ضمانات استقلالية مؤسسة الوسيط المغربي - الكبير ريحاني


ضمانات استقلالية مؤسسة الوسيط المغربي

The independences guarantees of the Moroccan Mediation Institute

الكبير ريحاني / دكتوراه  في القانون العام والعلوم السياسية.

RAIHANI Elkbir


 



ملخص المقال:

ارتقى الدستور المغربي بمؤسسة الوسيط إلى مستوى الهيئات الموكول لها ترسيخ قيم الحكامة الجيدة، وحدد لها وظيفتها الأساسية كمؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، باعتماد مناهج عمل جديدة، وسلطات واسعة، وهيكلة متطورة للرفع من فعاليتها ونجاعتها، إلا أن الإشكال المرتبط بها نظرا للطابع الشخصي للمؤسسة، هو طبيعة الضمانات التي يتمتع بها الوسيط كمورد بشري، وهي ضمانات يؤطرها القانون المرجعي للمؤسسة (كأسلوب التعين والقابلية للتجديد...)، وضمانات واقعية يفرضها واقع اشتغال المؤسسة (كأحوال التنافي والحصانة والصفات الأخلاقية والعلمية...) والتي ينبغي ترسيخها والتنصيص عليها.

 هذه الضمانات لها ارتباط بحماية مظاهر الاستقرار والاستقلال، ولها تأثير على منتوج المؤسسة ككل، كما تفسر الخصوصية التي تتفرد بها (فالوسيط لا ينطق بالقانون وإنما بما هو عادل ومنصف)، وتمنحها الاستمرارية والتوازن والفعالية في أفق تجويد العلاقة بين الإدارة والمواطن.

 

 

The Article’s summary:

 

The Moroccan constitution rises the mediation institution to the level of the bodies responsible for inchoring the good refereeing values. It also determines its major duty as a specialized independent national institution, through out the use of new approaches, large authorities moreover advanced structurization in order to increase its effectiveness. However, the related issue to subjective characteristic of the institution is the nature of guarantees that the mediator, endowed as a human resource. They are guarantees framed by the institution reference law, (as a method of creation and renewable viability). Furthermore realistic guarantees imposed by the factual institution’s work (as incompatibility states, immunity, moral and scientific characteristics), which must be consolidated and stipulated, These guarantees are not only related to the safeguarding of independence and stability aspects but also have an impact on the institution’s product. As well as explaining its unique aspect (The mediator doesn’t act upon the law, yet remains fair and just) which helps it afford the continuity, the balance and the effectiveness in hopes of strengthening the relationship between the institution and the citizen.

 

Le résumé de l'article :

 

La constitution marocaine élève l'institution de médiation au niveau des instances chargées d'ancrer les bonnes valeurs de l'arbitrage. Elle détermine également sa mission majeure en tant qu'institution nationale indépendante spécialisée, à travers l'utilisation d'approches nouvelles, les grandes autorités d'ailleurs une structuration poussée afin d'accroître son efficacité. Cependant, la question liée à la caractéristique subjective de l'institution est la nature des garanties que le médiateur, doté en tant que ressource humaine. Ce sont des garanties encadrées par la loi de référence de l'établissement, (comme mode de création et de viabilité renouvelable). Outre les garanties réalistes imposées par le travail de l'institution de fait (comme les états d'incompatibilité, l'immunité, les caractéristiques morales et scientifiques), qui doivent être consolidées et stipulées, ces garanties ne sont pas seulement liées à la sauvegarde des aspects d'indépendance et de stabilité mais ont également un impact sur le produit de l'établissement. En plus d'expliquer son caractère unique (Le médiateur n'agit pas sur la loi, mais reste juste et équitable) qui lui permet d'assurer la continuité, l'équilibre et l'efficacité dans l'espoir de renforcer la relation entre l'institution et le citoyen.

 

مقدمــة:

مارست الوساطة المؤسساتية (ديوان المظالم سابقا)[1] سياسة القرب من أجل تنسيق  أفضل للعلاقة بين الإدارة والمواطنين وتجويدها، واعتبرت وسيلة لتغطية عجز القضاء الإداري في إيجاد حلول لبعض مظاهر مخالفة الإدارة للقانون، لا سيما صعوبة تنفيذ الأحكام القضائية، وبطء وتعقيد إجراءاته المسطرية، وتفضيل عدد كبير من المتضررين اللجوء إلى طرق ودية تفاوضية غير قضائية لتسوية نزاعاتهم مع الإدارة.

وبالنظر إلى المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حماية حقوق وحريات الأفراد، كان من الضروري تطوير هذه المؤسسة، ومراجعة نسختها الأولى وإجراء تعديلات عليها، خاصة أن نسبة تسوية القضايا المعروضة عليها بقيت محدودة، لأسباب غير مقنعة تفتقر غالبا إلى الموضوعية، وتنم عن عدم تشبع الإدارة بما يكفي لبلورة المفهوم الجديد للسلطة؛ بما يعني ذلك من قرب واستماع للمطالب المشروعة، وسرعة التجاوب معها، عملا بضوابط القانون ووفقا لمبادئ العدل والإنصاف[2]. فتم إحداث "مؤسسة الوسيط"[3]، التي شكلت استمرارية لها، ومناسبة للرقي بها وتثمينا لمنجزاتها، لكن بمناهج عمل جديدة وصلاحيات واختصاصات واسعة وهيكلة حديثة؛ للرفع من فعاليتها ونجاعتها، خاصة بعد أن ارتقى بها الدستور[4] إلى مستوى الهيئات الموكول لها ترسيخ قيم الحكامة الجيدة، وحدد لها وظيفتها الأساسية كمؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة.

أضحى للوسيط سلطات واسعة يمارسها في إطار الوساطة والتوفيق والتسوية الودية، وهي مجموعة من الإمكانات والوسائل المتاحة له، تمكنه من اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان فعالية اشتغال المؤسسة وحسن سيرها. وهي خطوة ينتظر منها منح الوسيط الضمانات اللازمة وتمكينه من الاستقلال التام والتجرد المطلوب عند النظر في الشكايات والتظلمات المحالة عليه والابتعاد عن أي تأثير أو تبعية.

 إلا أن الإشكال المرتبط بهذه المؤسسة يتحدد أساسا في طبيعة هذه الضمانات الممنوحة لها، التي ينبغي التنصيص عليها، بحكم واقع اشتغالها الذي يفرض عليها العمل على تنمية التواصل بين الإدارة والمواطن، وهي علاقة غير متكافئة لما تحوزه هذه الأخيرة من امتيازات السلطة العامة، وما يتمتع به المواطن من حقوق معترف بها بمقتضى القواعد الدستورية والقانونية. 

في سياق هذا الإشكال، ومواكبة للتطور الحاصل في مجال الوساطة المؤسساتية، يمكن القول أن التجربة المغربية عرفت قفزة نوعية بما ورد في ظهير 2011 المحدث لمؤسسة الوسيط من مقتضيات، يمكن اعتبارها مكملة للمكاسب السابقة، ومدعمة لدور الوساطة المؤسساتية في حلتها الجديدة، ومع ذلك هناك أسئلة تطرح نفسها بحدة، من شأنها أن تسهم في فهم طبيعة الضمانات القانونية والواقعية للمؤسسة، وتفسر الخصوصية التي تتفرد بها، وهي كالآتي:

-         ما الطبيعة القانونية لمؤسسة الوسيط؟ هل تعتبر سلطة قضائية أم سلطة إدارية؟ وما نوعية القرارات والأعمال التي يتخذها الوسيط، هل هي قرارات إدارية أم قضائية؟

-         ما هي السياسة المتبعة في تعين الوسيط وكيف يتم اختياره وعزله؟

-         وهل وفر الإطار القانوني المغربي للوسيط ضمانات الاستقلالية والاستقرار التي يفرضها واقع الاشتغال بالمؤسسة؟

على هذا الأساس، ولإبراز هذه الضمانات سنحاول معالجة الموضوع من خلال محورين اثنين: نخصص الأول لدراسة الخصوصية التي تتمتع بها المؤسسة، من خلال تحديد الطبيعة القانونية لها، والوقوف على سياسة التعيين بها، في حين نبرز في المحور الثاني مختلف الضمانات المدعمة لاستقلالية الوسيط وتجرده، وهي ضمانات قانونية وإن لم تنص على بعضها القوانين المنظمة للمؤسسة، فهي عبارة عن شروط شخصية ترتبط بشخص الوسيط، وتفرضها طبيعة مهامه، وواقع اشتغاله بالمؤسسة.

المحور الأول: خصوصية مؤسسة الوسيط المغربي

إن معرفة خصوصية مؤسسة الوسيط ينبغي أن تمر عبر تقديم البنية التنظيمية للمؤسسة كنسق ضيق، التي تؤطر عمل المؤسسة، تخضع هذه البنية لإطار قانوني مرجعي، يتكون أساسا من أحكام الظهير المحدث لها وأحكام نظامها الداخلي[5]، تجعل منه نسقا مستقلا قائم الذات يتميز بخاصيتين مترابطتين، وهما الاستقرار والاستقلال، ويتفرد بموقع متميز ضمن منظومة مؤسسات الحكامة الجيدة، لهذا نرى أنه لابد من تحديد الطبيعة القانونية لمؤسسة الوسيط (أولا)، وطريقة تعيين وسيط المملكة بها (ثانيا)

أولا: الطبيعة القانونية لمؤسسة الوسيط المغربي

تعتبر مؤسسة الوسيط إحدى المؤسسات الوطنية المستقلة المكلفة بتنمية التواصل بين المواطنين والإدارة؛ وهي بهذه الصفة تتمتع باستقلالية عن باقي الهيئات العمومية، هذا المبدأ يعتبر أمرا هاما من أجل تمكينها من الاضطلاع بمهامها بكيفية ناجعة وفعالة، ومع ذلك يثار التساؤل حول طبيعتها القانونية؛ وحول نوعية القرارات والأعمال التي يتخذها الوسيط في ممارسة اختصاصاته، هل تعتبر قرارات إدارية أم قضائية؟

اختلف الفقه في فرنسا بهذا الخصوص بين الاتجاه الذي اعتبرها سلطة إدارية تخضع لرقابة مجلس الدولة، وهذا ما أكده هذا الأخير بمناسبة حكمه في قضية Retail عام 1981[6]، وكان لهذا الحكم عدة آثار، حيث ألحق الوسيط بالإدارة، وأضحى مرفقا إداريا مثل باقي المرافق الإدارية، وأصبحت الرقابة التي يمارسها الوسيط على الإدارة بمثابة رقابة داخلية، مما أثر على دوره ووظيفته، وأتاح لمجلس الدولة أن يخضعه لرقابته.

 استند هذا الاتجاه في تصنيفه الوسيط كسلطة إدارية إلى طريقة التعيين، وإلى كونه لا يدخل ضمن السلطتين التشريعية والقضائية، وهي حجج قانونية غير مقنعة، ذلك أن القضاة وأعضاء المجلس الدستوري يعينون بمرسوم من رئيس الجمهورية، وهي نفس طريقة تعيين الوسيط، ولا يمكن تصنيفهم ضمن السلطة الإدارية[7]، كما أن استبعاده عن السلطتين التشريعية والقضائية لا يعني أن يصنف ضمن السلطة التنفيذية، فبعض السلطات يصعب تصنيفها ضمن إحدى السلطات الثلاث، لاسيما أن الوسيط لا يملك اختصاصات تماثل تلك الممنوحة للسلطات الإدارية في صفاتها القانونية.

أما الاتجاه الآخر يعتبرها مؤسسة ذات سلطة مستقلة لا تتبع لإحدى السلطات الثلاث، ولا تخضع لمجلس الدولة، ويصنفها كمؤسسة من نوع خاص، وذلك على غرار المجلس الدستوري[8]، لهذا الغرض أصدر المشرع الفرنسي القانون رقم 18-89 بتاريخ 13 يناير 1989 معدلا المادة الأولى من قانون 73.6 المنشئ للوسيط[9]، لينص على أن الوسيط سلطة مستقلة.

وفي المغرب، يعتبر الوسيط سلطة معنوية محايدة تدافع عن الحق والمشروعية، تختلف جوهريا في وظيفتها ونوعية تدخلاتها عن المحاكم الإدارية، لأنها لا تصدر أحكاما وفقا لمساطر إجرائية محددة، وضوابط قانونية ضيقة ومكلفة، بل تقدم اقتراحات وتوصيات، وتدفع إلى إيجاد تسوية مقبولة للنزاع القائم بين المواطن والإدارة، فهي إذن سلطة ذات طابع خاص، فالوسيط لا ينطق بالقانون، وإنما بما هو عادل، لأنه يعتمد في دراسته وتحليله للقضايا على عنصر الإنصاف، المستند إلى اعتبارات أخلاقية وقيمية تتجاوز مجال تدخل القانون، فاختلاف المقاربة التي يعالج بها القضايا، تستبعد اختصاصه في القضايا المعروضة على القضاء[10]، فلا علاقة لصلاحيات الوسيط فيما يضع القضاء يده عليه، ولا يمكن كذلك للقضاء أن يبت في أي طعن يقدم في مواجهة قرارات الوسيط.

يحرص الظهير المحدث للمؤسسة على اعتبارها مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة[11]، محددا الإطار العام للمهام الموكولة إليها في تتبع النشاط الإداري، والأحكام والضوابط القانونية التي تمارس فيها هذه المهام، وكرست أحكام نظامها الداخلي هذه الطبيعة، فلم تصنفها مباشرة ضمن المؤسسات القضائية أو الإدارية؛ بل تعتبرها بموجب المادة الثالثة منه: "مؤسسة مستقلة ومتخصصة"، ويجد هذا التصنيف مبرراته فيما يلي:

- عدم تطابق سلطة الوسيط مع السلطة الإدارية، فهو مكلف فقــط "بتنمية التواصل بين المواطن والإدارة"، انطلاقا من آليات محـــددة مسبقا لرفع الضرر عن المتظلم أو المشتكي؛ يستطـيع مطالبة الإدارة بالتراجع عن كل عمل أو تصرف غير مشروع، وليس مــن صلاحياته إعطاء أوامر صريحــة ومباشرة لها[12].

- الأعمال التي يقوم بها الوسيط تجاه الغير، لا تسمح بتكييف طبيعته على أنها سلطة إدارية بالمفهومين العضوي والوظيفي[13]؛ فعند التفحص الدقيق لشكلها واختصاصها، وموقعها في المشهد العام يتبين تفردها بنوعيتها، وعدم انتمائها لأية فئة من أجهزة الدولة، فما يصدره من قرارات بخصوص الشكايات والتظلمات ( المواد من 53 إلى 87 من النظام الداخلي) هي فقط إجراءات تمهيدية يتخذها في نطاق مهام الوساطة والتوفيق والتسوية، وفق سلطته التقديرية التي لا رقابة للقضاء عليها. لهذا لا تعتبر قرارات إدارية تنتج آثارا قانونية، تدفع بكل متضرر منها إلى الطعن فيها أمام القضاء الإداري؛

- هي مؤسسة لا تنتمي للهيئات الإدارية ولا تخضع لوصايتها ورقابتها، ولا تخضع للقضاء الإداري، كما أنها لا تصدر قوانين وإنما تقدم مقترحات وتوصيات ذات طابع معنوي مؤثر لوضع حد للتظلم، فهي مؤسسة مستقلة عن السلطة التشريعية، عكس خضوع بعض المؤسسات المشابهة لها للبرلمان بالتعين أو بمراقبة الميزانية، فعلاقتها الدستورية بالسلطة التشريعية تكمن في تقديم تقرير عن أعمالها مرة خلال السنة على الأقل[14].

 وبالتالي فمؤسسة الوسيط هي مؤسسة وطنية مستقلة متخصصة، تتميز بطابعها ومقوماتها، والأساس القانوني لذلك هو ما أتت به المادة 17 من الظهير المحدث للمؤسسة.

وتبعا لما سبق، تطرح إشكالية السلطة المنشئة لمثل هذه المؤسسة المستقلة؛ حيث تم اللجوء إلى مسطرة استثنائية في إحداثها تستند على الفصل 19 من الدستور المغربي لسنة 1996، مقارنة مع خلق مثل هذه المؤسسات في التجارب المقارنة، حيث يملك الدستور وحده اختصاص إحداثها.

ومواكبة للتطور الدولي في مجال الوساطة المؤسساتية، واقتداء بما وصلت إليه التجارب المقارنة من نتائج، وما اتبعته من مناهج، ووظفته من آليات العمل، اغتنت التجربة المغربية علاوة على ما ورد في الظهير المحدث للمؤسسة من مقتضيات تؤكد طابها الخاص المستقل، بأهم مستجد هو "الدسترة" التي حظيت بها مؤسسة الوسيط"[15]، إذ جعل الفصل 162 من الدستور المغربي المؤسسة تندمج في نسيج مؤسساتي جديد للحكامة وحماية حقوق الإنسان وحرياته، مؤكدا أنها "مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة تدافع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، وتساهم في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف"، وتعتبر هذه الدسترة مكسبا مهما يرفع من درجتها الاعتبارية ويعزز استقلاليتها، ويدعم مكانتها، لتصبح فعلا مؤسسة مستقلة، وسلطة معنوية تعمل بنزاهة وتجرد.

ثانيا: سياسة التعيين في مؤسسة الوسيط المغربي

يتميز التنظيم القانوني للوسيط في المغرب بالطابع الشخصي؛ فالتشخيص هو المعيار الأكثر ملاءمة في تشكيل هذه المؤسسة؛ ذلك أن القانون لا يشير إلا للوسيط، يسند له شخصيا جميع الاختصاصات، ويتولى نفسه تنظيم مؤسسته بحرية، فتكون خاضعة له، ويقوم بنفسه تعيين مساعديه[16]، وإن حرص المشرع على تأكيد استقلاليته، إلا أنه لا يتمتع بذات الاستقلال لدى غيره في بعض الأنظمة المقارنة.

ويتجسد استقلال واستقرار مؤسسة الوسيط في طريقة وأسلوب اختيار الوسيط ذاته، وكذا في صعوبة إعفائه[17]، فإذا كانت أحكام النظام القانوني المؤطر للمؤسسة لم تنص على تبعيتها لأي سلطة من سلطات الدولة، وتؤكد على اعتبارها مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، فإن تمتعها بهذا الاستقلال لا يعني انقطاع علاقتها بالأنساق الأخرى، بل توجد علاقة يفرضها أسلوب التعيين في المؤسسة، الذي يمكن أن يكون بيد السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية أو هما معا، ومن هنا تبدأ علاقة الترابط الوظيفي بين هذه الأنساق، فإذا اختلت طريقة التعيين كانت بداية لاختلال نسق المؤسسة والتأثير على استقلالها واستقرارها، وعلى أدائها الرقابي.

تُظهر بعض مواد الظهير المحدث للمؤسسة تبعية الوسيط لجلالة الملك[18]، خاصة في مسألة تعيينه؛ حيث يكون التعيين مباشرا وشخصيا وبظهير (المادة الثانية)، ويتركز في يد سلطة واحدة وهي السلطة التنفيذية، باعتبار الملك رئيسا للدولة[19].

وفي النص المقارن تختلف طرق وأساليب عمل الوسيط في فرنسا عن مثيله في الدول الاسكندينافية شكلا وموضوعا، حيث تتمتع السلطة التنفيذية بسلطة تقديرية في تعيين الوسيط، إذ يعين بمرسوم من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، وهي الطريقة التي انتقدها البرلمان الفرنسي لأنها تجرده وتمنعه من أي دور في هذا التعيين، على عكس ما هو معمول به نظام "الأمبودسمان" في الدول الإسكندينافية حيث يقوم البرلمان بانتخاب عضو برلماني لهذه المهمة[20].



[1] - الظهير الشريف رقم 1.01.298، الصادر بتاريخ 23 من رمضان 1422 (9 ديسمبر 2001)، بإحداث مؤسسة ديوان المظالم، جريدة رسمية عدد 4963، الصادرة بتاريخ 24 دجنبر 2001، ص 4281.

[2]- أنظر مريم الهواري،"ديوان المظالم: الإحداث، النشاط، والحصيلة"، مداخلة في أشغال اللقاء الوطني التواصلي حول موضوع "من ديوان المظالم إلى "مؤسسة الوسيط"، نظم هذا اللقاء التواصلي بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط يوم 06 شعبان 1433 الموافق 26 يونيو 2012، ص: 30.

-عبد العزيز بنزاكور، "مؤسسة وسيط المملكة من أجل تواصل أفضل بين الإدارة والمرتفقين"، اللقاء الجهوي التواصلي لمؤسسة الوسيط بجهة مكناس- تافيلالت، مركب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمكناس، الخميس 20 دجنبر 2012، ص: 8

- اُنظر الموقع الإلكتروني لمؤسسة الوسيط.    www.mediateur.ma

[3]- الظهير الشريف رقم 1.11.25، الصادر بتاريخ 12 من ربيع الآخر 1432 ( 17 مارس 2011)، بإحداث مؤسسة الوسيط، جريدة رسمية عدد 5926، الصادرة بتاريخ 12 ربيع الآخر 1432 ( 17 مارس 2011 )، ص: 802.

[4]- الفصل 162 من الدستور المغربي لسنة 2011: "الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية...".

- الظهير الشريف رقم 1.11.91، الصادر بتاريخ 27 شعبان 1432 (29 يوليوز 2011)، بتنفيذ الدستور المغربي المراجع بتاريخ 1 يوليوز2011، جريدة رسمية عدد 5964 مكرر، الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليوز 2011)، ص: 3600.

[5]- الفقرة الثانية من المادة الأولى من الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط.

[6]- رأى مفوض الحكومة أن الوسيط لا يدخل ضمن السلطة القضائية باعتبار أنه ليس له سلطة قضائية، وكذلك لا يدخل ضمن السلطة التشريعية بداهة، حيث أن السلطة التنفيذية هي التي تقوم بتعيينه بمقتضى مرسوم رئاسي، كما أن نفقاته تدخل في ميزانية رئيس الوزراء، وبالتالي فهو يشبه أي مرفق من مرافق الدولة كما يمكن فصله كأي موظف عمومي من جهة إدارية، وهو ما يؤدي إلى نتيجة حتمية وهي إلحاق الوسيط بالسلطة التنفيذية.

- ورد هذا الحكم في مرجع محمد سعيد الليثي، "امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها: الأساليب، الأسباب، كيفية المواجهة، دراسة مقارنة"، أبو المجد للطباعة بالهرم، الطبعة الأولى، السنة 2009، ص: 738.

[7]- محمد سعيد الليثي،"امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها..."، ن م، ص: 397.

[8]- Vue, Delaunay Bénédicte, « le médiateur de la république » presse universitaire de France. 1er édition janvier, 1999, p: 45. 

[9]- La Loi Française n° 73.6 du 3 janvier 1973 instituant un médiateur de la République, complétée par la loi n° 76- 1211 du décembre 1976 et par la loi n° 89-18 du 13 janvier 1989, modifier par la loi n° 92- 125 du 6 février 1992 et loi n° 2000-321 avril 2000.

[10] - محمد ليديدي، "مؤسسة الوسيط: الإحداث، المستجدات، وحصيلة السنة الأولى"، أشغال اللقاء الوطني التواصلي حول موضوع" من ديوان المظالم إلى مؤسسة الوسيط"، مقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط، يوم 6 شعبان 1433 الموافق ل 26 يونيو 2012، الموقع الإلكتروني لمؤسسة الوسيط بالمغرب، ص: 33.www.mediateur.ma

[11]- المادة الأولى من الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط: " تعتبر مؤسسة الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة..."؛

 - المادة 40 من الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط: " تتمتع مؤسسة الوسيط، بصفتها مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي.

 - المادة 2 من النظام الداخلي لمؤسسة الوسيط: " تعتبر مؤسسة الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة..."؛

- النظام الداخلي لمؤسسة الوسيط، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6033 بتاريخ جمادى الأولى 1433 الموافق ل 26 مارس 2012.

[12]- عبد الإله فونتير، "مؤسسة ديوان المظالم مقاربة أولية لاختصاصاتها وطبيعتها القانونية"، مجلة ديوان المظالم، العدد الأول، دجنبر 2004، ص: 25.

[13]- ANTRI M’hamed, » La nature juridique de Diwan Al Madhalim », REMALD, collection » thèmes actuels », première édition, N° 34,2002, p :34. 

[14] - محمد ليديدي، "مؤسسة الوسيط: الإحداث، المستجدات، وحصيلة السنة الأولى "، ن م، ص: 34-35.

[15]-  محمد ليديدي، "مؤسسة الوسيط: الإحداث، المستجدات، وحصيلة السنة الأولى"، م س، ص: 32.

[16]- المادة 4 من النظام الداخلي لمؤسسة الوسيط. والمادة 42 من الظهير المحدث للمؤسسة.

[17]- أنظر محمد أشركي، "حول مؤسسة الوسيط، تجربة المدافع عن الشعب في إسبانيا"، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، دار  النشر المغربية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 20، الطبعة الأولى، السنة 2002، ص: 129.

[18]- تنص المادة 37 من الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط، بشأن التقرير السنوي لمؤسسة الوسيط على ما يلي: "يرفع الوسيط لجلالتنا تقريرا سنويا عن حصيلة نشاط المؤسسة وآفاق عملها...".

- المادة 53 من الظهير الشريف المحدث لمؤسسة الوسيط في شأن مصادقة الملك على النظام الداخلي للمؤسسة تنص على أن: "يتولى الوسيط إعداد مشروع نظام داخلي لمؤسسة الوسيط يعرض على مصادقتنا قبل نشره بالجريدة الرسمية..."

[19]- الفصل 42 من الدستور المغربي لسنة 2011.

- ويمكن إرجاع أمر تعيين الوسيط من قبل الملك إلى المرجعية التاريخية التي تستمد منها المؤسسة شرعيتها، بحيث إن إحداث مؤسسة "ديوان المظالم" سابقا بجانب الملك، (المادة الأولى من الظهير المحدث لديوان المظالم) له أصول وجذور في تاريخ الدولة المغربية، فقد كانت وزارة الشكايات تلحق بالسلطان مباشرة كما هو الأمر بالنسبة "لولاية المظالم" في تاريخ نظم الدولة الإسلامية في المشرق".

- عبد الإله فونتير، "مؤسسة ديوان المظالم مقاربة أولية لاختصاصاتها وطبيعتها القانونية"، م س، ص: 23.

وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من ديباجة الظهير الشريف المحدث لديوان المظالم أن: "إحقاق الحقوق ورفع المظالم يعدان من أقدس مهام الملك أمير المؤمنين، وحيث إن أسلافنا المنعمين، إدراكا منهم لما لهذه الأمانة من مقاصد سامية، قد أحدثوا دوما بجانبهم مؤسسات تتولى إطلاعهم على ما يمس رعاياهم من مظالم... ". وأكدت الفقرة السابعة من الديباجة هذه التبعية حيث تنص على: " أن إحداث المؤسسة (ديوان المظالم) المزمع إنشاؤها بجانب جلالتنا الشريفة وتحت رعايتنا السامية، من شأنه أن يوفر لها الاستقلال اللازم عن الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويمكنها من التجرد التام في البت في التظلمات المحالة عليها. وأكدته المادة الأولى من نفس الظهير" تحدث بجانب جلالتنا الشريفة مؤسسة تسمى ديوان المظالم...". 

[20]- محمد سعيد الليثي، "امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها..."، م س، ص:733.

- الحسن سيمو،" مؤسسة الوسيط بين الأصالة والمعاصرة"، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، دار النشر المغربية الدار البيضاء، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 20، الطبعة الأولى، السنة 2000، ص: 24.


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد الرابع عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث