المنــــازعات المرتبطة ببطاقة الأداء البنكية – بطاقة الأداء نموذجا – عبد الله منيوي

 




المنــــازعات المرتبطة ببطاقة الأداء البنكية – بطاقة الأداء نموذجا –

عبد الله منيوي

باحث بسلك الدكتوراه جامعة سيدي محمد بن عبد الله

 

Disputes related to the bank scorecard - the scorecard as a model –

Abdallah MNIOUI

 

مقدمة:

لقد أفرز التطور التكنولوجي تحولات مختلفة في جميع نواحي الحياة، وقد كان لهذا التطور العديد من النتائج الإيجابية والسلبية، فكما حقق سهولة في إنجاز المعاملات وتطورها أدى أيضا إلى ظهور منازعات.

هذا وقد أسهمت هذه الثورة التكنولوجية في إحداث تغيرات جوهرية في القطاع البنكي والمالي وبنيته لكون هذا القطاع بطبيعته سريع التأثر والاستجابة للمستجدات التي أفضت إلى بروز ابتكارات حديثه ووسائل تكنولوجية متطورة تسعى إلى تكريس الثقة والائتمان بين المتعاملين، وتحقيق السرعة في المعاملات[1].

ومن أهم الوسائل التي أفرزتها المتغيرات التكنولوجية الأساليب المتطورة للوفاء التي تعتبر أكثر تقدما من الأوراق التجارية وهي البطاقات البنكية، التي عرفت انتشارا واسعا في الوقت الحاضر، كما أنها تعرف انتشارا متزايد لارتباطها بالتطور التكنولوجي، إذا أصبحت البطاقات البنكية من بين أهم الأنشطة التي تقوم بها البنوك والمؤسسات المالية.

تأخذ البطاقة البنكية عدة تسميات كبطاقة الائتمان أو بطاقة الدفع البلاستيكية أو بطاقة الدفع الالكتروني...، كل هذه البطاقات تمنح للأشخاص الذين يتوفرون على حسابات مصرفية مستمرة وهي عبارة عن بطاقات شخصية صغيرة تتضمن مجموعة من المعلومات وتأخذ شكلا نمطيا موحدا تسمح بسحب النقود وكذا الوفاء دون حاجة إلى دفع نقود عينية[2].

ويمكن تعريفها بأنها عقد بمقتضاه يتعهد مصدر البطاقة بفتح اعتماد بمبلغ معين لمصلحة شخص آخر هو حامل البطاقة الذي يستطيع بواسطتها الوفاء بمشترياته لدى المحلات التجارية التي ترتبط مع مصدر البطاقة بعقد تتعهد فيه بقبولها الوفاء بمشتريات حاملي البطاقات الصادرة من طرف الأول على أن تتم التسوية النهائية بعد كل مدة محددة[3].

وهي بطاقات تخول حاملها الحق في الحصول على تسهيل ائتماني من مصدر هذه البطاقة فضلا عن كونها أداة للوفاء. وهناك من يعرف البطاقة البنكية بأنها بطاقة خاصة يصدرها المصرف لعميله كي تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من محلات وأماكن معينة عند تقديمه هذه البطاقة، ويقوم بائع السلع أو الخدمات بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف مصدر الائتمان فيسدد قيمتها له، ويقدم المصرف للعميل كشفا شهريا بإجمالي القيمة لتسديدها أو يخصمها من حسابه الجاري[4]

وتنقسم البطاقات البنكية إلى عدة أنواع منها بطاقة الائتمان وهي التي تخول صاحبها الحصول على سلع وخدمات تسدد قيمتها من الجهة المصدرة البطاقة، ويجب على حامل البطاقة سداد القيمة للجهة المصدرة للبطاقة خلال أجل متفق عليه، وبطاقة السحب وكما هو واضح من اسمها فهي تخول صاحبها سحب النقود من حسابه لدى البنك المصدر للبطاقة عبر الشبابيك الأوتوماتيكية.

وبطاقة الأداء تخول حاملها الوفاء بثمن السلع والخدمات التي يحصل عليها من المحلات المعتمدة لدى الجهة مصدرة البطاقة، أي أن البطاقة تحل محل النقود على أن تقوم المؤسسة البنكية باقتطاع المبلغ وتحويله إلى حساب المحل التجاري المعتمد، يعرفها بعض الفقه المغربي بأنها ورقة تتضمن أمرا والتزاما بالأداء غير قابل للرجوع فيه موجه من طرف الزبون صاحب البطاقة موجه إلى المؤسسة البنكية المصدرة قصد القيام بتحويل مبلغ معين من حسابه البنكي إلى حساب المورد.

أما على مستوى التشريع المغربي فإن المشرع لم يتعامل مع هذه الأداة بما هو كافي حيث جاء في المادة 329 م ت في الفقرة الأولى "تعتبر وسيلة الأداء وفق مقتضيات المادة 4 من الظهير الشريف رقم 147-33-1 بتاريخ  15 محرم 1411 (6 يوليو 1993) والمعتبر بمثابة القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان كل وسيلة تمكن كل شخص من تحويل أموال كيفما كانت الطريقة أو الخطة التقنية المستعملة لذلك"[5]

لكن ما يلاحظ على هذا التعريف أنه تعريف عام حيث يشمل جميع وسائل الأداء، وبالعودة إلى المادة السادسة من القانون رقم 103.12 [6] "تعتبر وسائل للأداء جميع الادوات التي تمكن أي شخص من تحويل أموال كيفما كانت الدعامة أو الطريقة التقنية المستعملة لذلك..."

وقد ظهرت البطائق البنكية في البداية في الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من القرن 20 لتنتقل بعدها إلى باقي دول العالم وخاصة أوربا[7]. ولقد صاحب تعدد الأدوار التي تؤديها البطائق البنكية إلى تعدد المشاكل والنزعات المتعلقة بها خاصة تلك الناشئة عن العلاقات المتبادلة بين أطرافها وكذا تلك المترتبة عن سوء استعمالها.

ومن خلال ما سبق تبدو أهمية الموضوع على مستويين، فالأهمية النظرية لدراسة هذا الموضوع تكمن من الناحية القانونية في كون المشرع المغربي رغم تبنيه لنظام البطاقة البنكية إلا أنه لم يخضعها لتنظيم قانوني خاص بها يساير التطور المستمر لها، ويحكم العلاقات القانونية الناتجة عن استخدامها ويضمن سلامة واستقرار التعامل بها، أما على المستوى العلمي فهناك عدد من المنازعات المدنية الناشئة عن الإخلال بالالتزامات المترتبة عن العلاقات التي تربط أطرف البطاقة البنكية مما تنعقد معه المسؤولية المدنية عن الأضرار التي تصيب الأطراف الاخرى، وإلى جانب ذلك قد ينطوي الاستخدام غير المشروع للبطاقة البنكية على مخالفة للنظام العام إلى الحد الذي يشكل جريمة تنشأ معه المسؤولية الجنائية، مما يجعل هذا الموضوع يحظى بأهمية بالغة.

ومن خلال كل ذلك يمكن أن طرح الإشكالية التالية:

"ما مدى استيعاب التنظيم القانوني لهذه الوسيلة من وسائل الأداء الحديثة (البطاقة البنكية) في ضبط وتنظيم العلاقات المترتبة عنها؟"

وللإجابة عن هذه الإشكالية أعالج هذا الموضوع وفق المبحثين التاليين:

المبحث الأول: العلاقات التعاقدية الناشئة بين أطراف البطاقة البنكية وإشكالية إثباتها

المبحث الثاني: نظام المسؤولية في بطاقة الأداء

 

المبحث الأول: العلاقات التعاقدية الناشئة بين أطراف البطاقة البنكية وإشكالية إثباتها

لقد ساهم التطور التكنولوجي الذي عرفه العالم في العقد الأخير على النشاط البنكي وأعمال البنوك بشكل إيجابي، من خلال تراجع الاعتماد على حمل النقود واستبدالها بنظام البطاقات البنكية التي لقيت قبولا في الأوساط المالية، إذ أصبح لها في الوقت الراهن دور كبير في العمليات البنكية.

ويترتب عن عقد الانضمام لنظام البطاقة البنكية علاقات تعاقدية ينتج عنها جملة من الالتزامات التي تنشأ بين أطراف البطاقة البنكية (المطلب الأول) مما تثار العديد من الإشكاليات المرتبطة بالإثبات في هذه البطاقة (المطلب الثاني)

المطلب الأول: العلاقات التعاقدية الناشئة عن استعمال بطاقة الأداء

إن المشرع المغربي لم يضع نظام قانوني خاص بالبطاقة البنكية وإنما أعطى للأطراف وفقا لما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 329 من مدونة التجارة الحرية الكاملة من أجل وضع شروط استعمال وسائل الأداء على ضوء الممارسة البنكية مع مراعاة احترام قواعد النظام العام المبينة في مدونة التجارة

هذا ويترتب عن استخدام بطاقة الأداء عدة علاقات تعاقدية، إذ يرتبط كل طرف من أطراف البطاقة البنكية بالطرفين الآخرين بعقود مستقلة، أولها تلك التي تربط البنك بعميله (الفقرة الأولى) وثانيها تلك التي تربط البنك بالتاجر (الفقرة الثانية) وأخرى تربط الحامل بالتاجر وهو ما سنتطرق إليه تباعا.

الفقرة الأولى: العلاقة بين البنك مصدر البطاقة وحاملها

إن العلاقة التي تربط البنك بعميله هي علاقة يغلب عليها طابع الإذعان في كل المعاملات التي يجريانها من بينها طلب الحصول على البطاقة البنكية وذلك وفق شروط موضوعة سلفا وغير قابلة للتفاوض بشأنها.

وبما أن عقد الحساب البنكي الذي بموجبه يحصل صاحبه على البطاقة البنكية يعتبر من العقود الملزمة للجانبين، فإنه يرتب التزامات متبادلة بين أطراف العلاقة التعاقدية والتي تشمل التزام المؤسسة البنكية(أولا) ثم التزام حامل البطاقة (ثانيا)

أولا: التزامات البنك مصدر البطاقة:

تقوم العقود البنكية عامة على الاعتبار الشخصي ، وهذا ما يجعل البنك ملزم بالبحث والتقصي عن شخصية زبونه عند القيام بفتح حساب له[8] وبهذا يترتب عن عقد طلب الحصول على البطاقة مجموعة من الالتزامات التي تقع على عاتق البنك المصدر وهي حقوق للحامل منها ما يرتبط بالبطاقة (أ) ومنها ما هو مرتبط بالخدمات المتعلقة بها (ب)

أ- الالتزامات المتعلقة بالبطاقة البنكية:

يقع على عاتق المؤسسة البنكية التزام يتجلى في مد الحامل شهريا بكشف واضح يتضمن جميع العمليات المنجزة بواسطة البطاقة البنكية خلال المدة المتفق عليها في العقد، والصيد المتبقي له، والعمولة المستحقة، ومبلغ الفوائد المستحقة عن الرصيد السابق، ثم تاريخ استحقاق المبالغ التي أنفقها عن طريق البطاقة[9] ،وارتباط بهذا فإن البنوك تشترط على حامل البطاقة ضرورة الإعلام في حالة المعارضة على كشف الحساب داخل أجل 30 يوما يبدأ من تاريخ تسلم الكشف تحت طائلة سقوط حقه في المعارضة، إلا أن الإشكال الذي يطرح في هذا الإطار في الحالة التي لا يتوصل العميل بالكشف هنا هل يسأل البنك أم الحامل؟  خاصة أن البنك غالبا ما يدرج شرط في العقد يقتضي افتراض العلم واستعلام الكشف داخل الأجل المحدد. هنا في هذا الصدد نجد بعض الفقه يرى بأن الحامل بإمكانه إثبات عدم التوصل بالكشف بكافة وسائل الإثبات وأن القرينة التي يضعها البنك هي قرينة بسيطة[10]

بالإضافة إلى ذلك نجد البنك له التزام آخر يتعلق بالبطاقة البنكية، والذي يتمثل في الالتزام بالسر المهني، وعند الإخلال بهذا الالتزام تقوم المسؤولية الجنائية للبنك وفقا لما نصت عليه المادة 446 من القانون الجنائي، إذ أنه على مستوى البطاقة البنكية هناك نوعين من المعلومات، معلومات مقروءة كاسم الحامل وتاريخ انتهاء صلاحيتها، ومعلومات سرية كالرقم السري والحد الأقصى المسموح. والتزام البنك بحماية الأسرار المعهودة إليه من طرف عملائه فيه احترام للثقة المتبادلة التي تشكل أساس العمل البنكي[11]

) -  ب) : الالتزامات المرتبطة بالخدمات المتعلقة بالبطاقة البنكية

يترتب على عقد الانضمام التزام بتقديم مجموعة من الخدمات، حيث يقع على عاتق البنك التزام بالوفاء للتاجر بقيمة المشتريات التي حصل عليها حامل البطاقة، إذ يكون البنك في مركز الضامن أمام التجار الدائنين المنخرطين في حدود المبلغ المتفق عليه بوصفه الحد الأقصى لاستعمال البطاقة ،ويكون فيما يتعداه وكيلا عن صاحب البطاقة في هذا الوفاء مادام لم يشعر التجار وأصحاب الخدمات بإيقاف التعامل مع من تجاوز السقف المسموح له به[12]

كما يقع التزام آخر على عاتق البنك المصدر يتمثل في نشر الإخطار بواقعة ضياع أو سرقة البطاقة البنكية وذلك لمنع الغير من استعمال البطاقة في حالة ضياعها من قبل الحامل بعد إشعار هذا الأخير البنك بواقعة الفقد أو الضياع.

ومن بين الإجراءات التي يقوم بها البنك لتحقيق ذلك، برمجة الشبابيك الاوتوماتيكية برفض البطاقة محل المعارضة ،كما يجب عليه أن يقوم بتعميم هذا الإخطار على التجار الذين يقبلونها كوسيلة أداء ليتسنى لهم معرفة كونها موجودة في اللائحة السوداء، ورفضها عندما تقدم إليهم تحت طائلة تحملهم المسؤولية عن النفقات المنفذة بواسطتها بعد إعلامهم من قبل البنك [13]

وتكون المؤسسة البنكية ملزمة بهذا الإجراء، ولو لم يقم صاحب البطاقة بالتصريح بالضياع لدى الشرطة القضائية، واكتفى بإخبار المؤسسة البنكية فقط. وهذا ما أكدت عليه محكمة النقض في إحدى قراراتها حيث جاء فيه : " تعليل محكمة الموضوع الذي استبعد شرط من الشروط النموذجية لاستعمال البطاقة البنكية المتعلقة بالأداء بشاهدة الضياع أو السرقة المسجلة لدى الشرطة باعتبارها له مجرد اجراء إضافي أو التأكيدي لا يبعد مسؤولية البنك" [14]

ثانيا: التزامات حامل البطاقة

يقع على عاتق حامل البطاقة البنكية مجموعة من الالتزامات في مواجهة الجهة المصدرة لها، منها ما يتعلق بالاعتبار الشخصي (أ) ومنها ما يتعلق بالاعتبار المالي(ب).

) أ) – الالتزامات المتعلقة بالاعتبار الشخصي لحامل البطاقة :

هذه الالتزامات المتعلقة بالاعتبار الشخصي يمكن تقسيمها إلى شقين: التزامات سابقة على التعاقد وأخرى بعد توقيع عقد الانضمام.

§         الالتزامات السابقة على التعاقد:

إن أول ما يقوم به الحامل هو ملء طلب الاشتراك في نظام الوفاء بالبطاقة، والذي يتضمن عادة بيانات شخصية عن الحامل ومواردها المالية، وجميع العناصر اللازمة لتحديد هويته. وهذه العناصر تختلف في حالة طلب البطاقة بواسطة أحد الأفراد الطبيعيين عنها في حالة طلب البطاقة من قبل أحد الأشخاص المعنوية باسم أحد ممثليه[15]

ففي حالة طلب البطاقة بواسطة أحد الأفراد الطبيعيين لاستعماله الشخصي، يجب أن يفصح هذا الفرد عن اسمه ونسبه وعنوانه كاملا، ومواطنه ونسيته، ووضعيته المهنية وتوقيعه وكل المعلومات التي تهم مصدر البطاقة عند إبرام العقد مع توقيع مالك الحساب عند اختلافه عن طالب البطاقة.

أما في حالة طلب البطاقة من قبل أحد الأشخاص المعنوية فيجب ذكر الاسم التجاري للشخص المعنوي ومقره الاجتماعي مع ذكر اسم ولقب حامل البطاقة وعنوانه كاملا، وموقع الحامل في التدرج الوظيفي داخل الشخص المعنوي، كما أنه من الممكن اسم هذا الأخير على البطاقة وبالتالي توقيع كل من الحامل والممثل القانوني للشخص المعنوي [16]

وتكمن أهمية هذا الالتزام في كون الجهة المصدرة للبطاقة تتمكن من تحديد حد الائتمان الممكن منحه للزبون، وكذا تحديد عنوان الحامل للتمكن من إرسال الكشوف الشهرية.

وعند ثبوت أن المعلومات التي أدلى بها صاحب البطاقة للمؤسسة المصدرة حول شخصيته وهويته غير صحيحة، فإن مصدر البطاقة يستطيع أن يحرك في مواجهته الدعوى الجنائية، إذ أن هذه المخالفات ولو كانت تدخل في النطاق التعاقدية بينهما فإنها تشكل جريمة. أما من الناحية المدنية فإن رضا مصدر البطاقة يكون معيبا لأن صاحب البطاقة أوقع مصدرها في غلط في شخصيته، إلا أنه في غالب الأحيان تحاول المؤسسة المصدرة للبطاقات تفادي الإشكاليات التي قد تنتج في حالة عدم صحة المعلومات التي يتقدم بها صاحب البطاقة، حيث تضع شرطا في العقد يقضي بعدم مسؤوليتها في حالة عدم صحة المعلومات، ومن ثم يكون لها الحق في الفسخ التلقائي للعقد الذي يجمعها بصاحب البطاقة [17]

§         التزامات الحامل بعد التعاقد:

إن عقود الانخراط تنص على التزام صاحب البطاقة بإخطار مصدرها بكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تعديل المعلومات المثبتة في العقد الابتدائي حول شخصية صاحب البطاقة، خاصة في حالة تغيير محل الإقامة لما له من أهمية في تسهيل الاتصال بين المصدر والحامل.

كذلك نجد الالتزام باحترام الطابع الشخصي للبطاقة، إذ يشكل هذا الأخير دورا محوريا في استعمال بطاقة الأداء ومن الشروط الأساسية في جميع عقود البطاقات، إذ يجب على صاحب البطاقة أن يستعملها استعمالها شخصيا طبقا لما ينص عليه عقد الانخراط، حيث لا يجوز له تفويت البطاقة لغيره أو إعارتها وإنما تبقى تحت حراسته حيث أنه ملزم باستعمال البطاقة بنفسه ولا يمكنه التنازل عليها للغير دون موافقة البنك لأن شخصيته محل اعتبار عند إبرام العقد، كما يلتزم بالمحافظة على الرقم السري وإبقائه طي الكتمان التام، أما إذا سمح صاحب الب

طاقة للغير في استعمالها يكون مسؤولا عن جميع النفقات التي قام بها حائز البطاقة، كما أنه يتعرض للفسخ التلقائي للعقد المبرم بينه وبين مصدر البطاقة مع تحمله إصلاح الأضرار المترتبة عن هذا الاستعمال لأن الحامل يكون قد أخل بالتزاماته[18]

إضافة إلى  ذلك نجد أن جميع عقود الانضمام لنظام الوفاء بالبطاقة البنكية تتضمن شرطا يلزم الحامل برد البطاقة عند انتهاء مدة صلاحيتها أو عند فسخ العقد، وفي حالة الامتناع عن ذلك فإنه يتعرض للمساءلة القانونية، وهذا ما أقره القضاء الفرنسي عندما أدان عميلا امتنع عن رد البطاقة واستمر في استخدامها إذ يعتبر مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة.

وتجدر الإشارة إلى أن العقد الرابط بين مصدر وصاحب البطاقة يمكن أن يتضمن شرطا يواجه حالة التسوية أو التصفية القضائية أو الحجر على حامل البطاقة بمقتضاه يلتزم هذا الأخير أو السنديك الذي تنتقل إليه إدارة أمواله أن يسارع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإرجاع البطاقة والائتمان لمصدرها، حيث أنه إذا ما استمر حامل البطاقة أو السنديك في استعمال البطاقة ،فإن المبالغ التي استخدمها بعد شهر التصفية أو تاريخ قرار الحجر، يعتبر دينا على جماعة الدائنين ويلتزم السنديك بأن يوفي لمصدر البطاقة مبالغ تقابلها، فعدم رد السنديك البطاقة يعتبر قبولا ضمنيا بتجديد العقد لحساب جماعة الدائنين ، ولقد سبق لاجتهاد القضائي في فرنسا أن قضى بصحة هذه الشروط عندما أقر بالفسخ التلقائي للعقد المبرم بين صاحب البطاقة وحاملها بمجرد شهر التسوية أو التصفية القضائية في مواجهة هذا الأخير لقيام ذلك العقد على الاعتبار الشخصي إلا إذا وجد شرط يقضي بحق السنديك في تجديد العقد في اسم جماعة الدائنين [19]

كما يقع التزام  آخر على عاتق الحامل يتمثل في إخطار البنك بواقعة ضياع البطاقة أو سرقتها فورا للوقاية من الاستعمال غير المشروع للبطاقة من طرف الغير ،وذلك من خلال التصريح بذلك لدى وكالته البنكية أثناء ساعات العمل إما بواسطة الهاتف أو الفاكس مع تأكيد هذا التصريح برسالة مضمونة أو برسالة تسلم بعين المكان، وإلا تحمل المسؤولية عن المبالغ التي تم تنفيذها من طرف الغير بواسطة البطاقة، وبعد وصول الإخطار للمصدر بضياعها أو سرقتها تنتقل المسؤولية عن الاستعمال غير المشروع للبطاقة من الحامل إلى البنك. وبالرجوع لمقتضيات المادة 330 من مدونة التجارة ، نجدها تسمح بالتعرض عن الأداء في حالات سرقة البطاقة أو ضياعها أو التسوية أو التصفية القضائية للمستفيد فقط[20]، في حين نجد المشرع قد غيب حالتي التزوير والاستعمال التدليسي للبطاقة البنكية كسبب من أسباب التعرض على الأداء ،وقد أعتبره البعض قصورا تشريعيا لكون المشرع أخذ هذه المادة عن نظيره الفرنسي من خلال المادة 3 من القانون الصادر في 30 دجنبر 1991 المتعلق بأمن الشيكات والبطائق البنكية ، إلا أنه عدل بمقتضى قانون 25 نونبر 2001 والذي اعتبر الاستعمال التدليسي والتزوير من أسباب التعرض.

) ب) : الالتزامات المرتبطة بالاعتبار المالي لحامل البطاقة

إن الالتزامات التي تقع على عاتق الحامل لا تقتصر على تلك المرتبطة بالاعتبار الشخصي، بل هناك التزامات ذات اعتبار مالي.

ويترتب عن عقد القائم بين المؤسسة المصدرة للبطاقة وحاملها التزام هذا الأخير بالوفاء بالمبالغ التي استخدمها عن طريق استعمال البطاقة، ولا يخلو عقد من عقود البطاقات الأداء والائتمان من هذا الشرط الذي يوضح طرق الوفاء، وكذا الجزاءات التي يتعرض لها صاحب البطاقة إذا تخلف عن القيام بهذا الوفاء. كما يمكن لمصدر البطاقة أن يطلب وجود كفيل أو تأمين لضمان استرداد المبالغ التي يستخدمها صاحب البطاقة باستعمال البطاقة. [21]

ويبقى هذا الالتزام مستقل عن العلاقات القانونية الناشئة بين الحامل والتاجر التي أحدثت هذا الوفاء، سواء كانت عملية بيع أو تقديم خدمات، ولا يستطيع حامل البطاقة البنكية التخلص من هذا الالتزام بإثارة النزاعات مع التاجر، باعتبار مصدر البطاقة من الغير بالنسبة للعلاقة القائمة بين حامل البطاقة والتاجر، لذا لا يجوز الاحتجاج في مواجهته بالدفوع المستمدة والناتج عن هذه العلاقة.

وتتضمن عقود البطاقة البنكية الإشارة إلى هذا الالتزام، مع بيان كيفية أو طرق الوفاء، الجزاءات التي يتعرض لها صاحب البطاقة الذي يتخلف عن القيام بالوفاء. [22]

الفقرة الثانية: علاقة البنك بالتاجر

إن العلاقة بين البنك والتاجر أو أصحاب الخدمات الذين يقبل البنك التعامل معهم على هذا الأساس، وحسب الشروط التي سطرها البنك في العقد الذي وضعه تقوم على نوع من الوكالة، إذ أن البنك يوكل التاجر أو أصحاب الخدمة بتقديم سلعة أو بضاعة أو القيام بخدمة إلى حامل البطاقة التي يصدرها البنك بعد التأكد من سلامة البطاقة، إلا أن جميع المنازعات التي قد تقع بين العميل والتاجر حول عدم صلاحية البضاعة التي تسلمها العميل أو عدم توفر المواصفات المتفق عليها فيها، تبقى محصورة بين العميل والتاجر لأن البنك ضامن لأداء ثمن السلعة للتاجر لا لجودة المبيع أو سلامته للعميل. [23]وبهذا فإن العلاقة التي تربط المؤسسة البنكية بالتاجر علاقة يؤطرها عقد يسمى بعقد توريد الخدمة، الهدف منه تمكين حامل البطاقة للأداء المشتريات بواسطتها من التاجر المنخرط في هذا النظام و كما هو الشأن بالنسبة للعلاقة بين المؤسسة البنكية مصدرة البطاقة والحامل، والتي ترتب التزامات متبادلة بينهما، نفس الأمر ينطبق على العلاقة بين المؤسسة المصدرة والتاجر، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال الحديث عن الالتزامات التي تقع على عاتق المؤسسة البنكية تجاه التاجر (أولا) والالتزامات التي تكون للتاجر تجاه الجهة المصدرة (ثانيا).

أولا: التزامات الجهة المصدرة للبطاقة تجاه التاجر

إن الالتزامات التي تقع على عاتق المؤسسة البنكية تجاه التاجر يمكن تقسيمها إلى قسمين، الالتزامات العائدة إلى نظام البطاقة(أ) والالتزام بالوفاء للتاجر (ب)

أ-الالتزامات العائدة إلى نظام البطاقة:

يلتزم البنك في العقد الذي يربطه بالتاجر بتزويد هذا الأخير بآليات الأداء من آلة الطباعة اليدوية والفواتير بالإضافة إلى آلة الأداء الالكترونية، وهذا ويلتزم أيضا بإصدار بطاقات الأداء في شكل معين ومميز حتى يسهل على التاجر تمييزها والتعرف عليها فضلا عن تزويدها بتقنيات تكنولوجية كفيلة بحمايتها من التزوير والتقليد. [24]

كما يلتزم البنك بتزويد التاجر بخدمات هاتفية وذلك لتمكين هذا الأخير من أخذ الإذن من البنك إذا تجاوزت قيمة العملية مبلغ ضمان الأساس الذي يضمن البنك أدائه له [25]

كما يلتزم البنك بتزويد التاجر بقائمة من البطاقات المفقودة أو المسروقة أو المنتهية الصلاحية لوقف البيع بواسطتها، وإلا تحمل البنك المسؤولية عن عدم إبلاغ التاجر بذلك.

-          ب – الالتزام بضمان الوفاء للتاجر:

إن أهم التزام يقع على عاتق البنك تجاه التاجر يتمثل في الالتزام بالوفاء لفائدة هذا الأخير، إذ يعتبر البنك والحالة هذه ضامنا للعميل بأداء الفواتير التي يوقعها العميل للتاجر بعد التأكد من صلاحيتها حتى بعد نهاية العقد الرابط بين البنك والعميل مادامت وقعت قبل تاريخ نهاية العقد، أو الفواتير التي يوقعها العميل حتى بعد فسخ عقده مع البنك مادام هذا الأخير لم يشعر التاجر بفسخ العقد. [26]

وبهذا لا يمكن للبنك أن يرفض الوفاء للتاجر بدريعة إعسار حامل البطاقة أو كون رصيده غير كاف، ولا بأي سبب آخر، إلا إذا أخل التاجر بالالتزامات الملقاة على عاتقه[27]، وهو ما ذهبت إليه المحكمة   التجارية بأكادير: "إذا التزم الزبون بالضوابط الإجرائية المتفق عليها فإن البنك يصبح في مركز المدين في مواجهة التاجر و يكون التزام البنك بتسديد الفاتورة التزام مباشر و قطعيا ولا يحق للبنك التنصل من الضمان الذي يلتزم به في نظام البطاقات، ولا يحق له إعادة تقييد العمليات في جانب المدين بالرغم من عدم إتيان المدعى عليه لأي إهمال أو التجاوز للضوابط القانونية التعاقدية ويتعين إلغاء هذا التقييد "[28] غير أن ضمان الوفاء هذا ليس مطلقا وإنما البنك يعمل على تحديد مبلغ معين يسمى بمبلغ ضمان الأساس إذ يعمل التاجر على الحرص بعدم تجاوزه من قبل الحامل، أما في حالة ما إذا تجاوز مبلغ الشيء المشترى مبلغ الضمان فإن التاجر يكون ملزما بأخذ إذن من البنك للقيام بالعملية أما إذا لم يحصل هذا الإذن فإن البنك يتحرر من التزامه الشخصي و هو ضمان الوفاء. [29]



[1] - بن تركي ليلى، الحماية الجنائية لبطاقات الائتمان الممغنطة، أطروحة لنيل شهادة الدكتورة، جامعة الإخوة منتورى، كلية الحقوق، قسنطينة، السنة الجامعية 2017/2016، ص1.

[2] - بن عمور أمينة، البطاقات الإلكترونية للدفع والقرض والسحب، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة منتورى، كلية الحقوق، قسنطينة، السنة الجامعية 2004/2005، ص 1.

[3] - مأمون سلامة، استراتيجية مكافحة جرائم النصب المستحدثة، دار الكتب القانونية، مصر، 2006، ص 116.

[4] - أحمد زكي بدوي، معجم المصطلحات التجارية التعاونية، عربي فرنسي إنجليزي، دار النهضة العربية لطباعة والنشر، بيروت، 1984، ص 62، اشارة إليه صفاء الصابوني، البطاقة البنكية واقعها والحماية القانونية لها، مجلة الفقه والقانون، العدد الثاني، دجنبر 2012، ص88.

[5] - الظهير الشريف رقم 19683، صادر فاتح غشت 1996، بتنفيذ القانون المتعلق بمدونة التجارة، منشور في الجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 3 أكتوبر 1996، ص 2187.

[6] - الظهير الشريف رقم 1.1.193، صادر في فاتح ربيع الأول 1436(24 ديسمبر2014) ، بتنفيذ القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6328، بتاريخ فاتح ربيع الآخر 1436 (22 يناير 2015) ، ص 462.

[7] - صلاح الدين طيوبي/ رشيد مليني، النزعات المتعلقة بالبطائق البنكية في المغرب، سلسلة نهاية تدريب الملحقين القضائيين، العدد 2، مكتبة دار السلام، فبراير 2008، ص 8.

[8] عبد الرحيم المودن، القانون البنكي المغربي والعمليات البنكية، الطبعة الأولى مطبعة سجلماسة السنة 2015-2016 الصفحة 223

[9]-مقال منشور بموقع www.marocdroit.com ،  البطاقة البنكية في التشريع المغربي-بطاقة الأداء نموذجا-مقال تم الاطلاع عليه بتاريخ 26 مارس 2020 على الساعة 15

[10]  محمد الوردي، النزاعات الناشئة عن استعمال البطاقة البنكية في القانون المغربي، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، السنة الجامعية 2015-2014

[11] مقال البطاقة البنكية في التشريع المغربي، مرجع سابق.

[12] صلاح الدين طيوبي ورشيد مليتي النزاعات المتعلقة بالبطاقة البنكية في المغرب، سلسلة رسائل نهاية تدريب الملتحقين القضائيين، سنة 2008 الصفحة 40.

[13] عبد الرحيم المودن، وسائل الأداء والائتمان بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأول، مطبعة سجلماسة، السنة 2015-2016 الصفحة 51.

[14] قرار عدد 439، الملف التجاري عدد 99/819، المؤرخ في 2000/3/22.

[15] محمد الشافعي، وسائل الأداء والائتمان، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الصفحة 340.

[16] مقال منشور بموقع www.marocdroit.com   البطاقة البنكية في التشريع المغربي تم الاطلاع عليه بتاريخ 27 مارس 2023 على الساعة 10:20

[17]  محمد الشافعي، مرجع سابق، الصفحة 340

[18] مقال منشور بموقع www.marocdroit.com ،مرجع سابق.

[19] صلاح الدين طيوبي ورشيد مليتي مرجع سابق الصفحة 39.

[20]  مراجعة المادة 330 من مدونة التجارة التي جاء فيها: “الأمر أو الالتزام بالأداء الممنوح بواسطة وسيلة أداء غير قابل للرجوع فيه. لا يمكن التعرض على الأداء إلا في حالة الضياع أو السرقة أو التسوية أو التصفية القضائية للمستفيد"

[21] محمد الشافعي، مرجع سابق، الصفحة 342

[22] محمد مومن، مرجع سابق، الصفحة 476.

[23] صلاح الدين طيوبي ورشيد مليتي مرجع سابق، الصفحة 41-42

[24] محمد مومن مرجع سابق، الصفحة 477.

[25] عبد الرحيم المودن، مرجع سابق، الصفحة 56.

[26]  صلاح الدين طيوبي ورشيد مليتي، مرجع سابق، الصفحة 45.

[27] محمد مومن مرجع سابق 477

[28] قرار عدد 2001/424، في الملف رقم 1998/587، بتاريخ 26 أبريل 2001، مشار إليه في مرجع محمد مومن ص 477

[29] عبد الرحيم المودن، مرجع سابق ص 57




من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك



من أجل تحميل هذا العدد التاسع عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث