الحماية القانونية للمرأة في التشريع المغربي - حفيظة بيزنكاض


الحماية القانونية للمرأة في التشريع المغربي

Legal protection for women in Moroccan legislation

حفيظة بيزنكاض/ باحثة في القانون الخاص.

 HAFIDA Bizankade



   مقدمة:

    عرف المغرب في الآونة الأخيرة تطورا متقدما على مستوى  المنظومة  التشريعية من خلال سن آليات حمائية للمرأة المغربية و ذلك لتحسين وضعيتها داخل المجتمع المغربي و ما تعانيه من ظلم، و حماية  حقوقها من الضياع.

   وقد اتخذ المغرب في هذا السياق مجموعة من التدابير القانونية للنهوض بالمركز القانوني للمرأة و تجاوز القصور التشريعي في مجال الحماية من التمييز ضد المرأة [1] و انسجاما مع العديد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، و التي بادرت للحديث عن المرأة و معالجة وضعيتها و تزويدها بالحماية القانونية التي تتمتع بها لتقوية مركزها القانوني.

   و تظهر هذه الحماية من خلال العديد من القوانين التي جاء بها المشرع المغربي كالدستور المغربي لسنة 2011 الذي كرس أهم مبدأ يتمثل في المساواة بين الرجل و المرأة في كافة الحقوق المدنية

 و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية، و إحداث آلية للنهوض بالمناصفة بين الرجل و المرأة. و تظهر هذه الحماية كذلك من خلال قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي قضى  على جميع أشكال العنف الممارس ضد المرأة.

   في حين أن بعض القوانين قد عاملت المرأة معاملة خاصة بخصوص الحقوق التي تتمتع بها كمدونة الشغل التي زكت موقعها و رفعت من شأنها داخل سوق الشغل لحمايتها من الظلم الذي تتعرض له من طرف المشغل.

    إلى جانب هذا نجد أيضا مدونة الأسرة التي بدورها عززت دور المرأة داخل المجتمع، حيث جاءت بأهم مبدأ يتمثل في تحقيق المساواة بين النساء و الرجال احتراما للمبدأ الدستوري الذي يجعل الرجل و المرأة سواسية أمام القانون.

   إن موضوع الحماية القانونية للمرأة في التشريع المغربي سيتمحور حول الإشكالية التالية:

  مدى توفق المشرع المغربي في تكريس الطابع الحمائي للمرأة بين القواعد القانونية و إفرازات الواقع العملي؟

  و من خلال ما تقدم سوف نحاول معالجة هذا الموضوع وفق التصميم التالي: 

المبحث الأول: الإطار القانوني لحماية المرأة في التشريع المغربي

المبحث الثاني: نطاق تطبيق القانون في الواقع

 

المبحث الأول: الإطار القانوني لحماية المرأة في التشريع المغربي

مما لا شك فيه أن المرأة في الوقت الراهن أصبحت مثلها مثل الرجل، حيث تتساوى معه في شتى المجالات و ذلك للمساهمة في بناء و تنمية المجتمع.

الأمر الذي دفع المشرع المغربي بدوره للنهوض بسن العديد من النصوص القانونية لتوفير الحماية الكاملة للمرأة المغربية من خلال مشاركته في العديد من المناسبات و تقوية مكانة المرأة داخل المنظومة القانونية المغربية. و هذا يتضح لنا من خلال الدستور المغربي للمملكة الذي خص للمرأة مجموعة من الحقوق كتنصيصه على مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة و تحقيق مبدأ المناصفة، و كذلك مدونة الشغل المغربية التي أعطت للمرأة الأجيرة حماية خاصة بالإضافة إلى مدونة الأسرة هي الأخرى التي أولت اهتماما كبيرا للمرأة. 

   و عليه سنعمل على تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين بحيث سنتناول في (المطلب الأول) مظاهر حماية المرأة في الدستور المغربي و قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء (المطلب الثاني) مظاهر حماية المرأة في مدونة الشغل و مدونة الأسرة.

 

المطلب الأول: الحماية القانونية للمرأة في الدستور المغربي و قانون 103.13                       

ضمن الدستور المغربي للمرأة عدة مبادئ حمائية تتجلى في المساواة بين الرجل و المرأة في الحقوق و الحريات الواردة في هذا الأخير و في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب،و كذلك قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي جاء بمجموعة من نصوص حمائية للمرأة التي تتعرض لظاهرة العنف.

انطلاقا مما سبق سنحاول إلقاء الضوء على مظاهر حماية المرأة في ظل الدستور المغربي للمملكة (الفقرة الأولى) و مظاهر حماية المرأة في إطار قانون 103.13 (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مظاهر حماية المرأة في دستور 2011

  إذا كان الدستور المغربي الجديد هو أسمى قانون للبلاد، فهذا يعني عدم مخالفة مقتضياته مما أدى بالمشرع الدستوري إلى التنصيص على هذه الحقوق و الحريات الأساسية، حيث خص لها الباب الثاني بكامله قصد حمايتها من تدخل المشرع العادي.

   و يتجلى الانتصار للمرأة المغربية من خلال الفصل 19 الذي ينص على تمتيع المرأة و الرجل على قدم المساواة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والبيئية. و كذا في الاتفاقيات و المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

   و الملاحظ أن هذا الفصل أحيل عليه الفصل 164 الذي ينص عن إحداث هيئة مكلفة بالسهر على المناصفة ومحاربة التمييز تطبيقا لما نصت عليه اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة[2].

كما أن جلالة الملك محمد السادس أعطى أهمية كبيرة للمرأة المغربية و مناصفتها مع الرجل من خلال مشاركتها في مناصب عليا إذ أضحت تضطلع بأدوار بارزة كوجودها بالمجالس العلمية من خلال معالجة العديد من القضايا التي تهم المجتمع، و كذلك مشاركتها كعضو اللجنة الاستشارية لصياغة الدستور.

كما تتساوى المرأة كذلك مع الرجل من خلال تمكينها من الولوج إلى مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية وممارسة مهنة القضاء بكل حيادية و استقلال و إصدار الأحكام على مختلف النزاعات المعروضة عليها دون أن تتلقى أي تعليمات أو أوامر أثناء قيامها بهذه المهمة شأنها في ذلك شأن الرجل الممارس لمهنة القضاء.

   إلى جانب هذا أمكن للمرأة المغربية أيضا مزاولة مهنة العدول التي كانت حكرا على الرجال فقط، و هذا فيه ضرب لمبدأ المساواة بين المرأة و الرجل الذي كرسه الدستور المغربي لسنة 2011، إلا أنه سرعان ما تدارك المشرع هذا التمييز و أمكن المرأة من مزاولة هذه المهنة.

   من بين المبادئ الحمائية التي أقرها أيضا دستور 2011 للمرأة هو حقها في المشاركة في الانتخابات بناءا على مقتضيات الفصل 30 منه و تكافؤ الفرص بينها و بين الرجل في ولوج الوظائف الانتخابية، باعتبار المشاركة في الانتخابات و حق التصويت إحدى الحقوق الأساسية و السياسية المكفولة دستوريا لجميع المواطنين دون تمييز.

   و يفرض مبدأي المساواة والمناصفة إقرار مجموع من الآليات و القوانين المصاحبة التي تكون بمثابة خارطة طريق تحصن هذا المكتسب الدستوري الهام، و تضع تدابير إجرائية لتطبيقه بشكل سلس عن أرض الواقع، و نجد على رأس هذه الآليات حث المشرع الدستوري على ضرورة إحداث هيئة للمناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز[3].

الفقرة الثانية: مظاهر حماية المرأة في قانون 103.13

   سطرت المرأة خلال العصور الحديثة مكانة متميزة، حيث استطاعت أن تكون ملكة و قاضية و محامية و شاعرة و محاربة وغيرها من المناصب الأخرى، كما أن لها دور مهم داخل الأسرة حيث تقوم بدورها كزوجة وأم إضافة أنها تقوم بمهمة صعبة تتمثل في تربية الأبناء و صناعة أجيال المستقبل، و هذا الدور لا يمكن إغفاله أو التقليل من خطورته. 

   و بالتالي فالمرأة تواجه العديد من المشاكل و التحديات التي تعوق طريقها كظاهرة العنف ضد المرأة، حيث إن معظم النساء يتعرضن للعنف داخل المجتمع سواء من قبل الزوج أو الأب أو الأخ أو من طرف رب العمل، وبذل التوجه للقضاء لانتزاع حقهن يخترن الصمت مخافة الفضيحة أو حرمانها من أطفالها إذا كان زوجها يهددها بأبنائها، وإذا كانت أجيرة تخاف الطرد من العمل.

   و من هنا جاء اهتمام المشرع المغربي بإصدار قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي صادق عليه مجلس الحكومة يوم الخميس 12 شتنبر 2018، و ذلك تماشيا مع معايير الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب من أجل إحاطة المرأة بعناية تشريعية ضد العنف الممارس عليها.

   و من أهم ما جاء به هذا القانون أنه عرف مفهوم العنف و حدد أنواعه من خلال الباب الأول منه، حيث جاء في المادة الأولى أن العنف ضد المرأة هو كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع  أساسه التمييز بين الجنسين يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو اقتصادي للمرأة.

   أما أنواعه فقد يتخذ العنف ضد المرأة أشكالا كثيرة و متكررة كالعنف النفسي الذي قد يمس كرامة المرأة نفسيا أو إهانتها أو تهديدها، كما يمكن أن يكون العنف جسديا كالضرب و الجرح الذي يمس جسد المرأة. و قد يكون أيضا اقتصادي ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يتمثل في ممارسة ضغوط اقتصادية على المرأة كحرمانها من العمل أو طردها أو إجبارها على العمل. 

   يظهر من خلال هذا المقتضى أن قانون 103.13 منصف إلى حد كبير لأنه قبل صدوره كانت المرأة تتعرض لمختلف أشكال العنف و لا تستطيع التوجه إلى القضاء نظرا لغياب نص قانوني يجرم ذلك الفعل بما فيه العنف النفسي و العنف الاقتصادي حيث يعتبر هذا الأخير خطير جدا، لأن النساء لم يفهمن بعد بشكل موحد القيمة الكبيرة للعنف الاقتصادي.

   لكن نتساءل هنا عن كيفية إثبات وجود هذا العنف سيما العنف النفسي، حيث يصعب على المرأة إثبات أنها فعلا تعرضت للشروط المكونة لهذا العنف النفسي؟

   هنا يمكن الإجابة أنه مادام الإطار القانوني موجود، فإنه يعطينا فسحة للبحث عن كيفية تطبيقه، حيث أصبحت المرأة تستعين بوسائل التواصل كالهاتف و الواتساب و مقاطع فيديو التي تثبت أنها تعرضت للعنف النفسي، و يمكنها بهذه الوسائل حصر المعتدي الذي مس بالمسائل التي ضمنها لها القانون. كما أنها تستطيع إثبات هذا العنف بالتقارير الطبية المنجزة من طرف طبيب نفسي، و هنا تبقى السلطة التقديرية للمحكمة في الأخذ بهذه الوسائل.

   لكن ماذا عن النساء اللواتي يتواجدن بالبوادي و القرى، و النساء الأميات حيث يصعب عليهن إثبات تعرضهن للعنف النفسي خاصة إذا كانت المرأة معنفة في أماكن مغلقة، هنا يمكن القول أنها فقط يجب عليها أن تتقدم بشكاية حتى وإن لم تستجيب لها المحكمة فيجب عليها أن تكرر الشكاية، حيث تعتبر هذه الشكاية في حد ذاتها قرينة إثبات أنها فعلا تعرضت للعنف، و بالتالي فما ضاع حق وراءه مطالب.

   من بين أهم الضمانات التي جاء بها هذا القانون أيضا نجد إمكانية إجراء الصلح بين الطرفين، وذلك بمجرد تنازل المرأة عن الشكاية فإن النيابة العامة تغل يدها عن تحريك الدعوى العمومية و توقف كل إجراءات التحقيق و التحري. أما إذا كانت المحكمة تبت في الملف، فإنها تستجيب لطلب التنازل عن الشكاية. و هذا فيه ضمانة من الضمانات التي جاء بها المشرع من أجل بقاء الأسرة و استقرارها.

   أهم مستجد جاء به هذا القانون كذلك يتمثل في منع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها أو التواصل معها بأي وسيلة، لأن المرأة التي تعرضت للاعتداء بمجرد سماعها صوت المعتدي عليها أو رؤيته من شأنه أن يخلق في نفسها الخوف و الرعب، و بالتالي أصبح بمقتضى هذا القانون منع المحكوم عليه من الظهور أمامها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات ابتداء من تاريخ انتهاء العقوبة المحكوم بها عليه أو من تاريخ صدور المقرر القضائي حسب المادة 5 من هذا القانون المومإ إليه أعلاه.

  كما أكد هذا القانون على ضرورة إخضاع المحكوم عليه لعلاج نفسي ملائم، لأنه قد يكون لديه كبت معين و بالتالي فالعقوبة و حدها لا تكفي للقضاء على هذا الكبت باعتباره يشكل خطرا على المجتمع و المرأة خاصة، و يعد الطبيب المعالج تقريرا عن تطور حالة المحكوم عليه بالخضوع للعلاج كل ثلاثة أشهر على الأقل ويوجهه إلى قاضي تطبيق العقوبات للتأكد من تحسن سلوكه وتفادي عودته إلى نفس الأفعال التي أدين من أجلها.

   يتضح من خلال ما سبق أن المشرع المغربي قد عالج مختلف أشكال العنف التي تمارس على المرأة سواء فيما يتعلق بالقانون الجديد لمحاربة العنف ضد النساء أو القانون الجنائي الذي حدد بمقتضاه العقوبات المطبقة على إتيان أي فعل جرمي ضد المرأة مع التشديد في حالة العود.

 

المطلب الثاني: الحماية القانونية للمرأة في مدونة الشغل و مدونة الأسرة

  على غرار الدستور و قانون 103.13 أقرت مدونة الشغل و مدونة الأسرة عدة حقوق للمرأة من أجل القضاء على مختلف أشكال التمييز بينها و بين الرجل، وهذا ما سنراه في هذا المطلب حيث سنقسمه لفقرتين (الفقرة الأولى) الحماية القانونية للمرأة الأجيرة في مدونة الشغل (الفقرة الثانية) الحماية القانونية للمرأة في مدونة الأسرة.

الفقرة الأولى: مظاهر حماية المرأة الأجيرة في مدونة الشغل

 يشكل دور المرأة في سوق الشغل إضافة نوعية للاقتصاد و المساهمة في تطويره من أجل مواكبة التطورات التي يعرفها العالم، حيث إن خروج المرأة إلى العمل و مشاركتها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية يستلزم أن تحظى بعناية تشريعية لكي تمارس عملها بشكل طبيعي و بدون نقص.

   وقد جاءت مدونة الشغل لتحقيق هذه المهمة و التي تتجلى في حماية المرأة الأجيرة من بعض أشكال الاستغلال الذي تتعرض له من قبل رب العمل كالتمييز بينها و بين الرجل في الأجر حيث تدخل المشرع في هذا الإطار من خلال المادة 9 من مدونة الشغل التي منع من خلالها كل تمييز على أساس الجنس عند تحديد الأجور. حيث يعتبر كل تمييز بين الأجراء بسبب اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية معاقب عليه بغرامة من 15000 إلى 30000 ألف درهم، و في حالة العود تضاعف الغرامة المذكورة أعلاه.

إلى جانب هذا فإن المشرع المغربي منع المرأة من ممارسة بعض الأعمال الشاقة و ذلك نظرا لاعتبارات صحية، حيث تنص المادة 179 من مدونة الشغل على أنه '' يمنع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة، و النساء، و الأجراء المعاقين، في المقالع، و في الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم''. و نصت  المادة 181 أيضا على أنه يمنع تشغيل النساء في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم أو تفوق طاقتهم.

   و يعتبر كل من أخل بمقتضيات هاتين المادتين معاقب بغرامة من 300 إلى 500 درهم، و تكرر هذه العقوبة في حالة تعدد الأجراء الذين لم يراع في حقهم تطبيق أحكام المادتين المومإ إليهما أعلاه على ألا يتجاوز مجموع الغرامات مبلغ 20000 درهم.

أما بخصوص المرأة الحامل فقد شملها المشرع المغربي بعناية خاصة حيث تتمتع بمجموعة من الضمانات  سواء في فترة الحمل أو بعد الحمل، و من بين هذه الضمانات نجد المادة 152 من مدونة الشغل حيث إن المرأة الحامل من حقها أن تطلب إجازة الولادة مدتها 14 أسبوعا متى  أثبتت حملها بشهادة طبية.

   و قد عملت منضمة العمل تأكيد هذه الحماية من خلال العديد من الاتفاقيات الصادرة عنها و منها الاتفاقية رقم 183 لسنة 2000 بشأن حماية الأمومة، حيث رفعت هذه الاتفاقية مقدار الإجازة الممنوحة للمرأة الأجيرة بمناسبة الوضع إلى 14 أسبوع توزع على فترتين قبل و بعد الوضع[4].

   و متى ثبتت  حملها بشهادة طبية فإنه لا يمكن للمشغل إنهاء عقد شغل الأجيرة أثناء توقفها عن الشغل بسبب نشوء حالة مرضية عن الحمل أو النفاس طبقا لأحكام المادة 159 من مدونة الشغل، غير أنه يمكن للمشغل إنهاء العقد إذا أثبت ارتكاب المعنية بالأمر خطأ جسيما.

   كما تنص المدونة على إمكانية الاتفاق بين الأجيرة و المشغل على عطلة غير مدفوعة الأجر لمدة سنة من أجل تربية مولودها، و منح الأجيرة يوميا خلال 12 شهرا من تاريخ استئنافها العمل استراحة مؤدى عنها مدتها نصف ساعة صباحا و نصف ساعة ظهرا قصد إرضاع مولودها[5].

الفقرة الثانية: مظاهر حماية المرأة في مدونة الأسرة

   كما هو معلوم أن المرأة المغربية و كثير من النساء المغربيات كن يعانين في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة من كثير من التعسفات و هضر لحقوقهن بسبب بعض التصرفات التي كان يقوم بها بعض الأزواج و حتى المجتمع في حقهن، حيث ينتظرن بشغف حلول قانونية بغية إنصافهن، الأمر الذي استجاب له المشرع المغربي من خلال صدور مدونة الأسرة التي جاءت بمجموعة من الضمانات الحمائية قصد إنصاف المرأة وحمايتها.

و من بين هذه الضمانات نجد في مقدمتها عدم التمييز بين الرجل و المرأة في تحديد سن الزواج، حيث حددت مدونة الأسرة بموجب المادة 19 منها السن القانوني لإبرام عقد الزواج في 18 سنة سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل عكس ما كان معمولا به بمقتضى مدونة الأحوال الشخصية القديمة التي ميزت بين الرجل و المرأة في سن الزواج حيث تتزوج الفتاة بمجرد وصولها سن 15 سنة أما الرجل فيتزوج عند بلوغه سن 18 سنة.

هذا النوع  من عدم التمييز يتوافق مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادق عليها منذ سنة 1993، و كذلك اتفاقية الرضى بالزواج التي صدرت 1962.

   من بين أهم الأمور الإيجابية التي جاءت بها كذلك مدونة الأسرة الجديدة الولاية في الزواج، حيث يمكن للفتاة الراشدة تزويج نفسها بنفسها وأن تختار من ترتبط به بقناعة واختيار، لكي لا يكون هناك نوع من التعسف من قبل وليها.    

   كذلك توسيع حق المرأة في طلب التطليق، لإخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج، أو للإضرار بالزوجة مثل عدم الإنفاق أو الهجر أو العنف، و غيرها من مظاهر الضرر، أخذا بالقاعدة الفقهية العامة: '' لا ضرر و لا ضرار''، و تعزيزا للمساواة والإنصاف بين الزوجين. كما تم إقرار حق الطلاق الاتفاقي تحت مراقبة القاضي[6].

   في إطار أيضا توفير نوع من الحماية القانونية  للمرأة نصت مدونة الأسرة على مقتضى جديد يتعلق باستقلال الذمة المالية للزوجين و حماية أموال الزوجة من الغبن، و ذلك من خلال أحكام المادة 49 من مدونة الأسرة التي نصت على أنه ''لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر...''،  لكن مخافة من جعل هذه الاستقلالية سببا للصراعات بين الزوجين، فإن مدونة الأسرة أعطت حلا للزوجين يتمثل في اتفاق مشترك بين الطرفين لكيفية تدبير المالية الزوجية بنوع من التوافق بعيدا عن الصراعات و تغليب الطرف على الآخر.

   هذه التدابير الحمائية كلها ليس القصد منها الرفع من شأن النساء و تغليبهن على الرجال أو جعلهن متعسفات مما يتداول بين الناس في المجتمع، وإنما القصد من ذلك هو حماية الأطراف الضعيفة و صيانتها من التعسف حتى تضمن الاستقرار الأسري.

المبحث الثاني: نطاق تطبيق القانون في الواقع

عرفت المنظومة القانونية تحولات عميقة من خلال مجموعة من النصوص القانونية، و التي تتجلى في حماية المرأة بالدرجة الأولى و احتلالها مكانة متميزة في التشريع المغربي، حيث تعتبر طرفا ضعيفا يستلزم الحماية سواء في  التشريع المغربي أو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب بغية تحقيق المساواة بين الطرفين.

   و من أهم القوانين التي سنت مبدأ المساواة بين المرأة و الرجل، نجد مدونة الأسرة التي جاءت بمبادئ حمائية  للزوجة، و مدونة الشغل من خلال سن قوانين حمائية للمرأة الأجيرة، و ذلك من أجل التغلب على تعنت المشغل.

  لكن بالرغم من توفير كل هذه الضمانات الحمائية للمرأة في التشريع المغربي إلا أن تطبيق هذه النصوص على أرض الواقع يواجه عدة عراقيل نظرا لغياب الوعي لدى العديد من النساء في المجتمع و إدراكهن بحقوقهن، وبالتالي تظل هذه القوانين جامدة تحتاج تفعيلها و تطبيقها على أرض الوقع.

   ومن أجل رصد تطبيق القانون في الواقع  سوف نقوم بتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين حيث سنعرض لمظاهر تطبيق  مدونة الشغل في الواقع (المطلب الأول) على أن ننهي هذا المبحث بالحديث عن مدى انسجام أحكام مدونة الأسرة بين النص و الواقع( المطلب الثاني).



[1] محمد عداوي، حقوق المرأة في التشريع المغربي، مقال منشور في مجلة جيل حقوق الإنسان، العدد 32، ص: 11.      

[2] مظاهر حماية المرأة في التشريع المغربي، مقال منشور في الموقع التالي: WWW.LABODROIT.COM  تم الاطلاع عليه بتاريخ 20 فبراير 2022 على الساعة 00:12.

[3] كريم لحرش، الدستور الجديد للمملكة-شرح و تحليل-، ص: 37. انظر الرابط  

 تم الاطلاع عليه بتاريخ 23 فبراير 2022 على الساعة 13:27.https://www.coursdroitarab.com

[4] الزيتوني ياسير،الحماية القانونية للمرأة الأجيرة من خلال أحكام مدونة الشغل، مقال منشور في الموقع التالي:            

 تم الاطلاع عليه بتاريخ 23 فبراير 2022 على الساعة 22:01. https://revuealmanara.com    

[5] تم الاطلاعWWW.LABODROIT.COM

مظاهر حماية المرأة في التشريع المغربي، مقال منشور في الموقع التالي:  عليه بتاريخ 12 فبراير 2022على الساعة 21:39.                                                                                 

[6] محمد الكشبور، الواضح في شرح مدونة الأسرة الجزء الثاني انحلال ميثاق الزوجية، الطبعة الثالثة، الدار البيضاء، سنة

2015، ص: 19.                                                                                                                  


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك

من أجل تحميل هذا العدد الثاني عشر - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث