قراءة في قانون الطب الشرعي رقم 77.17 - الصوتي المهدي


قراءة في قانون الطب الشرعي رقم 77.17

Reading in the Forensic Medicine Law No. 77.17

الصوتي المهدي / خريج ماستر القانون الجنائي والتعاون الجنائي الدولي بمكناس.

Saouty elmahdi




تقديم عام :

لاشك ان موضوع الطب الشرعي يعد من أهم المواضيع التي تشكل صرحا في نظام العدالة الجنائية. اذا يعد من أهم محاوره وكذا أبرز التخصصات الهامة ويعزى ذلك إلى التقاطع والالتقاء الحاصل بين مختلف التخصصات كالعلوم القانونية بالأخص الجنائية وحقوق الإنسان .[1]

لذا فإنه يبقى دوره مهما في تحقيق العدالة الجنائية من خلال المساعدة على الإدارة الفعالة لسير القضايا الزجرية وكذا قدرته على التأثير على الأحكام والقرارات القضائية وأيضا  قدرته على التكييف القانوني للوقائع[2]  وهذا ما يؤكد الأهمية القصوى التي يؤديها الطب الشرعي داخل نظام العدالة الجنائية.

وفي هذا السياق اعدت وزارة العدل في إطار المخطط التشريعي للحكومة مشروع قانون ينظم مهنة الطب الشرعي   أخذا بعين الاعتبار للتوصيات والمقترحات التي تمخضت عن الندوة الجهوية الخامسة بمدينة فاس وذلك يومي 9و 10 نونبر 2012 والتي تتعلق بتحديث وتطوير العدالة الجنائية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة[3] إلى جانب المواثيق الدولية ذات الصلة بالموضوع في مقدمتها دليل الأمم المتحدة وتوثيق الفاعلين في الجرائم المتعلق بالتعذيب أو غيره  من ضروب  المعاملة القاسية أو اللاانسانيةاو المهنية [4]

كما نضيف أيضا التوصيات والمقترحات التي تمخضت عن ندوة الطب الشرعي ودوره في تحقيق العدالة الجنائية بمراكش يوم السبت 12 مارس 2015[5]

وتجدر الإشارة ان مهنة تنظيم الطب الشرعي لم تكون مؤطرة تأطيرا قانونيا خاص بها الا انه بالفعل نشره بالجريدة الرسمية عدد 6886 بتاريخ 19 مارس 2020  قانون رقم 77.17 المتعلق بتنظيم مهنة الطب الشرعي

وعلى هذا الأساس يكتسي موضوع الطب الشرعي أهمية قصوى من الناحية العملية في كونه كان مرتعا خصبا للدراسات والأبحاث القانونية وكذا ارضية للنقاش على مستوى اللقاءات والندوات التي تولي أهمية قصوى بموضوع الطب الشرعي ودوره في تطوير العدالة الجنائية ،اما من الناحية العملية فإنه سيساهم في مساعدة القضاء بصفة خاصة  والعدالة الجنائية بصفة عامة في كشف الغموض على مستوى مسرح الجريمة والوصول للحقيقة.

من خلال ما تقدم يثير هذا الموضوع اشكالية محورية تتجلى فيما يلي  مدى مساهمة الطب الشرعي في تطوير نظام العدالة الجنائية هذه الإشكالية تتفرع عنها بعض الأسئلة

ما التنظيم القانوني لمهنة الطب لشرعي؟ وما طبيعة المسؤولية التي يتعرض لها الطبيب الشرعي أثناء الإخلال بواجبه المهني؟

وفي هذا السياق سنعتمد التصميم التالي

 المبحث الأول التنظيم القانوني لمهنة الطب الشرعي

المبحث الثاني المسؤولية القانونية للطبيب الشرعي

المبحث الأول :التنظيم القانوني لمهنة الطب الشرعي :

لا غرو ان موضوع الطب الشرعي هو استخدام معلومات الخبرة الطبية لمساعدة الأجهزة المختصة في تحقيق العدالة والجهة التي تقوم بهذه المهمة هي الطبيب الشرعي الذي يجب أن يكون طبيبا بشريا متخصص في علم الأمراض والتشريع وتمارس خبرة في حقل الطب الشرعي [6]

ويعد الطب الشرعي بمثابة صلة وصل بين الطب والقانون بحيث يعد فرع من فروع الطب والذي يختص في تطبيق العلوم الطبيبة  اذا يشكل خدمة للكثير من المسائل القضائية التي لا يستطيع القاضي البت فيها بعيد عنه [7]

ومصطلح الشرعي يتجلى نطاقه في الفصل بين المتنازعين وإثبات الحقوق بهدف الوصول إلى الحقيقة  وكشف الغموض بمسرح الجريمة أو ما يسمى عند البعض بالشاهد الصامت [8]

وعلى هذا الأساس فإن المشرع المغربي يحذو حذو بعض التشريعات من أجل الارتقاء بمهنة الطب الشرعي والارتقاء بها في سبيل تطوير العدالة الجنائية وتوج ذلك بصدور قانون 77.17 والذي يتعلق بتنظيم مهام الطب الشرعي اذا سوف يتم التطرق إلى الأشخاص الذين خول لهم المشرع المغربي مزاولة مهام الطب الشرعي(المطلب الأول) مع تبيان بعد ذلك ما المهام التي يزاولها الطبيب الشرعي(المطلب الثاني)

المطلب الأول :الأشخاص المخول لهم مزاولة مهام الطب الشرعي :

يعتبر الطب الشرعي من الأجهزة المساعدة للقضاء وقد عمل المشرع المغربي في إطار القانون المنظم لمزاولة مهنة الطب الشرعي بتحديد الأشخاص الذي يحق لهم مزاولة هذه المهنة وذلك من خلال ما نصت عليه المادة الثالثة منه

إذا من خلالها يمارس مهام الطب الشرعي كل من الأطباء المتخصص ن في الطب الشرعي المقيدون طبقا للتشريع الجاري به العمل بهذه الصفة في جدول الهيئة الوطنية للطيبات والأطباء كما يمكن الأطباء العامون بالمكاتب الجماعية لحفظ الصحة والمرافق الصحية التابعة لقطاع الصحة والذي حصلوا على شهادة خاصة للتكوين في إحدى مجالات الطب الشرعي وذلك طبقا للمادة 37, كما يمكن للاشخاص الاعتبار ية العامة أو الخاصة التي تم إحداث ها طبقا للتشريع  ،الجاري به العمل ولكن شريطة ان يكون الأشخاص الممارس ن لمهام الطب الشرعي بها من الحاصلين على دبلوم التخصص في الطب الشرعي وذلك طبقا للبند الأول من هذه المادة  ،كما الأطباء الخبراء الذي يمارسون مهام الطب الشرعي يتم تقيدهم في احد جداول الخبراء القضائيين لدى محاكم الإستئناف وفي الجدول الوطني للخبراء القضائيين بقرار من من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل وذلك طبقا لأحكام قانون 45.00المتعلق بالخبراء القضائين [9]

إلى جانب ذلك فإن القانون 77.17 نص على مجموعة من الحقوق والواجبات بالنسبة للطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي وذلك من خلال المادة5[10] لكن رغم هذه الاستقلالية فإنها لا تحول دون مراقبة الجهة القضائية التي انتدبته وذلك عندما يقوم بتقديم جميع التوضيحات المطلوبة منه بشأن النتائج والخلاصات التي توصل إليها  ،إلى جانب ذلك لابد أن يتسم بخاصية الحياد والتجرد والنزاهة ومبادئ الشرف وما تقتضيه أخلاقيات المهنة وما يمليه عليه الضمير لابراز الحقيقة والمساهمة في تحقيق العدالة ،كما يجب عليه الالتزام بقواعد السر المهني تحت طائلة المسألة الجنائية أثناء مزاولة المهام التي ينتدب للقيام بها من قبل الجهة القضائية المختصة ، أضف إلى ذلك يمنع عليه أن يباشر المهمة المساندة اليه اذا كانت لديه مصلحة شخصية أو مهنية تتنافى مع إنجازها [11]

كما يحق له الاستعانة بذوي الاختصاص في حالة اذا تعلق الأمر بمسائل تقنية أو فنية خارجة عن مجال تخصص الطب الشرعي وذلك بعد اذن مسبق من طرف الجهة القضائية التي انتدبته مع الإشارة إلى ذلك في تقرير المنصوص عليه في المادة 24 من هذا القانون [12]

المطلب الثاني :مهام الطبيب الشرعي :

تتجلى أهمية الطب الشرعي في الفحص والتشخيص الذي يقوم به الطبيب الشرعي في إظهار حقيقة الادعاء آت الكاذبة وفي إظهار المساهمين في التعذيب أو التعنيف وبالتالي تمكين الجهاز القضائي من تقديم المسؤولين عن الانتهاكات للمسألة الجنائية [13]

على هذا الأساس فإن المشرع المغربي في إطار قانون 77.17 المتعلق بتنظيم مهام الطب الشرعي حدد الاختصاصات التي يزاولها وذلك انطلاقا من المادة 4 منه وتتجلى في الفحص السريري للاشخاص المصابين جسمانيا أو عقليا بغرض وصف الإصابات وتحدد طبيعتها وأسباب ها وتقييم الأضرار البدنية الناتجة عنها وتحديد حدوثها وكذا الوسيلة المستعملة في إحداثها، وتحرير تقارير أو شهادات طبية حسب الحالة كما يبدي رأيه الفني والتقنية في الوقائع التي تعرض علي القضاء والتي تتصل بمجال اختصاصات ولاسيما فيما يتعلق بفحص وتحديد الآثار الملاحظة على أجسام الضحايا الناجمة عن الجرائم.

تقدير السن بناء على انتداب الجهات القضائية أو بناء على طلب من كل ذي مصلحة أو في الأحوال التي ينص عليها القانون آلى جانب فحص أو أخذ عينالأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية أو المحتفظ بهم أو المودعين بمؤسسة لتنفيذ العقوبة وذلك من جل تحديد طبيعة الإصابات اللاحق بهم وسببها وتاريخها.

كما يقوم بمعاينة وفحص وتشريح الجثث والأشياء لبيان طبيعة الوفاة، وسببها وتاريخها  ووصف الجروح اللاحق بها ومسسباتها  وكذا المساعدة عند الاقتضاء في تحديد هويته ،كما يحضر لعملية استخراج الجثث اذا تعلق الأمر بالأشخاص المشتبه فيهم في سبب وفاتهم من القبور ومعاينتها، ويقوم أيضا بالانتقال لاجراءات المعاينات  واخد العينات المفيدة للبحث   كما يقوم برفع العينات العضوية على الأجسام بما فيها المواد المنوية والدموية والشعر والعينات النسيجية وكذا إعطاء التفسير آت الطبيبة اللازمة بناء على المعطيات المتوفرة ونتائج الفحوص والتحليلات المنجزة من طرف المختبرات المعتمدة والمنتدبة لمختلف العينات العضوية وكذا مختلف المواد كالمخدرات والسموم

كما يقوم بكل مهمة أخرى يكلف بها من قبل الجهات المختصة المتصلة بطبيعة مهامه، من خلال استقراء هذه المادة يتبين أن المشرع المغربي حدد مهام الطب الشرعي على سبيل الحصر ،إلا أن البند العاشر يوحي لنا أن هذه المهام جاءت على سبيل المثال وذلك من خلال عبارة القيام بكل مهمة أخرى هذا يعني انه يمكن له مزاولة مهام أخرى غير ما هو مشار اليه أعلاه ولكن شريطة ان تكون متصلة بطبيعة مهامه.

فهذا المقتضى مكن السلطة القضائية من أن تطلب من الطبيب الشرعي القيام بمهام أخرى غير تلك المحددة. بشرط أن تكون مرتبطة ومتصلة بطبيعة المهام المساندة اليه الا تكون متعلقة بمهام خارج دائرة اشتغاله[14]

لا يختلف اثنان ان الطبيب الشرعي يعد من مساعدي القضاء اذا يمارسون مهامهم وفق الشروط المنصوص عليها في القانون وكذا بناء على النصوص التنظيمية المتخذة لتطبيقه وأيضا النصوص التشريعية والتنظيمية الآخرى الجاري بها العمل. [15]

والمشرع المغربي حدد كيف يتم انتداب الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي اذا بالرجوع للمادة 12 [16] وباستقراء هذه المادة فإنها حددت الجهة التي تتولى انتداب الطبيب الشرعي في  كل من قاضي النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو هيئة الحكم كما يحق لها أن تنتدب اكثر من طبيب ممارس للطب الشرعي اذا كانت طبيعة المهمة تستوجب ذلك.

كما  يحق للسلطات القضائية ان تنتدب طبيب ممارس من أجل الانتقال إلى مكان الجريمة والقيام بالمعاينات الضرورية واخد العينات

كما أنه في إطار البحث التمهيدي أو التلبسي يحق لضابط الشرطة القضائية ان يستعين بطبيب ممارس للطب الشرعي من أجل الانتقال إلى مكان الجريمة ولكن شريطة الحصول على موافقة من طرف النيابة العامة أو قاضي التحقيق اذا تعلق الأمر بحالة التلبس أو إذا كانت حالة الاستعجال تقتضي ذلك

لكن لماذا لم يكتفي المشرع اذا تعلق الأمر بحالة التلبس إشعار النيابة   النيابة بخصوص استعانة ضابط الشرطة القضائية  بالطبيب الشرعي مع العلم ان ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس له صلاحيات واسعة في هذا الإطار وهذا ما نص عليه مشروع تنظيم مهنة الطب الشرعي الذي اقتصر على الاشعار  بدل الموافقة.

كما أنه يجب توضيح الفرق بين الإنتداب مجاله أوسع فهو يتم من طرف الجهات القضائية المشار لها في المادة 12 بخلاف  الاستعانة التي تتم بناء على طلب يتقدم به ضابط الشرطة القضائية المختص بالقضية ويرفعه إلى الجهة المختصة النيابة العامة أو قاضي التحقيق، فالأولى أوسع نطاق من الاستعانة لان مجالها ضيق فقط بخلاف الإنتداب   إلى جانب ذلك ينبغي على الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي الاستجابة لا أمر الإنتداب والطلبات الاستعانة الموجهة اليه حسب الحالة من طرف السلطات القضائية أو ضباط الشرطة القضائية،غير أنه إذا تعذر على الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي انجاز المهمة المساندة اليه  يتم إشعار بذلك الجهة التي انتدبته وهي اما النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو هيئة الحكم أو في إطار الاستعانة من طرف ضابط الشرطة القضائية ولا يحق له التخلي عن أداء مهمته الا بناء على موافقتها

كذلك يخضع الطبيب الشرعي لمراقبة من طرف السلطة القضائية في شخص النيابة العامة بحيث يقوم الوكلاء العامون للملك لدى محكمة الاستئناف برفع تقارير سنوية إلى الوكيل العام للملك بمحكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة حول حصيلة العمليات المنجزة من قبل الأطباء الممارس ين لمهام الطب الشرعي داخل نفوذ دوائرهم القضائية.

على هذا الأساس يقوم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بإعداد تقارير سنوي على ضوء التقارير التي توجه له من طرف النيابات العامة ويقوم بارفاقه عند الاقتضاء بالملاحظات التي تأثيرها ممارسة الطب الشرعي ويقوم بتوجيهه إلى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل وبالصحة[17]

كما هذا القانون حدد لنا الحالات التي يجوز فيها إلزامي التشريح الطبي الشرعي وذلك انطلاقا من المادة 18  والتي من خلالها يجب على السلطات القضائية من نيابة عامة وقاضي التحقيق وهيئة الحكم أو في إطار الاستعانة اذا تعلق الأمر بإجراءات  البحث التمهيدي وذلك في الحالات التالية اذا كانت الوفاة ناتجة عن الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو إذا كانت الوفاة ناتجة عن تسمم أو كانت الوفاة قد وقعت في أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية أو الاحتفاظ أو الاعتقال أو بمؤسسات تنفيذ العقوبة أو التدابير الوقائية أو مركز الإيداع. أضف إلى ذلك اذا كانت الوفاة الناتج عن الشك في حالة تعذيب أو في حالة الانتحار أو عند الشك فيه[18]

كما تحث الدورية 24 لرئاسة النيابة العامة على التطبيق السليم لمقتضيات هذه المادة والزامية تنفيذ مقتضياتها ،غير أنه نص المشرع كذلك على اختيارية اللجوء للتشريح الطبي الشرعي بحيث يمكن للنيابة العامة أو قاضي التحقيق أو هيئة الحكم وذلك كل في حدود اختصاصات في حالة الوفاة التي تكون أسبابها مجهولة أو مشكوك فيها او تعذر تحديدها بواسطة الفحص الطبي ان يتم انتداب طبيب ممارس لإجراء تشريح أو أخذ العينات الضرورية على الجثث أو الأشلاء لتحليل ها كلما اقتضت ذلك حاجات البحث أو التحقيق أو المحاكمة لكن لا يجوز اللجوء إلى التشريح الطبي الشرعي في الحالات المرضية الوبائي الا اذا كان هذا الإجراء ضروريا لاستجلاء الحقيقة [19]

إن نتاج عمل الطبيب الشرعي هو انجاز تقرير وينبغي ان تتوفر في تقريره مجموعة من البيانات تحت طائلة بطلانه وهذه البيانات هي التي تم تحديدها في المادة 24 من قانون 77.17 [20] ويقوم الطبيب الشرعي بعد ذلك بالتوقيع على التقرير ويحيله على ثلاث نسخ إلى الجهة القضائية التي انتدبته ونسخة آخرى إلى ضابط الشرطة القضائية ولكن بإذن من النيابة العامة ويتم الاحتفاظ بالنسخة بالمصلحة التي يعمل بها الطبيب الشرعي  وفي حالة اذا تم انتداب اكثر من طبيب ممارس لمهام الطب الشرعي فإن التقرير المنجز يوقع من طرف جميع الأطباء الممارس ين للطب الشرعي المنتدبين الذين انجزوا هذه المهمة وذلك مع مراعاة مقتضيات المادة 206 من قانون المسطرة الجنائية [21]

الا ان الاشكال الذي يطرح هو انه لم يتم الحديث عن سجل التقارير بخصوص الطبيب الشرعي وهذا على خلاف مشروع مهنة تنظيم الطب الشرعي وتكريس رقابة النيابة العامة على هذه السجلات.

إن تقرير الطبيب الشرعي هو يكتسي طابعا سريا  ولا يمكن الاطلاع عليه إلا من طرف الجهة القضائية التي انتدبته أو ضابط الشرطة القضائية بإذن من الجهة القضائية المختصة ولكن يمكن أن يتم تسليم نسخة من التقرير المذكور أو أن يسمحا بالاطلاع عليه من قبل الضحية أو ذوي حقوق المتوفى أو الدفاع ما لم يكن لذلك اي ثاتير على حسن سير البحث أو التحقيق الا اذا خولت النيابة العامة أو قاضي التحقيق ذلك وهذا حسب مقتضيات المادة 28 [22]

كما أنه يمكن لجهة الإنتداب ان تأمر الطبيب الشرعي بالقيام بما تراه مناسبا لإظهار الحقيقة أو أن تنتدب طبيبا اخر أو أكثر للقيام بالمهمة كما يحق لها أن تأمر بإجراء خبرة مضادة أو خبرة تكميلية من شان ذلك يساهم في البحث عن الحقيقة بشكل اكثر تعمق.

لكن هناك ملاحظة يمكن ابدائها بخصوص طلب التوضيحات اذا كان على المشرع المغربي ان يوسع من دائرة أصحاب الاختصاص في طلب التوضيحات من الطبيب الشرعي بأن يمكن من ذلك الجهة التي انتدبته وكذا الجهة اللاحقة التي يحال عليها ملف القضية، ولا سيما قضاء التحقيق والحكم الذي يبقى له امر البث في القضية والفصل فيها [23]

كذلك المشرع المغربي لم ينص على الاعتراض على نتائج  التقرير الذي خلص له الطبيب الشرعي سواء من طرف الوكيل العام للملك أو وكيل الملك أو قاضي التحقيق أو لمن له مصلحة

المبحث الثاني :المسؤولية القانونية للطبيب الشرعي :

إن اي مسؤولية كيفما كانت الا وتنوعت بحسب اعتبارها مسؤولية جنائية عن الأفعال الإجرامية أو مسؤولية تاديبية عن الأخطاء المهنية أو مسؤولية مدنية ترتب التعويض عن الأخطاء التقصيرية، لكن تبقى اهم المسؤوليات في مجال الطب الشرعي المسؤولية التأديبية (المطلب الأول) والمسؤولية الجنائية( المطلب الثاني).

المطلب الأول :المسؤولية التأديبية للطبيب الشرعي :

تنص المادة 31 من قانون 77.17 على أنه يتعرض الطبيب المنتدب للقيام بمهام الطب الشرعي الذي يرتكب خطأ مهنيا للمتابعات والعقوبات التأديبية من طرف الهيئات التأديبية المختصة وذلك طبقا للتشريع الجاري به العمل بحيث اي إخلال غير مبرر من طرف الطبيب الشرعي في تنفيذ الانتدابات القضائية الموجهة له أو كل تأخير عمدي وغير مبرر يشكل ذلك خطأ مهنيا يمكن أن تنشأ عنه مسؤولية التأديبية.

على هذا الأساس فإن المشرع كرس قانونا وبنص صريح المسؤولية التأديبية للطبيب الشرعي عند ارتكابها للخطأ المهني والذي مثل له بكل إخلال غير مبرر في تنفيذ الانتدابات القضائية الموجهة اليه وكذلك بكل تأخير عمدي وغير مبرر في إنجازها [24]

كما تجدر الإشارة ان الطبيب الشرعي هو مقيد وذلك طبقا للمادة 10 بصفته خبير قضايا في احد جداول الخبراء القضائيين لدى محاكم الإستئناف فهو يخضع لقانون 45.00 اذا يعتبر خبيرا قضايا فهو يختص بالتحقيق في نقطة تقنية وفنية ويمنع عليه ابداء اي رأي في الجوانب القانونية  وهذا ما ينسجم مع مقتضيات قانون 77.17 الذي خول للطبيب الشرعي من ابداء الرأي الفني والتقنية في الوقائع المعروضة على القضاء والمتثلة بمجال اختصاصه

و بالرجوع للمادة 23 من قانون 45.00 فإن كل تأخير غير مبرر في إنجاز الخبرة يشكل مخالفة مهنية تعرض الخبير للعقوبة التأديبية كما تعتبر المادة 35 من قانون الخبراء القضائيين انه يعد مرتكبا لخطأ مهني اذا لم يقبل القيام بالمهمة المساندة اليه أو لم يؤديها داخل الآجال المقررة بعد توجيه إنذار اليه من طرف المحكمة المعنية وذلك دون عذر مقبول [25]

وحسب المادة 31 من قانون 45.00 فإنه يتم إجراء المتابعات وتتخذ العقوبات التأديبية ضد كل خبير ارتكب مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية التي تتعلق بالخبرة أو اخل بواجباته المهنية أو بخصالىالمروءة والشرف والنزاهة.

ويتولى البحث معه في المنسوب اليه من اخللات الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك بمحكمة النقض الذان ينجزان تقريرها مشتركات بشأن كل إخلال المنصوص عليه في المادة 31 يتضمن الأفعال المنسوب اليه وتصريحاته بشأن ووجهة نظرهما [26] وهذا ما نصت عليه المادة 32 من قانون الخبراء القضائيين وتتجلى اهم العقوبات التأديبية التي يتعرض لها في الانذار والتوبيخ والمنع المؤقت من مزاولة الخبرة القضائية لمدة لا تزيد عن سنة أو التشطيب من الجدول ، كما يحق له بموجب المادة 41 من قانون 45.00 الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية. كما أنه تقوم عند خرق المنع المنصوص عليه في المادة 9 من قانون 77.17.

المطلب الثاني :المسؤولية الجنائية للطبيب الشرعي :

تنص المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية على مبدأ سرية البحث والتحقيق ووجوب كتمان السر المهني تحت طائلة المسألة الجنائية المنصوص عليها في الفصل 446 من ق. ج

فهذا الفصل يسري أيضا حتى على الطبيب الشرعي لانه عندما يتم انتدبته من طرف الجهة القضائية أو الاستعانة به من طرف ضابط الشرطة القضائية فإنه يكون  مساهم في إجراءات المسطرة وبتالي يجب عليه الالتزام بقواعد السر المهني وهذا ما تؤكده المادة 8 من قانون 77.17 كما يمنع عليه أن يبلغ اي معلومات مستخرج من الملفات أو نشرها مع استثناء من هذا المنع الجهة القضائية.  واذا اخل الطبيب الشرعي بالسر المهني فإنه يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي  والعقوبة الحبس من شهر إلى 6 أشهر وغرامة مالية من 1200 إلى 20000 درهم وذلك بصرف النظر عن العقوبات التأديبية المرتبطة بوظيفته كموظف عمومي

كما تنص أيضا مقتضيات المادة 36 من قانون 77.17 انه كل طبيب ممارس للطب الشرعي منتدب بمقتضى مقرر قضائي اخل بواجب كتمان السر المهني يعد مرتكبا لجريمة إفشاء السر المهني المعاقب عليها في نصوص مجموعة القانون الجنائي

الأكثر من ذلك فإن المسؤولية الجنائية للطبيب الشرعي تقوم عن الجرائم الأخرى المرتبطة بالقتل الخطأ والجرح الخطأ والرشوة وتزوير الشواهد الطبيبة وذا الامتناع عن عدم تقديم مساعدة لشخص في خطر أو تقديم بيانات كاذبة من مرض أو عاهة أو سبب وفاة أو شهادة الزور وغيرها من الجرائم.



[1] يخلف عبد القادر. دور الطب الشرعي في تحقيق العدالة. مجلة الاجتهاد القضائي. العدد 17 ستمبر. 2018. ص. 244

[2]  محمد السطي. دور الطب الشرعي في اكتشاف الجريمة. مجلة المتوسط للدراسات القانونية والقضائية. العدد الأول  2016. ص. 169

[3] محمد السطي. م. س. 169

[4] راجع دليل  الأمم المتحدة لتقصي وثوتيق الفاعلين في الجرائم المتعلقة بالتعذبب أو غيره من ظروف المعاملة القاسية أو اللاانسانيةاو أو المهنية

[5] محمد السطي.م.س.ص.170

[6]ذ. محمد ابريكي.مسرح الجريمة بين العمل التقني والاثبات الجنائي. الطبعة الأولى   مطبعة شمس برينت سلا. السنة 2021. ص.  27

[7] محمد ابريكي. م.س. ص. 28

[8] محمد ابريكي. م.س..ص.46

[9] راجع المادة العاشرة من قانون 77.17 المتعلق بتنظيم مهام الطب الشرعي المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6886 بتاريخ 19 مارس 2020

[10]  تنص على أن الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي يتمتع بكامل الاستقلالية في ابداء ارائه الفنية والتقنية بشأن المهام الموكولة اليه فهو يعتبر مسؤولا عن كل ما يدلى به من أراء أو ينجزه من شهادات أو تقارير.

[11] راجع البند الثاني من المادة 9 من قانون 77.17

[12] انظر المادة السابعة من قانون 77.17

[13]2018. ص. 935. ذ.يونس نفيذ. الطب الشرعي الجنائي في المغرب. واقع وافاق.المجلة العربية لعلوم الادلة الجنائية والطب الشرعي.

[14] س محمد ابريكي.مسرح الجريمة بين العمل التقني والاثبات الجنائي. ط الأولى   مطبعة شمس برينت سلا. س2021. ص. 155

[15] المادة الثانية من قانون 77.17

[16] تنص المادة 12 يتم انتداب الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي من طرف النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو هيئة الحكم  وذلك كل في حدود اختصاصه المحدد بمقتضى القانون.

[17] المادة 16 من قانون 77.17

[18] المادة 18 من قانون 77.17

[19] المادة 17 من ق. 77.17

[20] راجع المادة 24 من ق. 77.17

[21] راجع المادة 206 من ق.م..ج  بموجب ظهير شريف رقم  1.02.255بتنفيذ القانون 22.01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية

[22] المادة 28.من ق. 77.17

[23] سعيد بوطويل.. الطب الشرعي قراءة في قانون رقم 77.17.الاصدار الأول. الجزء الأول. الطبعة الأولى 2021   المطبعة والوراقة الوطنية.. دار الآفاق. الدار البيضاء.. ص158

[24] سعيد بوطويل. م. س. ص 159

[25] المادة 35 من قانون 45.00 المتعلق بالخبراء القضائين المنشور بالجريدة الرسمية عدد6995 مكرر الصادرة في 14 يونيو 2020

[26] سعيد بوطويل. م.س.160 



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد الثالث عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث