أية سياسة لتحقيق الأمن المائي بالمغرب ياسر غالم




أية سياسة لتحقيق الأمن المائي بالمغرب

ياسر غالم

باحث بسلك الدكتوراه، تخصص العلوم القانونية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله

 

Any Policy to achieve water Security in Morocco

Yasser GHALEM

 

الملخص: يشكل الماء أحد الدعامات الأساسية للتنمية بمختلف مستوياتها إن على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، ولذلك فإن الحفاظ على الموارد المائية هي مسؤولية مشتركة بين جميع مكونات الدولة، وقد أصبح هذا المورد المهم محطة إشكال مطروح على طاولة الساحة الوطنية في الآونة الأخيرة حيث أصبح المغرب يعاني من ندرة الماء المفرطة منذ الأربعين سنة الماضية وذلك راجع لعدة عوامل طبيعية وأخرى متعلقة بالاستغلال البشري غير المعقلن، وتتجلى أهمية الموضوع أساسا في القيمة الضرورية لمورد الماء الذي لا يتصور بدونه القيام بأي نشاط اقتصادي او اجتماعي، وفي ظل ذلك عملت المملكة المغربية على وضع سياسة متوازنة إن على مستوى القانون أو على مستوى تهييئ البنية التحتية من أجل الحفاظ على تحقيق التوازن في الحفاظ على الموارد المائية في الحاضر وحماية الأجيال القادمة، فكان الهدف طرح هذا الموضوع هو أهميته في الوقت الذي يعرف فيه المغرب مشكل الجفاف المتتالي بالإضافة إلى غياب روح المسؤولية المواطنة في التعامل مع ملف الماء.

 

Summary Water is one of the basic pillars of development at various levels, whether at the national level or at the international level, therefore, the conservation of Water Resources is a common responsibility of all components of the state, and this important resource has become a problem on the table of the National Arena recently, as Morocco has been suffering from excessive water scarcity since the last forty years due to several natural and other factors related to unreasonable human exploitation, and the importance of the subject is mainly reflected in the necessary value of the water resource, without which no economic or social activity can be imagined, and in light of this, the kingdom of Morocco has worked to develop a balanced policy at the legal level Or at the level of preparing infrastructure in order to maintain a balance in the conservation of Water Resources in the present and protect future generations, the aim of raising this topic was its importance at a time when Morocco knows the problem of successive droughts in addition to the absence of a spirit of civic responsibility in dealing with the water file.

مقدمـــــة

يعتبر الماء من أهم الموارد الأساسية التي يرتكز عليها النشاط الإنساني، ويشكل عمق التنمية المستدامة، فلا يمكن تصور وجود حياة في المستقبل بدون وجود ما، يقول الله سبحانه وتعالى » وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ   «  ، وقد أصبح هذا المورد الهام من المشكلات المطروحة على مستوى الساحة الدولية في الآونة الأخيرة بسبب نقصانه المضطرد، حيث تواجه منطقة شمال إفريقيا ندرة المياه بشكل غير مسبوق.

والمغرب ليس بمنأى عن باقي دول المنطقة، فهو بدوره يعاني من هذه الإشكالية التي تعد الأسوأ منذ أربعين سنة، حيث أشار التقرير الاقتصادي والمالي لمشروع قانون المالية لسنة 2023، أن موارد المياه الكلية للفرد في المغرب تبلغ حاليا حوالي 600 متر مكعب سنويا، مقابل 1000 متر مكعب للفرد عالميا، مما يتطلب تكثيف الجهود من أجل رفع هذه التحديات وتثمين الموارد المائية باعتبارها عنصر أساسي لتحقيق التنمية.

أهمية الموضوع:

تتجلى أهمية موضوع الماء من خلال دستور المملكة 2011، حيث أكد ضمن مقتضياته على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة كل المواطنات والمواطنين على قدم المساواة في الحق في الحصول على الماء، وما فتئ جلالة الملك يعطي أهمية قصوى لهذا الموضوع عبر خطاباته في كثير من المناسبات خصوصا في الخطاب الأخير الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية لسنة 2022، حيث دق ناقوس الخطر ودعى إلى تبني مقاربة متعددة الأبعاد وبالجدية اللازمة، كما تتجلى أهمية الموضوع من خلال الهمل على وضع سياسات استباقية زمن أجل تدبير ملف الماء الذي يشكل صلب التنمية المستدامة ووضع حلول للإكراهات والتحديات التي تواجه هذا القطاع الاستراتيجي الحيوي.

أهداف الموضوع:

إن الهدف من طرح هذا الموضوع هو راهنيته في الوقت الذي يعرف المغرب مشكل الجفاف المتتالي بالإضافة إلى غياب روح المسؤولية والمواطنة في التعامل مع ملف الماء من حيث سوء التدبير الذي نتج عنه التبذير المفرط للمياه، في غياب وسائل التواصل والتحسيس وعدم التلقائية سياسة المؤسسات المشرفة على تدبير الماء بالمغرب، ومن أجل ذلك نهدف من خلال طرح هذا الموضوع المحاولة في طرح حلول ووسائل في سبيل إيجاد حلول على المستوى الوطني والترابي.

إشكالية البحث:

إن ملف الأمن المائي يعد من بين الملفات التي تتطلب تدخل كل الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني والمواطنين من أجل تحمل المسؤولية كل في مجال اختصاصه، وذلك لا لشيء إلا من أجل وضع خطط استباقية تكميلية للخطط التي تم وضعها سابقا لتدبير الماء بالمغرب خصوصا وأن بلادنا تمر من فترات جد صعبة نتيجة توالي سنوات الجفاف وقلة الأمطار، علاوة على مشكل الإفراط اللامسؤول واللاأخلاقي للمياه، وفي ظل هذه المشاكل نطرح السؤال التالي:

إلى أي حد تم وضع خطة استراتيجية من أجل تدبير السياسة المائية وتحقيق الأمن المائي بالمغرب؟

تتفرع عن هذا السؤال المحوري الأسئلة الفرعية التالية:

_ ما هي الإنجازات التي تم تحقيقها من أجل تأمين الماء؟

_ ما هي الإكراهات التي تواجه ملف الماء بالمغرب؟

_ هل تم وضع خطط استراتيجية مركزيا وجهويا لتدبير الأمن المائي؟

للإجابة على هذه الإشكالية والأسئلة المتفرعة عنها اعتمدنا على المنهج العلمي التحليلي، مقسمين الموضوع إلى مطلبين أساسيين كالتالي:

المطلب الأول: الإنجازات التي تم تحقيقها لتأمين الماء بالمغرب

المطلب الثاني: التحديات، والإجراءات المتخذة لتدبير السياسة المائية بالمغرب

 

المطلب الأول: الإنجازات التي تم تحقيقها لتأمين الماء بالمغرب

لقد سعت المملكة المغربية منذ عهد الحماية إلى الحفاظ على الثروة المائية باعتبار أن هذه الأخيرة هي أساس التنمية الاقتصادية المستدامة خاصة وأن الاقتصاد المغربي كان ولا يزال يرتكز بالأساس على  القطاع الفلاحي، وفي ظل التقلبات المناخية التي كان يعرفها المغرب، اتخذت المملكة حزمة من الإجراءات ضمن سياستها الاستراتيجية محاولة منها في تأمين الماء كثروة حقيقية، وتتجلى أهم الإنجازات التي حققتها الدولة المغربية في إطار سياستها المائية من خلال تطوير البنية التحتية (الفقرة الأولى)، وسن مجموعة من المقتضيات القانونية المتعلقة بالماء (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الإنجازات على مستوى تطوير البنية التحتية

لقد قطعت المملكة المغربية طريقا طويلا لإرساء سياسة مائية محكمة منذ فترة الاستقلال إلى يومنا هذا، وهو ما مكن من الاستجابة إلى الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والأمن المائي ثم الأمن الغذائي[1]، وقد كان للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله دور مهم ضمن سياسته الطموحة في بناء السدود والمنشئات الكبرى، ففي سنة 1967 انطلقت عملية بناء أول سد بمدينة طنجة، وتلتها بعد ذلك مجموعة من المشاريع البنيوية التي تهدف إلى زيادة العرض المائي، من أبرزها أول محطة لتحلية مياه البحر في بوجدور سنة 1967، حيث ساهمت رؤية الملك الراحل بشكل مباشر في مواكبة مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومختلف مراحل النمو الديمغرافي، فضلا عن تقليص حدة الأضرار الناجمة عن فترات الجفاف الصعبة.

بالإضافة إلى ذلك وفي إطار المقاربة الاستباقية التي تنهجها المملكة دائما لتحقيق نتائج مهمة لاسيما فيما يتعلق بالعدالة المجالية، حيث ساهمة تجربة التدبير اللاممركز للماء[2]، من إحداث أول وكالة وطنية للأحواض المائية، مكنت من تلبية الحاجيات المتزايدة لجميع أصناف مستهلكي الماء، وقد ارتفعت وتيرة الاستثمار في البنيات التحتية المائية ابتداء من سنة 2000، بالاعتماد أساسا على إنجاز منشئات مائية كبرى لتعبئة المياه السطحية، حيث أصبح المغرب يتوفر حاليا على عدد مهم من السدود يقدر ب 150 سدا كبيرا بسعة إجمالية تقدر ب 19.6 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى 140 سد صغير، ناهيك عن محطات تحلية مياه البحر التي تقدر ب 12 محطة، من بينها 9 محطات تنتج المياه الصالحة للشرب[3].

ومن أجل مواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وكذا البرامج والسياسات القطاعية ومواجهة الخصاص في الماء، فقد تم إعداد مخطط وطني للماء من طرف الدولة، يحدد الأولويات الوطنية فيما يتعلق بتعبئة واستعمال الموارد المائية في أفق سنة 2030، وتتمثل أهم المرتكزات المتعلقة بهذا المخطط في ثلاث محاور أساسية وهي:

1_ التحكم في الطلب على الماء وتثمينه.

2_تدبير وتنمية العرض الماشي.

3_المحافظة على الموارد المائية السطحية والجوفية والمجال الطبيعي والتأقلم مع المتغيرات المناخية.

وبالموازاة مع المخطط الوطني السالف الذكر، وتفعيلا للتوجهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس[4]، تم إحداث لجنة تقنية سنة 2017، مهمتها إعداد برنامج أولويات التزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي، من خلال اقتراح مجموعة من البرامج، من قبيل برنامج استعجالي وبرنامج لتسريع الاستثمارات في قطاع الماء[5].

وعليه في ظل هذه المجهودات فقد تم تحقيق مجموعة من النتائج من ضمنها، تعميم التزود بالماء الصالح للشرب بنسبة 100 %، انطلاقا من منظومة مائية مستدامة، كما يتم متابعة تعميم التزود بالماء الصالح للشرب في العالم القروي، حيث بلغت المنشئات المنجزة نسبة ولوج تصل إلى 90 %، فضلا عن تعميم مياه سقي الأراضي الزراعية.

الفقرة الثانية: الإنجازات التشريعية

لقد عمد المغرب منذ عهد الحماية الفرنسية، من خلال ظهير الأملاك العمومية، إلى اعتبار الثروة المائية، بكافة أشكالها من الأملاك العمومية للدولة التي لا يمكن أن تكون محل تملك خاص، باستثناء إذا ما اكتسب عليها حق قانوني، ومنذ ذلك الزمن، تم تأطير الماء من خلال مجموعة من النصوص القانونية المتفرقة، ليتم سنة 1995، تجميعها وتحيينها لتتلاءم ومتطلبات العصر الحالي، وذلك من خلال القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء.

أما في ظل دستور 2011[6]، وفي سياق المقاربة العالمية التي باتت تتسم بدسترة البعد البيئي باعتباره حقا مكتسبا ضمن حقوق الجيل الثالث، حيث تم التنصيص من خلال الفصل  3 على أنه " تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير حصول المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، على الماء والعيش في بيئة سليمة ".

في ظل هذه الرؤيا تم خلال سنة 2016 إصدار القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، الذي عدل وغير مقتضيات القانون 10.95، حيث جاء بمقاربة حديثة في تدبير الموارد المائية، خصوصا وأن المغرب كان مقبلا في نفس السنة على احتضان فعاليات المؤتمر الدولي للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ[7].

وتتجلى أهم الأهداف التي جاءت ضمن مقتضيات هذا القانون فيما يلي:

  • ضمان التلقائية المخططات الوطنية والترابية الرامية إلى تحقيق تدبير معقلنا ورشيدا للموارد المائية.
  • التأسيس لوحدة ترابية تنفرد بتدبير الموارد المائية على مستوى مجال ترابي محدد.
  • حماية وتثمين الموارد المائية باعتبارها تندرج ضمن الأملاك العامة للدولة، ووضع الأسس الزجرية والضبطية للحد من إتلافها.

       وقد تميز القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء عن سابقه رقم 10.95، بتبنيه المقاربة التشاركية في التدبير المائي، من خلال إدماجه لجميع الفعاليات، إن على المستوى الترابي أو على مستوى المجتمع المدني للتدخل في تدبير المورد المائي، وهو ما نصت عليه مقتضيات المادة الأولى التي جاء فيها " يحدد هذا القانون قواعد التدبير المندمج واللامركزي والتشاركي للموارد المائية من أجل ضمان حق المواطنات والمواطنين في الحصول على الماء ... "، وقد كان من أهم المؤسسات التي تم التنصيص عليها والتوسيع في مجال عملها من خلال هذا القانون، هي وكالات الأحواض المائية التي أصبحت تلعب دورا مهما في تدبير الماء على المستوى الترابي[8].

في ظل كل هذه الإنجازات المحمودة سواء على مستوى تطوير البنيات التحتية الحاضنة للموارد المائية، أو على مستوى التشريعات المتعلقة بالماء، إلا أن مسألة الماء ظلت هاجسا مقلقا بالنسبة للمغرب خاصة في السنوات الأخيرة حيث عرفت هذه الثروة مجموعة من التحديات والإكراهات، وهو ما سنتطرق إليه في النقطة التالية.

المطلب الثاني: الإكراهات، والإجراءات المتخذة لتدبير السياسة المائية بالمغرب

     يندرج المغرب ضمن البلدان ذات المستوى العالي من الخصاص المائي بسبب عدة إكراهات طبيعية وبشرية، وأخرى مرتبطة بمستوى الحكامة والتدبير (الفقرة الأولى)، لذلك يتعين على الدولة بمختلف مكوناتها أن تسارع الزمن من أجل اتخاذ التدابير الرامية للحفاظ على سيادته المائية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الإكراهات التي يعرفها قطاع الماء بالمغرب

تتمثل أهم الإكراهات التي يعرفها قطاع الماء بالمغرب في تلك المرتبطة بالمناخ، حيث تتمثل على الخصوص في قلة التساقطات المطرية بفعل التغيرات المناخية، حيث سجلت وزارة التجهيز والماء تراجعا في تساقط الأمطار لسنة 2022 بنسبة 27  %مقارنة بالمعدل السنوي[9]، ناهيك عن ارتفاع في درجات الحرارة بسبب الاحتباس الحراري، الأمر الذي يؤدي إلى تبخر المياه من السدود والأرض، وبالتالي فإن هذه العوامل تساهم بشكل كبير في تدني العرض المائي بالمغرب.

وبالرغم من هذه العوامل التي تعتبر أهم إكراه يواجه الأمن المائي بالمغرب، إلا أن النمو الديمغرافي المتزايد أضاف تحديات جديدة تمثلت في تراجع الطاقة الاستيعابية للسدود والقنوات المائية، حيث يستخدم الأفراد المياه العذبة بطريقة غير مسؤولة تؤدي إلى هدرها وتلوثها وهي الظاهرة التي لم تحشد لها السلطات العمومية أية ذات بال، بالإضافة إلى الطلب المتزايد على المياه خصوصا في الأنشطة الاقتصادية كالفلاحة التي تعتبر أكبر مستهلك للمياه في المغرب بنسبة تفوق 80% من المياه العذبة.

ومن جهة أخرى، ينبغي الإشارة إلى أن إشكالية ندرة المياه لا تتجلى فقط في الإكراهات الطبيعية والبشرية، بل تظهر أيضا على مستوى التدبير والحكامة، وتتمثل هذه الإكراهات في تعدد المتدخلين في تدبير الموارد المائية والتداخل في الاختصاصات مما يؤدي إلى ضعف التنسيق بين المتدخلين وتضخم المخططات والاستراتيجيات.

وفي إطار التحديات المتعلقة بندرة المياه، قد أشار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير له أن ندرة المياه بالمغرب أصبحت مقلقة لأن موارده المائية تقدر حاليا بأقل من 650 متر مكعب للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعب في سنة 1960، وأضاف المجلس في تقريره أن الموارد المائية ستنخفض عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030، كما أضاف التقرير بأن الدراسات الدولية تشير إلى أن التغيرات المناخية يمكن أن تسبب في اختفاء 80% من موارد المياه المتاحة في المملكة المغربية خلال الخمس والعشرين سنة المقبلة[10].

الفقرة الثانية: الحلول الرامية للحفاظ على السيادة المائية بالمغرب

استحضارا لأهمية الماء على مستوى التنمية بمختلف تجلياتها، وبغية تحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي المرتبط به، وفي ظل التحديات التي يعرفها هذا القطاع، أعطى الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الأولى بتاريخ 14 أكتوبر 2022، تعليماته السامية لمختلف المتدخلين، باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة من أجل تدبير ملف الأمن المائي، وتنفيذا لتعليماته أعلنت  الدولة المغربية على مجموعة من الإجراءات لأجل تدبير الشح المائي، من خلال العمل على تعبئة مواردها وتحسين حكامة منظومتها، عبر إعادة هيكلة السياسة المائية، ومن أهم هذه التدابير تم تخصيص غلاف مالي يقدر ب10.6 مليار درهم برسم ميزانية 2023، من أجل إعطاء الأولوية للماء الصالح للشرب في المناطق المتضررة، والتصدي لمختلف التأثيرات السلبية الناجمة عن الجفاف كالهجرة القروية وتضرر سلاسل الإنتاج الفلاحي.

وقد سبقت هذه الإجراءات تدابير جد مهمة تتجلى في توقيع اتفاقية أمام الملك  من أجل تنزيل البرنامج الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي لسنة 2020-2027، بتاريخ 13 يناير 2020، باستثمار إجمالي قدره حوالي 115.4 مليار درهم، وسيتم رفع هذا المبلغ إلى 150 مليار درهم،[11] وتتجلى أهداف هذا البرنامج في مواصلة بناء السدود ومحطات تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى تثمين الماء في الغطاء الفلاحي عبر التحويل إلى الري الموضعي باعتباره أكثر نجاعة وفعالية في توفير المياه وتحسين إنتاجية المحاصيل، علاوة عن استكمال المشاريع المبرمجة كإنجاز الشطر الثاني من محطة التحلية بأكادير الذي تمت برمجته في أفق 2025 عوض 2030، وستتولى مهمة تدبير هذا المشروع الاستراتيجي هيئة وطنية لتدبير الماء، والتي ستعنى بتدبير قطاع الماء وفق مقاربة مندمجة من البداية إلى النهاية[12].

ومن جهة أخرى، على إثر الوضعية الراهنة التي يعرفها المغرب من نقص حاد في التساقطات المطرية على مدى ثلاث سنوات متتالية، تم وضع برنامج استعجالي لتأمين التزويد بالماء الشروب في المناطق المتأثرة من الجفاف الحاد، وقد بلغت التكلفة الإجمالية لهذا البرنامج حوالي 8.72 مليار درهم،[13] وتتمثل التدابير الاستعجالية التي تضمنها البرنامج في بناء سدود صغيرة وتلية، واقتناء صهاريج بلاستيكية وإلحاقها بالمناطق المتضررة خاصة منها القروية والجبلية، إضافة إلى الربط بين الأحواض المائية بهدف توفير المياه الصالحة للشرب[14].

خاتمــــــة

نستنتج من خلال هذا الموضوع أن السيادة المائية بالمغرب تعرف مجموعة من التحديات والإكراهات إن على مستوى الإكراهات الطبيعية والتغير المناخي، أو على مستوى التحديات البشرية والنمو الديمغرافي المتزايد وما نتج عنه من سوء في تدبير الموارد المائية، وفي ظل كل هذه التحديات عملت الدولة المغربية منذ الاستقلال إلى يومنا هذا على وضع مجموعة من البرامج والتدابير الرامية إلى تحقيق نوع من التوازن في الحفاظ على المواد المائية وتحقيق الأمن المائي في الحاضر والمستقبل وذلك بفضل الرؤيا المتبصرة للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، وجلالة الملك محمد السادس نصره الله.

ولكن رغم كل المجهودات إلا أن المغرب يعرف في الوقت الحالي انتشار أجنحة الجفاف والتغير المناخي الذي لم يعرف له مثيل من زمن قد خلا مما يتوجب تظافر الجهود وتحمل المسؤولية حكومة وشعبا لأجل تحقيق الأمن المائي والغذائي على حد سواء، وفيما يلي بعض المقترحات حول الموضوع:

_ يجب القيام بعمليات التحسيس المتواصل، يكون الهدف منها تحسيس جميع مستعملي الماء بالأهمية الحيوية باعتماد سلوكيات بيئية مسؤولة تجاه الماء.

_ يجب وقف سقي المساحات الخضراء العمومية والحدائق الترفيهية بالماء الصالح للشرب، في سيبل محاولة تعميم محطات تدوير المياه العادمة على مجموع التراب الوطني من أجل السقي بها.

_ التنبيه إلى الكشف المبكر عن التسريبات عبر القنوات المائية من أجل ضمان إمداد أكبر لمستعملي الماء.

_ مراجعة التسعيرة المعتمدة حاليا سواء على المستوى الوطني أو المحلي، ومحاولة الرفع منها بالنسبة للذين يستعملون الماء بشكل مفرط، وهذا الإجراء بالنسبة إلي سيوفي بالغرض في محاولة الاستهلاك المعقلن للماء.



[1]  الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، المنعقدة بتاريخ 17 جمادى الاولى 1444ه، الموافق ل 10 يناير 2023ه، حول السياسة المائية بالمغرب.

[2]   انطلقت تجربة التدبير اللاممركز للماء، مع ميلاد أول إطار قانوني للاتمركز الإداري بموجب مرسوم رقم 2.63.625 بتاريخ 20 أكتوبر 1993 المتعلق باللاتمركز الإداري.

[3]  مذكرة التقديم المتعلقة بمشروع قانون المالية رقم 22.50.

[4]  التوجهات الملكية، في إطار انعقاد المجلس الوزاري بتاريخ 2 أكتوبر 2017، و5 يونيو 2018، انصب المجلس على دراسة إشكالية الماء الصالح للشرب ومياه الري وسقي المواشي.

[5]  الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، المنعقدة بتاريخ 8 ربيع الأول 1439ه، الموافق ل 27 نوفمبر 2017، التي خصصت للسياسة المائية في ظل التقلبات المناخية.

[6]  دستور المملكة المغربية، الصادر في 17 شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011، ج ر عدد 5664 مكرر، الصادرة بتاريخ 30 يوليوز 2011.

[7]  احتضن المغرب المؤتمر الثاني والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة، حول التغيرات المناخية (كوب 22) في شهر نونبر من سنة 2016 بمدينة مراكش، حيث شكل هذا المؤتمر محطة بارزة في مسار انخراط المغرب في خدمة القضايا البيئية والتنمية المستدامة.

[8]  تم إحداث وكالات الأحواض المائية بمقتضى الفرع الثالث من الباب الثاني من القانون المتعلق بالماء رقم 10.95، وتم التنصيص عليها في الفرع الثاني من الباب السادس من قانون الماء رقم 36.15، وهي مؤسسات عمومية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، تحدث على مستوى كل حوض مائي أو مجموعة من الأحواض المائية، ويكون ضمن تشكيلة مجلس إدارة وكالة الحوض المائي رؤساء مجالس الجهات المعنية أو نوابهم.

[9]  يرجى زيارة الموقع الرسمي لوزارة التجهيز والماء حول الموضوع:

http://www.equipement.gov.ma

 

[10]  التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي برسم سنة 2019.

[11]  جاء في الاجتماع الذي عقده المجلس الحكومي بتاريخ 30 نوفمبر 2022.

[12]   سبق أن دعى التقرير العام المتعلق بالنموذج التنموي الجديد إلى إحداث هذه اللجنة الوطنية.

[13]  تقرير مذكرة التقديم لمشروع قانون المالية برسم سنة 2023.

[14]  أطلقت وزارة التجهيز والماء في نونبر من سنة 2022، مشروع الشطر الاستعجالي للربط بين حوضي سبو وأبي رقراق من سد المانع سبو باتجاه سد سيدي محمد بن عبد الله.

من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك



من أجل تحميل هذا العدد 20 - إضغط هنا أو أسفاه على الصورةمجلة قانونك - العدد الثالث