو علي سليمان ،الحق النقابي والمشاركة العالمية في القانون الدولي ، مجلة سابقة ، الصفحة 354 .

[13] https://www.policycenter.ma/

[14] مقتطف من أرضية الندوة التي سوف تنعقد بجامعة الحسن الاول بسطات ، تحت عنوان تحديات وفرص اصلاح مدونة الشغل بالمغرب ، بتاريخ 18 ابريل 2024 ،السعة التاسعة والنصف صباحا.

[15] https://www.pam.ma

[16] كما ينص الفصل 117 من الدستور << يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون. >>

[17] مجلة الملحق القضائي ،العدد 44 ، مطبعة دار السلام بالرباط ، سنة 2011 ،الصفحة 9 .

[18] قانون المسطرة المدنية (الصادر بظهير رقم 447-74-1 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 سبتمبر 1974)

[19] نظام المقاول الذاتي هو صيغة مقاولاتية جديدة أحدثها ظهير شريف رقم 1.15.06 صادر في 29 من ربيع الآخر 1436 (19 فبراير 2015) بتنفيذ القانون رقم 114.13 المتعلق بنظام المقاول الذاتي بهدف الحد من البطالة وتشجيع العمل الحر مع تسهيل الإجراءات الإدارية إلى أقصى حد.

[20] https://www.alakhbar.press.ma/

[21] https://mawtininews.com/

من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك



من أجل تحميل هذا العدد 20 - إضغط هنا أو أسفاه على الصورةمجلة قانونك - العدد الثالث