نطاق الحماية القانونية للحياة الخاصة - أسماء بوزيدي - عبدالعزيز زياني


نطاق الحماية القانونية للحياة الخاصة

Scope of legal protection for private life

أسماء بوزيدي / باحثة في صف الدكتوراة تخصص الأعمال والاستثمار جامعة محمد الأول بوجدة.

عبدالعزيز زياني / دكتور في القانون الخاص

ASMAE Bouzaidi

ABD ELAZIZ Ziani


يطرح موضوع حماية الحياة الخاصة إشكالية فيما يتعلق بمسألة معرفة أي نوع من الحماية يمكن للفرد أن يأمل منطقيا في هذه الظروف أو تلك، كما يطرح مجموعة من الأسئلة مرتبطة بطبيعة وأهمية الاعتداء الحاصل، فقد يكون الاعتداء من فرد على الحياة الخاصة لفرد آخر، وقد ينتج عن فعل أو قرار حكومي أو أيضا عن قانون وهذا التمييز لا يخلو من أهمية بما أن الحماية والتقاضي التي يستفيد منها الضحية ستختلف حسب ما إذا كان الاعتداء ذو طابع خاص أو عام[1].

وعليه، إذا كان العهد الدولي الخاص بالخصوص المدنية والسياسية قد نص في الفقرة الأولى من المادة 17 على ضرورة احترام الحق في الحياة الخاصة، فإنه في الفقرة الثانية من المادة أكد على أهمية الحماية من أي انتهاك لهذا الحق حيث نص على أنه:" من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس".

وبالتالي فإن العديد من القوانين الوضعية، نصت على ضرورة حماية الحق مدنيا وجنائيا ضد أي اعتداء، مع مراعاة المصالح المتقاطعة، فالقانون يحرص على توفير الوسائل الوقائية والإجرائية لحماية هذا الحق قبل وقوع الاعتداء،فما هي حدود نطاق الحماية القانونية للحياة الخاصة؟.

للإجابة عن هذا التساؤل ارتأيت تقسيم الموضوع إلى مطلبين.

 

المطلب الأول: الحماية المدنية

لعل التشريعات المدنية ما وجدت إلا لتوفير الحماية المطلوبة للحق في المعطيات ذات الطابع الشخصي والحياة الخاصة بشكل عام، والوقاية هنا ليست خيرا من العلاج فقط، بل هي الحماية الحقيقية للحق في حرمة الحياة الخاصة التي تكمن في منع العلانية والإبقاء على الخصوصية.[2]

لذا فإن القانون حرص على كفالة الحماية المناسبة للحق في الحياة الخاصة، ويتحقق ذلك اتخاذ إجراءات وقائية لمنع وقوع الاعتداء( الفقرة الأولى)، وعن طريق إلزام المعتدي بالتعويض( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الإجراءات الوقائية والاستباقية لوقف الاعتداء

تتمثل هذه الإجراءات والتدابير ابتداء بالوسائل التي تمنع بشكل مسبق المساس بالحق في الحياة الخاصة، وهي تختلف عن الوسائل التي قررها القانون بعد وقوع الاعتداء على هذا الحق مثل التعويض والعقوبات الجنائية،[3]

وقد أخذ القضاء الفرنسي يلجأ إلى هذه الإجراءات الوقائية حفاظا على حق الأشخاص في حياتهم الخاصة، نظرا لسرعتها وفعاليتها في الحماية المرجوة لحد من خطورة الاعتداءات الماسة بالحياة الخاصة بحيث لا يمكن تحملها ولا التسامح فيها، لما تسببها من ضرر جسيم للشخص، لا يمكن تعويضه أو إصلاحه عن طرق التعويض النقدي بواسطة قاضي الموضوع،[4] فلا حل لتفادي هذا الضرر أو إصلاحه بطريقة فعالة سوى وقف النشر الذي يكون من حق قاضي الأمور المستجلة أن يأمر به  وكان هذا المسلك يكشف بوضوح عن حرص القضاء على الوفيق بين الاعتبارات التي تقتضيها حرية الصحافة والحق في الإعلام من جهة، وتلك التي تفرضها فكرة احترام الحياة الخاصة من جهة أخرى.[5]

تتخذ التدابير الاستباقية قبل وقوع الاعتداء على الحق في الحياة الخاصة، كما تتميز بأنه يمكن للشخص المطالبة بهذه الإجراءات ولو لم يقع عليه أي ضرر،[6] وقد تتمثل هذه الإجراءات بمنع كشف معلوماتعن الحياة الخاصة أو نشره، أذا لم تكن قد نشرت وقد تتمثل بوقف نشرها أذا كانت قد نشرت أصلا.

فبقراءة المادة التاسعة من القانون الفرنسي لسنة 1970،يتبين أن الفقرة الأولى تتحدث عن الحق في احترام الحياة الخاصة حيث نصت على أن :" لكل شخص الحق في احترام حياته الخاصة"، فيما استعمل المشرع الفرنسي في الفقرة الثانية من نفس المادة تعبيرا مغايرا، حيث أجاز بعض الإجراءات كالوقف والتحفظ وغيرهما في حال ما كان هناك اعتداء على حميمية الحياة الخاصة[7] والذي يجيز للقاضي اتخاذ التدابير الوقائية بمجرد وقوع الاعتداء على الحياة الخاصة، دون ربط ذلك بما إذا كان هناك ضرر أصاب المعتدى عليه أم لا، فمناط تحريك سلطة القاضي واتخاذه لإجراء من الإجراءات الوقائية هو الاعتداء على الحياة الخاصة، لا وقوع الضرر.[8]

الملاحظ أن ما نصت عليه المادة التاسعة من القانون المدني الفرنسي، آثار تساؤلا جوهريا مؤداه القصد من التنصيص على الحق في الحياة الخاصة في الفقرة الأولى، وعلى حميمية الحياة الخاصة في الفقرة الثانية، ومنه التنصيص على الإجراءات الوقائية المذكورة ليس في حال الاعتداء على الحياة الخاصة، بل في حالة أخرى ذات دلالة أضيف إليها حالة الاعتداء على حميمية الحياة الخاصة.[9]

وبالتالي فإن المشرع الفرنسي قد تعمد هذا التمييز، على اعتبار أن مفهوم حميمية الحياة الخاصة أضيق من مصطلح الحياة الخاصة ذاتها، ويؤكد ذلك ما ورد في الأعمال التحضيرية بخصوص هذه المادة، إذ جاء فيها أن المشرع قد يستخدم تعبير "حميمية الحياة الخاصة" بهدف التضييق من حالات وقف النشر والتحفظ، فضلا عن استخدام كل من المشرع الجنائي الفرنسي لهذا التعبير في نص المادة 1.266 من قانون العقوبات الفرنسي، الذي يجرم الاعتداء على الحياة الخاصة.[10]

أما فيما يخص القانون الغربي، فإننا نجد أن القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر،[11] خصصت – فصله الثالث من الفرع الرابع من الباب الأول من القسم الثالث- المادة 89 لحماية الحياة الخاصة والحق في الصورة حيث نصت في فقرتها الأولى على أنه :" يعد تدخلا في الحياة الخاصة كل تعرض لشخص يمكن التعرف عليه، وذلك عن طريق اختلاق ادعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية لأشخاص أو تتعلق بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو تأثير على تدبير الشأن العام". كما نصت الفقرتان الثانية والثالثة من نفس المادة على معاقبة هذا التدخل، إذا تم نشره دون موافقة الشخص المعني أو رضاه المسبقين باعتباره يدخل ضمن نطاق السبب، أما إذا كان النشر يهدف إلى المس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم فهذا الفعل يدخل ضمن ما يسمى بالقذف.

وقد نصت المادة 108 من القانون رقم 88.13 على أنه :" يجوز للمحكمة قبل البث في جوهر دعوى القذف أو السب أو الإساءة للحياة الخاصة أو الإساءة للحق في الصورة، أن تأمر بحجز كل عدد من مطبوع دوري الذي نشرت فيه المادة موضوع الدعوى، أو سحب المادة من الصحيفة الإلكترونية بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بناء على ملتمس من النيابة العامة أو بناء على طلب من المشتكي".

ومن الوسائل الأخرى التي يمكن اللجوء إليها لرفع الاعتداء أو وقفه عند المساس بالحق في الحياة الخاصة، يمكن الإشارة إلى الحذف الجزئي، أو التعديل لبعض محتويات المطبوعات، وقد يلجأ إلى ذلك المدعى عليه من تلقاء نفسه لتلاقي الوقوع تحت أمر بالحراسة القضائية أو الحجز.[12] 

الفقرة الثانية: المسؤولية المدنية

إن تقرير حماية خاصة للحق في الحياة الخاصة، تقتضي التعرض لقواعد المسؤولية المدنية لمعرفة مدى ملاءمتها لحماية هذا الحق.

- الخطأ:

نص القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 على أنه :" كل فعل يترتب عليه ضرر للغير يلزم من تسبب في وقوعه بإصلاح هذا الضرر،[13] ومنه جرت أحكام الفضاء قبل صدور قانون سنة 1970، على تخويل المدعى الحق في التعويض جنبا إلى جنب مع الإجراءات والتدابير الوقائية الأخرى،[14] وكان القضاء يكتفي بتمسك المعتدى عليه بأحكام المسؤولية المدنية، لكي يحكم له بالتعويض دون الحاجة لإثبات أركان المسؤولية من جانب المعتدى عليه.[15]

فيما اعترفت المادة التاسعة من القانون المدني الفرنسي لسنة 1970، بالحق في احترام الحياة الخاصة كحق مستقل،[16] ومع ذلك واصل بعض القضاء تأسيس المسؤولية عن القواعد التي تضمنها نص المادة السابقة – المادة 1382 من قانون 1804-، مع إعفاء المعتدى عليه من إثبات توافر أركان المسؤولية.[17]

أما بالنسبة للمغرب، فنسجل غياب نص قانوني صريح، مماثل للمادة التاسعة من القانون المدني الفرنسي لسنة 1970 كما أن القانون رقم 09.08[18] لم يحدد هو أساسا المسؤولية المدنية بل تم الأخذ بالنصوص العامة الواردة بقانون الالتزامات والعقود المتعلقة بالنظرية العامة للمسؤولية المدنية، بحيث يمكن اعتبار كل فعل ضار ماس بالحياة الخاصة، من شأنه أن يؤدي إلى طلب التعويض عنه لفائدة المتضرر، وذلك عند توفر عنصري الضرر والعلاقة السببية، وبناء على ذلك يمكن القول بأن كل اعتداء على الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية من حيث الأصل، يمثل خطأ مدنيا موجبا للتعويض،[19] وبقيام أركان المسؤولية المدنية، الاعتداء غير المشروع (ركن الخطأ) والضرر (ركن الضرر)، وكون الضرر ناشئا عن الاعتداء غير المشروع (علاقة السببية) يمكن للقاضي أن يحكم بالتعويض، بإسناده مبلغا ماليا للمتضرر، مقابل ما لحقه من ضرر مادي ومعنوي.[20]

وبالتالي فإن ركن الخطأ هنا يتحقق متى ما تم الإخلال بمبادئ المعالجة، كمبدأ إخبار الشخص المعني بالمعالجة، أو دون موافقته المسبقة، أو لغايات غير مشروعة. أي أن الخطأ يتحقق عندما لا يتم احترام مبادئ حماية المعطيات الشخصية وحقوق المعني بالأمر المنصوص عليها في قانون 09.08 وباعتبار الشخص المعالج هو المسؤول عن ضمان سلامة المعطيات الشخصية باعتباره هو من يتولى تحرير دفاتر أو إنشاء بطاقات، أو ملفات تجمع فيها تلك المعطيات، حيث يتولى معالجتها بنفسه أو ياذن لغيره، وهي نفس الالتزامات المحمولة على المسؤول عن المعالجة بصورة عامة.

وعليه، فإنه يبقى لقاضي الموضوع من خلال سلطته التقديرية، النظر في مدى توافر عنصر الخطأ من عدمه، من خلال ما يدعم به ذلك من حيثيات القضية، وما يزكيها من وثائق مدلى بها.[21]

- الضرر

يعتبر الضرر ركنا هاما في المسؤولية المدنية بشكل عام، فإذا أمكن تصور مسؤولية دون إلا أنه لا يمكن تصور مسؤولية دون ضرر،[22] لاسيما إذا تعلق الأمر بالتعويض إذ لا يكون إلا عن ضرر أصاب المدعي.



[1] -Benoit Pelletier « la protection de la vie priée au canada », la revue juridique  Thémis, 35 R.J.T, 2001 les Edition Thémis, Faculté de droit, Université de Montréal,p :487.

[2] - عبدالعزيز خنفوسي، دور القواعد القانونية المدنية  في حماية الحق في حرمة الحياة الخاصة – دراسة على ضوء التشريع المقارن والجزائري-، مقال منشور بمجلة منازعات الأعمال، العدد 20، 2017، ص: 21.

[3] - علاء الدين عبدالله الخصاونة  وبشار طلال المومني، النظام القانوني للصورة الفوتوغرافية –دراسة مقارنة في القواعد العامة وقواعد حقوق الملكية الفكرية-، مقال منشور بمجلة الشريعة والقانون ، العدد 53، 2013، ص: 255.

[4] - صفية بشاتن، الحماية القانونية للحياة الشخصية – دراسة مقارنة-، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، الموسم الجامعي: 2012-2013، ص: 337.

[5] - ممدوح خليل بحر، حماية الحياة الخاصة في القانون الجنائي- دراسة مقارنة-، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية القاهرة، 1983، ص: 434.

[6] - المرجع نفسه.

[7] - تنص الفقرة الثانية من المادة التاسعة من القانون المدني الفرنسي لسنة 1970 رقم 70-643 على أنه :" للقضاة أن يتخذوا كافة الإجراءات كالحراسة والحجز وغيرهما، الجديرة بمنع أو وقف أي اعتداء على حميمية الحياة الخاصة، ويمكن أن يلجأ قاضي الأمور المستعجلة إلى هذه الإجراءات متى توافرت شروط الاستعجالي، وذلك دون المساس بحق الشخص في التعويض عما يصيبه من ضرر".

[8] - علاء الدين عبدالله الخصاونة وبشار طلال المومني، مرجع سابق، ص: 258.

[9] - ممدوح خليل بحر، مرجع سابق، ص: 435.

[10] - صفية بشاتن، مرجع سابق، ص: 341.

[11] - الظهير الشريف رقم 1.16.122 ، الصادر في 6 ذي القعدة 1437 الموافق 10 أغسطس 2016 بتنفيذ القانون  رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر ، الجريدة الرسمية  عدد 6491، بتاريخ 11 ذو القعدة  1437 الموافق 15 أغسطس 2016، ص: 5966.

[12] - يرى الكثير عدم فعالية  هذا الإجراء في مجال الصحف  لصعوبة حذف بعض ما جاء فيها أو تعديله بعد خروجها إلى نقاط التوزيع والبيع، وإن كان القضاء الفرنسي قد أقره كإجراء في مجال الحق في الصورة ، مصطفى أحمد عبد الجواد حجازي، الحياة الخاصة ومسؤولية الصحفي -  دراسة فقهية قضائية مقارنة في القانون المصري والفرنسي-، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي القاهرة، 1983، ص: 163.

[13] - كان القضاء الفرنسي يؤسس أحكامه على قواعد المسؤولية المدنية وفقا لنص المادة من القانون المدني لسنة 1804.

[14] - ممدوح خليل بحر، مرجع سابق، ص: 444.

[15] -TGI Paris,24 November 1965 , JCP. 1906-02-14521, note R Lindon ;14 Avril 1970, GP, 1970, 2-150 ;                  15 Mai 1970, D. 1970 Jur. 44-

[16] - هذا الاعتراف قد يفيد استقلال قواعد التعويض المنصوص عليه  في المادة التاسعة  عن  تلك الواردة في المادة 1382 لسنة 1804.

[17] -  ظل المدعى يتمسك بتطبيق أحكام هذه المسؤولية  المدنية حتى بعد صدور المادة التاسعة  دون أن يتمسك في أغلب الحالات بانتهاك الحق في حماية الحياة الخاصة كحق جديد مستقل.

[18] - ظهير شريف رقم 1.09.15 صادر في 22 من صفر 1430 (18 فبراير 2009) بتنفيذ القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5711 بتاريخ 27 صفر 1430 ( 23 فبراير 2009)، ص: 552.

[19] - ينص الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود على أنه :" كل فعل ارتكبه شخص عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون وأحدث ضررا ماديا أو معنويا، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر، وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر".

[20] - ينص الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود على أنه :" كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه لا يفعله فقط، ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا  الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر."

[21] - يمكن القول في هذا الصدد أن حكم القاضي بمدى توافر الخطأ يبقى خاضع لرقابة محكمة النقض.

[22] _ جميل الشرقاوي، النظرية العامة للالتزام، الكتاب الأول، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية القاهرة، 1993، ص: 522.


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك

من أجل تحميل هذا العدد الثاني عشر - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث